تابعونا على الفيسبوك

Disqus

الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الفرق بين البنوك الإسلامية 
والبنوك التقليدية




يوسف المجاهد
باحث في ماستر قانون الأعمال
 بكلية الحقوق الدار البيضاء.


             تمهيد:   

             يعتبر القانون البنكي من القوانين المهنية التي تعنى بتنظيم مهنة معينة بكل علاقاتها وما ينتج عنها ، فضلا عن كونه قانونا تقنيا يقنن العديد من العمليات المتكررة باستمرار، بالإضافة إلى كونه ذو طابع دولي لأن أغلب تقنياته مستوردة ولها علاقة وطيدة بالتجارة الدولية. وتلعب مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها دورا أساسيا في الاقتصاد باعتبارها إحدى محركات التنمية الاقتصادية، من خلال دورها التمويلي وما يترتب عن ذلك من نمو اقتصادي وخلق لفرص الشغل. وقد عرف النظام البنكي  الأكثر تداولا اليوم ازدهاره مع النظام الرأسمالي خاصة في ظل نظام السوق الاقتصادية الحرة، حيث يتم تسخير كافة الوسائل لتحقيق الربح تحديدا من خلال التعامل بالفائدة كمقابل لمعظم العمليات المبرمة. إلا أنه ومع ظهور البنوك الإسلامية المستلهمة لأهم قواعد الاقتصاد الإسلامي فإن هذه المؤسسات الأخيرة لقيت إقبالا من لدن العديد من المدخرين خاصة ممن لديهم تحفظ من المعاملات الربوية للبنوك التقليدية . هذا فضلا عن النسيج الاقتصادي المتماسك لهذه المؤسسات الذي ظل صامد في وجه أعتد الأزمات الاقتصادية. من خلال هذه التوطئة يتضح أن هناك بعض الاختلافات بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية. الأمر الذي يستدعي طرح الإشكال التالي: ما الفرق بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية؟
        وللإجابة على هذا الإشكال والإحاطة بالموضوع أعلاه سنتبع التصميم التالي:

المبحث الأول : الاختلاف من حيث المرجعية والخصائص:


المبحث الثاني: الفرق من حيث طبيعة العمليات


المبحث الأول : الاختلاف من حيث المرجعية و الخصائص:
        إن ظهور البنوك الإسلامية إلى جانب البنوك التقليدية جعل معظم مكونات المجتمعات سواء المختصين منهم في المجال المالي أو غيرهم المثقفين منهم والعوام، يستفسرون عن القيمة المضافة لهذه المؤسسات والفرق بينها والبنوك المهيمنة حاليا، خاصة من حيث المرجعية (المطلب الأول)، ومن حيث الخصائص (المطلب الثاني). 
المطلب الأول : الاختلاف من حيث المرجعية:
          يجب أن نعلم أن البنك الإسلامي ما هو إلا قناة من قنوات الاقتصاد الإسلامي المحكوم بروح الشريعة الإسلامي ، فهو يستمد آلياته من ذلك النظام الشامل المتكامل ، حيث أن المعاملات المالية الإسلامية ذات مصدر رباني متمثل في الكتاب والسنة واجتهادات الفقهاء. ولقد منح الله عز وجل للإنسان الحق في التملك وجعله حقا مكتسبا للرجال و النساء وذلك استنادا إلى قوله تعالى:" للرجال نصيبا مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن".وقد جعل سبحانه وتعالى هذا الحق مقدسا وحافظ عليه من خلال زجر كل متعد بأشد العقوبات .إلا أنه تم تقييده بضوابط صارمة من حيث طريقة كسب المال وكيفية إنفاقه التي يجب أن تكون شرعية. وهذا ما أكده عليه السلام حين قال: " لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وشبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به.» ويتضح من الحديث الشريف أعلاه أن المنهج الإسلامي في المعاملات المالية يفرض ضرورة مراعاة الحلال والحرام في طرق كسب المال وإنفاقه بعيدا عن التهافت نحو تحقيق الربح دون استحضار الوازع الديني.
        وبالنسبة للبنوك التقليدية التي تعد أحد تجليات الرأسمالية الجشعة ، نجد أن منظري هذا النظام يعتمدون ما يعرف بفكرة المنهج العقلاني الذي يرى بأن الفرد يجب أن يترك حرا من أجل تحقيق مصلحته التي من خلالها تتحقق المصلحة العامة ، على أساس أن هذه الأخيرة هي مجموع المصالح الفردية. وبذلك تم إطلاق العنان للأفراد في المعاملات المالية حيث لا فرق بين البيع والربا، حيث يحق للفرد التصرف في ملكه وماله حسب ما يحقق مصلحته ويعود عليه بالربح ولو على حساب مصلحة المستضعفين والجماعة. وهذا ما دفع بعض الباحثين إلى وصف الإنسان الرأسمالي بأنه:" أصبح حيوانا نهما يسلك في سبيل الوصول إلى المال كل مسلك مستقيم أو أعوج ويركب كل طريق مهما كان خسيسا خبيثا."[1]
المطلب الثاني: الاختلاف من حيث الخصائص:

