التبني في ضوء أحكام الفقه الإسلامي
وقانون
مدونة الأسرة المغربية.
ذ.
إبراهيـــم والعـــيــز.
باحث
في الفقه الإسلامي-المغرب.
مقدمة.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبيء الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فإن هذه المقدمة تشتمل على أهمية البحث،
وأهدافه، وتقسيماته، وذلك على النحو التالي:
أهمية البحث:
تتجلى أهمية هذا البحث في كونه يناقش موضوع
التبني في ضوء أحكام الفقه الإسلامي، وقانون مدونة الأسرة المغربية؛ من أجل تأكيد
رجحان عدالة الفقه الإسلامي المستمد من نصوص الوحي قرآنا وسنة في موقفه من التبني
من خلال بحث حكم التبني من جهة، والبدائل التي أباحها الإسلام بديلا عن التبني من
جهة أخرى، والكشف عن مدى التقارب بين قانون الأسرة وأحكام الفقه الإسلامي فيما
يتعلق بالتبني.
أهداف
البحث:
* بيان حقيقة التبني في ضوء أحكام الفقه
الإسلامي وقانون مدونة الأسرة المغربية.
* توضيح الحكمة من حظر التبني في الفقه
الإسلامي وقانون مدونة الأسرة المغربية.
تقسيمات
البحث:
يتكون البحث من مقدمة، وأربعة محاور،
وخاتمة، وبيان ذلك على الوجه الآتي:
* المقدمة: وتشتمل على أهمية البحث،
وأهدافه، وتقسيماته.
* المحور الأول: تحديد المفاهيم والمصطلحات.
* المحور الثاني: التبني في ضوء أحكام الفقه
الإسلامي.
* المحور الثالث: التبني في ضوء قانون مدونة
الأسرة المغربية.
* المحور الرابع: التدابير الشرعية
والقانونية لحماية اللقيط وحفظ حقوقه.
* الخاتمة: وتتضمن ملخص البحث ونتائجه.
المحور
الأول: تحديد المفاهيم والمصطلحات.
وقبل مناقشة موضوع التبني في ضوء أحكام
الفقه الإسلامي وقانون مدونة الأسرة المغربية، يفرض علي المنهج أن أقوم بتحديد
دلالة مصطلح التبني وتمييزه عن المصطلحات الشبيهة به كالحضانة والكفالة، وأكتفي من
ذلك بالتركيز على الدلالة الاصطلاحية للألفاظ الثلاثة، وذلك على الشكل الآتي:
-1- مفهوم التبني: التبني هو أن يقيم الرجل ابنا رباه مقام الابن الحقيقي ويدعي بنوته[1]،
وهو الدعي كما سماه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَمَا
جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾[2]. قال في لسان العرب: "والــدعي؛ المنسوب إلـى
غــير أبيه، والــدعوة -بكسر الدال- ادعاء الولد الدعي غير أبيه"[3]،
وقال القرطبي: "فالأدعياء جمع الدعي، وهو الذي يدعى ابنا لغير أبيه، أو
يدعي غير أبيه، والمصدر الدعوة بالكسر"[4].
وقد عرف العلامة يوسف القرضاوي التبني
بقوله: "هو الذي يضم فيه الرجل طفلا إلى نفسه، يعلم أنه ولد غيره، ومع هذا
يلحقه بنسبه وأسرته، ويثبت له كل أحكام البنوة وآثارها مع إباحة اختلاط وحرمة زواج
واستحقاق ميراث"[5].
-2- مفهوم الحضانة: هناك فرق واضح بين التبني والحضانة، لأن
التبني من خلال تعريفه السابق
يؤول معناه إلى أنه عقد ينشئ بين شخصين علاقة صورية محضة بالأبوة والبنوة
المفترضة، أما الحضانة فهي: "تربية وحفظ من لا يستقل بأمور نفسه عما يؤذيه
لعدم تمييزه، كطفل وكبير مجنون. وذلك برعاية شؤونه وتدبير طعامه وملبسه ونومه
وتنظيفه وغسله وغسل ثيابه في سن معينة ونحوها"[6]،
وفي المادة 163 من مدونة الأسرة المغربية: "الحضانة حفظ الولد مما
قد يضره، والقيام بتربيته ومصالحه"[7]، وهي
"بالنسبة للصغير أو الصغيرة واجبة، لأن الإهمال فيها يعرض الطفل للهلاك
والضياع"[8]،
وهي حق من حقوق الولد[9]،
ولذلك قرر الفقهاء أن الأحق بها هو الذي يشفق على الولد ويعطف عليه ويرعى شؤونه
رعاية حسنة، فنصوا في مصنفاتهم على تقديم النساء على الرجال في الحضانة[10]
إذا كان طلاق من الزوج أو موت[11]،
"لأن المقصود منها القيام بمؤنة الصبي لأنه خلق ضعيف لا يقوم بنفسه، فيقدم
لحضانته من هو طبعه أشفق على المحضون وأرفق به من غيره"[12].
