ملامح العلاقة الرابطة بين القضاء والقانون
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ملامح العلاقة الرابطة بين القضاء والقانون
بدر الدين الداودي : طالب
باحث بصف الدكتوراه
بكلية الحقوق بمكناس
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس
مــقــدمــــــــة :
إن النزاع بين العدالة من جهة، والقانون أو الثقة بالقانون من جهة ثانية، يجب أن يحسم بأن يكون للقانون الوضعي الذي يحوز المشروعية والنفاذ والأولوية، حتى لو كان مضمونه جائرا وغير عادل، على أنه إذا بلغ التعارض بين القانون الوضعي والعدالة حدا لا يمكن تحمله، فمن المفروض أن يخلي القانون بوصفه قانونا ظالما مكانهُ للعدالة[1].
مما لا شك فيه أن هذا التوجه الذي نادى به الأستاذ رادبروخ يدفع الباحث للتنقيب في طبيعة الأدوار التي يفترض أن يلعبها القاضي في حياة القاعدة القانونية، هل يختزل الأمر في مجرد الفهم والتطبيق الحرفي، أم أنه يتعدى ذلك إلى حد البحث عن سماتِ العدل والإنصاف لِما وراء ما ترسمه هذه القاعدة، ولعل محاولة استجلاء مقومات السيناريو الذي تتأسس عليه أركان هذه العلاقة لن تتوضح، إلا من خلال البحث في ملامح العلاقة الرابطة بين مفهومين على درجة قصوى من الأهمية : "القضاء والقانون".
إن النّبش في طبيعة هذه العلاقة يضع الباحث أمام أدوار عديدة يقوم بها الأول لصالح الثاني، فإذا كان القانون كالدم في الجسم الحي، لازم للوجود ولاستمرارية الحياة، وبغيره لا وجود له ولا حياة، فإن القضاء هو الذي يبث الروح في القاعدة القانونية ويخرجها إلى الحيز الواقعي من خلال التطبيق السليم لها، ونقلها من حالة السكون إلى الحركة. كما أنه هو الذي يكفل سيادتها، إذ لطالما شكلت الرقابة القضائية ركنا أساسيا في رحلةِ البحث عن استكمال مقومات دولة القانون.
ولما كان القانون ليس بتعبيرٍ عن حقيقةٍ أنزلت من السماء أو أثبتها العلم، فإن القاضي حين بته في القضايا المعروضة عليه "يضطر في كثير من الأحيان إلى تفسير وتأويل قواعد القانون وتكييف استعمالها مع مستجدات العصر، وملء ما قد يتخللها من فراغ، واستجلاء ما يكتنفها من غموضٍ"[2]، مما يَبرز معه دور القاضي هذه المرة كمكمل للقاعدة القانونية كلما شابها لبس أو غموض أو نقصان، وهو توجه مأثور، على اعتبار أن العادة درجت على نعث القضاء بكونه مصدرا مكملا للتشريع، وليس مجرد آلةٍ صماء تطبق القانون فقط.
كذلك، وفي نفس السياق، يسطع أيضا دور القاضي كمصدر إنشائِي للقاعدة القانونية، والمتتبعُ للعمل الذي تباشره محكمة النقض سيرصد عدة اجتهادات قلبت وجه المعاملات، لأنها أقامت قاعدة قانونية جديدة لتدارك فراغٍ تشريعي، أو أكملت نقصا في التشريع، أو أنها جاءت بتفسيرٍ مِقدام أدَّى إلى قراءة تخالف ظاهر النصوص القانونية تحت داعي مبدأ تحقيق العدالة والإنصاف، أو بغية تحقيق الأمن القانوني، أو فقط تكريسا لهيبة أحكام القضاء[3].
وإذا كانت هذه إذن بعضٌ من مظاهر تأثير القضاء وتدخله في نطاق القانون، فإنه في الجهة المقابلة تطفو على السطح العديد من السبل التي من خلالها يتأثر القضاء جرّاءَ تفعيل أحكام القانون تجاهه، فالقضاء لا يمكن أن يؤدي رسالته السامية ودوره الراقي بمعزل عن القانون الذي يسهر على تنظيم جل تفاصيل عمله، وتوجيهه، بل وتطويره على نحو يجعله يرقى لتطلعات مختلف الفاعلين الاقتصاديين من خلال تحسين أدائه، وتخليق الأجواء في أروقته عبر بوابة النزاهة والمساواة والعدل، وما جاور هذه المفاهيم من معاني مشابهة.
هكذا إذن، يظهر بأن العلاقة بين القضاء والقانون مشوبة بنوع من التأثر والتأثير المتبادل، لتعلق الأمر بمفهومين يتفاعلان و يتلاقحان، ويفيد ويخدم بعضهما بعضا، على أن هذا لا يعني بأنهما متزامنان في النشأة[4]، حيث تعد وظيفة القضاء حسب البعض أسبق في الوجود تاريخيا عن قواعد القانون الوضعي، سواء العرفية منها أو التشريعية"[5]، فقواعد هذا القانون تكاد تكون إلى حد بعيد، مجموعة من الأحكام التي وضعها القضاة أنفسهم على مر السنين، فهي بصفة عامة مستمدّة من الرأي القانوني المهني السائد الذي كان القضاة عنصرا رئيسيا من عناصره، بل أهمها[6].
وبعيدا عن الخوض في غمار هذا الصدام التاريخي، يتضح بأن الإشكالية التي تطرح نفسها تتحدد في ماهية أبرز مظاهر التأثير والتأثر المتبادل بين كل من القانون والقضاء؟
في سياق البحث عن ملامسة بعض جوانب هذه الإشكالية، وإيمانا منا بأن ملامح العلاقة موضوع الدراسة جد شاسعة، إلى جانب كونها غير موضوعة بدقة بسبب تعدد وسائل الربط فيما بينها، فإن هذا العمل المتواضع سيقتصر على رصد بعضٍ من الأدوات التي عبرها يسلك القانون طريقه وهو يمارس دوره التأطيري والتوجيهي لجهاز العدالة (أولا)، على أن نحيل الدراسة على بعض مظاهر تدخل القضاء في حياة القاعدة القانونية (ثانيا).
أولا : مظاهر تأطير القانون لعمل الجهاز القضائي وتوجيهه
إن الناظر في مظاهر تدخل قواعد القانون في منظومة القضاء يكتشف تلك التوليفة، وذلك التعدد في الأدوار الذي تقوم به هذه القواعد، خاصة تلك الرامية إلى بعث مزيد من الثقة في الجهاز القضائي (ب)، وكذا تلك التي تسعى إلى توجيه عمله من خلال سياسة التحكم والضبط (أ).
أ : التوجيه القانوني لعمل الجهاز القضائي
يراد بالتوجيه تلك العملية المنظمة التي تأتي على شكل تخطيطات معينة، وإرشادات يضعها رجال القانون لفائدة القضاء بناء على دراسة دقيقة ومتكاملة، على أمل أن تحقق هذه السلطة الأهداف المعلقة عليها، وهي تعد من المهام الأساسية التي تضطلع بها القاعدة القانونية، فعبرها تحدد الخطى التي يجب أن يسير عليها القاضي، سواء من حيث إجراءات رفع الدعوى أمامه، طريقة عقد الجلسات، شكلية تحرير الأحكام والنطق بها، كيفية الاستماع للشهود الخ، وانسجاما مع فلسفتها ينبغي عليه أن يؤدي وظيفته المتجسدة في نهاية المطاف، في التطبيق السليم للقانون.
على أن عملية التوجيه والإرشاد هذه تبرز أكثر حين يُسلط الضوء على "الدور التدخلي للقاضي"، ففي مثل هذه الأحوال يظهر القانون كضابط ومنظم لهذا التدخل، وهو ما سيتم التفصيل في دراسته ضمن حيثيات الشق الأول (1)، على أن نوضح فيما بعد وظيفة القانون في إضفاء الشرعية الجنائية على عمل القاضي الجنائي، على أساس أن هذه الصبغة لن تتوفر إلا إذا احترم القاضي الأسس والخطوات التي يرسمها له القانون (2).
1 : الضبط القانوني للتدخل القضائي بين الإطلاق والتقييد
يعتبر القانون المتحكم الأساسي في عمل القاضي والضابط لحدود تدخله في شتى المجالات، ولعل الملاحظ في هذه النقطة هو عدم استقرار النهج التشريعي على رؤية موحدة بشأن السلطة التي يجب أن يملكها القاضي، فتارة نجد القانون يقيد عملية نظره في قضايا معينة، وتارة أخرى يطلق له العنان.
وبالتالي فنطاق التدخل القضائي يضيق ويتسع من قطاع لآخر حسب الرؤية التي أرادها له المشرع، فإذا كانت صلاحياته – أي القاضي – مثلا في نظام الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة واسعة ومطلقة[7]، فإنها تضيق في مجال العقود[8] وفي حيثيات المقتضيات المنظمة لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة[9].
ونفس الشيء يلاحظ في شأن أحكام التنفيذ المعجل التي تنشطر إلى قسمين، القسم الأول يتعلق بأحكام مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، أي أنها تنفذ قبل الأوان العادي للتنفيذ استنادا إلى نص قانوني يلزم المحكمة بالتصريح بشمول الحكم بالنفاذ المعجل، من دون أن يكون لها أي تقدير في ذلك[10]، أما القسم الثاني فتندرج ضمنه الأحكام التي تنفذ معجلا بناء على تقدير من المحكمة ، إذ في هذه الحالة يستمد النفاذ المعجل قوته التنفيذية من الحكم ذاته[11].
ويعتبر هذا التخبط واللااستقرار في ضبط عملية التدخل القضائي واقعا له ما يبرره، فالمعيار الذي استُنِد عليه حين تقزيم دوره في نطاق العقود هو "عدم الخروج عن مبدأ استقرار المعاملات"، في حين أن الرؤية التشريعية التي حتمت تضييق الخناق عليه في مادة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة وإطلاق سلطاته في ثنايا نظام الكتاب الخامس من مدونة التجارة تتحدد في "حماية المصلحة العامة".
أما الباعث الكامن وراء تنفيذ الحكم بشكل معجل رغم الطعن فيه بالتعرض أو بالاستئناف، فيرجع إلى تنبه المشرع إلى أن تطبيق القاعدة القائلة بأن الطرق العادية للطعن وآجالها ترتب الوقف المؤقت لإجراءات التنفيذ، قد يضر أحيانا بمصالح الطرف المحكوم له إما لوضعيته الاجتماعية، أو لقوة السند الذي بيده ...[12]، الشيء الذي دفعه إلى فتح هوامش واسعة للقضاء لتنفيذ المعجل قبل الأوان العادي والطبيعي، أحيانا بشكل إلزامي رغما عن أنفه، وأحيانا أخرى بناءً على ما له من سلطة تقديرية.
هكذا إذن، يتبين كيف أن سلطات القاضي تظل محكومة برؤية المشرع، حيث تتسع اتساعا شديدا في بعض المجالات، في حين تضيق ضيقا شديدا في أخرى، ولعل الملاحظ في هذا الصدد أن وتيرة التدخل القضائي وتوجيهها تطرح بشكل أكبر في المجال الجنائي، حيث القاضي مقيد بالعديد من المبادئ والقواعد التي لا يسوغ له أن ينحرف عنها، وهو ما سنحاول بيانه في النقطة الموالية.
2 : دور القانون في إضفاء الشرعية على التدخل الجنائي للقضاء
يعد موضوع الشرعية الجنائية من أكثر المواضيع حساسية، إذ من خلاله تصان حرية الأفراد، وعبره تقيد السلطة، فلا يعاقب الفرد إلا إذا كان الفعل الذي أتاه مجرما قبل إتيانه، اعتبارا للمبدأ القائل : "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"[13].
وإذا كان هذا هو مفهوم الشرعية الجنائية في دلالته العامة، فإننا نرصد في الواجهة المقابلة مبدأ آخر مكملا له، ويتعلق الأمر بالمبدأ القائل : "لا عقوبة إلا بحكم قضائي"، فالنطق بالعقوبة وتطبيقها على المحكوم عليه يرتبط بشكل أوتوماتيكي بالسلطة القضائية، الشيء الذي يجعل من القضاء الناطق الرسمي باسم الشرعية الجنائية.
يعتبر مبدأ الشرعية من أهم الضوابط المقيدة لسلطة القاضي حين توقيعه للجزاء، إذ من خلاله يتم كبح جماحه ومنعه من التدخل جنائيا خارج الحدود والأوضاع التي يحددها القانون، "بما يجعل منه ضمانة أساسية للأفراد في مواجهة السلطة القضائية، إذ أن هذا المبدأ يمثل ضابطا أوليا وأساسيا على حرية القاضي ما دام هذا الأخير ملتزم بما حدده القانون سلفا"[14].
ولما كانت الغاية الأساسية لكل سياسة جنائية في أي دولة ديمقراطية تتجسد في مكافحة الظاهرة الإجرامية والحد منها ومعاقبة مقترفيها، وإذا كانت هذه السياسة قد عرفت بالمغرب عديدا من الإصلاحات، إلا أنها مازالت تعاني من بعض الشوائب والنقائص[15]، فمقتضيات القانون الجنائي بصفة عامة، وعلى الرغم من التعديلات والمراجعات الجزئية التي أدخلت عليها سيما في السنوات الأخيرة، مازالت تعتريها مظاهر النقص والقصور، كما تشكو الفراغ في مواطن أخرى[16]، مما يجعل من ملامسة فكرة الشرعية الجنائية من طرف القاضي، في ضوء هذا الواقع القانوني، مسألة صعبة شيئا ما[17].
وتزداد المسألة تعقيدا حين نعلم بما تسبب فيه ولوج المجتمع المغربي على غرار سائر المجتمعات عصر الحضارة الرقمية، ولما تسبب فيه ذلك من بروز لظاهرة الإجرام المعلوماتي، الشيء الذي طرح تحديات جديدة على المشرع الجنائي الذي يمكن أن نقول بأنه لم يحل معضلة هذا النمط الإجرامي إلا جزئيا، مما ارتد صداه على مسألة تعامل القضاء، فالممارسة فضحت عن عدم تناسب النصوص الجنائية الكفيلة باحتواء الإجرام المعلوماتي رغم المجهودات المبذولة لسد الفراغ الذي كانت ولازالت تعانيه الترسانة القانونية في هذا الشأن[18].
ب : دور القانون في إرساء الأمن القضائي
أبانت التجربة على أن القانون، في إطار خدماته التي يقدمها للقضاء، إلى جانب كونه يسعى لضبط وتوجيه سلوك القاضي في شتى المجالات، بأنه يستطيع أن يضع نصبَ أعينه أهدافا أخرى، خاصة "تحقيق الأمن"، ولعل قطاع العدالة في شقه الضيق يمثل الحقل الذي يجب بعث هذا المفهوم في وسطه، سواء من خلال سياسة تروم تأهيل هذا القطاع (1)، وكذا عبر استكمال المقومات الأساسية التي تكفل للقضاء استقلاليته التامة (2).
1 : التأهيل كرهان لتدعيم الثقة في الجهاز القضائي
يعتبر إصلاح منظومة العدالة جزءا لا يتجزأ من مجموعة من الوحدات المتفرقة التي يؤدي اختلال أحدها إلى شل مسلسل الإصلاح وإعاقة عملية الوصول لإدارة فعالة ومنتجة، وفي هذا يتم رصد ذلك الدور المحوري والفعال الذي يلعبه القانون في تأهيل القضاء من خلال تبني خيار التخصص في القضايا (1-1)، وكذا من خلال تطويع التكنولوجيا الرقمية وتأهيل الموارد البشرية (1-2).
1-1 : تأهيل القضاء من خلال خيار التخصص
يعد خيار التخصص الذي سار عليه المشرع المغربي على مستوى العمل القضائي من الأمور التي فرضتها طبيعة الثقافة القانونية التي يتطلبها كل فرع خاص، والتي تجعل القاضي قادرا بحكمه على أن يحول النص القانوني إلى واقع، والواقع إلى حقيقة، فتكوين عقلية القاضي وتنمية قدراته هي التي توفر له القدرة على إنزال حكم القانون على الواقعة المعروضة عليه[19].
إن الأمن القضائي لا يمكن تصوره إلا في ظل قضاء يؤمن بالحداثة سواء على مستوى برامج العمل ومستوى برامج التكوين والتكوين المستمر، وكذا بالنجاعة على مستوى المردودية والإنتاج والحرص على تنفيذ الأحكام القضائية، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق إلا عبر سياسة تروم "تضييق النطاق المجالي للحقل القانوني" الذي سيعمل القاضي في إطاره، حتى يمسك بزمام الأمور ويلم بتفاصيلها.
وهكذا يظهر بأن الحاجة أضحت تدعو أكثر من أي وقت مضى إلى إتباع نظام التخصص في العمل القضائي، على أساس أن "القاضي المختص في نوع معين من النزاعات يكون أكثر فهما للدعوى، وفصله فيها يكون سريعا نتيجة ممارسته لنوع واحد من القضايا"[20]، ولعل هذا المسلك من شأنه أن يتصدى لظاهرة التضخم التشريعي ولو بشكل جزئي[21].
وإذا كانت التجربة المغربية في مجال تأهيل القضاء قد قطعت أشواطا مهمة[22]، على أننا مازلنا نسجل على العمل القضائي كونه ما يزال بعيدا شيئا ما عن المستوى المطلوب منه، نظرا للدقة والتعقيد والتقنية العالية التي تتسم بها بعض المجالات، خاصة منها الضريبية والتجارية والعقارية، إلى جانب محدودية التكوين الذي يتلقاه، مما يجعله ملزما في العديد من الحالات بأن ينتدب أهل الخبرة لفك طلاسِم النازلة التي هو بصدد النظر فيها.
وإذا كنا لا نطعن في حق القاضي بشأن اللجوء إلى تقنية الخبرة طالما أن هدفه في نهاية المطاف يظل نبيلا، وطالما أنها مخولة له بمقتضى القانون في المسائل التقنية والفنية من أجل مساعدته على استكمال تكوين قناعته، إلا أن أحد الباحثين قال : "بأن دراسة العمل القضائي بالمحاكم المغربية تؤكد حقائق أخرى، منها أن المحاكم أضحت تقضي بالخبرة حتى في المسائل القانونية التي يفترض العلم بها"[23]، وهي مسألة تظل غير مقبولة.
ولا تفوتنا الإشارة ونحن بصدد الحديث عن تأهيل القضاء من خلال سلوك طريق التخصص أن نُذَكر بابتداع الفكر القانوني لبنيات تنظيمية يطلق عليها هيئات النوظمة[24] أو الهيئات الإدارية المستقلة أو هيئات الضبط والتقنين[25]، كهيئات يتميز تدخلها بالطابع الوقائي بشكل أساسي، فهو تنظيم قبلي مقارنة بالتدخل الصادر عن القضاء، يهدف إلى تأخير تطبيق الحلول القضائية.
كما أنها هيئات تتمتع بسلطة توقيع الجزاء على غرار القضاء[26]، مما نبأ بفقدان هذا الأخير لجزء من صلاحياته في مجال المنافسة على وجه الخصوص لصالح النّاظِم، وهو توجه يخدم في نهاية المطاف فكرة تخفيف العبء على القضاء، إلى جانب تحسين مستوى جودة وفعالية نمط التدبير المعتمد لفض النزاعات.
1-2 : تأهيل القضاء من خلال تفعيل متطلبات المعلوميات والاعتناء بالموارد البشرية
إن التحديث يقتضي، حسب ما ورد في ميثاق إصلاح منظومة العدالة، العمل على عَصْرنة الإدارة القضائية عن طريق التكنولوجيا الرقمية الحديثة، في أفق الوصول إلى "المحكمة الرقمية"، مع اعتماد الشبكة العنكبوتية في أداء الرسوم والغرامات، والعمل على تحديث الآليات التي يباشر بها العمل داخل المحاكم.
في هذا السياق، وفي سبيل مواجهة ظاهرة البطء التي تعرفها وتيرة عمل السلطة القضائية، أدخلت وزارة العدل نظام المعلوميات لمختلف محاكم المملكة، مما جسد خطوة مهمة للانفتاح على التشريع المقارن والأحكام الصادرة، سواء داخل المغرب أو خارجه.
وفي هذا نسجل العمل الذي قامت به مديرية التحديث والدراسات التابعة لوزارة العدل، والتي أخذت على عاتقها تحديث قطاع العدل من خلال الاستفادة من مشروع ميدا (MEDA) الذي يروم إدخال المعلوميات لمختلف المحاكم وربطها بالشبكة العنكبوتية[27]، وذلك لمجابهة حالات البطء التي تعاني منها المحاكم على مستوى طبع الأحكام وضعف الجودة في صياغتها، وكذا تيسير الانفتاح على دول العالم وعلى القوانين المقارنة[28].
وعلى اعتبار أن بث روح المعلوماتية في العمل القضائي سيظل عقيما إذا ما تم تهميش الاهتمام بالموارد البشرية، لأجل هذا، و "بدافع الرغبة الأكيدة في بناء قضاء عصري وفعال دائما، خضعت الأطر العاملة بالمحاكم لتكوين معلوماتي، لدرجة أصبح معها تصريف العمل اليومي يتم آليا عبر الحاسوب في أقصر الآجال وعلى النحو المطلوب"[29].
هي في حقيقة الأمر عديد من الإجراءات التي تم الاعتناء بها، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى تطويعِ التكنولوجيا الرقمية وجعلها في خدمة جهاز العدالة، ولعل المتتبع للمجهودات المبذولة في هذا المجال سيكتشف أن المغرب خطى خطوات مهمة، حيث أضحينا نشهد جلسات الكترونية تقتصر على استعمال الحواسيب بعيدا عن أكوام الملفات والأوراق، مما نبأ بتقدم ملحوظ.
2 : تحقيق الأمن القضائي من خلال ضمان استقلالية السلطة القضائية
إذا كان العدل أساس الملك، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل، هذا الاستقلال الذي لا يمكن أن يتحقق إلا حين يكون القضاة أحراراً في بحثهم عن الحقيقة، بعيدين عن كل أنواع التدخل أو الضغط أو الإغراء أو التهديد، فالقاضي يجب ألا يخاف في الحق لومة لائم[30].
إن السلطة القضائية لا يمكنها أن تأتي بالفائدة المنتظرة إلا إذا كانت مستقلة عن باقي السلط، وكان القضاء ينظر في النوازل دون الأشخاص، ويفصل في الأحوال دون تمييز، فبدون الاستقلال لا يمكن للمحاكم أن تحضى بثقة المتقاضين، والمستثمرون بدورهم لن يفوضوا لها مسألة النظر في أمورهم.
وفي هذا يؤكد رجال القانون ومختلف الفاعلون الحقوقيون على أن السلطة القضائية لم تكن يوما مستقلة، وإنما آلية بيد السلطة التنفيذية تستعملها دون هوادة ضد خصومها السياسيين، تماما كما حدث في سنوات الرصاص[31].
ربما هذا الكلام إذا كان من الممكن أن يكون مقبولا في فترات سابقة، فإنه يظل محل نظر في العصر الحالي، نظرا للمكانة التي أضحت تكتسيها السلطة القضائية، ووقوفها على قدم المساواة إلى جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا ما أقره دستور فاتح يوليوز 2011، وجاء ليؤكده القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية[32]، وكذا النظام الأساسي للقضاة[33].
ولعل المتتبع للحركة التشريعية ببلادنا يعلم بأن سنة 2017 قد جاءت بوافد جديد من خلاله تم تدشين حلقة أخرى من حلقات استقلال السلطة القضائية، ويتعلق الأمر هنا بقانون 33.17 الذي بموجبه تم نقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة [34].
لقد جاء هذا القانون ليستكمل مشوارَ ذلك العمل التشريعي الذي كان يرمي إلى ضمان استقلال السلطة القضائية، حيث نص على أن الوكيل العام لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة سيحل محل وزير العدل في ممارسة الاختصاصات الموكولة لهذا الأخير والمرتبطة بسلطته وإشرافه على النيابة العامة وقضاتها[35]، سندا بذلك مهمة تعيين قضاة النيابة العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بناء على اقتراح هذا الرئيس أو باقتراح من المجلس بعد استطلاع رأي هذا الأخير.
كما أكد على تمتيع قضاة النيابة العامة بالشروط القانونية التي تضمن لهم الاستقلال العضوي والشخصي، وكذا الاستقلال المالي والإداري والمؤسساتي[36]، فقد عمل على إحداث مجموعة من الهياكل الإدارية والمالية والفنية والبشرية اللازمة لتمكين الوكيل العام لدى محكمة النقض من ممارسة مهامه[37].
ثانيا: مكنات التدخل القضائي في حياة القاعدة القانونية
تشكل سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، لأن الدولة ينبغي أن ترضخ لأحكام القانون، فدولة الحق والقانون، يفترض فيها خضوع الجميع، بلا استثناء، لأحكام القانون، وهو ما يقتضي إيجاد السبل التي تمكن الأفراد من اقتضاء حقوقهم، وتضغط على السلطة من أجل احترام هذه الحقوق، بل وتنزع صلاحية النفاذ عن أحكام القانون كلما اتسمت بمخالفة أحكام الدستور (أ).
من جهة أخرى، وفي سياق البحث في مكانة القاضي تجاه القاعدة القانونية دائما، تطفو على السطح مسألة أخرى ترتبط بدور القاضي، لكن هذه المرة كمنشِئ لهذه القاعدة، ذلك أن المتتبع للعمل القضائي يمكنه أن يلاحظ بروزا واضحا لهذا الدور، فكم من نصوص قانونية مُهد لها بأحكام وقرارات قضائية (ب).
أ : دور القضاء في إعلاء كلمة القانون
تعتبر الرقابة القضائية على أعمال "الإدارة" السبيل الذي عبره يقوم أي نظام ديمقراطي، ومن خلاله يمكن تكريس سيادة القانون (2)، لكن السلطة الإدارية هنا ليست وحدها الملزمة بالامتثال للقانون، بل إن جميع السلطات، كيفما كانت، يَتَحتم عليها ذلك، بما في ذلك "السلطة التشريعية" التي تعد واضعة القانون ومنشئته، إذ يُلزم المشرع بممارسة اختصاصاته في دائرة الحدود التي رسمها له النص الدستوري، ففي هذه الحالة أيضا يكون تدخل القاضي ضروريا، لكن هذه المرة كقاضٍ دستوري (1).
1 : دور القضاء الدستوري في إعلاء كلمة القانون
إعلاء لأحكام الدستور، وصونا لها من الخروج عنها من جانب التشريع، تسعى النّظم الحديثة إلى فرض رقابة على هذا الأخير درءا لكل محاولة ترمي إلى انتهاك أحكام أسمى وثيقة، حيث تقر أغلب الأنظمة السياسية نظاما للرقابة على دستورية القوانين، والمغرب على غرار هذه الدول سار على نفس الخطى حين أحداثه مؤسسة المجلس الدستوري لأول مرة من خلال دستور 1992.
وحين مجيء دستور 2011 كان المشرع أكثر جرأة في الرقي بهذا المجلس إلى محكمة دستورية كمحكمة متخصصة، وقد أصدرت الحكومة بتاريخ 13 غشت 2014 القانون التنظيمي رقم 066-13 المتعلق بالمحكمة الدستورية[38]، راجية من وراء ذلك نقل الرقابة الدستورية من رقابة سياسية إلى رقابة قضائية[39].
ويعود السبب الكامن وراء ابتداع الفكر القانوني لمؤسسة القضاء الدستوري إلى السعي نحو تحصين هذه الوثيقة من كل انتهاك قد يطالها من القوانين التي تدنو منها، حيث خول لجهات معينة صلاحية إحالة القوانين على المحكمة الدستورية لأجل النظر في مدى مطابقتها لأحكام الدستور[40].
فالقضاء الدستوري إذن هو الحارس الأمين لبوابة الشرعية، وهو الحامي للنظام الديمقراطي والكافل لسيادة القانون، وهذا ليس كلاما نظريا، بل إن التجارب التي مرت منها الدول الآخذة بالرقابة على دستورية القوانين تؤكد أن القضاء الدستوري قد أدى ولا يزال دورا حيويا في حماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد[41].
2 : إعلاء كلمة القانون من خلال توجهات القضاء الإداري
من المقومات الأساسية التي تقوم عليها دولة الحق والقانون يتجلى لنا مبدأ الشرعية كمبدأ يقتضي إخضاع الجميع، حاكمين ومحكومين لسلطة القضاء، اعتبارا للفكرة القائلة بأن القانون ينبغي أن يكون مثل الموت التي لا تستثني أحدا، "فسيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة التي يجب أن تخضع للقانون"[42].
ومما لا شك فيه أن مهمة القضاء لا يمكنها أن تأتي بالفائدة المرجوة إلا إذا كانت تنظر في النوازل دون الأشخاص، وتفصل في الأحوال دون تمييز، وتسعى إلى تطبيق القانون باعتباره مجموعة قواعد عامة ومجردة.
إن الدفاع عن هذا التوجه برز جليا في ظل الممارسات التي كان ينهجها القضاء، والتي كانت تذهب في عديد منها إلى إنصاف الإدارة على حساب المواطن الذي كان يعاني الأمَرّين[43]، من هنا برزت المهمة الحمائية للقضاء كركيزة من الركائز التي تقوم عليها مؤسسة الأمن القضائي والقانوني، إذ لم يعد مطلوبا منه –القضاء- أن يقف حائط صَدّ في وجه تجاوزات الأفراد بعضهم تجاه بعض، وإنما أيضا في وجه تجاوزات الإدارة ضِد هؤلاء، اعتبارا لما نص عليه الفصل 6 من الدستور[44].
لأجل هذا، أصبح القاضي الإداري "قاضيا إيجابيا"، حيث أصبح يتدخل لتوجيه الأطراف لإتمام المسطرة واستكمالها [45] سعيا منه لإيصال الحق لأهله. كذلك نجد بأنه أضحى يسعى إلى إحاطة المواطن بحماية قصوى، وذلك من خلال تمتيعه بكافة الضمانات القانونية التي أبدع هو نفسه في إيجادها، مما جعل منه "قاضيا لتطبيق الضمانات المخولة للملزم، باعتباره الطرف الضعيف"[46]، ولعل خير مثال يَبرز معه هذا التوجه الذي أضحى يسير عليه القضاء الإداري ذلك المتعلق بالتعويض عن الخطأ القضائي[47].
وعليه، فالقضاء الإداري يعتبر الحامي الأمين للمواطن من مختلف التجاوزات التي قد تقوم بها الإدارة في وجهه، على أن هذا المنحى سرعان ما يتصدع حين نعلم بأن الغالبية العظمى من الأحكام القضائية التي تصدر ضد الإدارة لا تنفذ، مما يضرب في الصميم قوة الشيء المقضي به، ويعتبر إهدارا لمبدأ سيادة القانون.
ذلك أنه ينزع الهيبة عن أحكام القضاء، ويُهدر مفعولها، بل ويزرع الشك في جهاز العدالة، كما أنه يتعارض مع الآمال المعقودة على هذا الأخير في بناء صرح دولة الحق والقانون، فبدون التنفيذ تصبح الأحكام عديمة الجدوى والفعالية، ويفقد الناس ثقتهم في القضاء والقانون على حد سواء.
إن دراسة هذا الشق لا يمكن أن تكون بارزة المعالم إلا من خلال التصدي لتوجهين، لكل منهما نصيبه من درجات الصواب، أما الأول فيعتقد بأن دور القضاء ليس تشريعيا، بل يقتصر على بيان القانون النافذ، وتفسير أي شك يشوبه (أولا)، في حين ينتقد المعارضون ما ذهب إليه رواد التوجه الأول، معتبرين بأن ادعاء اعتبار القضاة مجرد معلنين للقانون هو مجرد ادعاء أجوف، فالقضاء له ثقله ودوره أيضا في مجال التشريع (ثانيا).
1 : دور القضاء ينحصر في مجرد إعلان القانون وتطبيقه
لقد كان و ما يزال البحث في دور القضاء كمنشئٍ للقاعدة القانونية من بين المشكلات الأساسية التي شغلت بال المفكرين في الحقل القانوني، كما أنها استغرقت عديدا من كتب فلسفة القانون، هذه المسألة التي تبدو للوهلة الأولى سهلة المنال و غاية في السهولة و البساطة.
إن مرد الجدل يرجع إلى تباين مكانة الاجتهاد القضائي في مختلف الأنظمة القانونية، فمعظم القوانين الحديثة كانت تعتبر القضاء مصدرا تفسيريا لا غير، يستند إليه للاستئناس، هذا الموقف الذي جاء نتيجةَ التفسيرِ الخاطئ الذي تبناه رجال الثورة لمبدأ فصل السلطات، والذين ذهبوا إلى حد الدعوة لإلغاء كل دور للاجتهاد القضائي في إنتاج القاعدة القانونية، وبضرورة قصر عمل القاضي على تطبيق مقتضيات التشريع بصورة آلية[49]، فدور القضاء حسب هذا التوجه ليس دورا منشئا للقاعدة القانونية بل مقِرا بوجودها، والقاضي إذا واجهه فراغ تشريعي فإنه لا يشرع بل يلتمس الحل القانوني في المصادر الرسمية الأخرى للقانون، كالعرف و مبادئ الشريعة الإسلامية، و عندما يجد فراغا أو نقصا في المصادر الرسمية للقانون فإنه يجتهد في إيجاد حل عادل للنزاع المعروض عليه، وهو بذلك لا يخلق القواعد القانونية، و لكنه يخلق حلا فرديا[50].
وتأكيدا لهذه الفرضية، يقول البعض بأن القضاة ليس من اختصاصهم صنع القانون، بل أن يقولوا ما هو القانون، وهذا ما يفرض وجوبا التمييزَ بين القانون كما هو كائن، والقانون كما يجب أن يكون، فالقضاة هنا لا يهتمون بما يجب أن يكون عليه القانون، بل يهتمون بما هو القانون فعلا[51]، وبالتالي فوظيفتهم تنحصر في تطبيق القانون على النوازل المعروضة عليهم، فإذا اعتُرف لهم بسلطة تفسير القواعد القانونية الغامضة والمبهمة، فهذا لا يعني فتح الباب أمام اتخاذهم ذلك كذريعة ليدّعوا مساهمتهم في خلق هذه القواعد، فهم إذا كانوا قد عملوا على تجديد القانون، فهذا الأخير يعد سابقا على قرارهم ومفروضا عليهم[52].
2 : الدور التشريعي للقضاء
لقد أظهر الواقع العملي قصور الموقف القائل بضرورة تجنب التشريع القضائي، ووجوب تقييد كل دور للقاضي في عملية صنع القوانين، حتى أن البعض [53] اعتبره مجرد "خيال أطفال"، ذلك أن الممارسة كشفت بأن القاضي كثيرا ما يضطر، حتى لا ينعت بهروبه عن إرساء العدالة، للاجتهاد من أجل الوصول إلى حل يطبقه على النزاع، فإذا ما "تواترت هذه الأحكام و استُقر على الأخذ بها في الحالات المماثلة"، فبذلك توجد القاعدة القانونية .
صحيح أن القاضي حين يخلق حلا عادلا للنزاع، فإنه بذلك لا يخلق إلا حلا فرديا، وأن الحكم الذي يصدره لا تكون له حجية فقط سوى في حدود هذا النزاع، لكن ما يجب الإلمام به أيضا أن هذا الحل الفردي قد يسهم في إنشاء القواعد القانونية إذا أخذت محاكم أخرى به في المنازعات المشابهة، ففي هذه الحالة الأخيرة يصبح الحل المأخوذ به ليس مجرد حل فردي فقط، بل يعد صادرا عن القضاء، ويجب دائما التفرقة بين حكم القاضي، وبين القضاء –كسلطة-، فالأول يستطيع فقط خلق حلول فردية، أما الثانية فهي مصدر من مصادر القاعدة القانونية[54].
بل إن البعض اعتبر بأن القانون الحي هو الذي تصنعه المحاكم، مما يؤكد بأن ضرورة تجويد العمل القضائي تفرض ألا يحجر على المحاكم في تطوير اجتهاداتها، بل يجب فسح المجال أمامها للمشاركة في العملية التشريعية من أجل التوصل إلى منظومة قانونية متوازنة وعلمية قابلة للتطبيق، وبالتالي الحيلولة دون تحول القاضي إلى آلة تطبق القانون بصورة مجردة وساكنة[55].
في الواقع، لم يكن من المتصور إثارة مسألة إنشاء القضاء للقاعدة القانونية لو أن التشريع جاء كاملا لا يشوبه النقص و الغموض، فالفكر القانوني أدرك منذ مدة استحالة تحقق هذه الفكرة لعدة أسباب[56]، الشيء الذي فُتح معه الباب أمام بروز دور القضاء لتحيين القاعدة القانونية، وتمكينها من ملاحقة تطورات المجتمع عبر تطبيق النصوص القديمة بروح جديدة، ناهيكَ على المساهمة التي يقدمها في تفسير النصوص الغامضة وتكميل الناقص منها، بما يجعل منه مصدرا مباشرا للقانون، وعليه فإن عمل المحاكم حسب ما هو متعارف عليه دوليا يتجاوز التطبيق الحرفي للقانون إلى التفسير، والتطوير، وأحيانا الحلول[57].
إن للقضاء في مجال الاجتهاد دورا يكتسي درجة من الأهمية، كونه يتسم "بالتدخل الايجابي"، ففي الحالة التي يجد فيها القاضي نفسه أمام نص قانوني يكتنفه غموض معين أو نقص، أو أن النازلة المعروضة أمامه تشهد غيابا لنص يحتويها، ففي مثل هذه الحالات وغيرها يكون مجبرا على أن يجتهد و يبحث عن حل، فتصدي القاضي لمثل هذه الإشكالات التي تثيرها طبيعة القانون الوضعي، وعند الأخذ بها في الحالات المشابهة، يؤدي في عديد من المرات إلى خلق اجتهادات فريدة يرى المشرع في كثير منها مدخلا لا بد من ولوجه واعتماده، والنماذج العملية الدالة على ذلك كثيرة، لعل أبرزها ذلك المتعلق بمراجعة الشرط الجزائي تحت مسمى الشرط الإتفاقي[58].
ويكفي أن نشير في هذه النقطة أيضا إلى أن جل الأحكام و القرارات القضائية الموجودة حاليا الصادرة في المجال الإداري مبنية على اجتهاد من قبل القضاء، "فالاجتهاد القضائي الإداري" لعب دورا محوريا في إنشاء القواعد القانونية، ذلك أن أغلب أحكام القانون الإداري هي من صنع القضاء الذي اجتهد وأبدع نظريات قانونية [59] كلما طرحت عليه نوازل جديدة، حتى قيل بان القانون الإداري هو قانون قضائي[60]، ليبقى بذلك الاجتهاد القضائي من ضروريات الحياة القانونية، على أنه حتى يحقق هذا الاجتهاد الغاية المرجوة منه لا بد وأن يتوفر له حد أدنى من الاستقرار، ما دام أن عدم استقراره قد يعصف بالأمن القانوني، لاسيما في مجال القوانين المالية والاقتصادية، حيث يكون لانعدام الأمن القانوني كلفة اقتصادية ثقيلة وآثار سلبية على المقاولة والاقتصاد ككل[61].
خــــــــاتمـــــــــــــة :
من خلال ما سبق، يتبين بأن طبيعة العلاقة بين القانون والقضاء تجسد لنا تلك العلاقة الأكثر وفاءً، فهي تدور حول مبادئ ومفاهيم لا يمكن فيها لأحد أن يستغني عن الآخر، وتتأسس على نوع من التعاون المستمر، والتكامل، فكلما كانت القاعدة القانونية واضحة المعالم، سهلة الفهم والاستيعاب، غير متسمة بالإغفال والعَوَار، كلما هانت المأمورية على القاضي حين تلبيته لنداء العدالة، كذلك، كلما كانت هذه القاعدة "متقدمة وقوية"، إلا وانعكس ذلك بشكل إيجابي على مدى فعالية القضاء ونجاعته.
وعلى العكس من ذلك، فإذا كانت القاعدة القانونية التي يفترض أن تُؤمن عمل القاضي رديئة لا ترقى للمستوى المطلوب، فإن ذلك سينعكس من دون أدنى شك على حياده ونزاهته، فمهمة القاضي لا يمكن أن تتسم بالنجاعة المطلوبة إلا من خلال القانون الذي ينظم عمله ويدبر شؤونه، ويسعى إلى تطويره والرقي بمستواه، على نحو يرمي إلى بعث الثقة فيه.
والواقع أن خدمة القانون للقضاء إنما ينعكس في الأخير على نجاعة وفاعلية القانون نفسه، وهذا راجع إلى أن القانون يجد نفسه، في ظل "التدخل الإيجابي للقاضي واجتهاداته"، يقترب من الكمال ومسايرا لما يعرفه العصر من تحولات، ذلك أن القاعدة القانونية مهما بلغت من درجات التقدم والجودة، فإنها لن تحقق الهدف المتوخى إلا في ظل قضاء مستقل، مؤهل، يطبقها تطبيقا مثاليا، فالقاضي الجيد إذا كان الرهانُ معقوداً عليه في إصلاح مكامنِ الضعف والنقص في القانون الذي تعتريه سماتُ السوء والنقصان، فإن القاضي السيئ لا يرجى منه شيء، سوى أن يُفسد كل محاسن التشريع الجيد، أو معظمها في أحسن الأحوال.
ولعل حديثنا هذا عن دور القضاء تجاه القانون يعيد للأذهان ذلك التساؤل الذي مررنا عليه في البداية، والذي يرتبط بما مدى قدرة القاضي على مخالفة أحكام القانون بدعوى عدم انسجامه ومقتضيات العدالة ؟ في الواقع، يصعب تصور مخالفة القاضي لأحكام القانون في مثل هذه الحالات، فغرض القانون لا يكمن أساسا في تحقيق تلك العدالة المثالية، وإنما إقامة نوع من التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، فوراء كل قاعدة قانونية اعتبارات غائية تتحكم في وضعها، ويعتبر إرساء العدالة واحدا من الاعتبارات المعتمدة، وبالتالي "فكل قاعدة قانونية ينبغي إرجاعها إلى منطق نفعي يكون هو المصدر والمقياس المعتمد للقول بمدى شرعيتها"[62].
وإذا كنا قد لامسنا في معرض حديثنا دور القاضي في خلق اجتهادات فريدة، وإتيانه بتفسيرات تؤدي إلى قراءة تخالف ظاهر النص، فالأمر لا يخرج عن تطبيق القانون الذي يلزم القاضي بضرورة البت في القضايا المعروضة عليه، وعدم وقوفه مكتوف الأيدي خاصة حين لا يجد النص الملِم بالنازلة المطلوب منه أن يحكم فيها. فالقاضي هنا إنما يبحث عن التطبيق السليم للقانون، من خلال خلق اجتهادات مكملة للتشريع، أو تجاوز ظاهر النص والخوض في خلفياته، خاصة إذا علمنا أن عديدا من النصوص تخالف في ظاهرها النية التي أراد المشرع أن تطبق وفقها، مما يُترَك معه صِدق المعاني إلى حين تدخل القاضي منقوصا.
أما أن نقول بأن للقضاء أن يخالف القانون فهي مسألة صعبٌ أمر تصورِها، وإلا تعرض حكمه للنقض، على أنه إذا ما بلغ إجحاف القانون درجة لا يمكن تقبلها، ففي هذه الحالة ينبغي عليه أن ينسلخ من دوره التقليدي ويرضخ لمقتضيات العدالة والإنصاف ولو على حساب القانون نفسه، كما سبق أن فعل في مناسبات عديدة، ولنا في تعديل الشرط الجزائي خير مثال.
[1] - غوستاف رادبروخ، ، ترجمة مشاعل عبد العزيز الهاجري، خمس دقائق من فلسفة القانون، 16 فبراير 2018، منشور على الموقع الالكتروني https ://eltibas.wordpress.com
[2] - نور الدين العمراني، المعزوز البكاي، مدخل لدراسة القانون الخاص، الطبعة الثانية، دون ذكر المطبعة، 2012-2013، ص 136.
[3] - محمد عبد النباوي، تعميم الاجتهاد القضائي : مساهمة في خدمة العدالة، سلسة الاجتهاد القضائي، العدد 2، ماي 2011، marocdroit.com
[4] - فلفكرة "قوانين الطبيعة" أصول جد قديمة، تعود إلى ما قبل تشكل وظيفة القضاء، بل وإلى ما قبل بعث الإنسان.
حيث يعرف الان سوبيو القانون الطبيعي بأنه كل ما تعلمته الحيوانات من الطبيعة، وليس هذا القانون خاصا بالإنسان، فهو مشترك بين كل الحيوانات التي وجدت على الأرض أو في البحر، وكذا الطيور في السماء، ومن ذلك كان الاتحاد بين الرجل والمرأة وهو ما نسميه زواجا، والذي يؤدي إلى الإنجاب وتربية الأطفال، ومما يلاحظ أن الحيوانات عامة، وحتى المتوحشة منها، تتصف بمعرفة هذا القانون.
ألان سوبيو، الانسان القانوني : بحث في وظيفة القانون الانثروبولوجية، ترجمة عادل عبد نصر، الطبعة الأولى، المنظمة العربية للترجمة، 2012، ص 14.
[6] - دينيس لويد، فكرة القانون، ترجمة سليم الصويص، سلسلة عالم المعرفة، صادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، نونبر 1981، ص 239.
[7] - تكفي إطلالة بسيطة على مقتضيات الكتاب الخامس من مدونة التجارة وكتابات الفقه في هذا الشأن لاكتشاف حجم السلط التي وضعت بين يدي القضاء التجاري.
[8] - إن تصفح مقتضيات قانون الالتزامات والعقود المغربي يبين تكريس مشرعنا لمبدأ الحرية الرضائية، وتقديسه لفكرة العقد شريعة المتعاقدين الواردة في الفصل 230، مما يجعل من مسألة تدخل القاضي في المجال العقدي في إطار ق ل ع مقيدة، إذ لا يملك فيه أن يعدل العقد ولا أن يراجعه إلا في حيز جد ضيق، حيث يقتصر عمله على مجرد فهمه وفق المنهج الذي رسمه له القانون بتقنيتي التفسير والتكييف، ثم تطبيقه على أطرافه، غير مراع في ذلك الإرهاق الذي يمكن أن يلحق أحد المتعاقدين جراء التحولات الممكن حدوثها بعد إبرام العقد، وبعبارة أدق غير معترف بنظرية الظروف الطارئة.
مع الإشارة إلى أن هذه النظرية قد شقت طريقها خارج ق ل ع، حيث نصت عليها المادة 48 من مدونة الأسرة، كما تم تبنيها على نطاق واسع في مجال القضاء الإداري.
[9] - مباشرة بعد الانتهاء من الإجراءات الإدارية لمسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، يتعين على نازع الملكية اللجوء للمحاكم الإدارية لمباشرة الإجراءات القضائية التي تشمل الدعوى الإستعجالية للإذن بالحيازة، ودعوى نقل الملكية وتحديد التعويض أمام قضاء الموضوع. فإذا استوفت المسطرة الشروط القانونية فإن المحكمة لا يسعها إلا أن تحكم بنقل الملكية، وعليه فعندما يلتمس نازع الملكية نقل الحيازة لا يجوز لقاضي المستعجلات رفض الإذن إلا بسبب بطلان المسطرة، حيث لا يملك تقدير المنفعة العامة، الشيء الذي يظهر معه الدور المحدود للقاضي في هذا الشأن. ينظر محمد الأعرج، القانون الإداري المغربي، الطبعة الرابعة، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، الرباط، 2015، ص 542. وأحمد أجعون، النشاط الإداري، دون ذكر الطبعة، مطبعة ووراقة سجلماسة، مكناس، 2015-2016، ص 222.
[10] - تولى قانون المسطرة المدنية بيان أهم حالات التنفيذ المعجل القانوني، من بين هذه الحالات : الأوامر الاستعجالية، الأحكام الصادرة في مادة النفقة، الحكم الصادر في دعوى الاستحقاق الفرعية عند حجز عقار...، إلى جانب نصوص متفرقة أخرى كما هو الشأن بالنسبة لمدونة التجارة في كتابها الخامس، والظهير المنظم للتعويضات المحكوم بها في حوادث السير.
[11] - التنفيذ المعجل القضائي هو ذلك التنفيذ الذي تأمر به المحكمة في حكمها بناء على طلب الخصوم، وهو ينقسم إلى قسمين :
التنفيذ المعجل الوجوبي : حدد المشرع حالاته حصرا في الفقرة الأولى من الفصل 147 من ق م م " يجب أن يؤمر بالتنفيذ المعجل رغم التعرض أو الاستئناف دون كفالة إذا كان هناك سند رسمي أو تعهد معترف به أو حكم سابق غير مستأنف".
التنفيذ المعجل الجوازي : يتعلق الأمر هنا بتنفيذ معجل تملك المحكمة سلطة تقديرية واسعة في منحه بحسب ظروف وملابسات كل قضية، وفي تعليقه على كفالة أو بدونها، وقد نص عليه المشرع في الفصل 147 من ق م م "يجوز دائما الأمر بالتنفيذ المعجل بكفالة أو بدونها حسب ظروف القضية التي يجب توضيحها".
للمزيد حول التنفيذ المعجل ينظر يونس الزهري، التنفيذ المعجل على ضوء قانون المسطرة المدنية، دليل الملحق في مادة المسطرة المدنية، المملكة المغربية، المعهد العالي للقضاء "مديرية تكوين الملحقين القضائيين والقضاة"، ص 124 وما بعدها.
[13] - ينص الفصل الثالث من القانون الجنائي المغربي: "لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون".
[14] - لطيفة مهداتي، حدود سلطة القاضي التقديرية في تنفيذ الجزاء، الطبعة الأولى، مطبعة طوب باريس، 2007، ص 119.
[15] - خاصة تضخم نصوص التجريم والعقاب، كما يلاحظ في نظام العقوبة وجود هوامش واسعة بين حديها الأدنى والأقصى...
للمزيد ينظر ابراهيم الزيتوني، سلطة القضاء في الدستور : مقومات الاستقلالية ورهانات الإصلاح، مجلة مسالك، عدد 35-36، 2011، ص 25.
[16] - نور الدين العمراني، سياسة التجريم والعقاب في إطار القانون الجنائي المغربي : الحاجة للمراجعة والتحيين، مجلة القبس المغربية، العدد 1، يونيو 2011، ص 249.
[17] - فالشرعية الجنائية تقتضي أيضا نهج سياسةِ تجريمٍ وفق استراتيجية معقلنة، ووضوحا للنص القانوني، إلى جانب سهولة الوصول إليه، وبالتالي فالتضخم الذي تعيشه ترسانتنا الجنائية، والتقنية العالية التي أضحت تصاغ بها القوانين، إلى جانب تفتت النص الجنائي المنظم للفعل الواحد على أكثر من قانون، دون نسيان شساعة الصياغة التي تأتي على شاكلتها، فهذه الإشكالات وغيرها تجعل من عملية الإلمام بالفعل المجرم وفهمه صعبة المنال، كما تفتح المجال أمام القاضي لتأويل النص الجنائي في كثير من الأحوال على نطاق واسع، مما يضرب في الصميم مبدأ آخر يرتبط ارتباطا وثيقا بفكرة الشرعية، والحديث هنا عن "واجب التفسير الضيق للنص الجنائي".
[18] - كذلك نجد بأن ضعف تكوين القاضي ينعكس بدوره سلبا على التعامل مع الأداة التي يسلكها نوابغ الإجرام المعلوماتي، مما يؤدي إلى نتيجة حتمية مفادها أن حتى النصوص التي أوجدها المشرع لمجابهة هذا الأخير ستبقى على ورق، وسيستعصي على القضاة التعامل معها ولو استعانوا بأهل الخبرة، لذلك فمن المطلوب تزويدهم بتكوين مستمر في هذا المجال لمواجهة المستجدات التقنية
محمد جوهر، خصوصية زجر الإجرام المعلوماتي، مجلة الملف، نونبر 2006، العدد 9، ص 14.
[19] - عبد السلام الدرقاوي، المستلزمات المسطرية لنزاع الأعمال في ضوء القانون الاجرائي المغربي، المجلة المغربية للقانون الاقتصادي، 2013، عدد مزدوج 5-6، ص 21.
[20] - إبراهيم الأيسر، القضاء التجاري ضمانة للاستثمار من خلال التجربة المغربية، ندوة علمية حول : الاجتهاد القضائي في المادة التجارية والضمانات القانونية للاستثمار، العدد 2، 2002، ص 179.
[21] - على أساس أن إنتاج النصوص التشريعية تم بشكل غير عقلاني، كما سادت ظاهرة تشطير النص وتوزيع أجزائه بين العديد من القوانين، مما انعكس على القاضي الممارس والمحترف في الإمساك بالنص الواجب التطبيق. محمد احداف، بعض جوانب عدم فعالية القانون الجنائي للأعمال، المجلة المغربية للحكامة القانونية والقضائية، 2016، العدد 1، ص 18.
[22] - نشير في هذه النقطة إلى أن المشرع أحدث إلى جانب المحاكم الابتدائية، محاكم إدارية ومحاكم تجارية، ومحاكم استئناف إدارية وأخرى تجارية، وأقساما لقضاء القرب وأخرى لقضاء الأسرة، إلى جانب استحداث مؤسسة قاضي التحقيق بالمحاكم الابتدائية وعدم قصرها فقط على المحاكم الاستئنافية، دون نسيان مؤسسة القاضي المكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ والذي يقابله في المادة الجنائية القاضي المكلف بتطبيق العقوبة.
[23] - نجيب البقالي، حدود العمل القضائي في المادة الجبائية، مجلة القضاء المدني، الجزء الأول، سلسلة دراسات وأبحاث، ص 35.
- مجلس المنافسة المنظم بقانون 104-12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، وبقانون 20-13 المتعلق بمجلس المنافسة.
- الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المحدثة في 11 غشت 2002 بمقتضى الظهير الشريف رقم 212-02-1.
- الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات المحدثة بقانون 96-24 المتعلق بالبريد والمواصلات.
[25] - أحمد شكري السباعي، الأسس القانونية للمنافسة غير المشروعة على ضوء الفصل 84 من ق ل ع، المجلة المغربية للقانون والاقتصاد، أبريل 1984، العدد 7، ص 76.
[26] - مثلا المادة 16-3 والمادتين 4 و 5 من ظهير 1-02-212 المحدث للهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. والمادتين 73 و 74 من قانون حرية الأسعار والمنافسة رقم 104-12.
[27] - على أن هذا المشروع عرف فشلا ذريعا، فقد كشفت دراسة قامت بها مؤسسة فريديريش ايبرت عن عدم تفعيل المعدات الالكترونية وعدم تشغيلها، بالإضافة إلى ضعف المواقع الالكترونية وعدم قدرتها على تقديم مساعدات مسهلة للولوج للعدالة وتسمح بتتبع الملفات وكذا الاطلاع والحصول على الاجتهادات القضائية، الأمر الذي يضطر معه الجميع إلى استعمال الأساليب اليدوية والتقليدية
دراسة أنجزت من طرف مؤسسة فريدريش ايبرت بدعم من وزارة الخارجية الألمانية حول "الأمن القضائي وجودة الأحكام"، ص 37
منشور على https://drive.google.com/file/d/0BxhljGZIIY_JZ3N3YWNVTmNYR3c/view
[28] - يونس العياشي، الأمن القانوني والقضائي وأثرهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الطبعة الأولى، مكتبة دار السلام، 2012، ص 63-64.
[29] - ابراهيم الأيسر، القضاء التجاري ضمانة للاستثمار من خلال التجربة المغربية، ندوة حول الاجتهاد القضائي في المادة التجارية والضمانات القانونية للاستثمار، 2002، العد 2، ص 182.
[30] - الأمن القضائي وجودة الأحكام، دراسة قامت بها مؤسسة فريدريش إيبرت بدعم من الوزارة الخارجية الألمانية، م س، ص 3.
[31] - يونس العياشي، الأمن القانوني والقضائي وأثرهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الطبعة الأولى، مكتبة دار السلام، الرباط، 2012، ص 50.
[32] - ظهير شريف رقم 40-16-1 صادر في 14 جمادى الاخرة (24 مارس 2016)، بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 13-100 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الجريدة الرسمية عدد 6456.
[33] - ظهير شريف رقم 41-16-1 صادر في 14 من جمادى الاخرة 1437 (24 مارس 2016) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 13-106 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، الجريدة الرسمية عدد 6456، ص 3160.
[34] - ظهير شريف رقم 45-17-1 صادر في 8 ذي الحجة 1438 (30 أغسطس 2017)، بتنفيذ القانون رقم 17-33 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة، الجريدة الرسمية عدد 6605، 27 ذو الحجة 1438 (18 شتنبر 2017)، ص 5155.
[35] - بما في ذلك إصدار الأوامر والتعليمات الموجهة إليهم طبقا للنصوص الجاري بها العمل، وكذا الإشراف على النيابة العامة ومراقبتها في ممارسة صلاحياتها المرتبطة بممارسة الدعوى العمومية ومراقبة سيرها، والسهر على حسن سير الدعاوى في مجال اختصاصها، وممارسة الطعون المتعلقة بالدعاوى العمومية، وتتبع القضايا المعروضة على المحاكم
[37] - أيضا تم تخصيص اعتمادات مالية لرئاسة النيابة العامة، ويعتبر الوكيل العام لدى محكمة النقض الآمر بصرفها، وله أن يفوض ذلك وفقا لشروط قانونية،المادة 7 من قانون 33-17.
[38] - ظهير شريف رقم 139-14-1 صادر في 16 شوال 1435 (13 غشت 2014) بتنفيذ القانون رقم 066-13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الجريدة الرسمية عدد 6288 بتاريخ 8 ذو القعدة 1435 (14 شتنبر 2014)، ص 6661.
دون نسيان مشروع القانون التنظيمي رقم 15-86 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين ، يتعلق بتحديد شروط واجراءات تطبيق الفصل 133 من الدستور
[39] - طارق التلمساني، ما بين طبيعة واختصاصات المحكمة الدستورية، مجلة المسالك، 2016، عدد 37-38، ص 62.
[41] - وفي هذا نسجل على المحكمة الدستورية المغربية حرصها الدائم على صيانة مبدأ سمو الدستور في العديد من اجتهاداتها القيمة، ومن الأمثلة على ذلك : قرارها الصادر بتاريخ 16 نونبر 2011 عدد 819 القاضي بأن : "الدستور .. له السمو على ما عداه ، ويتعين على جميع المواطنين والمواطنات احترامه". وقرارها الصادر بتاريخ 29 ماي 2011 عدد 937 الذي جاء فيه : " احترام مبدأ سمو الدستور يعد بموجب فصله السادس من المبادئ الملزمة ". راجع محمد الهيني، دور المحكمة الدستورية في صون مبدأ عدم جواز سحب الدفع بعدم الدستورية تكريسا لسمو الدستور، مقال منشور على www.marocdroit.com
[42] - مصطفى بن شريف، ما هو الأمن القضائي؟ ما هو الأمن القانوني؟ من هي طبيعة العلاقة بين الأمن القضائي والأمن القانوني؟ ، المجلة القانونية www.alkanounia.com
[43] - خاصة خلال "الفترات التي عُرفت بسنوات الجمر، والتي استُعمل فيها القضاء لإضفاء الشرعية القضائية على تصرفات مختلف الإدارات".
عبد الكبير طبيح، القضاء كسلطة : أي تغيير ؟ ، مجلة المرافعة، نونبر 2011، عدد 21، ص 99.
[44] - الفصل 6 من دستور 2011 : "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين واعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له".
[45] - على سبيل المثال في المادة الجبائية، فقد لاحظنا أن الإدارة تدفع في كثير من الأحيان بأن الدعوى لا تتضمن وسائل مقبولة ولا يذكر فيها حتى نوع الضريبة موضوع المنازعة مما يعتبر مخالفة صريحة للمادة 32 من ق م م، لكن المحكمة مع ذلك ترى إجراء بحث للتحقيق في موضوع الدعوى.
عبد الرحمان ابليلا، دور القضاء في المادة الجبائية بالمغرب، أعمال الندوة الوطنية حول المنازعات الضريبية يومي 4 و 5 دجنبر 2009، ص 36.
[46] - مصطفى عداي، التهرب الضريبي بين المراقبة الجبائية والعمل القضائي، أعمال الندوة الوطنية حول المنازعات الضريبية يومي 4 و 5 دجنبر 2009، ص 78.
[47] - وهذا ما يعكس تنزيلا لأحكام المادة 122 من الدستور التي تقر بأحقية كل متضرر من خطأ قضائي في الحصول على تعويض تتحمله الدولة، وكابحا للتوجه القائل بعدم المسؤولية عن النشاط القضائي الذي كان سائدا حتى عهد قريب، وحماية للمواطن في وجه الإدارة.
[48] - الظاهر أن الخلاف حول القضاء كمصدر للقانون يختلف باختلاف البلدان والعصور، ففي العهد الروماني لعب الاجتهاد القضائي دورا لا يقل أهمية عن القانون والعرف، منذ أن تولى البريتور شؤون القضاء، بحيث لم يقتصر على تطبيق القانون، بل كان يضع قواعد عامة غالبا ما تكون جديدة. وفي عهد الشريعة الإسلامية مر القضاء بثلاث مراحل : ظهرت المرحلة الأولى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أول قاض في الإسلام، إذ اعتبر الاجتهاد القضائي مصدرا من مصادر الشريعة الإسلامية، وفي المرحلة الثانية أصبح للقضاء أهمية كبرى في تكوين أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، إذ امتزج الفقه والقضاء معا، فكان الفقيه قاضيا والقاضي فقيها، اما المرحلة الثالثة ففيها قل شأن القضاء وارتفع شأن الفقه، ومع ذلك كان للقضاء أهمية بصفته الرقيب والحارس على تطبيق الأحكام وحفظ الحقوق وردها إلى أصحابها عند الاعتداء عليها. للمزيد ينظر عز الدين الماحي، مدى مساهمة الاجتهاد القضائي في إنشاء القواعد القانونية، مجلة القصر، 2017، العدد السابع، ص76-77-78.
[49] - جاء في كتاب "روح القانون" لمنتوسكيو : " إن قضاة الوطن ليسوا سوى الفم الذي ينطق بكلمات التشريع، فهم أشخاص لا يمكنهم التخفيف من قوة أو صرامة القانون".
[50] - نور الدين العمراني، المعزوز البكاي، مدخل لدراسة القانون الخاص، الطبعة الثانية، دون ذكر المطبعة، 2012-2013، ص 134.
[55] - ماز حسن، القاضي الجزائري بين واجب الحماية والحاجة إليها، مجلة الفقه والقانون، دجنبر 2013، العدد 14، ص 264.
[56] - على اعتبار أن من سِماتِ التشريع الوضعي اتسامهُ بالنقص، كما أن مسألة التنظيم والتقنين ليست بالهينة لتعدد الموضوعات وعدم استقرارها، إلى جانب تشعبها وتأثرها المستمر بالظروف الاقتصادية و الاجتماعية، المحلية منها و العالمية.
[57] - عبد القادر الرافعي، محطات قضائية ، أوردته فوزية احصاد، موقع الاجتهاد القضائي من منظومة إصلاح العدالة بالمغرب، مجلة الفقه والقانون، مارس 2015، العدد 29، ص 77.
[58] - فقانون الالتزامات والعقود لم يكن يتضمن قبل تاريخ 11 غشت 1995 أحكاما بخصوص هذا الشأن، وظل القضاء يتمسك بمبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" الوارد في الفصل 230 منه إلى غاية صدور قرار المجلس الأعلى المؤرخ في 1991 04 10 الذي أيد القرار الصادر عن محكمة الاستئناف المعدل للشرط الجزائي، و الذي أنزله إلى حد معقول، معطلا بذلك قاعدة العقد شريعة المتعاقدين لصالح العدالة، وهو التوجه الذي سايره المشرع بتاريخ 11 غشت 1995 حينما قنن أحكام هذا الشرط الجزائي تحت تسمية التعويض الاتفاقي. محمد عبد النباوي، تعميم الاجتهاد القضائي : مساهمة في خدمة العدالة، مجلة سلسلة الاجتهاد القضائي، ماي 2011، العدد الثاني، منشور بموقع marocdroit.com
[59]- من هذه النظريات على سبيل المثال نجد نظرية الظروف الطارئة التي كانت من خلق مجلس الدولة الفرنسي، حيث اقرها في حكم له صادر بتاريخ 30 03 1916 بشان قضية إنارة مدينة بوردو، و الذي دشن لحقبة عرفت فيها هذه النظرية تطبيقا واسعا، وعلى سبيل المثال نجد تطبيقاتها في القانون المغربي قد غزت مجال القانون الإداري كما همت مدونة الأسرة (المادة 48).
[61] - للمزيد ينظر عبد الرحمان اللمتوني، الاجتهاد القضائي والأمن القانوني، مجلة الملحق القضائي، مايو 2014، العدد 46، ص 13
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق