تابعونا على الفيسبوك

Disqus

أثر التحولات الاقتصادية على النظرية العامة للالتزام مبادئ مؤسسة العقد بين الثابت و المتغير في ضوء التشريع المغربي - نموذج -

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أثر التحولات الاقتصادية على النظرية العامة للالتزام
مبادئ مؤسسة العقد بين الثابت و المتغير في ضوء التشريع المغربي - نموذج


عبد الكريم غيوان
باحث بسلك الماستر تخصص قانون الاعمال
" كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية اكذال الرباط "

مقدمة :

تشهد الحقبة الراهنة تحولات عميقة في الحياة القانونية تمس ركائزها الأكثر رسوخا ، وبدت الأطر القانونية العتيقة[1]منفسخة يوما تلو الأخر و بدت الهوة ما بين المفاهيم القانونية المكرسة وواقع الحياة القانونية الجديدة بما يفرض نظرة جديدة الى تلك ألمفاهيم وليس في هذا التطور ما يثير الدهشة فيه ويعكس على الصعيد القانوني حركة الحياة التي لا تتوقف، نتيجة التطور الذي يعرفه المجال الصناعي و ألاقتصادي مما يفرض معه استمرار الآلة التشريعية في مواكبة هذا التطور والتأقلم معه من خلال تحين وتحديث الترسانة القانونية لتلاءم مستجدات العصر.
أمام هذه التحولات الاقتصادية الكبرى يتضح أن التعاملات البشرية في إطار ما يسمى بالتعاقد[2]  الذي يهدف الى صيانة الحقوق والحفاظ على استقرار المعاملات ألاقتصادية قد تركت بصمتها على النظام القانوني التقليدي للعقود والمتجسد في مجموعة من المبادئ التي تحكم مؤسسة العقد من قبيل سلطان الارادة [3] الذي يعد بمثابة حصن يوفر عنصر الثبات للعقد فلا ينقض أو يبدل إلا إذا عاد طرفاه وأقرا النقض أو التعديل بإرادة مشتركة بالإضافة الى مبدأ نسبية العقود[4] أي أن أثار العقد تبقى حبيسة بين المتعاقدين دون ان تمتد للغير إلا في حدود ما يسمح به القانون أو إرادة ألأطراف وهذه المبادئ يمكن ان نسلم أنها تصلح للحقبات من الزمن التي يسودها انتظام النقد و الازدهار على جوهر العقود المبرمة في ظلها .
أما في الأزمان التي تلازم الحروب أو تعقبها وفي الظروف التي يضطرب الاقتصاد فيها فترتفع الأسعار آو عند ظهور أزمة اقتصادية فيختل التوازن العقدي بشكل ملحوظ فان السؤال يطرح عما إذا كان من العدل والإنصاف ان يبقى العاقد ملزم بموجباته كما ألزمها يوم العقد و قد طرأ عليها بعده عامل يجعل تنفيذها مرهقا او مستحيلا عليه ؟ هذا الوضع دفع بمجموعة من التشريعات المعاصرة البحث و التنقيب عن آليات قانونية تلين وتحد من صلابة المبادئ التقليدية للعقد، خاصة ان العمليات الاقتصادية اليوم أضحت تتميز بنوع من المرونة وهذا ما لا يستقيم و جمود المبادئ التقليدية للعقد .
عموما، يمكن القول ان نظرية العقد في الوضع الراهن أضحت تكتسي أهمية بالغة سواء على المستوى القانوني من حيث إبراز مدى توفق التشريعات المعاصرة من مسايرة ثورة الاقتصادية  وما أفرزت من معادلات جديدة على مستوى المعاملات التعاقدية، أما من الناحية الاقتصادية فتتجلى الأهمية في رصد انعكاس تقلبات المناخ الاقتصادي على العقود المبرمة بين الأشخاص .
من هذا المنطلق تطرح مبادئ العقد إشكالية محورية تتمثل فيما يلي :
إلى أي حد استطاع المشرع مسايرة التحولات الاقتصادية و تخطي جمود المبادئ التقليدية لنظرية العقد التي أسست عليها فلسفتها، وحدود مساهمة القضاء في تكسير هذه القواعد  ؟

و للإجابة عن الاشكالية المطروحة  ارتأينا معالجة الموضوع معتمدين في ذلك  مجموعة من المناهج ونذكر منها على الأخص المنهج التحليلي، كما سنعالج هذا الموضوع من خلال التصميم التالي   :
المحور الأول: المبادئ الكلاسيكية  لنظرية العقد 
المحور الثاني: الأسس الحديثة للمبادئ العقد في ظل التحولات الاقتصادية




المحور الأول: المبادئ الكلاسيكية  لنظرية العقد  .

  يعتبر العقد[5]من إنتاج الفكر القانوني، الغاية منه تنظيم المعاملات الاقتصادية والاجتماعية بين الناس وتحقيق الأمن التعاقدي،  لذلك يبقى التساؤل عن مدى استطاعة التشريعات ومن ضمنها التشريع المغربي وضع إطار قانوني  محكم لمؤسسة العقد عن طريق إرساء مبادئ متينة  تصلح كأساس للحفاظ على حقوق الأفراد واستقرار المعاملات وتجنب الاضطرابات التعاقدية، وما لهذه الأخيرة من أثر وخيم على المصلحة الخاصة للمتعاقدين وكذا المصلحة العامة المتجسدة في استقرار الحياة الاقتصادية وهذه المبادئ يمكن حصرها في (1) سلطان الإرادة و العقد شريعة المتعاقدين (2) بالإضافة إلى مبدأ نسبية العقود (3(

اولا : مبدأ سلطان الإرادة

يعد مبدأ سلطان الإرادة أحد أعمدة مؤسسة العقد أو بعبارة أخرى" الارادة هي التي تصنع العقد" ، فهو مناط و قوام العقد بحيث يتيح للاطراف الحرية في ابرام العقد او النكول عنه،  إلا ان هذا المبدأ – سلطان الإرادة –  شهد تطورا عبر عدة محطات تاريخية قبل ان يصل إلى الحلة التي أصبح عليه حاليا. ففي عهد الرومان لم يكن لسلطان الإرادة اي وجود، وذلك على أساس ان الكتابة هي المسيطرة آنذاك في المعاملات بين الأشخاص، أما مجرد توافق إرادتين فلا تولد عقدا و لا يولد التزاما فكان المدين لا يلتزم لا لسبب سوى انه استوفى الشكلية المرسومة ، و يكون التزامه صحيحا حتى و لو كان السبب الحقيقي الذي التزم من أجله لم يوجد او لم يتحقق بعد او كان غير قائم على سبب مشروع او مخالفا للآداب، فالعقد كان يستمد قوته من شكله لا من موضوعه .
إلا ان هذا الوضع سرعان ما أضحى ينصهر مع مرور الزمن و تطور الحياة الاقتصادية  و تشعبها و ازدياد النشاط التجاري الشيء الذي أدى إلى التميز بين الشكلية و الإرادة في العقد و إعطاء لهذه الأخيرة  - الإرادة – قسطا قانونينا. و هكذا بدأت العقود الرضائية تظهر شيئا فشيئا إلى جانب العقود الشكلية و العينية .و مع عهد الكنيسة بدأت بوادر التخلص من القيود الشكلية تطفوا على السطح بشكل ملحوظ فكان العقد يقوم بمجرد توافق الإرادتين و لو لم يتم إفراغه في قالب مكتوب على أساس ان النكول عن الاتفاق يعتبر خطيئة يقابلها جزاء أخلاقي .
و مع ثورة نابولي سنة 1789 والتي يطلق عليها بثورة الحرية كان لها وقع واضح على نظرية العقد حيث تم التخلص من الشكلية  وتعقيداتها وإعطاء سلطان الإرادة مكانة هامة ومميزة عند تكوين العقد الذي اصبح ينبني بمجرد توافق إرادتي  الدائن و المدين و هذا ما اخذ به المشرع الفرنسي في العديد من المواد نذكر منها المادة 1134 التي اقر من خلالها هذا المبدأ بقوله ان الاتفاقات المنشئة على نحو مشروع تعتبر بمثابة قانون بالنسبة للأطراف الا انه برغم من ذلك لا يزال يؤمن بشكلية في بعض الحالات المعينة[6] .
أما بالنسبة للمغرب فيظهر من خلال افتحاص مقتضيات قانون الالتزامات و العقود ان المشرع المغربي قد تأثر بالتشريع الفرنسي و هذا ما يتضح لنا من خلال مجموعة من الفصول التي  أولت اهتمامها بمبدأ سلطان الإرادة و الحرية في التعاقد و نذكر مثلا على ذلك الفص 2 من ق ل ع و الفقرة الأولى من الفصل 19 التي نصت على انه : "  لا يتم الاتفاق إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للالتزام وعلى باقي الشروط المشروعة الأخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية. " بالإضافة إلى الفصل 21 من ذات القانون الذي اقر هو الأخر  مبدأ الحرية في التعاقد. إلا ان هذا المبدأ أورد عليه المشرع استثناءا فيما يتعلق بالتصرفات الواردة على العقارات المحفظة  التي نص على ضرورة إفراغها في قالب مكتوب و الا كانت عديمة الأثر تماشيا مع منطوق الفصل 489ق ل ع الذي ينص على : " إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ، ولا يكون له أثر في مواجهة الغير إلا إذا سجل في الشكل المحدد بمقتضى )".
وترتيبا على ما سبق ذكره يتبين لنا ان مبدأ سلطان الإرادة يعد احد أعمدة العقد لما له من دور في قيام هذا الأخير وكذا في تحرير المعاملات التعاقدية من عوائق الشكلية، لكن بالرغم من هذا التحرر الا ان عامل الزمن و تطور الحياة الاقتصادية حال دون تحقيق  هذا المبدأ التوازن بين أطراف العقد، لذلك عمدت مجموعة من التشريعات بما فيها التشريع المغربي إلى وضع حلول قانونية لمسايرة هذا الوضع، وهذا ما سيكون موضوع دراسة في المحو  الثاني، و إلى جانب مبدأ سلطان الإرادة نجد مبدأ أخر لا يقل أهميه عنه إلا وهو مبدأ العقد شريعة المتعاقدين (2) الذي يضفي نوع من القوة  و الثبات على العقد .
 
ثانيا :  مبدأ العقد شريعة المتعاقدين

يعتبر الأمن التعاقدي من أهم  الحاجيات الضرورية  التي تمليها المعاملات البشرية في جميع المجالات لذلك نجد جل التشريعا قد منحت العقد قوة ملزمة  بحيث لا يجوز تعديله أو إنهائه بإرادة منفردة ما دام ان إرادة الأطراف قد استقرت على وضع مجموعة من الشروط و الالتزامات التي يتعين احترامها وان اي خرق لها يترتب عنه منح تعويض للطرف المضرور في إطار المسؤولية العقدية .، هذا ما أكده المشرع المغربي من خلال استقرائنا للفصل230 من ق ل ع الذي ينص على ان :" الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة الى منشئيها ، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون." 
الا ان الحياة التعاقدية قد تخللها بعض الفترات الصعبة الشيء الذي قد يجعل احد الأطراف غير قادر على تنفيذ ما التزم به أثناء تكوين العقد كما ان ازدياد حاجة الإنسان  لمجموعة من الحاجيات الضرورية و ضعف قدرته الشرائية و رغبته في الحصول على الشغل قد تجعله يقدم على إبرام مجموعة من التصرفات القانونية تحت وطأة الحاجة مما من شأنه ان يفرز لنا معادلة غير عادلة بين طرف قوي و أخر ضعيف لا يملك القدرة على  إملاء شروطه على الأخر .
وكنتيجة لهذا التحول حاولت العديد من التشريعات ومن ضمنها المشرع المغربي العمل على تحيين قوانينها لتلائم متطلبات العصر قصد إرساء الأمن التعاقدي وحماية حقوق الأطراف و ضمان تنفيذ الالتزامات عن حسن نية كما ينص على ذلك الفصل 231 من ق ل ع . ناهيك عن خلق نوع من التوازن العقدي لاسيما بعد ان تبين ان مبدأ العقد شريعة المتعاقدين لم يعد يحقق الهدف المرجو منه  بين الأطراف في ظل التحولات الاقتصادية لذلك نلاحظ التشريعات المعاصرة  قد عمدت الى تلطيف من حدة وقوة المبادئ التقليدية للعقد وهذا ما يتبين لنا من خلال خلق قوانين خاصة لتنظيم مجموعة من التصرفات القانونية التي كانت خاضعة في وقت ما لقانون الالتزامات والعقود كمدونة [7]اشغل و مدونة التجا[8]رة وقانون الكراء[9] وغيرها من القوانين التي انسلخت عن قانون الالتزامات بفعل خصوصيات هذه القوانين كما عمد المشرع الى وضع قانون خاص بحماية المستهلك [10]31.08 كمحاولة منه للحفاظ على التوازن العقدي .
إذا كان العقد ينبني على مبدأ سلطان الإرادة و العقد شريعة المتعاقدين فان أثاره تبقى محصورة بين المتعاقدين دون ان تسري على الاغيار طبقا للمبدأ نسبية العقود

ثالثا : مبدأ نسبية العقود
يعبر مبدأ نسبية العقود عن الطابع الشخصي[11] الذي يميز الالتزام بحيث ان الحقوق التي تنتج عن تكوين العقد لا يستفيد منها سوى المتعاقدين كما ان الالتزامات ايضا المنبثقة عنه هي الأخرى لا تمس الغير ولا تضرهم .
وقد اخذ المشرع المغربي بهذا المبدأ وفقا لمنطوق الفصل 229 من ق ل ع الذي جاء فيه ان : " تنتج الالتزامات أثرها لا بين المتعاقدين فحسب، ولكن أيضا بين ورثتهما و خلفائهما، ما لم يكن العكس مصرحا به أو ناتجا عن طبيعة الالتزام، أو عن القانون. ومع ذلك، فالورثة لا يلتزمون إلا في حدود أموال التركة، وبنسبة مناب كل واحد منهم."
مما يتضح من خلاله ان أثار العقد لا تسري إلا على الأطراف المكونة له بالإضافة الى ورثتهما وخلفائهما اللهم اذا نص القانون على خلاف ذلك او كان طبيعة الالتزام تقتضي ان لا تسري أثاره عليهم كحال التعاقد مع الطبيب أو مهندس اذ لا يمكن في حالة وفاة احدهم ان يحل محله خلفه نظرا انه كان محل اعتبار أثناء التعاقد و ان طبيعة  الالتزام لا تسمح بانتقاله إلى الورثة أو احد من الغير .
لكن إذا كان الأصل ان أثار العقد لا تسري على الاغيار فان الاستثناء انه قد يحدث ان يتأثر الدائن بالتصرفات القانونية التي يقوم بها المدين يعقدها المدين أما عن حسن نية او عن سوء نية قصد إضرار الدائن لذلك عمد المشرع إلى منح هذا الأخير إمكانية اللجوء إلى بعض الوسائل القانونية لحماية حقوقه كالحجز التحفظي[12] و الحق في الحبس[13] و الدعوى الصورية .[14]
كما أن هناك من التشريعات من أخذت بالدعوى البوليصية[15]  الغرض منها ابطال التصرفات التي يقوم بها المدين إضرارا بالدائن شريطة ان يثبت هذا الأخير ان ما يقوم به المدين قد يفقر ذمته مما قد يترتب عنه تقليص الضمان طبقا للقاعدة أموال المدين ضمان عام للدائنيه . إلا ان هذا المبدأ بدأ يتآكل بفعل رياح العولمة و التحولات الاقتصادية التي أجبرت التشريعات الخروج على هذا المبدأ هذا ما سنحاول الوقوف عليه من خلال المحور الثاني

المحور الثاني: الأسس الحديثة للمؤسسة العقد في ظل التحولات الاقتصادية

ان التحولات الاقتصادية التي نعيشها في العصر الحالي ساهمت بشكل واضح في تغيير ملامح الترسانة القانونية، و هكذا يمكن القول اننا أصبحنا نعيش منعطفا تشريعا لم تعد في ظله القواعد العامة للعقد  تواكب تطور معاملات البشرية مما دفع المشرع المغربي اسوة بباقي التشريعات الى   التلطيف من شدة هذه القواعد بغية جعل القانون آلية ليس هدفها الردع فقط وإنما لتطوير الاقتصاد و المساهمة في  تشجيع الاستثمار، والعقد باعتباره الوسيلة القانونية التي يلجئ اليها الأشخاص لحماية حقوقهم من جهة وتنفيذ التزاماتهم فقد كان لابد ان تطرأ على هذه المؤسسة مجموعة من التعديلات تمس مبادئها التي عمرت ظهرا من الزمن والتي تتسم بنوع من التعقيد وهذا ما لا ينسجم مع مجموعة من المعاملات خاصة التجارية القائمة على السرعة و الليونة .
و سنعمل من خلال هذا المحور تسليط الضوء على اهم التطبيقات القانونية التي تجاوزت القواعد العامة للعقد بالإضافة الى رصد دور القضاء في تلين هذه المبادئ لتحقيق التوازن العقدي وحماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية .

أولا : قصور مبدأ سلطان الارادة امام التحولات الاقتصادية

يقصد بمبدأ سلطان الارادة -كما سلف الذكر - ان الشخص حر في التعاقد و ان الارادة هي مناط تكوين العقد و إخراجه الى حيز التطبيق سواء كانت الارادة صريحة وهي الاصل او ضمنية تستشف من ظاهر الحال كما هو معمول به في التشريع الجرماني شريطة ان لا  تكون الارادة مصابة بعيب من عيوب الرضى و الا كان مصير العقد هو الإبطال او البطلان و هذا ما اخذ به المشرع المغربي حيث اعتبر الرضى في الفصل 2 من ق ل ع ركن من أركان العقد وهذا ما يبين ان المشرع تأثر كثيرا بالمذهب الفردي الذي يقوم على تحرير الارادة من أي قيد لكن بالرغم من ذلك أصبحنا نرى بين الفينة و الأخرى ميول المشرع الى التضييق من سلطان الارادة و ذلك بإخضاعه للكثير من التصرفات القانونية لعنصر الشكلية بعد ان كان التراضي هو الأصل و يعزو هذا الأمر حسب بعض الفقه الى عدم الثقة و الخوف من ضياع الحقوق لذلك تدخل المشرع في الكثير من الحالات قصد حماية الطرف الضعيف في الحلقة التعاقدية وبالتالي جعل المعادلة التعاقدية متوازنة .
 
1: العقد بين الرضائية و الشكلية

يعد الرضى العنصر الجوهري لتكوين العقد اذ بمجرد اتفاق ارادة الموجب و القابل على جميع الشروط يصبح العقد كيان قانوني قائم بذاته و شريعة واجبة الاتباع كما اشار الى ذلك الفصل 230 من ق ل ع الا ان تزايد كثرة النزاعات التعاقدية في المحاكم وصعوبة الإثبات أثرت على المشرع المغربي حيث بدأ يرجح افراغ رضى الطرفين في قالب شكلي بدل الاعتماد على التراضي فقط كما هو الحال بالنسبة للقانون رقم 49.[16]16 المنظم  للكراء التجاري  الذي نص في المادة 3 منه على ضرورة تحرير عقد الكراء في محرر ثابت التاريخ تحت طائلة عدم إخضاعه لمقتضيات هذا القانون عكس ما كان عليه الحال في ظهير 1955 الذي كان يأخذ بالرضا فقط و يأتي هذا التعديل للتحقيق الأمن القانوني و التعاقدي بعد ان كانت المحاكم تعاني من مشكل إثبات عقود الاكرية التجارية وقد لقي هذا التعديل انتقادا من بعض الفقه الذين يرون ان في هذا التعديل تضارب سارخ مع ما مبادئ التجارة التي تقوم على الحرية كما انه بالعودة الى قانون 67.[17]12 المنظم لكراء المحلات المعدى للسكنى او الاستعمال المهني نجده هو الاخر نص على وجوب إخضاع العلاقة بين المكري و المكتري للشكلية و ذلك في محرر كتابي ثابت التاريخ برغم من عدم نصيصه عن الجزاء الواجب إقراره في حالة عدم احترام عنصر الشكلية و بالتالي هل الامر يتعلق بالشكلية كشرط إثبات ام انعقاد مع العلم ان العلاقة بين المكري و المكتري كانت خاضعة للرضائية في ظل ق ل ع .
مما نستنتج معه ان الحاجة الى الأمن التعاقدي و القانوني و انتشار عدم الثقة هي من دفعت بالمشرع الى تبني الكتابة و التخلي عن الرضائية حماية للاستقرار المعاملات الاقتصادية .

 :2 دور القضاء في حماية الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية
ظل القضاء إلى عهد قريب[18]  متمسكا باحترام المبادﺉ التقلدية التي كرستها النظريات السائدة لخريو التعاقد في اطار مبدأ سلطان الارادة ، الا انه امام صلابة الاسس التي يقوم عليها هذا المبدأ فان معظم التشريعات الوضعية المعاصرة اصبحت تميل الى التخفيف من حدة هذه الاسس و مكنت القضاء من التدخل الايجابي لتحقيق التوازن العقدي كلما تطلب الامر ذلك ، فالعلاقات العقدية اليوم لم تعد كلها تحقق التوازن المألوف بسبب الجهل و انعدام الخبرة لدى احد طرفي العلاقة العقدية و الذي اصبح يعرف بالمستهلك  او الزبون السلبي لاقتصار دوره على استهلاك السلعة او الخدمة موضوع التعاقد .
و نظرا لخطورة هذا النمط التعاقدي فقد حاولت مجموعة من التشريعات منح القضاء سلطة التدخل لإنصاف الطرف الضعيف من بطش الطرف القوي الذي قد يلجئ الى مجموعة من اليات القانونية لجعل الطرف الضعيف يذعن لشرطه تحت وطأة الحاجة و الجهل كوضع شرط جزائي تعسفي و تعمد الغموض في العقد و ادراج البنود المخففة او المعفية من تحمل المسؤولية و الضمان في صلب العقد .
فأمام قصور مبدأ سلطان الارادة عمدت مجموعة من التشريعات من ضمنها المشرع المغربي إلى تحين ترسانته القانونية لفك جمود المبادئ التقليدية عن طريق اغناء الخزينة القانونية بقانون يقضي بحماية المستهلك  ويتعلق الامر بالقانون رقم 31.08 المنظم لحماية المستهلك ولذي منح من خلاله للقضاء وضع يده على المنازاعات الاستهلاكية بهدف اعادة التوازن لهذه العلاقات غير المتوازنة في اصلها ومثال على هذه الحماية القضائية ما جاء في المادة 95 من هذا القانون الذي ينص انه: " في حالة نشأ نزاع في شأن تنفيذ العقد الاصلي للبيع او تقديم الخدمة جاز لقاضي المستعجلات ان يأمر بوقف تنفيذ عقد القرض الى ان يتم الفصل في النزاع ."
كما له صلاحية التدخل من اجل اعادة النظر في جدولة اقساط القروض الاستهلاكية و العقارية لصالح المستهلك الذي توقف عن اداء الاقساط بسبب فقده لعمله او وظيفته او في الحالات التي تعترضه صعوبات اجتماعية غير متوقعة .
و عليه اذا كان مبدأ سلطان الارادة قد عرف تطورا بفعل رياح العولمة فان هذه الرياح قد عصفت بمبدأين اخرين هما مبدأ القوة الملزمة للعقد و مبدأ نسبية العقود .
ثانيا :  وقع التحولات الاقتصادية على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين
يعبر عن مبدأ  العقد شريعة المتعاقدين او القوة الملزمة للعقد ان اطراف العقد لا يجوز لهم تعديل او انهاء العقد الذي نشأ بينهم على وجه صحيح و هذا ما اشار اليه المشرع في الفصل 230 من ق ل ع الذي جاء فيه : " (الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة الى منشئيها و لا يجوز إلغاؤها الا برضاهما معا او في الحالات المنصوص عليها قانونا  .(
فمن خلال هذا النص يتبين لنا ان المشرع المغربي قد جعل من العقد الناشئ بين طرفين او اكثر على نحو صحيح و سليم و  الشريعة العامة بحيث لا يمكن لأي طرف ان يدمر ما بنته هاتين الارادتين تحت طائلة الجزاء المدني ، و هذا المبدأ يعد اهم مبدأ لما يمنح للعقد من مناعة تجنبه مجموعة من المخاطر التي قد تؤثر على حقوق الاطراف .
الا ان تقديس هذا المبدأ في ظل التحولات الاقتصادية و الاجتماعية قد تجعل احينا المتعاقد يصعب عليه تنفيذ الالتزام الذي ساهم في انشائه بسبب ظروف خارجة عن ارادته الشيء الذي يستوجب معه التدخل قصد اعادة التوازن بين الطرفين وفق ما تقتضيه قواعد العدالة و الإنصاف.
 كما ان القضاء هو الاخر اضحى يلعب دورا فعالا في تحقيق التوازن العقدي . ولتقريب هذه الصورة سنحاول مناقشتها في نقطتين الاولى سنخصصها لبعض المظاهر الاستثنائية على مبدأ العقد شريعة المتعاقدين( 1 ) ثم سنتطرق لدور القضاء في خلق التوازن العقدي( 2(

: 1 مظاهر الخروج عن مبدأ القوة الملزمة للعقد

امام شدة  مبدأ القوة الملزمة للعقد وتأثيره المباشر على العلاقة العقدية في شقها المدني و التجاري فقد انبثقت عن قانون الالتزامات و العقود مجموعة من القوانين التي كسرت المبادﺉ التقليدية للعقد لاسيما مبدأ العقد شريعة المتعاقدين و ذلك لتافدي قساوة هذه المبادئ على الأطراف خاصة حينما تصطدم مع بعض التحولات الاقتصادية و الصناعية التي قد تجعل احد الاطراف غير قادر على تنفيذ ما عليه من التزام .

أ: استقالة الاجير.

يعتبر عقد الشغل المنظم بمقضى القانون رقم 65.99 بثابة مدونة الشغل[19] من ابرز النماذج التي قطعت نسبيا  الصلة مع قانون الالتزامات والعقود بعد ان كانت العلاقة بين المشغل والأجير خاضعة لأحكام هذا الاخير و هذا ما كان له انعكاس وخيم على الاجير باعتباره طرف ضعيف في الحلقة التعاقدية وهكذا يمكن القول ان مدونة الشغل جاءت كآلية لحماية الأجير من جهة  وحماية مصالح المشغل من جهة أخرى، وهذه النسبية تتجلى في بقاء العقد المذكور خاضع للمبادئ العامة للعقد من اهلية و رضا و سبب ومحل، و بما ان لكل قاعدة استثناء فان الاستثناء هنا يتجلى في امكانية انهاء الاجير للعلاقة التي تربطه بمشغله بصورة انفرادية عن طريق تقديم استقالة و تصبح بذلك قاعدة من التزم بالشيء لزمه معكوسة اذ لا يلتزم الاجير ببقائه مع المشغل  وهذا فيه خروج عن مبدأ القوة الملزمة للعقد المنصوص عليها في الفصل 230 من ق ل ع . لكن و كحماية للمصالح المشغل فقد الزم المشرع الاجير قبل تقديم استقالته ضرورة اخطار المشغل لتفادي عنصر المباغتة و سد الفراغ خاصة اذا كان الأجير ذو اقدمية، بل ويعتد بإرادة الاجير بمجرد إقراره بهذا التصرف، وهذا هو التوجه القضائي، ففي قرار صادر عن محكمة النقض جاء في إحدى حيثياتها ما يلي" لكن ومن جهة أولى حيث إن الثابت من وثائق الملف قيام طالب النقض بتقديم استقالته من عمله لدى المطلوبة في النقض شركة( س.و) بتاريخ 16/3/2005 وبإقراره بالاستقالة تصبح ملزمة له، ولا يعيبها عدم المصادقة على توقيعه لدى الجهات الادارية المختصة طالما انه لا ينكرها..."[20].

ب: الحق في التراجع.
 إن من بين اهم المظاهر الاخرى للاستثناءات الواردة على مبدأ القوة الملزمة للعقد نجد الحق في التراجع الذي جاء به المشرع في كل من مقتضيات قانون حماية المستهلك  و بيع  العقار في طور الانجاز 107.12  .
فبالعودة للقانون رقم 31.08[21] المادة 32 منه نجد ان المشرع قد اقر مبدأ الحق في التراجع في الفقرة 7 و التي جاء فيها :"  يجب تمكين المستهلك من تتبع تنفيذ طلبيته و ممارسة حقه في التراجع .." . الا انه قيد هذا الحق بضرورة ممارسته في داخل اجل 7 أيام كأصل و 30 يوما لممارسة هذا الحق في حالة ما لم يف المورد بالتزامه بالتأكيد الكتابي للملومات المنصوص عليها في المادتين 29 و 32 .
و نفس الحق نجد المشرع قد كرسه في الفصل 618 -3 مكرر الفقرة الاولى منه حيث جاء فيها : " يحق للمشتري التراجع عن التخصيص داخل اجل  لا يتعدى شهرا ابتداء من تاريخ إبرام عقد التخصيص .
 الا أن ما يلاحظ، ان المشرع حصر ممارسة الحق في التراجع في عقد التخصيص فقط  و الحال انه كان عليه ان يمدده الى العقد الابتدائي ايضا  بحيث ان اهمية ممارسته تظهر ابان هذه المرحلة على وجه الخصوص .
وهكذا نستنتج من خلال ما عرضنا ان مبدأ القوة الملزمة للعقد لم يعد يساير حاجيات الوضع الراهن لذلك كان لابد من المشرع المغربي تلطيف من صلابة و شدة هذه المبادئ حفاظا على حقوق المتعاقدين و استقرار المعاملات . و قد ساهم الجهاز القضائي هو الاخر في تحرير المتعاقدين من قساوة للمبادئ الكلاسيكية للعقد و ما لها من انعكاسات على اطراف العلاقة العقدية .

