تأثير جائحة كورونا على مسؤولية الناقل الجوي
تأثير جائحة كورونا على مسؤولية
الناقل الجوي
اميمة لعروسي
باحثة في قوانين العقود والعقار
تقديم
يعتبر
فيروس كورونا وباء عالميا وذلك حسب تصريح منظمة الصحة العالمية، حيث انتشر في جل
دول المعمور، والدولة المغربية لم تكن بمنئا عن هذا الوباء الذي كان له عدة
انعكاسات على كل المجالات.
ولاجل التخفيف من حدة الاصابات بالمملكة قامت هذه
الاخيرة بإتخاذ مجموعة من الاجراءات الاحترازية لكبح انتشار هذا الوباء والحد من
منه والخروج بأخف الأضرار، ومن بين اهم الاجراءات التي قامت بها نجد اغلاق المدارس
وكل الاماكن التي تضم التجمعات البشرية وكذا اغلاق الحدود الجوية مع عدة دول.
و
قرار اغلاق الحدود الجوية وان كان له نتائج ايجابية، إلا ان له نتائج سلبية تتجلى خاصة
في عدم الوفاء بالالتزامات التعاقدية المتعلقة بنقل الاشخاص والبضائع، الامر الذي
سيؤدي الى نشوب نزاعات قانونية بين الاطراف المتعاقدة.
خصوصا
ان معظم المسافرين يقومون بحجز تذاكرهم بمدة طويلة قبل السفر، ولذلك فهناك العديد
من المتضررين، كما ان نقل البضائع التي كان من المفترض تسليمها بعد قرار الاغلاق
اجوي للحدود، عرفت هي الاخرى اضطرابات في المواعيد، وبعضها تم الغاء تسليمها الى
غاية فتح الحدود.
وللاشارة
فإن عملية النقل الجوي ينظمها قانون الالزامات والعقود وكذا القانون رقم 40.13
المتعلق بمدونة الطيران المدني، وكذا مجموعة من المواثيق الدولية من أهمها معاهدة مونتريال
المتعلقة بتوحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي.
وموضوعنا
هذا له اهمية بالغة فمن جهة نجده يتعلق باقتصاد الدولة وما له من تأثير عليها، ومن
جهة اخرى يرتبط بالامن التعاقدي بين الاشخاص.
وبقدر
اهمية هذا الموضوع، بقدر الاشكال الذي يطرحه حول مدى مسؤولية الناقل الجوي في
اخلاله بالتزامه المتعلق بالنقل وتسليم البضائع، خصوصا اذا علمنا ان هذا الوباء يمكن
تصنيفه ضمن حالات القوة القاهرة.
إذا
ما هي حدود مسؤولية الناقل الجوي؟ وهل يعتبر قرار الحكومة بإغلاق الحدود الجوية
سببا معفيا من مسؤولية هذا الناقل؟
مدى
اعتبار جائحة كورونا سببا معفيا للمسؤولية
اذا
كان الأصل أن العقد شريعة المتعاقدين أي أنه لا يمكن انهائه أو تعديله بإرادة
واحدة بل
باتفاق الارادتين المنشئتين له، وأي اخلال بهذا الأخير يرتب مسؤولية المخل،
إلا أنه في حالة ما اذا كان السبب وراء
الاخلال بهذا الالتزام راجع الى القوة القاهرة أو الحادث الفجائي فهنا تنعدم
المسؤولية، لعدم تدخل ارادة المدين في هذا الاخلال.
فالقوة
القاهرة كما نعلم هي كل حدث لا يستطيع
الانسان توقعه و لا رده، وذلك طبقا للفقرة الاولى من الفصل 269 من قانون
الالتزامات والعقود التي تنص على أن "القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع
الانسان ان يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف والعواصف والحرائق
والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة،ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا".
ولكي
تتحقق القوة القاهرة لابد ان تتوفر في الواقعة مجموعة من الشروط التي تستفاد من
مقتضيات الفصل السابق وهي :
اولا:
ان يكون الحادث غير متوقع
اي
يشترط في الحادث حتى يعتبر قوة قاهرة ويعفى المدين من المسؤولية ان يكون غير متوقع
ولا يخطر في الحسبان،اي ان يكون نادر الوقوع، وباستحضار وباء كورونا نجده ايضا غير
متوقعا ولا يمكن للمرء دفعه، الا بالالتزام
باجراءات الوقاية التي تفرضها الدولة.
ثانيا:
ان يكون من الاستحالة دفعه
ومفاد
ذلك ان يكون الحادث مستحيل الدفع والمقاومة، اي لا يكون في طاقة المدين دفع وقوعه،
ولا التغلب على نتائجه، مثل ما يحصل مع هذا الوباء تماما، فعند اغلاق الدولة
لحدودها لا يمكن لاي شخص ان يخالف هذه الاوامر.
ثالثا:
ان لا يكون للمدين دخل في الحادث
ومعنى
ذلك انه يجب ان لا تكون لإرادة المدين اي
دخل في وقوع الحادث، وبالتالي فإن المدين الذي ثبت تورطه في إثارة القوة القاهرة
سواء بفعله او بمشاركته لا يمكنه ان يتمتع بمقتضيات الفصلين 268 و 269 من قانون
الالتزامات والعقود، وبالرجوع الى وباء او جائحة كورونا فإنه يمكن تصنيفها ضمن
الكوارث الطبيعية التي لا دخل للانسان في اثارتها.
اذن
القوة القاهرة ليست محصورة على الوقائع المحددة في الفصل 269 دون غيرها فكل واقعة
تحققت بشأنها الشروط المتطلبة قانونا كانت من حالات القوة القاهرة.
وكما
سلف التفصيل فإن كل الشروط المتطلبة في الحادث حتى يعتبر قوة قاهرة نجدها متوفرة
في هذا الوباء المنتشر في بلادنا.
وبالنسبة
للناقل الجوي الذي يعد متعاقدا مع المسافر
او صاحب البضاعة يجب عليه تنفيذ عقده وإلا اعتبر متماطلا، اما إذا كان السبب وراء
التأخر في النقل او تسليم البضاعة، راجع الى الاغلاق الجوي بسبب جائحة كورونا فإنه
يكون معفى من المسؤولية. فإلى اي حد يمكن ان يصل هذا الاعفاء؟
دور
جائحة كورونا في اعفاء الناقل الجوي من المسؤولية
يعتبر
الناقل الجوي Le Transporteur Aérien هو المنفذ لعملية النقل الجوي بحيث يقوم بإبرام عقد النقل ويلتزم
بتنفيذ العملية، ويسري على هذا الناقل الجوي القوانين المحلية -الوطنية- وكذا
المواثيق الدولية، فبجرد اخلاله بإلتزامه (التأخر او عدم التنفيذ) تترتب عليه
المسؤولية.
وبالنسبة
للتأخر في التنفيذ كصورة من صور الاخلال بعقد النقل لم يتطرق المشرع المغربي
لتعريفه سواء في قانون الالتزامات والعقود او القانون رقم 40.13 المتعلق بمدونة
الطيران المدني، وحسنا فعل بذلك لأنه من صلب اختصاصات الفقه والقضاء، كما ان
اتفاقية مونتريال المتعلقة بتوحيد بعض قواعد النقل الجوي الدولي لم تتطرق لتعريفه
كذلك.
ويمكننا
ان نعرفه بأنه تجاوز وقت التسليم المضروب في العقد إذا كان موجودا، او بعد اشعار
الدائن لمدينه بالتسليم في وقت معقول واخلال هذا الاخير به، ومنه يعتبر مسؤولا عن
التأخير.
اما
بالنسبة لحالة التأخير موضوع الدراسة فإن العديد من المسافرين قاموا بحجز تذاكرهم
اي ابرام عقد النقل مع شركات الملاحة الجوية، لكنهم فوجؤا بإلغاء هذه الرحلات،
وبالتالي فمسؤولية الناقل قائمة على اساس التأخير، ما لم يكن هذا الامر راجع لسبب
اجنبي.
وفي
حالتنا فإن هذا التأخير راجع لاغلاق الحدود الجوية (قرار الحكومة بتاريخ 16 مارس
2020) وبالتالي يمكن اعتباره ناتج عن قوة قاهرة، أي لا دخل للناقل الجوي في هذا
التأخير، وبالتالي اعفائه من المسؤولية، خاصة وان المملكة المغربية قامت بإغلاق
الحدود الجوية مع مجموعة من الدول وذلك
الى اشعار اخر، في اطار الاجراءات الوقائية تفاديا لانتشار فيروس كورونا والحد من
تفاقم الوضع والخروج من هذه الازمة بأخف الاضرار.
وعليه
يمكن إعتبار فيروس كورونا (Covid-19) من بين حالات القوة القاهرة، وبالتالي يمكن
اعفاء الناقل الجوي من مسؤولية التأخير في النقل او التسليم، لكن شريطة ان تكون
السبب في ذلك هو قرار الحكومة باغلاق الحدود الجوية.
ولكن
هذا الاعفاء من المسؤولية لا يعفي الناقل من المبالغ التي تسلمها بخصوص عقد النقل،
اذ يمكن لكل متضرر المطالبة بإسترجاع ما دفعه، او الانتظار الى غاية فتح الحدود
والتنقل على متن الرحلة التي سيتم برمجتها.
وفي
الاخير يمكن القول بأن جائحة كورونا وإن لم يتم استيعابها ضمن حالات القوة القاهرة
الغير المضمنة بالفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود، فإنه يمكن للناقل الجوي
الاستناد على حالة "فعل السطلة" المنصوص علها في الفقرة الاخيرة من
الفصل السابق، وذلك لان السلطات هي التي امرت بإغلاق الحدود الجوية.
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق