مظاهر حماية حقوق الزبناء في حالة تعرض البنك لصعوبات في ظل القانون البنكي المغربي
الباحث عمـر بحبـو
( كلية الحقوق الدار البيضاء )
لقد ازداد وعي المشرع في جل القوانين المقارنة على مختلف مشاربها لما أخضع
الحقل التجاري لأحكام خاصة به، لاسيما فيما يخص الوقاية من الصعوبات التي تعترض الافراد والمقاولات خلال
مزاولتهم لنشاطهم ومعالجتها بهدف الحد وتقزيم آثارها السلبية التي قد تنجر الى
الدائنين وذوي الشأن، بحيث يتم تطبيقا لذلك حماية حقوق هؤلاء عن طريق وضع المقاولة
التي تعرضت لخسارة مالية دفعتها الى التوقف عن الدفع في حالة الافلاس او تقويم
قضائي او تسوية او تصفية قضائية وذلك وفق الاجراءات المعمول بها في تشريع كل بلد.
ولما كانت المؤسسات البنكية تزاول الانشطة التجارية الخاصة بتجارة النقود،
ولما ازداد تعامل شرائح كبرى من المجتمع مع البنوك رغبة في الاستفادة من خدماتها
المصرفية تقوت حينها المكانة البنكية فأضحت تشكل عصب الاقتصاد داخل النظم المالية
الوطنية والدولية، ومن شان هذا التطور الذي عرفه الحقل البنكي في القرون الأخيرة
ان يجعل البنوك محفوفة بالمخاطر التي تفوق وبكثير تلك التي تحف الانشطة التجارية الأخرى
مما يقتضي أن يتم الاحتياط اكثر لتفادي تعرض البنوك لصعوبات قد تحول دون الاستمرار
في مزاولة نشاطه في ظروف تحقق حماية مصالح الزبناء وتحفظ سمعه المهنة البنكية.
ونحن نتساءل دائما عن مصير الأموال المودعة من لدن العملاء في حالة تعرض
البنك لصعوبات وأزمات مالية اصبحت معها مصالح الزبناء في خطر ضياع اموالهم التي
تقدر بملايير الدراهم وهل تمت نظام يضمن للمتضرر من هذه الصعوبات في الاستفادة من
تعويضات تتساوى وقيمة الاموال المودعة؟ وهل ترك القانون البنكي المغربي للبنك
المتخبط في صعوبات التصدي لهذه الازمات لحاله؟ هذه كلها تساؤلات تطرح في ذهن الباحث في المادة البنكية
على الخصوص لما في الأمر من خطورة تقتضي تدخلا من السلطات الحكومية والاستعجال قبل
فوات الاوان.
ولو ترك الامر للمؤسسات البنكية في مواجهة ازماتها المالية لاستحال عليها
الامر، الشيء الذي تصبح معه حقوق عملائها معرضة للضياع والتلف، علما وان التسهيلات التي يقدمها البنك المركزي المغربي للبنوك لا يكمن ان تساهم في معالجة الصعوبات، لان هذه التسهيلات تمنح لمدة قصيرة مع
فائدة مرتفعة السعر.
ولقد كان حريا بالمشرع المغربي لتخطي هذه الصعوبات ومواجهتها ان يعمل على
احداث صندوق خاص سماه بـ (الصندوق الجماعي لضمان الودائع) يمنح مساعدات مالية لكل مؤسسة بنكية تعترضها صعوبات من ذلك النوع الذي
يستدعي وضع هذه المؤسسة تحت الادارة المؤقتة.
وقد وضع الصندوق الجماعي لضمان الودائع لتقديم المساعدات المالية للمؤسسة
البنكية المعنية بالامر، ولتعويض اصحاب الودائع الموضوعة بالبنوك التي تقع تصفيتها(المبحث الاول).
وقد يفاجئ اصحاب هذه الودائع عند اعلان التصفية بضآلة التعويض الذي يمكنهم
الحصول عليه مقابل امولهم المودعة، وهذا يشكل بالنسبة ليهم خيبة أمل في القواعد
التشريعية الموضوعة لحمايتهم في مثل هذه الحالة ( المبحث
الثاني).
المبحث
الاول: الصندوق الجماعي لضمان الودائع كجهاز لتعويض المودعين
اهتمت مختلف التشريعات المقارنة في المادة التجارية بتوفير حماية للمودعين
في الحالة التي يتعرض فيها البنك لصعوبات وتخبطات على المستوى المالي، فأحدثت
صناديق وأجهزة تختص من جهة بتقديم المساعدات المالية للمؤسسة البنكية التي تعترضها
صعوبات لتمكينها من تقويم وضعيتها لوقاية زبنائها من الاضرار التي يمكن ان تنجر
اليهم عند تصفيتها، ومن جهة اخرى في منح عملاء البنوك التعويضات المستحقة لهم في
حالة ما اذا تمت تصفية احد البنوك لأي سبب من الاسباب.
وقد ساير المشرع البنكي المغربي منهج القانون المصري، حينما احدث صندوق
يمول بكيفية منتظمة ودورية من قبل جميع البنوك المنخرطة في المجموعة المهنية لبنوك
المغرب.
ولكي نحدد دور الصندوق الجماعي لضمان الودائع البنكية، نطرح في مطلب
اول تنظيم هذا الصندوق وفي مطلب ثان اوجه تدخله في اطار ادائه لوظيفته.
المطلب الاول
: تنظيم الصندوق الجماعي لضمان الودائع:
تنص المادة 105 من ظهير 2006 على انه( دون
الاخلال بالأنظمة التي يكون لها نفس الغرض ويمكن ان توجد على صعيد بعض مؤسسات
الائتمان، يحدث صندوق جماعي لضمان الودائع يعد بناءا على مقرر يصدره والي بنك
المغرب بعد استطلاع راي لجنة مؤسسات الائتمان للقيام بالمهام التالية:
§
تعويض مودعي
مؤسسات الائتمان في حالة عدم توفر ودائعهم او جميع الاموال الاخرى القابلة للإرجاع؛
§
تقديم
مساعدات قابلة للإرجاع على وجه الاحتياط والاستثناء لفائدة عضو من اعضائها يخشى ان
تؤدي وضعيته آجلا الى عدم توفر الودائع او جميع الاموال الاخرى القابلة للارجاع،
شريطة ان يقدم تدابير تقويم يقبلها بنك المغرب).
والذي نلاحظه من خلال المادة 105 المذكورة اعلاه أن تسمية ((الصندوق
الجماعي لضمان الودائع)) قد يفهم منها القارئ ان هذا الجهاز قد تم احداثه لضمان
الودائع البنكية المتلقاة من الجمهور، وانه لا علاقة له بتقديم الدعم المالي
للمؤسسات البنكية التي تواجه صعوبات اصبحت معها غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها
تجاه الزبناء.
والحال ان الأمر ليس كذلك فهذا الصندوق وفق المادة 105 الذكورة اعلاه
يتميز بوظيفتين، فهو يمنح المساعدات المالية للبنوك حتى شركات التمويل التي تعرف
صعوبات، ويقدم تعويضات لأصحاب الودائع الموضوعة بالبنوك التي تقع تصفيتها.
ومن هنا يظهر تميز الصندوق الجماعي لضمان الودائع عن غير من الصناديق
المحدثة بمقتضى قوانين خاصة، كما هو الشأن بالنسبة لقطاع التامين وقطاع البورصة،
لكن الذي يلاحظ من خلال القواعد التشريعية المطبقة على شركات التامين وشركات
البورصة بالمغرب لا تجمع بين وظيفة المساعدة المالية لشركات التامين او شركات
البورصة التي تعترضها صعوبات، وبين وظيفة منح تعويضات لعملاء احدى هاتين الشركتين
التي قد تتم تصفيتها، ذلك أن القانون المتعلق بقطاع التامين قد حصر دور صندوق تضامن مؤسسات التامين على منح معونات مالية لشركات التامين التي تواجه ازمات مالية دون ان يلتفت
الى الزبناء.
وتكملة للطرح السابق فان القانون المنظم لشركات البورصة قد حصر دور صندوق الضمان في منح تعويضات لعملاء شركات البورصة التي تعلن افلاسها غير مبال لأمر
تقديم مساعدات مالية للنهوض بشركة البورصة التي تعترضها صعوبات.
وبناءا على ما سبق يبدو ان الصندوق الجماعي لضمان الودائع بالمقارنة مع
الصندوقين المذكورين يجمع بين وظيفتين
وهي:
1.
وظيفة
وقائية : تقديم مساعدات مالية
لكل مؤسسة ائتمان تواجه صعوبات.
2.
وظيفة
علاجية: منح تعويضات لأصحاب
الودائع الموضوعة بالبنك الذي تقع تصفيته.
و تكملة لأحكام القانون البنكي الحالي ظهير 2006 صدر عن الوزير المكلف
بالمالية فيما يتعلق بتنظيم الصندوق الجماعي لضمان الودائع قرار تحت رقم 95-2445 بتاريخ 29 فبراير 1996 يقضي ( بتحديد الاسس التي يتم على ضوئها دفع البنوك
مساهماتها في تمويل الصندوق الجماعي لضمان الودائع مع تعييىن الذي تدفع اليه هذه
المساهمات)،وكذا كيفيات حصول
المؤسسات البنكية التي تعترضها صعوبات على مساعدات مالية من هذا الصندوق، وكيفيات
تعويض اصحاب الودائع الموضوعة بالبنوك التي تقع تصفيتها.
وقد اوكل قرار وزير المالية امر السهر على تطبيق المقتضيات الواردة فيه لوالي
بنك المغرب باعتباره السلطة المكلفة بإدارة وتسيير الصندوق.
وإذا رجعنا الى المادة الاولى من قرار الوزير المكلف بالمالية المتعلق
بالصندوق الجماعي لضمان الودائع نجد انها اعتمدت الودائع النقدية فحسب فيما يتعلق بأساس
احتساب الاشتراكات السنوية الواجب على المؤسسات البنكية دفعها لتمويل هذا الصندوق،
وقد جعلت هذه المادة الامر يقتصر على الودائع للاطلاع او لأجل المحررة او الموضوعة بالدرهم او الدرهم القابل للتحويل او بالعملات الاجنبية والمودعة
لدى البنك المعني بالأمر من قبل الزبناء المقيمين بالمغرب وغير المقيمين به، فنسبة
الاشتراكات المذكورة تطبق على المعدل الشهري للودائع النقدية التي تتلقاها كل
مؤسسة بنكية خلال السنة المالية السابقة للسنة التي برسمها يتم دفع هذه
الاشتراكات.
وأخذا بالمادة 106 من القانون البنكي المغربي التي تنص على عدم جواز زيادة
مبلغ الاشتراك السنوي على 0.25 %من مبلغ الودائع النقدية المودعة لدى البنك، حددت المدة الثانية من القرار
الوزاري المذكور سالفا نسبة الاشتراك على النحو التالي:
§
%0.10 بالنسبة الى المساهمات عن سنتي 1996 الى
1997.
§
0.15
% بالنسبة الى المساهمات عن سنتي 1998 الى 1999.
§
0.20
% بالنسبة الى المساهمات عن السنوات التالية لسنة 1999.
نلاحظ ان هذه النسب لم تبلغ الحد الاقصى المقرر في المادة 106 من القانون
البنكي لسنة 2006 هذا الحد الاقصى الذي
يعتبره البعض جد مرتفع بالمقارنة مع النسب المطبقة في بعض الدول الأجنبية، والذي
نقوله في هذا الباب ان النسبة التي حددتها المادة 106 تبقى مقبولة مع الموازاة
بالوظائف التي يقدمها هذا الصندوق فهو يقدم أولا المساعدات المالية اللازمة
لمؤسسات الائتمان التي تعاني من ازمات ويمنح ثانيا تعويضات للمودعين بكل بنك تتم
تصفيته. وهذا ما يفسر ارتفاع سعر هذه الاشتراكات حيث يظهر ان هناك حرص شديد على
تامين تغذية هذا الصندوق بالموارد المالية الكفيلة التي تمكنه من اداء وظائفه.
كما نشير في كون هذا الاشتراكات السنوية تدفع الى الجانب الدائن بالحساب
المفتوح لدى بنك المغرب في اسم الصندوق وذلك في نهابة شهر مارس على ابعد تقدير
(الماد 3 من قرار وزير المالية).
أما في حالة عدم دفع الاشتراكات السنوية الواجبة، جاز لبنك المغرب ان يوقع
على المؤسسة المعنية عقوبة مالية تساوي على الاكثر خمس 5/1 راس المال الدنى المطبق
عليها بصرف النظر عن التحذير و الانذار المنصوص عليهما في المادة 58 و51 من ظهير
2006 المتعلق بمؤسسات الائتمان الهيئات المعتبرة في حكمها، ويلاحظ على مستوى التشريع
المقارن ان القانون البنكي المصري قد فضل بدوره اللجوء الى فرض عقوبات مالية على
البنوك المخالفة لأحكام النظام الاساسي لصندوق التامين على الودائع بالبنوك
العاملة في مصر.
ومن المستجدات التي وردت في المشروع تعديل القانون البنكي الحالي قانون
رقم 103.12 انه احدث الى جانب الصندوق الجماعي لضمان الودائع صندوقاً ثانيا اطلق
عليه اسم صندوق ((ضمان ودائع البنوك التشاركية)) يسير من قبل شركة مساهمة يشار إليها بالشركة المسيرة، والجديد في هذا
المشروع ان الصندوق الجماعي لضمان الودائع سيخضع لتسيير ذا الشركة المسيرة.
بقي ان نشير ان الصندوق الجماعي لضمان الودائع احدث لأول مرة بموجب المادة
56 القانون البنكي الملغى لسنة 1993.
المطلب
الثاني : نطاق تدخل الصندوق الجماعي لضمان الودائع:
اشارت المادة 106 من القانون البنكي الى الغرض الذي من اجله تم احداث
الصندوق الجماعي لضمان الودائع, فهو يتدخل لتحقيق هدفين يوفران حماية لمصالح عملاء
مؤسسات الائتمان. ففي المرحلة الاولى يقدم مساعدات ومعونات مالية للبنوك التي
تعترضها صعوبات أولا وفي مرحلة ثانية يقدم تعويضات
لأصحاب الودائع الموضوعة بالبنك الذي يعل عن تصفيته ثانيا .
اولا: تقديم
مساعدات للبنوك التي تعترضها صعوبات:
الذي ينبغي بيانه في هذا المضمار ان القانون البنكي المغربي لم يعمل سوى
على اقرار حق المؤسسات البنكية في الحصول على مساعدات مالية من هذا الصندوق، تاركا
بذلك الامر للوزير المكلف بالمالية ليتولى فيما بعد بواسطة قرارات يصدرها لهذا
الغرض تحديد مبالغ المساعدات الممكن تقديمها لكل بنك تعترضه صعوبات وكيفيات تقديم
هذه المساعدات وشروط ذلك.
والمادة 4 من قرار الوزير المكلف بالمالية قد اكدت أن لهذا الاخير كامل
الصلاحية في تحديد مبلغ المساعدات القابلة للإرجاع التي يمكن ان يمنحها الصندوق
لمؤسسات الائتمان التي تتخبط في براثين الازمات وكذا كيفيات ارجاعها و نسبة
الفائدة المترتبة عليها، اذ يلاحظ في هذه المادة كونها تركت امر تحديد حجم
المساعدات لقرارات تصدر عن الوزير المكلف بالمالية بالنسبة لكل حالة على حدة.
وعلى ما يبدو ان ترك امر تحديد هذه المساعدات المالية لقررات فردية تصر عن
وزير المالية يعد مقبولا لان حدة الازمة التي تتعرض لها مؤسسة بنكية مثلا ليست تلك
التي تواجه مؤسسة أخرى لذا يكون المشرع قد تنبه لاختلاف الازمات المالية مع اختلاف
قيمة المساعدات التي تصلح للنهوض بها. وان التحديد المسبق لمبلغ وشروط تقديم
المساعدات المالية التي يمكن ان توحد بين جميع البنوك من شانه ان يشكل عرقلة وعائق
امام تحقيق الغاية التي وجد الصندوق من اجلها.
إضافة الى الطرح السابق اذا ما تم تحديد المبلغ وشروط تقديم المساعدات
المالية لكل بنك تعترضه صعوبات، قد تغل يد الوزير المكلف بالمالية وتجمد صلاحياته
بالرغم من كونه سلطة حكومية يعهد اليه امر تطبيق وصاية الدولة على القطاع البنكي واتخاذ
مختلف الاجراءات التي تهدف الى احداث ملاءمة مع المساعدات المالية وظروف كل مؤسسة
بنكية.
ثانيا: تعويض أصحاب الودائع الموضوعة البنوك التي تقع
تصفيتها:
نصت المادة 6 من القرار الوزاري المتعلق بالصندوق الجماعي لضمن الودائع
على انه (يعتبر صاحب وديعة واحد ويمنح التعويض المستحق
له على اساس :
§
كل من له
عدة حسابات كيفما كان عددها وطبيعتها واجلها والعملة الاجنبية المحررة بها؛
§
اصحاب
الحسابات المشتركة او حسابات التركة).
وفي المادة 60 من القانون البنكي الملغى لسنة 1993 كان التعوبض يمنح في
حدود مبلغ لا يزيد عن 50.000 دهم مهما كان رصيد حسابات الزبناء، أما الآن وفي ظل
القانون البنكي الحالي فالقانون لم يحدد مبلغ التعويض سلفاً بل قال في المادة 108
ميتم تعويض المودعين في حدود مبلغ اقصى لكل مودع سواء اكان شخصا ام معنويا، إذن
يلاحظ ان المادة 108 ربطت قيمة التعويض الذي يحصل عليه الزبون بالمبلغ الاقصى لهذا
الاخير.
أما على مستوى التشريعات المقارنة يلاحظ أن الدول اختلفت حول مقدار
التعويض، ويصل هذا الحد في مصر الى مبلغ 10.000 جنيه، وفي فرنسا 400.000 فرنك فرنسي.
وعند اعلان تصفية البنك يقع التحاص بين الزبناء في مجموع المبالغ المتوفرة
بصندوق ضمان الودائع، وهكذا فلو كانت المبالغ غير كافية لتعويض المودعين كل حسب
مبلغه الاقصى فان التعويض يكون جزئي.
وقد يقع ألا يحصل اصحاب الودائع على تعويض في حدود المبلغ لكل مودع اذا لم
تسمح الموارد المالية المتوفرة في الصندوق، وهذا لا ينقص شيئا من الحماية التي اريد توفيرها لعملاء مؤسسات الائتمان التي تعترضها
صعوبات.
أما فيما يخص موارد الصندوق التي يمكن تخصيصها لمنح التعويضات المستحقة لأصحاب
الودائع تحصر يوم تصفية مؤسسات الائتمان.
ومن وجهة نظرنا، نرى ان الصندوق الجماعي لضمان الودائع يعد من حسنات
القانون البنكي المغربي، حيث وان القارئ وهو يدرس تنظيم هذا الصندوق يلاحظ أن المواد
المتعلقة به قد أدخلها القانون في باب تحت عنوان "حماية عملاء مؤسسات الائتمان" وهذا يعكس رغبة التشريعات الحديثة في تحقيق حماية للمتعاملين مع
البنوك باعتبارهم العجلة النشيطة داخل الحقل البنكي وانه كلما علم الزبون انه سيتم
تعويضه اذ ما جوبهت المؤسسة المهنية يأية صعوبة تزداد ثقته ويُقبِلُ دون تردد
للاستفادة من الخدمات والتسهيلات التي تقدمها البنوك في هذا المجال.
المبحث الثاني: ضآلة التعويض المقرر
منحه للمودعين في حالة تصفية المؤسسة البنكية
من ابرز مميزات القانون البنكي لسنة 1993 انه احدث لأول مرة على غرار
التشريعات المقارنة و بهدف حماية اصحاب الاموال المودعة صندوقا جماعيا لضمان
الودائع يعمل على منح تعويضات للمتضرر من تصفية احد المؤسسات البنكية الواقعة في
ازمة مالية، وقد أتى ظهير 2006 ببعض الاصلاحات على هذا الصندوق الى جانب قرار
الوزير المكلف بالمالية المتعلق بالصندوق الجماعي لضمان الودائع والذي تناول هذا
الاخير بشيء من التفصيل محددا موارده من اشتراكات سنوية وكيفيات دفعها وحدد من
يستفيد من التعويض وجاء بالحلول التي يمكن سلوكها عند عدم كفاية موارد الصندوق،
ونظم اختصاصات المصفي واسند الى والي بنك المغرب امر تنفيذ احكام هذا القرار،
وتكملة لهذه الاصلاحات التشريعية التشريعية اضاف مشروع تعديل القانون البنكي
الحالي صندوقا جماعيا اخر أطلق عليه اسم
صندوق ضمان ودائع البنوك التشاركية لحماية المتعاملين مع هذا النوع من
البنوك.
والغاية كما اسلفنا الذكر في المباحث السابقة فيما يتعلق بإحداث الصندوق
هي حماية حقوق الزبناء بصورة غير مباشرة عن طريق تقديم مساعدات مالية للبنك
المتعرض لصعوبات وذلك للحيلولة دون تصفيته، وبصورة مباشرة عن طريق صرف التعويضات
المستحقة للمودعين في الحالة التي يصفى فيها البنك بسبب استحالة تقويم وضعيته.
ولما كانت الودائع النقدية هي التي تمكن المؤسسة البنكية من القيام
بعملياتها الائتمانية التي لا يمكن اجراؤها بمجرد الاعتماد على اموالها الذاتية.
كان لزاما على المشرع البنكي أن يحدث صندوقا يضمن هذه الودائع, لكن الذي يلاحظ ان
كيفية تشغيل هذا الصندوق وشروط الاستفادة من التعويضات التي يصرفها، أن الامر لا
يوحي الى التعويض بالمعنى الصحيح وهذا يرجع لهزالة التعويض.فالمودع يحصل على تعويض
كيفما كان عدد حساباته وطبيعتها واجلها والعملة الاجنبية المحررة بها، الشيء الذي
تصبح معه الحماية التي أرادها القانون من خلال إحداث صندوق الضمان هذا ناقصة ولها
دور محدود كما سنرى فيما سيأتي.
وبذلك فان المسطرة المتبعة من اجل تعويض اصحاب الودائع تتم وفق شكل خاص
يخضع للعديد من المتغيرات والشروط القاسية التي تؤدي في اخر المطاف الى حصول
المودعين على تعويضات هزيلة وقليلة.
إن التعويضات المقرر منحها للمودعين من قبل الصندوق الجماعي لضمان الودائع
مشروطة فيما يخص المعايير التي نعتبرها باللامنطقية التي وضعها قرار وزير المالية
في المادة السادسة منه حينما حدد مفهوم المودع وطبيعة الحساب البنكي الذي يجعله
محقا في الاستفادة من التعويض المقدم من قبل هذا الصندوق وقد نصت المادة 6 بالحرف: (يعتبر صاحب وديعة واحد ويمنح التعويض المستحق
له على اساس :
§
كل من له
عدة حسابات كيفما كان عددها وطبيعتها واجلها والعملة الاجنبية المحررة بها؛
§
اصحاب
الحسابات المشتركة او حسابات التركة)
نفهم من هذه المادة أن المودع الذي له عدة حسابات بالمؤسسة البنكية التي
تمت تصفيتها يعتبر فيما يخص حصوله على التعويض المستحق له "صاحب وديعة واحدة un
deul déposant " بصرف النظر ما إذا كانت هذه الودائع
لأجل أو للاطلاع كلها او بعضها، وعما اذا كانت محررة بالعملة الاجنبية او الوطنية.
ومن
باب توضيح الموضحات نفترض المثال التالي ( لو كانت الموارد التي
قد تكون متوفرة بالصندوق الجماعي لضمان الودائع يوم اعلان وضع المؤسسة البنكية في
حالة تصفية تكفي لمنح كل مودع التعويض المستحق له في حدود مبلغ أقصى لكل مودع، فإن
ذلك لا يخدم سوى مصلحة المودع الصغير الذي له حساب وديعة واحد).
وتأسيسا
على الطرح السابق، فان الشخص الطبيعي او المعنوي، الذي له عدة حسابات بمثابة صاحب
حساب واحد من شأنه أن يخل بمبدأ المساواة بين المودع الذي له حساب واحد وذلك الذي له
عدة حسابات، وهذا يشكل إجحافا وإرهاقا لهذا الاخير الذي لا يمكنه أن يعوض عدة مرات
وهنا تكمن الخطورة التي تعتري المادة 6 من القرار الوزاري الخاص بصندوق الضمان.
لكن
على كل حال نقول ان الوضع تحسن على ما كان عليه الامر في التشريع البنكي الملغى
لسنة 1993 الذي وضع حداً أقصى لمبلغ التعويض في 50.000 درهم فحتى لو كانت الحسابات
مرتفعة عن هذا الرقم استحق صاحبها مبلغ الــ 50.000 د والذي يستفيد من هذا المبلغ
هو المودع الصغير صاحب الحساب الواحد الذي قد يساوي مبلغ الودائع، او يفوق بقليل
مبلغ خمسون ألف درهم، اما الآن وفي ظل المادة 108 من القانون البنكي الحالي
فالمشرع تفادى و تحاشى تحديد الحد الاقصى للتعويض بل جعله يتم في حدود مبلغ اقصى
لكل مودع، هُنا يكون المشرع قد أصاب وتنبه بخطورة ما ورد في القانون البنكي الملغى
لكن يبقى العائق هو التعامل مع الحسابات المتعددة او المشتركة في حكم حساب واحد،
وهذا يخالف المنطق القانوني الذي يقضي بتوفير حماية لحقوق زبناء المؤسسة البنكية
التي تقع تصفيتها.
وفي
نظر بعض الفقه المغربي ، فان
حماية حقوق زبناء البنوك التي فرضت على المشرع المغربي إحداث الصندوق الجماعي
لضمان الودائع الموضوعة بالمؤسسات البنكية التي تقع تصفيتها تقتضي ان تتم معاملة
المودعين اصحاب الحسابات المتعددة بطريقة تمكنهم من الحصول على التعويض الذي يناسب
الحجم الاجمالي للودائع المدرجة في مختلف حساباتهم هذه، لاسيما
ان المودعين الذين يمكن ان يكونوا في مثل هذا الوضع قد يتشكلون في غالبيتهم من
الاشخاص المعنويين كما هو الشأن بالنسبة للشركات التجارية التي تفرض عليها معاملاتها
فتح أكثر من حساب بنكي واحد، والتي تكون ودائعها بمبالغ جد مهمة.
ويرد
بعض الفقه السبب الحقيقي الذي قاد الى محدودية دور الصندوق الجماعي لضمان الودائع
في الطبيعة القانونية لهذا الصندوق الذي لا يتمتع الشخصية المعنوية والاستقلال
المالي، كما هو الحال بالنسبة لصندوق التأمين على الودائع بالبنوك العالة في مصر
والمسجلة لدى البنك المركزي المصري الذي يتمتع بهاتين الخاصيتين.
لقد حاولنا عبر هذا البحث سرد اهم مواقف المشرع البنكي المغربي في ميدان
حماية مصلحة الزبناء وتوضيح اوجه التدخل لوقاية هؤلاء شر ما قد ينجر اليهم من
مخاطر وأثار سلبية جراء ممارسة البنوك لمهامها في جو مطبوع بالليبرالية والمنافسة،
ذلك أن النظام البنكي المغربي قد اتى على وسائل قانونية مسطرة في نصوص متفرقة تقي
الزبون من تلكم الاثار وتحفظ مركزه داخل علاقته مع البنك باعتباره الحلقة الاهم في
هذه العلاقة ، فالبنك كما اوضحنا سلفا لا يمنح الائتمانات من رأسماله الخاص بل من
مجموع الاموال المودعة من قبل الجمهور الشيء الذي يفرض على المشرع التدخل لحماية
ائتمان الاشخاص وأموالهم المودعة لدى مؤسسات الائتمان بما فيها البنوك.
ومما يتبين من خلال هذه الدراسة اننا تناولنا اهم الضوابط الخاصة بممارسة
المهنة البنكية اذ من الثابت ان حماية حقوق الزبناء تفرض وضع شروطا ينبغي ان تتوفر
في كل مؤسسة تريد ان تتخذ من النشاط البنكي مهنة لها، كما أتينا على مسطرة الحصول
على رخصة الاعتماد حيث تتأكد السلطات المكلفة بالمالية من مدى احترام هذه المؤسسة
لقواعد المهنة وللقواعد الاحترازية التي تضمن للزبون مركزاً آمناً داخل علاقته مع
البنك، كما سجلنا في هذا السياق ان البنوك تخضع لمراقبة قوية بعد حصولها على رخصة
الاعتماد من طرف هيئات تقريرية وأخرى استشارية مع امكانية انزال عقوبات مختلفة على
المؤسسة التي لا تتقيد بواجب المهنة الذي يضع مصلحة الزبون في رتبٍ عليا نظرا
لمركزه الضعيف داخل علاقته مع البنك ، ولما كانت علاقة هذا الاخير مع الزبون علاقة
قانونية ترمي بالتزامات على عاتق كلا الطرفين فقد تناولنا بتفصيل موضوع مسؤولية
البنك اتجاه عملائه وأشرنا الى انواع هذه المسؤولية.
وبالرغم من احترام البنك لكل الالتزامات القانونية التي تدخل في اطار
حماية حقوق الزبناء فقد يحصل ان يقع البنك في صعوبة نتيجة وقوع تفاوت بين اصولها
وخصومها ، مما تصبح معه اموال الجمهور المودعة معرضة للضياع الشيء الذي حدا بالمشرع
المغربي إلى منح هؤلاء ضمانة حين إحداثه للصندوق الجماعي لضمان الودائع الذي يمتاز
بخاصية مزدوجة.
وعليه ، نرى ان القانون البنكي المغربي الصادر في 14 فبراير 2006 أتى بإصلاحات
جذرية تلائم القواعد الدولية التي تفرض البحث عن كل الوسائل التي تضمن توفير خدمات
مصرفية مناسبة للزبناء وتعكس صورة حسنة للنظام البنكي المغربي الذي يعرف تطورا
بالغا في السنوات الاخيرة فمشروع تعديل القانون البنكي الحالي يناقش الان في
البرلمان والذي سيحمل للحقل البنكي عدة مستجدات لعل اهمها وضع اطار قانوني يحكم البنوك
التشاركية والتوسيع من العمليات التي تقوم بها مؤسسات الائتمان...، وقد حرصنا في
هذا البحث على اجراء مقارنات ومقابلات بين مقتضيات القانون البنكي لسنة 2006 وبين
مستجدات المشروع رغبة منا ان تفي هذه الدراسة بالمقصود وان تساهم عن جد في تطوير
المدارك القانونية والعلمية للباحث وان تمنح قيمة مضافة للمهتمين بالشأن القانوني.
0 التعليقات:
إرسال تعليق