تابعونا على الفيسبوك

Disqus

" أحكام الالتصاق على ضوء مدونة الحقوق العينية"

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
 أحكام الالتصاق على ضوء مدونة
 الحقوق العينية





 عبد الغفور الخرازي
طالب باحث بماستر قانون الأعمال،
 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، بتطوان.



مقدمة
يعتبر العقار أفضل وسيلة للإنتاج، وعليه يتوقف جلب الاستثمار سواء في المجال الفلاحي أو الصناعي أو التجاري، فالعقار يعد ركيزة أساسية في حياة الإنسان، وذلك لمساهمته الفعالة في توفير السكن، والحد من البطالة، وأيضا توفير الوعاء اللازم لتشييد المرافق العمومية داخل الدولة.
ووعيا من المشرع المغربي بأهمية العقار في تحقيق التنمية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ما فتئ يتدخل من حين لآخر من أجل ضبطه، وذلك بوضع قوانين جديدة أو تعديل أو تغيير أو تتميم القوانين القديمة، وهذا ما حصل مع ظهير 1915 المنظم للحقوق العينية، إذ تدخل المشرع المغرب وقام بتعديله بموجب القانون رقم 39.08[1] بمثابة مدونة الحقوق العينية.
وهكذا عمل المشرع المغربي على تحديث الترسانة القانونية المنظمة للعقار، بحيث حاول إيجاد التوازن على مستوى المعاملات العقارية التي تتم بين أطراف العلاقة القانونية، وكذا الحد من الفوضى والحفاظ على الاستقرار داخل المجتمع، ورغبة منه في تلافي النزاعات التي قد تنشأ عن تنزيل المقتضيات القانونية على ارض الواقع اوجد لنا في صلب القانون 39.08 وبالضبط الكتاب الثاني المتعلق بأسباب كسب الملكية، العديد من الوسائل التي يسوغ عن طريقها تملك العقار، وما الالتصاق إلا إحدى الوسائل القانونية التي تسهم في تثبيت الملكية العقارية الخاصة.
ويعرف الالتصاق بكونه اتحاد شيئين متميزين ومختلفين في طبيعتهما وتركيبتها القانونية، مملوكين لمالكين مختلفين، بحيث يصبح الفصل بينهما بدون تلف مستحيلا، وقد أطره المشرع المغربي في الفصل الثاني من القسم الأول من الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية، وبالضبط في المواد من 227 إلى 238 .
وتتجلى أهمية دراسة هذا الموضوع في كون الالتصاق يعتبر من بين أسباب كسب الملكية الشائعة في الواقع العملي، لذا كان من الضروري تسليط الضوء على الالتصاق باعتباره واقعة مادية تساهم ف5ي تثبيت الملكية العقارية الخاصة، من هذا المنطلق تبرز إشكالية محورية تتجلى في : مدى استطاعة المشرع المغربي تنظيم أحكام الالتصاق  تنظيما محكما بشكل يمكن من تلافي مختلف النزاعات العقارية الناشئة عن هذا الالتصاق ؟
ولمحاولة الإجابة عن الإشكالية المطروحة سنقسم الموضوع  إلى مطلبين ؛
المطلب الأول : ماهية الالتصاق في التشريع المغربي
المطلب الثاني : أنـــــــــــــواع الالــــــــــــتــــــــــــــصــــــــــــاق




المطلب الأول : ماهية الالتصاق في التشريع المغربي
يعتبر الالتصاق من أسباب كسب الملكية العقارية، يكون بمقتضاه لصاحب الشيء أن يتملك ما اتصل به اتصالا يتعذر معه فصله منه دون تلف، ولتبيان أحكام الالتصاق التي جاء بها المشرع المغربي في مدونة الحقوق العينية، ارتأينا تقسيم هذا المطلب إلى فقرتين؛ سنتناول في (الفقرة الأولى) مفهوم الالتصاق، على أن نتطرق في (الفقرة الثانية) لدراسة ضوابط تحقق الالتصاق.
الفقرة الأولى : مفهوم الالتصاق
بالرجوع إلى مواد مدونة الحقوق العينية المنظمة للالتصاق باعتباره أحد أسباب كسب الملكية، نجد أن المشرع المغربي قد أحجم عن تحديد المقصود بالالتصاق، ولهذا تكفل بعض الفقه بهذه المهمة إذ عرفه الفقيه السنهوري --رحمه الله-- بأنه " اندماج أو اتحاد شيئين متميزين أحدهما عن الآخر، ومملوكين لمالكين مختلفين، إذ يصير الشيئان واحد بفعل اندماجهما، ويتعذر فصلهما دون تلف، وبذلك يخرج عن مفهوم الاندماج الإصلاحات التي يقوم بها الحائز في ملك غيره، وكذلك الثمار التي ينتجها الشيء كيفما كان نوعها وأيضا المنتجات".[2]
إذن ؛ يتضح من خلال هذا التعريف أن الالتصاق في جوهره وسيلة تسمح بانصهار شيئين متمايزان عن بعضهما البعض، يتمخض عن امتزاجهما ولادة شيء جديد متميز بخصائصه ومتفرد بعناصره، وقد يكون هذا الالتصاق بين عقار وعقار أو بين عقار ومنقول، لكن الالتصاق بهذا المفهوم لا يتحقق إلا بتوفر مجموعة من الشروط والضوابط. 

الفقرة الثانية : ضوابط تحقق بالالتصاق
من أجل الاعتداد بالالتصاق كوسيلة لكسب الملكية، لا بد من توافر جملة من الشروط الجوهرية التي ينتج عن انتفاؤها انعدام الالتصاق، ومن أهم الشروط نذكر :
أولا : أن يكون شيئان ماديان متميزان أحدهما أكثر أهمية من الأخر ، بحيث يمكن اعتبار أحدهما أصلا والأخر تابعا[3] ؛ يقصد بهذا الشرط وجود شيئين مختلفين في طبيعتهما يكون أحدهما أكثر قيمة (سواء كانت هذه القيمة مادية أو فنية) من الآخر، مما يؤدي إلى اعتبارهما شيئا واحد، ومثال ذلك الأشغال والبناءات التي يقوم بها شخص في العقار المملوك لغيره دون أن يكون هناك اتفاق مسبق، أما إذا تم إحداث هذا البناء باتفاق الطرفان فلا يمكن اعتباره التصاق بمفهوم القانون رقم 39.08، ولا يمكن أن يكيف إلا على أساس عقد مقاولة ويسري عليه أحكامها أو الاتفاق المبرم بين الطرفين.
ثانيا : أن يكون الشيئين اللذان التصقا مملوكين لمالكين مختلفين[4] ؛ يقضي هذا الشرط وجوب اختلاف مالكي الشيئين المندمجين، وهو أمر منطقي على أساس أن مالك العقار لا يحتاج إلى طريق آخر لاكتسابه مرة ثانية، فإذا بنى مثلا في ملكه بأمواله الخاصة وتحت نفقته، فإن ذلك البناء يصبح ملكه مباشرة ودون تطبيق أحكام الالتصاق، مما يعني أنه من أجل الأخذ بالالتصاق كواقعة مادية لإثبات الملكية العقارية لابد من اختلاف  مالكي الشيئين المتحدين.
ثالثا : عدم إمكانية فصل الاندماج الحاصل بين الشيئين؛ بقصد بهاته الخاصة أو الضابط عدم إمكانية فصل الشيئين المندمجين عن بعضهما البعض دون تلف إحداهما أو كليهما، فالكنز المدفون في الأرض مثلا لا يعتبر ملتصقا بها إذ يمكن فصله عن الأرض دون تلف يلحق بأي منهما.[5]
رابعا : عدم وجود اتفاق مسبق بين ملاك الشيئين المندمجين، فإذا وقع مثل هذا الاتفاق انتفى الاندماج، وتعين استبعاد تطبيق مقتضيات الالتصاق، وبالتالي تطبيق أحكام العقود.[6]
ويعتبر هذا الشرط نتيجة حتمية لما سلف ذكره من الشروط، كون إذا كان هناك اتفاق مسبق بين الطرفين الو ملاك الشيئين المندمجين، فإن التكييف القانوني الواجب الأخذ به يجب أن يكون مستنبط من اتفاق الطرفين المسبق الذي يمكن إثباته بكافة الطرق المتاحة قانونا.
المطلب الثاني  : أنواع الالتصاق
بعد أن أوضحنا فيما سبق المقصود بالالتصاق بوجه عام وتبيان شروطه، آثر أن نخصص هذا المطلب للحديث عن أهم ضروب الالتصاق، التي هي إما التصاقا بفعل الطبيعة (الفقرة الأولى) أو التصاقا بفل الإنسان (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الالتصاق بفعل الطبيعة
يقصد بالالتصاق بفعل الطبيعة ذلك النوع من الالتصاق الذي يكون بفعل الطبيعة دون أي تدخل من الإنسان، وتطبق عليه القواعد المنصوص عليها في القانون رقم 39.08 بمثابة مدونة الحقوق العينية هذا من جهة، ويخضع كذلك لمقتضيات القانون رقم 36.15[7] المتعلق بالماء، لهذا سنسلط الضوء في هذه الفقرة على صور وحالات الالتصاق الطبيعي في كلا القانونين.
أولا : حالات الالتصاق المنصوص عليها في مدونة الحقوق العينية
لقد حدد المشرع المغربي بمقتضى مدونة الحقوق العينة الحالات التي يتحقق فيها الالتصاق الطبيعي، وذك في الفرع الأول من الفصل الثاني من الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية وبالضبط في المواد من 227 إلى 230، وهذه الحالات هي :
1ـ حالة الطمي[8] الذي يأتي به السيل إلى يملكها الغير؛ وهكذا إذا جاء السيل بطمي على أرض أحد فهو ملكه، فمثلا الطمي الذي تخلفه الفيضانات على أرض مكونة بذلك طبقة جديدة على الأرض، فيصبح هذا الطمي جزء لا يتجزأ من الأرض، فهنا يصبح ملكا لصاحبها ومرد ذلك هو الالتصاق الطبيعي، الذي يجد سنده في المادة 227[9] من مدونة الحقوق العينية.
حالة الأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة كالبحيرات والبرك، حيث تبقى على حالها ملكا عاما للدولة، أما الأراضي التي تغمرها تلك المياه مؤقتا فإن هذا الحكم لا يسري عليها، وإنما تظل على ملكية أصحابها.[10]
إذن معيار التفرقة يكمن هنا في انحسار المياه من عدمه، بحيث إنه في حالة إذا ما هاجر الماء الأرض فإنها تبقى ملكا لأصحابها، إما وقد انحسر الماء مكونا بذلك مستنقعا أو بحيرة فإن ملكية تلك الأرض تنتقل إلى الدولة بقوة القانون.
حالة الجزر التي قد تتكون بصورة طبيعية داخل المياه الإقليمية أو داخل البحيرات أو في مجاري الأنهار، فإنها تكتسي صفة الملك العام للدولة وفقا لمقتضيات المادة 230 من مدونة الحقوق العينية.
يتبن لنا من الحالات المذكورة أعلاه، أن الالتصاق الطبيعي قد يكون مصدره مياه البحر أو المياه الراكدة كالبحيرات والمستنقعات، وفي كلتا الصورتين لا يمكن التمسك بأحكام الالتصاق، أما إذا كان الالتصاق الطبيعي ناتج عن الطمي الذي يجلبه النهر بطريقة تدريجية للملاك المجاورين، فإن ذلك يسمح للأشخاص المعنية التمسك بالالتصاق طبقا لما هو مقرر قانونا، لأنه لو عدنا إلى الحالات المذكورة أعلاه سنجد الحالة الثانية والثالثة تصير فيهما الملكية للدولة، عدا الحالة الأولى التي يسوغ فيها للمالك التمسك بالالتصاق.
ثانيا : الحالات التي يتحقق فيها الالتصاق الطبيعي على ضوء قانون الماء
بالعودة إلى القانون الجديد رقم 36.15 المتعلق بالماء، نجد المادتين 6 و7 منه تطرقتا إلى توضيح حالتين يتحقق فيهما الالتصاق الطبيعي وهما :
أـ التغيير في مجرى النهر بفعل الطبيعة
لقد تعرض المشرع لهذه الحالة بمقتضى المادة السادسة من القانون المتعلق بالماء، حيث جاء فيها أنه " إذا حصل تغيير في مسيل مجرى مائي لأسباب طبيعية تنتقل حدود الضفاف الحرة تبعا للعرض المحدد في الفقرة هـ من المادة 5 أعلاه موازاة مع المسيل الجديد"، وقد حدد هذا العرض في ستة أمتار على المجاري المائية أو مقاطع المجاري المائية المائية التالية ؛ ملوية من مصبه إلى منابعه، سبو من مصبه إلى منابعه، واللكسوس من مصبه إلى منابعه، وأم الربيع من مصبه إلى منابعه، وأبي رقراق من مصبه إلى سد سيدي محمد بن عبد الله، وعرض مترين على المجاري المائية أو مقاطع المجاري المائية الأخرى.[11]
وفي حالة تقدم المياه، فإن المنطقة الموجودة بين الحدود القديمة والحدود الجديدة للضفاف الحرة، تضم إلى الملك العمومي المائي بقوة القانون، إذ تصبح الدولة من أملاك الدولة مع تعويض مناسب يحدد وفق المساطر المطبقة على نزع الملكية لأجل المنفعة العامة[12]، أما في حالة ارتداد مياه النهر وأدى إلى التحاق جزء المجرة الذي هجرته المياه بالضفاف الحرة أي زاد عرضها عن الستة أمتار أو المترين، فإنه يقتطع من هذه الضفاف جزء يوازي عرض الجزء الذي التحق بها، ويعطى الجزء المقتطع بدون مقابل لصاحب الأرض المجاورة للمجرى.[13]
ب ـ اتخاذ النهر مجرى جديد
لقد عالج المشرع المغربي أحكام هذه الحالة في المادة 7 من القانون رقم 36.15، فإذا سلك النهر مجرا جديدا بحيث أصبح يجري في أرض جديدة بفعل الطبيعة، فإن المجرى الجديد والضفاف الحرة التابعة له تلحق بأملاك الدولة العامة وتنزع عنها الملكية الخاصة للمالك الأصلي لها، بحيث نصت الفقرة الأولى من ذات المادة على أنه " يضم إلى الملك العمومي المائي المسيل الجديد الذي شقه المجرى المائي بشكل طبيعي والضفاف الحرة التي يحتويها".
وفي الحالة التي لا تهجر المياه المجرى القديم كليا، فإنه يسوغ لمالكي العقارات التي انفتح فيها مسيل جديد في عقاراتهم الحق في المطالبة بجبر الضرر الواقع بهم[14]، بخلاف لو تركت المياه المسيل القديم مطلقا ففي هذه الحالة يجوز للملاك المطالبة بالتعويض وفق الشكل التالي :
- إذا عبر المسيل الذي هجرته المياه والمسيل الجديد على امتداد عرضهما نفس العقار الواحد يخرج الأول من هذين المسيلين وضفافه الحرة ويسلم مجانا لمالكي هذا العقار؛
- إذا كان المسيلان القديم والجديد يجتازان عقارات في ملكية ملاكين مختلفين، فإن المسيل القديم وضفافه الحرة تخرج من الملك العمومي المائي، ويمكن للملاك المجاورين أخذ الملك بالشفعة بالنسبة إلى كل واحد منهم إلى حدود محور هذا المسيل، ويعهد بتحديد ثمنه إلى الخبراء الذين يعينهم رئيس المحكمة المختصة بطلب من الإدارة.[15]
ولقد منح المشرع المغربي للملاك المجاورين للمسيل القديم أجل 90 يوما من تاريخ التوصل بالإشعار الموجه إليهم، للتعبير عن رغبتهم في الاقتناء وفق الأثمان المحددة من طرف الخبراء، وإذا لم يبد أي احد استعداده للاقتناء داخل هذا الأجل، فإن الإدارة تسلك مسطرة البيع وفق القواعد التي تفوت بها الأملاك الخاصة للدولة، وثمن البيع يوزع على ملاك الأراضي التي عبرها المجرى الجديد كتعويض لهم كل حسب نسبة العقار التي فقدها، وفي الحالة التي يتعذر بيع هذه الأراضي المشكلة للمجرى القديم، يتم تعويض ملاك الأراضي التي يحتلها المجرى الجديد بالتراضي أو بناء على حكم المحكمة المختصة عند الاقتضاء.[16]
يتضح على أن المشرع المغربي وضع إجراءات جد دقيقة فيما يخص الحالة التي يغير فيها النهر مجراه مخترقا عقارات الغير ومكونا مسيلا جديدا، وهي إجراءات أقل ما يمكن القول عنها أنها تمثل ضمانة حقيقية للملاك المجاورين لمجاري الأنهار.
الفقرة الثانية : الالتصاق بفعل الإنسان
تعرض المشرع المغربي للالتصاق بفعل الإنسان في المواد من 231 إلى 238 من مدونة الحقوق العينية، باستقراء هذه المواد، يتبين على أن الالتصاق بفعل الإنسان يتحقق في حالات عديدة يمكن إجمالها في :

1-          حالة قيام شخص بزراعة أرض الغير
لقد عالجت هذه الحالة المادة 232 من مدونة الحقوق العينية مفردة أحكاما خاصة، وذلك بالنظر إلى طبيعة نية الزارع، حسب إذا ما كان سيء النية أم حسنه النية.
بالرجوع إلى المادة 232 نجدها تنص على أنه " إذا زرع شخص أرضا مملوكة للغير بسوء نية،  فإن أخذها مالكها قبل فوات وقت الزراعة فهو مخير بين المطالبة بقلع الزرع مع التعويض إذا كان له ما يبرره، وبين تملك الزرع مع دفع نفقاته إلى الزارع منقوصا منها أجرة القلع، وإن أخذها بعد فوات وقت الزراعة فله الحق في أجرة المثل مع التعويض إن كان له ما يبرره.
أما إذا زرع شخص أرض غيره بحسن نية كمن استأجر أرضا من غير مالكها، فإن استحق المالك أرضه قبل فوات وقت الزراعة فللزارع أجرة المثل، وإن استحق المالك أرضه بعد فوات وقت الزراعة فليس له إلا الحق في المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر من المتسبب فيه".
إذن انطلاقا من هذه المادة يتبين أنها ميزت في الحكم حسب أخذ المالك لأرضه قبل فوات وقت الزراعة، فخولته حق الخيار بين المطالبة بقلع الزرع مع حفظ حقه في التعويض عند الاقتضاء، وبين تملك الزرع مع أداء نفقاته إلى الزارع مخصوما منها الأجرة المؤداة عن قلعه، أما أذا أخذها بعد فوات وقت الزراعة فإن له فقط أجرة المثل مع التعويض عند الضرر.[17]
أما إذا كان الزارع حسن النية، فإن استحقها المالك قبل فوات وقت الزراعة فعليه دفع أجرة المثل للزارع، بخلاف لو أخذها بعد فوات وقت الزراعة فهنا يسوغ له المطالبة بالتعويض فقط جبرا للضرر الحاصل له.
ومن مستجدات مدونة الحقوق العينية في هذا الصدد التكريس التشريعي لصاحب الأغراس في المطالبة بالتعويض عند الاقتضاء، ومناط تقدير هذا التعويض في هذه الحالة سيكون هو الخسارة التي لحقت بالمتضرر أو ما فاته من كسب.[18]
2-          قيام المالك بإنشاء بناء أو أغراس ومنشآت بمواد في ملكية غيره
من المبادئ المسلم بها حسب مدونة الحقوق العينية أن كل البناءات والأغراس الموجودة فوق الأرض أو داخلها تعد محدثة من طرف مالكها ما لم تقم بينة على خلاف ذلك.[19]
ولهذا إذا ما أقام مالك بناءات أو أغراس ومنشآت بمواد ليست له، فإنه يتعين أداء قيمة المواد حسب تاريخ استعمالها مع التعويض عند الاقتضاء، ولا يحق له أخذها بعد تغييرها،[20] وبالتالي تكون مدونة الحقوق العينية أسست لفرضية تملك الغرس أو البناء من قبل صاحب العقار إذا ما تبدلت معالم المواد المستعملة، كما في الأعمدة الرخامية التي اسند إليها السقف.[21] بخلاف المواد التي يمكن نزعها كالرفوف المتحركة فيحق لصاحبها أن يستردها.
3-          إحداث شخص لأغراس أو بناءات أو منشآت في عقار يملكه غيره
لقد أطرت هذه الحالة المادة 237 من مدونة الحقوق العينية بقولها " إذا قام أحد بإحداث أغراس أو بناءات أو منشآت عن سوء نية وبدون علم مالك العقار، فلهذا الأخير الحق إما في الاحتفاظ بها مع أداء قيمة المواد وإما إلزام محدثها بإزالتها على نفقته مع إرجاع حالة الأرض إلى ما كانت عليه قبل إحداث الأغراس أو البناء أو المنشآت".
يتبن إذن؛ أنه إذا كان محدث الأغراس أو البناءات أو المنشآت سيء النية، فإنه يثبت للمالك حق الخيار بين الاحتفاظ بالأغراس والبنايات أو المنشآت، لكن شريطة أداء قيمتها، وبين إلزام محدثها بإزالتها على مصروفاته مع إرجاع حالة الأرض غلى حالتها الطبيعية.
ومما يجب لفت الانتباه إليه أنه إذا اختار المالك إرجاع الحالة إلى سابق عهدها، فإن ذلك يبقى معلقا على إمكانية نفاذ هذا الاختيار، مما يعني أنه لو كان أمرا مستحيلا كما إذا تصرف المالك في أرضه ببيعها وما عليها من منشآت أدى للغارس أو الباني السيئ النية قيمة البناء أو الغرس.[22]
في مقابل ذلك لو كان الباني أو الغارس حسن النية، فهنا لا يمكن مطالبته بأي حال من الأحوال بهدم البناء أو إعادة الأمور إلى حالتها،[23] وهو توجه كرسه القضاء في العديد من قراراته.[24]
4-          تجاوز المالك حد أرضه عن تشييد بناء عليها
                في الحالة التي يتجاوز المالك حدود أرضه عند تشييد بناء عليها ليشمل جزءا يسيرا من أرض جاره محددا في 50 سنتيمترا ، فتبقى للمحكمة في هذه الحالة السلطة التقديرية مع مراعاة الموازنة بين مصلحة الطرفين، فإما أن تأمر بإزالة البناء المقام بأرض الجار على نفقة من أقامه، وإما أن تقضي بأداء تعويض مناسب لمالك الجزء المشغول بالبناء على التنازل على ملكية هذا الجزء.[25]





[1]  القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي القعدة 1432 الموافق 22 نوفمبر 2011، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نوفمبر 2011، ص 5587.
[2]  عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء التاسع، أسباب كسب الملكية، تنقيح أحمد مدحت المراغي، 2004، شركة الجلال للطباعة الإسكندرية، ص 233.
[3]  محمد محبوبي، أساسيات في الحقوق العينية العقارية، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، الطبعة الأولى 2012، ص 88.
[4]  حليمة بنت المحجوب بن حفو، دراسة في القانون العقاري المغربي على ضوء المستجدات، مطبعة قرطبة، أكادير، الطبعة الأولى 2017، ص 62.
[5]  عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 243.
[6]  المختار العطار، الوجيز في القانون العقاري المغربي والموريتاني، مطبعة فضاء الإبداع والطباعة، مراكش، الطبعة الأولى 1999، ص 79.
[7]  القانون رقم36.15 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.113 في 6 ذي القعدة 1437 ( 10 غشت 2016)، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6494، صادرة بتاريخ 21 ذي القعدة 1437 ( 25 غشت 2016)، ص 6305.
[8]  هي تربة أو راسبات مفككة وغير متصلدة تآكلت أو تغيرت نوعًا ما بفعل المياه ثم ترسبت من جديد في مناطق غير بحرية. ودائمًا ما يتكون الطمي من مجموعة متنوعة من المواد منها جسيمات الطمي والصلصال الدقيق وجسيمات الرمال والحصى الأكبر قليلاً. وعندما تترسب تلك المواد الطميية أو تتجمع في وحدات صخرية أو تصبح متصخرة فإنها تسمى الرواسب الطميية.
[9]  تنص المادة 227 من م ح ع على أنه " الطمي الذي يأتي به السيل إلى أرض يملكها الغير يصبح ملكا لصاحب هذه الأرض ".
[10]  المادة 229 من م ح ع.
[11]  الفقرة هـ من المادة 5 من القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء.
[12]  حليمة بن المحجوب بن حفو، مرجع سابق، ص 64.
[13]  إدريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08، منشورات مجلة الحقوق، سلسلة المعارف القانونية والقضائية، مطبعة دار نشر المعرفة، الرباط، طبعة 2014،ص 98.
[14]  الفقرة الثانية من المادة 7 من القانون رقم 36.15.
[15]  الفقرة الثالثة من المادة 7 من القانون رقم 36.15.
[16]  الفقرة الأخيرة من المادة 7 من القانون رقم 36.15
[17]  حليمة بنت المحجوب بن حفو، مرجع سابق، ص 102.
[18]  إدريس الفاخوري، مرجع سابق، ص 66,
[19]  إذ جاء في المادة 235 من م ح ع أن " كل البناءات والأغراس والمنشآت الموجودة فوق الأرض أو داخلها تعد محدثة من طرف مالكها وعلى نفقته وتعتبر ملكا له ما لم تقم بينة على خلاف ذلك".
[20]  المادة 236 من م ح ع.
[21]  محمد ابن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي، مطبعة النجاح الجديدة البيضاء، الطبعة الأولى 1990، ص 298.
[22]  ادرس الفاخوري، مرجع سابق ص 102.
[23]  الفقرة الأخيرة من المادة 237.
[24]  قرار المجلس الأعلى رقم 564 بتاريخ 22/02/2004 ملف مدني عدد 3599/04 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 67-2004، ص 89 وما يليها.
[25]  المادة 238 من م ح ع.
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016