الحماية الجنائية للمقابر وحرمة الموتى بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون المغربي والمقارن
الحماية الجنائية
للمقابر وحرمة الموتى بين أحكام الشريعة الإسلامية والقانون المغربي والمقارن
من أعداد الباحث: عماد أكضيض
باحث في سلك الماستر تخصص العلوم الجنائية والأمنية
-جامعة
القاضي عياض مراكش
v
الإطار العام للموضوع:
شهدت البشرية مند الأزل، وخاصة في القرون
الأخيرة حوادث مفزعة تكررت بشكل لافت للانتباه، وأصبحت ظاهرة خطيرة انتشرت في كل
بقاع العالم، ألا وهي ظاهرة الاعتداء على حرمة الأموات وانتهاك مقابرهم تارة
بالتفجير والحرق والتلويث وتارة أخرى بالنبش والتدنيس.
ولم
يقف الأمر عند هذا الحد بل تضخم ليصل إلى حد سرقة الجثث وبيعها أو استعمالها في
التجارب والبحوث العلمية أو الاتجار فيها، أو انتزاع الأعضاء من جثث الأموات
لزرعها في الأحياء، أو استعمالها في أعمال السحر والشعوذة.[1]
ومن الأمور التي يظنها كثير من الناس أن حرمة
الانسان تنتهي بالممات، وجهلوا أن الله عز وجل جعل لجثة الميث من الصيانة،
والحقوق، ما هو تابت بالنصوص القطعية التي تناقلها الأثبات من أئمة الإسلام، كما
أن الله عز وجل كفل الحق في حرمة الميث في القرآن الكريم من خلال تكريمه للإنسان
وتشريفه بالدين، وتفضيله على سائر المخلوقات مصداقا لقوله:" ولقد كرمنا بني
آدم...".
وهذا التكريم لم يقتصر على مدة حياة الانسان بل تعداه الى مماته، فالإسلام
حريص على احترام وتكريم الانسان حيا وميتا، من ذلك انه اقر للموتى بعض ما شرعه
للأحياء، فراعى سترهم حيث جاء عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " لا تبرز فخذك للناس ولا تنذر الى فخذ حي أو ميت " أبو داود، كما
شرع زيارتهم فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم انه قال:" كنت نهيتكم عن زيارة
القبور فزوروها" مسلم، كما أشار أيضا إلى إحساس الموتى لمن فوقهم من الأحياء.[2]
ولقد تعرض فقهاء الإسلام للأحكام المتعلقة
بحرمة الميت فوضعوا أبوابا في كتب الفقه وشروح الحديث، وكتب التفسير، وفرعوا من
مسائل الأصول فروعا اضطرتهم إليها النوازل الحادثة في كل زمان ومكان، حتى أدركنا
هذا العصر، عصر التكنولوجيا والأبحاث الطبية والعلمية الحديثة، حيث كثرت فيه صور
الاعتداءات على حرمة الأموات ومقابرهم، وكذا ما طرأ من النوازل والمسائل لا سيما
تلك المتعلقة بالاكتشافات الطبية الحديثة، الأمر الذي يستوجب توفير الحماية
اللازمة لجسم الانسان سواء كان حيا أو ميثا.
ونتيجة لكثرة الاعتداءات والأفعال التي أصبحت
تتعرض لها المقابر في بلانا وباقي بلدان العالم، فقد اتجهت جل التشريعات الوضعية
ومن بينها التشريع المغربي إلى سن نصوص قانونية تجرم هذه الأفعال وتكفل حرمة
الأموات وتعزيز الحماية لمقابرهم، حيث رتبت على انتهاك حقوق الميت عقوبات زجرية
سواء كان ذلك منصب على جثثه أو على قبره وكل ما يتعلق به، وبذلك تكون قد طبقت
مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة والتي تدعو الى احترام وتوقير الأموات.
ونظرا للأهمية البالغة التي يحتلها هذا الموضوع
في الوقت الراهن، وكذا لقلة البحوث العلمية والكتابات القانونية التي نبشت في
أعماقه، ارتأينا أن نخوض هذه التجربة ونبحث فيه وذلك من خلال بيان تجليات الحماية
الجنائية لحرمة الميت والمقابر في الشريعة الإسلامية والقانون المغربي، بالتطرق
إلى مظاهر الحماية التي أولتها الشريعة الإسلامية لحرمة الميت وأبرز الحقوق التي
كفلتها له، وكذا مختلف صور الاعتداءات التي تعرض لها التشريع الجنائي المغربي،
وبيان أثر الحماية الجنائية التي خص بها التشريع الجنائي الإسلامي والقانون الوضعي
تلك الحرمة على حد سواء، من خلال التعرض للجزاءات المترتبة على هذه الاعتداءات.
الأمر الذي دفعنا لطرح الإشكال التالي: ما مدى
فعالية الحماية الجنائية للمقابر وحرمة الأموات في الشريعة الإسلامية والتشريع الجنائي
المغربي؟ وهل استطاعت المقتضيات الجنائية الزجرية الحد من مختلف صور الاعتداءات
التي تتعرض المقابر بشكل عام والأموات على الخصوص؟ كل هذه الإشكالات سنحاول
الإجابة عليها من خلال التصميم التالي:
-المبحث الأول: الحماية الجنائية للمقابر وحرمة
الميت في الشريعة الإسلامية
-المبحث الثاني: الحماية الجنائية للمقابر وحرمة
الميت في التشريع المغربي
المبحث
الأول: الحماية الجنائية للمقابر وحرمة الميت في الشريعة الإسلامية
من المعلوم أن الله عز وجل قد كرم بني آدم وفضله على
كثير ممن خلق تفضيلا، لذلك قال في محكم كتابه:" ولقد كرمنا بني آدم
وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم..."[3]،
وذلك نهى عن امتهان أو ابتدال ذاته، ونفسه، أو تشويهه، أو التعدي على حرماته حيا
كان أو ميتا.
ومسألة احترام الموتى ومقابرهم من أعرق
الاعتقادات الدينية وأعمقها، إذ يعتبر الموتى هم أهم الأرض وساكنوها، فلا يجوز
الاعتداء عليهم بـأي شكل من الأشكال، وهو ما ابتلي به العالم اليوم من انتشار
الاعتداءات بكل صورها على حرمة الموتى، وانتهاك للمقابر بالنبش والتمثيل
واستغلالها في مسائل السحر والشعوذة إلى غير ذلك من الأفعال النيئة التي تخل
بالاحترام الواجب لهم.
وهو الأمر الذي تنبهت إليه الشريعة الإسلامية
السمحة، وذلك من خلال تجريمها لمجموعة من التصرفات والأفعال التي تنتهك حرمة
الموتى ومقابرهم (المطلب الأول)، ووضعت لها بذلك جملة من العقوبات تطبق على كل
مخالف للقواعد الشرعية المرسومة (المطلب الثاني).
المطلب
الأول: جرائم الاعتداء على المقابر وحرمة الميت في الشريعة الإسلامية
من خلال تصفحنا لأحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بجثة
الميت وقبره، وجدنا أن نظرتها للجرائم الماسة بحرمة الميت وقبره أوسع وأشمل مما هي
عليه في القوانين الوضعية، حيث نصت على مجموعة من الجرائم والتي يمكن التعرف عليها
من خلال التطرق في (الفقرة الأولى) إلى الجرائم الواقعة على حرمة المقابر، والحديث
في (الفقرة الثانية) عن تلك الواقعة على حرمة الميت.
الفقرة
الأولى: الجرائم الواقعة على حرمة المقابر
إن من عظيم عناية الله عز وجل بعباده أن سن
لهم إقبار موتاهم، ولم يتركها كالبهائم ترمى فتأكلها الكلاب والطير، وبذلك تصبح
جيفة نتنة، بل أكرمهم بالإقبار وفطر ذلك على بني آدم، كما قال عز شأنه في كتابه
الكريم" ألم نجعل الأرض كفاتا، أحياء وأمواتا"[4]،
وقوله كذلك " تم أماته فأقبره"[5]، إلى
غير ذلك من الصور والآيات التي أورد فيها سبحانه وتعالى مسألة إقبار الموتى، والأحاديث
النبوية الشريفة كما سنتعرض لها في حينها.
وبناء على هذا التكريم الإلهي فقد أولى الدين
الإسلامي الحنيف عناية وحماية جنائية لحرمة مقابر الموتى بأن سن مجموعة من الأفعال
الاجرامية التي تدخل في نطاق انتهاك حرمة المقابر، ومنها جريمة بناء المساجد على
القبور والتمسح بها (أولا)، جريمة الذبح عند القبور واتخاذها اعيادا (ثانيا)،
وأخيرا جرائم نبش القبور (ثالتا).
أولا:
جريمة بناء المساجد على القبور والتمسح بها
لقد نهت الشريعة الإسلامية عن اتخاذ القبور
مساجدا أو بناء المساجد عليها أو التمسح بها، وذلك سدا للدريعة المفضية إلى الشرك
بالله عز وجل، وحفظا لحرمة لقبور من البدع والفتن.
فبخصوص جريمة اتخاذ القبور مساجدا أو بناء
المساجد عليها، فورد النهي صريحا، وبذلك جاءت النصوص متواثرة، فمنه ما رواه
الشيخان البخاري ومسلم رحمة الله عليهما، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم:" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم
مساجدا" قالت عائشة: يحدر ما صنعوا، قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره غير أن خشي
أن يتخذا مسجدا".
وذلك انه كان قديما إذا مات فيهم نبي أو رجل
صالح صورا صورته وبنو عليه مسجدا ليأنسو برؤية صورته، ويتعظوا لمصيره ويعبدوا الله
عنده، فمضت على ذلك أزمان، وجاء في الصحيحين، أن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله
عنهما، ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من
الصور، فقال صلوات ربي وسلامه عليه:" أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح
بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم
القيامة"، وجاء بعدهم خلف رأوا أفعالهم وعبادتهم عند تلك الصور ولم يفهم
أغراضهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم، وألقى إليهم أنهم كانوا يعبدونها فعبدوها.
وبهذا فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اتخاذ
قبره مسجدا خشية أن يعبد من دون الله عز وجل، ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله
رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول:"
إني أبرأ الى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ
إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإن من
كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد
فإني أنهاكم عن ذلك".[6]
وبين
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى العلة في نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ
القبور مساجد، فقال:" وهذه العلة هي لأجلها نهى الشارع، هي أوقعت كثيرا من
الأمم، إما في الشرك الأكبر، أو فيما دونه من الشرك، فإن النفوس قد أشركت بتماثيل
القوم الصالحين، وبتماثيل يزعمون أنها طلاسم للكواكب ونحو ذلك".
والأحاديث في هذا الباب كثيرة، والخلاصة منها
أن جل الأئمة من علماء المسلمين من جميع المذاهب الأربعة وغيرهم على النهي عن
اتخاذ المساجد على القبور وحذروا من ذلك، عملا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم،
ونصحا للأمة وتحذيرا لها أن تقع فيما وقع فيه من قبلها من غلاة اليهود والنصارى
وأشباههم من ضلال هذه الأمة.[7]
وبذلك ذهب ابن حزم رحمة
الله تعالى وغيره إلى تحريم الصلاة الى المقبرة وفي المقبرة، لما تبث من الأحاديث
المتواثرة التي لا يسع لأحد تركها[8]،
ودليل تحريمها ما تبث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الأرض كلها
مساجد إلا الحمام والمقبرة".[9]
أما فيما يتعلق بمسألة التمسح بالقبور
وتقبيلها، فتعتبر من الأعمال المبتدعة التي تعد ذريعة لتقديس الأشخاص والاشراك
بالله عز وجل، ولو كان المتمسّح به قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا قال شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:" واتفق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه
وسلم، أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين – الصحابة وأهل البيت وغيرهم-أنه لا
يتمسح به، ولا يقبله، بل ثبت في الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: والله
إنني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أنني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقبلك ما قبلتك".[10]
ولهذا لا يسن باتفاق الأئمة أن يقبل الرجل أو
يسلم ركني البيت، ولا جدران البيت، ولا مقام إبراهيم، ولا صخرة بيت المقدس، ولا
قبر أحد من الأنبياء والصالحين، حتى تنازع الفقهاء في وضع اليد على منبر سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان موجودا، فكرهه مالك وغيره، لأنه بدعة، وذكر
أن مالكا لما رأى عطاء فعل ذلك لم يأخذ عنه العلم، ورخص فيه أحمد وغيره، لأن ابن
عمر رضي الله عنهما فعله، وأما التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيله
فكلهم كره ذلك ونهى عنه، وذلك لأنهم علموا ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم من
حسم مادة الشرك وتحقيق التوحيد وإخلاص الدين الله رب العالمين".
فالثابت من هذه
الأحاديث وغيرها أن الشارع الحكيم قد نهى عن بناء المساجد على القبور ونهى كذلك عن الصلاة
إليها وعندها أو التمسح بها، ولعن من فعل ذلك لما في ذلك من امتهان لحرمة
المقابر والموتى ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى عبادة القبور وتعظيمه كما فعلت الأمم من
قبل، وأن هذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يجب
إزالتها بالهدم أو غيره.[11]
ثانيا:
جريمة الذبح عند القبور واتخاذها أعيادا[12]
إذا كانت الشريعة الإسلامية قد أباحت زيارة القبور
على الوجه الشرعي واعتبرت ذلك سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث
قال:" زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة"، فإذا تمت زيارة القبر للدعاء
له، ولتذكر الموت والآخرة فهذا كله طيب ومحمود، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام
يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين
والمسلمين، وإن إنشاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، فإن زيارتهم
لغير ما ذكر، لطلب الموتى على قضاء مسألة من المسائل، أو الاستغاثة بهم، وطلب
الشفاء منهم، يعد زيارة شركية، هذه زيارة منكرة، بل هي شرك أكبر، لأن دعاء الأموات
والاستغاثة بالأموات، والنذر لهم شرك أكبر، وهكذا الذبح لهم، كونه يذبح بقرة، أو بعير، أو شاة،
أو دجاجة، يتقرب إلى الميت، يرجوا شفاعته، أو يرجوا بركته هذا شرك أكبر، يقول
سبحانه وتعالى في سورة الأنعام :" إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب
العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين".[13]
وهذه تعد من الجرائم التي فيها انتهاك لحرمة
المقابر والموتى، إذ تعد من المنكرات التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم،
لكونها ذريعة للشرك بالله عز وجل، وأساس نهي النبي عليه الصلاة والسلام، ما روى
أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا
تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث
كنتم".[14]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم كذلك:"
لعن الله من ذبح لغير الله"، فليس لأحد أن يذبح للأصنام، أو للأولياء، أو
للجن، بقصد التقرب إليهم، طلب شفاعتهم، أو نصرهم على الأعداء، أو لطلب إغاثتهم، أو
ليشفوا مريضه، أو يردوا غائبه، أو يعطوه الولد، أو ما أشبه هذا مما يفعله عباد
القبور، وعباد الأولياء وعباد الأصنام، أما الذبح عند القبور لله، لا للأولياء
الله بغرض التقرب إلى الله، فهذه بدعة، القبور منهي الذبح عندها، هذا توسيخ لها وإيذاء
وتلويث لها.
لقد ابتدع بعض الناس منذ أزمنة طويلة بدعا
عظيمة تتعلق بالقبور، ومن أقبح تلك البدع: تخصيص زيارة قبور القرابات في الأعياد
أو في أوقات وأزمنة معينة، ومن يفعل ذلك يرى أن زيارة الأقارب من الموتى في ذلك
اليوم من باب البر وزيادة الود لهم، وهذا
لا شك من البدع الْمحدثة المحرمة، وهذا منهي عنه لما ورد عن
النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال:" لا عقر[15] في
الإسلام"[16]،
وذلك لأنهم كانوا يعقرون الإبل على قبور الموتى، أي ينحرونها ويقولون: إن صاحب
القبر كان يعقر للضيوف أيام حياته فنكافئه بمثل صنيعه بعد وفاته.
والغريب في الأمر أنه رغم نهي الشريعة
الإسلامية عن هذه الأفعال واعتبرتها من الشركيات ومن كبائر الذنوب، إلا أننا نجد
في العديد من الدول الإسلامية الى اليوم ما زالت هذه العادات منتشرة بكثرة، من
زيارة للقبور والأضرحة والاجتماع والذبح عندها، وهذا ان كان يذل على شيء فإنما يذل
على ضعف الايمان في قلوبهم من جهة وتفشي الجهل والأمية اتباع الهوى من جهة أخرى.
ثالثا:
جريمة نبش القبور
إذا مات الانسان ودفن في قبره فانه لا يجوز
الاعتداء على قبره بالنبش، ويقصد بالنبش هنا سرقة ما يكون بداخل قبره من كفن أو
أموال، أو سرقة الجثة ذاتها أو بعض أعضائها.
ومصدر النبش من فعل نبش، والذي يدل على ابراز
شيء مستور[17]،
و"النباش" هو من يعتاد النبش عن الميت والبحث عنه، أو هو من الذي يسرق
أكفان الموتى بعد دفنهم في قبورهم".[18]
والأصل عند أهل العلم هو حرمة نبش قبور
المسلمين لأن نبشها يعتبر انتهاكا لحرمة القبور والمقابر بصفة عامة، وبذلك أوجب
الشرع حفظها وصيانتها، وقد قرر الفقهاء أنه لا يجوز نبش قبر الميت الا لعذر شرعي
وغرض صحيح، فالأصل هو حرمة نبش القبور الا في حالات خاصة بينها الفقهاء، وقد لعن
النبي علية الصلاة والسلام نباش القبور، فقد ورد في الحديث أنه أي النبي،
"لعن المختفي والمختفية"، والمقصور هنا بالمختفي نباش القبور.
والجذير بالذكر أن العديد من المقابر والقبور
في معظم الدول الإسلامية خاصة ودور العالم بصفة عامة، تتعرض للعديد من الانتهاكات
من دوي الضمير والقلب الميت والمجرمين والملحدين، وذلك بشتى أنواع الاعتداءات
بالنبش والتخريب والتلويث، إما لأغراض السحر والشعوذة، أو للسرقة والنهب، وفي هذا
خرق لمقاصد الدين الإسلامي الحنيف
وبالتالي فمما لا شك فيه أن من يقوم بنبش قبر
الميت من أجل سرقة كفنه أو ما يوجد به من أموال، أو حتى سرقة الجثة كاملة في حد ذاتها
أو بعض أجزائها، فان ذلك يعتبر اعتداء على حرمات الموتى واثما عظيما، لأن فعل
النباش لا يتوقف عند حد السرقة، بل يتعداه إلى انتهاك حرمة الميت، فينبش عليه
قبره، ويتركه متعريا مكشوفا فيصبح عرضة للعبث، فلفظاعة فعل النباش ودناءته ولما
فيه من انتهاك لحقوق الأحياء قبل الأموات جرمته الشريعة السمحاء ونهت عنه.[19]
الفقرة
الثانية: الجرائم الواقعة على حرمة الموتى
من المعلوم أن الشريعة الإسلامية كفلت مجموعة
من الحقوق للإنسان سواء قبل الموت أو بعد الموت، ومن بينها الحق في عدم انتهاك
حرمته بعد الممات، وهو ما يمكن استنباطه من خلال استقراء العديد من الأحاديث
النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة.
وهو ما يبين لنا بكل وضوح مدى مراعاة ديننا
الإسلامي الحنيف حقوق الميت وحرمته، وذلك بتجريم جملة من الأفعال والأمور التي تعد
انتهاكا لحرمة الميت، إذ نجد من بينها على سبيل المثال لا الحصر، جريمة وطء الميتة
(أولا)، تم جريمة قذف الميت (ثانيا)، وأخيرا جريمة سب وشتم الميت (ثالثا).
أولا:
جريمة وطء الميتة
لقد تقرر في جميع الشرائع السماوية والفطر
السليمة أن جريمة الزنا من الجرائم التي تتنافى وفطرة الانسان وكرامته، وهي من
كبائر الذنوب، بل ومن أشدها خطورة على المجتمعات، قال الامام أحمد رحمه الله
:" لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنا".
وإذا كانت فاحشة الزنا منكرة فيها انتهاك
للعرض، وإفساد للنسل، فإن من أشد الجرائم فضاعة، جريمة وطء الميتة، والتي تعد
انتهاكا صارخا لحرمة الأموات والأحياء، وغاية لنشر الفساد في الأرض.
وتعتبر جريمة الزنا من كبائر الذنوب، وأشدها
خطورة على كيان المجتمعات واستقرارها، فهي تتنافى مع الأخلاق الحميدة والفطرة
السليمة للإنسان وكرامته، ولبشاعتها حدد لها الشارع جزاء صارما يتناسب وفضاعتها،
ولكنه فرق في العقاب، بين العازب الذي لم يتزوج وهو غير محصن، فله عقوبة خاصة به،
والثيب المحصن، له عقوبة تخصه.[20]
والزنا في اللغة: يمد ويقصر فيقال"
زنا" بالمد على لغة أهل نجد، ويقال "زنى" بالقصر على لغة أهل
الحجاز، وبها جاء القرآن الكريم كما في قوله تعالى:" ولا تقربوا الزنى إنه
كان فاحشة وساء سبيلا".[21]
وشرعا " هو كل وطء وقع على غير نكاح صحيح
ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين"[22]،
وعرفه ابن عرفة بقوله:" الزنا الشامل للواط مغيب حشفة آدمي في فرج آخر دون
شبهة حله عمدا".[23]
وعليه ومن خلال دراستنا لهذه الجريمة نجد أن
الشريعة الاسلامية قد راعت حرمة جثة الميت بتجريمها لوطء الميتة، لأن مرتكب تلك
الجريمة الشنعاء يكون قد ارتكب اثما عظيما وجرما كبيرا واعتداء واضح على حرمة
الأموات، ولكن اختلف الفقهاء بخصوص مسألة توقيع الحد على مرتكب هذه الفاحشة على
الميتة، وهو ما سنتطرق اليه في معرض حديثنا عن العقوبات التي أقرها التشريع
الجنائي الإسلامي لهذه الجريمة.
في الوقت الذي لم ينص فيه المشرع المغربي على
جريمة وطء الميتة، اللهم ما نص عليه بخصوص جريمة الخيانة الزوجية بمقتضى الفصل 491
من القانون الجنائي.
وبهذا فقد أجمع فقهاء الشريعة على تجريم وطء الميتة،
حيث قال ابن قدامه رحمه الله تعالى: "إن وطئ ميتة، ففيه وجهان، أحدهما
عليه الحد، وهو قول الأوزاعي، لأنه وطئ في فرج آدمية فأشبه وطء الحية، ولأنه أعظم
ذنبا، وأكثر إثما، لأنه انضم إلى فاحشة هتك حرمة الميت...".[24]
ثانيا:
جريمة قذف الميت
إذا نظرنا الى كتب علوم اللغة والمفردات،
سنجدها عرفت القذف بأنه مصدر مأخوذ من قذف يقذف من باب ضرب يضرب، وجمعه قذف،
وقذفات مثل غرفة، غرف وغرفات.[25]
القاف
والذال والفاء، أصل يدل على الرمي والطرح.[26]
وفي الشرع يقصد به: رمي البالغ، العاقل،
المختار، العالم والمدرك للتجريم، غيره بزنى، أو بنفي نسب من أبيه.
فجريمة القذف من الكبائر المنهي عن اقترافها بالكتاب، والسنة،
والاجماع:
إذ نجد في الكتاب أصل التجريم في قوله تعالى:"
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا
لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فان الله
غفور رحيم"[27]،
وقوله كذلك " إن اللذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا
والآخرة ولهم عذاب عظيم"[28]
أما في السنة النبوية، فنجد في أصل التحريم
قوله صلى الله عليه وسلم:" اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟
قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل
مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".[29]
وأما الإجماع، فقد اتفقت كلمة المجتهدين من
السلف والخلف، على تحريم القذف، والحكمة من تحريم القذف هي رغبة الشارع في صيانة
الأعراض من كل اعتداء يقع عليه. [30]
وما يمكن ملاحظته من خلال دراسة بعض جوانب هذه
الجريمة أن الفقهاء اختلفوا في شأن العقوبة المقررة لجريمة قذف الميت هل هي حدية
أم تعزيرية، وهذا ما سنحاول التطرق اليه في المطلب الموالي.
وفي هذا الصدد فقد أجمع الفقهاء على تجريم قذف
الميت وتحريمه كقذف الحي، وذلك لأن عموم الأدلة المحرمة للقذف لا تفرق في التحريم
بين حي وميت، والغاية من تجريم القذف، هي حماية حق الانسان في شرفه واعتباره سواء
كان ذلك أثناء حياته أو بعد مماته.