         للوقوف على الاختلاف الوارد بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية من حيث الخصائص لا بد من تعداد أهم هذه الأخيرة والمتمثلة فيما يلي:

أولا: السمة العقائدية:
       وتتمثل هذه الخاصية في كون هذه الفئة من لأبناك تخضع لمبادئ وقيم الشريعة الإسلامية، على أساس أن المال مال الله سبحانه وتعالى ن وأنه من الأشياء التي سيسأل عنها العبد يوم القيامة.
ثانيا : استبعاد التعامل بالفائدة :
             وذلك أن التعامل بالفائدة من الأعمال المحرمة شرعا ، لما لها من أثر على المجتمع ، حيث تزيد الفقير فقرا والغني غنى . وبالتالي تم استبدال الفائدة بالمشاركة والفائدة في اللغة العربية ترمز إلى الزيادة كأن يقال أفدته مالا أي أعطيته، وأفدته منه مالا أي أخذته منه ،ويعرف معجم أكسفورد الفائدة بأنها القيمة المحدودة المدفوعة كتعويض عن استعمال مال الغير أو الحصول على دين ،كما يعرفها نفس المعجم بأنها عملية الحصول على فوائد كبيرة غير مشروعة.
ومصطلح الفائدة كلفظ مستخدم في المعاملات المالية ترجمة دقيقة لمصطلح بالغة الفرنسة ،والذي يعني المبلغ المدفوع مقابل رأس المال على أساس إرجاع الأصل لصاحبه بعد انتهاء المدة ،وبالتالي يمكن القول أن الفائدة ماهي إلا تكلفة اقتراض النقود أو القرض النقدي الواجب أداؤه للمقرض نظير إقراضه وبعبارة أخرى أجرة رأس المال لفترة من الزمن.
ثالثا: التعامل بقاعدة الغنم بالغرم :
        يتجلى تطبيق هذه القاعدة من خلال قيام البنك بالمشاركة مع أحد العملاء بغض النظر عن كونها مشاركة ثابتة أو متناقصة  ،فيكون مستعدا لتحمل الربح أو الخسائر على حد سواء بحسب نية المشاركة حيث أن الحق في اكتساب والحصول على الربح أو العائد الحلال يكون بالمقدرة على تحمل المخاطر أي المشتقة على أساس أن البنك الإسلامي يعمل وفق أسلوب المشاركة في الربح والخسائر .حيث أن العميل يكون شريكا له في أشطته وصفته كشريك تخول له الحق في الربح أي الغنم بمقدار استعداده لتحمل الخسارة أي الغرم .
رابعا: قاعدة الخراج بالضمان:
        يقصد بالخراج في الشريعة الإسلامية ، الإتاوة أو الضريبة التي تأخذ من أموال الناس على الغلة الحاصلة في الشيء، وفي مجال البنوك التشاركية ، يطلق على العمولة أو الأجر الذي يحصل عليه البنك مقابل ضمانة الودائع التي يتقدم بها العملاء .وبتعبير آخر أن الذي يضمن شيئا جاز له أن يحصل على ما نتج عنه من عائد أو ربح.[2] 
المبحث الثاني: الفرق من حيث طبيعة المعاملات وأبعادها:
        لقد وسعت الشريعة الإسلامية مجلات الكسب وسهلت آليات ووسائل الاستثمار حتى يبلغ المسلم حد الكفاية بالعمل وبالمثابرة ، وفي هذا الإطار تعمل البنوك التشاركية على تبني مشاريع مشروعة وذات أبعاد تنموية تمولها قصد تحقيق جانب من الربح من جهة وتشجيعها لعملائها من جهة ثانية على أخذ المبادرة والسعي في الأرض ( المطلب الأول)، ومن ناحية أخرى فالبنوك الإسلامية  أو كما سميت بالبنوك التشاركية تستحضر في معاملاتها أبعاد تتماشى ومقاصد الشريعة الإسلامية (المطلب الثاني ) .
المطلب الأول: من حيث التمويل والإنتاجية  :
         تقوم العمليات التي تداولها البنوك الإسلامية على أساس الحث على العمل والسعي في الأرض، وذلك من خلال المساهمة في عمليات البيع الإيجار وتمويل المشاريع اعتمادا على معاملات متأصلة في الاقتصاد الإسلامي كالمرابحة والسلم والمضاربة والمشاركة وهذه كلها منتوجات تجد أساسها في الشريعة الإسلامية انطلاقا من قوله تعالى:"ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون"[3]. ويتضح من الآية الكريمة جوهر الملكية في الإسلام والذي تستند إليه البنوك التشاركية والذي يرتكز على ضرورة توظيف ما استخلف فيه الإنسان فيما يجلب الخير والنفع وإعمار الأرض في الزيادة فيها من الطيبات  ،وبذلك يكون المرء مسئولا عن الأموال التي يكسبها ويحاسب على استخدامها.
       وبالتالي فالبنوك الإسلامية تفتح مجالا للربح أمام عملائها وتشجعهم على السعي والعمل والكسب فيما يتماشى ومبادئ الشريعة الإسلامية، ولتحفيز المدخرين على عدم اكتناز المال بل تداوله لان الاكتناز تكون منفعته أقل من ضرره مصداقا لقوله تعالى : "هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون"[4]. وبذلك تكون البنوك الإسلامية تعتمد على مبدأ تداول الثروة وعدم تجميدها في يد قلة من الناس وتشجيع عملائها على العمل وتشجيع الشباب على روح المبادرة على عكس البنوك الأخرى التي تنص معظم عملياتها على أتقال كاهل المواطن بالقروض والسلفات في أفق استخلاص فوائد طائلة دون أي اعتبار لوضعية الزبناء.
المطلب الثاني: الأبعاد المتوخاة:
         إن أهم شيء تحرص البنوك الإسلامية على مراعاته يتمثل في التشجيع على الكسب الحلال وذلك من خلال مراعاة البعد الأخلاقي في المشاريع الممولة ، التي ينبغي لا محال أن تتوافق ومبادئ الشريعة الإسلامية ، على عكس البنوك التقليدية التي تمول كافة المشاريع وفي جميع القطاعات إذ الهدف الأساسي لها هو تحقيق الربح.
          ومن جهة أخرى فالبنوك الإسلامية لا  تقوم على مجرد التشجيع على التعامل في نطاق ما هو حلال وتفادي ما هو حرام أو تشويه شبهة الحرام وإنما تستحضر أبعادا ذات أهداف تنموية و اجتماعية واقتصادية من خلال العمل على تشجيع التعاون ومحاربة الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية ،بمعنى الاستثمار وفقا لمقاصد الشريعة الإسلامية ، وفي هذا الصدد يمكن الوقوف على بعض المعاير والمؤشرات التي تعكس فعالية البنك الإسلامي الذي عليه التقيد بجملة من المعاير الاقتصادية والاجتماعية أهمها:
§       اختيار أطيب المشاريع.
§       مكافحة الفقر وتحسين توزيع الدخل والثروة.
§       حفظ المال وتنميته.
§       رعاية مصالح الأحياء والأجيال القادمة (التنمية المستدامة).
§       اعتماد أسلوب تعاوني.
       وكل هذه المعاير تتماشى مع مقاصد الشريعة الإسلامية .

خاتمة:
          وهكذا تكون البنوك التشاركية مؤسسات مالية يتم من خلالها إعادة جانب مهم من المعاملات المالية التي يزخر بها الاقتصاد الإسلامي إلى حيز الوجود واعتمادها في الحياة اليومية بشكل يستجيب نوعا ما لانتظارات العديد من المدخرين المتحفظين من التعامل مع البنوك الربوية.  إلا أنه خلصنا من خلال  بحثنا هذا إلى إشكال يتعلق بما مدى جدية هذه البنوك في اعتماد نظام الاقتصاد الإسلامي؟ خاصة وأن الأبناك التي ستدخل غمار هذه التجربة لها وزن ثقيل وصيرورة من حيث التعامل بالفائدة.

قائمة المراجع:

v  المصحف الشريف

v  الدكتور جواد مريد، كتاب البنوك الإسلامية في ضوء المستجدات التنظيمية للمنتجات التمويلية بالمغرب.

v  الدكتور نور الدين الفقيهي، كتاب المعين في فهم القانون البنكي المغربي.


[1] )- الدكتور مريد جواد، مرجع سابق.ص:22.

[2] )- الدكتور نور الدين الفقيهي ،كتاب المعين في فهم القانون البنكي المغربي،طبعة2015.ص136.
[3] )-سورة الأعراف، الآية(129).
[4] )- سورة التوبة الآية(34).
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016