تابعونا على الفيسبوك

Disqus

المسؤولية الجنائية في إطار علاقات العمل الفردية على ضوء القانون الجزائري.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
المسؤولية الجنائية في إطار علاقات العمل الفردية على ضوء القانون الجزائري.







الدكتورة : مجدوب نوال .
تخصص : القانون الجنائي للأعمال .
الوظيفة : أستاذة بكلية الحقوق و العلوم السياسية .
جامعة أبوبكر بلقايد – تلمسان .
doctrmedjdoub@gmail.com البريد الالكتروني :

مقدمــــــــــة :
يقصد بالمسؤولية الجزائية لمرتكب الجريمة الإجتماعية صلاحية الشخص الجاني لتلقي العقوبة التي يقرها القانون ، أو هي صلاحية و قابلية الشخص لأن يكون محل مسائلة جنائية .
و نظرا لوجود إنتهاكات في إطار علاقات العمل سواء الفردية منها أو الجماعية ، كان لزاما أن يكون هناك تدخل جنائي في محيط العمل ، لبسط معالم الحماية الجنائية من أجل كبح جماح كل معتد على تشريع العمل .
و قد كانت المسؤولية الجنائية مبنية على أساس الخطأ الشخصي ثمرة تطور المفاهيم الجزائية إستغرق حقبة من الزمن إنتهت في أواخر القرن التاسع عشر إلى الإقرار بالمسؤولية الشخصية و فردية العقوبة .
و على هذا الأساس يمكننا طرح الإشكال الذي يثيره الموضوع كالتالي :
هل يعد الخطأ الشخصي المرتكب في إطار علاقة العمل أساسا للمسؤولية الجنائية ؟ ،
و إلى أي مدى يصل نطاق المسؤولية الجنائية في إطار علاقات العمل ؟.
و ستتم الإجابة عن الإشكال السابق من خلال المحورين التالين :
المبحث الأول : المسؤولية الجزائية عن الخطأ الشخصي .
المبحث الثاني : المسؤولية الجزائية عن فعل الغير .



المبحث الأول : المسؤولية الجزائية عن الخطأ الشخصي
بعد أن كانت المسؤولية الجزائية قائمة على أساس الخطأ الشخصي ، جاءت الثورة الصناعية بخطوات لم تكن في حسبان المشرعين ، لاسيما المشرع الفرنسي حيث أحدثت تغييرات جدرية في وسائل الإنتاج ، و في تسيير الآلة بما فيه علاقة صاحب العمل بالعمال .
و كل ذلك أدى لإنتقال المسؤولية الجنائية من مفهومها الضيق القائم على أساس الشخصية و الفردية و القائمة على أساس الخطأ الشخصي إلى مفهوم وضعي جديد مبني على أساس ضمان المخاطر دون الحاجة لإثبات الخطأ لدى  مسبب الضرر.
و إذا كان من بين أهم المبادئ التي يقوم عليها التشريع العقابي مبدأ شخصية العقوبة مما يتطلب معه تحديد المقصود بالمبدأ و مدى علاقته بالمسائلة الجنائية ، و هو ما سيكون محل تحليل من خلال النقاط التالية .
الفرع الأول : مفهوم المسؤولية عن الخطأ الشخصي في علاقات العمل.
و يقصد بالمسؤولية الجنائية عن الفعل الشخصي في الجريمة الإجتماعية صلاحية الجاني بغض النظر عن صفته عامل أو صاحب عمل لتلقي الجزاء الذي يرتبه القانون ، أو هي إلتزام أحد أطراف علاقة العمل بالخضوع للأثر الذي يقره التشريع الجنائي للعمل كعقوبة لإرتكابه جريمة إجتماعية بخطئه الشخصي.
تتجلى صور الإجرام الإجتماعي المرتكب في حق العامل في مايلي
1- مخالفة الأحكام المرتبطة بالأجور : و يكون ذلك من خلال لجوء رب العمل إلى رسم نوع من التمايز بين الجنسين في إستحقاق الأجور ، أو من خلال دفع أجر أدنى من الأجر الوطني المضمون ، أو من خلال الإحجام عن مسك دفاتر الأجور المنصوص عليها من خلال نص المادة 154 من المرسوم التنفيذي رقم 96/98.
و من أجل ضمان مراعاة المستخدم لتشريع العمل المتعلق بالأجور تم إستحداث جهاز يختص بمراقبة تطبيق الأحكام التشريعية و التنظيمية المتعلقة بعلاقات العمل و المتجسد أساسا في مفتشية العمل ، هذا الجهاز الذي يسهر بموجب الصلاحيات المخولة له على التحقق من إحترام المستخدم لجميع حقوق العمال و حمايتها و عدم الإنتقاص منها.
2-جريمة تشغيل الأطفال دون السن القانوني للتشغيل إذ تعد هذه الجريمة من أخطر الجرائم  التي تمس بكيان الطفولة و تؤثر على النظام القانوني للتشغيل بإقحام القصر دون السن القانونية في ميدان الشغل رغم نقص تجربتهم و عدم الدراية الكافية بمخاطر التشغيل و تتجلى العناصر أو الأركان المقومة للجريمة في مايلي :
- الركن المفترض أين يشترط أن ترتكب الجريمة في حق الأطفال بإعتبار أن الطفل بطبيعته التكوينية عنصر ضعيف في المجتمع من الناحية البدنية و العقلية ، الشيئ الذي يجعله عرضة للإستغلال من طرف أصحاب العمل الذين يرتكبون جريمتهم بسهولة إدراكا منهم بإستطاعتهم خداع المجني عليه أين تسلب طفولته و براءته في سن مبكرة هو أحوج فيها إلى الراحة و التعلم و كل ما يناسب عمره .
و يشترط أيضا أن تكون للجاني صفة المستخدم ، و يقصد به كل شخص طبيعي أو معنوي يبرم عقد عمل مع العامل.
الركن المادي : و يجلى السلوك المادي في جريمة الإستخدام قبل الحد الأدنى لسن التشغيل في قيام المستخدم بتشغيل الحدث الذي لم يتجاوز سنه الحد الأدنى لسن التشغيل لديه و تحت إشرافه بعوض، و من ذلك أيضا تدريب الحدث الذي لم يتجاوز سنه سن التدريب المحدد .
3-جريمة عدم إجراء الفحص الطبي إذ تقوم هذه الجريمة بمجرد إحجام المستخدم عن توقيع الكشف الصحي الإبتدائي و الدوري على نفقته و إثباته بالبطاقة الصحية ، و كل نشاط يتعلق بحفظ صحة و سلامة و نظافة و أمن العامل من توفير العلاج و توفير الإسعافات الأولية و أدوات الوقاية الشخصية و التدريب عليها و توفير التهوية و الإضاءة و المياه النقية و دورات المياه ، بالإضافة إلى تقديم وجبة صحية متوازنة .
4- جريمة عدم إحترام ساعات العمل القانونية تقوم هذه الجريمة من خلال قيام المستخدم أو صاحب العمل بخرق الأحكام القانونية المتعلقة بساعات العمل ، من خلال تشغيل العمال خلال فترة الليل ، و هي الفترة بين غروب الشمس إلى غاية شروقها في اليوم التالي .
و قد حدد المشرع الجزائري العمل الليلي أنه تلك الفترة الممتدة بين الساعة التاسعة ليلا و الساعة الخامسة صباحا طبقا لنص المادة 32 من القانون رقم 90/11 المتعلق بعلاقات العمل الجزائري.
و يدخل ضمن الجرائم الإجتماعية الجرائم المرتكبة في حق المراة العاملة و من ذلك تشغيل النساء في أشغال غير صحية أو خطرة مع تعنيفها أو حرمانها من حقها في إجازة الحمل أو الوضع .
كان هذا عن مفهوم المسؤولية الجزائية عن الفعل الشخصي و الذي كان يحكم جرائم العمل تقديسا لمبدأ الشخصية ، و تبقى الإشارة إلى المبدأ .
الفرع الثاني : أساس المسؤولية الجنائية عن الفعل الشخصي
لم يحدد المشرع الجزائري الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية ، مما فتح الباب أمام الإجتهادات القضائية للبحث عن الأساس الذي تقوم عليه هذه المسؤولية .
أولا : الأساس الفقهي
لا تقوم المسؤولية الجنائية عن الفعل أو الخطأ الشخصي إلا بتوافر ثلاثة عناصر يمكن إجمالها فيمايلي :
- إتيان سلوك مادي من طرف الجاني أي أحد أطراف علاقة العمل .
- الرغبة في إتيان السلوك أي وجود قصد جنائي لدى أحد أطراف العلاقة أي الجاني
- العلم بعدم مشروعية السلوك أي علم الجاني بمخالفة القانون .
وبالتالي بتوافر هذه الشروط يكون الشخص مسائل جنائيا على أساس الخطأ الشخصي.

ثانيا : الأساس القانوني
تبنى المشرع المسؤولية مبدأ المسؤولية على أساس الخطأ الشخصي و يتضح ذلك جليا من خلال النصوص القانونية التالية :
- المادة 57 من القانون رقم 90/02 المؤرخ في 06 فبراير 1990 و المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل و تسويتها و مممارسة حق الإضراب ، و التي تعاقب بالحبس من ثمانية أيام إلى شهرين و بغرامة من 50دج – 2000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يمس بحق الإضراب .
- المادة 24 من القانون رقم 90/03 و التي تعاقب كل من يعرقل مفتش العمل في إطار أداء مهامه .
و يأخذ على العقوبة الموقعة على الجاني أنها غير رادعة ، إذ لا يمكن تصور تحقيق الردع الكافي مادام أن الجزاء لا يترك أثره لدى المخالف .
و إذا كان الأصل أن المسؤولية تقوم على أساس الخطأ الشخصي إلا أن الضرورة دفعت للخروج عن هذا الأصل ، و هو ما ستتم دراسته في مايلي .
المبحث الثاني :المسؤولية الجنائية عن فعل الغير  
ظهرت المسؤولية المدنية عن فعل الغير في القانون المدني أي مسؤولية الشخص عن كل ما يوجد تحت حراسته على أساس أن الخطأ الشخصي مفترض فيه ، مؤسسة على مبدأ مفاده وجوب التعويض عن الضرر الذي يحدثه من هم تحت رقابة ، من منطلق أنهم إما قصروا في الرقابة أو أخطؤوا في الإدارة ، مع إمكانية المكلف بالرقابة من التخلص متى أثبت أنه قام بواجب الرقابة .
و قد تأثر المشرع العقابي بتلك التطورات الطارئة على المسؤولية المدنية ، مما دفعه إلى تبني نوعا جديدا من المسؤولية الجنائية عن فعل الغير بعد أن جردها من الطابع الجزائي مؤسسا لها على خطأ المستخدم أو المشرف .
و بالتالي ظهرت مسؤولية رب العمل عن الجرائم التي يرتكبها العمال أو التابعون ، و يرجع مهد التطورات التي عرفتها المسؤولية الجزائية إلى القضاء الفرنسي منذ القرن التاسع عشر ، مؤكدا على طابعها الخصوصي كونها تشكل خروجا على شخصية المسؤولية ، ثم أخذ بها التشريع الفرنسي و شيئا فشيئا بدأ يتوسع فيها .
و على هذا الأساس سيتم تحديد الحالات التي يكون فيها الشخص مسؤولا جنائيا عن فعل غيره من خلال تحديد أساس المسؤولية الجنائية عن فعل الغير (أولا) و أنواع المسؤولية  الجنائية عن فعل الغير( ثانيا) .
أولا : أساس المسؤولية الجنائية عن فعل الغير
لم يحدد المشرع شروط مسائلة الشخص جنائيا عن فعل غيره ، مما يحتم العودة إلى الإجتهادات الفقهية ، مع تبيان تطبيقات القضاء و موقف المشرع الجزائري.
أ- الأساس الفقهي
من خلال النصوص القانونية و الأحكام القضائية و بالخصوص الفرنسية و التي توقع على عاتق رب العمل أو المتبوع النتائج الجزائية المترتبة عن الأفعال الجرمية التي يرتكبها العامل أو الأجير يمكننا تبيان الأفعال الجرمية التي يرتكبها العامل أو الأجير و من ثم تبيان أهم الشروط المقومة للمسؤولية كالتالي:
- إرتكاب جريمة من التابع أي العامل أو الأجير ، و يعد هذا الشرط الأساس الموضوعي لقيام هذه المسؤولية ، و بالإستناد إلى الأحكام القضائية الفرنسية فإن المسؤولية عن فعل الغير لا تقوم إلا في إطار المهن المنظمة أين يقع على صاحب المؤسسة الإلتزام بضمان إحترام الأنظمة ، و يستوي في ذلك أن تكون الجريمة عمدية أو غير عمدية .
مع الإشارة أن مسائلة رئيس المؤسسة جنائيا لا تمنع من إقامة المسؤولية الجنائية للتابع أو العامل لكونه فاعل مادي ، لاسيما في حالة إرتكابهما أخطاء مختلفة .
كما أنه يمكن مسائلة رب العمل لوحده متى كان العامل أو الأجير مجرد أداة بين يديه ، و من ذلك تعرضه للإكراه .....
و من ذلك إهمال أحد العاملين في شركة Sidco للحفريات إلى وقوع آلة حادة على زميله     
الحفار ووفاته ، فقد قضت محكمة الشارقة بحق ورثة المتوفي في الرجوع على العامل المتسبب في القتل الخطأ و على رب العمل عملا بمبدأ مسؤولية التابع جنائيا عن فعل الغير .
كما توبع في فرنسا صيدلي و أدين بسبب مخالفة التشريع الصيدلاني من طرف القائم بتحضير الدواء .
- إرتكاب التابع خطأ يضر بالغير :فقد قضي في فرنسا بمسائلة رب العمل في مواجهة الغير عن تصرفات العامل طالما أن تصرفه كان في نطاق العمل ، حتى و لو تجاوز سلطته شريطة أن يكون ذلك في إطار أداء مهامه .
و على هذا الأساس فالخطأ الأجنبي عن علاقة العمل لا يمكن أن يكون سببا لقيام المسؤولية الجنائية لرب العمل .
- إرتكاب الخطأ من طرف المتبوع أو من طرف صاحب العمل إذ يشترط لإسناد المسؤولية الجنائية عن فعل الغير إلى صاحب العمل إرتكابه لخطأ جنائي يتجلى في الإهمال أو الرعونة أو عدم الإحتياط أو عدم مراعاة الأنظمة ،و من ذلك عدم مراعاة صاحب العمل لشروط الصحة و سلامة العمال .
مع الإشارة أنه متى ثبت مخالفة رب العمل لشروط الأنظمة فإن القصد الجنائي مفترض فيه ، مما يترتب عنه إعفاء النيابة العامة من إثباته .
- عدم إنابة صاحب العمل سلطاته لشخص آخر ، أي عدم تفويض صاحب العمل مهام الرقابة و الإشراف على العمل لشخص آخر ، و لو أن القضاء الفرنسي إعتبره مسؤولا جنائيا رغم وجود التفويض ، كونه مالك المؤسسة ، مع الإشارة أنه لا يجوز التفويض في المهام التي يجعلها صاحب العمل حكرا عليه دون سواه .
و لو أنه يمكن لرب العمل التنصل من المسؤولية الجنائية متى أثبت أنه وضع على رأس المصلحة محل إرتكاب المخالفة شخص ذو كفاءة عالية ، مع توفيره لكل وسائل الرقابة، شريطة أن يكون التفويض سابقا على إرتكاب المخالفة .
و من أجل تفادي الوقوع في لبس حول التفويض و نطاقه و حدوده بالإضافة إلى صحته و بعده الزمني يستحسن أن يكون مكتوبا مع العلم أن الإشارة لمنصب العمل في الإتفاقية الجماعية للعمل لا يشكل دليلا على قيام التفويض .
و بالتالي فإنه في حالة وجود تفويض فإن المفوض يسأل دون صاحب العمل، إلا أنه في حالة قيام صاحب العمل بتفويضين لنفس العمل فإنه يسأل وحده جنائيا لأن وجود مفوضين من شأنه عرقلة كل منهما.
ب- الأساس القانوني
يتجلى الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية عن فعل الغير من خلال نص المادة 144 مكرر 01 من قانون العقوبات الجزائري و المتعلقة بالمسؤولية الجنائية لمسؤولي النشرية ، و مسؤولي تحريرها عن جنحة الإساءة إلى رئيس الجمهورية عن طريق النشريات ،إذ يشكل نص المادة الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية عن فعل الغير في قانون العقوبات و التي تبناها المشرع الجزائري من المشرع الفرنسي .
و من ثم يتجلى الأساس القانوني للمسؤولية الجنائية عن فعل الغير في التشريع الجنائي للعمل من خلال نص المادة 36/02 من القانون رقم 88/07 ،و التي تنص على أنه " عندما تنسب المخالفات إلى العمال فإنها تعتبر من فعل المسير إذا لم يتخذ الإجراءات الضرورية بغرض إحترام التعليمات القانونية في مجال الوقاية الصحية و الأمن و طب العمل ، و لم يتخذ العقوبات التأديبية على مرتكبي هذه المخالفات "،و أضافت ذات المادة في فقرتها الثالثة أنه لا يسأل المسير متى إرتكبت هذه المخالفات عمدا من طرف العمال .
بالإضافة إلى نص المادة 30 من القانون رقم 05/08 المتعلق بالصحة و أمن العمل و التي إعتبرت المسير مسؤول جنائيا عن كل المصالح التي تدخل في إطار إختصاصه في كل المسائل المتعلقة بمخالفة أحكام الصحة و أمن العمل ،مما يتضح معه أنواع المسؤولية الجنائية عن فعل الغير و التي سيتم توضيحها من خلال ما يلي .
ثانيا : أنواع المسؤولية الجنائية عن فعل الغير
إن دراسة أنواع المسؤولية الجنائية عن فعل الغير تقودنا للتمييز بين المسؤولية الجنائية المباشرة عن فعل الغير ( أ) بالإضافة إلى حالة المسؤولية الجنائية غير المباشرة عن فعل الغير ( ب).
أ- المسؤولية الجنائية غير المباشرة عن فعل الغير و يتعلق الأمر بحالة إلزام المشرع المتبوع لأداء الغرامة الجزائية التي حكم بها على التابع دون أن يقاسمه نفس المسؤولية الجنائية ، فهي بمثابة مسؤولية مدنية تصبوا إلى حمل المتبوع لدفع غرامة لفائدة الخزينة العامة و لا تعد تفويضا لصالح المجني عليه .
و يجد هذا النوع من المسؤولية تطبيقا له بالخصوص في مجال المرور و من أمثلتها نجد نص المادة 96 من القانون رقم 01/14،و التي نصت صراحة على تحميل صاحب بطاقة تسجيل السيارة المسؤولية المدنية عن مخالفة التنظيم الخاص بوقوف المركبات ، و التي يترتب عنها دفع الغرامة فقط إلا متى أثبت صاحب البطاقة وجود قوة قاهرة أو قد تمكن من إكتشاف المرتكب الحقيقي للمخالفة .
ب-المسؤولية الجنائية المباشرة عن فعل الغير :
برزت عدة نظريات من أجل تبيان التكييف القانوني للمسؤولية الجنائية عن فعل الغير يمكن تلخيصها في مايلي :
1- نظرية النيابة القانونية و مفاد هذه النظرية أن الجريمة المرتكبة من طرف العامل كفاعل مباشر تنسب لرب العمل كفاعل غير مباشر كونه مسؤولا إفتراضيا عنه، و كون العامل ممثلا قانونيا لرب العمل .
و هو التكييف الذي أخذت به محكمة النقض المصرية حيث أقرت في أحد أحكامها أن المسؤولية مفترضة لصاحب العمل و تجد أساسها القانوني في فكرة النيابة في المسؤولية.
و لو أن هذه النظرية قد إنتقدت كونها منافية للمنطق القانوني الذي لا يقبل أن يمثل أطراف علاقة العمل بعضهم البعض في مجال إرتكاب الجرائم و المسائلة الجنائية .
2- نظرية الخضوع الإرادي
تبنى هذه النظرية على مدير المشروع أو مباشر المهن الذي يقبل الخضوع لما يفرض القانون عليه من إلتزامات متعلقة بنشاطه ، كما يتحمل نتائج الإخلال بهذه الالتزامات ، و من ضمن هذه النتائج قيام المسؤولية الجنائية .
و قد إنتقدت هذه النظرية بإعتبار أنه من غير السائغ الخلط بين إتجاه الإرادة إلى إرتكاب الجريمة و الإتجاه إلى تحمل مسؤوليتها ، فالأول يعترف به القانون و الثاني لا قيمة قانونية له
3- نظرية الإشتراك
يعتبر أنصار هذه النظرية أن رب العمل مسؤولا جنائيا عن فعل الغير ، و باعتبار أنه المستفيد من ارتكاب الجريمة فهو شريك إما بالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة للفاعل المادي ، و ما يعاب على هذه النظرية أن الاشتراك في القواعد العامة يتطلب توافر قصد الاشتراك في ارتكاب الجريمة ، و هو ما لا يتوافر في المسؤولية عن فعل الغير .
4- نظرية الفاعل المعنوي
يرى أنصار هذه النظرية أن الشخص الذي لم يساهم في ارتكاب الجريمة بصفة مباشرة يعد مرتكبا معنويا للجريمة متى وقعت بسبب عدم تنفيذه للالتزام القانوني الواقع على عاتقه ، و المتضمن ي الإشراف على التابعين لديه خلال تنفيذهم اللوائح التي يسأل شخصيا عن عدم مراعاتها .  
غير أن ما يعاب على هذه النظرية هو أن الفاعل هو ذلك الشخص الذي يسخر شخصا غير مسؤول من أجل جعله أداة لارتكاب الفعل المكون للجريمة ، و لو أنه يأخذ على هذه النظرية أن رب العمل يبقى مسؤولا عن إهماله في الإشراف ، و هو ما لا يتطابق مع نظرية الفاعل المعنوي .
الخاتمـــــــــــة :
لقد تزايد الإجرام الاجتماعي في سوق العمل الجزائري ، لاسيما مع أزمة البطالة التي شاعت مؤخرا و التي رافقت الأزمة الاقتصادية التي هزت بالاقتصاد الوطني الجزائري ، و لا يمكن تناسي المزايا التي جاء بها وكالات التشغيل للتقليل من حدة البطالة إلا أنه لا يمكن إنكار حقيقية تزعزع مكانة العامل رغم وجود هذه الوكالات ، أين أصبح العامل لا يعدو كونها آلة تسير من لدن رب العمل ، بالإضافة إلى تعرض العامل لشتى صور العنف و التحرش بصورتيه المادية و المعنوية .
فكم من عاملة على المستوى الدولي تحولت إلى ضحية الاتجار بالبشر فقد لأنه تم إغوائها و استدراجها تحت غطاء  وعود التوظيف، أو منصب عمل ؟ ، و كم من ولي أمر سخر ابنه القاصر كآلة يستغلها رب العمل أو ساهم في ذلك من خلال إخلاله بواجب رعاية ابنه؟ ، و كم من عامل قبل العمل في ساعات متأخرة و في أشغال خطيرة فقد لكونه مسؤولا عن رعية؟ .
فإذن كان الإجرام الاجتماعي المرتكب في إطار علاقات العمل و مازال متواصلا رغم وجود ترسانة قانونية و منظومة تشريعية قد يعتبرها رجل القانون فعالة ، و هو ما يدفعنا لطرح جملة من الاقتراحات ، للمساهمة في إرساء عدالة جنائية فعالة في المادة الاجتماعية ، و ذلك على النحو التالي :
- يتوجب أن تكون المنظومة الجنائية المناط بها حماية الحقوق العمالية ذات فعالية لأنه رغم وجود ترسانة قانونية إلا أنها مشوبة بالقصور، كما يتوجب أن تواكب التطورات الراهنة التي عرفها سوق العمل .
- يتوجب أن تطبق النصوص العقابية في المادة الاجتماعية تطبيقا فعليا ، مع ردع كل مستخدم ضرب عرض الحائط حقوق العامل ، مع القضاء على تقنية الوساطة التي يلجأ إليها رب العمل من أجل التنصل من المسؤولية الجنائية .
- يتوجب أن تلعب مفتشية العمل دورها الإيجابي .
-يتوجب على أرباب العمل التطبع بأخلاقيات العمل و عدم جعل علاقات العمل و حاجة الغير للعمل وسيلة لإشباع رغباتهم غير المشروعة.
و في الختام يمكن القول أن نجاح علاقات العمل مرهون على إلمام رب العمل بواجباته تجاه العامل ، و حقوقه على العامل ، و في ذات الوقت إلمام العامل بحقوقه لكن دون تناسي إلمامه بواجباته تجاه رب العمل و مكان العمل ككل ، و كل هذا حتى تتحسن علاقات العمل ، و بذلك يوضع حدا للإجرام الاجتماعي المقوم للمسؤولية الجنائية في إطار علاقات العمل .
المراجع المعتمدة :
أولا : المؤلفات
- أحسن بوسقيعة ، الوجيز في القانون الجزائي العام ، دار هومة ، الجزائر ، 2006 .
- أحمد محمود خلف ،الحماية الجنائية للمستهلك ، دار الجامعة الجديدة، القاهرة ، 2005 .
- آمال بطاهر ، النظام القانوني لحماية الأجور في القانون الجزائري ، دار الجامعة الجديدة ، الإسكندرية ، 2013.
- أحمد علي يونس ، المسؤولية الجنائية ، مقال منشور بمجلة الفتح القانونية ، العدد 07، الصادر في ديسمبر1996. 
- بن عزوز بن صابر ، نشأة علاقة العمل الفردية في التشريع الجزائري و المقارن ، الطبعة.01، دار الحامد للنشر و التوزيع ،2011 .
 - صلاح علي علي حسن ،حماية الحقوق العمالية ، دار الجامعة الجديدة ،الإسكندرية ، 2013.
- فاطمة بحري ، الحماية الجنائية الموضوعية للأطفال المستخدمين، دار الفكر الجامعي ، الإسكندرية ، 2007.
- محمد رياض دغمان ، النظام العام في علاقات العمل –دراسة مقارنة-، الطبعة .01 ،المؤسسة الحديثة للكتاب ، لبنان ،2015.
ثاتيا : المصادر القانونية
-الأمر 66/156،المؤرخ في 18 جوان 1966، و المتضمن قانون العقوبات المعدل و المتمم .
- القانون 78/07 ، المؤرخ في 20 يناير 1998 ، المتعلق بالوقاية الصحية و الأمن و طب العمل .
  - القانون رقم 90/03 ، المؤرخ في 06 فبراير 1990،المتضمن مفتشية العمل ، الصادر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائري ، العدد .06 .
 - القانون 90/11 ، المتعلق بعلاقات العمل الجزائري  ، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ، العدد .12 لسنة 1990.
- القانون 01/14، المؤرخ في 19 أوت 2001،المتعلق بتنظيم حركة المرور عبر الطرق و سلامتها و أمنها .
  - المرسوم التنفيذي رقم 96/98 ، المؤرخ في 06 مارس 1996 ، المتضمن قائمة الدفاتر و السجلات الخاصة التي يلتزم بها المستخدمون و محتواها ، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ، العدد .17.

  ثالثا : الأحكام القضائية
 - حكم محكمة الشارقة ، القسم الجزائي ، ملف رقم .179 ، مجلة العدل ، الصادرة بتاريخ 12 فبراير 1981 .

التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016