حكامة العقار بين هشاشة التشريع
وسلطان الاستيلاء
الأستاذ
: الزكراوي محمد
إطار
متصرف وزارة الداخلية
و أستاذ
باحث في الشؤون القانونية و الإدارية
مقدمة
:
يعد
العقار ثروة هامة و محركا ضروريا و دعامة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي الوطني وإقامة مختلف
البنيات التحتية والتجهيزات العمومية. كما تبنى عليه سياسة الدولة في مجال التعمير
والتخطيط العمراني. وهو الآلية الأساسية لضمان حق المواطنين في السكن كما يعتبر الوعاء
الرئيسي لتحفيز الاستثمار المنتج المدر للدخل والموفر لفرص الشغال و لانطلاق المشاريع
الاستثمارية في مختلف المجالات الصناعية والفلاحية والسياحية والخدماتية وغيرها،
ونطرا
للأهمية الاقتصادية و القيمة المالية و الاجتماعية التي يتميز به ، فقد أولت له كل
التشريعات في العالم و المواثيق الدولية و الإقليمية الأهمية البالغة حرصا منها على
حمايته و حصانته من كل وقائع التعدي و ضروب الغصب و الاستيلاء . و هو ما أكده إعلان
حقوق الإنسان و المواطن لسنة 1789 ، الذي كرس مبدأ ضمان الملكية الخاصة وحرية التملك
باعتبارهما حقا أساسيا ، حيث نصت المادة 17 منه على انه – لما كانت الملكية حقا مقدسا
و لا يمكن المساس بها . فانه لا احد يمكن ان يحرم منها إلا إذا تطلبت الضرورة العامة
ذلك و التي تنبث بشكل قانوني ويشترط في ذلك تعويض عادل يدفع مقدما .
وفي
التشريع المغربي فإن ما يوازي المادة 17 من الإعلان المسار إليه أعلاه نجد الفصل35
من دستور المملكة المغربية لفاتح يوليوز 2011 ينص في فقرته الأولى: ”يضمن القانون حق
الملكية، ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون، إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية
الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، و لا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات
التي ينص عليها القانون”.
كما
تدخل المشرع المغربي في مجال تنظيم الملكية العقارية بعدة نصوص قانونية ترمي إلى ضبطها
و حمایتها، وذلك في كل من القانون المدني، القانون الإداري، و مدونة الحقوق العينية
. و كذلك في قانون التحفيظ العقاري . لأن الملكية لا جدوى من تقريرها إن لم تكن هناك
وسائل وأدوات ناجعة تحمیها، فالملكية المجردة من الحق لها وجود مادي دون الوجود القانوني.
ولما كانت الحماية المدنية للملكية الخاصة قد لا تكفي هي الأخرى لدرئ الاعتداء اقر
المشرع الجنائي حماية أخرى من نوع أخر ألا وهي الحماية الجنائية كحماية استثنائية في
مواجهة التعديات على عقارات الاغيار وذلك بتقرير النصوص العقابية و الجزائية الخاصة
بجرائم الاعتداء على الأملاك العقارية .
إلا
انه ومع ذلك فان إشكالية تحقيق امن عقاري بالشكل المطلوب مازال يعيد المنال ، ولعل
الرسالة الملكية الشريفة التي وجهها صاحب الجلالة نصره الله الى السيد وزير العدل حول
التصدي لطاهرة الاستيلاء على العقارات لخير دليل عما تعرفه المنظومة العقارية من مشاكل
تعيق حكامه تدبير قطاع العقار ببلادنا وبالتالي صعوبة تأمين عقارات الأغيار من ويلات
و طمع لوبي العقارات . نجم عنه كثرة و تزايد المنازعات المتعلقة به أمام القضاء
. مما أسفر عن عرقلة مشاريع تنموية و استثمارية هي غاية وطموح مشروعنا الاقتصادي و الاجتماعي .
إن
الرفع من فعالية و نجاعة السياسة العقارية للدولة ، يقتضي اعتماد استراتيجية وطنية
شمولية وواضحة المعالم و تنزيلها في شكل مخططات عمل ، تتضمن كافة الجوانب المتعلقة
ببلورة و تنفيذ هذه السياسة مع ما يرتبط بذلك من تدابير تشريعية و تنظيمية و إجرائية
وغيرها في تكامل بين الدولة و الجماعات الترابية باعتبارهما فاعلا أساسيا في التنمية
المجالية.
المبحث
الأول: الأمن العقاري في المنظومة التشريعية و التنظيمية
المطلب
الأول: الحماية القانونية للعقار في التشريع المغربي
المطلب
الثاني: متطلبات الأمن العقاري على المستوى العملي
المبحث
الثاني: إشكالية الاستيلاء على عقارات الغير وأفاق الأمن العقاري
المطلب
الأول: ظاهرة الاستيلاء و التعدي على العقارات الخاصة
المطلب
الثاني: أفاق الأمن العقاري
المبحث
الأول: الأمن العقاري في المنظومة التشريعية و التنظيمية
في
إطار المجهودات التي تبدلها الدولة بغية تحصين الملكية الخاصة وحماية عقارات الأفراد
و تماشيا مع المبادئ الدستورية التي كرستها الدساتير السابقة وبعدها دستور 2011 الهادفة
إلى تكريس الحماية الدستورية وحصانة عقارات الخواص من جرائم الاعتداء الواقعة عليها
. بادر المشرع المغربي إصدار مجموعة من القوانين التشريعية و التنظيمية سعيا منه للارتقاء بمكانة العقار و حمايته من جميع الظواهر المشينة .المهددة لكيانه ، وذلك عن طريق تسوية
وضعية العقارات و الأراضي العمرانية غير المدمجة بصفة قانونية و رفع احتكار العقارات
و تحرير المعاملات العقارية بما يتماشى و مبدأ تحرير الأسواق العقارية و جعلها أداة
للتنمية الوطنية .
المطلب
الأول : الحماية القانونية للعقار في التشريع المغربي
" عملا على تعزيز الأمن العقاري ، و تحصين الملكية العقارية
و الرفع من قيمتها الاقتصادية و الاجتماعية ، فإنه ينبغي العمل على مضاعفة الجهود المبذولة
من اجل الرفع من وثيرة التحفيظ العقاري في أفق تعميمه على كافة التراب الوطني ، كما
ينبغي استعمال التكنولوجيا الرقمية التي يشهدها عالم اليوم في مجال ضبط البنية الغابوية
و تأمين استقرارها و تداولها ."
مقتطف
من الرسالة السامية لصاجي الجلالة الملك محمد السادس نصره الله .الموجهة الى المشاركين
في المناظرة الوطنية حول موضوع السياسة العقارية للدولة و دورها في التنمية الاقتصادية
و الاجتماعية ل 3 دجنبر 2015.
مما
لا شك فيه إن الأنظمة القانونية المنظمة لقطاع العقارات بالمغرب متنوعة بتنوع طبيعة
العقارات و أنظمتها القانونية. وفي هذا الصدد يمكننا أن نذكر بالأصناف الآتية:
*الأملاك
الخاصة بأشخاص القانون الخاص )الذاتيين أو المعنويين(.
*الملك
الخاص للدولة الذي تدبره وزارة الاقتصاد والمالية )مديرية أملاك الدولة(.
*الملك
العام للدولة الذي تدبره، حسب طبيعته، وزارة التجهيز والنقل.
*الملك
الغابوي الذي تدبره المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر.
*الأملاك
الحبسية التي تدبرها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
*أراضي
الجماعات السلالية و الجيش ثم الجموع الخاضعة لوصاية وزارة الداخلية )مديرية الشؤون
القروية.
وعليه
فالأملاك العقارية العمومية منظمة ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻇﻬﻴﺮﻱ ﻓﺎﺗﺢ ﻳﻮﻟﻴﻮﺯ 1914 . ﻭﻇﻬﻴﺮ 4 أكتوبر
1930 ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺺ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗفوﻳﺘها ﺍﻭ ﺗﻤﻠﻜها ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﺩﻡ . ﻭﺗﻌﺘﺒﺮ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﺠﻬﻴﺰ ﻭ
ﺍﻷﺷﻐﺎﻝ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺸﺮﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻼﻙ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ . و يدخل ضمن الملك العقاري العام
للجماعات ، جميع العقارات التي خصصت بها بشكل صريح تطبيقا لمقتضيات الفصل الثاني من
ظهير 17 صفر 1340 موافق 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالأملاك المختصة بالبلديات والفصلان
2 و 3 من ظهير 28 شوال 1373 موافق 28 يونيه 1954 المتعلق بأملاك الجماعات القروية،
مثل المسالك والطرق والأزقة والمساحات والبساتين والحدائق العمومية والأسواق والمجازر
والآثار...
وتكون
هذه العقارات موضوع رخصة احتلال مؤقت نظر لأن هذه الرخص غير دائمة و يمكن سحبها وفق
الشكليات والشروط المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر في 30 نوفمبر 1918 المتعلق
باحتلال الأملاك العمومية مؤقتا كما نم تغييره وتتميمه وظهير 1 نوفمبر 1949 المتعلق
بمنح بعض الرخص في احتلال الملك العمومي البلدي .ويخضع تدبير الملك العام للجماعات
لقواعد القانون العام، ولا يمكن للغير ادعاء أي حق عليه، إذ لا يجوز امتلاكه بالتقادم
أو نزع ملكيته أو الحجز عليه. أما فيما يخص ملكية العقارات ﺍﻟﺨﺎصة للدولة فهي بحسب
ﻇﻬﻴﺮ 3 ﻳﻨﺎﻳﺮ 1916 المنظم لعملية ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻣﻠﻚ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ تتكون ﻣﻦ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻣﻼﻙ العقارية ﺍﻟﺘﻲ
ﺗﻤﻠﻜﻬﺎ الدولة و ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ . ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺨﺼﺺ للإﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻋﻤﻮﻣﻲ . ﻭ ﺗﺘﻜﻮﻥ هده الأخيرة من
العقارات ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻭ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻣﺎﻟﻚ ﻟﻬﺎ وتلك ﺍﻟﻤﺴﺘﺮﺟﻌﺔ منها ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ و الأراضي
المستخرجة من الملك العمومي وتلك التي تملكها الدولة وخضع لقواعد القانون الخاص وتشرف
عليها وزارة الفلاحة و مديرية أملاك الدولة . ويدخل ضمنها كذلك جميع العقارات التي
تمتلكها الجماعات ملكية خاصة وغير مخصصة بأملاكها العامة )الفصل 5 من ظهير 17 صفر
1340 موافق 19 أكتوبر 1921 والفصل 9 من ظهير 28 شوال 1373 موافق .) 28 يونيه 1954.
حيث تمتلك هذه الأملاك ملكية خاصة، و تتصرف فيها تصرف الأشخاص في ممتلكاتهم الخاصة،
و يمكنها استعمالها واستغلالها والتصرف فيها بجميع أنواع التصرفات القانونية. و من
مميزات الملك الخاص، هو أن إدراجه ضمن الأملاك الخاصة لا يتطلب مبدئيا أي إجراء شكلي
خلافا لما هو الشأن بالنسبة لترتيب الأملاك العامة. وخلافا للأملاك العامة، فإن الأملاك
الخاصة يمكن أن تكون موضوع تفويت أو مبادلة أو كراء أو تخصيص. غير أن هذه العمليات
تخضع لمجموعة من القواعد والمساطر الخاصة لحمايتها وضمان استعمالها لأغراض المصلحة
العامة.
وفيما
يتعلق بالعقارات السلالية فهي تلك التي تعود ملكيتها إلى الجماعات السلالية وتخضع لمقتضيات
ظهير 27 ابريل 1919 وتشرف عليها مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية، أما نظام عقارات
الجيش وهي تلك العقارات التي منحت للقبائل مقابل الخدمات العسكرية التي كانت تقوم بها
حيث منحتهم الدولة حق الانتفاع و الاستغلال دونما حق تملكها او تفويتها وتخضع في تدبيرها
للأعراف المحلية المتداولة في المنطقة .وفي الأخير هناك .أراضي الاحباس وهي مجموع العقارات
التابعة لوزارة الأوقاف التي لها حق الولاية عليها وتنقسم هده الأملاك إلي عقارات محبسة
حبسا عاما وأخرى وقفا خاصا .
