مسؤولية الآمرين بالصرف وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة "تقرير الحسيمة منارة المتوسط نموذجا " ج2
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
مسؤولية الآمرين
بالصرف وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة
"تقرير الحسيمة
منارة المتوسط نموذجا "
ج2
المصطفى قسماوي
طالب باحث بماستر التدبير الاداري للموارد البشرية
والمالية للإدارة كلية الحقوق سلا الجديدة
المبحث الثاني:
أجرأة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة (تقرير برنامج التنمية المجالية لإقليم
الحسيمة نموذجا):
للحديث عن أجرأة مبدا ربط
المسؤولية بالمحاسبة وفق تقرير برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة ،
ينبغي منا اساسا التطرق الى أساس مبدأ ربط
المسؤولية بالمحاسبة (المطلب الاول ) ثم الانتقال الى تفعيل هذا المبدأ وربطه
بالتقرير المذكور (المطلب الثاني) الى جانب التطرق الى صلاحيات الملك في مجال
الاعفاء المتعلق بأعضاء الحكومة (المطلب الثالث)
المطلب الاول: أساس
مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة:
بعد سنة 2011 ومصادقة المغرب
على الدستور الجديد، كثر الحديث عن مفهوم ربط المسؤولية بالمحاسبة الذي تم ادراجه في الوثيقة الدستورية كركن رابع
بعد الحكامة الجيدة، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وفصل السلط وتوازنها
وتعاونها، وذلك في نص الفصل الأول من الدستور[1].
ومنذ ذلك التاريخ الى أواخر سنة
2014 ، اختفى هذا المفهوم في زحمة تسابق مفاهيم وأوراش المقاصة والتقاعد والعدالة
وتحرير الاسعار، غير أن هذا المفهوم الدستوري سرعان ما أعلن عن حضوره من جديد بعد
فضيحة العشب الاصطناعي التي على اثرها أعفى جلالة الملك المسؤول عن هذه القضية بعد
أن ثبتت مسؤوليته الادارية والسياسية، هذا ما جعل الدولة المغربية تراهن على
العودة الى السلوك الديمقراطي في تقييم وتقديم حصيلة كل مسؤول وجعلته أمرا إلزاميا
وحتميا في مباشرة المسؤولية ومعادلة الأهداف بالنتائج.
إن ربط المسؤولية بالمحاسبة
الذي جاء النص عليه في الفقرة الثانية من الفصل الاول من الدستور، مع ما
يعنيه هذا الترتيب التشريعي المقصود في
الوثيقة الدستورية، وضع حدا قاطعا مع سلوك الريع السياسي والاقتصادي الذي كانت
تعرفه البلاد قبل اقرار دستور 2011 .
ولرفع اللبس عن مفهوم المسؤولية
الذي يتم التلويح به شرقا وغربا كلما حلت كارثة بالبلاد ، وجب التمييز بين
المسؤولية المباشرة التي غالبا تكون فردية مرتبطة
بقرارات واجراءات إدارية شخصية مباشرة، ينجم عنها تكييف موضوع المسؤولية مع
جوانبه المدنية والجنائية والادارية، والمسؤولية غير المباشرة الاجتماعية أو الاقتصادية
أو السياسية أو الأخلاقية ، التي تكون نتيجة قرارات وتدابير ومبادرات مؤسساتية أو
جماعية سارية المفعول على المديين المتوسط
والبعيد والتي تصير حصيلة اختيارات موفقة أو غير موفقة في تدبير الشأن العام أو
المحلي .
المطلب الثاني: تفعيل
مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة :
للحديث عن تفعيل مبدأ ربط
المسؤولية بالمحاسبة يجب التطرق أولا الى الجهات المختصة بتفعيل هذا المبدأ (فقرة
أولى) ثم نموذج حي عن تفعيل هذه المساءلة والمحاسبة (فقرة ثانية).
الفقرة الاولى:
الجهات المختصة في تفعيل المبدأ:
في ما يتعلق بتفعيل مبدأ ربط
المسؤولية بالمحاسبة نجد ان الحكومة مسؤولة امام الملك والبرلمان، وتظهر هذه
المسؤولية من خلال مجموعة من الميكانيزمات
الدستورية التي تربط الحكومة سواء بالملك او البرلمان.
فالملك استنادا الى الفصل 47 من الدستور يقوم
بتعيين أعضاء الحكومة، كما أن رئيس الحكومة يوقع بالعطف على الظهائر الملكية، وان
دل ذلك فإنما يدل على ان الحكومة لا يمكن ان يتم تعيينها او ان تمارس مهامها الا
اذا كانت حاصلة على ثقة الملك.
كما أن مسؤولية الحكومة امام البرلمان عرفت تطورا نسبيا منذ اول دستور للمغرب الى حدود
الان حيث اصبحت لها اهمية لا يستهان بها، خصوصا مع دستور 2011، وتأخذ عدة اشكال
فتتمثل في منح الثقة وتقديم ملتمس الرقابة[2].
الى جانب أن المجلس الاعلى
للحسابات يضطلع بأدوار مهمة على مستوى الرقابة على المال العام من خلال الاختصاصات
الرقابية الممنوحة له .
ولتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة
نجد أن من اختصاصات المجلس الاعلى للحسابات التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية
، وحدد قانون مدونة المحام المالية في المادة 51 الأشخاص الخاضعين للتأديب المتعلق
بالميزانية والشؤون المالية، وهم "
كل مسؤول او موظف او عون بأحد الاجهزة الخاضعة لرقابة المجلس، كل في حدود الاختصاصات
المخولة له، والذي يرتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في المواد 54 و 55 و 56
بعده " اما الاجهزة فقد حددتها المادة 51 من نفس القانون [3].
لكن نفس القانون استثنى من مجال اختصاصه كل من
اعضاء الحكومة والبرلمان وذلك بصريح المادة 52 من مدونة المحاكم المالية، التي نصت على انه "لا يخضع للاختصاص
القضائي للمجلس في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية اعضاء
الحكومة واعضاء البرلمان عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة".
وقد عمد المجلس الاعلى للحسابات
على اصدار تقاريره السنوية، هذا المبدأ يجد اصله الدستوري في الفقرة ما قبل الاخيرة من الفصل 148 من الدستور التي
تنص على ان هذا المجلس يرفع الى الملك بيانا عن جميع الاعمال التي يقوم بها .
كما ان الفقرة الاخيرة من
المادة الثانية من مدونة المحاكم المالية تأكد على هذا المقتضى ، ولقد وضع المجلس
الاعلى للحسابات الى غاية 2010 اي على بعد
30 سنة من تأسيسه تقارير حول انشطته تغطي
السنوات من 2003 الى 2008 ولقد خصص اول تقرير بعد صدور القانون رقم 62.99 لسنتي
2003 و 2004، ثم بعد ذلك عملت التقارير
الموالية ان تخصص لكل سنة تقريرا خاصا بالسنة المعنية[4].
لكن رغم ارتقاء المجلس الاعلى
للحسابات الى مؤسسة دستورية، إلا أنه ظلت مهمته مرتكزة أساسا على رصد
الاختلالات، دون أن يتمكن من أن يضطلع بدور المساهمة الفعالة في عقلنة تدبير
الأموال العامة و يمارس كليا وظيفته كمؤسسة عليا للرقابة على المال العام.
لقد ظل المجلس الأعلى للحسابات مثار جدل بسبب ما يثار
حول التقارير السنوية التي يتم الاعلان عنها دون أن يتم ربط ذلك بمبدأ المحاسبة
والمسائلة
وفي إطار دستور 2011 المرتكز على ربط المسؤولية
بالمحاسبة، خصص الباب العاشر للمجلس الأعلى للحسابات. وقد نص الفصل 147 من الدستور
على أن المجلس الأعلى للحسابات هو الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية
بالمملكة، ويضمن الدستور استقلاله. ويمارس المجلس الأعلى للحسابات مهمة تدعيم
وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة، بالنسبة للدولة والأجهزة
العمومية. كما يتولى المجلس الأعلى للحسابات ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين
المالية. ويتحقق من سلامة العمليات، المتعلقة بمداخيل ومصاريف الأجهزة الخاضعة
لمراقبته بمقتضى القانون، ويقيم كيفية تدبيرها لشؤونها، ويتخذ عند الاقتضاء،
عقوبات عن كل إخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة. إضافة إلى ذلك تُناط
بالمجلس الأعلى للحسابات مهمة مراقبة وتتبع التصريح بالممتلكات، وتدقيق حسابات
الأحزاب السياسية، وفحص النفقات المتعلقة بالعمليات الانتخابية.
في هذا السياق ينشر المجلس الأعلى للحسابات جميع أعماله،
بما فيها التقارير الخاصة والمقررات القضائية. ويرفع المجلس الأعلى للحسابات للملك
تقريرا سنويا، يتضمن بيانا عن جميع أعماله، ويوجهه أيضا إلى رئيس الحكومة، وإلى
رئيسي مجلسي البرلمان، وينشر بالجريدة الرسمية للمملكة. يُقدم الرئيس الأول للمجلس عرضا عن أعمال المجلس
الأعلى للحسابات أمام البرلمان، ويكون متبوعا بمناقشة.
الفقرة الثانية: تفعيل المبدأ استنادا الى تقرير الحسيمة منارة المتوسط:
في
الآونة الاخيرة رفع السيد ادريس جطو الرئيس
الأول للمجلس الأعلى للحسابات مذكرة بخصوص التقرير المتعلق ببرنامج التنمية
المجالية لإقليم الحسيمة "منارة المتوسط" الى الملك طبقا لأحكام الدستور ومقتضيات القانون
رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية .
جاء
بهذه المذكرة ان المجلس قام بفحص برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة وذلك
طبقا لاختصاصاته في مجال تقييم المشاريع العمومية ، بحيث قام المجلس بدراسة
التقرير المعد من قبل المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية،
الذي تسلمه من الحكومة بتاريخ 3اكتوبر
2017 طبقا لمقتضيات المادة 109 من مدونة المحاكم المالية .
وخلصت
هذه الدراسة الى الوقوف على مجموعة من الاختلالات شابت مرحلتي اعداد وتنفيذ
هذا البرنامج.
ولتجاوز
هذه الاختلالات التي تعزى لنقائص في منظومة الحكامة أصدر المجلس الاعلى للحسابات مجموعة من التوصيات،
كما اقترح الاستناد على منجزات برنامج منارة المتوسط من اجل بلورة برنامج مندمج
للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة .
وعلى
اثر هذا التقرير صدر بلاغ للديوان الملكي بتاريخ 24 اكتوبر 2017 وأعفى من خلاله جلالة
الملك المسؤولين عن هذه الاختلالات ، حيث جاء بالبلاغ أنه " نهوضا من جلالته
بمهامه الدستورية، باعتباره الساهر على
حقوق المواطنين وصيانة مصالحهم ،وتفعيلا لأحكام الفصل الأول من الدستور، وخاصة
الفقرة الثانية منه، المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة ، وبناء على مختلف التقارير المرفوعة للنظر
المولوي السديد، من طرف المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة
للمالية، والمجلس الأعلى للحسابات، وبعد تحديد المسؤوليات، بشكل واضح ودقيق، يأخذ
بعين الاعتبار درجة التقصير في القيام بالمسؤولية، قرر الملك، أعزه الله، اتخاذ
مجموعة من التدابير والعقوبات، في حق عدد من الوزراء والمسؤولين السامين. وفي هذا
الإطار، وتطبيقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، ولاسيما الفقرة الثالثة منه، وبعد
استشارة رئيس الحكومة"
على
إثر هذه المذكرة قرر جلالة الملك إعفاء عدد من المسؤولين الوزاريين. ويتعلق الأمر
بكل من :
-
محمد حصاد، وزير التربية الوطنية والتكوين
المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة ؛
-
محمد نبيل بنعبد الله، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير
والإسكان وسياسة المدينة، بصفته وزير السكنى وسياسة المدينة في الحكومة السابقة ؛
-
الحسين الوردي، وزير الصحة، بصفته وزيرا للصحة في
الحكومة السابقة ؛
-
السيد العربي بن الشيخ، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية
والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المكلف بالتكوين المهني، بصفته
مديرا عاما لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل سابقا ؛
-
كما قرر جلالته إعفاء السيد علي
الفاسي الفهري، من مهامه كمدير عام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح
للشرب.