وبالرجوع الى القانون الجنائي المغربي، سنجد أن
المشرع المغربي لم ينص في الفرع الذي خصه بالجرائم المتعلقة بالمقابر وحرمة
الموتى، على جريمة قذف الميت، وإنما أوردها بصفة عامة في الفصل 442 من م.ق.ج، ولم
يفرق فيه بين الحي والميت.
أما بخصوص الشريعة الإسلامية فقد سبق أن وجدنا
أنه لا يرتكب جريمة القذف الا من يرمى غيره بالزنا، أو ينفيه من نسبه، والقاذف
يدرأ عنه الحد إذا ما أثبت جريمة الزنا على المقذوف بالشهادة، أو بإقرار المقذوف،
وعلى ذلك فان موضوع الحماية هنا هو أعراض الناس والسمعة الحسنة والطبية لأفراد المجتمع.
ثالتا:
جريمة سب وشتم الميت
جعل الله تعالى حرمة المسلم من أكبر الحرمات، وأوجب صونها على المسلمين
والمسلمات، وحرمة المسلم غير مقيدة بحياته، بل هي باقية في الحياة وبعد الممات
ويجب صونها وحمايتها في كل حال من الأحوال.
ومن المعلوم أن نصوص الشريعة الإسلامية جاءت
بتحريم سب المسلم على الإطلاق ولم تفرق في النهي بين الأحياء والأموات شأنها في
ذلك شأن جريمة القذف السابق دراستها، وشددت في الوعيد لمن سب مسلما.
وأصل التجريم ما رواه البخاري والنسائي وأحمد،
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تسبوا
الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"، وقد بوب البخاري هذا الحديث في
الصحيح فقال، (باب ما ينهى من سب الأموات).
وقال ابن حبان كذلك في صحيحه: ذكر البعض من
العلة التي من أأجلها نهى عن سب الأموات، ثم روى بإسناده إلى زياد بن علاقة أنه
سمع المغيرة بن شعبة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تسبوا
الأموات فتؤذوا الأحياء".[31]
هذا والجذير بالذكر كذلك أن المشرع المغربي لم
ينص من بعيد ولا من قريب على جريمة سب وشتم الميت، شأنه في ذلك شأن جريمة قذف
الميت، وإنما سوى في ذلك بين الأحياء والأموات، إذ تعرض لهذه الجريمة بمقتضى الفصل
443 و 444 من القانون الجنائي.
ومنه فما لنا الا أن نقول هنا أن كل ما تم
التعليق عليه بخصوص هذه الأخيرة والمنصبة على الميت فهو ينطبق على جريمة سبه، لأن
القانون الوضعي يقوم في جرائم القول على قاعدة النفاق والرياء ويعاقب الصادق
والكاذب على السواء، والمبدأ الأساسي في هذا القانون أنه لا يجوز أن يقذف امرؤ أخر أو يسبه أو يعيبه فان فعل عوقب سواء كان صادقا فيما
قال أو مختلقا لما قال.[32]
المطلب
الثاني: العقوبات المترتبة على انتهاك حرمة المقابر الموتى
إذا كانت الشريعة الإسلامية قد ولت عناية
خاصة وكفلت حماية جنائية للمقابر وحرمة الأموات، من خلال تجريمها لمجموعة من
الأفعال التي اعتبرتها الشريعة الإسلامية السمحة انتهاكا لحرمة المقابر والموتى،
فإنها لم تقف عند هذا الحد بل رتبت جملة من العقوبات الزجرية على كل من سولت له
نفسه التعدي على حرمة المقابر والأموات، والمرجع في ذلك أنه أينما وجد التجريم وجد
العقاب، إذ لا يمكن تصور جريمة بدون عقاب إلا في حالات خاصة أوردتها الشريعة
الإسلامية على سبيل الحصر.
وعليه سنتولى في هذا المطلب دراسة العقوبات
المترتبة على انتهاك حرمة المقابر في (الفقرة الأولى)، بينما سنخصص (الفقرة
الثانية) لمعالجة العقوبات المرتبة على انتهاك حرمة الموتى.
الفقرة
الأولى: العقوبات المترتبة على انتهاك حرمة المقابر[33]
تتنوع العقوبات التي سنتها التشريع الجنائي
الإسلامي لجرائم الاعتداء على حرمة المقابر، فمنها ما هو متعلق بالعقوبات الحدية (أولا)،
ومنها ما هو متعلق بالعقوبات التعزيرية (ثانيا) وهو الغالب.
أولا:
العقوبات الحدية
من خلال اطلاعنا على العقوبات التي شرعها
الشريعة الإسلامية لجرائم الاعتداء على المقابر وانتهاك حرمتها، لاحظنا أن الجرائم
الموجبة للعقوبة الحدية واحدة ويتعلق الأمر بجريمة نبش القبور، في مقابل أن
الجرائم الأخرى التي تم التطرق اليها في المطلب الأول من الفقرة الأولى كلها جرائم
تستوجب العقوبات التعزيرية كما سنرى في النقطة الموالية.
وعليه اتفقت معظم آراء فقهاء الشريعة الإسلامية رحمهم الله تعالى
حول توقيع العقوبة الحدية المتمثلة في القطع على نباش القبور، وعللوا حكمهم هذا
بكون القبر حرز لقوله سبحانه وتعالى:" ألم نجعل الأرض كفاتا، أحياء
وأمواتا ".[34]
وأسسوا حكمهم على الأسباب التالية:
ü إن أساس الحكم
بالقطع المقرر على السارق، هو أخد شيء لم يجز له الشارع أخده، فيمتلكه على وجه الخفية،
فحالته هنا تماثل حالة النباش، وبالتالي صح إقامة حد القطع على النباش، وخاصة لما
فيه من الأحاديث والآثار التي تثبت الحكم عليه بالقطع.
ü إن فعل النباش لا
يتوقف عند حد السرقة، بل يتعداه إلى انتهاك حرمة الميت، فينبش عليه قبره، وفي غالب
الأحيان يتركه مكشوفا فيصبح عرضة لعبث الجاهلين وانتهاك الطامعين، أو حتى تنهشه
الكلاب، والوحوش، فلفظاعة فعل النباش ودناءته ولما فيه من انتهاء لحقوق الأحياء
قبل الأموات كان الحد في حقه من باب أولي لصون كرامة الأحياء والأموات وحفظ
الحرمات، وكذلك لتحقيق الزجر.[35]
ثانيا:
العقوبات التعزيرية
لقد رتبت الشريعة الإسلامية على جرائم امتهان المقابر
عقوبات تعزيرية يضعها الإمام حسب ما يراه مناسبا لحفظ حرمة الأموات والأحياء معا،
وتطبيقا لمقاصد الشرع، وبذلك سنحاول أن نتطرق الى عقوبة جريمة بناء المساجد على
القبور والتمسح بها (1)، بعد ذلك عقوبة الذبح عند القبور واتخاذها اعيادا (2).
1-عقوبة
جريمة بناء المساجد على القبور والتمسح بها
لقد نهى
الشارع الحكيم عن اتخاذ القبور مساجدا أو بناء المساجد عليها، أو التمسح بها،
وذلك سدا للذريعة المفضية للشرك بالله عز وجل وحفظا لحرمة القبور من البدع والحوادث.
وعليه
منعت الشريعة الإسلامية بناء المساجد على القبور والتمسح بها وأمرت بهدمها
وإزالتها، كما نهت كذلك على الذبح عنها واتخاذها أعيادا، وذلك سدا للذريعة المفظية
إلى الشرك بالله عز وجل، وحفظا لحرمة القبور من البدع، واندثار معالم التوحيد التي
جاءت بها الرسل والأنبياء.
ولقد سبق أن بينا من خلال الآيات القرآنية والأحاديث
النبوية الشريفة التي تم التطرق اليها سابق، أن الشارع الحكيم قد نهى
عن بناء المساجد على القبور، ونهى
كذلك عن الصلاة إليها وعندها
ولعن من فعل ذلك لما في ذلك من امتهان لحرمة المقابر والموتى ولئلا يكون ذلك ذريعة
إلى عبادة المقبور وتعظيمه، كما فعلت الأمم من قبل.
2-عقوبة
الذبح عند القبور واتخاذها اعيادا
يعتبر
الذبح عند القبور واتخاذها أعيادا من أعظم المحرمات المتعلقة بانتهاك حرمة
المقابر، فهي انتهاك لحقوقهم أولا، ولمبادئ الشريعة الإسلامية ثانيا، لما فيها من
بدع منكرة ومفاسد ومنكرات وفتن ومعاصي...إلخ.
الفقرة
الثانية: عقوبات الاعتداء على حرمة الموتى
رتبت الشريعة الإسلامية جملة من
العقوبات على جرائم الاعتداء على حرمة الموتى، منها ما تطبق عليها العقوبات الحدية
(أولا)، ومنها ما يوجب العقوبات التعزيرية (ثانيا).
أولا:
العقوبات الحدية
رتبت الشريعة الإسلامية على كل من جريمة وطء
الميتة (1) وقذف الميت (2) عقوبات حدية هي على الشكل التالي:
1-عقوبة
جريمة وطء الميتة
بخصوص العقوبة المقدرة لجريمة وطء الميتة التي نصت عليها أحكام الشريعة
الاسلامية، والتي تتناسب مع جريمة تدنيس الجثة أو القيام بأي عمل فيه عليها وحشية
أو فحش، تباينت أراء الفقهاء في ذلك، فبعضهم أوجب توقيع الحد عليها، والبعض الأخر
لم يوجبه بل أوقع عليها التعزير فقط، ولكنه في جميع الحالات فلقد اتفق جميع
الفقهاء على اعتبار وطء الميتة جريمة تستوجب العقاب.
فالإمام مالك والشافعي ذهبوا إلى أن وطء الرجل للمرأة
الميتة يعتبر زنا موجبا للحد، بل إنه يجب مضاعفة العقوبة عليه، لأنه بالإضافة إلى
هذه الجريمة هناك جريمة أخرى متمثلة في هتك حرمة الميت.
وقال الإمام الأوزاعي: لأنه وطء في فرج آدمية
فأشبه وطء الحية ولأنه أعظم ذنبا وأكثر إثمًا، لأنه انضم اليه فاحشة هتك حرمة
الميتة.
وحتى حينما ذهب أبو حنيفة إلى أنه لايقام عليه
الحد لأن حياة المرأة عنده شرط لتحقق حكم الزنى وبذلك يكون موتها شبهة يدرأها الحد
عنه، ومع ذلك قال أبو حنيفة : الرجل الذي يطأ ميتة يعزر أي "يجلد" بحسب
تقدير القاضي.[36]
وقال الخرشي[37]
كذلك، "من أتى ميتة غير زوجة بعد موتها في قبلها أو دبرها فإنه يحد لإنطباق
حق الزنا عليه"[38]،
وهو نفس الاتجاه الذي ذهب فيه ابن فرحون[39]
عندما قال:" من وطء ميتة
فعليه الحد على المشهور".[40]
والقائلون بوجوب الحد استدلوا على ذلك، في كون
وطء الميتة كوطء الحية، لأنه يتم في فرج الآدمية فيجب فيه الحد، كما إن وطء الميتة أعظم ذنبا وأكثر ذنبا من وطء الحية لأنه
انضم إلى فاحشة هتك حرمة الميتة.
إن في إيجاب الحد على واطئ الميتة سد للذرائع
المفضية لانتهاك حرمة الأموات، لاسيما أمام انتشار المغريات وزيادة الفتن وكثرة
هيجان أصحاب الطباع الفاسدة، من هنا يظهر لنا أن القول بوجوب الحد هو القول
الراجح، وأما الذين فرقوا بين وطء الميتة ووطء الحية فأسقطوا الحد في الأولى،
وأوجبوه في الثانية فعليهم بالدليل، وهو التخصيص، لأن الأدلة الواردة في الوطء
عامة، بل إن انتهاك حرمة الميت أشد وأعظم كما أسلفنا، لأنه إضافة إلى الوطء انتهاك
حرمة الميت فعلى هذا نكون بصدد جريمتين والله أعلم.
2-عقوبة
قدف الميت
لقد نص القرآن الكريم على عقوبة القذف في قوله
عز وجل : " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين
جلدة ولا تقبل لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسدون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك
وأصلحوا فان الله غفور رحيم".[41]
ومنه فعقوبة جريمة القذف سواء ارتكبت ضد إنسان
حي أو ميت تتمثل في ثلاثة عقوبات وهي: جلد القاذف ثمانين جلدة، عدم قبول شهادته،
وأخيرا الحكم عليه بالفسق.