إن
هذا التنوع في طبيعة الوعاء العقاري بالمغرب أدى إلى تعدد القوانين المطبقة وتداخل
نصوصها أحيانا، مشيرا إلى أن المغرب وعيا منه بأهمية تدبير الرصيد العقاري في التنمية
الاقتصادية والاجتماعية، عمد إلى سن مجموعة من النصوص القانونية التي تروم التخفيف
من حدة المشاكل التي يعرفها هذا القطاع الحيوي من خلال تأهيل الحقل العقاري وجعله يستجيب
لتطلعات الفاعلين والمستثمرين.
وقد
عرف المغرب في الآونة الأخيرة إصدار مجموعة من القوانين التشريعات الجديدة المتعلقة
بتوثيق المعاملات في مجال العقار والحقوق العينية، وحدد في كل منها الجهات المؤهلة
لتوثيق العقود المتعلقة بكل منها نذكر منها القوانين التالية:
-
ظهير شريف رقم 1.02.309 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر
2002)
بتنفيذ
القانون رقم 44.00 المتمم بموجبه الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331
(12
غشت 1913) بمثابة قانون للالتزامات والعقود .
-
ظهير شريف رقم 1.03.202 صادر في 16 من رمضان 1424 (11 نوفمبر
2003) بتنفيذ القانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك العقار.
-
ظهير شريف رقم 1.06.56 صادر في 15 من محرم 1427 (14 فبراير
2006)بتنفيذ القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة.
-
الظهير الشريف رقم 236.09.1 بتاريخ 23 فبراير 2010 المتعلق
بمدونة الأوقاف .
-
الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) المتعلق
بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 14.07 الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.11.177 في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011).
-
ظهير شريف رقم 1.11.179 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر2011
بتنفيذ القانون رقم 32.09 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق.
-
القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 1.11.178 صادر في 25 من ذي الحجة 1432(22 نوفمبر 2011)
-
قانون 18.00 المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية.
إن
القوانين التي سنها المغرب والمتعلقة أساسا بالتجزئات العقارية او الملكية المشتركة
للعقارات المبنية أو الخاصة ببيع العقارات في طور الإنجاز او بخطة العدالة ومدونة الأوقاف
وتنظيم مهنة التوثيق وغيرها، كلها تمثل التفاتة تشريعية ذات أهمية بالغة تروم بالدرجة
الأولى تطوير النظام العقاري المغربي من خلال تجاوز واقع التنوع والتعدد التشريعي الذي
يعانيه القطاع. ذلك الطابع الأفقي لقطاع العقار يجعل الإكراهات والرهانات التي تواجهه
أمرا مشتركا بين مختلف الفاعلين والمهتمين به، تقتضي معالجتها اعتماد منظور شامل، يستحضر
كافة الأبعاد القانونية والمؤسساتية والتنظيمية والإجرائية.
المطلب
الثاني: متطلبات الأمن العقاري على المستوى العملي
الواقع
أن الوعاء العقاري ورغم أهميته ،ضل ولمدة ليست يسيرة يعاني من مشاكل متعددة بسبب تعدد
الأنظمة المنظمة له والتقسيمات السارية عليها بوجود عقارات محفظة وأخرى غير محفظة نتج
عنها عدم توحيد الهياكل العقارية إلى جانب تفشي ظاهرة الاعتداء المادي و الاستيلاء
عليها من طرف لوبي الفساد . فالسوق العقاري العالمي منفتح تمامًا ولابد من الاستفادة
من ذلك لتطوير القطاع العقاري وكل هذه المعطيات تخلف لنا أهمية إستراتيجية لقطاع العقارات
في بلدنا لما لها من أهمية كبرى في تحقيق اعتبارات العدالة الاجتماعية وحل مشاكل السكن
خاصة للفئات محدودي ومتوسطي الدخل من جهة ومن جهة أخرى، ترتبط بقدرة هذا القطاع علي
قيادة التنمية في العديد والعديد من المجالات الصناعية والإنتاجية والخدمية وهو ما
يصب في النهاية في تحسين مؤشرات النمو في الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
وكل
هذه الاعتبارات دفعت الحكومة لإعداد دراسة عن الوضع الحالي والمستقبلي لقطاع العقارات
في ظل المتطلبات الجديدة التي ظهرت و التغيرات التي شهدتها الساحة من اعتزام الدولة
بتيسير إجراءات التمويل العقاري والتركيز علي تدبير العمليات الواقعة على العقارات
بما يكفل لها من الحماية القانونية و امن عقاري في احترام تام لمبدأ قدسية حق الملكية
الخاصة لعقارات الخواص . عن طريق اعتماد منظور شامل يستحضر كافة الأبعاد القانونية
والمؤسساتية والتنظيمية والإجرائية، ويراعي خصوصيات هذا القطاع وطبيعته المركبة والمتشابكة؛
لذلك فهي مطالبة بمراجعة وتحديث الترسانة القانونية المؤطرة للعقار بشقيه العمومي والخاص،
بما يضمن حماية الرصيد العقاري وتثمينه، والرفع من فعالية تنظيمه، وتبسيط مساطر تدبيره،
لتمكينه من القيام بدورة في تعزيز المكانة الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا؛ باعتماد
الآليات الملائمة لعقلنه تدخلات مختلف الفاعلين المعنيين بتدبير قطاع العقار، داخل
الإطار القانوني والمؤسساتي الحالي، وذلك ضمانا للنجاعة والفاعلية المنشودة على المستويين
الوطني والترابي، سواء فيما يخص تخطيط السياسة العقارية للدولة أو تتبع تنفيذها وتقييم
أثرها؛ و مضاعفة الجهود من أجل الرفع من وتيرة التحفيظ العقاري في أفق تعميمه على كافة
التراب الوطني؛ باستثمار التكنولوجيا الرقمية التي يشهدها عالم اليوم في مجال ضبط البنية
العقارية وتأمين استقرارها وتداولها؛ والرفع من مستوى التكوين الأساس ي والمستمر للموارد
البشرية المشرفة على تدبير العقار، ولا سميا بدعم التخصص في هذا المجال، والانفتاح
على المستجدات التي يعرفها على المستويين الوطني والدولي.
