تابعونا على الفيسبوك

Disqus

الأساس الدستوري لحالة الطوارئ

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الأساس الدستوري لحالة الطوارئ



محسين بوعسرية
باحث في سلك الدكتوراه
تخصص قانون الأنشطة الاقتصادية

تعتبر حالة الطوارئ من بين الظروف غير العادية التي تقترب من نفحات مبدأ القوة القاهرة الذي حظي باهتمام كبير في القوانين العادية المقارنة، عكس نظرية الظروف الطارئة التي لم تحظ بالاهتمام المطلوب، بل ظلت تراوح مكانتها في القانون الإداري كلما كانت العلاقة التعاقدية بين الإدارة والخواص.

إن مرامي وأهداف نظرية الظروف الطارئة هي مواجهة الحالات الإستثنائية التي لا يمكن توقعها ولايمكن من خلالها تجاوز القواعد الدستورية والقانونية، بل يعمل بها في تلك الحالات لمواجهة خطر حال يهدد الحياة العامة للأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين أو هما معا، أي أنها حالة غير متوقعة و عامة وإستثنائية غير دائمة وغير متكررة. ولا يمكن ومقاربتها ومعالجتها بالقوانين العادية، شريطة توفر ثلاثة شروط أساسية وهي:
1) أن يكون الظرف الطارئ يهدد الحياة العامة(اجتماعية، اقتصادية، بيئية...) ؛
2) عدم قدرة الدولة على كبح جماح الخطر الحال؛
3) أن  يكون الحدث استثنائيا ويفترض فيه أن يكون غير دائم؛
وفي هذا الصدد يطرح التساؤل حول الأساس الدستوري للإعلان عن حالة الطوارئ ببلادنا؟
وبإلقاء نظرة خاطفة على فصول الدستور المغربي الجديد لسنة 2011، لم نعثر على أي فصل ينص على حالة الطوارئ،
لكن في مقابل ذلك نجد المشرع الدستوري نص على حالتين أساسيتين واحدة في الفصل 59 وأخرى في الفصل 74.
وبالرجوع إلى هذين الفصلين نجد أن الفصل 59 ينص على مايلي:
   "إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة، أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، يمكن للملك أن يُعلن حالة الاستثناء بظهير، بعد استشارة كل من  رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس المحكمة الدستورية، وتوجيه خطاب إلى الأمة.

   ويُخول الملك بذلك صلاحية اتخاذ الإجراءات، التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع في أقرب الآجال، إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.

   لايحل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية.

   تبقى الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور مضمونة.

   تُرفع حالة الاستثناء بمجرد انتفاء الأسباب التي دعت إليها، وباتخاذ الإجراءات الشكلية المقررة لإعلانها".

نلاحظ أن هذا الفصل ينص فقط على أسباب وإجراءات الإعلان عن أسباب حالة الاستثناء(وليس عن حالة الطوارئ ) المتمثلة في وجود خطر يهدد سيادة وحوزة التراب الوطني، أو وقوع من الأحداث ما من شأنه أن يعرقل السير العادي لمؤسسات الدولة بظهير ملكي بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ورئيس المحكمة الدستورية ثم بعد ذلك يوجه جلالة الملك خطابا لشعبه يخبره بالظروف الإستثنائية التي ستدخل فيها الدولة والإجراءات التي سيتخذها للحفاظ على مؤسساسات الدولة وإرجاع الأمور إلى حالتها الطبيعية.

أما الفصل 74ينص على مايلي:
   "يمكن الإعلان لمدة ثلاثين يوما عن حالة الحصار، بمقتضى ظهير يوقعه بالعطف رئيس الحكومة، ولا يمكن تمديد هذا الأجل إلا بالقانون".
نلاحظ أن هذا الفصل ينص على حالة الحصار، التي يتم الإعلان عنها بظهير موقع بالعطف من قبل السيد رئيس الحكومة، على أن لا تتجاوز مدتها 30 يوما، ولا يمكن تمديدها  إلا بقانون.

وعلى هذا الأساس ومن وجهة نظرنا المتواضعة أن الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية من قبل وزارة الداخلية وبتنسيق مع وزارة الصحة يبقى فقط مجرد قرار إداري يهدف من وراءه الحفاظ على الصحة العمومية وتجنيب البلاد من الكارثة الطبيعية التي تتربص بالإنسان أينما حل وارتحل غير متوقعة والمتمثلة في فيروس كورونا المستجد covid19 .

وعليه يمكن القول إن  إعلان حالة الطوارئ الصحية فما هو إلا إجراء من إجراءات التدابير الإستثنائية التي تستدعي حظر تجول المواطنات والمواطنين ولا يمكن لهم الخروج من منازلهم إلا وفق الشروط وإجراءات السلطة الإدارية، تجنبا لخطر انتشار فيروس كورونا المستجد covid19 . وذلك بعد  استفحال هذا الوباء الخطير الذي ينتشر في أجساد المواطنين والمواطنات كالنار في الهشيم.

إضافة إلى ذلك نلاحظ حتى قرار الإعلان عن حالة الطوارئ
نجده تضمن مجموعة من الأمور التي تفيد عدم توقيف الحركة التجارية والإقتصادية، وهذا يتماهى مع المبدأ المعمول به في قانون الأعمال(مدونة التجارة قانون الشركات ومؤسسات التمويل...)، الذي يقضي عدم فرض أي سياسات على التجار والمقاولات التجارية في حالة الطوارئ من طرف الحكومة.

لكن في مقابل ذلك يمكن للحكومة أن تقرر إغلاق المحلات والشركات التجارية بقرار إداري في الحالات الاستثنائية القصوى التي لا يمكن توقعها وتشكل خطرا جسيما بالسير العادي للحياة سواء كانت هذه الحياة اجتماعية أو اقتصادية ، وهذا يدخل في صلاحياتها التنظيمية وحرصها على خدمة الصالح العام ودوام استمرارية المرافق العامة، لكونها تتمتع بكافة الصلاحيات في إتخاذ القرارات أثناء حالة الطوارئ، بحسب خطورة الوضع بطبيعة الحال، من أجل ضمان صحة وسلامة المواطنات والمواطنين، حتى ولو اقتضى الحال حظر التجوال والسفر وإغلاق الحدود برا وجوا وبحرا، وهذا ما فعلته حكومتنا في هذه اللحظات الحريجة علينا وعلى بلادنا.
وفي هذا الإطار كان من الأجدر إعلان حالة الحصار طبقا للفصل 74 من الدستور، بدل إعلان حالة الطوارئ لأن هذه الأخيرة أعم وأشمل من حالة الحصار التي نتواجد فيها، بحيث أن سيمات هذا الوباء الخبيث أقرب إلى روح هذا  الفصل وأضمن من حالة الطوارئ من حيث صرامة القرار، علاوة على ذلك أن حالة الحصار مدتها محددة في ثلاثون يوما قابلة للتجديد بقانون مرة أو عدة مرات، عكس حالة الطوارئ التي ليس لها سقف زمني محدد يضمن التنبؤ بمستقبل زوال هذا الوباء وتدخل بالناس للتخطيط في المجهول وهذا من الناحية الدستورية، وإن كنا نلامس شظايا هذه النظرية في الفصل59  المشار إليه أعلاه من خلال العبارة التالية: "....أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية".
رغم ذلك تبقى هذه العبارة بعيدة شيئا ما للحالة التي نتعايشها مع هذا الوباء اللعين.



التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016