تعليق على قرار محكمة النقض بتاريخ 19/10/2005 انفجار قنينة غاز
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تعليق على قرار محكمة النقض حول قيام المسؤولية المدنية
لصانع الأشياء الخطرة في القانون المغربي.
ــ هشام الأعرج
باحث في منازعات الأعمال
كلية الحقوق فاس
تتعلق وقائع النازلة
محل التعليق أن السيد مصطفى مستقيل تعرض بتاريخ 20 ابريل 1999 وابنيه القاصرين
حمزة ومريم بمنزله لحادث بسبب انفجار قنينة غاز ناتج عن إهمال الشركة المصنعة
لقنينة الغاز وهي شركة تيسير. الأمر الذي دفع الأب أصالة عن نفسه ونيابة عن ابنيه
القاصرين إلى رفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية أنفا بالدار البيضاء في مواجهة
المدعى عليهم كل من يحيى ايت كرايت وشركة تيسير غاز وشركة التأمين الوطنية، يطلب
تحميل الحارس القانوني كامل المسؤولية والأمر بإحالته وولديه على خبرة طبية لتحديد
الأضرار اللاحقة بهم بسبب الحادث، وأداء تعويض مسبق. فحكمت المحكمة الابتدائية
لصالح الأب بتحميل الشركة كامل التعويض. وبعد استئناف هدا الحكم، قد قامت محكمة
الاستئناف بتأييد الحكم بناءا على أن المستأنف عليه لا يتوفر على أية وسيلة للتأكد
من سلامة قارورات الغاز، وان تسرب الغاز يدل على وجود عيب في الصنع. فتقدمت
الطالبتان بطلب نقض هذا القرار اخدة عليه خرقه لمقتضيات الفصل 88 من ق ل ع المغربي
إذ أنهما أثبتتا أن تسرب الغاز يرجع إلى
خطأ المتضرر.
فقضى المجلس الأعلى ( بتاريخ 19/ 10 / 2005 قرار عدد 2732 ) برفض الطلب
مؤيدا بدلك لقرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بعلة انه فما يخص الوسيلة الأولى
أنها غير ملزمة بضم الملفات، أما فما يخص الوسيلة الثانية إن المسؤولية عن حراسة
الشيء تقتضي حراسته عناية خاصة وأيضا على أساس تحمل تبعة المخاطر.
واضح مما سبق أن الأمر يتعلق من الناحية القانونية بقيام مسؤولية الصانع عن
الأشياء الخطرة والتي يمكن أن تسبب الأضرار بالمستهلك، وبالتالي يمكن صياغة المشكل القانوني
الذي تثيره وقائع هذا النزاع كالأتي:
ــ ما مــدى قيام المسؤولية المدنية
لصانع الأشياء الخطرة في القانون المغربي ؟
لمناقشة هذا المشكل والتعليق عليه يفرض
علينا أن نتعرض في المبحث الأول لقيام المسؤولية المدنية لصانع الأشياء الخطرة في
القانون المغربي، على أن نناقش في المبحث الثاني ما إذا كان قضاء المجلس الأعلى في
هذه النازلة موافقا لما قرره المشرع المغربي بصدد هذا الموضوع.
المبحث الأول : قيام المسؤولية المدنية لصانع الأشياء الخطرة في القانون المغربي.
إدا كان الفقه المدني متفق على أن المسؤولية
المدنية لا تنهض بدون ضرر، فإن مسؤولية الصانع
لا تخرج عن هذه البديهية القانونية، ولكنها تمثل تطورا جديدا وتوسعا عميقا
في المسؤولية المدنية، باعتبار هذا النوع الجديد من المسؤولية يجسد فرعا جديدا وأصيلا
في تلك المسؤولية الأم، ويتحدد نطاقه بطراز جديد من الأضرار التي تتسبب فيها
المنتجات الحديثة، ألا وهي الأضرار الجسمانية.
فما هو أساس المسؤولية المدنية لصانع
الأشياء الخطرة:
لقد اصدر المشرع المغربي مؤخرا قانون
خاص بالمسؤولية المدنية عن المنتجات المعيبة والدي ادمجه مع فصول ق ل ع المغربي
وبدلك يكون قد احدث قفزة نوعية في هدا المجال وذلك من اجل حماية المتضررين من هذه
المنتجات. إلا أن التساؤل يطرح هنا هو كيف كان الأمر قبل صدور هدا القانون وعلى أي
أساس تقوم هده المسؤولية. ففي غياب هذه القواعد كان على المتضرر من منتجات الصانع أن
يؤسس دعواه على القواعد العامة في المسؤولية المدنية لمواجهة الصانع، وعلى القضاء أن
يستعين بتلك القواعد العامة.
يقصد بالأساس القانوني لمسؤولية الصانع
للأشياء الخطرة، هي مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم مسؤوليته بالتعويض عن
الأضرار التي تحدثها منتجاته، ويستخلص ذلك من خلال تكييف القواعد العامة للمسؤولية
المدنية، وهي إما أن تكون قواعد المسؤولية العقدية أو التقصيرية لكن ما يهمنا نحن
هنا هي هذه الآخرة.
وتنهض المسؤولية التقصيرية كما هو معروف في حالة إخلال الشخص بالالتزام
العام الذي يفرضه القانون والمتمثل بعدم الإضرار بالغير، ويمكن اللجوء إلى قاعدتين
من قواعد المسؤولية التقصيرية، وهي قاعدة الخطأ ثم المسؤولية عن حراسة الأشياء.
فالأولى تنهض بموجب الفصل 77 و 78 من ق ل ع المغربي وعلى المتضرر هنا إثبات
خطأ أو إهمال الصانع، إلا أن إتباع هذه القاعدة في غالب الأحيان يصطدم المتضرر مع
مشكل الإثبات في ظل الإنتاج الحديث المتزايد ذي الطبيعة الخطرة، وفي ذلك قال
الفقيه jean Overstake انه في ظل الإنتاج
الصناعي الحديث في الغالب أن الخطأ الذي يكون أصلا لهذا العيب يكون مستحيلا الكشف
عنه.
أما القاعدة الثانية المتعلقة بحراسة
الأشياء فقد حضت باهتمام كبير من الفقه
والقضاء، ومرد ذلك يرجع بالدرجة الأولى إلى تعدد وتجدد المشاكل القانونية التي
ترتبت على هذا النوع من المسؤولية الموضوعية. وقد نص المشرع المغربي على هذه
المسؤولية في الفصل 88 من ق ل ع المغربي والدي ورد فيه " بأن
كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من الأشياء التي في حراسته إذا تبين أن هذه الأشياء
هي السبب المباشر للضرر وذلك ما لم يثبت : 1ــ انه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر
2ــ وان الضرر يرجع إما لحادث فجائي أو لقوة قاهرة أو لخطأ المتضرر."
وقد اجتهد الفقه في فرنسا مند زمن في تكييف القاعدة القانونية الواردة في
المادة 1384/1([1]) في القانون المدني الفرنسي من اجل
الإحاطة بالمشكلات القانونية التي تطرحها مسؤولية الصانع من أجل إيصال التعويض
الكامل للمنتج. وبدلك قد تم التمييز بين حالتين فالأولى مطالبة الصانع بالتعويض من
قبل ( الحارس) المحكوم عليه بالتعويض، و مطالبة الصانع بصفته حارس المنتوج من قبل
الغير المتضرر مباشرة.
إن التطبيق الحرفي للمادة 88 يجعل الصانع يفلت من المسؤولية عن الأضرار
التي تحدثها منتجاته الخطرة، وذلك لأن شروط تطبيق المادة المذكورة أن يكون للشخص (
الحارس) سلطات الحراسة وهي سلطة الاستعمال
والتوجيه والرقابة على الشيء. في حين أن هذه الشروط تفتقد من الصانع مند اللحظة التي يتم فيها بيع
المنتوج وتسليمه إلى الحائز، وبالتالي ينجم عن ذلك انه إذا تسبب المنتوج في وقوع
الضرر بعد التسليم فإن الصانع لا يملك حق ملكية على المنتوج وليست له بسبب ذلك أي
سلطة من سلطات الحراسة وبالتالي لا يمكن أن يعتبر حارسا للشيء. وهذا ما قال به
الفقيه هنري مازو " أن الغير المتضرر لا يمكنه مطالبة الصانع طبقا
لأحكام المادة 1384/1 لأن هذا الصانع فقد
سلطات الاستعمال والتوجيه والرقابة على الشيء نتيجة عملية البيع ولا يكون حارسا
إلا في حالات استثنائية."
ولذلك برز اتجاهين من الفقه يقولون
بضرورة التفرقة بين نوعين من الحراسة، حراسة التكوين الداخلي للشيء la
garde de la structure و حراسة استعمال الشيء من جهة أخرى la garde
comportement .([2])
فإذا ما نشأ عيب في التكوين الداخلي للشيء فإن عبئ المسؤولية يتحمله الحارس
المسؤول عن تكوين الشيء أو صناعته أو تركيبه، وإذا ما نشأ ضرر بسبب الاستعمال فإن
الحارس المسؤول عن استعماله هو الذي يتحمل
عبئ المسؤولية قبل المتضرر من هذا المنتوج()[3].
ويقصد بحراسة التكوين الداخلي للشيء حراسة العناصر الداخلية التي يتركب
منها المنتوج وطريقة تصميمه وتكوينه وصناعته بالشكل النهائي، أما حراسة الاستعمال
فهي تشغيل المنتوج بعد صناعته وتكوينه أي السيطرة الفعلية عليه أثناء عملية الاستعمال.
ولإيضاح ذلك أن يبيع التاجر قنينة عصير المشروبات الغازية، فيثبت أن إحدى
القنينات التي اشتراها المستهلك تحتوي على شراب فاسد فيتسبب بوفاة المستهلك أو
الإضرار به، فهنا التاجر بإمكانه أن يتفحص كل قنينة على حدة فإذا وقع الضرر فإن
الحاجة تدعو إلى التفرقة بين حراسة التكوين المتمثلة هنا بالمنتج صاحب مصنع
الليمون وبين حراسة الاستعمال المتمثلة في التاجر العادي الذي ليس له سيطرة فعلية
على تمنع وقوع مثل هذا الضرر الذي وجد مصدره في مرحلة سابقة.
أما المثال الثاني مثلا تسليم التاجر للمشتري زجاجة مملوءة بالمرطبات التي
تتكون من سوائل غازية، فتنفجر العلبة الزجاجية بين يدي المشتري بمجرد محاولة
فتحها، وكان سبب الانفجار يعود إلى عيب في صناعة العلبة أو التعبئة، فهنا تتضح
أهمية التفرقة بين الشخص المسؤول عن حراسة التكوين الداخلي للشيء المتمثل في
الصانع وبين حراسة استعمال الشيء المسؤول عنها التاجر العادي.
إن تطبيق هذه النظرية على مسؤولية الصانع كانت لمدة محل نقاش كبير بين
الفقهاء من مؤيد لها ومعارض، فهناك من يرى بأن هذه النظرية تثير صعوبات على الصعيد
العملي تتعلق بتحديد حارس التكوين هل هو المشتري أم تاجر التقسيط أم تاجر الجملة
أو صانع الوعاء أو صانع محتوى الوعاء، إلا أن النقطة الوحيدة المؤكدة هنا هي أن
الغير المتضرر يحصل عن التعويض دائما. بينما يرى جانب أخر أن إقرار نظرية تجزئة
الحراسة من شأنه أن يقرب بين نظرية المسؤولية عن فعل الأشياء ونظرية العيوب
الخفية.
أما بالنسبة
للقانون المغربي فلقيام المسؤولية المدنية للصانع عن الأشياء الخطرة ففي غياب
اجتهادات قضائية في هذا الشأن كما في فرنسا يمكن الاستعانة بالمسؤولية المدنية عن
الأشياء، والأخذ بعين الاعتبار الحراسة القانونية على هذا النوع من المنتجات،
فنظرية الحراسة القانونية تعني انه يجب في الشخص ليمكن اعتباره حارسا أن تكون له
سلطة قانونية على الشيء، يستمدها من حق عيني على هذا الشيء أو من حق شخصي متعلق
به. فلكي يكون الشخص حارسا يجب أن تكون له سلطة على الشيء بناء على عقد أو نص في
القانون أو أي مصدر أخر من مصادر القانون وقد قال بهذه النظرية كل من هنري مازو والأستاذ
جوسران والأستاذ كوريسي. إلى جانب هذا النوع هناك الحراسة المادية وهي التي تمثل
العناصر الثلاثة وهي الاستعمال والرقابة والإدارة()[4].
وانطلاقا مم سبق نعتقد انه بالنسبة
للمسؤولية المدنية لصانع الأشياء يمكن الانتقال من الحراسة المادية إلى تطبيق
الحراسة القانونية في الحالات التي تكون المنتجات خطرة و تحتاج إلى عناية خاصة، وذلك من اجل الحفاظ
على سلامة المستهلك. بالإضافة إلى الأساس
التي تقوم عليه مسؤولية حارس الشيء وهي نظرية تحمل تبعة المخاطر Théorie
du Risque التي تعتبر
أن الخطأ ليس شرطا لازما لتحقق هذه
المسؤولية في ميدان حراسة الأشياء إذ العبرة بنوعية النشاط الاقتصاد الذي يمارسه
الحارس ولدى المنفعة التي يحصل عليها من خلال هذه الأنشطة الاقتصادية فقد اعتبر أنصار
هذه النظرية أن الشخص الذي يستفيد من شيء معين يتوجب عليه تحمل تبعات المخاطر التي
يتسبب فيها إذ الغرم بالغنم([5]).
المبحث الثاني : مدى مطابقة ما قضى به المجلس الأعلى لما قرره المشرع المغربي بخصوص قيام المسؤولية لصانع الأشياء الخطرة.
برجوعنا إلى وقائع النازلة يتبين أن الأمر
يتعلق بمسؤولية صانع الأشياء الخطرة، حيث أنه وقع الضرر للمتضررين جراء منتوج
معروض في السوق للاستهلاك،وأن هذه المنتجات الخطرة الذي يقدمها الصانع بين يدي
المستهلكين تتطلب عناية خاصة وذلك بسبب تركيب الشيء الصناعي وما يحتويه من مواد
خطرة الذي يتوقع منها في جميع الأحوال والظروف إحداث ضرر، و بالتالي يبقى الحارس
القانوني لقنينة الغاز هو المسؤول عن الأضرار الذي تحدث للمستهلك لاحتوائها على
مواد خطرة تحتم على الصانع مداومة استمرار مراقبة القنينة بما لديه من وسائل غير
متوفرة لدى المستهلك. وبالتالي فإن الحل القانوني الذي يصلح على هذا المشكل
القانوني هو المسؤولية عن حراسة الأشياء التي نضمها المشرع المغربي في الفصل 88 من
ق ل ع ، الذي ينص على أن : " كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل له من الأشياء
التي في حراسته إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر وذلك ما لم
يثبت 1) انه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر
2) وأن الضرر يرجع إما لحادث فجائي أو قوة قاهرة أو لخطأ المتضرر."
وبالتالي تكون مسؤولية الصانع مفترضة حيث
لا يتطلب من المضرور إثبات الخطأ في جانب الصانع، إلا انه يمكن دفع هده المسؤولية
من قبل هذا الأخير بنفي الخطأ عنه أو بإثباته للسبب الأجنبي المتمثل في القوة
القاهرة أو الخطأ الذي يقترفه المضرور أو الغير وهذا ما لم يتم من خلال القرار محل
التعليق . وعليه فإن المتضرر الذي طلب التعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء
المنتج الذي يعود إلى الصانع ولعيب فيه يكون قد مارس حقا قانونيا خوله له القانون
بموجب الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
وإن المجلس الأعلى في قراره محل
تعليقنا لما أقر بمسؤولية الصانع عن الأشياء الخطرة، وذلك استنادا إلى الفصل 88
يكون قد اهتدى للقانون الواجب التطبيق، ورغم ذلك يبقى هذا القرار محل نقاش في بعض
النقاط. فلكي يعتبر الحارس مسؤولا هنا يجب النظر إلى الحراسة هل هي مادية أم
قانونية ، فإذا اعتبرناها مادية هنا تنتفي مسؤولية المنتج عكس الثانية ، القرار
هنا اعتبر الحراسة قانونية ويستشف ذلك من خلال عبارة "إن حراسة قارورات الغاز
رغم انتقال الحيازة المادية الى المستهلك تبقى بيدي الصانع". ويلاحظ من خلال
الاجتهادات القضائية الصادرة قديما كانت تعين الحارس المسؤول من غير أن تضع له
معيار محدد مما جعل البعض يترك تعيين الحارس للظرف الذي يعرض به، إلى أن تقدمت محكمة
النقض الفرنسية حكمها الشهير 15/12/1930 بأن الحارس هو الذي تكون له إدارة الشيء
وحراسته القانونية، فكانت فيما قالت فيه فرقت بين الحراسة القانونية والمادية.
ومن خلال تقييم الأستاذ Fabrice Leduc للقرارات الصادرة عن محكمة النقض الفرنسية
المتعلقة بالمسؤولية المدنية عن الأشياء من سنة 1985 إلى سنة 1997 لاحظ أن
القرارات التي اعتبرت فيها أن المسؤولية بالنسبة للصانع عن الأشياء باعتباره حارسا
قانونيا تمثل % 3 من مجموع القرارات، ومن ذلك قرار محكمة النقض
الصادر عن الغرفة المدنية بتاريخ 4 نونبر 1987 وذلك عندما اعتبرت شركة بريمغاز هي
الحارسة القانونية لقارورات الغاز. وفي نفس الاتجاه نقض الغرفة الثانية لمحكمة النقض 16 يناير
1991، وان محكمة النقض الفرنسية لا تلجئ إلى التمييز بين الحراسة القانونية
والحراسة المادية إلا عندما تثير مسؤولية الصانع لأنه لا يمكن إسناد الحراسة إليهم
بوسيلة أخرى خلال التمييز بين المسؤوليتين([6])
من خلال ما سبق يتضح لنا أن القرار قد تجاوز بعض
المقتضيات التي تتعلق بحراسة الأشياء، وهو بدأ يؤسس هنا للحراسة القانونية وأطعمها
بمبادئ قانون الاستهلاك ويظهر ذلك من خلال إيراد بعض المصطلحات الواردة في القرار.
بالإضافة إلى تأسيسها على نظرية تبعة المخاطر الذي يكون فيها الخطأ ليس بشرط لازم
لتحقيق المسؤولية في ميدان حراسة الأشياء إذ العبرة بنوعية النشاط الاقتصادي الذي
يمارسه الحارس ولدى المنفعة التي يحصل عليها من خلال تلك الأنشطة ، وهذه من الأمور
الحسنة من أجل تمرير التعويض للمتضرر.
أما بالنسبة فما يخص انتفاء المسؤولية عن حراسة الأشياء ومن بينها خطأ
المتضرر، فبما أن الخطأ هنا مفترض فيقع على الصانع دفع المسؤولية وهذا ما قامت به
الشركة والتي أدلت بخبرتين والتي تفيدان سلامة القنينة من كل عيب وأن الخطأ يرجع
لفعل المتضرر مستعمل القنينة وأن تسرب الغاز يرجع لهذا الخطأ حينما تم تركيب قنينة
الغاز، والقرار ذهب يقول أنها تقتضي عناية خاصة بسبب تركيبه الصناعي وما يحتوي
عليه من مواد خطرة، وبالتالي منح للمتضرر تعويض كامل. إلا أننا نؤاخذ على هذا
القرار في هذه النقطة فكان عليه تشطير المسؤولية بين المدعي والمدعى عليهم، والذي
يؤيدنا على هدا الطرح أن القانون الجديد والذي أسس لمسؤولية خاصة للمنتج عمل بمبدأ
تشطير المسؤولية في حالة خطأ المتضرر.
إن القرار الذي بين أيدينا قد اهتدى للقانون الواجب التطبيق وطبقه على
الوجه الموافق لما شرع له والمساير لما هو عليه الفقه والاجتهاد بخصوص هذا
الموضوع. حيث نجد ما يعضد هذا المسلك في العمل القضائي المغربي، من ذلك مثلا ما
قرره المجلس الأعلى بتاريخ (31/12/1975) القضية
عدد 34166 حيث اعتبر المجلس الأعلى أن المسؤولية عن انفجار قارورات الغاز تقع على
عاتق الشركة صاحبة القارورات وليس على عاتق البائع بالجملة أو التقسيط([7])،
وهذا الاتجاه القضائي هو الذي توصلت إليه محكمة النقض الفرنسية في القضية المشهورة
بالزجاجة المشؤومة التي أودت بحياة أحد الأشخاص فتوصلت محكمة النقض إلى إقرار
المتابعة بالنسبة لصانع المشروب الذي كان فاسدا قرار بتاريخ 26/1/1953 . بالإضافة إلى
قرار المجلس الأعلى السابق هناك قرار قضائي أخر ذهب في اتجاه مخالف وهو قرار لمحكمة الاستئناف بالرباط الصادر
بتاريخ 12 فبراير 2004، و الذي جاء فيه
انه بإعمال لمقتضيات الفصل 78 من ق ل ع
يقتضي من المدعي إثبات خطأ المدعى عليه بكيفية لا تدع للشك من كون هذا الأخير هو
السبب المباشر في وقوع الانفجار، وحيث ما استند عليه المستأنف من قول إن القنينة
الغازية انفجرت فيه بسبب عيب في صناعتها ينقصه الإثبات، خصوصا وان تقرير الخبرة لم
يتوصل إلى ذلك، وبالتالي هذا القرار دفع المسؤولية بسهولة عن الصانع([8]).
إلا أن هذا القرار تم الطعن فيه أمام المجلس الأعلى الذي أصدر قرار بتاريخ 31
يناير 2007 القاضي بنقض القرار الإستئنافي، والذي استند بالفصل 3 من م م لأن
القاضي يبت طبقا للقانونين ولو لم يطلبه الأطراف، والفصل 88 من ق ل ع وبالتالي كان
توجهه مطابق للقرار محل التعليق. وبعد ذلك أحال القضية على محكمة الاستئناف
بالرباط لتبت من جديد في القضية والتي
أصدرت قرارها رقم 254 المؤرخ في 30 مارس 2011 والذي جاء فيه أنه حسب الفصل 88 من ق
ل ع وهو الإطار القانوني للواقعة وفق ما جاء بنقطة النقض، تبقى مسؤولية الحادث على
عاتق حارس الشيء، وهي مسؤولية مفترضة، لا يمكن التحلل منها إلا إذا اثبت أنه فعل
ما كان ضروريا لتجنب الضرر ، وهذه المسؤولية تقتضي بذل عناية خاصة في التركيب
الصناعي والتعبئة للمادة الخطرة القابلة للاشتعال وهي حالة قنينة الغاز الموضوعة
رهن إشارة العموم والمتوقع حدوث الضرر، وهو ما يحتم على الصانع مداومة المراقبة
التقنية لمنتجاتها وبطبيعة الحال تتحمل
تبعات صناعية. من هنا نستنتج أن ما الاتجاه التي تسير عليه المحاكم المغربية هو
عموما ما قضى به القرار محل التعليق وما ذهبت عليه محكمة الاستئناف بالرباط هو
راجع إلى خطأ المحامي الذي استند مطالبه على الفصل 78 واعتقد انه لو استند على
الفصل 88 من البداية لكانت النتيجة مخالفة.
غير أن القرار محل تعليقنا وإن
جاء باجتهاد جديد حيث قلما نجد مثله، فإنه لا يرقى إلى مصاف القرارات المبدئية
المكرسة للمبادئ القانونية ويظهر ذلك من خلال التصميم المعتمد في القرار من حيث
التأشيرة وحيثية التأويل التي لم تشتمل على الجمل التي تعرف بها القرارات المبدئية،
فظل بدلك قرارا عاديا. إلا انه سبق للمجلس الأعلى أن اصدر قرارات مماثلة والأمثلة
سبق ذكرها، وبالتالي يمكن السير على هذا النهج من قبل محاكم الموضوع في القضايا
التي تشتمل على وقائع مماثلة ، وتجدر الإشارة إلى انه بصدور القانون الجديد الخاص
بمسؤولية المنتج 09-24 يمكن تأسيس الدعوى
على هذا القانون إلا انه يمكن لمحاكم الموضوع الأخذ بهذا القرار في حالة عدم تحقق
شروط دلك القانون استنادا على المادة 106-14 والتي تحيل على القواعد العامة.
[1]- l'article
1384 du code civil qui pose que l"On est responsable non seulement
du dommage que l'on cause de son propre fait, mais encore du dommage qui
résulte du fait des personnes ou des choses que l'on a sous sa garde".
[2] - la jurisprudence s'autorise depuis un arrêt "Oxygène
Liquide" du 5/1/1956 une distinction, pour les choses dangereuses
ayant un dynamisme propre, entre la structure de la chose et le comportement de
la chose. Intérêt : il peut y avoir deux gardiens en même temps, mais sur des
domaines différents...
[4] ـ إياد عبد الجبار ملوكي، المسؤولية عن الأشياء
وتطبيقها على الأشخاص المعنوية بوجه خاص دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر
والتوزيع، الطبعة الأولى 2009، ص 119.
[6] - Fabrice Leduc. La responsabilité du fait des choses.
Economica 1997. p 46 et 47.