كما
أن إصلاح نظام الأراضي الجماعية، مع تسريع وتيرة تصفية الوضعية القانونية للأراضي واستثمار
وترشيد نتائج الحوار الوطني بشأنها ومخرجاته الأساسية يظل مدخلا مهما لتأهيل عقارات
الجماعات السلالية لتساهم بنصيبها في النهوض بالتنمية وجعلها آلية لإدماج ذوي الحقوق
في هذه الدينامية الوطنية، وذلك في إطار مبادئ الحق والإنصاف والعدالة الاجتماعية؛
وتضل التهيئة الجيدة للفضاء العمراني والحد من التفاوتات المجالية، وتكريس العدالة
الاجتماعية من خلال وثائق التعمير أساس الأمن العقاري لما تلعبه من دور هام في إرساء
العدالة العقارية و توزيع الأعباء و الارتفاقات المقررة للمصلحة العامة بين ملاك الأراضي
وضمان توزيع عادل لفائض القيمة الناجم عن وثائق التعمير.
إن
تسريع إقرار مدونة جديدة للتعمير بهدف خلق المرونة اللازمة لإعداد وتنفيذ وثائق التعمير
مع العمل على جعلها أداة ناجعة لتعبئة العقارات ومحاربة المضاربة العقارية ؛أصبح ضرورة
لتسهيل ولوج المواطنين للسكن الكريم عن طريق إرساء آليات عملية وإجرائية لضبط السوق
العقارية قصد تفادي انعكاساتها على الأثمان.
لذلك
فمراجعة وتحديث الترسانة القانونية المنظمة للعقار، بشقيه العمومي والخاص، استدعته
الضرورة الملحة من أجل ملائمة التشريعات العقارية مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية
التي عرفها المغرب، وضمان إدماج فاعل للعقار في دينامية التنمية، ولا سيما من خلال
إعداد مدونة للملك الخاص للدولة وتحديث الترسانة القانونية للملك العام للدولة )ظهير
فاتح يوليوز1914المتعلق بالملك العام، وظهير 1918 المتعلق بالاحتلال المؤقت ( بالإضافة
إلى مراجعة ظهير 1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها؛ مع وضع نظام قانوني
موحد لأملاك الجماعات الترابية؛ ومراجعة القانون المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة
العامة والاحتلال المؤقت في اتجاه تبسيط مسطرتها، بما يكفل التعويض العادل داخل آجال
معقولة؛ و تعديل القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية
وتقسيم العقارات.
إن
تعزيز الأمن العقاري من أجل تحصين الملكية العقارية والرفع من قيمتها الاقتصادية والائتمانية،
لن يتأتى إلا من خلال العمل على إحداث أقسام عقارية متخصصة داخل محاكم المملكة، من
أجل تسريع البت في القضايا العقارية؛ و حث القطاعات المتدخلة في العقار على إرساء وتطوير
نظام معلوماتي جغرافي؛ كفيل بضمان إجراء التحديد الإداري للعقارات الجماعية و ضبط مساحتها
بشكل سليم.
وعلى
مستوى تحسين دور العقار في مجال دعم الاستثمار فيجب تيسير تعبئة العقار العمومي لإنجاز
المشاريع الاستثمارية بشتى أصنافها الصناعية والسياحية مع تسهيل إمكانية ولوج المستثمرين
إلى العقار وتبسيط مساطر انتقاله وتداوله، و العمل على تثمين العقار العمومي وضمان
الولوج إليه وفق قواعد الشفافية وتكافؤ الفرص؛ و المواكبة على تطوير آليات عملية لضمان
تكوين احتياطي عقاري مخصص للمشاريع الاستثمارية عن طريق شراكات فعالة مع الفاعلين العموميين
أو الملاك الخواص.
أما
فيما يخص محاربة ظاهرة تجميد العقارات فيجب تضريب العقارات المجمدة قصد إدماجها في
الدورة الاقتصادية. و تعميم مرجعية أثمان المعاملات العقارية
.
تلكم
كانت أهم متطلبات الإصلاح المرجوة .و التي نراها كفيلة بان تخلق نوعا من الارتياح منعا
لكل تطاول على ما يوجبه القانون من حماية لقطاع العقار و ما توجبه السياسة العمومية
من العناية الشاملة لمنظومة العقار بشتى أنواعها.
المبحث
الثاني: إشكالية الاستيلاء على عقارات الغير وأفاق الأمن العقاري
الاستيلاء
على عقارات الغير ممارسة متكررة يدل عليها عدد القضايا المعروضة على المحاكم، وتعدد
الشكاوى المقدمة حولها، و وصفت الرسالة الملكية لهذه الظاهرة بـ”الخطيرة”، وتفشيها بشكل
كبير، لخير دليل على استفحال الظاهرة وتهديدها للأمن العقاري ببلادنا. الأمر الذي يستدعي
التصدي الفوري والحازم لها، تفادياً لما قد ينعكس عنها من سلبيات على مكانة وفعالية
القانون في صيانة الحقوق، وزعزعة ثقة الفاعلين الاقتصاديين، التي تعتبر رافعة أساسية
للاستثمار.
المطلب
الأول: ظاهرة الاستيلاء و التعدي على العقارات الخاصة
لا
يمكن لاحد ان ينكر ما ألت إليه وضعية العقارات و ما تعانيه من عدم الاستقرار بسبب تضافر
مجموعة من العوامل التي كان لها وقع سلبي في توجيه و ورسم خريطة امن العقار ببلدنا
. فالمشاكل التي يعاني منها العقار بالمغرب ليست وليدة اليوم .بقدر ما هي لصيقة به
مند أمد بعيد . بل إن وضعية عدم الاستقرار التي أنهكت حرمة و جسد العقارات في وقتنا
الحالي ما هي إلا احد مخلفات تدبير السياسات العمومية في قطاغ العقار . فمند المرحلة
الاستعمارية و ما شهدنه من ظاهرة التهافت والسطو والاستيلاء على عقارات بما فيها
تلك التابعة لأملاك الدولة العامة و الخاصة منها مرورا بمرحلة ما بعد الاستقلال فيما
يخص العقارات الغير المعمرة و التي تركها المحتل أنداك . ومن المعلوم آن تلك العقارات
وبعد خروج الاحتلال استرجعتها الدولة و ضمنها أملاكها الخاصة و ذلك بموجب أحكام
و مقتضيات المادة 04 من الظهير الشريف رقم 289/63/1 الصادر بتاريخ 26 شتنبر 1936 المتعلق
بتحديد الشروط التي تسترجع الدولة بموجبها أراضي الاستعمار و كذلك المادة 02 من الظهير
الشريف بمثابة قانون الصادر بتاريخ 02 مارس 1973 المنقولة بموجبه إلى الدولة ملكية
العقارات الفلاحية او القابلة للفلاحة التي يتملكها أشخاص ذاتيون وأشخاص معنوية . إلا
انه و بالرغم من صدور الظهيرين الشريفين السالفين الذكر المؤسسين للحماية العقارية
وحصانة أملاك الدولة الخاصة . فان تلك العقارات تم الاستيلاء عليها من طرف الاغيار
بدون أي سند قانوني نجم عنه فقدان العديد من الهكتارات العقارية التابعة للملك الخاص
للدولة . مما اضطرت معه مديرية أملاك الدولة الدخول في مواجهة مع المحتلين لعقاراتها
أمام القضاء . إلا انه ولما أصبح الوضع شبه مستحيل للصفر بحماية القضاء بسبب الأمر
الواقع التي فرصته الوضعية و نظرا لكثرة المحتلين بدون موجب قانوني ونظرا لمتطلبات
السلم الاجتماعي اضطرت الدولة الى التفاوض مع المحتلين لتلك العقارات قصد تسوية وضعية
عقاراتها تجاه محتليها . و ذلك عبر ربط علاقات تعاقدية بشأنها ، حيث منحت للأطراف المتعاقدة
معها امتيازات الاستغلال بل و أحيانا عملت على تفويتها لمستغليها . إلا آن ذلك لا يعني
أنها أحكمت فبضتها على عقاراتها بل ان العديد منها تم الاستيلاء عليها غصبا و بطرق
ملتوية في غياب تام لآليات الجزر و العقاب
.
إن ظاهرة الاستيلاء و غصب العقارات لم تشمل فقط عقارات الملك الخاص للدولة بل طالت حتى
العقارات التابعة لأملاك الجماعات الترابية . ذلك أن هذه الأخيرة هي الأخرى تتوفر على
رصيد عقاري لا يستهان به . إلا إن غياب حكامة التدبير لعقاراتها جعل هده الأخيرة عرضة
للاستيلاء عليها من طرف لوبي العقارات . في غياب تام لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية
تلك العقارات . ذلك آن العديد من العقارات التابعة للأملاك الجماعات الترابية غير محفظة
.بل إن حتى عمليات التحديد الإداري لعقاراتها لا تطبق على ارض الواقع بسبب ارتفاع كلفة
عملية التحديد و التحفيظ . وعدم توفر الجماعات الترابية على الاعتمادات المالية المرصودة
لهذا الغرض. فرغم صدور دورية وزير الدولة في الداخلية رقم 57 م م ج م بتاريخ 21 ابريل
1998 و التي تم توجيهها إلى كافة السادة الولاة وعمال العمالات و الاقاليم ورؤساء الجماعات
الترابية والتي تحث المعنيين بالأمر على ضرورة تخصيص اعتمادات مالية لأجل تحفيظ الممتلكات
العقارية التابعة لهم .إلا أن شيء من هذا القبيل لم يتم انجازه بذريعة قلة و ندرة الموارد
المالية لتغطية مصاريف عمليات التحديد الإداري لأملاكها العقارية وتحفيظها،
ومزيدا
من الضمانات التي عملت عليها وزارة الداخلية من اجل تأ؟مين الوعاء العقاري للجماعات
الترابية بتعميم المذكرة الصادرة عن وزير الداخلية تحت عدد 14بتاريخ 7فبراير 2013،
لفائدة كافة السادة الولاة وعمال العمالات و الأقاليم ورؤساء الجماعات الترابية و نظارات
الأوقاف و مديري أملاك الدولة الخاصة و التي تحثهم بتفعيل الدورية الوزارية المشتركة
عدد 50/س2 الصادرة بتاريخ 1912/20/12 والمتعلقة بتسليم الشهادة الإدارية الخاصة بالعقار
غير المحفظ.
إلا
انه ومع رغم كل المجهودات المنصبة في هذا الإطار فان ظاهرة الاستيلاء و غصب عقارات
الدولة مازالت تنخر الوعاء العقاري ببلادنا باستعمال كل الوسائل التحايلية و التدليسية
.و أحيانا بتواطؤ الإدارة مع لوبي الفساد. فلا حرمة الأملاك الخاصة في مأمن من تلاعب
مافيا العقار و لا تلك العامة منها في استقرار.
فالدولة
و من ﺧﻼﻝ ﻇﻬﻴﺮﻱ ﻓﺎﺗﺢ ﻳﻮﻟﻴﻮﺯ 1914 . ﻭ ﻇﻬﻴﺮ 4 أكتوبر 1930 ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺺ ﻋﻠﻰ ﻋﺪﻡ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗفويتها
ﺍﻭ ﺗﻤﻠﻜها ﺑﺎﻟﺘﻘﺎﺩﻡ و الفصل الثاني من ظهير 17 صفر 1340 موافق 19 أكتوبر 1921 المتعلق
بالأملاك المختصة بالبلديات والفصلان 2 و 3 من ظهير 28 شوال 1373 موافق 28 يونيه
1954 المتعلق بأملاك الجماعات القروية، كان هدفها عقلنه و ترشيد المعاملات بخصوص أملاكها
العقارية بعيدا عن كل ما يمكن ان يشوبها من ظواهر السطو و الاعتداء على أملاكها العامة
، ولا يمكن للغير إدعاء أي حق عليه، إذ لا يجوز امتلاكه بالتقادم أو نزع ملكيته أو
الحجز عليه. وتكون هذه العقارات موضوع رخصة احتلال مؤقت نظر لأن هذه الرخص غير دائمة
و يمكن سحبها وفق الشكليات والشروط المنصوص عليها في الظهير الشريف الصادر في 30 نوفمبر
1918 المتعلق باحتلال الأملاك العمومية مؤقتا كما تم تغييره وتتميمه وظهير 1 نوفمبر
1949 المتعلق بمنح بعض الرخص في احتلال الملك العمومي الجماعي .ويخضع هذا الأخير لقواعد
القانون العام.
إلا
انه يبدو أن الملك الجماعي العام هو الأخير لم يسلم من تبعات ظاهرة الاستيلاء و الغصب
، التي طالت العديد من العقارات الجماعية أصبحت محتلة و من دون أي سند قانوني في غياب
تام لأي مراقبة بشأنها ، فالكثير من الأسواق الجماعية و بالرغم من كونها تعد من الأملاك
الجماعية العامة تم التعاقد في شأنها بموجب عقود استغلال في حين أن الأملاك العامة
لا يمكن إلا أن تكون موضوع رخصة احتلال مؤقت . و الغريب في الأمر أن العديد من الجماعات
الترابية تعمل على قبول الطلبات المتعلقة بالتنازل عنها لفائدة الاغيار ، في حين أن
الأملاك الجماعية العامة لا يكمن لا تفويتها و لا قبول التنازل عنها . كما لا يمكن
إنشاء أي حق عيني عليها .
ان
ظاهرة الاستيلاء على العقارات لا تفسر فقط بوضع اليد على العقارات فقط بل يعتبر استيلاء
كل احتلال لعقار دونما سند قانوني .بما فيها حالات الترامي على ملك الغير او حيازته
من دون موجب او سند مقبول بحكم القانون ، فالعديد من العقارات التابعة لملك الدولة
او تلك التابعة للجماعات الترابية لا يؤدي مستغليها الوجبات الكرائية مما استفحلت معه
ظاهرة الباقي استخلاصه حيث يقدر بملايين الدرهم و التي كان من المنتظر دخولها إلى خزينة
الدولة حتى يتم استثمارها لفائدة التنمية الوطنية و المحلية. وللمزيد من التعرف على
وضعية تلك العقارات فان العديد منها لا تستغل من طرف الخواص رغم العلاقة التعاقدية
التي تربطهم بالجهات الإدارية المتعاقدة معهم مما يجعل من تلك العقارات جامدة لا هي
مستغلة في الدورة الاقتصادية و لا هي مؤدى عنها .مما يعيق عملية إدماج العقارات في
تنشيط الدورة الاقتصادية و بالتالي شل حركية الاستثمار و التنمية الشاملة.
أما
فيما يخص العقارات الحضرية غير المبنية فهي الأخرى تشهد مجموعة من التجاوزات الغير
القانونية و ذلك بلجوء المستغلين لها إلى جميع الطرق و الحيل التدليسية . من اجل الاستفادة
من الإعفاء المؤقت من الرسم المفروض على الأراضي العارية .مشتغلين بذلك غياب المرسوم
م التطبيقي لقانون 06/47 المتعلق بالرسوم المستحقة لفائدة الجماعات الترابية . فالماد
39 منه نصت على أن الأراضي التي لها صبغة فلاحيه او مهنية تستفيد من الإعفاء المؤقت
من الرسم المفروض على الأراضي العارية . هده المادة أسالت لعاب العديد من مافيا العقار
التي تتواطأ و جهات إدارية من اجل الحصول على الشواهد الإدارية التي تطفي الصبغة الفلاحية
و المهنية على العقار. لأجل التهرب من أداء الرسم المذكور. مما تدهي معه الكثير من
الأموال في مهب الريح .
اما
بخصوص أملاك الدولة الخاصة وبحسب التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات ، سنة
2011 فقد بلغت مساحة أملاك الدولة الخاصة بالمغرب، 15.666.816 هكتار بقيمة مالية تقدر
ب 500 مليار درهم، حيث إن 68% من هذه الممتلكات، توجد بالوسط القروي، و 25% بالوسط
شبه الحضري ، و7% بالوسط الحضري. هذه الأخيرة تم الاستيلاء على العديد من الهكتارات
التابعة لها خصوص تلك العقارات المسترجعة التي هجرها الأجانب و التي من المفروض أن
تؤول للدولة .
إن
ظاهرة الاستيلاء على العقارات لا يمكن فقط تصورها و حصرها في مجال ضيق يخص الاعتداء
الاغيار على عقارات الدولة و الجماعات الترابية بل فالظاهرة تشمل كذلك عمليات النزع
الغير المباشر التي تقوم به بعض الإدارات بعلة إعمال المنفعة العامة فاستيلاء الإدارة
على عقار مملوك للغير سواء بصفة مؤقتة أو دائمة خارج مقتضيات قانون نزع الملكية وخارج
أي اتفاق رضائي بينها وبين المالك يعتبر من قبيل الغصب والاعتداء الموصوف بعدم الشرعية
لخرقه حق حرمة الملكية الخاصة، ويتحقق هذا الغصب سواء لم تسلك الإدارة الإجراءات الواجبة
بمقتضى قانون نزع الملكية نهائيا أو سلكتها بطريقة غير سليمة، كما يتحقق سواء كان الاعتداء
نهائيا أو بصفة مؤقتة فقط، كما يتحقق سواء كان كليا شاملا لسائر العقار أو جزئيا فقط.
والأساس
القانوني للغصب والاعتداء ليس العمل المادي التنفيذي الذي تقوم به الإدارة على العقار
المستولى عليه لأن ذلك، إنما هو مظهر واقعي خارجي له فقط، وإنما أساسه اعتماد الإدارة
في القيام به على قرار إداري معدوم ما دامت مرجعية هذا القرار لا يمكن أن تسند إلى
أي مقتضى قانوني.
ولما
كانت الملكية عموما والملكية العقارية خصوصا من أهم المسائل التي اهتمت بها التشريعات
قديما وحديثا، وخاصة بعد أن أصبح للملكية وظيفة اجتماعية، وركيزة أساسيـــــة تعتمد
عليها الدول في اقتصادياتها وتوجهاتها السياسية لما لها من اثر بالغ في صناعة القرار
وخلق الثورة.
فقد
حدا المشرع المغربي حذو بقية التشريعات فنظم الملكية ونــص علــى حمايتـــها دستوريا
وافرد لها نصوصا خاصة لمعاقبة المعتدين، سواء في قـــانون الجنائي أو فـــي القوانين
الخاصة الأخرى، وهذا حماية للنظام العام الدولة، ومنعا للأفراد مـــن اخذ حقوقــهم
بأنفسهم، وبسطا لنظام الدولة وقوانينها على إقليميها.....
وأمام
الكم الهائل من النصوص المتعلقة بالعقار، والذي يعكس انــعدام بـروز سياســة عقارية
واضحة لدى المشرع ، ونظرا لأهمية الموضوع الذي يبحث في إشكاليــــة حمايــــة الملكية
العقارية ، وحصر الاعتداءات الواقعة على العقار والتي تشكل جريمة يعاقب عليـــها القانون.
. خصوصا وان التشريع المغربي لم يخصص لمجال حماية الملكية العقارية الخاصة إلا فصلا
يتيما في الفرع الخامس من الباب التاسع من القانون الجنائي بمناسبة جديته عن الجرائم
التي تستهدف الأملاك العقارية، من فصله 570 الذي ينص على أنه :" يعاقب بالحبس
من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، من انتزع عقارا من حيازة
غيره خلسة أو باستعمال التدليس، فإذا وقع انتزاع الحيازة ليلا، أو باستعمال العنف أو
التهديد أو التسلق أو الكسر أو بواسطة أشخاص متعددين، أو كان الجاني أو أحد الجناة
يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ، فإن الحبس يكون من ثلاث أشهر إلى سنتين، و الغرامة من مائتين
إلى خمسين و سبعمائة درهم . و الذي نراه غير كافيا لوضع حد لطاهرة الاستيلاء.
وأمام
تذبذب رأي القضاء ، وعدم استقراره حول تفسير نـص التجريم لاسيــما تلك المفاهيم التي
تعد جوهرية في فهم الجريمة وفي قيامها كلها أسباب تزيـــد مــن صعوبــة ضبط منظومة
العقار ببلادنا ومن تم نتساءل عن وضعية و أفاق الأمن العقاري ، ذلك الغائب المنتظر
. فعن أي امن عقاري نتحدث’.؟
المطلب
الثاني: أفاق الأمن العقاري
لا
يمكن أن نتحدث عن امن عقاري ببلادنا و أفاق وضعية العقار بالمغرب إلا إذا انسجمت الضوابط
العملية و القانونية والرقابية وكذلك السياسية، مع متطلبات الخطة الوطنية للإصلاح في
مجال العقار و لا شك أن المناظرة الوطنية حول إصلاح السياسة العقارية و جعلها مدخلا
لتنشيط وثيرة الدورة الاقتصادية ببلادنا شكلت القاعدة في ورش الإصلاح ذلك أنها سطرت
أهم نقاط الإصلاح المرتقب و التي ضمنتها في مجموع التوصيات التي خرجت بها . وان كل
تبخيس لأهدافها المسطرة سيجعل من الأمن العقاري شعارا رنانا لا جدوى منه .
فالأمن
العقاري يتطلب مراجعة جميع الترسانات القانونية و التنظيمية المنظمة لقطاع العقار ببلادنا
، و العمل عل تحيينها وفق متطلبات الظرفية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية التي
أصبحت تفرض ذاتها يوما بعد يوم و خصوصا أن المعاملات العقارية لم تعد حبيسة نطاقها
بالداخل بقدر ما أصبحت الأسواق العالمية شريكا في تدبير العقارات على نطاق تجاوز حدود
الدول بل أصبح عابرا للقارات . كما أن خصوصية طابع المنازعات المتعلقة بالعقار تفرض
مراجعة الإطار المنظم لهيكلة التنظيم القضائي وذالك بإحداث محاكم ابتدائية و استئنافية
مختصة بالبث في قضايا و منازعات العقار على شاكلة القضاء المتخصص في المنازعات التجارية
و الإدارية . مع العمل على تكوين القضاة في المجال العقاري حتى يتأتى لهم فك و حل جميع
إشكاليات المنظومة العقارية .ذلك أن مناط ضعف الرقابة القضائية يرجع بالأساس إلى صعوبة
البث في المنازعات العقارية نظرا لطابعها المتنوع و تنوع الأنظمة القانونية المنظمة
لها . الشيء الذي يستدعي قضاء متخصص للبث في ذلك .و إلى جانب ذلك فبالإضافة إلى خصوصية
المساطر المتبعة في رفع الدعاوي المتعلقة بها فانه يتعين على المشرع مراجعة الآجال
المتعلقة بالبث بخصوصها عن طريق تقصير أمدها بما يضمن حماية المتقاضين أمام القضاء.
كما
ان متطلبات الأمن العقاري تفرض علينا الارتقاء بالحماية الدستورية للأملاك العقارية
العامة على شاكلة الحماية الخاصة التي أولاها المشرع للملكية الفردية . فالدستور ألمغربي
لم يتطرق لمسالة حصانة الملك العام للدولة .وإنما اقتصر على التنصيص عليها في فصول
و جيزة من مقتضيات القانون الجنائي فقط .
كما
إن تفعيل البند المنصوص غليه في الدستور و المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة لنعتبره
الأساس في كل تجليات الحكامة في شتى الميادين و المجالات . ذلك أن أي سياسة عمومية
يجب تمارس وفق القانون و بالمساواة أمامه . فحكامة العقار و و ضمان أمنه لا يمكن أن
نتصورهما خارج المبدأ الدستوري القاضي بوجوب المحاسبة عن أي تفريط في المسؤولية او
تواطؤ بشأنها. كما لا تكفي لحماية حق الملكية الخاصة أن تقرر هذه الحماية بنصوص دستورية،
وإنما يجب إحاطتها بحماية جزائية أكثر من تلك المخصصة في الفصل 570 من القانون الجنائي
تمنع انتهاكها. وتعاقب الاعتداء عليها شأنها شأن سائر الحقوق، بعد أن أصبحت وسائل هذا
الاعتداء متعددة ومتنوعة نتيجة تطور سلطة الدولة في العصر الحديث، و تعدد صور الاستيلاء
و تطور صبغ و البات التزوير فطاهرة تهديد الأمن العقاري اتخذت صورا عديدة منها: استئجاره
والامتناع عن دفع أجرته أو الخروج منه، الاستيلاء المباشر على أملاك الآخرين، استغلال
المنافع العامة للمصالح الشخصية، و غيرها. و سواء كان المغتصب فردا أو جماعة فكل هذا
يوجب المساءلة المدنية والجنائية
أما
اغتصاب الأراضي الحكومية فهي جريمة أشد، كما يلزم أن تكون عقوبتها رادعة، ولا بد من
حلول وقائية من ''الاغتصاب النظامي'' إن صح هذا التعبير، والذي يقوم به البعض عن طريق
الحيل أو استغلال بعض الثغرات النظامية للوصول لما يريده. و نظرا لدور التوثيق في الحياة
الاقتصادية والاجتماعية لمختلف الشعوب باعتباره وسيلة أساسية لإثبات المعاملات العقارية
بإشكال مختلفة أصبح لازما توثيق المعاملات العقارية فالقاعدة العامة لتوثيق العقود
المنصبة على الحقوق العينية تضمنتها المادة الرابعة من ذات القانون التي نصت على
".. إن تحرر تحت طائلة البطلان جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية وإنشاء الحقوق
العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أو بمحرر ثابت التاريخ
يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض مالم ينص قانون خاص على خلاف
ذلك . هذا و يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته
من الأطراف ومن الجهة التي حررته . مع تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية
المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة
الابتدائية التي يمارس بدائرتها "
ولا
شك أن وجود تداخلات متعددة لمجموعة من القوانين في الموضوع وهي قانون المحاماة والتوثيق
والتحفيظ العقاري وخطة العدالة وإدارة التسجيل وقانون الالتزامات والعقود والقوانين
الفقهية وغيرها يزيد الأمر صعوبة على مستوى ضمان استقرار المعاملات الجارية على العقارات
نتيجة التشتت و الند احل التي بلم بها.
بل
إن أهمية الأمن العقاري تتجلى في خضوع العقارات لنظام التحفيظ العقاري لما يضمن لها
من تطهير من كل الشوائب التي تحيط بها ودرء المنازعات التي تتار في شانها. الا انه
مع ذالك ينبغي أن يتجه إلى المنبع أي تفكيك منظومة المحافظات العقارية وإعادة النظر
جذريا في عدد من المعاملات والمساطر في إطار رؤية متبصرة للحكمة تستحضر محورية الأمن
العقاري وخطورة التلاعب به وتتجه إلى وضع آليات رقمية ومعلوماتية صارمة للحفاظ على
"السر العقاري" الذي يشكل عادة القاعدة التي تتأسس عليها جميع التلاعبات
وممارسات النصب والاحتيال اللاحقة.
ويبقى
الأخير نتساءل عن مصير الأمن العقاري في ظل ما جاءت به المادة 2 منها .ذلك انه إذا
كانت المادة 14 من قانون 39.08 الصادر بتنفيذه الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم
1.11.178 الموافق ل 25 من ذي الحجة 1432 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الملكية العقارية
تقضي بحرمة الملكية العقارية الخاصة حيث نصت في شانها بكونها . حق يخول لمالك العقار
دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق”
تؤازرها في ذلك
المادة
23 من مدونة الحقوق العينية و التي تنص على أنه: ”لا تنزع ملكية أحد إلا لأجل المنفعة
العامة ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون ومقابل تعويض مناسب. فماذا يعني الإصلاح
التي أتت به في شان إلزامية أصحاب العقارات بضرورة مراجعة أملاكهم العقارية لدى المحافظة
العقارية على مدى كل 4 سنوات .علما أن الهدف من عمليات التحفيظ العقاري هي تطهير و
إضفاء السمة التطهيرية على العقار موضوع التحفيظ. ؟
الخاتمة :
وليس
فقط عقارات الأجانب وعقارات المغاربة المقيمين بالخارج التي ينبغي الحرص على ضمان أمنها
العقاري .فدلالة الرسالة المولية الشريفة ابلع و اشمل من ذلك فمفهوم الغير في الرسالة
أوسع نطاقا مما قيدنه وزارة العدل وحصرته فقط بالمنازعات المنغلقة بعقارات الأجانب
وعقارات المغاربة المقيمين بالخارج. فاختصار ظاهرة الاستيلاء و المنازعات المتعلقة
بغصب العقارات في عدد 37 قضية رائجة بالمحاكم لا يعكس العدد الحقيقي لنلك المنازعات
.ذلك ان المنازعات شاملة كذلك منازعات المغارب قاطبة بما فيها منازعات الاستيلاء على
العقارات من طرف الإدارات العمومية .
ان
الهدف من هذا المقال هو إحاطة البرلمانين والحزبيين و المهتمين بالجوانب العملية والقانونية
التي تؤثر سلبًا في تفشي الطاهرة – الاستيلاء – وتهديدها للأمن الغفاري . بقصد التعاون
المشترك و الالتزام على القضاء عليها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق