تابعونا على الفيسبوك

Disqus

دور الصفقات العمومية في إنعاش المقاولات الوطنية

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
دور الصفقات العمومية في إنعاش المقاولات الوطنية




                                    زكرياء  التوتي
                        باحث في القانون و المقاولة كلية الحقوق مكناس

مقدمة:
إن تبني السياسة المغربية خيار النهج الليبرالي القائم على المصلحة الشخصية كقاعدة لكل التصرفات الاقتصادية الخادمة صالح المجموع في آخر المطاف[1]، جعل القطاع الخاص يضطلع بأهمية محورية في الواقع الاقتصادي العالمي الجديد، هذه الأهمية التي تعود بالأساس إلى الطابع العام الموجه للشرط الاقتصادي العالمي الموسوم باللبرالية  الجديدة المعروفة بأولوية مبدأ الحرية الاقتصادية التي لا تقل من دور و فاعلية القطاع الخاص و المبادرة الحرة في المجال الاقتصادي[2] ، وبذلك  أصبحت الحكامة الجيدة  من متطلبات العصر الحالي في  مختلف الميادين –اقتصادية ، إدارية، اجتماعية، سياسية – من أجل التسيير الإيجابي و الفعال تحقيقا للتنمية المنشودة على المستوى الوطني و المحلي [3].
 ولمعالجة حركة التنمية التي يشهدها المغرب خلال العقود الأخيرة من الزمن تضاعفت المرافق العمومية و تزايد نموها و هو الشيء الذي يعتبر من بين الأسباب الأساسية         و المباشرة لظهور نظام الصفقات العمومية[4]  و انتشارها بكيفية موازية لاتساع القطاع العام[5] .
و نظرا للأهمية الصفقات العمومية بالنسبة للإدارة و كذلك بالنسبة للشخص المتعاقد معها فإن دورها أصبح أساسيا في تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية مما جعلها  تشكل أداة مهمة فيما يتعلق بإنشاء المشاريع الكبرى و تحسين أداء المرافق العمومية كما أن لها أثر كبير على مناخ الأعمال إذ  نجدها تساهم بصفة فعالة في إنعاش و تحديث النسيج الاقتصادي الوطني و تعزيز الرصيد المعرفي و التقني للفاعلين الاقتصادي و ذلك من خلال اعتمادها المقاربة التشاركية في تدبير الطلبيات العمومية بإشراك المقاولات الخاصة لأنها تعد وحدات إنتاجية لتوفير الخدمات و القيام بأشغال أساسية تساعد على الرقي الاقتصادي و الاجتماعي و توفير البنيات التحتية اللازمة و الضرورية و تهيئ الظروف الملائمة لجلب الاستثمار الوطني و الأجنبي[6].
و إذا كان نظام الصفقات العمومية قد ظهر في أول الأمر  بالولايات المتحدة الأمريكية فإنه لم ينتقل إلى المغرب في صورته الحديثة إلا في بداية القرن العشرين عبر مجموعة من الاتفاقيات و المعاهدات الدولية التي شكلت في مضمونها إطارا مرجعيا ينظم بنود تتعلق بشرط المنافسة لنيل الطلبية العمومية، فكانت معاهدة الجزيرة الخضراء المؤرخة في 7 أبريل 1906 أهم هذه الاتفاقيات[7] ، و أثناء فترة الاستعمار المباشر أدخل المستعمر معه مجموعة من القوانين تصب في هذا الإطار و التي تخدم مصالحه بالدرجة الأولى كان أهمها المقرر الوزاري الصادر سنة 1919 المتعلق بالمحاسبة البلدية ثم ظهير 1943 الذي أفرز طريقة طلب العروض [8]، و بعد حصول المغرب على الاستقلال و استرجاع سيادته عرف التنظيم القانوني للصفقات العمومية مجموعة من التحولات بشكل يتلاءم و المغرب المستقل، و بغرض إنعاش المقاولات الوطنية و ضمان مشاركتها في الصفقات العمومية بعد ما كانت مهمشة فيما قبل، و بالتالي يمكن تقسيم التعديلات التي عرفها نظام الصفقات العمومية في مغرب ما بعد الاستقلال  إلى جيلين كبيرين،  الأول منه بدأ مع الإصلاحات التي شهدها ظهير 6 غشت 1958 و انتهى بمرسوم 1976 مرورا بمرسوم 1965 أما الجيل الثاني فقد عرف ثلاث إصلاحات في أقل من خمسة عشر سنة و ذلك من خلال مرسوم 1998 ثم مرسوم 2007 و آخر إصلاح هو الذي ثم بموجب مرسوم 2013[9] الذي جاء في سياق مجموعة من المتغيرات و الأحداث التي صاحبت خروجه[10].
و لقد أصبحت الصفقات العمومية تلعب دورا تنمويا عاما في شتى المجالات، فبعد أن كانت مجرد أسلوب تقني محايد و طريق قانونية مجردة تستخدمها الإدارة من أجل الحصول على حاجياتها، أصبحت أداة من أدوات السياسة العامة و هيئاتها لبلوغ أهدافها التنموية و تنفيذ برامجها الاقتصادية و الاجتماعية .
وعليه فإن أهمية الصفقات العمومية تكمن في تعدد أدوارها ووظائفها و اتساع مجالاتها فهي تساهم في خلق الرواج الاقتصادي و تشجيع المقاولات- خاصة منها الصغرى و المتوسطة- عن طريق إشراكها في الصفقات ولو  بالحد الأدنى[11]، كما أنه بفضل هذا النظام تستفيد الدولة من الخبرات و الكفاءات التي تتوفر عليها المقاولات المتنافسة سواء الوطنية منها أو الأجنبية و ذلك بغرض تحقيق الجودة -الكم و الكيف- والكفاءة في الخدمة المقدمة  و من تم بات نظام الصفقات العمومية آلية  لتحقيق التنمية المستدامة نظرا للتقاطع الذي يتجلى فيما هو مسطري و إداري مع ما هو اقتصادي و اجتماعي[12].
و انطلاقا من كل ما سبق يمكننا أن نتساءل:
 هل فعلا استطاع نظام الصفقات العمومية في ظل الإصلاحات الأخيرة التي عرفها  أن يوفر ضمانات كافية تستجيب لواقع المقاولات الوطنية و ترفع من تنافسيتها داخل سوق الطلبيات العمومية بالمغرب؟.
وسنحاول في هذه المقالة الوقوف على أهم الضمانات الموحدة بين جميع المقاولات المتنافسة في سوق الطلبات العمومية( المحور الأول) لننتقل بعد ذلك إلى إبراز الامتيازات التفضيلية التي خصصها المرسوم  للمقاولات الوطنية من أجل الفوز بالصفقة العمومية ( المحور الثاني)
المحور الأول : الضمانات الموحدة للمقاولات المتنافسة في سوق الطلبيات العمومية
لقد جاء الإطار المنظم للصفقات العمومية بالمغرب يحمل معه مجموعة من الضمانات التي تخص مشاركة المقاولات المتنافسة -سواء كانت وطنية أو أجنبية ، صغيرة أو كبيرة أو متوسطة -في سوق الطلبات العمومية الذي يكفل الشفافية و المساواة للمشاركين و ذلك بغاية الرفع من عدد المتنافسين و الحصول على أعلى جودة للأعمال المقدمة و بأقل ثمن، وسنقتصر في هذا المحور على إجراءين مهمين، نشر البرامج التوقعية( أولا) ثم عن  الإعلان عن طلب المنافسة( ثانيا).
أولا : نشر البرامج التوقعية الخاصة بالصفقة العمومية
إن المرسوم الجديد لنظام الصفقات العمومية بالمغرب عمل على  تكريس مجموعة من القواعد السابقة أبرزها تلك المتعلقة  بنشر البرامج التوقعية التي تتم عن طريق جريدة ذات توزيع وطني على الأقل و في بوابة الصفقات العمومية[13]، بحيث نجد  المشرع قد أولى لهذا المقتضى الشكلي  أهمية بالغة لما له من دور فعال في تعزيز نظام إعلام الراغبين في المشاركة  في سوق الطلبيات العمومية على قدر المساواة لتتكافأ الفرص بينهم.
وبذلك يُلزم صاحب المشروع بإعداد برامج توقعية لمجموع الأعمال المزمع إنجازها خلال السنة المالية و العمل على نشرها خلال الثلاث أشهر الموالية لكل سنة مالية و ذلك من أجل إعلام الراغبين في المشاركة بحجم و نوعية الأعمال أو الخدمات أو الأشغال المزمع إنجازها خلال هذه السنة حتى يكونون على علم بها [14] ولا يستثنى من هذا الإجراء الشكلي سوى وزارة الدفاع نظرا للخصوصية و السرية الذي يتسم به هذا المجال[15].
و ما يلاحظ على هذا الإجراء أن  المرسوم الجديد للصفقات العمومية لم يتضمن أي جزاء في حالة عدم احترام شكلية نشر البرامج التوقعية بالطرق المعروفة و هذا ما يؤدي إلى إفراغ هذا الإجراء من محتواه، خاصة أن التقارير السنوية المتوالية الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات[16] قد نبهت  لتدارك النواقص التي تشوب تدبير بعض الصفقات التي من بينها عدم نشر البرامج التوقعية للصفقات المزمع إنجازها، خرقا لمقتضيات المادة 87 من مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2007 التي تقابلها المادة 14 من مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2013 و التي تلزم صاحب المشروع بنشر البرامج التوقعية للصفقات التي ينوي إنجازها خلال السنة المالية و ذلك قبل متم الثلاثة أشهر الأولى من السنة المالية [17]، و بالتالي فإن هذا الإخلال  سيؤدي إلى المساس بمبدأ الشفافية و التقليص من تنافسية المقاولات  إذا لم يقرن بجزاء في حالة الامتناع عن نشر البرامج التوقعية.
ثانيا : الدعوة إلى المنافسة من خلال الإعلان عن طلب العروض
تعتبر الدعوة إلى المشاركة في سوق الطلبيات العمومية التي تتقدم بها الإدارة المعنية  من أهم المبادئ التي يخضع لها نظام الصفقات العمومية و الذي لا يمكن أن يتم من غير التزام الإدارة صاحبة المشروع  بشكلية الإعلان عن الصفقة العمومية .
و يتم هذا الإعلان  الذي يشكل في حد ذاته دعوة إلى المنافسة وفق شكلية معينة  من خلال نشره في جريدتين توزعان على الصعيد الوطني يختارهما صاحب المشروع و أن تكون إحداهما باللغة العربية و أخرى باللغة الفرنسية[18] ،و قد جاء هذا الإجراء  أكتر أهمية عن سابقه- نشر البرامج التوقعية - الذي أقتصر فيه المشرع فقط على نشر هذا البرنامج في جريدة واحدة ذات توزيع وطني كما أنه لم يحدد فيه حتى لغة الجريدة التي ستعمل على نشره و ما في ذالك من حدود في تعميم هذا النشر على الصعيد الوطني و الدولي.
و نظرا لعدم كفاية الطرق التقليدية للإعلان (الجرائد الوطنية) عن تحقيق العلانية و المنافسة و الشفافية المتطلبة أدخل المشرع طريقة الإعلان الإلكتروني من خلال بوابة الصفقات العمومية [19] التي تعتبر من الوسائل العملية و الفعالة و السريعة في نفس الوقت بحيث تمكن الإدارة العمومية و المقاولات من المرونة و ربح الوقت، لكن أغلب المقاولات لا تلجأ لهذه الطريقة الإلكترونية للإعلان،  حيث  نجد أن  نسبة 67% من  المقاولات المغربية لا تلجأ إلى بوابة الصفقات العمومية للإطلاع على الإعلانات في حين أن نسبة 33% هي التي تلجأ إلى هذه البوابة[20] و هذا ما يدل على  أن نشر الإعلان بشكل إلكتروني في المغرب مازال لم يحقق الهدف المراد منه، وهو إيصال المعلومات للمعنيين بالأمر     و بالتالي فإن المقاولات المغربية لا زالت متشبثة بالوسائل التقليدية للإعلان، و قلة منها من يلجئ إلى البوابة الإلكترونية للإطلاع على ما تنشره، ولعل ذلك  يرجع  إلى غياب الثقة في الوسائل الإلكترونية ، و إلى تحبيذ المقاولين التعامل بشكل شخصي مع الموظفين ، حتى يحصلوا على معلومات أكتر من تلك التي تنشر في بوابة الصفقات العمومية [21]  هذا ما جعل المشرع المغربي يعتبر النشر الالكتروني مجرد وسيلة مكملة لوسائل النشر المادية الأخرى ليبقى الأساس هو الإعلانات القانونية بالجرائد [22].
كما أنه يجوز لصاحب المشروع تبليغ الإعلان عن الصفقة إلى علم المتنافسين المحتملين و عند الاقتضاء إلى الهيئات المهنية عن طريق النشر في جريدة الإعلانات القانونية و القضائية و الإدارية بالجريدة الرسمية أو في نشرات متخصصة أو في أي جريدة أخرى للإشهار و لاسيما بشكل إلكتروني [23].
و تكريسا لمبدأ الشفافية في الصفقات العمومية أقر المرسوم الجديد إلزامية نشر الكلفة المعدة من طرف الإدارة أثناء  إعلانها عن الصفقة [24] ،مع العلم أن هذا المعطى الجديد كان في ظل المراسيم السابقة تحتفظ به الإدارة وحدها صاحبة المشروع و طيلة مسطرة إبرام الصفقة  لا يمكن الإطلاع عليه إلا من طرف اللجنة المكلفة بفحص العروض[25] و هو ما كان يفتح المجال للتلاعب بهذا المبلغ مقابل كشفه للمتنافسين حتى يتقدموا بعروض تتناسب معه و يضمنون فوزهم بالصفقة[26] .
و ما يلاحظ على إعلان الصفقة العمومية للمتنافسين - وهذا من باب النظرة الوضعية للأمور- أنه لم  يعتمد في إعلانه  سوى على وسيلتين إلزاميتين –الجرائد و النشر – و لم يعر اهتماما لطبيعة الصفقة أو مبلغها و ذلك على خلاف ما يعرفه نظام الصفقات العمومية بفرنسا، الذي ألزم نشر الإعلان احترام شكليات معينة تراعي فيها مبلغ الصفقة و طبيعتها ، فمثلا بالنسبة للصفقات التي يقل مبلغها عن(euro 90.000)  ثم ترك الصلاحية واسعة للإدارة لاختيار الوسيلة التي تناسبها –جرائد، انترنت، إعلان بالمقررات الإدارية – أما إذا تراوح مبلغ الصفقة بين (euro 90.000) و )  euro000 515.000) فإن وسيلة النشر لا تبقى من اختيار الإدارة بل يجب أن يتم النشر في الجريدة الرسمية للإعلانات القانونية، و في حالة تجاوز الصفقة مبلغ euro)  000 515.000) فإن نشر الصفقة يتم نشره لزوما في الجريدة الرسمية لإعلان الصفقات العمومية و في الجريدة الرسمية في الاتحاد الأوروبي، و ذلك نظرا لقيمة الصفقة و طبيعتها التي تستلزم بالضرورة الخضوع لهذه الشكلية، و ما في ذلك من تجسيد لروح المنافسة و من شفافية في إمكانية إبرام الصفقات العمومية [27].
و برجوعنا إلى نظام الصفقات العمومية بالمغرب فإننا لا نجد و للأسف أي مقتضى بهذه الشاكلة الذي يفضي إلى توسيع دائرة الإعلان عن الصفقة بربط وسيلة النشر بمبلغ   الصفقة، و ذلك على الرغم من الإصلاحات الأخيرة التي عرفها نظام الصفقات العمومية بالمغرب  الذي كان ينبغي الاستفادة من  تجارب التشريعات المقارنة. 
وعموما فإن هذه العملية الإشهارية لها وقع كبير على مبدأ التنافسية و تكريس وجوده القانوني  حيث ستتمكن  كل المقاولات المعنية من الوصول إلى الطلبيات العمومية المعروضة دون أية صعوبة وفي وقت محدد، ليتسنى لها الاطلاع على الصفقة المعلن عنها و الدراية بالآجال الممنوحة لتقديم عروضهم من أجل الاستعداد للدخول في غمار المنافسة [28]
المحور الثاني : التمييز الإيجابي الممنوح للمقاولات الوطنية في الصفقات العمومية
لقد جاء  نظام الصفقات العمومية الجديد بمجموعة من الإجراءات التفضيلية التي تخص المقاولات الوطنية و التي تهدف بالأساس إلى  تشجيعها على المشاركة في سوق الطلبيات العمومية و تمكينها من امتيازات تكتر من حضوضها في الفوز بالصفقة العمومية ،سواء تعلق الأمر بالمقاولات الكبرى (أولا) أو المتوسطة و الصغرى (ثانيا)
أولا: النظام التفضيلي للمقاولات الوطنية على حساب المقاولات الأجنبية   
إن المشرع المغربي قام بتوسيع مجال المنافسة ضمن النسق القانوني المنظم للصفقات العمومية و ذلك من خلال فتح المجال لأكبر عدد من المتنافسين بما في ذلك المقاولات الأجنبية لكن مع منح بعض الامتيازات للمقاولات الوطنية على حساب المقاولات الأجنبية .
ولقد تم التأكيد على هذا المقتضى في المرسوم الجديد للصفقات العمومية [29]  من خلال إضافة نسبة ( قد تصل إلى% 15 ) إلى المبالغ المقدمة من طرف المقاولات الأجنبية لتصبح المقاولات الوطنية في محل امتياز مقارنة مع نظيرتها الأجنبية، و يتم إعمال هذا المقتضى في مرحلة تقييم و اختيار العروض المقدمة لنيل الصفقة و ذلك بعد عملية حصر لائحة المتنافسين المؤهلين و إقصاء المتنافسين الذين لا تتطابق عروضهم المواصفات المطلوبة، و بالتالي عندما تتقدم مقاولات أجنبية بتعهدات فإن لجة طلب العروض أو لجنة المباراة تمنح الأفضلية لعرض المقاولة الوطنية من بين تلك العروض المؤهلة وفق المعايير القانونية المطلوبة [30].
و لعل هذا النظام التفضيلي ورثناه عن الممارسات التي كان يعرفها إعمال نظام الصفقات العمومية في عهد الاستعمار بالمغرب حيث جعل الالتزام  بالمساواة بين المقاولات المتنافسة في تلك الفترة يشكل مصدر إزعاج للمقاولات الفرنسية التي كانت تطالب بمنحها بعض الامتيازات لتفضيلها على المقاولات المنتمية لجنسيات أخرى بحكم انتمائهم للدولة الحامية و ذلك بمنحهم الأفضلية حتى و لو كان عرضهم يفوق عرض المقاولات المنتمية لجنسيات أخرى  بنسبة 25% مستشهدين بما كان عليه الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تطبق هذه القاعدة قبل مجيء " إزنهاور" و عند تولي هذا الأخير السلطة خفض النسبة السابقة إلى 10% [31]
كما أن الإجراء التفضيلي المقرر لفائدة المقاولات الوطنية[32] قد يشكل تفاوتا  في الضمانات المقررة للمرشحين لنيل الصفقة الأمر الذي يفضي بالنتيجة إلى الإخلال بمبدأ المنافسة بين المتنافسين و من ثم المساس بالمنافسة الحرة للسوق بحيث يمكن إدراج هذا النظام التفضيلي ضمن الممارسات المنافية لقواعد المنافسة الواردة في قانون 104/12[33]، من منطلق  أن الزيادة في الأثمنة المقدمة من طرف المقاولات الأجنبية بنسبة معينة يقابله خفض في التكاليف المعتمدة في تكوين الثمن التي تتقدم به المقاولات الوطنية بشكل تعسفي بالنسبة إلى التكاليف المتعلقة بالإنتاج و التحويل و التسويق، و الذي سيترتب على ذلك الحيلولة دون دخول المقاولات الأجنبية إلى السوق العمومي على حساب تشجيع المقاولات الوطنية.

ثانيا : النظام التفضيلي للمقاولات الصغرى و المتوسطة على حساب المقاولات الكبرى
لقد أدخل الإصلاح الأخير لمرسوم الصفقات العمومية مجموعة من القواعد الجديدة التي ترتكز بالأساس على الحكامة الجيدة و أهداف التنمية المستدامة و إرساء المزيد من الشفافية و المنافسة و تحسين مناخ الأعمال خاصة بالنسبة للمقاولات الوطنية التي يهيمن عليها الطابع الصغير المتوسط [34].
ولأجل ذلك أحكام المرسوم الجديد للصفقات العمومية  قامت بتخصيص نسبة 20 من المبلغ التوقعي بالنسبة للصفقة العمومية التي يُعتزم طرحها كل سنة مالية لفائدة المقاولات الصغرى و المتوسطة [35]  لكن الإشكال الذي يطرح في هذه الحالة هو عدم وجود معايير محددة للفصل بين المقاولات الصغرى و المتوسطة و الكبرى حتى يمكن الاستفادة من هذا المقتضى .
كما أنه من بين الامتيازات المقررة لفائدة المقاولات الصغرى و المتوسطة في نظام الصفقات العمومية هو إمكانية الفائز بالصفقة أن يتعاقد معها من الباطن و ذلك من أجل إنجاز الأعمال المتعهد بها، كما أنه بإمكان صاحب المشروع إلزام صاحب الصفقة في دفتر الشروط الخاصة- إذا قرر التعاقد من الباطن- أن يقوم بإسناد  جزء من هذه الصفقة المزمع إنجازه إلى المقاولات الصغرى و المتوسطة الوطنية[36]ا
  وتبقى فلسفة المشرع من خلال هذه المقتضيات التحفيزية هي محاولة الإدماج الضمني للمقاولات الصغرى و المتوسطة في إنجاز المشاريع الكبرى التي لا تستطيع لوحدها أن تنجزها نظرا لإمكانياتها المحدودة في غالب الأحيان، لكن ما دام أن أمر إدماجها متروك لإرادة صاحب المشروع و صاحب الصفقة و لم يلزمه المشرع بذلك فإن مشاركتها تبقى محدودة في سوق الطلبيات العمومية .
وعموما نجد المغرب يعد ورشا مفتوحا و يشهد حركة دائمة من طرف مقاولات متنافسة متعددة و ذلك من خلال برامجه التنموية التي تصب في تشجيع الاستثمار الأجنبي، إلا أنه لم يدخر جهدا في تدعيم المقاولات الوطنية و جعلها قادرة على مواجهة حدة المنافسة و غزو الأسواق الدولية و تصدير خبرتها خارج الحدود الوطنية [37] في إطار المعاملة بالمثل و هو ما يجعلنا أمام مقاولات أجنبية ذات كفاءة عالية قادرة على غزو نسيجنا الاقتصادي  دون إمكانية مقاولاتنا الوطنية الصمود أمامها.
و من تم يتحتم على السياسة المغربية أن تجعل  من أولوياتها دعم  للمقاولات الوطنية وخاصة الصغرى منها و المتوسطة  التي تشكل  خزانا هاما للتشغيل و ذلك بمراعاة مجموعة من التدابير الهادفة إلى تطوير الأساليب التدبيرية لهذه المقاولات من خلال تشجيعها على خلق التكتلات و العمل على  منحها امتيازات تفضيلية بغاية إعطائها فرص أكثر من أجل إشراكها في سوق الطلبيات العمومية  .

 و تحياتي
23/10/2015


التصميم
 المحور الأول : الضمانات الموحدة للمقاولات المتنافسة في سوق الطلبيات العمومية
              أولا : نشر البرامج التوقعية الخاصة بالصفقة العمومية
                 ثانيا : الدعوة إلى المنافسة من خلال الإعلان عن طلب العروض
 المحور الثاني : التمييز الإيجابي للمقاولات الوطنية في الصفقات العمومية
            أولا: النظام التفضيلي للمقاولات الوطنية على حساب المقاولات الأجنبية  
               ثانيا : النظام التفضيلي للمقاولات الصغرى و المتوسطة على حساب المقاولات الكبرى

لائحة المراجع
v                 مليكة الصروخ ،الصفقات العمومية في المغرب الطبعة الثانية، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء، 2012.
v                 سعيد جفري، الحكامة و أخواتها الطبعة الأولى ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ،2010.
v                 فتح الله ولعلو ، الاقتصاد السياسي الطبعة الأولى، مطبعة دار لنشر المغربية ،الجزء الأول ،الدار البيضاء،1971.
v                 محمد الشاوي، شفافية إبرام الصفقات العمومية بين مقتضيات النص التنظيمي وواقع الممارسة العملية، مجلة القضاء الإداري، العدد الرابع، 2014.
v                 محمد العابدة كيفية، إبرام الصفقات العمومية بالمغرب، مجلة الحقوق المغربية ،العدد الخامس 2008.
v                 عبد القادر العيساوي، دور الصفقات العمومية في التنمية بحث لنيل شهادة الماستر،  جامعة سيدي محمد ابن عبد الله كلية الحقوق فاس، الموسم الجامعي 2014/2013.
v                 عبد الله حداد، صفقات الأشغال العمومية دراسة نظرية و تطبيقية، أطروحة لنيل الدكتوراه كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، جامعة محمد الخامس الرباط السنة الدراسية 1985 /1986.
v                 يونس واحلو، الصفقات العمومية و التنمية المحلية، رسالة لنيل شهادة الماستر كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية جامعة المولى اسماعيل  مكناس، السنة الدراسية 2007/ 2008  .
v                 الجيلاني أمزيان، منازعات المنافسة في مجال الصفقات العمومية ، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية، العدد التاسع عشر  2000.
v                 الجيلاني أمزيان، الحماية القانونية و القضائية للمنافسة  في صفقات الدولة، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ، العدد79 .
v                 كريم لحرش، مستجدات المرسوم الجديد للصفقات العمومية،  سلسلة الامركزية و الإدارة الترابية، الطبعة الأولى 2014.
v                 آسية الحراق، الإدارة الإلكترونية بالمغرب " الصفقات العمومية نمودجا" ، الطبعة الأولى، مطبعة  دار السلام ، الرباط  2015.


















[1]  - فتح الله ولعلو، الاقتصاد السياسي، الطبعة الأولى، مطبعة دار لنشر المغربية، الجزء الأول، الدار البيضاء،1971 ص: 91 .
[2] -  لقد خلص تقرير المعهد الأمريكي "مؤسسة التراث " إلى أن الاقتصاد المغربي ليس حرا  حسب تصنيف "مؤشر حرية الاقتصاد " لحوالي 179 بلد حول العالم بوضعه المغرب المرتبة 101 عالميا , و السبب أنه لم يقوى على مجاراة الإيقاع السريع للتحولات التي يعرفها العالم ، و أرجع ذات التقرير المنجز خلال سنة 2009، النقائص المسؤولة  عن ذلك إلى النتائج الضعيفة المحصلة على مستوى حرية العمل و حقوق الملكية ، إلى جانب إشكالية الرشوة .
-          سعيد جفري، الحكامة و أخواتها الطبعة الأولى،  مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ،2010 ص 8.
[3]  مليكة الصروخ، الصفقات العمومية في المغرب، الطبعة الثانية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2012 ص 7.
[4]  -تعتبر الصفقات العمومية  الوسيلة الأساسية التي تلجأ إليها الإدارة العمومية لإنشاء مختلف المشاريع و الحصول على الخدمات و الأدوات اللازمة لتسيير المرفق العمومي و تحسين أدائها بموجب عقود إدارية يلتزم بموجبها أحد الأشخاص اتجاه شخص عمومي – دولة ، مؤسسة عمومية، جماعة ترابية – بالقيام بأعمال –أشغال ، توريدات ، خدمات- لفائدة هذه الأخيرة مقابل تمن محدد و طبقا للشروط المحددة في العقد المبرم بينهما   
-          محمد الشاوي، شفافية إبرام الصفقات العمومية بين مقتضيات النص التنظيمي وواقع الممارسة العملية، مجلة القضاء الإداري، العدد الرابع، 2014، ص 109.
[5] - محمد العابدة، كيفية إبرام الصفقات العمومية بالمغرب، مجلة الحقوق المغربية، العدد الخامس 2008 ص 53.
[6]  -عبد القادر العيساوي، دور الصفقات العمومية في التنمية بحث لنيل شهادة الماستر،  جامعة سيدي محمد ابن عبد الله كلية الحقوق فاس، الموسم الجامعي 2014/2013 ص 11.

[7]  عبد القادر العساويي، م س ص4.
[8] عبد الله حداد، صفقات الأشغال العمومية دراسة نظرية و تطبيقية، أطروحة لنيل الدكتوراه كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، جامعة محمد الخامس الرباط السنة الدراسية 1985/ 1986 ص 50.
[9]  - مرسوم 20مارس 2013 منشور بالجريدة رسمية عدد 6140-ص 3023 و ما بعدها.
[10]  - إن السياق الذي كان  وراء الإصلاح الأخير الذي عرفه نظام للصفقات العمومية بالمغرب سنة 2013 هو المتغيرات العميقة التي عرفها المحيط الوطني و الدولي في السنين الأخيرة و متطلبات تنزيل مقتضيات الدستور الجديد لسنة 2011 و كذلك الاستجابة إلى المطالب الشعبية  التي طالبت  بإسقاط الفساد و بربط المسؤولية بالمحاسبة ، هذا بالإضافة إلى ضرورة تدارك الاختلالات التي كشفت عنها التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات و التوصيات التي خلص إليها الجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي، و كذا تجاوز العيوب و النواقص التي شابت مرسوم 2007 .
أرضية للنقاش بعنوان  إصلاح الصفقات العمومية " المحتوى و الغايات " تمت بتاريخ 04/11/2014 من طرف طلبة القانون و المقاولة  الفوج 8 تحت إشراف ذ: عبد الرحمان حداد.
[11] يونس واحلو، الصفقات العمومية و التنمية المحلية، رسالة لنيل شهادة الماستر كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية جامعة المولى إسماعيل  مكناس السنة الدراسية 2007 /2008  ص6.
[12]  عبد القادر العيساوي م س ص 7.
[13]  - لقد عرف هذا المقتضى تطبيقاته من خلال مرسوم 5 فبراير 2007 المنظم للصفقات العمومية في مادته 87 و كذلك من خلال مرسوم 1998 في مادته 81 إلى أن تم تكريسه في المادة 14 من مرسوم 2013.
[14]  الجيلاني أمزيان،  منازعات المنافسة في مجال الصفقات العمومية، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ،العدد التاسع عشر،2000 . ص 19.
[15]  - تنص المادة 171 من مرسوم 2013  " تخضع صفقات الأشغال و التوريدات المبرمة من طرف إدارة الدفاع الوطني  لمقتضيات هذا المرسوم
.      1- إلا أن إدارة الدفاع الوطني غير ملزمة بما يلي
            ......
            -أن تقوم بنشر البرنامج التوقعي
              ....
[16] -  طبقا لمقتضيات الفصل 147 من الدستور الجديد سنة 2011 يعتبر المجلس الأعلى للحسابات الهيئة العليا لمراقبة  المالية العمومية بالمملكة حيث يمارس اختصاصات قضائية في مجال التدقيق و البث في حسابات المحاسبين العموميين و المحاسبين بحكم الواقع ، كما تناط به مهمة مراقبة تدبير الأجهزة العمومية و استعمال الأموال العمومية ، لكن ليس لهذا المجلس سلطة تقريرية بل له دور استشاري فقط
[17] - ألقى  رئيس المجلس الأعلى للحسابات ( ادريس جطو) -و ذلك تفعيلا للفصل148 من الدستور الجديد للمملكة-أمام البرلمان في جلسة مشتركة بين مجلسيه عرضا عن أعمال المجلس الأعلى للحسابات و المجالس الجهوية للحسابات و أشار من خلاله إلى مجموع  الاختلالات التي يعرفها نظام الصفقات العمومية التي من بينها عدم احترام صاحب المشروع الإعلان عن البرامج التوقعية ، و جاء التقرير السنوي لسنة  2012 بتفصيل شامل لهذه الاختلالات.
- المجلس الأعلى للحسابات ، التقرير السنوي عن أنشطة المجلس الأعلى للحسابات لسنة2012 ، الجزئ الأول من الكتاب الثاني ، ، ص : 271و181و216و222و199و243.
-http://www.courdescomptes.ma/ar/Page-27/25-55.
[18]  -  المادة 20 من مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2013.
[19]  - يراجع المادة 149 من مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2013.
[20]  - أسية الحراق، الإدارة الإلكترونية بالمغرب " الصفقات العمومية نمودجا" ، الطبعة الأولى، مطبعة  دار السلام ، الرباط  2015، ص : 100
[21] -  آسية الحراق، م.س ، ص : 101
[22]  - الجيلاني أمزيان، الحماية القانونية و القضائية للمنافسة  في صفقات الدولة ، المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية  العدد 79 ص 50
[23]  - مليكة الصروخ ، م س ، ص 93.
[24] - يراجع المادة 5 من مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2013.
[25] محمد الشاوي ، م س، ص 113.
[26]  - أرضية للنقاش تحت عنوان " إصلاح الصفقات العمومية :المحتوى و الغايات " تمت بتاريخ 04/11/2014 من طرف طلبة القانون و المقاولة  الفوج 8 تحت إشراف ذ: عبد الرحمان حداد.
[27]  محمد الشاوي، م س، ص : 120.
[28]  كريم لحرش، مستجدات المرسوم الجديد للصفقات العمومية سلسلة اللامركزية و الإدارة الترابية الطبعة الأولى،  2014 ص 142.
[29]  - يراجع المادة 155 من مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2013 .
[30]  - عبد القادر العيساوي ، م س ، ص 20.
[31] -  عبد الله حداد، م س ،ص 27.
[32]  -  و ذلك في حالة إعماله لأن هذا المقتضى يبقى مجرد إجراء اختياري سواء من حيث تطبيقه أو من حيث النسب المئوية المعمول بها
[33].-  القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.116 في 2 رمضان 1435 الموافق  لـ 30 يونيو 2014 ( الجريدة الرسمية عدد 6276 بتاريخ 24 رمضان 1435 الموافق ل 24 يوليوز 2014 ).

[34] www.finances.gov.ma/Docs/2014/DAAG/maliya23_ara.vd.pdf.
[35] -  يراجع المادة 156 من مرسوم الصفقات العمومية لسنة 2013.
[36] -  يراجع المادة 158 من نرسوم الصفقات العمومية لسنة 2013.
 [37] - مليكة الصروخ م س ص 8.
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016