 :2 سلطة القاضي في رد الالتزام الى الحد المعقول

سبق وان اشارنا أن المشرع المغربي نص في الفصل 230 من ق ل ع ان  الالتزامات المنشئة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة لمنشئها ولا يجوز إلغاؤها او تعديلها الا برضاهما او وفق الحالات المحددة قانونا . وهذا ما يسمى بالقوة الملزمة للعقد اي ان حرية الاطراف في الغاء و تعديل العقد تتطلب توافق الإرادتين معا ، و بما ان ظروف الحياة الاقتصادية و الاجتماعية تتغير فقد تجعل من الصعب على المدين تنفيذ الشروط التي سبق و ان التزم بها عن رضى و بكل حرية  مما قد يؤدي الى اختلال التوازن العقدي و هذا ما يسمى نظرية الظروف الطارئة اي حدوث امر استثنائي كوقوع حرب او قوة قاهرة  و من بين التشريعات التي اخذت بهذه النظرية نحد كل من التشريع البولوني المادة 264 من قانون الالتزامات كذلك هو الحال بالنسبة للتشريع الايطالي اما بالنسبة للمشرع الفرنسي الذي غاحلبا ما نستلهم منه جل القوانين نجده قد بقي وفيا للقاعدة القوة الملزمة للعقد وهذا دفع الفقيه الفرنسي  (أنطوان لويزيل)[22] يقول ان الثيران تقيد من قرونها اما الانسان فيقيد من لسانه بمعنى انه لا سبيل للتحرر من الالتزامات التي سبق و ان التزم بها الأطراف ،  وقد سار القضاء الفرنسي[23] على نفس النهج وذلك برفض محكمة النقض الفرنسية تعديل عقد يرجع للقرن 16 خاص بري الاراضي الزراعية من ترعة المجاورة لان الظروف الاقتصادية تغيرت و اصبحت الاجرة المتفق عليها تافهة . ويرى الفقه الفرنسي التقليدي و الحديث ان نظرية الظروف الطارئة قد تجعل القاضي يتحكم في العقد وهذا يتنافى مع مبدأ سلطان الارادة و القوة الملزمة للعقد
 اما بالنسبة للتشريع المغربي مبدئيا لم ينص بشكل صريح على الاخذ بنظرية الظروف الطارئة لكن عند البحث و التنقيب في العديد من القوانين سنلاحظ ان هناك بعض التطبيقات لهذه النظرية كما هو الحال بالنسبة للقانون 12.67 الذي سمح للمكري الحق في مطالبة المكتري بالزيادة اما عن طريق المراجعة الاتفاقية او القضائية و هذا ما يستشف من خلال المادة 35 من ذات القانون .
كما ان المشرع سمح للقضاء ايضا من خلال الفصل 264 من ق ل ع امكانية تعديل بنود العقد المجحفة في اطار ما يسمى بالتعويض ألاتفاقي حيث نص على ان : "  "يمكن للمحكمة تخفيض التعويض المتفق عليه اذا كان مبالغ فيه او الرفع من قيمته ايضا ادا كان زهيدا بالنسبة للنفع الذي عاد على الدائن منه".
ويأتي هذا الفصل  كتتويج للاجتهاد القضائي المغربي الذي ساهم في تعطيل مبدأ القوة الملزمة للعقد قصد تحقيق التوازن العقدي بين اطراف الالتزام .
و يبدوا من خلال ما ذكرنا ان المشرع لم يكتف بالتعامل بنوع من الليونة مع هذا المبدأ فقط بل طال نفس الامر   مبدأ اخر يتمثل في مبدأ نسبية العقود.

ثالثا  تجليات انهيار مبدأ نسبية العقود على اثر التحولات الاقتصادية 

 ينص الفصل 228 من ق ل ع على ان : "  الالتزامات لا تلزم الا من كان طرفا في العقد فهي لا تضر الغير ولا تنفعهم الا في الحالات المذكورة القانون "  .
كما ينص الفصل 229 على ان الالتزامات تنتج اثرها لا بين المتعاقدين فحسب ، ولكن ايضا بين ورثتهما و خلفائهما .. ."
استنادا على هذين الفصلين يتضح ان اثار العقد تبقى محصورة بين منشيئها دون ان تمتد الى الغير اللهم اذا تعلق الامر بورثتهما او خلفائهما كما ورد في النصوص السالفة الذكر الا ان هذا الامر ليس مطلقا بحيث قد يتأثر الغير الذي تربطه بالمدين علاقة مديونية في الحالة الي يقدم عليها هذا الاخير اجراء تصرفات قانونية قد تؤثر سلبا على ديون الدائن بحكم ان اموال المدين ضمان عام لدائنيه طبقا للقاعدة المكرسة في  الفصل 1241 من ق ل ع . وقد سبق وان اشارنا ان هناك عدة وسائل قانونية  يمكن للدائن ان يلجئ لها للحفاظ على حقوقه
كما ان هذه القاعدة العامة  - مبدأ نسبية اثر العقد – وردة عليه مجموعة من الاستثناءات فرضتها الظروف القانونية و الواقعية و كذا الاقتصادية(1)  ، و قد كان للاجتهادات القضائية دور مهم في تجاوز جمود هذا المبدأ(2).

 :1 أهم التطبيقات القانونية  لامتداد اثر العقد

لقد أثرت التحولات الاقتصادية و تطور المعاملات التجارية على مبدأ نسبية العقود على نحو اضحت معه اثار العقد قابلة للامتداد الى الغير الذي لم يكن طرفا في العقد و هذا نستنتجه من خلال عدة قوانين التي خرجت عما هو مألوف في كل من الفصول 228 و 229 من ق. ل . ع . اللذان يقضيان بعدم انصراف أثار العقد الى الاغيار ماعدا ورثتهما و خلفائهما . ومن ابرز الامثلة على ذلك نجد المادة 112 من مدونة الشغل التي حدد من خلالها المشرع نطاق سريان اتفاقية الشغل الجماعية على مستوى الاشخاص فحسب مدلول المادة السالفة الذكر فان هذه الاتفاقية يمكن ان تسري احكامها ليس فقط على منشئيها و إنما أيضا حتى على الاجراء الذين لم يشاركوا فيها و هذا فيه خروج عل  مبدأ نسبية العقود .
و نفس الشيء نجده في مقتضيات مدونة التجارة المادة 603 التي طرق من خلالها المشرع التجاري لحالة تفويت المقاولة  التي تعاني من صعوبات  للغير مؤكدا على ضرورة التزام المفوت اليه بعقود الشغل التي سبق و ان ابرمها المشغل ، الا ان هذه المادة لم تأتي مطلقة بل اورد عليها المشرع بعض الاستثناءات بحيث اجاز للمفوت اليه الاستغناء على بعض مناصب الشغل .
وهكذا يتبين ان المشرع قد تعامل بنوع من الليونة  مع مبدأ نسبية العقود بالزامه المالك الجديد للمقاولة الحفاظ على مناصب الشغل التي كانت قائمة قبل عملية التفويت بالرغم انه لم يكن طرفا فيها . و هذا فيه ضرب واضح لمبدأ نسبية العقود .ليبقى السؤال كيف تعامل القضاء مع هذا المبدأ .
 
 : 2دور الاجتهاد القضائي في تجاوز مبدأ نسبية العقود " امتداد شرط التحكيم نموذج "

تتعدد الاشكالات التي تثيرها عقود التجارة الدولية غير ان أهمها و أكثرها اثارة للجدل هي تلك المتعلقة بحدود القوة الملزم[24]ة للعقد .
فالعقد حسب قواعد قانون الالتزامات و العقود لا يلزم الا من كان طرفا فيه و لا يضر الغير و لا ينفعه الا في  الحالات المذكورة في القانون الفصل 228 من ق ل ع ، وباعتبار التحكيم عقد فانه لا يخرج من نطاق هذا المبدأ وبالتالي فان احكامه تسري عليه ليطرح التساؤل حول مدى اعمال هذا المبدأ و مدى قابلية تعارضه مع امتداد شرط التحكيم ؟
فالتحكيم كنظام لتسوية النزاعات يجد نفسه في ارادة الاطراف أنفسهم فهو نظام خاص ناتج عن ارادة الاطراف . الا انه مع تطور العلاقات التجارية الدولية و تشابكها قد يصبح العقد الذي ينشئ بتوافق ارادتين مجرد عنصر في مجموعة عقدية تتكون من عدة عقود .و بالتالي قد ينصرف اثر اي من هذه العقود باعتبارهم عنصرا من هذه المجموعة كما يمكن ان ينصرف الى شخص اخر مادام طرفا في احد عقود هذه المجموعة و من اجل الخروج من هذه الإشكالية فقد اعتمد الفقه و القضاء خاصة المقارن للتميز بين مبدأ نسبية اثر العقد و امتداد العقد على القاعدة التي تميز بين حجية العقد و اثره حيث اعتبروا الغير مستقلا عن اثر العقد و اقروا ان هذا الاخير قد يتأثر بالعقد وفق تطور العلاقات بين الاشخاص و باعتباره واقعة قانونية يتأثر بها الكافة وهكذا فانه لا مانع من امتداد شرط التحكيم  الى الغير على اعتبار انه لا يخل بمبدأ نسبية اثر العقد ذلك ان التحكيم قانون متطور في حين ان النظرية العامة للالتزام جامدة غير مرنة و هذا ما يتنافى مع مبادئ كثيرة اهمها العدالة .
لكن بالرغم من الطابع الارادي الذي يميز التحكيم الا ان هذه الارادة تبقى خاضعة للرقابة القضائية التي لها سلطة تذيل المقرر التحكيمي بالصيغة التنفيذية و مراقبة مدى مخالفة او عدم مخالفة الحل الذي توصلت إليه الهيئة التحكيمية مع القانون الوطني للقاضي . وهو الامر الذي نرصده في امتداد شرط التحكيم والذي كان قضاؤنا الوطني على موعد معه من خلال قضية " اينا هولينغ" . حيث اعتبرت المحكمة التجاري بالدار البيضاء ان تمديد شرط التحكيم الى طرف لم يوقع عليه يعد اجراء باطل و فيه مساس بالنظام العام المغربي 
نفس الأمر قضت به محكمة النقض المغربية التي عطلت مقرر تحكيمي بدعوى ان القانون السويسري الذي اختاره الاطراف لحل اي نزاع قد ينشأ بينهما لا يتضمن اي نص قانوني يقضي بتمديد شرط التحكيم لغير لم يشارك فيه ". [25]
و الحال ان القضاء السويسري اصبح يميل الى تمديد شرط التحكيم للأطراف غير الموقعة عليه اذا تبين ان الارادة الضمنية لتلك الأطراف قد قبلت به . مما يتضح من خلاله ان القضاء الاجنبي عكس القضاء المغربي لم يعد يقدس المبادئ التقليدية للعقد بل اضحى يتعامل مع ذلك بنوع من المرونة نظرا للطابع الذي تتميز به التجارة الدولية .

صفوة القول ، ان القانون ابن بيئته فكلما تقدم الزمن و تطورت معه الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الصناعية الا و كان لزاما على التشريعات المعاصرة مسايرة هذه التحولات من خلال تحين و عصرنة قوانينها لتلاءم متطلبات العصر قصد تسهيل المعاملات البشرية و حماية الطرف الضعيف في العلاقة العقدية تحقيقا لقواعد العدالة و الإنصاف وهذا ما لاحظناه في الانهيار النسبي ان لم نقول المطلق للمبادئ العامة للعقد التي صمدت لمدة طويلة من الزمن، الا ان ضربات رياح العولمة أبت الا آن تجعل هذه المبادئ ترضخ   لمستجدات العصر و بالتالي جعلها مرنة مع المعاملات مدنية كانت او تجارية .
 
لائحة المراجع :

الكتب :


عبد السلام علي المزوغي ، النظرية العامة لعلم القانون ، النظرية العامة في العقود و الالتزامات " المصادر الارادية للالتزامات " المجلد الاول نظرية العقد ، الطبعة الاولى ،دار الجماهير للنشر و التوزيع و الاعلان ، 1993


عبد القادر العرعاري ، مصادر الالتزام الكتاب الاول ، نظرية العقد ، دار الامان 2013


الحسين بلحساني : قانون المنافسة و حرية الاسعار بين المؤثرات الخارجية و الاكراهات الداخلية ، أشغال ندوة العلاقات التجارية و تنافسية المقاولات في التشريع المغربي و القانون المقارن ، ندوة علمية اقيمت بطنجة سنة 2013


عبد السلام فيغو ، الوجيز في احكام نظرية الالتزام في قانون الالتزامات و العقود المغربي ، الطبعة الثانية ، مطبعة المعارف 2014


محمد سعيد جرندي ، الدليل العملي لمدونة الشغل قراءة تحليلية نقدية لمقتضيات المدونة مدعمة باهم اجتهادات محكمة النقض ، مطبعة صناعة الكتاب ، الدار البيضاء 2016

الاطروحات و الرسائل

سعد بهتي ، امتداد شرط التحكيم ، اطروحة دكتوره في القانون الخاص ، كلية الحقوق سطات ، الموسم الجامعي 2016/2015

هبة محمد اديب ، اثر الظروف الطارئة على العقود المدنية ، رسالة
الماستر ، كلية الحقوق ، جامعة الازهر ، غزة 2013


المواقع الالكترونية

https://www.bayt.co


  1   -  ذ.عبد السلام علي المزوغي ، النظرية العامة لعلم القانون ، النظرية العامة في العقود و الالتزامات " المصادر الإرادية للالتزامات" المجلد الأول  : نظرية العقد ، ص 5، الطبعة الأولى 1993، دار النشر : دار الجماهير للنشر و التوزيع و الإعلان
 [2] - والعقد هو توافق إرادتين أو أكثر على إحداث اثر قانوني ، "ذ.عبد القادر العرعاري ، مصادر الالتزام الكتاب الأول ، نظرية العقد ، ص 111 الطبعة الأولى 2013 ، دار النشر : دار الأمان
[3] - يعنى بسلطان الإرادة الحرية في التعاقد و قاعدة العقد الشريعة المتعاقدين( الفصل 230  ق ل ع)
4        -  الفصل 231 ق ل ع الذي ينص ": كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية. وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب، بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الإنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته."

[5] - الحسين بلحساني: قانون المنافسة وحرية الأسعار بين المؤثرات الخارجية والإكراهات الداخلية، أشغال ندوة العلاقات التجارية وتنافسية المقاولات في التشريع المغربي والمقارن بطنجة يومي 12 و13 يناير لسنة 2001، ص 39-40

[6]   النص باللغة الفرنسية للمادة (1143): - ((Les Conventions Légalment formées tiennent lieu de Loi ă ceax qui Les ont faites)).


[7]  القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.03.194 بتاريخ 14 من رجب 1425 (11 سبتمبر 2003)
[8] القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 83-96-1 صادر في 15 من ربيع الأول 1417  (ج. ر. بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 - 3 أكتوبر 1996).
[9] القانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى او الاستعمال المهني الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.13.111 صادر في 15 من محرم  1435 ( 19 نوفمبر 2013)
[10]  - الجريدة الرسمية عدد 6192 الصادرة بتاريخ 26 ذو القعدة 1434 (3 أكتوبر 2013) مرسوم رقم 2.12.503 صادر في 4 ذي القعدة 1434 (11 سبتمبر 2013) بتطبيق بعض الأحكام القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك

[11]  - https://www.bayt.com   تاريخ التصفح 15 نونبر 2017
[12] - الحجز التحفظي هو إجراء عرفه المشرع في الفصل 453 من ق م م( " ... وضع يد القضاء على المنقولات والعقارات التي انصب عليها ومنع المدين من التصرف فيها تصرفا يضر بدائنه ...)
[13]  -الحق في الحبس هو وسيلة لحمل المدين على تنفيذ التزامه ، فهو بمثابة ضمان خاص أعطاه القانون لكل دائن يكون مدينا في الوقت ذاته لمدينه ( انظر ذ.عبد السلام احمد فيغو ، الوجيز في أحكام نظرية الالتزام في قانون الالتزامات و العقود المغربي ، ص 93 ، الطبعة الثانية سنة 2014 دار النشر : مطبعة المعارف
[14] - الدعوى الصورية هي من الوسائل التي تحافظ على الضمان العام للدائنين وتقع في دائرة التصرفات القانونية المالية . ( ذ . عبد السلام احمد فيغو ص 90 نفس المرجع )
[15]  الدعوى البوليصية جاءت هذه التسمية " البولصية " نسبة الى البريتور الروماني الئي ابتدعها و اسمه بولص و كانت هئه الدعوى تستعمل في القانون الروماني عند تصفية اموال المدين المفلس تصفية جماعية . " ذ . عبد السلام فيغو نفس المرجع
[16]  - نشر بالجريدة الرسمية عدد 6490 بتاريخ 07 ذو القعدة 1437(11 غشت 2016)، الظهير الشريف رقم 1.16.99 الصادر في 13 من شوال 1437 (18 يوليوز 2016) بتنفيذ القانون رقم 16-49 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي.
[17] - ظهير شريف رقم 1.13.111 صادر في 15 من محرم  1435 ( 19 نوفمبر 2013) بتنفيذ القانون رقم 67.12 المتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني
[18]  - .عبد القادر العرعاري ، مرجع سابق ،ص 210
[19]  - جريدة الرسمية عدد 5167 بتاريخ 08/12/2003 الصفحة 3969 ظهير شريف رقم 1.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 (11 سبتمبر 2003) بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل
[20]  - محمد سعيد جرندي: لدليل العملي لمدونة الشغل قراءة تحليلية نقدية لمقتضيات المدونة مدعمة باهم اجتهادات محكمة النقض، مطبعة صناعة الكتاب-الدار البيضاء، ط2016، ص 197.( قرار  عدد 170 الصادر بتاريخ 31-01-2013 في الملف الاجتماعي عدد 777/5/2/2012-)



[21]  - الجريدة الرسمية عدد 6192 الصادرة بتاريخ 26 ذو القعدة 1434 (3 أكتوبر 2013) مرسوم رقم 2.12.503 صادر في 4 ذي القعدة 1434 (11 سبتمبر 2013) بتطبيق بعض الأحكام القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك
[22]  - هبة محمد الديب ، أثر الظروف الطارئة على العقود المدنية ، رسالة الماستر كلية الحقوق جامعة الأزهر ، الموسم الجامعي 2014/2013 ص 15 
[23]  - هبة محمد الديب ، مرجع سابق نفس الصحفة
[24]  - سعد بهتي ، امتداد شرط التحكيم ،أطروحة دكتورة في القانون الخاص كلية الحقوق سطات موسم الجامعي 2015/2016 ص 244 ، جامعة الحسن الثاني
[25]  - سعد  بهتي،  مرجع سابق ص 247 ،
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

6 التعليقات:

Unknown يقول...

المرجو منكم ارسال المقال الى حسابي gmail وشكرا..

Unknown يقول...

Jamalaydayn@gmail.com

Unknown يقول...

المرجو ارساله عبر البريد الالكتروني

Unknown يقول...

المرجو إرساله عبر البريد الالكتروني

Unknown يقول...

يرجى إرساله عبر البريد الإلكتروني

Unknown يقول...

المرجو ارساله عبر البريد الالكتروني

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016