واختلف الفقهاء كذلك بصدد عقوبة هذه الجريمة،
بحيث ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية إلى إيجاب حد القذف على القاذف
بناء على طلب من أحد الورثة، أو الأصول، أو الفروع، وحجتهم في ذلك أن الورثة يلحقهم
بالقذف الخزي والعار، وأن الميت ليس محلا لإلحاق العار به.[42]
وذهب الحنابلة إلى انه لا حد على من قذف ميتا
إلا إذا كان الميت أنثى، وكان لها ابن محصن وحجتهم في ذلك: أن قذف أمه معناه نسبه
إلى انه من الزنا.[43]
هذه مجمل الآراء الواردة بخصوص عقوبة قاذف الميت في الفقه الجنائي
الإسلامي، والتي تبين لنا منها أن توقيع الحد على قاذف الميت واجب، وذلك لما يلحق
الميت من الشين والمعرة، وكذلك أهله.
ثانيا:
العقوبات التعزيرية[44]
بعد ما عرضنا جرائم الاعتداء على حرمة جثة الميت الموجبة للعقوبات الحدية،
فانه يتحتم علينا كذلك تبيان جرائم الاعتداء على حرمة الميت الموجبة للعقوبات
التعزيرية، والمتمثلة في جريمة واحدة ألا وهي جريمة سب وشتم الميت، وذلك على الشكل
التالي:
1-عقوبة
جريمة سب وشتم الميت
لقد سبق لنا التطرق للنصوص التي جاءت بها
الشريعة الاسلامية السمحاء بتحريم سب المسلم على الإطلاق، وقد بينا فيه بأن
الشريعة الإسلامية لم تفرق في ذلك النهي بين الأحياء والأموات، وشددت في الوعيد
لمن سب مسلما.
فلا يجوز انتهاك حرمة الأموات أو التعرض لهم
بالسب أو الشتم أو السعي بالغيبة والنميمة أحياءً ولا أمواتا، وتعتبر لعنة الأموات
أعظم من لعنة الأحياء، وذلك لما فيه مساس لحرمة الأموات وكرامتهم التي أولتها
الشريعة الإسلامية برعاية كاملة مثلها في ذلك مثل الأحياء بل وأعظم.
بالإضافة
إلى ما ذكر سابقا، تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت حماية حرمة جسم الإنسان لا تتوقف
عن التطبيق بعد وفاته، فان احترام ذكرى الإنسان بعد وفاته تمثل أيضا قيمة قانونية
تحل محل حق الإنسان في عدم المساس بحياته الخاصة وحقه في الشرف والاعتبار والتي
كانت لصيقة به حال حياته، فبعد فناء الإنسان يتحول إلى مجرد ذكرى تشهد عليه أفعاله،
ويعد المساس بمقدار الاحترام الذي كان يتمتع به قبل وفاته والإخلال بمكانته في
نفوس محبيه مساسا بذكراه، وقد يعد أيضا مساسا بسمعة أسرته، ويبدوا واضحا من ذلك
الفرق الكبير بين حرمة جسم الإنسان واحترام ذكرى المتوفى.
فبينما تعد حرمة جسم الإنسان جوهر كرامة
الإنسان والتي يتعين عدم العبث بإنسانيته وعدم امتهانه أو انتهاك جسمه، فان ذكرى
الإنسان تتوقف على ما كان يتحلى به الإنسان قبل وفاته والقيم التي كان يعتنقها،
والتي تمثل الرصيد الذي تتكون منه ذكراه، وهذه القيمة المعنوية يجب المحافظة عليها
واحترامها، فاحترام الإنسان – كما أشار حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 6
يوليوا 1994م- لا يتوقف عن التطبيق بعد وفاة الإنسان.[45]
وخلاصة القول ومن خلال استقراءنا للعقوبات التي
أوردتها الشريعة الإسلامية لجرائم الاعتداء على حرمة الميت، سنجد أنها ذات بعد
شامل وجامع، من شأنها أن تكفل للإنسان بعد وفاته حماية لعرضه وسمعته ونسبه وشرفه.
ملاحظة:
في هذا الصدد تجدر الاشارة إلى أنه بخصوص العقوبات التعزيرية
المقررة لمستحدثي هذه البدع والمرتكبة على حرمة المقابر فهي نفس العقوبات
التعزيرية التي عزر بها
سلف الأمة أهل الأهواء والبدع، ذلك لأن الجرائم المتعلقة بانتهاك حرمة المقابر
تفتح باب الشرك بالله عز وجل، وكما نعلم أن أعظم إثم عند الله الشرك به، لقوله
تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك
بالله فقد افترى إثما عظيما".[46]
وبذلك
تتنوع العقوبات التعزيرية المقررة على منتهكي حرمة المقابر حسب مدى جسامة الانتهاك
وخطورته على دين الأمة الاسلامية، وكذلك حسب شخصية المنتهك ومدى معرفته بفظاعة
فعله وعواقبه الوخيمة. ويرجع تقدير وتحديد نوع ومقدار العقوبة التعزيرية
لإمام المسلمين أو لولي أمر البلاد وذلك حسب مقاصد الشريعة وأصولها العامة، والأصل
في ذلك جلب المصالح ودرء المفاسد، ولو استلزم ذلك قتل المعتدي فيجب على أولي الأمر
القيام بذلك، فمن استحق منهم أن يقتله قتله، ومن استحق أن يضربه، ويحبسه، وينكل به
فعل به ذلك، ومن استحق أن ينفيه نفاه، وحذر منه الناس.
وبالتالي
فتحديد مقدار العقوبات التعزيرية يكون للإمام أو لولي الأمر، فيخير بين القتل أو
السجن، الجلد أو التوبيخ، التشهير أو الزجر، حيث يحدد نوع العقوبة بناء على ظروف
وملابسات ودوافع ارتكاب الجريمة وقصد الجاني من ارتكابها، وذلك بهدف إقامة العدل، وجلب المصالح ودرء المفاسد ودفع
الضرر وحفظا لحرمة الأموات ولكرامة وشعور الأحياء.
المبحث
الثاني: الحماية الجنائية للمقابر وحرمة الميت في القانون المغربي
كشفت جل الدراسات والاحصائيات التي قامت بها المنظمات
الحقوقية بالمغرب ومنها، المجلس الوطني لحقوق الانسان عن الوضع الكارثي الذي تعيشه
المقابر المغربية، حيث تعاني إهمالا كبيرا في جميع المستويات، إذ أضحت مرتعا
للمتسكعين والمتسولين والمتشردين، ومجالا لرمي القمامة، ونمو الأعشاب العشوائية
والرعي الجائر، مما يحول دون أداء وظيفتها.
فدراسة
هذا الموضوع لم يكن من محض الصدفة، وإنما فرضته علينا الإشكالات والأوضاع المزرية
التي تعيشها مقابرنا اليوم، في ظل غياب الوازع الديني والأخلاقي، وفي ظل كذلك تفشي
الظواهر المتعلقة بالسحر والشعوذة.
ونظرا
لمجموعة من الانتهاكات التي تتعرض لها حرمة المقابر والموتى سواء بالمدن أو
بالبوادي، عمل المشرع المغربي اسوة بباقي التشريعات المقارنة على تهييئ ترسانة
قانونية وحقوقية، ذات بعد انساني كوني، وزجري في نفس الوقت، تكفل للموتى ومقابرهم
حماية قانونية لا يمكن لأحد انتهاكها تحث طائلة توقيع العقوبة.
وفي
دراستنا للحماية الجنائية للمقابر وحرمة الميت في التشريع الجنائي المغربي، سنحاول
ابتداء أن تطرق في (المطلب الأول) إلى صورة الاعتداءات التي تقع على حرمة المقابر
والموتى، مصنفين بذلك بين تلك التي تقع على حرمة المقابر، وتلك التي تنتهك حرمة
الميت، لنعرج في (المطلب الثاني) للحديث عن جملة العقوبات الزجرية التي نص عليها
المشرع المغربي لمكافحة جرائم التعدي وانتهاك حرمة المقابر والموتى.
المطلب
الأول: صور الجرائم الواقعة على المقابر وحرمة الموتى
سعيا من المشرع المغربي في توفير حماية
قانونية جنائية للموتى ومقابرهم، جرم مجموعة من الأفعال التي تعد انتهاكا لحرمة
الميت والمقابر، من قبيل النبش وتلويت المقابر، ناهيك عن التمثيل بالجثث،
واستخراجها واخفائها أو استعمالها في اعمال السحر والشعوذة.
وبذلك
وسيرا على التصنيف الذي وضعه المشرع المغربي في مجموعة القانون الجنائي للجرائم
الواقعة على حرمة المقابر والموتى، سنتطرق في (الفقرة الأولى) صور الاعتداءات
الواقعة على حرمة المقابر، لنناقش في (الفقرة الثانية) الجرائم التي تنتهك حرمة
الموتى.
الفقرة
الأولى: صور الاعتداءات الواقعة على حرمة المقابر
من خلال القراءة الفاحصة لمجموعة القانون
الجنائي، وجدنا أن المشرع المغربي ضيق من نطاق الجرائم الواقعة على حرمة المقابر،
مرجع ذلك أن ما نعيشه اليوم يستدعي التدخل للتنصيص على أفعال تنتهك حرمة المقابر
وادخالها ضمن النصوص المجرمة.
ولذلك سنحاول أن نتعرض لكل من جريمة هدم
وامتهان وتلويث المقابر (أولا)، وكذلك جريمة انتهاك القبور ودفن الجثث واستخراجها
خفية أو بدون ترخيص (ثانيا)، وان كانت الجريمة الأخيرة فيها تداخل بين حرمة الموتى
وحرمة المقابر.
أولا:
جريمة هدم وامتهان وتلويث المقابر
احتراما وتقديرا من المشرع المغربي لحرمة
المقابر، وتكريسا لمعالم الشريعة الإسلامية السمحة كما أسلفنا في المبحث الأول،
جرم كل ما من شأنه أن ينتهك حرمة القبور، وأورد ضمن هذه الأفعال التي تعد تعديا
على حرمة المقابر جريمة هدم وامتهان وتلويث القبور والقابر بشكل عام.
وقد
ورد التنصيص على هذه الجريمة بمقتضى الفصل 268 من مجموعة القانون الجنائي، حيث جاء
فيها ما يلي:" من هدم أو امتهن أو لوث المقابر، بأي وسيلة كانت، يعاقب بالحبس
من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 200 إلى 500 درهم".
والملاحظ من خلال قراءة الفصل أعلاه أن المشرع المغربي أدرج هذه الجريمة
ضمن صنف الجرائم الجنحية والتي تختص بها المحكمة الابتدائية الزجرية طبعا، كما أنه
مقارنة مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية من مقتضيات زجرية لحفظ وحماية حرمة
المقابر، سنجد أن هذه الأخيرة توسعت في توفير هذه الحماية وأوردت لنا مجموعة من
الجرائم والتي تطرقنا لبعضها سلفا، وهو ما لا نجد له أثر في القانون المغربي.
وتجدر
الإشارة إلى أن بعض التشريعات المقارنة استعملت مصطلحات مختلفة في تنظيمها لجريمة
انتهاك حرمة المقابر، كما أنها اختلفت كذلك بصدد هذه الجريمة، فالبعض من هذه
التشريعات قد نظمتها في مادة قانونية واحدة مع جريمة انتهاك حرمة الموتى، كالمشرع
الفرنسي الذي نظمها في الباب الثاني المخصص بالجرائم ضد الأشخاص، في الفصل الخاص
الذي عنونه بـ"الاعتداء على الكرامة" بالضبط في المادة 225/17 من قانون
العقوبات الفرنسي، وقد تضمن النص على " انتهاك أو تدنيس بأي وسيلة كانت
المقبرة أو المقابر والجرار أو النصب لذكرى الموتى، يعاقب عليها بالحبس لمدة سنة
واحدة وغرامة قدرها 15000 يورو".
أما
المشرع المصري فقد نظمها في المادة 160 من قانون العقوبات رقم 85 لسنة 1937 (المعدل
طبعا)، والتي جاء فيها:" يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد
عن خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو
دنسها".
أما
المشرع الجزائري فقد نص عليها في قانون العقوبات الجزائري رقم 66/156 لسنة 1966 في
الفصل الخامس الجنايات والجنح التي يرتكبها الأشخاص ضد الأمن العمومي، وبالضبط في
المواد 150 و 152، حيث نص في المادة 150 على ما يلي:" كل من هدم أو خرب أو
دنس القبور بأي طريقة كانت يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وبغرامة من 500
إلى 2000 دينار"، كما أشار في المادة 152 من ذات القانون الى انتهاك حرمة
المدافن، إذ نص على ما يلي:" كل من انتهك حرمة مدفن أو قام بدفن جثة.."،
أما مقابر الشهداء فقد نص عليها في المادة 160 مكرر 6.[47]
في حين
أن المشرع التونسي قد نظمها في الباب الرابع في الاعتداءات على السلطة العامة
الواقعة من أفراد الناس، في القسم الرابع عشر في الفصلين 167 و 168 من المجلة
الجنائية التونسية، فقد ورد في الفصل 167 :" يعاقب بالحبس مدة عامين وبخطية
قدرها 48 دينارا كل من ينتهك حرمة قبرا.."، أما بخصوص المادة 168 فقد نص فيها
على ما يلي:" يعاقب بالحبس مدة ستة أشهر وبخطية قدرها 24 دينارا، كل من يهدم
أو يفسد أو يلوث هيكلا أقيم بمقبرة".
وهو
نفس المقتضى الذي نص عليه المشرع السوري، حيث نص في المادة 468 من قانون العقوبات
السوري على ما يلي:" يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين، من أ-هتك أو دنس حرمة
القبور أو أنصاب الموتى أو أقدم قصدا على هدمها أو تحطيمها أو تشويهها، ب-من دنس
أو هدم أو حطم أو شوي أي شوه أي شيء آخر خاص بشعائر الموتى أو بصيانة المقابر أو
تزيينها"، نفس المقتضيات نص عليها المشرع العراقي بمقتضى المادة 373 من قانون
العقوبات.[48]
والملاحظ من جل النصوص القانونية التي تم التطرق
اليها أن الركن المادي في هذه الجريمة يمثل في أفعال الهدم والتخريب والتدنيس أو
التحطيم، ناهيك على أن هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي استلزم فيها المشرع
المغربي وباقي التشريعات الأخرى الركن الثاني لتحقق الجريمة والمتمثل في القصد
الجنائي بعنصريه العلم والإرادة.
ثانيا:
جريمة انتهاك القبور[49]
ودفن الجثث واستخراجها خفية أو بدون ترخيص
إذا كنا تطرقنا في النقطة الأولى الى جرائم
تعد انتهاكا لحرمة المقابر، فإن المشرع المغربي أورد عبارة " من انتهك
قبرا" في الفصل 270 من القانون الجنائي وهو ما يحيلنا على أن المشرع خصص
لحماية المقابر الفصول 268 و 270، إذ نص في الفصل الأخير على ما يلي:" من
انتهك قبرا أو دفن جثة أو استخرجها خفية يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين
وغرامة من 200 إلى 500 درهم".
والجدير بالملاحظة أن المشرع المغربي نص على جريمة دفن جثة واستخراجها ضمن
النصوص المؤطرة للحماية الجنائية لحرمة المقابر، وان كان لم يصنفها، فيمكن ملاحظة
ذلك من ظاهر النص، وهذا ما يجعلنا نقول بأنه كان على المشرع أن يصنفها، وفي هذا
الصدد يمكن أن يقول قائل فالمقابر والموتى سيان لا فرق بينهما، غير أن هناك اختلاف
بين الأفعال التي تعد انتهاك لحرمة المقابر وتلك التي تعتبر تعديا لحرمة الموتى.
وهو
نفس المقتضى الذي نص عليه المشرع الجزائري في المادة 152 من قانون العقوبات، حيث
جاء فيها:" كل من انتهك حرمة مدفن أو قام بدفن جثة أو إخراجها خفية، يعاقب
بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة من 500 إلى 2000 د.ج".[50]
وما
قلناه بخصوص الجريمة الأولى هو نفسه ينطبق على هذه الجريمة، إذ المشرع استلزم
توافر الى جانب الركن القانوني والركن المادي، الركن المعنوي المتمثل في القصد
الجنائي الذي ينصرف الى تعمد الجاني انتهاك حرمة القبور والتعدي عليها سواء
بالتخريب أو التحطيم أو التلويث.
وما
يمكن ملاحظته من خلال المقارنة بين الجرائم التي أوردتها الشريعة الإسلامية لحماية
حرمة المقابر أشمل من تلك التي نصت عليها التشريعات الوضعية.[51]
الفقرة
الثانية: صور الجرائم الواقعة على حرمة الموتى
لقد
اهتم التشريع الجنائي المغربي كغيره من التشريعات الجنائية بضرورة احترام الموتى
وعدم انتهاك حرمتهم، وذلك من خلال سنه لمجموعة من النصوص القانونية التي تجرم كل
اعتداء على حرمة الموتى، ورتب على ذلك جملة من العقوبات الزجرية كما سوف نرى في
المطلب الثاني.
ومن
بين الجرائم التي نص عليها المشرع المغربي، نجد الاخلال بالاحترام الواجب للموتى
(أولا)، وكذا تلويث الجثة أو التمثيل بها، تدنيس الجثة، أو ارتكاب عليها عملا من
الأعمال الوحشية أو البذيئة (ثانيا)، وأخيرا جريمة إخفاء جثة أو اتلافها أو تضييعها
(ثالثا).
أولا:
جريمة الاخلال بالاحترام الواجب للموتى
مما
لا شك فيه أن جريمة الاخلال بالاحترام الواجب للموتى والمنصوص عليها في الفصل 269
من مجموعة القانون الجنائي[52]،
تضم في طياتها مجموعة من الأفعال التي تعتبر من الناحية الشرعية والقانونية اخلالا
بالاحترام المفروض للموتى، ومن ذلك نجد على سبيل المثال سب وشتم الميت، أو القيام
بأعمال الدناسة على القبور، كالجلوس عليها أو التبول والتغوط عليها، الى غير ذلك
من الأفعال والخروقات.
وقد
أحسن المشرع المغربي صنعا عندما لم يرد ما يمكن اعتباره اخلال بالاحترام، تاركا
بذلك الأمر الى السلطة التقديرية للقاضي، وهذا من شأنه أن يوسع من دائرة التجريم
وتشمل أي فعل من شأنه أن ينتهك ويخل باحترام الموتى.
وما
يمكن ملاحظته من خلال مقارنة هذا النص بالمقتضيات المنظمة للجرائم الماسة بحرمة
المقابر، سنجد أن المشرع المغربي حصر الأفعال التي تعتبر جريمة في نظر القانون
والمتمثلة في كل من فعل " الهدم" و "الامتهان" و "
التلويث" المنصوص عليها في الفصل 268 السالف الذكر، على غرار ذلك، ترك الباب
مفتوحا بخصوص ما يمكن أن ينتهك حرمة الموتى، إذ جاءت العبارة في الفصل 269 مفتوحة
" من ارتكب عملا من شأنه الاخلال بالاحترام الواجب للموتى..."، وهو ما
يدفعنا الى القول أنه يجب على المشرع أن يتدخل وينص على نفس العبارة التي أوردها
الفصل أعلاه ليكون بذلك الفصل على الشكل التالي:" من ارتكب عملا من شأنه
الاخلال بالاحترام الواجب للمقابر أو أماكن الدفن...".
هذا بالإضافة إلى أن المشرع لم يوضح العناصر
اللازمة لقيام جريمة الاخلال بالاحترام الواجب للموتى، على غرار ما فعل بخصوص
الجرائم الأخرى، وفي هذا الصدد قضت محكمة النقض المغربية في قرار لها بأنه:"
لما أدانت المحكمة المتهم بجنحة انتهاك حرمة الموتى ببنائه لدكان ومقهى داخل مكان
مخصص وتابع لمقبرة، وذلك بشهادة الشاهدين، لم تبرز العناصر المادية المكونة
للجريمة حسب الفصل 269 من القانون الجنائي، مما يجعل ما قضت به دون أساس
قانوني".[53]
وتعليقا على القرار أعلاه، فإن حكم المحكمة
الابتدائية بالقنيطرة والذي تم تأييده من طرف غرفة الجنح الاستئنافية لدى محكمة
الاستئناف والقاضي بمؤاخذة المتهم من أجل جنحة انتهاك حرمة المقابر والحكم عليه
بثلاثة أشهر حبسا موقوفة التنفيذ وغرامة قدرها 250 درهم، تكون قد استعملت سلطتها
التقديرية في تكييف الأفعال المنسوبة اليه، وأن المحكمة بنت قضاءها على أساس من
القانون، وسندنا في ذلك أن المشرع بنفسه لم يحدد العناصر أو الأفعال المكونة
لجريمة الاخلال بالاحترام الواجب للموتى المنصوص عليها في الفصل أعلاه، بحيث لو
أراد التنصيص على تلك الأفعال لنص عليها، كما أن الأمر هنا يتعلق بانتهاك حرمة
الموتى وليس حرمة المقبرة وهذا بصريح العبارة، ناهيك على أنه بالنظر الى حيثيات
القرار سنجد أن محكمة النقض تارة تستعمل انتهاك حرمة المقابر وتارة أخرى تستعمل
انتهاك حرمة الموتى، والظاهر أن الفصل أعلاه يتحدث عن حرمة الموتى.
وعليه نخالف التوجه الذي ذهبت فيه محكمة النقض
بنقض القرار المطعون فيه، وبعدم تأييد قرار غرفة الجنح الاستئنافية، ونأسس رأينا
على الأسباب المشار اليها أعلاه، ونقول بأن المشرع المغربي قد أحسن صنعا في عدم
تحديده للأفعال التي تشكل جريمة الاخلال بالاحترام الواجب للموتى، تاركا بذلك
الأمر إلى سلطة القاضي الجنائي، وذلك لتشمل الجريمة كل ما من شأنه أن يدخل في زمرة
انتهاك حرمة الموتى، وعدم تنصيص المشرع على الأفعال التي تشكل العناصر المكونة
للجريمة دليل قوي على أن هذا الأخير أدرك على بأنه إذا حدد تلك الأفعال سيكون بذلك
قد غل سلطة القاضي الجنائي في تكييف الوقائع.
ثانيا:
جريمة تلويث الجثة أو التمثيل بها أو ارتكاب عليها عمل من الأعمال الوحشية أو
البذيئة
لا تقتصر الجرائم الواقعة على حرمة الموتى،
على تلك التي تعد اخلال بالاحترام الواجب لهم، بل تعدى الأمر ذلك ليشمل كذلك جرائم
تلويث الجثث أو التمثيل بها أو ارتكاب عليها عمل من الأعمال الوحشية أو البديئة.
وعليه
فقد نص المشرع المغربي في الفصل 271 من مجموعة القانون الجنائي على ما يلي:"
من لوث جثة أو مثل أو ارتكب عليها عملا من الأعمال الوحشية أو البديئة، يعاقب
بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 200 إلى 500 درهم".
وبقراءتنا
للمقتضيات التي جاء بها المشرع في الفصل أعلاه، تبين لنا أن هذه الجريمة لا تقوم
إلا إذا توفرت ثلاثة أركان أساسية، متمثلة في الركن القانوني الذي تم التطرق إليه
أعلا، إلى جانب الركن المادي، والذي يتمثل في ارتكاب الجاني لأي فعل فيه تلويث أو
تمثيل للجثة، أو قيامه بالأعمال الوحشية عليها وهذا يشكل وجه الاعتداء، الذي يؤدي
بنا إلى نتيجة هذه الاعتداء بمعنى أن تكون نتيجة الاعتداء حصول انتهاك لحرمة جثة
الميت التي يجرمها القانون، وأن تكون هناك علاقة سببية بين فعل الاعتداء والنتيجة
الاجرامية، وأخيرا الركون المعنوي الذي
يتمثل في القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة.
وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري بمقتضى المادة
153 من قانون العقوبات، حيث جاء فيها ما يلي:" كل من نس أو شوه جثة أو وقع
منه عليها أي عمل من أعمال الوحشية أو الفحش، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات
وغرامة من 500 الى 2000 د.ج".[54]
الظاهر
من التنصيص على هذه المقتضيات القانونية هو حماية الجثة من أعمال التدنيس والتشويه
ومن الأعمال الوحشية وأعمال الفحش، والتدنيس كرمي القاذورات عليها، أما التشويه
كقطع بعض أعضائها بحيث تتغير صورها وبذلك يصعب التعرف عليها، أما الأعمال الوحشية
فهي كثيرة ومتنوعة وقد تتمثل في قطع الرأس أو تمزيق البطن أو بتر جزء من أجزاء
الجثة، أما أعمال الفحش فهي بدورها أعمال وحشية وقد تتعلق على وجه الخصوص بالأعضاء
التناسلية.[55]
ثالثا:
جريمة إخفاء جثة أو اتلافها أو تضييعها
سعيا من المشرع المغربي في توفير الحماية
اللازمة لجثة الميت من الخروقات والانتهاكات التي يقوم بها دو النيات السيئة
والضمير الغائب، وفي ظل كذلك غياب الوازع الديني والأخلاقي، نص على جريمة أخرى
تضاف إلى قائمة الجرائم الواقعة على حرمة الموتى، وهي جريمة إخفاء الجثة أو
إتلافها بمقتضى الفصل 272 من مجموعة القانون الجنائي الذي ينص على أنه:" من
أخفى جثة أو ضيعها يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات وغرامة من 200 إلى
250 درهم".
وعليه
فتحليلنا لمقتضيات الفصل أعلاه، يمكن القول إن المشرع ضيق من دائرة التجريم التي
تخص جثة الميت، إلا أنه في المقابل لم يبين الطريقة التي تتحقق بها جريمة الاخفاء
والضياع، وقد أحسن صنعا في ذلك لتشمل الجريمة أي فعل قد يقوم به الجاني في سبيل
التخلص من الجثة.
ناهيك
على أن الفصل أعلاه يشمل كذلك كل من أوكلت اليه صلاحية أو سلطة إما حراسة الجثة أو
مراقبتها كالموظفين العاملين في مستودعات الأموات، أو أولئك العاملين في قطاع
الصحة، الى غير ذلك ممن هم مكلفون بمهام من المهام التي تصب في هذا الإطار.
وفي
هذا الصدد فإن المشرع في الفقرة الأولى من الفصل المذكور وباقي الفصول الأخرى التي
تم التطرق اليها لم يشر الى ما إذا كانت الجثة لميت مات نتيجة مرض أو موت طبيعي أو
غير ذلك من الأسباب التي قد تؤدي الى الوفاة، غير أنه استدرك ذلك في الفقرة
الثانية من الفصل 272 المذكور أعلاه، لينص بذلك على أنه:" إذا كانت الجثة
لشخص مجني عليه في جريمة قتل أو مات نتيجة ضرب أو جرح، فإن العقوبة تكون بالحبس من
سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 200 إلى 1000 درهم".
وهو نفس المقتضى الذي نص عليه المشرع الجزائري
في المادة 154 من قانون العقوبات، حيث جاء فيها ما يلي:" كل من خبأ أو أخفى
جثة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة من 500 إلى 1000 د.ج.
وإذا
كان المخفي يعلم أن الجثة لشخص مقتول أو متوفي نتيجة ضرب أو جرح، فإن العقوبة تكون
بالحبس من سنتين الى خمس سنوات وغرامة من 500 الى 5000 درهم د.ج".[56]
وتجدر الإشارة إلى أن الحماية الجنائية التي
أولتها التشريعات الوضعية لجثة الميت لا تقتصر فقط على الجرائم المشار اليها سلفا،
بل هناك العديد من الجرائم الأخرى التي تم التنصيص عليها في نصوص خاصة ونورد على
سبيل المثال: القانون 16.98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخذها
وزرها، والذي جاء بمقتضيات زجرية تكفل الحماية الجنائية الضرورية للموتى من أعمال
الاتجار في أعضائهم، أو أخذها منهم أو زرعها أو بيعها دون وجه حق وبشكل غير مشروع.[57]
المطلب
الثاني: العقوبات المترتبة على انتهاك حرمة المقابر والموتى
إذا كانت جل التشريعات الوضعية قد تدخلت بموجب
العديد من النصوص القانونية الزجرية لحماية حرمة المقابر والموتى من مجموعة
الانتهاكات والخروقات التي تتعرض لها، فإنها في القابل أوردت جملة من العقوبات
الزجرية المترتبة على الجرائم المتعلقة بانتهاك هذه الحرمة.
وعليه
سنحاول في هذا المطلب الإحاطة بهذه العقوبات من خلال التطرق في (الفقرة الأولى)
إلى العقوبات المترتبة على جرائم انتهاك حرمة المقابر، لننتقل بعد ذلك في (الفقرة
الثانية) للحديث عن العقوبات التي رتبها المشرع المغربي على الجرائم المتعلقة
بانتهاك حرمة الموتى.
الفقرة
الأولى: المقتضيات الزجرية المتعلقة بانتهاك حرمة المقابر
من خلال تصفح النصوص الجنائية التي أوردها
المشرع المغربي بخصوص جرائم انتهاك حرمة المقابر، سنجده جعل لها عقوبات سالبة
للحرية وأخرى عقوبات ذات طابع مالي متمثلة في الغرامات.
أولا:
العقوبات المترتبة على جريمة هدم وامتهان وتلويث المقابر
بالرجوع الى الفصل 268 من مجموعة القانون
الجنائي سنجد المشرع المغربي كغيره من التشريعات نص على عقوبة سالبة للحرية وأخرى
مالية لجريمة هدم وامتهان وتلويث المقابر لما في ذلك من انتهاك لحرمة المقابر
والتقليل من الاحترام الواجب للموتى كما سوف نرى تباعا.
وعليه جاءت صياغة الفصل أعلاه على الشكل التالي:"
من هدم أو امتهن أو لوث المقابر، بأي وسيلة كانت، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى
سنتين وغرامة من 200 إلى 500 درهم".
وتقريبا هي نفس العقوبات التي نصت عليها
التشريعات المقارنة، ومنها التشريع الجزائري، حيث نص في المادة 150 على ما
يلي:" كل من هدم أو خرب أو دنس القبور بأي طريقة كانت يعاقب بالحبس من ستة
أشهر إلى سنتين، وبغرامة من 500 إلى 2000 دينار"، كما أشار في المادة 152 من
ذات القانون الى انتهاك حرمة المدافن، إذ نص على ما يلي:" كل من انتهك حرمة
مدفن أو قام بدفن جثة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة".[58]
وهي نفس العقوبات التي نصت عليها التشريعات
الأخرى التي سبق وأن أشرنا اليها سلفا، ومنها مثلا، التشريع السوري، حيث نص في
المادة 468 من قانون العقوبات السوري على ما يلي:" يعاقب بالحبس من شهرين إلى
سنتين، من أ-هتك أو دنس حرمة القبور أو أنصاب الموتى أو أقدم قصدا على هدمها أو
تحطيمها أو تشويهها، ب-من دنس أو هدم أو حطم أو شوي أي شوه أي شيء آخر خاص بشعائر
الموتى أو بصيانة المقابر أو تزيينها".[59]
ثانيا:
العقوبات المترتبة على جريمة انتهاك القبور ودفن الجثث واستخراجها خفية
من خلال التمعن في العقوبات التي وضعها
المشرع المغربي لهذه الجريمة، سنجد أنها بدورها تنقسم الى عقوبات سالبة للحرية
وأخرى مالية شأنها في ذلك شأن باقي العقوبات الأخرى.
وعليه نص في الفصل 270 السالف الذكر على أنه:
" من انتهك قبرا أو دفن جثة أو استخرجها خفية يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى
سنتين وغرامة من 200 إلى 500 درهم".
وهي نفس العقوبة التي نص عليها المشرع
الجزائري في المادة 152 من قانون العقوبات، حيث جاء فيها:" كل من انتهك حرمة
مدفن أو قام بدفن جثة أو إخراجها خفية، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وغرامة
من 500 إلى 2000 د.ج".
وتجدر الإشارة أنه من خلال المقارنة بين هذه
النصوص القانونية أن المشرع المغربي وباقي التشريعات الأخرى تركز بكثير على
العقوبات السالبة للحرية أكثر من العقوبات المالية، والصحيح أنه ونظرا لما تعرفه
السجون من اكتظاظ، كان على هذه التشريعات بالأحرى التقليص من العقوبات الحبسية
والزيادة في العقوبات المالية أو الحكم بإحدى هاتين العقوبتين وهي عبارة ملم نجد
لها أثر في النصوص التي تطرقنا اليها، اللهم بعض التشريعات التي نصت على ذلك.
بالإضافة الى أنه كان عليها أن تنص على أنه
للقاضي الجنائي الحكم مثلا على الجاني بالعقوبات البديلة كإعادة بناء سور المقبرة
مثلا أو ترميمها أو تنظيفها لمدة محددة، أو العمل لأجل المنفعة العامة، إلى غير
ذلك من العقوبات البديلة.
الفقرة
الثانية: العقوبات المترتبة على انتهاك حرمة الموتى
إذا كان المشرع المغربي أولى اهتمامه للمقابر
كمكان لدفن الموتى، وأحاطه بحماية بمقتضى نصوص زجرية كما أسلفنا ذلك، فإنه في
المقابل لم يهمل الأشخاص الذين يدفنون في هذه المكان، واعتبره مكان مقدس لا يجوز
انتهاك حرمته، ولذلك أورد جملة من العقوبات الجنائية تطبق على كل مخالف لهذه
القواعد القانونية الآمرة.
وعليه سنتعرف في هذه الفقرة على مختلف العقوبات
التي رتبها المشرع على جرائم انتهاك حرمة الموتى، وذلك على الشكل التالي:
أولا:
العقوبات المنصوص عليها بخصوص جريمة الاخلال بالاحترام الواجب للموتى
بالرجوع الى الفصل 269 من مجموعة القانون
الجنائي، والذي ينص على أنه:" من ارتكب عملا من شأنه الاخلال بالاحترام الواجب للموتى في مقبرة أو في أي
مكان للدفن، يعاقب بالحبس من شهر الى ثلاثة أشهر وغرامة من 200 الى 250
درهم"، وعليه يكون المشرع المغربي نص على عقوبة سالبة للحرية وغرامة مالية
تطبق على كل من ارتكب أي فعل من شأنه الاخلال بالاحترام الواجب للموتى سواء في
المقبرة أو في أي مكان آخر مخصص للدفن، شأنه في ذلك شأن باقي الجرائم الأخرى والتي
سنتطرق إليها تباعا.[60]
ثانيا:
عقوبة جريمة تلويث الجثة أو التمثيل بها أو ارتكاب عليها عمل من الأعمال الوحشية
أو البذيئة
ينص الفصل 271 من القانون الجنائي على أنه:" من لوث جثة أو مثل أو
ارتكب عليها عملا من الأعمال الوحشية أو البديئة، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس
سنوات وغرامة من 200 إلى 500 درهم".
والملاحظ من خلال هذا الفصل أن المشرع صنف هذه
الجريمة ضمن الجنح التأديبية التي لا يمكن للعقوبة أن تتجاوز فيها خمس سنوات، باستثناء
حالات العود.[61]
وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري بمقتضى المادة
153 من قانون العقوبات، حيث جاء فيها ما يلي:" كل من نس أو شوه جثة أو وقع
منه عليها أي عمل من أعمال الوحشية أو الفحش، يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات
وغرامة من 500 الى 2000 د.ج".
وعليه يكون التشريع المغربي والجزائري وباقي
التشريعات الأخرى المقارنة قد نصت على عقوبات سالبة للحرية وأخرى مالية تطبق على
كل مخالف للمقتضيات الجنائية المنصوص عليها في القانون.
ثالثا:
عقوبة جريمة إخفاء
جثة أو اتلافها أو تضييعها
بالرجوع الى الفصل 272 من مجموعة القانون
الجنائي سنجد المشرع المغربي نص على الجزاء الجنائي الذي يطبق على كل مرتكب لجريمة
إخفاء جثة أو كل من قام بإتلاف جثة أو تضييعها، وذلك من خلال ما نص الفصل
أعلاه:" من أخفى جثة أو ضيعها يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاثة سنوات
وغرامة من 200 إلى 250 درهم".
وأضاف في الفقرة الثانية من نفس الفصل على
أنه:" إذا كانت الجثة لشخص مجني عليه في جريمة قتل أو مات نتيجة ضرب أو جرح،
فإن العقوبة تكون بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 200 إلى 1000
درهم".
وهو
نفس المقتضى الذي نص عليه المشرع الجزائري في المادة 154 من قانون العقوبات، حيث
جاء فيها ما يلي:" كل من خبأ أو أخفى جثة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث
سنوات، وبغرامة من 500 إلى 1000 د.ج.
وإذا كان المخفي يعلم أن الجثة لشخص مقتول أو
متوفي نتيجة ضرب أو جرح، فإن العقوبة تكون بالحبس من سنتين الى خمس سنوات وغرامة
من 500 الى 5000 درهم د.ج".
ومن خلال استقراء الفصول أعلاه يتضح أن كلا من
المشرع المغربي والجزائري نصا
على نفس المقتضيات اللهم بعض الاختلاف، بحيث أولا أنهما على أن الجاني لكي يتابع
ويعاقب على هذه الجريمة يجب أن يأتي أحد الأفعال المنصوص عليها أعلاه، بالإضافة
إلى أن الجاني يعاقب إذا قام بإخفاء الجثة أو ضيعها بأي وسيلة من الوسائل، وهو ما
يمنح القاضي الجنائي كامل السلطة التقديرية في تقدير الأفعال التي يأتيها الجاني
في هذه النازلة.