أما
بالنسبة للمسؤولين في الحكومة السابقة المعنيين كذلك بهذه الاختلالات، قرر جلالة
الملك، حفظه الله، تبليغهم عدم رضاه عنهم، لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم، ولعدم
تحملهم لمسؤولياتهم، مؤكدا أنه لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلا، ويتعلق الأمر بكل من :
-
رشيد بلمختار بنعبد الله، بصفته وزير التربية الوطنية
والتكوين المهني سابقا ؛
-
لحسن حداد بصفته، وزير السياحة سابقا ؛
-
لحسن السكوري، بصفته وزير الشباب
والرياضة سابقا ؛
-
محمد أمين الصبيحي، بصفته وزير الثقافة سابقا ؛
-
حكيمة الحيطي، كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن
والماء والبيئة، المكلفة بالبيئة سابقا.
إثر
ذلك، كلف جلالة الملك رئيس الحكومة برفع اقتراحات لتعيين مسؤولين جدد في المناصب
الشاغرة.
أما
في ما يخص باقي المسؤولين الإداريين، الذين أثبتت التقارير في حقهم تقصيرا
واختلالات في القيام بمهامهم، وعددهم 14، فقد أصدر الملك تعليماته السامية لرئيس
الحكومة، قصد اتخاذ التدابير اللازمة في حقهم، ورفع تقرير في هذا الشأن لجلالته.
كما
جدد جلالة الملك الدعوة لاتخاذ كافة الإجراءات التنظيمية والقانونية، لتحسين
الحكامة الإدارية والترابية، والتفاعل الإيجابي مع المطالب المشروعة للمواطنين، في
إطار الاحترام التام للضوابط القانونية.
وتجدر
الاشارة الى ان هناك متغير مستقل دفع المجلس الاعلى للحسابات الى تحريك مسطرته ،
ويتمثل هذا المتغير في الاحتجاجات والحراكات التي عرفتها منطقة الحسيمة في الاشهر
المنصرمة، مطالبتا برد الاعتبار لمطالب المنطقة وتوفير بعض المرافق الاجتماعية
والاقتصادية لتنمية الاقليم.
المطلب الثالث: سلطات
الملك المتعلقة بالإعفاء:
يستمد الملك سلطاته في مجال الإعفاء
من الدستور لا سيم الفصل 47 الذي ينص على انه "... للملك، بمبادرة منه، بعد
استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا او اكثر من اعضاء الحكومة من مهامهم .
ولرئيس الحكومة ان يطلب من
الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة .
ولرئيس الحكومة أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو
أكثر من أعضاء الحكومة ، بناء على استقالتهم، الفردية أو الجماعية .
.....".
وهو الأمر الذي يعطي الملك صلاحية إعفاء أعضاء الحكومة من مهامهم في
حالة اذا لم يقوموا بواجباتهم، أو إذا طلب ذلك رئيس الحكومة.
كما حددت المادة 12 من القانون
التنظيمي[5]
على امكانية تكليف اعضاء الحكومة بالنيابة عن زملائهم الذين تغيبوا او حال مانع
دون مزاولتهم لمهامهم، اذا اقتضت الضرورة ذلك، ويمكن عند الاقتضاء ان يتم هذا
التكليف بمرسوم ينشر بالجريدة الرسمية،
وهو ما تم العمل به في الآونة
الاخيرة حيث اصدر رئيس الحكومة مرسوم رقم 2.17.682 بتاريخ 10 صفر 1439 (30 اكتوبر2017) يقضي بتكليف بعض اعضاء الحكومة بالقيام مقام
الاعضاء الذين ثم إعفاؤهم .
خاتمة :
لقد سلك المشرع المغربي، نهجا
مغايرا عن الذي اتخذه المشرع الفرنسي، فيما يخص مسألة تمكين المجلس الأعلى
للحسابات من اتخاذ الإجراءات العقابية والزجرية في حق الخارجين عن القواعد
القانونية[6]،
بحيث أن التشريع الفرنسي يسمح للمفتشين بحق توقيف المحاسب العمومي إذا أضر بالمال
العام، أما فيما يخص التشريع المغربي فإنه يكتفي في مثل هذه الحالات بإحالة محضر
المفتشية العامة الذي يدين الموظف أو المراقب إلى الجهة المختصة، والمتمثلة في الرئيس
الإداري المعني لمطالبته بتوقيفه، ويختص الوزير باتخاذ القرار المناسب في حق المخل
بالمساطر القانونية المتبعة في مادة تنفيذ العمليات المالية.
فالفصل
الخامس من ظهير 14 أبريل 1960 المنظم للمفتشية العامة للمالية، نجده يفيد بأنه في
حالة مخالفة جسيمة يرفع المفتش تقريره إلى المفتش العام وللجهة التي تتوفر على
السلطة التأديبية في حق المحاسب، وبالتالي يمكن استصدار عقوبات في حق المخل بتنفيذ
العمليات المالية، إلا أنه وفي نفس الوقت نجد أن النص قد سكت عن بيان المسطرة
الواجب اتباعها في حق الآمرين بالصرف في حالة مخالفتهم للقانون، وذلك للاعتبارات
السياسية للآمرين بالصرف بحكم القانون (الوزراء) مما يطرح عدة إشكالات على مستوى الانتماء
السياسي للآمر بالصرف، إذ يرفض مبدأ المساءلة إلا من طرف ناخبيه أو الجهة التي
عينته مما يجعل مسؤوليته مسؤولية نظرية أكثر منها فعلية، رغم خضوع معاملاته
المالية لسلطة المجلس الأعلى للحسابات ولعدد من المسؤوليات الأخرى، كما ان للآمر بالصرف الحق في تجاوز رفض التأشير
من طرف المحاسب، ويسمى هذا الإجراء الاستثنائي ب "حق التسخير" ورغم أن استعمالات
هذا الحق تبقى على العموم محدودة إلا أنها تطرح مشكلة الاختلاف في تأويل بعض
النصوص القانونية والتنظيمية المالية، ترى فيها مصالح الخزينة تجاوزا للإجراءات
المنصوص عليها، بينما يصر الآمر بالصرف على تنفيذها تحت مسؤوليته مما يؤثر في
السير العادي للمصالح الإدارية المرتبطة بهما.
الى جانب
التأخير الذي يعرفه الإدلاء بالوثائق والحسابات للمجلس الأعلى ، ومحاولات التملص من تقديم البيانات اللازمة أو
عرقلة إجراء المراقبة عليها، ورغم الجزاءات التي يرتبها المجلس الأعلى للحسابات على مخالفة
هذه الإجراءات (كالغرامات التهديدية) فإن التجربة في هذا المجال تؤكد غياب اهتمام
جدي بفرضها أو التطبيق الفعلي لهذا الجانب الرقابي، مما يتأكد معه مرة أخرى
الإشكال القانوني المزمن والمتمثل في التناقض بين النص القانوني والممارسة العملية[7].
بالإضافة
الى التأخر الذي تعرفه مناقشة قانون التصفية المتعلق بقانون المالية الذي لا تتم
مناقشته الا بعد تنفيذه بسنوات عديدة مما يؤدي الى التهرب من المسؤولية وعدم
تطبيقها على المخالفين والناهبين للمال العام، وهو ما يفرغ هذه الرقابة من محتواها
وتبقا رمزية.
وبعد
الوقوف على مختلف الجوانب المتعلقة بمسؤولية الآمرين بالصرف بحكم القانون يتبادر الى
الذهن سؤال جوهري يمكن طرحه على الشكل التالي، ما هي دواعي نهج الرقابة على المال
العام اذا كان أعضاء الحكومة والبرلمان متمتعون بالحصانة ومعفيون من الخضوع للمساءلة والمحاسبة ؟
لائحة المراجع:
الكتب:
v إبراهيم عقاش
، الطبيعة القانونية لمسؤولية الآمرين بالصرف، مجلة مسالك، عدد 7-2007.
v عيسى عيسى ، المراقبة الإدارية على تنفيذ الميزانية
العامة بالمغرب، رسالة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، عين الشق،
الدار البيضاء، السنة الجامعية 2004-2005.
v الحاج شكرة، الادارة المركزية
والجماعات الترابية، مطبعة دعاية، الطبعة الاولى 2016.
v كريم لحرش، القانون الاداري
المغربي، مطبعة الأمنية، الرباط، الطبعة الثالثة 2014.
v نجاة خلدون، قانون التنظيم
الاداري المغربي، مطبعة دعاية، الطبعة الثانية 2017.
v محمد كرامي، القانون الاداري،
مطبعة النجاح الجديدة ، الطبعة الثالثة 2015.
v عبد القادر باينة، الرقابة
المالية على النشاط الاداري، مطبعة دار القلم ،الرباط، الطبعة الاولى، 2011.
التقارير
والمجلات:
v إدريس بلماحي، المفتشية العامة
للمالية، جهاز مهم للرقابة وفعالية محدودة ، أسبوعية مغرب اليوم ، عدد 10 بتاريخ
11-17 مارس 1996.
v تقرير
لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حول مشروع القانون التنظيمي رقم 065.13،دورة
أكتوبر 2014،السنة التشريعية الرابعة،2012.2015، الولاية التشريعية التاسعة
2011-2016.
v المالية العامة بالمغرب، مع نخبة من المهتمين بالشأن
الاقتصادي والمالي، المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، عدد 13، دجنبر 2001.
القوانين:
v ظهير شريف رقم 1.02.25 صادر
في 12 من محرم 1423 (3 أبريل 2002) بتنفيذ القانون رقم 61.99 المتعلق بتحديد مسؤولية
الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين ج. ر عدد 4999 بتاريخ (29 أبريل
2002)، ص: 1168.
v ظهير شريف رقم 1.02.124 صادر
في فاتح ربيع الأول 1423 (13 يونيو 2002) بتنفيذ القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة
المحاكم المالية، ج. ر عدد 5030 (15 غشت 2002)، ص: 2294.
v ظهير شريف رقم1.15.33 صادر
بتاريخ 28 جمادى الاولى 1436(19 مارس2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق
بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، ج. ر عدد 6348 بتاريخ 12 جمادى
الثانية 1436 (2 ابريل 2015) ص: 3515.
v ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر
بتاريخ 27 شعبان 1432 (29 يوليوز 2011) بتنفيذ نص الدستور، ج. ر عدد 5964 مكرر، بتاريخ
30 يوليوز 2011، ص:3600.
v مجموعة القانون الجنائي المغربي، الصادر بتنفيذه
الظهير الشريف رقم 1.59.413 بتاريخ 28 جمادى الثانية 1382(26 نونبر 1962)الجريدة الرسمية
عدد 2640 مكرر، بتاريخ 12 محرم 1383 (5يونيو
1963) ص:1253.
[3] - عبد القادر باينة،
الرقابة المالية على النشاط الاداري، مطبعة دار القلم ،الرباط، الطبعة الاولى،
2011،ص:89.
[5] - ظهير شريف
رقم1.15.33 صادر بتاريخ 28 جمادى الاولى 1436(19 مارس2015) بتنفيذ القانون
التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني
لأعضائها، ج. ر عدد 6348 بتاريخ 12 جمادى الثانية 1436 (2 ابريل 2015) ص: 3515.
[6]- إدريس بلماحي، المفتشية العامة
للمالية، جهاز مهم للرقابة وفعالية محدودة ، أسبوعية مغرب اليوم ، عدد 10 بتاريخ
11-17 مارس 1996، ص: 10.
[7] -
المالية العامة بالمغرب، مع نخبة من المهتمين
بالشأن الاقتصادي والمالي، المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، عدد 13، دجنبر 2001 ، ص : 86.
0 التعليقات:
إرسال تعليق