-3- مفهوم الكفالة: لا يوجد فرق بين الكفالة والتبني على مستوى الظاهر، لأن كليهما يرمي إلى
رعاية الطفل ماديا ومعنويا بضمه إلى أسرة أخرى ليست أصلية، غير أن الفرق بينهما
يظهر في كون التبني يؤثر في النسب حيث يحدث نسبا اعتباريا جديدا وهو النسب بالتبني،
كما أن هذا النسب الاعتباري "المزيف" بالتبني يؤثر على الجانب الحقوقي
لأفراد الأسرة، فيحجب الولد المتبنى الورثة الأصليين إما حجب نقصان أو حجب حرمان،
كما يحرم هو من بعض حقوقه الأخرى كحقه في الزواج، وذلك إذا رغب المتبنى في الزواج
من إحدى قريبات من تبناه فيحرم من ذلك بسبب هذا النسب المزيف، أما الكفالة وهي
"التربية والقيام بأمر المحضون"[13] فلا
تؤثر في شيء من ذلك، لأنها لا تنشئ النسب الاعتباري بين المتبني والمتبنى، وهي
بهذا المعنى؛ "أن يضم الرجل إليه طفلا يتيما أو لقيطا، ويجعله كابنه في
الحنو عليه والعناية به والتربية له ...، دون أن ينسبه لنفسه أو يثبت له أحكام
البنوة"[14].
المحور
الثاني: التبني في ضوء أحكام الفقه الإسلامي.
لقد حمى الإسلام الأنساب من الاختلاط بتحريم الزنى أولا،
ثم بتحريم التبني ثانيا، من أجل أن تصفو الأسرة من العناصر الغريبة عنها، وبذلك
فإن الفقه الإسلامي اتخذ موقفا واضحا من التبني، فحكم الفقهاء بتحريمه وعدم جوازه
تحت أي سبب من الأسباب، وقاية للمجتمع الإسلامي من هذه الظاهرة المتفشية في
الجاهلية، وإبعادا له من الوقوع في هذه الآفة التي تضر بشكل مباشر النسب وتفسده.
وسند الفقهاء في ذلك النصوص الصريحة
والصحيحة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ومما قرره الفقه الإسلامي في
هذا الباب:
-1-
إنكار الوالد نسب ولده يوجب غضب
الله وعقابه يوم القيامة، لأن في هذا الإنكار تعريضا للولد وأمه للذل والعار. قال
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم:«أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله
منه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين»[15].
-2- تحذير النساء من أن ينسبن إلى أزواجهن من يعلمن أنه ليس منهم، لأن ذلك سبب
مباشر لتعريضهن لخزي الله يوم لقائه، بحرمانهن من دخول الجنة. قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في
شيء ولن يدخلها الله جنته»[16].
-3- انتساب الولد إلى غير أبيه وهو على علم بذلك يوجب السخط واللعنة[17]،
ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عد ذلك من المنكرات الشنعاء التي تستوجب لعنة
الخالق والخلق، لأن الانتساب إلى غير الآباء من أكبر العقوق للآباء. قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «من ادعى[18] إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام»[19].
وانطلاقا من هذا يكون موقف الفقه الإسلامي
من أمر التبني واضحا، فلقد حرمه تحريما قطعيا ومؤبدا من غير تدرج ولا تنجيم، كما
هو صريح قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ
قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل
ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا
آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[20].
ومعنى الآية "أن تبني ولد أو بنت
ليس من صلب المتبني، وإنما هو أو هي من صلب رجل آخر، معروف أو مجهول عمل غير مشروع
لا يرضى عنه الله، ولا يقبله الشرع، لأنه مجرد تزوير، وقلب للحقائق، ومن أجل ذلك
سمى كتاب الله هذا الولد المتبنى-كالبنت المتبناة- دعيا، أي ولدا ليس بأصيل والجمع
أدعياء، وبالرغم عن تسميته ابنا من طرف الأب الطارئ المتبني، فإن الله تعالى يرفض
قبوله ابنا للمتبني ويعتبره دخيلا في الأسرة ومتطفلا عليها. وتأكيدا لرفض بنوته وإن
ادعاها المتبني قال تعالى في نفس السياق؛﴿ذَلِكُمْ
قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾، أي لا عبرة به شرعا، لأنه مخالف للواقع وكذب على
الله"[21].
وقد كان هذا النوع المصطنع من الأبوة
والبنوة معروفا عند العرب في الجاهلية، لا سيما بالنسبة للأولاد الذكور، "وكانوا
يجعلون للمتبنى أحكام البنوة كلها"[22]،
لكن كتاب الله أعلن فساده وبطلانه، وفرض على المسلمين ألا يغيروا خلق الله، وأمرهم
أن ينسبوا الابن أو البنت إلى الأب الحقيقي ما دام الأب معروفا، أو يكتفوا
بمعاملته كأخ في الدين إن كان مجهول الأب مجهول النسب[23]،
فقال تعالى مخاطبا لعباده المتقين؛ ﴿ادْعُوهُمْ
لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾[24].
المحور
الثالث: التبني في ضوء قانون مدونة الأسرة المغربية.
لقد خصصت مدونة الأسرة المغربية القسم الأول
من الكتاب الثالث للبنوة والنسب، ووضحت جملة من الأحكام المرتبطة بهذا الموضوع،
ابتداء بتحديد معنى النسب، وبيان شروط إثباته، وصولا إلى إبطال التبني، وبيان حكم
تبني الجزاء أو التنزيل، ويمكن تفصيل ذلك فيما يلي:
-1-
بدأت مدونة الأسرة المغربية في المادتين 150-157 ببيان أهمية النسب
وما يترتب على ثبوته، فذكرت أن "النسب لحمة شرعية بين الأب وولده تنتقل من
السلف إلى الخلف"[25]،
وأن النسب "متىثبت ولو في زواج فاسد أو بشبهة أو بالاستلحاق، تترتب عليه
جميع نتائج القرابة، فيمنع الزواج بالمصاهرة أو الرضاع، وتستحق به نفقة القرابة
والإرث"[26].
-2- وبعد هذا تعرضت المدونة لما يثبت
به النسب فذكرت في المادة 152 أن "أسباب لحوق النسب: 1- الفراش، 2-
الإقرار، 3- الشبهة"[27]،
وذكرت في المادة 158 أن النسب "يثبت بالفراش أو بإقرار الأب، أو بشهادة
عدلين، أو ببينة السماع، وبكل الوسائل الأخرى المقررة شرعا بما في ذلك الخبرة
القضائية"[28].
-3- وبعد بيان المدونة للأسباب
والخيوط التي يتم عن طريقها الربط بين الأب والولد، وهي خيوط وإن كان البعض منها
يبدو ضعيفا، إلا أنه مع ذلك لا يمكن التساهل في تلاشي أحدها، وفي حالة ما إذا غابت
يكون الجواب هو ما نصت عليه هذه الآية الكريمة بطريق النفي القاطع: ﴿وَمَا
جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ
وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ
هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ
فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ
بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[29]، ونصت عليه المادة 149 في قولها "يعتبر
التبني باطلا، ولا ينتج عنه أي أثر من آثار البنوة الشرعية"[30].
-4- ومخافة أن يتوهم أن باب المعروف
والإحسان قد سد وأقفل نصت المدونة في المادة ذاتها على أن التبني وإن كان لا يثبت
به النسب فإن "تبني الجزاء أو التنزيل منزلة الولد لا يثبت به النسب وتجري
عليه أحكام الوصية"[31].
وهو تنصيص يتماشى مع ما وقع التنبيه إليه في الآية القرآنية التي أبطلت التبني
وحضت على فتح باب الإحسان إلى من يحتاج إليه من أطفال المسلمين على قاعدة أن
المؤمن أخ للمؤمن، فقالت: ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي
الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ﴾[32].
وبهذا يكون قانون مدونة الأسرة المغربية
قاضيا بما قضى به الفقه الإسلامي في موضوع التبني، مما يدل على توافقهما في ما
يتعلق بالبنوة والنسب وطرق إثباته وكذا في عدم الاعتراف بالبنوة المزيفة
"التبني" التي ألغاها الإسلام وأبطلها بشكل قاطع.
وعليه فلا يوجد أي تعارض بين أحكام الفقه
الإسلامي ونصوص مدونة الأسرة المغربية في هذا الباب.
المحور
الرابع: التدابير الشرعية والقانونية لحماية اللقيط وحفظ حقوقه.
أروم في هذا المحور إلى الإجابة عن السؤالين
التاليين:
* ما هي الحكمة من تحريم التبني في الفقه
الإسلامي، ومنعه في قانون مدونة الأسرة المغربية؟.
* وما هي التدابير الشرعية والقانونية
لحماية اللقيط ومجهول النسب لحمايته وحفظ حقوقه؟.
وفصل الخطاب في الجواب عن السؤالين هو ما
يلي:
-1- لعل الحكمة في تحريم التبني في
الشريعة الإسلامية والقانون المغربي ومنعه منعا باتا تعود إلى أمرين أساسين:
-أ-
إن مرتكبه يعمل على إفساد الأنساب واختلاطها بدلا مما أمر الله به من حفظ الأنساب
وصيانتها.
-ب- إن مرتكبه يعمل على انتزاع الحقوق من
أهلها وتمكين الغير منها دون حق، لأنه يجعل ولد الغير ولدا للصلب، وبذلك يصبح غير
المحارم من زوجة المتبني وأولاده الأصليين وقرابته الأقربين محارم لمن تبناه، وهو
في الحقيقة أجنبي عنهم يحل لهم منه ما يحل منهم لغيره، ويصبح الولد المتبنى شريكا
لهم في الإرث دون أن يكون له أدنى حق فيه، إلى غير ذلك من التعقيدات والمضاعفات
التي تغير طابع الأسرة المسلمة وتفسد نظامها من الأساس.
-2- أما عن أمر التدابير الشرعية
والقانونية لحماية اللقيط وحفظ حقوقه، فإن الإسلام إذا كان قد أقفل باب التبني ولم
يأذن به، لما يترتب عليه من مفاسد ومضار، فإنه فتح باب الإحسان في وجه من يريد
الإحسان لأطفال المسلمين ولو كانوا مجهولي الآباء متى تعرض المجتمع الإسلامي لآفات
اجتماعية أو كوارث طبيعية، وذلك بتربيتهم وتعليمهم والعناية والأخذ بأيديهم في
المراحل الأولى من حياتهم، وتلك هي الكفالة التي رغب فيها الرسول صلى الله عليه وسلم
بقوله: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا»، وأشار بالسبابة والوسطى
وفرج بينهما شيئا[33]، ثم بتخصيص الهبات والوصايا لصالحهم عندما يبلغ أحدهم
أشده، وهذا ما جعل الفقهاء يقررون قاعدة عظيمة في مجال الرعاية الاجتماعية للقطاء،
فقالوا: "لا يتبع اللقيط بما أنفق عليه"[34]،
ومعنى القاعدة أن "من التقط لقيطا فأنفق عليه فهو متطوع، وإن أراد أن ينفق
عليه ويتبعه به فليس ذلك له إما أن ينفق عليه محتسبا وإما تركه، ... لأنه فقير من
فقراء المسلمين تلزم الكافة إعانته".
وهذه التدابير الشرعية لحفظ حقوق اللقيط قد
أكدت عليها مدونة الأسرة المغربية كذلك، حفظا لحقوق هذه الفئة وحماية لها من
الضياع، وذلك لما نصت في إحدى موادها على أن "تبني الجزاء أو التنزيل
منزلة الولد لا يثبت به النسب وتجري عليه أحكام الوصية"[35].
وبهذه الطريقة يتم إدماج هؤلاء في المجتمع
بصورة مشروعة فيها نفع لهم من جهة، وليس فيها ضرر على الأسرة المسلمة ولا اعتداء
على حقوقها الشرعية والقانونية من جهة أخرى.
خاتمة:
توخيت من هذا البحث مناقشة موضوع التبني في
ضوء أحكام الفقه الإسلامي وقانون مدونة الأسرة المغربية، وقد خلصت من خلاله إلى
النتائج التالية:
-1- التبني تحريف وتزييف للحقيقة،
والفقه الإسلامي المستمد من هدي الشريعة الإسلامية حرم التبني ولم يعترف بنظامه،
والحكمة من تحريمه الحفاظ على الأنساب ومنع اختلاطها أولا، وحماية حقوق الغير من
التعدي ثانيا.
-2- قانون مدونة الأسرة المغربية سلك
أحسن الطرق من خلال منع التبني والأخذ بأحكام الفقه الإسلامي في موضوع النسب وما
يثبت به.
-3- فتح باب الإحسان بتشريع بدائل عن
التبني، وهي بدائل جائزة ومباحة وملائمة فقها وقانونا لحفظ اللقيط وضمان حقوقه في
التربية والتعليم والعيش الكريم، ومنها؛ الكفالة والوصية والهبة وغيرها من أعمال
الإحسان التبرعي.
مصادر البحث ومراجعه:
* القرآن الكريم.
-1- أحكام القرآن، لأبي بكر بن العربي
المعافري. تحقيق؛ محمد عبد القادر عطا. ط/ 2. 1424هـ/ 2003م. دار الكتب
العلمية-بيروت.
-2- الإعلام بنوازل الأحكام المعروف بالأحكام
الكبرى، للشيخ عيسى بن سهل. تحقيق؛ الدكتورة نورة محمد عبد العزيز التويجري. ط/ 1.
1415هـ/ 1995م. دون مكان الطبع.
-3- البهجة في شرح التحفة، للعلامة
عبد السلام التسولي. طبعة؛ 1412هـ/ 1991م. دار الفكر-بيروت.
-4- تفسير التحرير والتنوير، للشيخ محمد
الطاهر بن عاشور. طبعة؛ 1984م. الدار التونسية للنشر.
-5- التيسير في أحاديث التفسير،
لسماحة الشيخ محمد المكي الناصري. طبعة؛ 1405هـ/ 1995م. دار الغرب الإسلامي-بيروت.
-6- الجامع لأحكام القرآن، للإمام
القرطبي. اعتنى به وصححه؛ الشيخ هشام سمير البخاري. طبعة؛ 1423هـ/ 2003م. دار عالم
الكتب-الرياض.
-7- الحلال والحرام في الإسلام،
للدكتور يوسف القرضاوي. طبعة؛ 1405هـ/ 1995م. دار المعرفة-الدار البيضاء.
-8- الرسالة الفقهية، لابن أبي زيد
القيرواني. إعداد وتحقيق؛ الدكتور الهادي حمو، والدكتور محمد أبو الأجفان. ط/ 1.
1406هـ/ 1986م. دار الغرب الإسلامي-بيروت.
-9- روائع
البيان تفسير آيات الأحكام من القرآن، للشيخ محمد علي الصابوني. ط/ 1. 1416هـ/
1996م. دار الفكر-بيروت.
-10- شرح ميارة الفاسي على تحفة الحكام في نكت العقود
والأحكام. ضبطه وصححه؛ عبد اللطيف حسن عبد الرحمــن. ط/ 1. 1420هـ/ 2000م. دار
الكتب العلمية-بيروت.
-11- صحيح البخاري. اعتنى به؛
الدكتور محمد تامر. دار التقوى، دون ذكر الطبعة والتاريخ.
-12- صحيح مسلم. دار صادر-بيروت. دون ذكر الطبعة
والتاريخ.
-13- الفقه الإسلامي
وأدلته، للدكتور وهبة الزحيلي. ط/ 2.
1404هـ/ 1995م. دار الفكر-دمشق.
-14- فقه السنة، لسيد سابق. ط/ 21. 1420هـ/ 1999م. دار الفتح
للإعلام العربي-القاهرة.
-15- الكافي في فقه أهل المدينة
المالكي، للإمام ابن عبد البر. تحقيق؛ الشيخ عرفان بن سليم العشا حسونة الدمشقي.
طبعة؛ 1432هـ/ 2011م. المكتبة العصرية-بيروت.
-16- لسان العرب، لابن منظور. دار
صادر-بيروت. دون ذكر الطبعة والتاريخ.
-17- مدونة الأسرة. منشورات جمعية نشر
المعلومة القانونية والقضائية-سلسلة المعلومة للجميع. العدد/ 2. أبريل 2007م.
-18- المستدرك للحاكم. دراسة وتحقيق؛
مصطفى عبد القادر عطا. رقم؛ 2814. دار الكتب العلمية، دون ذكر الطبعة والتاريخ.
-19- المعونة على مذهب عالم المدينة،
للقاضي عبد الوهاب البغدادي. تحقيق ودراسة؛ حميش عبد الحق. طبعة؛ 1419هـ/ 1999م.
دار الفكر-بيروت.
1 التعليقات:
إرسال تعليق