كما أن المشرع المغربي شدد العقوبة على الجاني
كلما كانت الجريمة تتعلق بشخص مجني عليه في جريمة قتل أو مات نتيجة ضرب أو جرح.
v
خاتمة:
ولعل الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها من خلال
دراستنا وتحليلنا لمختلف جوانب هذا الموضوع، أن الشريعة الإسلامية أولت اهتماما
كبيرا منذ الأزل لحرمة المقابر والموتى وجرمت بذلك مجموعة من الأفعال والتصرفات
التي تعتبر تعديا على هذه الحرمة، وقد استحضرت التشريعات الوضعية ما نصت عليه
الشريعة الإسلامية في نصوصها الجنائية وكفلت بذلك للمقابر وحرمة الموتى حماية
جنائية بمقتضى جملة من النصوص التجريمية والعقابية.
غير أن هذه النصوص ومن خلال اطلاعنا على مجموعة
من الصور ومقاطع الفيديو لمجموعة من المقابر المغربية ومقابر بعض الدول، لم تأتي
أكلها ولم تحقق الغاية المرجوة منها، الأمر الذي يستدعي من المشرع المغربي إعادة النظر
في الإطار القانوني المنظم لها، لأنه بحاجة ماسة الى تحيين عاجل، كما يقتضي من
السلطات المعنية، وكل المتدخلين في هذا الصدد النظر في واقع المقابر المغربية
والدعوة الى اتخاذ الإجراءات الضرورية لحمايتها من الأفعال الشنيعة التي تتعرض لها
يوم بعد يوم.
v
دراسة وآراء حول واقع المقابر المغربية
من خلال قراءة وتحليل مجموعة من المقالات
والدراسات التي قام بها مهتمون بموضوع واقع المقابر المغربية، وكذا استجلاء بعض
الاحصائيات والدراسات التي قامت بها المنظمات ذات الشأن بحقوق الانسان والجمعيات
النشيطة في هذا الموضوع، أن حال المقابر بالمغرب بات يؤرق المواطنين والمسؤولين
على حد سواء، يوما بعد يوم يتضح جليا أن "أزمة المقابر" تلوح في الأفق
المنظور بالمملكة، ذاك ما يؤكده باحثون ودارسون حول الموضوع.
حيث أجمع الكثيرون في البلاد سواء السلطات
الوصية أو الجمعيات النشيطة في هذا المجال، وأيضا المواطنين الذين يتذمرون من
أوضاع المقابر المزرية في مختلف مدن المملكة وقراها، حيث صبت الانتقادات الموجهة
إلى وضعية المقابر في المغرب على محورين رئيسيين، الأول أنها تعاني في الدرجة
الأولى من مشكل الاكتظاظ وقلة العدد، والثاني تفشي سلوكيات منحرفة داخل المقابر
تجعل منها أماكن لممارسة أعمال السحر والشعوذة والرذيلة، وملجأ للمتشردين
والمدمنين ومروجي الممنوعات هربا من أعين السلطات.
وعليه سواء في المجال الحضري أو القروي فإن
المساحات المخصصة للمقابر باتت تتقلص يوما بعد يوم، فضاءاتها تعرف كما أسلفنا
انتهاكات تصل أحيانا حد الفضاعة، وتأطير قانوني في أمس الحاجة الى تحيين، حماية
لفضاءات دفن أموات المسلمين بالمغرب، تلك باتت تغلق أبوابها تباعا، فهل تضيق أرض
المملكة على أمواتها؟ وهل يمكن الحديث عن أزمة المقابر؟ وما العمل لحمايتها؟ ثم من
يتحمل المسؤولية؟، أسئلة وأخرى مقلقة بتت تقلق مضجع المغربة وهم على شفا أزمة
مقابر حقيقية.
وفي هذا الصدد يقول جواد الكوهن رئيس الجمعية
المغربية للتكافل الاجتماعي والحفاظ على حرمة المقابر المنتمي لمدينة مكناس، إن
المغرب سيعرف فعلا أزمة مقابر حقيقية وإن الوضع سيكون كارثيا إن لم يتم تدارك
الأمر.
ويصر الكوهن في بلاغات تصدرها جمعيته على ضرورة
اتخاذ خطوات عملية لأجل حماية المقابر، ويقدم اقتراحات تتراوح بين القيام بحملات
التوعية والتحسيس، وأخرى لتنظيفها وتنقيتها، كما يقدم اقتراحات مؤسساتية تقضي على
سبيل المثال بإحداث هيئة عليا لحماية المقابر على غرار الهيئة الوطنية للوقاية من
الرشوة.
وقد أبرزت دراسة للمجلس الوطني لحقوق الانسان
ضرورة إشراك جميع الأطراف المعنية في قضية وضعية المقابر، كما شددت على القطع مع
اعتبار المقابر مجالا ميتا لمجرد أنه يأوي الموتى، بل دعت إلى اعتباره جزءا من
المشهد العام للمدن والبوادي المغربية.
وتبقى المسؤولية في حماية المقابر وإحداث أخرى
بمعايير في المستوى المطلوب، مشتركة بين كل المتدخلين والفاعليين، سواء تعلق الأمر
بالحكومة أو الوزارات الوصية، غير أنه إذا كانت الجهات الرسمية صاحبة المسؤولية
الكبرى فإن المواطن يتحمل هو الآخر جزءا ليس باليسير من هذه المسؤولية، بل إن
العنصر البشري يكون في غالب الأحيان السبب المباشر في تخريب وتدنيس وانتهاك لحرمة
المقابر.
ولا يقتصر مشكا انتهاك حرمة المقابر والموتى في
المغرب على ارتيادها من طرف متسكعين ومتشردين وسكارى، بل تجاوز الامر ذلك إلى حد
الاعتداء على القبور بالتحريب والنبش، وخير مثال على ذلك ما تعرضت له العديد من
مقابر الشهداء والمقابر التاريخية ولعل من أبرزها تخريب قبر الراحل " قبر
ادريس بن زكري" بمدينة الخميسات، إذ تشير إحصائيات لجمعيات المجتمع المدني
إلى تسجيل حوالي 85 عملية نبش للمدافن سنة 2010، طالت بعضها مقابر تاريخية، لعل
أخطرها عملية التخريب التي تعرض لها قبر " السلطان أبو الحسن المريني"
في موقع شالة الأثري بالعاصمة الرباط.[62]
الظاهر أن الأوضاع المتردية التي تعيشها
المقابر في المغرب اليوم ليس جديدا، إذ نقرأ في تقرير موجه لوزارة الداخلية مند
سنة 2012 وجاء ذكره في مختلف وسائل الاعلام، والذي كشف عن أرقام مخيفة حول الوضع
الكارثي الذي آلت اليه مقابرنا، حيث نجد أن 75 بالمئة من مقابر المملكة وي وضع
مزي، و15 بالمئة منها في وضع متوسط، و10 بالمئة في وضع جيد.[63]
رأي شخصي:
لا
أريد أن أحول الحياة إلى دراما، وأنا أصلا ضد السلبية، لكن الحقيقة واضحة لا يمكن
إخفائها، فالشيء شيء يذكر، والمثل يقول: " لا تخفى الشمس بالغربال".
فمن خلال اطلاعي على مجموعة من الصور ومقاطع
الفيديو كما ذكرت سلفا، مقابرنا في مختلف قرى ومدن المملكة تحولت الى مطارح للأزبال
والنفايات، مما يؤدي الى تحللها بفعل حرارة الشمس وانبعاث روائح كريهة تضر بالصحة
وتسبب مضايقات للوافدين لزيارة المقبرة.
فيها
يتناثر العشب على قبور موتانا، عوض الورود، حتى اللوحات التي كتبت عليها الأسماء
سرقت، وضاعت هوية القبر فبات مجهولا، وأصبحت المدافن ساحة للمعارك، غابة والغلبة
للأقوى، فندق مجاني للمتسكعين والمتشردين، سيوف ومخدرات تغزو المكان، وأناس وسط
الموت، ماتت عقولهم، تتعرض طريق الأهالي والزوار من أجل التسول والسرقة...
اضطرت الأغلبية للهروب ودفن مشاعرها، والاكتفاء
بالدعاء لموتاها خلال الصلاة، والمفارقة أن مقابر جيراننا من ديانات أخرى، وعلى
أرضنا، تعد تحفة جميلة، نظيفة برائحة عطرة احتراما لموتاها.
عماد
أكضيض
انتهى
بحول الله وقوته
v
لائحة المراجع:
ü ابن فارس، معاجم
مقاييس اللغة، الجزء الخامس.
ü ابن منظور جمال
الدين محمد بن كرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، ط3، الجزء السادس، 1994،
4324.
ü اقتضاء الصراط
المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، الطبعة السابعة، تحقيق، د. ناصر بن عبد الكريم
العقل، توزيع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الرياض، المملكة
العربية السعودية.
ü أبوداود، في سننه، كتاب الصلاة، باب في الواضع التي لا تجوز الصلاة
فيها، 1/330-492، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، 2/534(2042)، كتاب الجنائز، باب
كراهية الذبح عند القبر، 2/550 (3222).
ü الترمذي في سننه،
كتاب الصلاة، باب في كراهية ما يصلى إليه وفيه، 2/177-178/346.
ü ابن ماجة في
سننه، كتاب المساجد والجماعات، باب المواضع التي تكره فيها الصلاة، 1/246-745.
ü ابن أبي شيبة في
المصنف، كتاب الجنائز، باب من كره زيارة القبور، 3/32 (11817).
ü ابن رشد، أبو الوليد
محمد بن أحمد، (د.ت)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، د.ط، دار الفكر بيروت، لبنان،
324/2.
ü البخاري، في صحيحه، كتاب
الحدود، باب رمي المحصنات، 4/264 (6857).
ü بن قدامة أبو
محمد عبد الله بن أحمد: المغني، ج12، تحقيق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، و
د/ عبد الفتاح محمد الحلو، ھجر للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، ط 2 ،1992.
ü عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي -مقارنا بالقانون الوضعي، ج2،
مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 14 ،2000.
ü ابن فرحون، الديباج المذهب، تحقيق: ذ.محمد الأحمدي أبو
النور، ج2، لا ط، القاهرة، دار التراث للطبع والنشر، ص75.
ü أبو عبد الله
الخرشي، حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل، ج8، ط1، لبنان دار الكتب العلمية، ص279.
ü بدون ذكر اسم
الكاتب، جريمة انتهاك حرمة
القبور ( دراسة مقارنة)، مقال بمجلة المحقق المحلي للعلوم القانونية والسياسية،
العدد الأول، السنة العاشرة، 2018.
ü مقال منشور على
الرابط التالي: www.islamqa.com
ü دردوس مكيي، القانون
الجنائي الخاص في التشريع الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، المطبعة الجھوية بقسنطينة،
د ط، 2005.
ü طارق حليلو، الحماية
الجنائية لحرمة الميت بين الشريعة الإسلامية والقانون الجزائري، مذكرة تخرج تدخل
ضمن متطلبات الحصول على شهادة الماستر في العلوم الإسلامية-تخصص شريعة والقانون،
كلية العوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة الوادي، الجزائر، 2013/2014.
ü طارق سرور: نقل
الأعضاء البشرية بين الأطباء "دراسة مقارنة"، دار النهضة العربية، القاهرة،
ط 1 ،2001 ، ص9.
ü - محمد بشير فلفلي، الحماية الجنائية لحرمة الميت في
الشريعة الإسلامية والقانون الجزائري، أطروحة مقدمة استكمالا لمتطلبات الحصول على
درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم الأمنية، كلية الدراسات العليا-قسم العدالة
الجنائية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2008.
ü زهراء بن سعادة،
الحماية الجنائية لحرمة الميت في التشريع الجزائري، مذكرة مقدمة لنيل شهادة
الماستر في العلوم القانونية، تخصص علوم جنائية، كلية العلوم والحقوق السياسية،
جامعة الحاج لخضر باتنة، الجزائر، 2010/2011.
[1]- زهراء بن سعادة، الحماية الجنائية لحرمة الميت في التشريع
الجزائري، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماستر في العلوم القانونية، تخصص علوم جنائية،
كلية العلوم والحقوق السياسية، جامعة الحاج لخضر باتنة، الجزائر، 2010/2011، ص6.
[2] - طارق حليلو، الحماية
الجنائية لحرمة الميت بين الشريعة الإسلامية والقانون الجزائري، مذكرة تخرج تدخل
ضمن متطلبات الحصول على شهادة الماستر في العلوم الإسلامية-تخصص شريعة والقانون،
كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، شعبة العلوم الإسلامية، جامعة الوادي،
الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبيةّ، 2013/2014، ص 5.
[3] - سورة الاسراء، الآية
70.
[4]- سورة المرسلات الآية 25 و
26.
[5]- سورة عبس الآية 21.
[6] -
محمد بشير فلفلي،
الحماية الجنائية لحرمة الميت في الشريعة الإسلامية والقانون الجزائري، أطروحة
مقدمة استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم الأمنية، كلية
الدراسات العليا-قسم العدالة الجنائية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية،
الرياض، 2008، ص 236.
[7] -
مقال منشور على الرابط
التالي:
www.islamqa.com
[8] -
اقتضاء الصراط المستقيم
لمخالفة أصحاب الجحيم، الطبعة السابعة، تحقيق، د. ناصر بن عبد الكريم العقل، توزيع
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الرياض، المملكة العربية
السعودية، أورده، محمد بشير فلفلي، مرجع سابق، ص 237
[9] -
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في الواضع التي لا تجوز الصلاة فيها،
1/330-492، والترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب في كراهية ما يصلى إليه وفيه،
2/177-178/346، وابن ماجة في سننه، كتاب المساجد والجماعات، باب المواضع التي تكره
فيها الصلاة، 1/246-745، والحاكم في المستدرك، وغيرهم.
[10] -
أخرجه البخاري في صحيحه،
كتاب الحج، باب تقبيل الحجر، 1/495-496(1610).
[11] -
زهراء بن سعادة، مرجع
سابق، ص 74.
[12] -
ومعنى اتخاذ القبور أعياداً: هو اعتياد قصد القبور في وقت معين، عائد بعود السنة،
أو الشهر، أو الأسبوع، أو الاجتماع عند القبور في وقت معين.
[13] -
والنسك يطلق على الذبح والعبادة، مصداقا لقوله عز وجل:" إن أعطيناك الكوثر،
فصل لربك وأنحر".
[14] -
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب المناسك، باب زيارة القبور، 2/534(2042)، وأحمد في
المسند، 14/403 (8804)، وابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الجنائز، باب من كره زيارة
القبور، 3/32 (11817)، والحديث صححه النووي كما في الأذكار، ص 203، وحسنه شيخ
الإسلام ابن تيمية كما في اقتضاء الصراط المستقيم، 2/170، وصححه الألباني في
المشكاة، 1/292، 926.
[15] -
أصل العقر: ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم
[16] -
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب كراهية الذبح عند القبر، 2/550 (3222)،
وأحمد في المسند، 20/333 (13032)
[17] -
ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ص 971، أوردته زهراء بن سعادة، مرجع سابق، ص 80.
[18] -
ابن منظور جمال الدين محمد بن كرم، لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، ط3، الجزء
السادس، 1994، 4324.
[19] - زهراء بن سعادة، مرجع
سابق، ص 80.
[20] - محمد بشير فلفلي، مرجع سابق، ص 159.
[21] - سورة الإسراء، الآية 32.
[22] - ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد، (د.ت)،
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، د.ط، دار الفكر بيروت، لبنان، 324/2، أورده محمد
بشير فلفلي، مرجع سابق، ص 160.
[23] - طارق حليلو، الحماية الجنائية لحرمة الميت بين
الشريعة الإسلامية والقانون الجزائري، مذكرة تخرج تدخل ضمن متطلبات الحصول على
شهادة الماستر في العلوم الإسلامية-تخصص شريعة والقانون، كلية العوم الاجتماعية
والإنسانية، جامعة الوادي، الجزائر، 2013/2014، ص 68.
[24] - بن قدامة أبو محمد عبد
االله بن أحمد: المغني، ج12، تحقیق د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، و د/ عبد
الفتاح محمد الحلو، ھجر للطباعة والنشر، القاهرة، مصر، ط 2 ،1992 ، ص340.
[25] - الجوهري، الصحاح، ص 843، أشار اليه، طارق
حليلو، مرجع سابق، ص 70.
[26] - ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، الجزء الخامس، ص
68.
[27] - سورة النور، الآية 4 و 5.
[28] - سورة النور، الآية 23.
[29] - أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب رمي
المحصنات، 4/264 (6857).
[30] - زهراء بن سعادة، مرجع سابق، ص 62.
[31] - زهراء بن سعادة، مرجع سابق، ص 65.
[32] - عبد القادر عودة، التشريع
الجنائي الإسلامي -مقارنا بالقانون الوضعي، ج2، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 14 ،2000،
ص456.
[33] - رتبت الشريعة
الإسلامية عقوبة حدية على النباش والمتمثلة في القطع، ورتبت عقوبات تعزيرية متنوعة
منها الحبس، والجلد، والنفي، والتوبيخ، والهجر، والتشهير والعقوبات المالية وحتى
القتل، فإمام المسلمين أو ولي الأمر يختار منها ما يراه مناسبا، فيأخذ بعين
الاعتبار حال الجاني وشخصيته وظروف وملابسات ارتكاب الجريمة، وهذا ما يسمى
بالتفريد العقابي ولا مانع في العقوبات التعزيرية الجمع بين أكثر من عقوبة كالحبس
والجلد والتشهير معا على جريمة بناء المساجد على القبور والتمسح بها، وجريمة
الذبح عند القبور واتخاذها أعيادا، خلافا للقانون الجزائري الذي رتب جرائم انتهاك
المقابر نوعين فقط من العقوبات وهي عقوبة الحبس والغرامة المالية فقط أو إحداهما.
[34] - سورة المرسلات، الآية 25 و 26 .
[35] - زهراء بن سعادة، مرجع سابق، ص 118.
[36] - زهراء بن سعادة، مرجع سابق، ص 99.
[37] - هو الإمام محمد بن عبد
الله بن علي أبو عبد الله الخرشي ,المالكي ,أول من تولى مشيخة الأزهر ,نسبته إلى
قرية يقال لها أبو خراش ,ولد سنة 1010 هـ ,وتوفي في ذي الحجة سنة 1101 هـ. ينظر:
الأعلام (6/240).
[38] -أبو عبد الله الخرشي،
حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل، ج8 ، ط1 ،لبنان دار الكتب العلمية، ص279.
[39] - هو إبراهيم بن علي بن
محمد بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون اليعمري، المدني القاضي المالكي، ولد
بالمدينة حوالي سنة 729 هـ، ونشأ بها، أحد أئمة الأعلام، أخذ العلم عن أبيه وعمه،
تولى قضاء المالكية بالمدينة النبوية، تفقه، وبرع وصنف. من آثاره: "تبصرة
الحكام في أصول أقضية" و"مناهج الأحكام" و"الديباج المذهب في
معرفة أعيان المذهب". توفي سنة 799 هـ. ينظر: شذرات الذهب (8/608 (ومعجم
المؤلفين (1/68 ).
[40] - ابن فرحون، الديباج
المذهب، تحقيق: د.محمد الأحمدي أبو النور، ج2 ،لا ط، القاهرة، دار التراث للطبع
والنشر، ص75، أورده طارق حليلو، مرجع سابق، ص 69.
[41] - سورة النور، الآية 4 و 5.
[42] -
-السرخسي، المبسوط، (ج9/ص112 ،(والكاساني، بدائع الصنائع (ج7/ص88
،(والحطاب، مواهب الجليل (ج6/ص 305)، أوردهم طارق حليلو، مرجع
سابق، ص 71.
[43] - زهراء بن سعادة، مرجع سابق، ص 101.
[44] - التعزير شرعا معناه
التأديب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، وقد دل الكتاب والسنة، وإجماع المسلمين
على التعزير، فهو عقوبة شرعية على معصية أو جناية لا حد فيها ولا كفارة.
[45] - طارق سرور : نقل
الأعضاء البشرية بين الأطباء "دراسة مقارنة"، دار النھضة العربية، القاهرة،
ط 1 ،2001 ،ص9، أوردته زهراء بن سعادة، مرجع سابق، ص 104.
[46] - سورة النساء، الآية 40.
[47] -
محمد بشير فلفلي، مرجع سابق، ص 191.
[48] - بدون ذكر اسم كاتب المقال، جريمة انتهاك حرمة
القبور ( دراسة مقارنة)، مقال منشور بمجلة المحقق المحلي للعلوم القانونية
والسياسية، العدد الأول، السنة العاشرة، 2018، ص 9.
[49] -
ويمكن أن نعرف الانتهاك في هذه الجريمة بأنه:" كل فعل من شأنه الاعتداء على
القبور بشكل يخالف القانون أو الآداب العامة".
[50] - بن سعادة زهراء، مرجع سابق، ص 46.
[51] - وهنا يمكن القول أن المشرع المغربي كغيره من
التشريعات لم ينص على مجموعة من الأفعال والخروقات التي تعد انتهاكا صارخا لحرمة
المقابر وقبور الموتى، ومن بينها جرائم النبش وأخذ الرفاة واستعمالها في أعمال
السحر والشعوذة، ناهيك عن جرائم الرعي في المقابر ...، وهو ما يستدعي من التشريعات
الوضعية التدخل وتجريم هذه الأفعال الغير الأخلاقية والمشينة.
[52] - ينص الفصل 269 من القانون الجنائي المغربي على
ما يلي:" من ارتكب عملا من شأنه الاخلال بالاحترام الواجب للموتى في مقبرة أو
في أي مكان للدفن، يعاقب بالحبس من شهر الى ثلاثة أشهر وغرامة من 200 الى 250
درهم".
[53] -
القرار عدد 260 الصادر بتاريخ 29 فبراير 2012، في الملف الجنحي عدد 458/6/3/2012،
منشور في مجلة مغرب القانون، على الرابط التالي: www.maroclaw.com.
[54] - زهراء بن سعادة، مرجع سابقن ص 48
[55] - دردوس مكيي، القانون
الجنائي الخاص في التشريع الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، المطبعة الجھوية
بقسنطینة، د ط، 2005 ،ص26، أوردته زهراء بن سعادة، مرجع سابق، ص 48.
[56] -
زهراء بن سعادة، مرجع سابق، ص 49-50.
[57] - من أعظم وأهم
الانجازات العلمية التي طالعنا بها هذا القرن، والتي تعتبر نتاج تقدم العلوم
الطبية والبيولوجية، عمليات نقل وزراعة الأعضاء البشرية، حيث أصبحت هذه الأخيرة
الحل الوحيد والعلاج الحقيقي للعديد من المرضى المحكوم عليهم بالموت.
وبذلك تعتبر جثث الموتى مصدر هام لتلك العمليات
وخاصة في حالة عدم توافر الأعضاء البشرية المطلوبة من الأحياء، حيث تمثل الجثة
المصدر الوحيد والأساسي لعمليات زرع الأعضاء الفردية مثل القلب والكبد.
[58] - طارق حليلو، مرجع سابق، ص 92.
[59] -
وفي هذا الصدد قضت محكمة الاستئناف بيت لحم في دولة فلسطين بتأييد الحكم الابتدائي
القاضي بإدانة المتهمين من أجل جرائم الاعتداء على أماكن دفن الموتى وانتهاك حرمة
الأموات طبقا للمادة 277 من قانون العقوبات والحكم عليهم بالحبس ثلاثة أشهر.
أنظر موسوعة القوانين والأحكام الفلسطينية، على
الرابط التالي: https://maqam.najah.edu/judgments/2682/
[60] - وفي هذا الصدد قضت
محكمة النقض المغربية في قرار لها عدد 260 الصادر بتاريخ 29 فبراير 2012، في الملف
الجنحي عدد 458/6/3/2012 بأنه:" لما أدانت المحكمة المتهم بجنحة انتهاك حرمة
الموتى ببنائه لدكان ومقهى داخل مكان مخصص وتابع لمقبرة، وذلك بشهادة الشاهدين، لم
تبرز العناصر المادية المكونة للجريمة حسب الفصل 269 من القانون الجنائي، مما يجعل
ما قضت به دون أساس قانوني".
[61] - الفصل 16 من القانون الجنائي.
[62]- محمد المرنيسي، هل يعيش
المغرب أزمة مقابر خلال العشرية المقبلة؟، مقال منشور على الرابط التالي: http://www.afrigatnews.net/article
[63] - أرقام وإحصائيات تم نشرها في مقال على الموقع
التالي: http://observes.france24.com/ar/20150728/
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق