تابعونا على الفيسبوك

Disqus

الحق في الاضراب بين المشروعية الدستورية و الممارسة

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الحق في الاضراب بين المشروعية الدستورية و الممارسة




من إعداد: الطالبة لبنى حماني

يعتبر الحق في الإضراب الوسيلة المثلى و التاريخية للعمال في الحصول على الكثير من مطالبهم الجماعية  و ذلك على اعتباره وسيلة ناجحة و حاسمة .[1]
إلا أن  هذا الحق من أكثر القضايا و الإشكاليات التي أثارت و تثير خلافات في وجهة النظر بين مختلف الأفراد داخل الدول بدون إسثتناء مهما تنوعت مستويات النمو بها .
ويرجع ذلك بالأساس إلى كون الحق في الإضراب كأداة بيد الأجراء يوظفها للدفاع عن مصالحهم  المهنية يرتبط بشكل معقد بمجالات الإنتاج و الإستثمار من جهة ، و بموازين القوى السائدة بين أصحاب العمل و فئة المأجورين  من جهة أخرى .[2]
و هذا  ما  حدى بالمشرع المغربي إلى دسترته مند أول وثيقة دستورية لسنة 1962 في الفصل 14" الحق في الإضراب مضمون و سيبين القانون التنظيمي الشروط و الإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق" وقد حافظت جميع الدساتير اللاحقة بما فيها أخر دستور لسنة 2011 في الفصل 29 الذي نص بدوره "حق الإضراب مضمون ويحدد القانون التنظيمي شروط و كيفية ممارسته " ويأتي تكريس الاضراب  حقا دستوريا كجزء لا يتجزأ من ايمان المغرب و تمسكه بمبادئ حقوق الإنسان بشكل عام و الحقوق اقتصادية و اجتماعية  بشكل خاص ، خاصة  تلك الحقوق التي أقرتها  المواثيق الدولية المختلفة و أعلنت ديباجة الدستور أن المملكة المغربية العضو العامل النشيط  في المنظمات الدولية تتعهد بالالتزام بما تقتضيه مواثيقها من مبادئ و حقوق وواجبات تؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا "و  هو ما يحيلنا على طرح عدة أسئلة و إشكاليات , من قبيل هل هذا التكريس الدستوري جاء نتيجة تطورات ميدانية فرضت على المشرع النص عليها في الوثيقة المعتبرة أسمى تعبير عن إرادة الأمة ؟
خصوصا و انه إلى حد الآن لم يخرج دستور 2011 عما ورد في الدساتير السابقة من إخراج النص التنظيمي إلى حيز الوجود خصوصا وأنه تم التنصيص عليه مند 54 سنة.
ولهذا يمكن القول لحد الآن بأن الحق بالإضراب يبقى من خلال الدساتير السابقة و الدستور الحالي  وكأنه مجرد حق قليل  الأهمية و ان عدم وجوده لا يضايق أحد بما في ذلك فئة الفاعلين الاجتماعيين الذين  لا نجد لهم أثر في الخلافات الجماعية أمام المحاكم ، علما بأن الحق في الدعاوي الجماعية للشغل هو قائم في النصوص القانونية و  السابقة و في مدونة الشغل إذ لا وجود للإحصائيات أمام المحاكم بهذا الشأن إلا ما تعلق بالخلافات الجماعية المعروضة أمام مفتشيات الشغل التابعة لوزارة التشغيل و الشؤون الاجتماعية و التي يتضح بأنها تقوم بحل مشاكل العديد منها[3].
رغم أن دستور 2011 جاء بمقتضى هام من خلال المادة 86 في هذا الخصوص و الذي ينص " تعرض مشاريع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى و التي تلي صدور الامر بتنفيذ هذا الدستور أي قبل انتهاء سنة 2016 ".
إلا ان ما يعاب على هذا المقتضى أنه لم ينص على أي جزاء قانوني في حالة عدم إصدار النصوص التنظيمية قبل انتهاء الولاية التشريعية الأولى ، مما يبقي هذا المقتضى حبرا على ورق و مجرد توجه سياسي  من طرف الحكومة .
 و بالرجوع الى مشروعية الحق في الاضراب نجدها  تستمد من القانون الأسمى الذي هو يعبر عن إرادة و الذي تتعهد فيه الدولة بالالتزام بمواثيق المنظمات الدولية و كل تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا .
لكن كيف يمكن أن نوازي بين ضمان حق الإضراب من طرف الحاكمين و من عدم عرقلة حرية العمل  بالنسبة للمحكومين ؟ لا شك أن تداخل هذين الحقين و عدم إيجاد حد فاصل بينهما يخلق لدى القضاء و رجال القانون  خللا في المعادلة الحقوقية أي إشكالية النص القانوني من جهة و تحقيق العدالة من جهة أخرى .
و أمام غياب قانون تنظيمي يحدد مدى ممارسة حق الإضراب . فهل هناك حماية فعالة لمشروعية حق الإضراب؟ بإسثتناء النص الدستوري دون ضرورة و جود تشريع ينظم ممارسة  هذا الحق .
وهل لعب القضاء المغربي دوره في تعريف الإضراب المشروع و تميزه على الإضراب الغير المشروع ؟
ثم ما هو التصور العملي للأطراف المقابلة{ الحكومة, أرباب العمل ,العمال غير المضربين , للممارسة حق الإضراب كأمر واقع ؟.
ثم مدى دستورية بعض القوانين التي تقيد بصفة مباشرة أو غير مباشرة لحرية ممارسة للإضراب ؟
فإذا  كانت نظرة رب العمل وهو يدافع عن حق ملكيته الذي يخول له ممارسة سلطته على العمال أن يمتد و يدافع عن المشروعية في الحالتين بالمقابل تستغل النقابات مشروعية حق ممارسة الإضراب لتحقيق مطالب الشغيلة , و هذا التضارب بين الموقفين في فهم و ممارسة هذه المشروعية قد يؤدي الى التضحية بأحد الجانبين لصالح الأخر، و هنا هل نقول كما كتبه الدكتور عبد الكريم غالي ( فحماية حق دستوري في دولة الحق و القانون اولى من تجريم فعل يرمي في الأصل إلى  الدفاع عنه .
و المشروعية هي الخاصية  التي تحدد الفعل و التصرف المواقف للقانون ، ونجد أيضا  مجموعة من القوانين المطبقة في يد المعنيين في وقت معلن ، لدى  ينبغي تحليل مشروعية تصرف ما بالقانون في مفهومه الواسع فليس الأفراد  وحدهم المعنيون بهذا التحليل بل يمتد مبدأ المشروعية إلى جميع سلط الدولة سواء السلطة التشريعية أو التنفيذية  او القضائية و التي يجب عليها الخضوع إلى مبدأ سيادة القانون .[4]
نظمت المواثيق الدستورية حق الإضراب ضمن الباب الثاني المتعلق بالحريات و الحقوق الأساسية و خصصت له الفصل 29 بعد أن مهدت له بفقرة أولى" تضمن حرية الاجتماع و التجمهر و التظاهر السلمي و الانتماء النقابي و السياسي وربطت كيفية ممارسته وشروطه بصدور قانون تنظيمي " .
يثير حق الإضراب الكثير من الجدال و التساؤلات التي مازالت تشكل عائقا لممارسته مند الستينيات الى حد الان ويرجع ذلك بالأساس إلى تضارب وشتات كل النصوص القانونية  المنظمة لهذا الحق ، خصوصا انها تتسم بالتناقض في الموضوع بالإضافة إلى إصدار القضاء المغربي أحكاما مرتبطة بممارسة حق الإضراب بين من يحرمه وبين من يشرعنه فيما يخص الوظيفة العمومية.
يرجع أصل الجدل عول حق الإضراب في الوظيفة العمومية إلى نص الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير 1958 المتعلق بمباشرة الموظفين للحق النقابي و الذي جاء فيه " كل توقيف عن العمل بصفة مدبرة  وكل عمل جماعي أدى إلى عدم الانقياد بصفة بينة يمكن المعاقبة عليه  ، علاوة عن الضمانات التأديبية  ويهم جميع الموظفين ".وقد صدر هذا الظهير قبل وضع دستور 1962 الذي نص في فصله 14 على أن "حق الإضراب مضمون "وبقي هذا الفصل مؤكدا الى غاية دستور 2011.
 و بصدور اول دستور الذي أقر بمشروعية حق الإضراب فقد أثير جدل ونقاش واسع خاصة بعد تمسك موظفي الإدارات العمومية من جهة, بحقهم في الإضراب دفاعا عن مطالبهم وتشبث الادارة بعدم مشروعية الإضراب قبل إصدار قانونه التنظيمي الذي تعمدت لحد الساعة بعدم إصداره ، و بالتالي تشبثها بتطبيق مقتضيات الفصل 5 من مرسوم 1958 بالرغم من مقتضيات الفصل 14 من الدستور المخالفة.
و بغض النظر عن صدور القانون التنظيمي الخاص بكيفية ممارسة حق الإضراب المنصوص عليه في الفصل 14 من الدستور و بناء على مبدأ تراتبية  النصوص القانونية  الذي يجعل الدستور في اعلى مرتبة ، فانه لا يجوز القول باستمرار تطبيق مقتضيات الفصل 5 من مرسوم 1958 .هذا مع العلم أنه حتى لو كان المرسوم في نفس درجة الدستور فإن دستور 1962 جاء متأخرا  عن مرسوم 1958 إذن فهو يلغيه.
و إذا كان الإضراب حق أساسي لصالح الطبقة الشغيلة سواء كانت في  القطاع العام او الخاص ، فإنه يبدو في الظاهر أنه يتعارض مع مبدأ الاستمرارية الذي يتميز به المرفق العام .
ومن هنا فقد أثار هذا الحق الدستوري الكثير من النقاش فمن جهة يجب المحافظة  على حسن إستمراية المرفق العام ، و من جهة أخرى  يجب تمكين المشغلين في هذا المرفق العام من وسيلة الدفاع عن حقوقهم المادية و المعنوية لأن هذا في حد ذاته من أفضل الوسائل التي تنتج حسن استمرارية المرفق العام فالذي لا يعدل مع نفسه لا يعدل مع الآخرين .
للإشارة فإن ممارسة حق الإضراب في عدة محطات من تاريخ المغرب أدى إلى طرد العديد من الموظفين من الوظيفة العمومية مثل طرد موظفي وزارة الخارجية المضربين في دجنبر 1961   وعرضت قضايا الطرد من الوظيفة العمومية على المجلس الأعلى من قضية محمد الحيحي و إدريس نداء[5] و جاء في قرار أخر للمجلس الاعلى بتاريخ 11 يونيو 1969[6]" لا يمكن اعتبار أيام الإضراب في حساب التغيبات غير المبررة التي قد تستوجب الاقتطاع من الاجر  أو التأديب".
و قد اجتهدت  وزارة  العدل والحريات في هذا الصدد من خلال مذكرتها المتعلقة بتبرير أسباب الاقتطاع في ايجاد المبررات القانونية لتبرير قرارها الرامي لاقتطاع من أجور الموظفين المضربين ضدا على سمو القاعدة الدستورية و ضربا لكل الاتفاقيات الدولية في الموضوع ، معتمدة على مسوغات  لا ترقى الى نص الدستور كقانون 12.81 المتعلق باقتطاع من رواتب موظفي و أعوان الدولة  و الجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة .
إذن  يتبين أن حق ممارسة  الإضراب  لم يعد محط جدال ، إلا أنه بالمقابل هناك العديد من الإشكالات لازالت تطفو على السطح بهذا خصوص ، ومن ثم الا يكون الاقتطاع من الاجر الذي تنفذه الإدارة المغربية أحيانا ضربا من الانتكاسة و للرجوع إلى الوراء فيما يتعلق بمشروعية للإضراب رغم توفر ضوابطه؟ .
فما مدى قانونية هذه الاقتطاعات التي تلجأ إليها الإدارة لردع الموظفين عن ممارسة حقهم الدستوري في ممارسة الإضراب دفاعا عن مطالبهم المشروعة؟ و للإشارة فهذه الاقتطاعات تشكل أخطر تعدي على حق الإضراب المكفول دستوريا باعتراف للإدارة نفسها .
خصوصا و أن هذه الإضرابات تهدف في نهاية المطاف إلى خدمة المرفق العام عن طريق تحسين ظروف العاملين فيه أليس أساس إصلاح المرفق العام هو الموارد البشرية القائمة عليه؟ .
و بالإضافة إلى عدم مشروعية الاقتطاع فإنها تمارس كذلك وفق مسطرة غير قانونية تفتقر فيها الادارة إلى مساطر واضحة قانونيا تبين كيفية تنفيذه ,فعلى مستوى الممارسة أيضا نجد العديد من الانتهاكات الصارخة للحق الإضراب من قبيل :
-          طرد العمال المضربين بافتعال أخطاء جسيمة أو بتجريم الإضراب تحت ذريعة عرقلة حرية العمل
-          تشغيل عمال جدد مكان العمال المضربين
-          تهريب السلعة و الآليات من المؤسسة المضربة الى مؤسسة أخرى لإفراغ سلاح للإضراب من مضمونه .
- إغلاق المؤسسات في وجه العمال المضربيين  خارج نطاق القانون
- تسخير ميلشيات لتكسير لإضراب بالعنف
- تدخل السلطة باستعمال العنف أحيانا ضد المضربين خاصةعند قيامهم باعتصام داخل أو خارج العمل[7]






[1]أنور حداوي  الحوار الإجتماعي و دوره في الخلافات الشغل الجماعية بحث في إطار دبوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال جامعة محمد الخامس أكدال الرباط السنة الجامعية 2001-2002 ص 27.
 2أحمد بودراع الحق في الإضراب و الإشكالية التنظيم مفال منشور بمجلة القانون المغربي العدد 4 يونيو 2003 ص 31

[3] محمد سعيد بناني الدستور و قانون الشغل , او القانون الدستوري للشغل مذاخلة على اثر الندوة الوطنية لتقييم مدونة الشغل بعد عشر سنوات من التطبيق بجامعة الرباط اكدال سنة 2014

[4] محمد عنبر حق الإضراب حق دستوري  مقال منشور بالموقع الإلكتروني anbarmoh aned blogspost.com 2012//10 blog-post-29 html  بتاريخ 29/10/2012
[5] قرار عدد 135 بتاريخ 17/14/1961 محمد الحيحي وزير التربية الوطنية و الشبيبة الرياضية منشور في مجموعة قرارات الغرفة الإدارية بالفرنسية للسنة القضائية 960-1961 ص 56
[6] أشار اليه عبد العزيز العتيقي القانون الاجتماعي المغربي مكتبة المعارف الجامعية فاس 2000
[7] الندوة الوطنية حول حق الإضراب حق لا يتجزأ من الحقوق و الحريات النقابية نظمها الإتحاد المغربي للشغل ندوة وطنية يوم الأربعاء 18 فبراير 2015
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016