الحق في الحصول على المعلومة دراسة في ضوء القانون رقم 31,13
الحق في الحصول على
المعلومة
دراسة في ضوء القانون
رقم 31,13
اكو
علي
باحث
بسلك الدكتوراه بالكلية المتعددة التخصصات تازة
مقدمة:
إن إحدى
القيم الإنسانية التي تعزز الحق بالمعرفة هي مبدأ حد الكشف الأقصى، والذي يؤسس
لافتراض مفاده أن كل المعلومات التي تحتفظ بها الجهات العامة ينبغي أن تكون خاضعة
إلى الكشف عنها، ما لم يكن هناك تبرير قوي جدا يتعلق بالمصلحة العامة يقضي بعدم
الكشف عنها، كما أن هذا المبدأ يشير إلى إدخال آليات فاعلة يستطيع الجمهور من
خلالها الحصول على المعلومات، ويعد أمر الحصول على المعلومات أمرا مهما وحاسما من
أجل تمكين المواطنين لإيصال صوتهم ولرصد فعاليات الحكومة ومحاسبتها، ومن تم
مساءلتها. وهذا الأمر لم يأت إلا بعد دخولهم في حوار ينير لهم الأمور الحيوية
للمطالبة بحقوقهم المستحقة أو حقوق أوسع أو رفع الظلم بشأن القرارات التي تؤثر على
حياتهم، وهذا الحق لا يشمل فقط ذوي السلطة الذين يحصلون على المعلومة(1) ، بل يشمل حتى الضعفاء من أجل الوصول إلى الحكم الرشيد.
عرف المشرع
السويدي الذي يعتبر أول من اعترف بهذا الحق في قانون الصحافة السويدي الصادر سنة 1776
والذي جاء فيه "يحق لكل مواطن سويدي الحصول على الوثائق الرسمية"،
والوثائق الرسمية عرفتها المادة الثالثة من نفس القانون بأنها "الوثائق
المحفوظة لدى سلطة حكومية والتي تم استلامها أو إعدادها أو كتابتها من قبل سلطة
معينة"، كما أن مجموعة من الإعلانات والمواثيق الدولية اعترفت بهذا الحق منها
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(2) .
أما
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تنص في المادة 10 "وجوب
اعتماد إجراءات أو لوائح تمكن عامة الناس من الحصول عند الاقتضاء على معلومات عن
كيفية تنظيم إدارتها العمومية واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها وعن القرارات
والصكوك القانونية التي تهم عامة الناس مع إيلاء المراعاة الواجبة لصون حرمتهم
وبياناتهم الشخصية، إضافة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية عند الاقتضاء، من أجل
تيسير وصول الناس إلى السلطات المختصة التي تتخذ القرارات(3)إضافة إلى إعلان الحق في الحصول على المعلومات الذي تم
اعتماده في ختام المؤتمر الدي نظمته منظمة اليونسكو وكلية الصحافة أستراليا في 2
و3 ماي 2010 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة (6)
وفي جنوب
إفريقيا دخل قانون الحق في الحصول على المعلومة حيز التنفيذ سنة 2011 ويكرس هذا
القانون مبدأ الشفافية والمساءلة في الهيئات العامة والخاصة، وفي المغرب وبعد رفع
شعارات التغيير وظهور حركة 20 فبراير والمطالبة بإرساء معالم الديمقراطية
التشاركية والمساءلة والمحاسبة تم إقرار في دستور 2011 في الفصل 27 حق المواطنات
والمواطنين في الحصول على المعلومة.
وتكريس
هذا الحق يأتي ليؤكد الالتزام الدائم للمملكة المغربية بحقوق الإنسان كما هي
متعارف عليها عالميا، واعتبارا للأهمية القصوى التي يكتسيها حق الحصول على
المعلومات في تعميق الديمقراطية قيما ومبادئ وممارسة، يأتي قانون الحق في الحصول
على المعلومة ليشكل ترجمة فعلية وملموسة لتنزيل مقتضيات الدستور ومتطلباته
القانونية والمؤسساتية، وتعبيرا واضحا عن إرادة سياسية أكيدة، تستجيب للحاجيات
التي عبر عنها التطور الكمي والنوعي لإدارة المجتمع. فما هي إجراءات الحق في
الحصول على المعلومة؟ وما الاستثناءات الواردة عليها؟
سنجيب عن
هذه الإشكالية في محورين اساسين :
المحور الأول:
المبادئ العامة لقانون الحق في الحصول على المعلومة
المحور
الثاني: الاستثناءات الواردة على الحق في الحصول على المعلومة
المحور الأول:
المبادئ العامة لقانون الحق في الحصول على المعلومة
يهدف
قانون الحق في الحصول على المعلومة إلى تدعيم وتقوية البحث العلمي والحقل المعرفي
وإشاعة ودعم قواعد الانفتاح والشفافية وتعزيز الثقة في علاقة الإدارة بالمتعاملين
معها وترسيخ الديمقراطية التشاركية، إضافة إلى ضمان المصداقية والنزاهة في تدبير
الشأن العام.
وسنتناول
في هذا المحور، الإجراءات التي سيتم اتخاذها من طرف المواطنات والمواطنين من أجل
الحصول على المعلومات (أولا)ثم الهيئات المنوطة بها تقديم هذه الخدمة(تانيا)
اولا:
إجراءات الحق في الحصول على المعلومة والهيئات المعهود لها تقديمها
يشكل
الحق في الحصول على المعلومة أحد المكتسبات المستجدة في الحقل القانوني الوطني
التي أقرها الدستور المغربي لسنة 2011، وذلك انسجاما مع الإعلان الصريح للمشرع
الدستوري المغربي بالتزام المملكة المغربية وتعهدها بما تقضيه مواثيق المنظمات
الدولية من مبادئ وحقوق وواجبات، وحدد القانون مجموعة من الإجراءات التي وجب
اتباعها للحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارات العمومية. 7) (
-المرحلة
الأولى يجب تقديم الطلب إلى رئيس المؤسسة أو الهيئة المعنية بالإيداع المباشر
مقابل وصل أو عن طريق البريد العادي أو الإلكتروني مقابل إشعار بالتوصل، كما يجب
أن يتضمن هذا الطلب الاسم العائلي والشخصي لصاحب الطلب وعنوانه الشخصي ورقم بطاقته
الوطنية، أما بالنسبة للأجانب فيكفي الإدلاء بوثيقة تثبت إقامته بصفة قانونية فوق
التراب الوطني.
غير أن
الملاحظة التي يمكن تسجيلها هنا هي عدم إدراج جمعيات المجتمع المدني في القانون
وإعطاءها حقها بصفة استثنائية في الحصول على المعلومات باعتبار جمعيات المجتمع
المدني عنصرا أساسيا في إرساء دولة الحق والقانون وإرساء الديمقراطية التشاركية. - المرحلة
الثانية يتم فيها الحصول على المعلومات إما بالاطلاع المباشر عليها بمقر المؤسسة
أو الهيئة المعنية خلال أوقات العمل الرسمي(8)، وإما عن طريق البريد الإلكتروني عندما يكون
المستند أو الوثيقة المنظمة للمعلومات المطلوبة متاحة على حامل إلكتروني على أساس
حفاظ المؤسسة على الوثائق والمستندات المتضمنة للمعلومات المطلوبة وعدم تعريضها
للتلف.
-المرحلة الثالثة تتعلق بالرد على طلب الحصول
على المعلومات، وهنا نميز بين ما ادا كانت معلومات عادية ولا تتطلب الاستعجال حيث
لا تتعدى المدة 20 يوما من أيام العمل ابتداء من تاريخ تسلم الطلب ، ويمكن تمديد
هذا الأجل اذا لم تتمكن المؤسسة أو الهيئة المعنية من الاستجابة كليا أو جزئيا
لطلب المعني بالأمر خلال الأجل المذكور، وإذا تعذر توفير المعلومات خلال الأجل
السالف الذكر، يتعين على المؤسسة إشعار المعني بالأمر مسبقا بهذا التمديد كتابة أو
عبر البريد الإلكتروني مع تحديد مبررات التمديد، أما الحالة الثانية عندما تكون
المعلومات ذات طابع استعجالي فيتم الحصول على المعلومة في مدة لا تتجاوز 3 أيام
والتي يكون فيها الحصول على المعلومات ضروريا لحماية سلامة وحرية الأشخاص، غير أن
أجل الحصول على المعلومات يعتبر طويلا المحصورة في مدة 20 يوما، وإذا تم احتساب
أيام العطل 30 يوما وفي التمديد 60 يوما، وهذا يفرغ الحق في الحصول على المعلومة
من محتواه، ولابد أن نشير أيضا أنه في حالة عدم توفر المعلومات المطلوبة أو إذا
كان طلب المعلومات غير واضح أو إذا كانت المعلومات المطلوبة لازالت في طور التحضير
أو الإعداد أو مودعة لدى مؤسسة أرشيف المغرب، أو كانت هذه المعلومات تدخل في
الاستثناءات المنصوص عليها في القانون.
المشرع
هنا ألزم المؤسسات المعنية بتعليل ردها القاضي برفض تقديم المعلومات المطلوبة
كتابة، حيث يحق لطالب المعلومات تقديم
الشكاية إلى رئيس المؤسسة في حالة عدم الرد أو عدم الاستجابة لطلبه في غضون 20
يوما من تاريخ انقضاء الأجل القانوني المخصص للرد (9) على طلبه خلال 15 يوما ابتداء من تاريخ التوصل
بها، بل أكثر من ذلك أن المشرع أعطى لطالب الحصول على المعلومات تقديم شكاية إلى
لجنة الحصول على المعلومات داخل أجل لا يتعدى 30 يوما الموالية، ولابد من دراسة
الشكاية من طرف اللجنة وإخبار المعني بالأمر بما لها داخل 30 يوما من تاريخ التوصل
بها، لكن هذه الإجراءات والتدابير المحصورة في حيز زمن طويل قد يفرغ عمليا الحق في
الولوج إلى المعلومة وخصوصا إذا تعلق الأمر بمعلومات ذات طابع استعجالي.
كما نسجل
أيضا أن بعض العبارات في القانون تبقى فضفاضة، فمثل عبارة "المعلومات التي يؤدي
الكشف عنها إلى إلحاق ضرر" هي عبارة فضفاضة، وهي تذكرنا بعبارة "كل ما
من شأنه أن..." وهي ترتبط بحدث مستقبلي قد يقع أو قد لا يقع وهو إلحاق ضرر،
وهنا سيطرح إشكال يرتبط بكيفية تقدير مدى إحداث الضرر من عدمه في حالة تم الكشف عن
تلك المعلومات، وبالتالي فالأمر سيكون خاضع لتقدير مزاجية الشخص المكلف والجهة
المعنية التي تتوفر على تلك المعلومات، وتطبق دائما في إطار العبارة الفضفاضة
"عبارة عدم توفر المعلومات المطلوبة ، وهذا قد يشكل مخرجا رئيسا لتبرير عدم
تقديم المعلومات التي طلبها المواطن، وبالتالي تملص الإدارة من واجبها، كما أن
المنع من المتابعة القضائية والتأديبية للشخص المكلف بالمعلومات بسبب امتناعه بحسن
النية عن تسليم معلومات، حيث ان عبارة حسن النية قد تكون كذلك ملاذا للتنصل من
المسؤولية، وهنا سندخل مباشرة إلى أن القانون قد حدد مجموعة من العقوبات أشرنا
للعقوبة الأولى سالفا بكيفية غير مباشرة حيث أن المشرع اعتبر أنه يعتبر مرتكبا
لجريمة إفشاء السر المهني(10) كل من خالف أحكام المادة 7 من القانون وذلك ما لم يوصف الفعل بوصف
أشد والمادة 7 تشير إلى الاستثناءات الواردة على الحق في الحصول على المعلومة، كما
أن كل تحريف لمضمون المعلومات المحصل عليها نتج عنه ضرر للمؤسسة أو الهيئة المعنية
أو أدى استعمالها أو إعادة استعمالها إلى الإساءة أو الإضرار بالمصلحة العامة أو
المساس بأي حق من حقوق الأغيار يعرض الحاصل على المعلومة أو مستعملها حسب الحالة
للعقوبات المنصوص عليها في الفصل 36 من القانون الجنائي ، والملاحظ هنا هو أن
المشرع لم يحدد أية جزاء في حالة تماطل المكلف بتسليم المعلومات في الوقت المعقول
وإن كان لم يتجاوز الحد الأقصى من الأجل، ومن جهة ثانية لم تخصص أية عقوبات ضد الهيئة التي يتبع لها الشخص
المكلف أو ضد اللجنة الوطنية في حالة إخلالها بضمانات الحق في الحصول على
المعلومات.
- تانيا
الهيئات المعنية بالحق في الحصول على المعلومة ومهامها
. على المؤسسات والهيئات المعنية كل واحدة في حدود
اختصاصاتها أن تقوم في حدود الإمكان بنشر الحد الأقصى من المعلومات التي في حوزتها
التي لا تندرج ضمن الاستثناءات الواردة في القانون.
وتتولى
هذه البعثة تقديم الاستشارة للشخص المكلف بالحصول على المعلومات وإعداد تقرير سنوي
حول حصيلة تفعيل مقتضيات القانون السالف الذكر، وتشير الدورية إلى علاقة الشخص
المكلف بالمصالح الإدارية التابعة للمؤسسة أو الهيئة المعنية حيث يعمل رئيس
المؤسسة أو الهيئة على تيسير مهام الشخص المكلف وتمكينه من الوسائل والتسهيلات
الضرورية وتوجيه التعليمات لرؤساء المصالح الإدارية التابعة له لإعداد الأشخاص
المكلفين بالمعلومات المطلوبة وتقديم المساعدة اللازمة لهم11)).
يمكن هنا طرح التساؤل لماذا تم استثناء الهيئات
الخاصة من واجب الإفصاح عن المعلومات اللازمة من أجل حماية الحق أو ممارسته، كما
يؤكد ذلك الإعلان الإفريقي الذي ينص على الحق للجميع النفاذ إلى المعلومات التي
تمتلكها الهيئات الخاصة والتي تكون ضرورية لممارسة أي حق وحمايته باعتبار أن
العديد من الهيئات الخاصة تتوفر أيضا لديها معلومات من شأن إخفائها المس بحقوق
الأفراد في تلقي المعلومات والأخبار، كما لا تشمل هذه المؤسسات التي تم تحديدها
العديد من المؤسسات والهيئات الممولة كليا أو جزئيا من التمويلات العمومية وذلك
بواسطة جميع وسائل النشر المتاحة خاصة الإلكترونية منها بما فيها البوابات الوطنية
للبيانات العمومية، ولاسيما المعلومات المتعلقة بالنصوص التشريعية والتنظيمية
ومشاريع قوانين ومقترحات وميزانيات الجماعات الترابية والقوائم المحاسبية والمالية
المتعلقة بتسيير هذه الجماعات وبوضعيتها المالية، والأنظمة والمساطر والدوريات
والدلائل التي يستخدمها موظفو المؤسسة أو الهيئة وقائمة الخدمات التي تقدمها
المؤسسة أو الهيئة للمرتفقين بما فيها قوائم الوثائق والبيانات والمعلومات المطلوبة
بقصد الحصول على خدمة أو وثيقة أو بطاقة إدارية رسمية والخدمات الكفيلة بتدبير
المعلومات التي في حوزتها وتحيينها وترتيبها وحفظها وفق المعايير المعتمدة في هذا
المجال، كما يجب عليها أن تعين شخصا أو أشخاصا مكلفين تعد إليهم مهمة تلقي طلبات
الحصول على المعلومات ودراستها وتقديم المعلومات المطلوبة وكذا المساعدة اللازمة
عند الاقتضاء لطالب المعلومات في إعداد طلبه، وعليها أن تضع رهن إشارة كل شخص مكلف
قاعدة المعلومات الموجودة في حوزتها قصد التمكين من القيام بمهامه، كما عليها أن
تتخذ وتحدد بواسطة مناشير داخلية كيفية أداء الشخص المكلف أو الأشخاص المكلفين
بمهامهم، وكذا التوجهات اللازمة من أجل التقيد بتطبيق أحكام هذا القانون.
كما يجب
الإشارة إلى أن الشخص أو الأشخاص المكلفون بالمعلومة يجب أن يتوفر على المؤهلات
والكفاءة اللازمة وأن يكون بين الأطر المرتبة على الأقل في سلم الأجور 10 أو ما
يعادله، وفي حالة تعذر ذلك يتم تعيين الشخص المكلف من ضمن الموظفين أو المستخدمين
المرتبين في أعلى درجة لدى المؤسسة أو الهيئة المعنية، ويعين هذا الشخص بموجب قرار
لرئيس المؤسسة أو الهيئة المعنية، كما يجب دعم الشخص المكلف بأداء مهامه من خلال
تنظيم المعلومة بالمؤسسات أو الهيئات المعنية من خلال عمل المؤسسة على وضع برنامج
عمل سنوي لتفعيل مقتضيات القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، إضافة إلى
إحداث لدى كل مؤسسة لجنة قطاعية للحق في الحصول على المعلومة تضم أساسا ممثلين عن
المصالح المكلفة بالأرشيف والتواصل والأنظمة المعلوماتية والشؤون القانونية (12).
المحور
الثاني: الاستثناءات الواردة على الحق في الحصول على المعلومة
أولا : علاقة الحق
في الحصول على المعلومة ببعض القوانين الأخرى
تأتي
أهمية الحق في الوصول للمعلومات وتداولها من اعتباره أهم آليات تعزيز وممارسة
الحقوق الأخرى على اختلاف أنواعها، فهو عامل أساسي لتهيئة وبنية عامة تحترم وتحمي
وتؤدي الحقوق سواء كان ذلك على مستوى الفرد الطامح لأن يكون مواطنا كاملا دون عنف
أو تمييز أو تهميش أو على مستوى مجتمع طامح لتنمية إنسانية حقيقية ومناخ يحترم
الحريات ويقوم على أسس ديمقراطية تحترم معايير الشفافية والحكم الرشيد(13). والحق في
المعرفة لا يعتبر فقط حقا في حد ذاته، ولكنه أداة لتفعيل ممارسة حقوق أخرى فمن
واجب الدولة أن تتيح لمواطنيها حق الوصول إلى المعلومات التي من شأنها أن تؤثر على
حياتهم، فتوافر وتداول المعلومات يتيح إمكانية المعرفة الموضوعية الشاملة بأوضاع
الحقوق الأخرى، وإمكانية الحكم على مدى وفاء الدولة بما التزمت به من معايير
وأهداف أعلنتها في موازناتها وخططها العامة وفشلها في ضمان حرية وتداول المعلومات
يعني بشكل أو بآخر فشلها في الوفاء بكافة الحقوق الأخرى التي التزمت بأدائها
وحمايتها.
- حق
الحصول على المعلومات وحرية التعبير
ينص
الفصل 25 من الدستور على أن حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها وتعد
هذه الحرية من حقوق الإنسان الأساسية وحرياته التي يلزم توفرها في المجتمع وتؤكد
عليها كافة الدساتير والقوانين والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان14)) ، وتوصف
بأنها الحرية الأم لسائر الحريات، وهي تعني أن تكون إرادتنا وليدة رغباتنا وليست
وليدة قوى ملزمة تضطرنا أن نفعل ما لا نريد ويرتبط بها حق التعبير، ويعني سقوط
العوائق التي تحول دون أن يعبر المرء بفطرته الطبيعية عن ذاته وعن مجتمعه على أساس
من العقل والتسامح، وتعد العلاقة بين حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة
علاقة وثيقة فمن المعلوم أن حرية الرأي لا يمكن أن يتم تحقيقها إلا إذا استطاع
الفرد أن يحصل على المعلومة التي يمكن خلالها أن يكون رأيه كما أن حرية المعلومات
لازمة لإيصال هذا الرأي وطرحه15)).
وتتعدد
الأوجه التي ترتبط من خلالها حرية الرأي والتعبير بالحق في الحصول على المعلومة،
فمثلا نجد أن الحق في الترشح والانتخابات لا يمكن ممارسته بصورته الصحيحة بدون
توعية الناخبين بحقوقهم والتأكيد من إيصال المعلومات الكافية حول قانون الانتخابات
والعملية الانتخابية، إلا أن الناخب المسلح بالوعي والمعرفة هو الأقدر على اتخاذ
القرارات الانتخابية السلمية التي تحترم مصالحها، فمن حق الناخب أن يعرف مواعيد
الانتخابات وكيفية التسجيل ومن هم المرشحون في دائرته الانتخابية أو أين يدلي
بصوته.
-
حق الحصول على المعلومات وعلاقته بمبادئ الحكم الرشيد
ينظر إلى
حق الحصول على المعلومات بأنه أكسجين الديمقراطية، وإذا لم يعرف الناس ما يحدث في
مجتمعاتهم، وإذا كانت أعمال أولئك الذين يحكمونهم مخفية فإنه لا يمكنهم المشاركة
فعليا في شؤون المجتمع، وليس الاطلاع على المعلومات هو حاجة للناس فقط بل شرط
أساسي من شروط الحكومة الصالحة، فالحكومات السلبية تحتاج إلى السرية في أعمالها
للبقاء حتى يسمح لها بتعميق عدم الكفاءة وإهدار المال العام وازدهار الفساد16)).
ويرتبط
الحق في الحصول على المعلومات بالكثير من المفاهيم والقيم التي يقوم عليها الحكم
الرشيد وممارسة الديمقراطية مثل الشفافية17)) و المساءلة والمحاسبة و النزاهة، ويعد
الفساد العدو الأول لحق الحصول على المعلومات، وترتبط بذلك العدو ترسانة من
الممارسات المتخلفة التي تؤدي إلى انعدام الشفافية وغياب مبدأ الإفصاح والتضييق
بكل السبل على عرض المعلومات وإتاحتها للأفراد لذلك فهذا الحق يتلازم مع امتداد
الثقافة الديمقراطية واتساع تأثيرها داخل المجتمعات من خلال ترسيخ سيادة القانون،
وتعد كفالة ممارسة حق المعرفة وحرية الحصول على المعلومات أحد أبرز الإجراءات
الوقائية لظواهر تفشي الفساد كما يرتبط ارتباطا وثيقا بالمحاسبة التي تشكل هدفا مركزيا
لأي نظام ديمقراطي وتصبح أية محاولة للتطوير بدون مهمة صعبة بل عميقة مادامت أنشطة
الحكومة وعملية صنع القرار تجري بعيدا عن عين الجمهور الفاحصة، ففي غياب حرية
المعلومات تسود سرية وتزداد إمكانية تبديد الموارد18)).
و حق
الحصول على المعلومات والشفافية وجهان لعملة واحدة، ومترادفان يستخدم أحدهما
للدلالة على الآخر، والعلاقة بينهما علاقة وطيدة، بمعنى أنه كلما توفر هذا الحق في
دولة ما وكان الوصول إليه سهل كلما كان مؤشر الشفافية في تلك الدولة مرتفعا، وتعني
الشفافية ضرورة وضوح العلاقة مع الجمهور فيما يخص إجراءات تقديم الخدمات والإفصاح
للعموم عن السياسات العمومية المتبعة(19.
-
حق الحصول على المعلومات والمساءلة
نعني
بالمساءلة على أنها واجب المسؤولين عن الوظائف الرسمية سواء كانوا منتخبين أو
معينين في تقديم تقارير دولية حول سير العمل في المؤسسة بشكل يتم فيه توضيح
قراراتهم وتفسير سياساتهم والاستعداد لتحمل المسؤوليات المترتبة عن هذه القرارات،
وتعني أيضا حق المواطنين في الحصول على هذه التقارير والمعلومات اللازمة عن أعمال
جميع المسؤولين في الإدارات العمومية، والمساءلة بمفهومها العام تفرض على كل من
حصل على تفويض من جهة معنية بصلاحيات وأدوات عمل أن يجيب بوضوح عن كيفية التصرف
واستخدام الموارد والصلاحيات التي وضعت تحت تصرفه، وتتطلب المساءلة وجود حرية
المعلومات بما يمكن الجمهور عن الاطلاع على ما يجري من وقائع وحقائق وغالبا ما
يكون السبب في الامتناع عن تقديمها من قبل الموظفين والمسؤولين الخوف من كشف
الأخطاء والتجاوزات التي تجعلهم محل للمحاسبة.
- حق
الحصول على المعلومات وحرية العيش في بيئة سليمة
إن حق
العيش في بيئة سليمة، هو حق أساسي من الحقوق الإنسانية، عززته المواثيق
والاتفاقيات الدولية، ولكي يكون لأي مجتمع قدرة على حماية بيئته يجب أن يكون حق
المعرفة متاحا للجميع وعلى جميع المستويات20)) ، وترتكز مسؤولية حماية المجتمع وسلامته
الصحية على وجود أفراد واعيين نسبيا وعند تسلح المواطن بالمعرفة يمكنه أن يكون
المحفز لأي سعي لتقليص التلوث واعتماد طرق إنتاج أنظف.
وفي
التجارب السابقة بينت أن في العديد من البلدان المتطورة هناك علاقة وثيقة بين حصول
المواطنين على المعلومات وبين تمتعهم ببيئة سليمة، ففي غياب المعلومات حول
الملوثات المستعملة، وتأثيرها على البيئة، تتحول المناطق المستهدفة بها الى بيئة
ميؤوس منها، وفي هذا الإطار تزود قوانين حق الحصول على المعلومات المواطنين بأدوات
هامة لحماية أنفسهم وبيئتهم، وفي اجتماع لوزراء الدول الأربعة عام 1998 تم إقرار
اتفاقية حول الحق في الحصول على المعلومة البيئية، وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ
في 30 نونبر 2001 وتعد هذه الاتفاقية بمثابة ترجمة للمادة 10 عن إعلان (ريو دي
جانيرو) حول حاجة المواطنين إلى المشاركة في القضايا البيئية وحصولهم على
المعلومات البيئية التي تملكها السلطة21)) وهذا الإعلان هو الاتفاق
العالمي الأبرز لحماية البيئة، كما أكد مجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة في
مؤتمر جوهانسبورغ الذي عقد بجنوب إفريقيا عام 2002، على ضرورة الالتزام بإعلان (دي
جانيرو)، وحيث أكدت الفقرة الثانية من البيان على ضرورة تعزيز تطبيق المبدأ العاشر
من هذا الاعلان بشأن البيئة والتنمية وبشأن الحصول على المعلومات ومشاركة الجمهور
في منع القرار، والحصول على العدالة فيما يتعلق بالمسائل البيئية.
تانيا
القيود الواردة على مبدأ الحق في الحصول على المعلومة وفق القانون 31.13
صحيح أن
لكل قاعدة استثناء، وحق الحصول على المعلومة من بين القواعد التي جاء التنصيص فيه
على بعض الاستثناءات التي لا يمكن الحصول على المعلومة، وهذا ما يظهر كذلك على
المستوى الدولي وذلك برفض تسليم الدولة أو
كشف بعض المعلومات أو أوراق أو وثائق سرية بهدف الحفاظ على الاستقرار، شريطة أن
تكون هذه القيود واضحة ومحددة على سبيل الحصر في القوانين الداخلية بهدف عدم
التوسع في تفسير مفهوم المنع، والمغرب على نهج الدول التي صادقت وأنظمت إلى
الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الناظمة لحقوق الإنسان حين نص في الفصل 27 من
الدستور على أن المواطنات والمواطنين الحق في الحصول على المعلومة مع مراعاة
الاستثناءات الواردة على هذا الحق، وسنتناول هذه الاستثناءات تلك المتعلقة
بالإدارة22)) وأخرى المتعلقة بالأفراد.
-اولا الاستثناءات المتعلقة بالإدارة.
إذا كان
الحق في الحصول على المعلومة ليس حقا مطلقا فلا يمكن أن تقيد الحرية إلا لضمانات
الاعتراف بحقوق الغير في مجتمع ديمقراطي، وبالتالي فالحق في الحصول على المعلومة
هو الأصل، لكن ترد عليه بعض الاستثناءات، فحتى التشريعات على المستوى الدولي نظمت
هذا الحق بصورة متوازنة تبيح فرصة الاطلاع على المعلومات بشكل يضمن حق الدولة في
الحفاظ على أسرارها من جهة وحماية الحياة الخاصة وحقوق وحريات الآخرين من جهة
أخرى.
وبالرجوع
إلى الباب الثاني من القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، نجد
في المادة 7 تنص على أنه يهدف حماية المصالح العليا للوطن وطبقا لأحكام الفقرة
الثانية من الفصل 27 من الدستور ومع مراعاة الآجال المحددة في المادتين (23)
16 و17 من
القانون رقم 69.99 المتعلق بالأرشيف تستثنى من الحق في الحصول على المعلومة كل
المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني وامن الدولة الداخلي والخارجي، وتلك المتعلقة
بالحياة الخاصة للأفراد أو التي تكتسي طابع معطيات شخصية والمعلومات التي من شأن
الكشف عنها المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور وحماية مصادر
المعلومات.
وبخصوص
الدفاع الوطني وأمن الدولة الداخلي والخارجي باعتباره من الاستثناءات التي وردت في
المادة 7 من القانون، فمفهوم الدفاع الوطني مفهوم عام غير محدد في جملة من
التشريعات، الشيء الذي يسمح للمشرع باستعمال هذا المفهوم وتكييف استخدامه وقت ما
يخدم مصالحه بالدرجة الأولى.
ويوجد
أيضا اختلاف كبير في تحديد أسرار الدولة، حتى أن هناك بعض الدول لم تضع تعريفا
لها، وإنما تكتفي بوضع نص تشريعي عام يشمل جميع ما ينبغي كتمانه حرصا على سلامة الدولة
ودون ذكر تعداد لها، وفي الفقرة الثانية من المادة 7 نجد أنه حتى المعلومات التي
يتم الكشف عنها لا يجب أن تلحق ضررا بالعلاقات المالية للدولة، إضافة إلى حقوق
الملكية الصناعية أو حقوق المؤلف أو الحقوق المجاورة، وحقوق الضحايا والشهود
والخبراء والمبلغين فيما يخص جرائم الرشوة والاختلاس واستغلال النفوذ وغيرها، كما
تستثني أيضا من الحق في الحصول على المعلومة تلك المشمولة بطابع السرية والتي من
شأنها الكشف عنها الإخلال فيما يلي:
- سرية
مداولات المجلس الوزاري ومجلس الحكومة.
- سرية
الأبحاث والتحريات الإدارية ما لم تأذن بذلك السلطات الإدارية المختصة.
- سير
المساطر القضائية والمساطر التمهيدية المتعلقة بها ما لم تأذن بذلك السلطات
القضائية المختصة.
- مبادئ
المنافسة الحرة والمشروعة والنزيهة وكذا المبادرة الخاص(24).
هنا
يتبين أن أوجه القصور في القانون يجب تداركها، خاصة اتساع دائرة الاستثناءات التي
تعوق وصول المواطنين إلى المعلومات بالنظر إلى عمومية بعض الألفاظ وإمكانية
تأويلها ودون أن يوفر الدقة الكافية بشأن تحديد المعلومات الهامة والحساسة التي
يجب حمايتها مما يجعل الاستثناءات بمثابة أصل عام والكشف عن المعلومة هو الاستثناء.
وقاعدة
الضرر والمصلحة العامة وإن كانت تشكل حجر الزاوية في المعايير الدولية الخاصة
بحرية تدفق المعلومات وحق الحصول عليها إلا أنها مقيدة طبقا لهذه المعايير مجموعة
من الشروط بشأن تقدير الضرر الحاصل نتيجة الكشف عن المعلومة، في مقابل الامتناع
وهو أمر أشار إليه القانون النموذجي للدول الإفريقية بشأن الوصول إلى المعلومات
المعتمدة من قبل اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
تانيا : الاستثناءات
المقررة للأشخاص الذاتيين
من خلال
تفحصنا للمادة 7 من القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، نجد أنه يستثني
تلك المعلومات المتعلقة بالحياة الخاصة للأفراد والتي تكتسي طابع معطيات شخصية
والمعلومات التي من شأنها المس بالحريات والحقوق، ولابد أن نشير هنا إلى أن
القوانين الوطنية لم تعرف الحق في الحياة الخاصة باستثناء قانون الصحافة والنشر
الدي رتب جزاء بين الغرامة والتعويض عن هذه التدخلات إذا ما تم النشر دون موافقة
المعني بالأمر. كما أن هناك استثناءات لا يمكن الاطلاع عليها بمقتضى نصوص خاصة
كالمعلومات التي من شأن الاطلاع عليها الإخلال بسرية مداولات المجلس الوزاري ومجلس
الحكومة، بهذا المقتضى يشكل خرقا للفصل 27 من الدستور الذي يحدد بدقة ما يمكن
استثناءه من حق الحصول على المعلومات خصوصا وأن هذا المقتضى يهدف إلى التعسف في
استعمال السرية وتقييد حق دستوري مما يطرح إشكالية تراتبية النص الدستوري مع النص
التشريعي.
تأسيسا
على ما سبق وجب القول أن الاستثناءات تعد أكثر الأمور جدلا في معظم القوانين
المنظمة للحق في الحصول على المعلومة، فمن جهة يعد من الطبيعي أن تحجب بعض
المعلومات التي يشكل الكشف عنها ضررا بالمصلحة العامة والخاصة، ومن جهة أخرى فإن
التوسع في الاستثناءات وخاصة التوسع في تأويلها من شأنه أن يفرغ الحق في الوصول إلى
المعلومة من محتواه، ولهذا وجب البحث عن توازن يحمي المصلحة العامة دون أن يضر
بالمصالح المشروعة الخاصة.
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق