تابعونا على الفيسبوك

Disqus

زراعة و نقل الأعضاء البشرية من ميت الى حي في القانون المغربي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
زراعة و نقل الأعضاء البشرية من ميت الى حي في القانون
المغربي  




- حميد السموني
باحث في العلوم القانونية


مـقـدمـة
يعد نقل وزرع الأعضاء البشرية من بين أبرز التقنيات الطبية و الفنية الحديثة’ التي و بفضلها أضحى من الممكن إنقاذ آلاف المرضى و المصابين الميئوس من علاجهم بالطرق التقليدية’ تقنيات فتحت باب الأمل على مصراعيه لعلاج ما لم يكن ممكنا علاجه     و إلى زمن قريب جدا.
بدأ عصر زراعة الأعضاء في أواخر القرن الثامن الميلادي بواسطة الطبيب      هنتر (Hinter)  ’ الذي يطلق عليه لقب رائد الجراحة التجريبية في زراعة الأعضاء’    و قد أصبحت زراعة الأعضاء و الخلايا و الأنسجة الآن العلاج المفضل لكثير   من الأمراض المستعصية و أدى هذا بدوره إلى زيادة الطلب على عمليات زراعة الأعضاء و تواجه زراعة الأعضاء بين البشر تحديات رئيسية .
و يمكن ببساطة تعريف زراعة الأعضاء بأنها عملية الاستبدال الجراحي للأنسجة   أو الأعضاء التالفة بأنسجة أو أعضاء سليمة من متبرعين أحياء أو أموات. و بالرغم من أن العديد من دول العالم قد أدخلت عندها إجراءات التسجيل الإلزامي لزراعة الأعضاء بالإضافة إلى وجود بعض مكاتب التسجيل التطوعي أيضا’ فإنه لا يوجد حتى الآن في تلك البلدان نظام شامل موضوعي لجميع البيانات عن أنواع زراعات الأعضاء المختلفة  و عن المردود الناتج عنها و لا تزال الحاجة ملحة للحصول على الخلايا و الأنسجة    و الأعضاء بشكل خاص على المستوى العالمي[1] .
و لا غرو أن مسألة زرع الأعضاء من جسم شخص حي أو ميت’ و مدى جوازها     أو عدمه من وجهة النظر الشرعية’ بحثت كثيرا في المجامع الفقهية القديمة و المعاصرة     و كذا في دور لإفتاء في بعض البلاد الإسلامية’ كما أن مسألة زرع الأعضاء تتداخل      فيها ثلاث اعتبارات أولها المفهوم الطبي و ثانيها النظر الشرعي و ثالثها الاعتبار القانوني’ و لا ينبغي الاعتقاد بأن هذه الاعتبارات الثلاث تتصارع لفرض أطروحتها بل إن نسق السلوك البشري هو الذي يفرض هذا التداخل ليتحقق التكامل حول محور واحد هو الذات البشرية [2] .
و مازالت عمليات نقل و زرع الأعضاء البشرية تشغل دوائر الطب و الفقه  في أغلب البلدان’ و ازدادت عمليات الزرع و ازداد معها الاهتمام بضرورة وضع نظام قانوني حفاظا لها.
فتاريخ الأغراس قصير حيث بدأت التجارب على النبات ثم الحيوان في القرن    الثامن عشر و في القرن التاسع عشر انتقلت التجارب إلى الإنسان. فأعلن نجاح الزرع عليه في النصف الثاني منه فأولى عمليات زرع الجلد الناجحة كانت سنة 1969 بسبب احتياج طب التجميل لردم تشوهات الوجه بسبب الحروب و الحرائق و بعدها تم بنجاح زرع الكلي سنة 1905 و زرع النخاع العظمي سنة 1958 و البنكرياس و الطحال سنة 1964  و المعاء الدقيق سنة 1967 و زرع القلب بجنوب إفريقيا  سنة 1967.
هذه العمليات و ما شابهها من نجاح باهر و من عبث بجسم الإنسان أذكت و هيجت اللقاءات العلمية الطبية و أدكت فضول فقهاء الكنائس و شغلت بال رجال القانون’ مهدت الطريق لتفلسف الفلاسفة و كان لا بد أن تتوحد  الآراء و تتضافر الجهود على أكثر من صعيد لصياغة حد أدنى من المفاهيم حول مسألة غرس الأعضاء و نقلها و تخزينها سواء من الأحياء أو الأموات .
كل هذه الإرهاصات خلقت مسالة التطابق و الاختلاف لدى الطبيب المسلم بين أحكام القانون الوضعي و أحكام الشريعة الإسلامية و مازالت نقل و زرع الأعضاء البشرية تشغل دوائر الطب و الفقه في أغلب البلدان’ و ازدادت عمليات الزرع و ازداد معهما الاهتمام بضرورة وضع نظام قانوني متكامل لهذه العمليات حفاظا على أطراف العلاقة في عملية التبرع من العبث بالذات البشرية قبل الموت أو بعده[3] .
و لقد أصدر المشرع المغربي القانون المتعلق بالتبرع بالأعضاء و الأنسجة البشرية  و أخذها و زرعها في 25 أغسطس 1999 .
و سوف نعالج الموضوع من خلال التصميم التالي:

التصميم
المبحث الأول : حدود إباحة الاستئصال العلاجي أو العلمي من الجثث و موقف
                    الشريعة الإسلامية
المطلب الأول : حدود إباحة الاستئصال العلاجي أو العلمي من الجثث.
المطلب الثاني:  موقف الشريعة الإسلامية 
المبحث الثاني :الاستئصال من الجثث بحسب القانون المغربي.
المطلب الأول : مدى احترام القانون 16/98 لكرامة و إرادة المواطن.
المطلب الثاني : شروط الأخذ من الجثث بحسب التشريع المغربي
خــاتـمـة 
المبحث الأول : حدود إباحة الاستئصال العلاجي أو العلمي من الجثث و موقف
                    الشريعة  الإسلامية
المطلب الأول : حدود الاستئصال العلاجي أو العلمي من الجثث
أن عددا من الأجزاء الحيوية لا يمكن استحصالها إلا من الأموات ببساطة لأن أخذها من الأحياء يؤدي حتما بحياتهم أو يسبب لهم ضررا موازيا أو أكبر من الضرر المراد دفعه عن المريض’ كمثل نقل القلب’ الكبد’ البنكرياس’ الرئة, قرنية العين, و جميع الأعضاء      و الأنسجة الأخرى غير المزدوجة كالعظام’ الغضاريف خلايا الدماغ... و معلوم أن هذه الأعضاء أضحت ضرورة لعلاج أنواع لا حصر لها من الأمراض و العاهات .
قداسة الموتى في ثقافة الشعوب المختلفة :
لعل الشعوب على اختلاف دياناتها و اعتقاداتها لم تجمع على شيء مثلما أجمعت على احترام موتاها لحد التقديس و التأليه أحيانا’ و بالمقابل على استهجان كل مساس         أو تدنيس أو تمثيل بالجثث’ لذلك تجد الناس من كل الفلسفات – المادية كما الإيمانية – أحرص ما يكونون على تنفيذ وصايا موتاهم – من أجله أيضا صيغت مراسيم الدفن        بما يعكس مكانة الموتى.
و حتى عندما تحرق الجثث بحسب طقوس عقيدة ما’ فلا يعني ذلك نقص قداستها  بل لعلها مراسم يثبت من خلالها أهل العقيدة مقدار تشبثهم بالميت’ بدليل أن رماد الجثث مقدس في البوذية أو غيرها باعتباره يرمز للجسم و ماله من قداسة .
و ما مومياء الفراعنة التي قاومت الزمن إلا دليل على ما بذل من جهود من أجل صون كرامة الجثث و تقديسها’ سيما إذا كانت لملوك أو بالأحرى لآلهة[4].  
و لما وضعت مراسيم الدفن أو الإحراق ...حصل اليقين بأن الموت مجرد سفر إلى حياة أخرى قد يحتاج فيها المسافر للعدة و يحتاج لأن تلتقي روحه بجسده سليما   غير منقوص و عندما صيغت القوانين كانت هذه الاعتقادات حاضرة فتبنت تدابير تحمي حرمات الأموات و مراقدهم’ و قبل وجود قوانين وضعية كانت الشرائع السماوية حرمت الأموات و مراقدهم و قبل وجود قوانين وضعية كانت الشرائع السماوية حرمت التمثيل بالجثث  و أجمعت الأخلاق من أي مصدر كانت على شناعته.
  اتجاهات القانون المقارن :
لقد تعرضت كثير من التشريعات الأجنبية بالنص صراحة على جواز استئصال جزء من جثة المتوفى و زرعها في جسم كائن آخر حي و هي أسبق في التاريخ من تلك التي تعرضت للتصرف في جزء من جسم الإنسان الحي[5]’ و نخص بالذكر منها القانون الإسباني الصادر في 18/12/1990 و القانون الإيطالي الصادر في 3/4/1957   و القانون السويدي الصادر عام 1958  و القانون الدنمركي الصادر في 7/6/1967  و القانون البرازيلي في 10/08/1968  أما القانون الفرنسي [6] يستند على تقسيم كلاسيكي’ يميز بين نقل و زرع الأعضاء بين الأحياء و نقل الأعضاء من الموتى و نجد القانون الأردني الخاص بنقل الأعضاء البشرية و الذي يسمى قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان رقم 23 المؤرخ ب 24/04/1977 و القانون المعدل له رقم 18 بتاريخ 20/07/1980       لا يخضع نصوصه للتبويب الثنائي المتمثل في تخصيص باب للحديث عن النقل بين الأحياء و باب للحديث عن المانحين الأموات و إنما يتحدث عنهما بشكل مطرد دون تقسيم.
من خلال متابعة الشعوب المختلفة’ يلاحظ أنها خصت موتاها بكثير من القداسة   - لكن نظرة التقديس هذه خضعت لبعض التحول بعد أن ثبت مطلقا استحالة تقدم العلوم البيوطبية دون استثمار الجثث’ و هذا دليل على أن المبادئ التقليدية عن قداسة الإنسان حيا  وميتا اضطرت للإنحناء أمام إلحاح الأبحاث العلمية و أمام ضرورات العلاج و غيره.

المطلب الثاني : موقف الشريعة الإسلامية
فقرة 1 : القرائن المانعة لزرع الأعضاء
إذا قمنا بالتأمل في شريعتنا قد تكون أقرب إلى نفي إجازة زرع و نقل الأعضاء البشرية و  ذلك بناء على العديد من القرائن التي تسير في اتجاه هذا المنع.
يستنبط هذا المنحى من خلال قراءة أفقية لشريعتنا’ و يتجلى ذلك في أن الله سبحانه و تعالى قد سخر هذا الكون بما فيه لبني آدم "و سخر لكم ما في السموات و ما في الأرض  جميعا"[7] و لعل الآية من سورة البقرة تفسر ذلك بشكل أكثر تفصيلا "إن في خلق السموات        و الأرض و اختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون"[8]
و أذا كان جسد الإنسان كآلة معقدة هبة من هبات الله و آياته لقوله تعالى :  " و في خلقكم و ما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون" [9] لذلك لا يمكن للإنسان التصرف في هذه الآلة بالتبرع أو التنازل عن بعض الأعضاء لفائدة الآخرين لأن الله صور الإنسان في أحسن الصور’ "و صوركم فأحسن صوركم"[10] و كل تبرع قد يشكل تشويها لهذه الصورة     التي أحسن الله خلقها و إذا كانت الآية الكريمة تشير أنه يوم الحشر كما تخبرنا الآية  " و يوم يحشر أعداد الله إلى النار فهم يوزعون"[11] ستكون أعضاء الإنسان شاهدا على أفعاله "حتى إذا جاءوها شهد عليهم سمعهم و أبصارهم و جلودهم بما كانوا يعملون"[12]
فإننا نفهم من خلال هذا الاتجاه الذي أشار إليه الدكتور عبد الحميد سحبان أن هذه الآلة العجيبة التي هي هبة من الله لا يمكن للإنسان التصرف فيها بمحض إرادته فأجزاؤها محسوبة عليه لأنها مطلوبة هي الأخرى يوم القيامة لتكون شاهدا على أصحابها. فالتصرف إذا في هذه الأعضاء سيكون جحودا بآية من آيات الله " وما يجحد بآياتنا الا الكافرون"[13]     يتضح من خلال هذا التعليل أن الإنسان لا يملك حق التصرف في جسده داخل ما يسمى بنقل الأعضاء بناءا على هذه القرائن العامة.
فقرة 2  :جواز الانتفاع بالأعضاء البشرية
النظير الشرعي للمسألة’ يتجلى في آية قرآنية من سورة البقرة و التي تتحدث عن فكرة الضرورة أو الرخصة المخولة للعمل بالمحرم " إنما حرم عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم" [14] و في الآية التالية " و قد فضل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه"[15] فالشخص  في هذه الحالة مضطر فوجب أن يترخص و الحجة في ذلك أن الضرورة ترفع التحريم فيعود مباحا.

فتاوى الفقهاء المحدثين
و فيما يتعلق بحكم التشريح فهو مورس في عهود الإسلام الأولى فقد تبث أن   الأطباء المسلمين القدامى مارسوا التشريح بتوسع’ فابن النفيس اكتشف الدورة الدموية الصغرى و أبو بكر الرازي جمع أشتات علم التشريح ثم جاء بعده ابن سينا فوضع أسس علم التشريح و أصوله و ألف فيه كتبا من أشهرها كتابه "القانون" تعتبر تراثا علميا خالدا    و اشتهر عن ابن رشد قوله "أن من يقوم بالتشريح يتقرب من الله و أن من اشتغل به ازداد إيمانا"[16]
وقد أجازت الفتوى رقم 1069 الصادرة عن دار الإفتاء المصرية سلخ جلد الميت لعلاج حرق الأحياء و ألا يتعدى الأموات الذين ليس لهم أهل أما الأموات الذين لهم أهل فإن أخذ الطبقات السطحية من جلدهم يكون بيدهم و بإذنهم وحدهم - فاذا أذنوا جاز ذلك     وإلا فلا يجوز بدون إذنهم.
كما أجازت الفتوى رقم 1087 نقل عيون الموتى إلى الأحياء لما في ذلك من المصلحة و ذلك لأن أخذ عين الميت لترقيع قرنية عين المكفوف الحي فيه مصلحة ترجح مصلحة المحافظة على الميت و يجوز ذلك شرعا [17].

·       فتوى وزارة الأوقاف المغربية الصادرة في سنة 1975:
مع أن وزارة الصحة كانت ترمي لأخذ رأي العلماء عن الاستئصال العلاجي من الجثث’ تحدثت الفتوى عن التشريح إذ في 30 غشت 1978 وجهت مصلحة التشريح و الشكايات مراسلة تحمل رقم 352 إلى وزير الصحة’ يرفع إليها بمقتضاها نتائج استفتاء كان القسم وجهه إلى وزارة الأوقاف التي أحالته بدورها إلى المجالس العلمية بكل من طنجة ’ فاس’ مراكش.
و سوف نعرض رأي المجلس العلمي بطنجة : مما جاء في فتواه :
"علم التشريح من العلوم الواجب تحميلها و معرفتها من المسلمين’ و هي قاعدة محكمة في كل ما كان من هذا القبيل’ و لو لم يكن علم التشريح مطلوبا لما اشتغل     به حكماء الإسلام و أطباؤه في مختلف العصور ( الشيخ ابن سيناء و الرازي)        و إذا أثبت أن التشريع للتعليم’ و هو غرض شرعي جائر فينبغي أن يحتاط في ذلك غاية الاحتياط’ بحيث يقتصر فيه على القدر الذي تحصل به الفائدة و لا يتجاوز    إلى العبث بجثة الميت’ و إن أمكن مع تعدد الجثث إجراء التشريح في كل واحدة منها على عضو دون آخر’ بحيث لا تتلف الجثة بذلك كان  أولى" .
فالمرجع بالنسبة للدول الإسلامية هو القرار الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي’ في الدورة الثامنة سنة 1985 ’و التي قامت فوق مهمة الإفتاء’ بمجهود محمود لتوحيد نظرة فقهاء الإسلام’ وورد في الفتوى ما يلي :

"ثانيا : تعتبر جائزة شرعا بطريق الأولوية الحالات التالية:
2- أخذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان آخر مضطر إليه’ بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفا’ و قد أذن بذلك حال حياته..."
المبحث الثاني : الاستئصال من الجثث بحسب القانون المغربي
صدرفي الجريدة الرسمية رقم 4726 الصادرة يوم الخميس 16 شتنبر1999 القانون                     رقم 16-98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء و الأنسجة البشرية و أخذها وزرعها’  و يحمي المتبرعين القاصرين و يسمح لهم بالتبرع في حالات خاصة لحماية نموهم و سلامتهم       و تزامنا مع إصدار هذا القانون أطلق المغرب حملة وطنية من أجل تشجيع المواطنين      على التبرع بأعضائهم و أنسجتهم البشرية و ذلك في ظل ضعف أعداد المتبرعين و التزايد المستمر في احتياجات المرضى لإنقاذ حياتهم .
المطلب الأول : مدى احترام القانون 98.16 لكرامة و إرادة المواطن
لا شك أن المستقرئ للمادة 4 من القانون 16-98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء         و الأنسجة البشرية و أخذها وزرعها سيفهم بوضوح لا مجال معه للشك بأن المشرع المغربي يحترم إرادة المواطن المتبرع بأعضائه’ فلا يجوز له التبرع إلا بموافقته الصريحة و الواضحة’ كما يعطيه فرصة إلغاء هذه الموافقة متى أراد ذلك’ و هذا الأمر أكدته       المادة 13 من نفس القانون (16-98) بحيث "يمكن لكل راشد يتمتع بأهليته’ ان يعبروهوعلى قيد الحياة ووفق الاشكال والشروط المنصوص عليها في هذا الفصل الثاني عن ارادته ترخيص او منع اخذ اعضائه او اعضاء معينة منه بعد مماته" لكن ما يثير الاستغراب هو مضامين المادة 15 من نفس القانون السابق و التي تنص على ما يلي:        " الأخذ بواسطة تصريح يتلقاه رئيس المحكمة المختصة التابع لها محل إقامته أو القاضي المعين لهذا الغرض..."’ و بمفهوم المخالفة سنفهم بأن كل مواطن لم يعترض في حياته    على التبرع بأعضائه فسيكون مصير جسده التبرع عملا بقاعدة "السكوت علامة الرضى"’ و بالتالي يبدو أن هذه المادة القانونية تؤكد بأن الأصل هو أن جميع المواطنين الهالكين ستتبرع الدولة بأجسادهم’ و أن كل شخص هو على قيد الحياة يرفض التبرع بأعضائه       عند موته ينبغي عليه أن يسارع في حياته من أجل استصدار كل الوثائق اللازمة’             و هذا الأمر في غاية الخطورة’ و لا ينم عن احترام إرادة الإنسان بمعنى و أنه و من خلال الثغرات الموجودة في المادة 15 السالفة الذكر’ يمكن للدولة التبرع بأعضاء المواطن الهالك بحجة أن المتوفى لم يكن يقظا في حياته’ و لم يكن محتاطا بما فيه الكفاية’ و نسي           أن يستصدر الوثائق الرسمية اللازمة التي تؤكد رفضه المطلق للتبرع بأعضائه عند وفاته[18]
هذا و يواصل القانون 16-98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء و الأنسجة البشرية و أخذها و زرعها في مادته 16 عدم احترامه لإرادة المواطن و تأكيده على أن إرادة هذا الأخير لا يعتد بها فهي مجرد أمر شكلي يبقى حبرا على ورق و مسطرا في النصوص القانونية فقط’ و مما ورد في هذه المادة ما يلي " يمكن إجراء عمليات أخذ الأعضاء لأغراض علاجية أو علمية من أشخاص متوفين لم يعبروا و هم على قيد الحياة عن رفضهم الخضوع لعمليات من هذا النوع’ في مستشفيات عمومية معتمدة تحدد قائمتها من طرف وزير الصحة إلا في حالة اعتراض الزوج و إلا فالأصول و إلا فالفروع" :         بمعنى أن هذا يعتبر تأكيدا من لم يصرح خلال حياته بموافقته التبرع بأعضائه فسيتم التبرع بها رغما عن أنفه خصوصا إذا كان مقطوعا من شجرة .
و مما يثير الأسف أيضا ما ورد في المادة 18 من نفس القانون السالف الذكر و التي تؤكد بأن المواطن المريض بمجرد دخوله إلى المستشفى فإن إرادته ستساومه على جسده        هل يريد التبرع به  ام لا؟ و تحاول جاهدة انتزاع تصريح منه,  بذلك مما يطرح معه إشكال صحة التصريح الصادر من المريض مرض الموت هل يعتد به أم لا بالنظر إلى الحالة الصحية المتدهورة للمريض و التي لا شك أنها ستؤثر على قدراته العقلية ’ هذا من جهة و من جهة ثانية ألا يعد الطبيب مسؤولا عن التدهور النفسي و الصحي للمريض من جراء تحسسيه بأنه سيفارق الحياة و سيتبرع بأعضائه’ فلا شك أن هذا الأمر الجلل سينزل عليه كالصاعقة’ فلا أحد في هذا الكون يحب الموت’ و تواصل المادة 19      من نفس القانون السابق بذل الجهد الجهيد من أجل انتزاع تصريح بالتبرع بالأعضاء من المواطن الهالك المنتظر أو أسرته’ و تطالب المادة المذكورة الطبيب بأن : " ... يبذل جهده للحصول عليها ..." و من هنا نتساءل هل الطبيب مطالب يبذل الجهد الجهيد لإنقاذ المريض و العناية به إلى آخر رمق في حياته؟؟؟ أم أنه مطالب بانتزاع تصريح منه للموافقة على التبرع بأعضائه!!!.[19]
و المعلوم شرعا أن موت الإنسان دماغيا لا يعتبر موتا و أن الموت الحقيقي يمكن في خروج الروح من الجسد’ و بالتالي فإن المادتين 21 و 22 من القانون 16-98 تبيحان أخذ أعضاء الإنسان بعد موته دماغيا و هذا يعتبر جريمة قتل للنفس بغير حق عند العديد من علماء القرويين و شيوخ المالكية الأفذاذ .
و بالرجوع إلى الباب الرابع من القانون 16-98 و بالضبط المواد 27/28/29       نجد عنوان مستفزا و هو: " استيراد الأعضاء البشرية و تصديرها" و بغض النظر         عن زاوية فهم و تفسير هذا العنوان’ لا بد أن التصدير موجود و الثغرة القانونية إذن موجودة’ و المنطق يقضي أنه لا يعقل أن نقوم بتصدير الأعضاء البشرية إلا إذا حققنا الاكتفاء الذاتي منها و الذي ينفع المواطنين و مادامت عمليات زرع الأعضاء في المغرب لا زالت في بدايتها فإن التصدير إذن سيكون أولى من الاستيراد’ فما الفائدة من الإبقاء     على ثروة من الأعضاء البشرية بأرض الوطن و نحن لا نملك الظروف و الوسائل العلمية المتطورة التي تمكننا من زرعها ؟؟؟
فإذا نجحت  عمليات محدودة للزرع بالمغرب فلاشك أن هناك العديد من الأعضاء الدقيقة التي يستحيل زرعها في المغرب  و التي يكلف زرعها أموالا خيالية.
المطلب الثاني : شروط الأخذ من الجثث بحسب التشريع المغربي
·       شروط الاستئصال من الجثث في إطار ظهير 1952
يشترط الظهير عموما توفر المؤسسة على رخصة بإجراء الاستئصال صادرة       عن مدير الصحة يكون الهدف منه غرض علاجي أو علمي و يرجع تقدير هذه الفائدة العلمية أو العلاجية إلى الطبيب رئيس المصلحة المعنية’ و يجب أيضا        أن تصدر شهادة بحصول الوفاة و ذلك خلافا للمرسوم الفرنسي لسنة 1947       الذي كان يشترط انتظار مرور أربع و عشرين ساعة بعد التأكد من حصول الوفاة فعلا’ و تصدر هذه الشهادة المثبتة للوفاة عن طبيين من المؤسسة نفسها التي تمارس الاستئصال أو المصل[20] .
·       مـجـانـيـة التـبـرع:
المشرع المغربي رغم ورود شرط المجانية ضمن المقتضيات العامة’ أصر على التذكير به عندما يتعلق الأمر بالأخذ من الجثث’ إذ بعد أن حددت المادة 14 الجهة      (المحكمة الابتدائية) المخولة صلاحية تلقي التبرعات’ أردفت أنه لا يسوغ تلقي التصريحات إلا " بعدما تتكون لدى القاضي القناعة بأن المتبرع المحتمل يتصرف بإرادة حرة و عن إدراك لما سيقدم عليه’ و خاصة بعدما يتأكد بأن  التبرع عن طريق الوصية مجاني و سيتم لفائدة مؤسسة مرخص لها بتلقي التبرعات بالأعضاء دون غيرها".
·       إذن المعطي قبل وفاته :
إن التعبير عن الإرادة بالترخيص أو المنع لأخذ الأعضاء من الواهب بعد مماته شرط ضروري لإجازة عملية الأخذ من الميت’ إذ يجوز لكل شخص راشد يتمتع بكامل أهليته أن يعبر و هو على قيد الحياة ووفق الأشكال و الشروط المنصوص عليها في الفصل الثاني من الباب الثاني من ظهير 25 غشت 1999عن إرادته بترخيص أو منع أخذ أعضائه أو أعضاء معينة منه بعد مماته.
·       إذن الآسرة بالتصرف في جثة المتوفى
إن حق التصرف في الجثة ينتقل إلى أقارب المتوفى إذا لم يوصي المتبرع قيل وفاته بكيفية التصرف بالجثة.
            فقد ألزمت المادة 18 على الطبيب المدير أو الطبيب المعين خصيصا لهذا الغرض أن يتلقى تصريح الشخص المعالج داخل المستشفى برفض أخذ أعضائه أو بعضا منها        و يسجل ذلك في سجل خاص معد لذلك و يجب أن يبلع هذا التصريح إلى الأطباء المسؤولين عن عمليات أخذ الأعضاء في المؤسسة الاستشفائية و ذلك تحت طائلة جزاءات عقابية’ أما إذا لم يتمكن الشخص من التعبير عن ذلك الرفض وفقا لأحكام المادة 18        فإنه يجب أن يشار كذلك في السجل المذكور إلى كل العناصر التي يفترض من خلالها        أن الشخص المذكور قد يرفض أخذ أعضائه  بعد مماته و بصفة خاصة تصريحات أسرته التي يجب على الطبيب أن يبذل جهده للحصول عليها كما جاء في المادة 19 .
·       كون المستشفى المعتمد مؤسسة عمومية
نصت المادة 6 " لا يجوز... إجراء عمليات لأخذ الأعضاء البشرية سوى             في المستشفيات العمومية المعتمدة " و أكدت نفس الشرط كل من المادة 12          "... إلا في مستشفى معتمد" و المادة 16 : " يمكن إجراء عمليات أخذ الأعضاء ... في مستشفيات عمومية معتمدة..." و مواد أخرى
لهذا الاعتبار يستبعد القطاع الخاص تماما في عمليات الاستئصال’ بل يستبعد حتى بالنسبة لزرع الأعضاء و أيضا الأنسجة والخلايا غير المتجددة’ بحيث لا يسمح للمصحات الخاصة المعتمدة بممارسة الزرع إلا عندما يتعلق الأمر بقرنيات العيون و الأعضاء القابلة للخلفة بشكل طبيعي و الأنسجة البشرية ( المادة 25 فقرة1)
·       توفير المؤسسة على ترخيص بإجراء الاستئصال
لا يجب أن يفهم أنه كلما كانت المؤسسة عمومية إلا و حازت امتياز ممارسة الاغتراس بل من الطبيعي جدا ألا تمنح لجميع المراكز الصحية أو الاستشفائية العمومية’ و إنما لبعضها فقط, بحسب توفرها على ما يقتضيه الاغتراس من تقنيات و إمكانيات و كفاءات و تجهيزات تسمح فعلا بالاستفادة طبيا أو علميا من الأجزاء المستأصلة بناء على ذلك فالمستشفيات المعتمدة تحددها لائحة تصدر عن وزير الصحة و هي مبدئيا المراكز الاستشفائية الجامعية إلى جانب المشافي الحائزة على الشروط المطلوبة[21] .
·       وجود فائدة علمية أو علاجية ترجى من الاستئصال
حرص القانون الحالي على التذكير على ما أكد عليه ظهير 1952 على ضرورة تفادي العبث و التمثيل بالجثث’ فالمادة 16 تؤكد أنه : يمكن إجراء عمليات أخذ الأعضاء لأغراض علاجية أو علمية من أشخاص... في مستشفيات عمومية معتمدة تحدد قائمتها من طرف وزير الصحة"
كما أن ظهير 16/98 على شاكلة ظهير 1952 لم يحدد معايير الفائدة العلمية العلاجية هذه’ و لا وضع شكليات لإثباتها بحيث يكفي أن يقدر الطبيب المختص       أن هناك فائدة ما ترجى من الاستقطاع أو المصل’ لكي يصبح مباحا دون أن يلزم بتسمية الفائدة و لا المصلحة’ و لا الوجهة التي سيأخذها الجزء المستأصل’           و دون ضرورة توثيق ذلك في أي محرر كان أو إثبات الفائدة العلمية  ... هذا في حين كانت النصوص الصادرة قبله بفرنسا تفرض أن تسمى صراحة و بدقة’     الفائدة المرجوة و أن يرسل بذلك طلب مسبب إلى عمدة المدينة’ و أن يرخص العمدة كتابة’ بعدما تحصل له القناعة بضرورة أو نفعية الاستئصال أو المصل’ و بعدما يتأكد من أن الوفاة حلت فعلا’ استنادا للشهادة المرفقة بالملف...[22].

خـــاتـمـة
أصبحت زراعة الأعضاء الآن أكثر فعالية’ و الحاجة للأعضاء قد تجاوزت الأعداد المتاحة منها’ و يتوفى كثير من المرضى الذين هم في حاجة ماسة لزراعة الأعضاء بسبب ندرة الأعضاء و عدم توافرها.
 و قد زادت الاستعانة بالمتبرعين الأحياء و الأموات في إجراءات زراعة الأعضاء في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة وصلت إلى 60%  بين عامي    1990 م و 2000 م [23]
أما عربيا فرغم تقدم البلاد في مجال زراعة الأعضاء فإن إنجازاتها في هذا الميدان لا تلبي حاجيات المرضى المتزايدة’ كما أن المواطنون في المغرب مازالوا يبدون بعض التخوفات و التحفظات بشأن التبرع بأعضائهم’ و في هذا الإطار شجع العديد من المسؤولين و العلماء المغاربة المواطنين على التبرع بأعضائهم باعتباره أحد أشكال التضامن و التكافل الاجتماعي’ و أبرزوا أهمية مبادرة التبرع بالأعضاء لإنقاذ حياة آلاف المرضى و اعتبر بعضهم أن مسالة التبرع بالأعضاء لإنقاذ حياة آلاف المرضى. و اعتبر بعضهم أن مسألة التبرع بالأعضاء أضحت في المغرب قانونا منظما تجاوز مرحلة المساءلة الشرعية بشأن جوازها من عدمه’ بل هناك من اعتبرها نوعا من أنواع الجهاد.  



المـصـادر و الـمراجع
-        الدكتورة رجاء ناجي – مكاوي’ رئيسة وحدة قانون الصحة أستاذة القانون الخاص كلية الحقوق جامعة محمد الخامس.
نقل وزرع الأعضاء أو الاستخدام الطبي لأعضاء الإنسان و جثته مقارنة بين القانون المغربي و المقارن والشريعة الإسلامية الطبعة الأولى 2002 .
-        الأستاذ نور الدين الشرقاوي الغزواني’ قانون زرع الأعضاء البشرية’       دراسة قانونية 2000
-        الدكتور صلاح الدين دكداك مدير مجلة الفقه و القانون’ قراءة  مواطنة للقانون رقم 16-98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء و الأنسجة البشرية و أخذها و زرعها’ الملف مجلة قانونية تصدر كل ستة أشهر العدد 23 نونبر 2015 .
-        الدكتور عبد الحميد سحبان’ زرع الأعضاء البشرية بين التطور الطبي            و الشريعة الإسلامية المعرفة للجميع سلسلة شهرية العدد 8
-        الدكتور شعبان خلف الله’ زراعة الأعضاء بين الواقع و المأمول مجموعتنا العلمية الطبية 18 دار الكتاب العلمية 2011
-        ظهير شريف رقم 1.99.208 صادر في 13 من جمادى الأولى 1420             ( 25 أغسطس 1999) بتنفيذ القانون رقم 16-98  المتعلق بالتبرع بالأعضاء     و الأنسجة البشرية  و أخذها و زرعها.


[1]  - الدكتور شعبان خلف الله زراعة الأعضاء بين الواقع و المأمول دار الكتب العلمية 2011
[2] - الأستاذ نور الدين الغزواني الشرقاوي. قانون زرع الأعضاء البشرية " دراسة قانونية مقارنة" 2000
[3]  - الأستاذ نورا لدين الشرقاوي الغزواني مرجع سابق.
[4]  - الدكتورة رجاء ناحي –مكاوي نقل و زرع الأعضاء أو الاستخدام الطبي لأعضاء الإنسان و جثثه مقاربة بين القانون المغربي و المقارن       و الشريعة الإسلامية الطبعة الأولى 2002 .
[5]  - مشروعية التصرف في جسم الآدمي دراسة فقهية مقارنة للدكتور سعيد سعد عبد السلام الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة المنوفية صفحة 94 السنة 1996 نقلا عن الأستاذ نورالدين الشرقاوي العزواني مرجع  سابق
[6]  - القانون رقم 76-1181 بتاريخ 22 دجنبر لسنة 1976 و يطلق عليه قانون كايافيه caillavet  
[7]  - سورة الجاثية الآية 13
[8]  - سورة البقرة الآية 164
[9]  -  سورة الجاثية الآية 4
[10]  - سورة غافر الآية 64
[11]  - سورة فصلت الآية 19
[12]  - سورة فصلت الآية 19
[13]  - سورة العنكبوت الآية 17
[14]  - سورة الأنعام الآية 165
[15]  - سورة البقرة الآية 173 ترددت لفظة الاضطرار و هي أساس قاعدة " الضرورة تبيح المحضورات"
[16]  - ابن أبي أصيبعة طبقات الأطباء ج 3 ص 125 ابن رشد البداية و النهاية نقلا عن الدكتور رجاء الناجي مكاوي مرجع سابق ص 87 
[17]  -الفتاوي الإسلامية من دار الإفتاء المصرية المجلد السابع صفحتان 2505 و 2552 و كان المفتي فضيلة الشيخ محمد خاظر و فضيلة الشيخ حسن مامون.
[18]  - الدكتور صلاح الدين دكداك مدير مجلة الفقه و القانون www.mayalah.new.ma مجلة الملف العدد 23 نونبر 2015 قراءة مواطنة للقانون رقم 16-98 المتعلق بالتبرع بالأعضاء و الأنسجة البشرية و أخذها و زرعها.
[19]  - الدكتور صلاح الدين دكداك مرجع سابق
[20]  - الأستاذ نور الدين الشرقاوي العزواني – مرجع سابق
[21]  - الدكتورة رجاء ناجي مكاوي نفس المرجع السابق
[22]  - الدكتورة رجاء ناجي –مكاوي نقل و زرع الأعضاء مرجع سابق
[23]  - الدكتور شعبان خلف الله - مرجع سابق 
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

1 التعليقات:

maoss33 يقول...

في أ] عدد صدر المقال مع التاريخ ،شكرا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016