دور النيابة العامة في إعمال سياسة جنائية ضامنة لحقوق الإنسان والصحة العامة لفائدة الأشخاص متعاطي المخدرات عبر الحقن
دور النيابة العامة في إعمال سياسة جنائية ضامنة لحقوق الإنسان
والصحة العامة لفائدة الأشخاص متعاطي المخدرات عبر الحقن
المختار العيادي
باحث في العلوم
الجنائية
مـــــقـــــدمـــــــــــــة:
تفشت ظاهرة المخدرات وتعاطيها من خلال
الدراسات التي أجريت فـي مختلف دول العالم،
وجميعها أكدت ما تخلفه المواد المخدرة من آثار ضارة مدمرة
سواء اجـــتماعياً أو اقتصادياً أو صحياً.
وما زالت المخدرات تمثل أهم التحديات التي
تواجه المجتمع العربي بل والمجــتمع الدولي بكامله، بعد أن أصبح الإدمان يسبب
مشكلات أمنية وصحية واجـتماعــية تجــــتاح معــظــــم دول الــعـــالم بحيث بلغ
الإنتاج العالمي من المخدرات معدلات قياسية كما أخذت العصابات الدولية تزداد قوة
وتمويلاً وتنظيماً، وامتدت أنشطتها عبر الدول والــقارات حتى أصبحت جرائم المخدرات
جرائم بلا وطن.
وعلى الصعيد المحلي، لم يعد الاتجار غير
المشروع بالمخدرات شكلاً من أشـــكـال الإجرام البسيط،الذي يمارسه بعض الأفراد
داخل الدولة، بل أصبحنا نواجه اليوم عصابات محلية ودولية منظمة، تسعى بكل قواها
لتهريب مختلف أنــواع المخــدرات والمــؤثـــرات العقلية إلى بلادنا، مستغلين موقع
المملكة الإستراتيجي.
ولا شك أن أساليب مـــكـــافــــحـــة
المــخـــدرات يستهدف تطويرها ودعم أجهزة المكافحة، ويجب أن يـــؤخذ بـــعــين
الاعـتبار ضرورة الاهتمام بالشخص المدمن ومكافحة ظاهرة الادمان أولاً، والعمل على
رعايته اللاحقة ثانياً، لتكون جنبا الى جنب مع مكــافــحــة التهريب والاتجار في
المواد المخدرة.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى قرار
المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية بتاريخ:15/01/2016 بشأن البعد الصحي العمومي
لمشكلة المخدرات العالمية وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مشكلة المخدرات
العالمية بنيويورك في الفترة من 19 إلى 21
أبريل 2016 والتي تمخضت عنها توجيهات أساسية بشأن الإعلان السياسي وخطة العمل
المتعلقين بالتعاون الدولي لوضع استراتيجية متكاملة ومتوازنة لمواجهة مشكلة
المخدرات العالمية والتحديات التي تطرحها والتي أكدت على سياسة الوقاية من متعاطي
المخدرات والحد من أوجه الضعف والمخاطر حيث تبين أن تعاطي المخدرات واضطرابات
تعاطي المخدرات والحالات الصحية المرتبطة شواغل رئيسية للصحة العمومية فاستخدام
العقاقير النفسانية التأثير مسؤول عن أكثر من 400.000 وفاة سنويا.كما تمثل
اضطرابات تعاطي المخدرات %55 من إجمالي عبء المرض في العالم،في حين يشكل تعاطي
المخدرات عن طريق الحقن ما يقدر ب %30 من حالات العدوى الجديدة بفيروس نقص المناعة
البشري الإيدز خارج أفريقيا جنوب الصحراء ويساهم مساهمة كبيرة في حدوث أوبئة
التهاب الكبد B و C في جميع الأقاليم التابعة للمنظمة.
وعلى غرار دول العالم، يخلد المغرب يوم 26
يونيو 2020،اليوم الدولي لمكافحة إساءة استعمال المخدرات والاتجار غير المشروع بها.
ويمثل هذا الحدث فرصة
للقيام بأعمال تحسيسية لصالح جميع الفاعلين المعنيين لتعبئة وﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼم، و اﻟﻮزارات
واﻟﻤﻨﻈﻤﺎت ﻏﻴﺮ اﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﻟﺪﻋﻢ ﺟﻬﻮد وزارة اﻟﺼﺤﺔ
والفاعلين ﻓﻲ هذا اﻟﻤﻴﺪان.
وللإشارة فإن وزارة الصحة، وتجاوبا مع توصيات
منظمة الصحة العالمية ووكالات الأمم المتحدة في هذا المجال
(UNGASS 2016)،التزمت بإرساء استراتيجية شاملة
ومتكاملة،تمكن من توفير الرعاية والخدمات الصحية من أجل الوقاية الشاملة للفئات
الضعيفة،خصوصا الأطفال والمراهقون والشباب، والعلاج الطبي والعلاج النفسي،والحد من
المخاطر المرتبطة بتعاطي المخدرات بالحقن وإعادة الإدماج الاجتماعي والنفسي.
ويولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره
الله أهمية كبرى لبرنامج محاربة الإدمان عبر مؤسسة محمد الخامس للتضامن.
ويوجد في المغرب حاليا 15 مركزًا متخصصا في
طب الإدمان(12 مركزًا للفحص والعلاج اليومي و 03 مراكز استشفائية جامعية) مخصصا
للتكفل بالاضطرابات الإدمانية بكل من الرباط والدار البيضاء وطنجة وتطوان ومراكش و
وجدة وأكادير وفاس ومكناس،وذلك في إطار برنامج مستمر لتوسيع العرض الصحي على
المستوى الوطني،ومن المقرر إنشاء مراكز أخرى ابتداء من هذه السنة على شكل مراكز
متنقلة.
ومن أجل ترشيد الموارد،وضعت
وزارة الصحة إطاراً لتطوير الشراكات والتعاون المشترك بين القطاعات،عبر اتفاقيات و
شراكات بين وزارة الصحة ومختلف الشركاء (مؤسسة محمد الخامس للتضامن،المجتمع
المدني،الوزارات،المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، المجلس الوطني
لحقوق الإنسان...)،وسيتم وضع وتنفيذ مخططات عمل مشتركة تستهدف على وجه الخصوص
السجناء والمهاجرين والنساء والأطفال والمراهقين.
بالإضافة إلى ذلك،أنشأ المغرب هيئة متخصصة في
رصد تطور التعاطي للمخدرات والمشاكل الصحية الناتجة عنها،وكذلك في إنتاج المعلومات
المفيدة لاتخاذ القرار في مجال المخدرات والإدمان.ويعتبر المرصد المغربي للمخدرات
والإدمان (OMDA) آلية
مناسبة لتطوير المعرفة بالوضع فيما يتعلق باستخدام المواد المخدرة والادمان وعوامله الأساسية.
والجدير بالذكر أنه في المغرب يبلغ معدل
انتشار تعاطي المخدرات بين عامة السكان الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة فأكثر 4.1%، أي
ما يعادل 800.000 شخص منهم 2.8% مدمنون
على المواد المخدرة. وتتعاطى الساكنة الأصغر سنا للمخدرات والإدمان بشكل متزايد،في
المدن الشمالية يرتبط تعاطي المخدرات بالحقن (نسبة انتشار تعاطي الهيروين
والكوكايين هي 0.02% و 0.05% على التوالي) بمخاطر انتشار فيروس نقص المناعة
البشرية VIH،والتهاب
الكبد الفيروسي (C و B) والسل،إلى جانب العواقب الاجتماعية (التهميش
والتمييز والعزلة..) والقانونية (الانحراف،والعنف،والإجرام، …).
وإذا
كان الوضع كذلك فكيف تتعامل النيابات العامة بمحاكم المملكة لمكافحة ظاهرة
الإدمان على المخدرات و ما هي أوجه الحماية المتخذة و ما هي مظاهر وتجليات دور النيابة العامة في مجال حماية مستعملي
المخدرات باعتبارهم فئات هشة تستوجب العلاج بدل العقاب ؟هذا ما سنتاوله في مطلبين
اثنين.
المطلب الأول: المقاربة
الزجرية للنيابة العامة عن طريق مكافحة الإتجار في المخدرات كآلية وقائية للحد من
تعاطي المخدرات
اتخذت المملكة المغربية سياسة واضحة وصارمة
من أجل مكافحة كل العمليات المرتبطة بالمخدرات من حيث انتاجها وترويجها ونقلها
وتهريبها واستيرادها وتسهيل استعمالها على
الغير وفق سياسة جنائية منسجمة مع الاتفاقيات التي صادقت عليها أهمها الاتفاقية
الفريدة للمخدرات لسنة 1961 و اتفاقية فيينا لسنة 1971 للعقاقير المنشطة للذهن
واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية
لسنة 1988 واتفاقية باليرمو لسنة 2000 المتعلقة بمكافحة الجريمة المنظمة عبر
الوطنية.
وفي هذا السياق صدر ظهير 21/05/1974 المتعلق
بزجر الإدمان على المخدرات السامة و وقاية المدمنين على هذه المخدرات والذي أدخل
عدة تعديلات على ظهير 24/04/1954 المتعلق بزراعة القنب الهدني والتداول فيه
واستعماله والاتجار فيه حيث جعل العقوبة الحبسية تصل فيه إلى عشر سنوات حبسا
وغرامة 50.000 درهم كما صدر ظهير 09/10/1977 المتعلق بمدونة الجمارك المعدل بظهير
05/06/2000 والذي حدد مجموعة من المساطر المتعلقة بالمصادرة وحدد مجموعة من
الجرائم المرتبطة بالمخدرات منها جنح جمركية من الدرجة الأولى وخصصت لها عقوبات
تتراوح بين شهر وسنة وغرامات مما يوضح أن المشرع المغربي اتخذ سياسة واضحة المعالم
للقضاء على هذه الآفة والحد منها.
وفي هذا السياق سياق لا بد من التأكيد على أن
السياسة الجنائية يضعها المشرع ويتولى تنفيذها السيد رئيس النيابة العامة الذي
يتولى تبليغها إلى كافة قضاة النيابة العامة بمحاكم المملكة عبر دوريات ومناشير
والتي أعطى فيها السيد رئيس النيابة العامة تعليماته الصارمة والواضحة بمكافحة
جرائم حيازة وترويج المخدرات وتهريبها وتسهيل استعمالها على الغير وبضرورة تتبع
الأبحاث بشأنها وإيقاف المتورطين فيها ومصادرة الأشياء المرتبطة بها من مخدرات و
وسائل النقل وغيرها ومن أهم هذه المناشير و الدوريات:
- دورية
السيد وزير العدل عدد:23 س3 بتاريخ:11/06/2013 المتعلقة بمكافحة ترويج المخدرات
الصلبة و الإدمان عليها و التي أعطى فيها تعليماته إلى ضرورة إيلاء عناية خاصة
لهذا النوع من القضايا وتتبعها وعدم التردد في المطالبة أثناء المحاكمة بتطبيق
عقوبات رادعة واستعمال طرق الطعن التي يخولها القانون كلما ظهر أن العقوبة المحكوم
بها لا تتناسب مع خطورة الجريمة و أثرها الاجتماعي.
- منشور
السيد وزير العدل و الحريات رقم:24 س 3 بتاريخ:29/07/2013 حول زراعة القنب الهندي
داخل الملك الغابوي .
- منشور
السيد وزير العدل و الحريات رقم:58 س 3 بتاريخ:30/06/2014 حول حجز وسائل النقل في
قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية والتي حث فيها قضاة النيابة العامة على تتبع
الأبحاث الجارية بشأن قضايا المخدرات وبضرورة مصادرة وحجز وسال النقل المستعملة
فيها مع حفظ حقوق الغير حسن النية .
- منشور السيد رئيس النيابة العامة رقم 01 بتاريخ:07/04/2017 و الذي وضع معالم و أوليات السياسة الجنائية وحث فيها قضاة النيابة العامة على احترام تام للقوانين مع مراعاة أولويات السياسة الجنائية القائمة وذلك بإيلاء مزيد من الاهتمام و إعطاء الأولوية للقضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام واتخاذ مواقف وقرارات صارمة وحازمة للتصدي للجرائم التي تمس بالأمن العام والتي تثير الرعب و الفزع بين الناس التي لها تأثير على حياة الأشخاص وسلامتهم كالعنف والاعتداءات المسلحة والسرقات بالنشل أو بالعنف و بعض مظاهر التسيب في الأماكن العامة التي تتمثل في التجول بأسلحة بيضاء أو تجول أشخاص بالشوارع بصدور عارية مثلا و هم في حالة تخدير أو سكر ويعترضون المارة ويضايقونهم إلى جرائم ترويج المخدرات والحبوب المهلوسة بين السكان و لا سيما بين الناشئة أو في المدارس.
المطلب الثاني: المقاربة
الحمائية للنيابة العامة الضامنة لحقوق مستعملي المخدرات
إن السياسة الجنائية المعتمدة تهدف إلى زجر
الجرائم الخطيرة والماسة بسلامة المواطنين والأمن العام والنظام العام ولذلك فإن
السياسة الجنائية المعتمدة من طرف السيد رئيس النيابة العامة تستهدف ترسيخ تعاملا
خاصا مع مستعملي المخدرات والفئات الأكثر عرضة وفي هذا السياق لا بد من الإشارة
إلى مظاهر دور النيابة العامة في مجال حماية مستعملي المخدرات :
1) تعزيز
تمتع الأشخاص المدمنين للمخدرات من التمتع بحقوقهم الأساسية المقررة بموجب
القوانين والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة المغربية:
و
في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى مبادرات السيد رئيس النيابة العامة و مختلف
الدوريات و المناشير المرتبطة بالموضوع على مستويين:
أ) على
مستوى التكوين:
في إطار تكوين قضاة النيابة العامة في مجال
حقوق الإنسان نظم السيد رئيس النيابة العامة العديد من الندوات والدورات التكوينية
والورشات بشراكة مع منظمات دولية لتعزيز قدرات قضاة النيابة العامة في مجال حقوق
الإنسان منها مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات ومنظمة العفو الدولية
والمفوضية السامية لحقوق الإنسان وصندوق الأمم المتحدة للتنمية وكذا مع منظمات
دولية غير حكومية وكذا مع منظمات مهتمة بمجال الرصد ومراقبة حقوق الإنسان سواء
الوطنية أو الدولية.
ب) على مستوى تنفيذ
السياسة الجنائية :
كما قلنا أن السياسة الجنائية يتولى المشرع
وضعها و يتولى السيد رئيس النيابة العامة تنفيذها و في هذا السياق يبلغها لكافة
قضاة النيابة العامة عبر مجموعة من الدوريات والمناشير ذات الصلة بالمخدرات أهمها
منشور السيد رئيس النيابة العامة رقم 01 و الذي أكد فيه على أن الدستور المغربي
أكد تشبت المملكة المغربية بمنظومة حقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني و أن
المشرع المغربي أولى عناية خاصة بهذه الحقوق ورتب على خرقها جزاءات جنائية ومسطرية
جسيمة من بينها الحقوق التي حث عليها السيد رئيس النيابة العامة في هذا المنشور
بضرورة إيلاءها الاهتمام البالغ ومن أهم ما جاء في هذا المنشور والتي تهم كذلك
مستعملي المخدرات :
-
الحرص على ترشيد استعمال الآليات القانونية الماسة أو
المقيدة للحريات و ذلك باستعمالها فقط في
الحالات التي تدعو إليها الضرورة و أن يتم استعمالها وفقا للقانون و دون تجاوز أو
تعسف.
-
التصدي للانتهاكات الماسة بالحقوق والحريات بكل حزم
وصرامة والأمر بإجراء التحريات والأبحاث بشأنها دون تأخير وعدم التردد في استعمال
السلطات التي يخولها القانون بشأنها ولا سيما حين يتعلق الأمر بادعاءات تتعلق
بالتعذيب أو الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري.
-
زيارة أماكن الاعتقال باستمرار لزيارة مخافر الحراسة
النظرية والسجون ومؤسسات الأمراض العقلية ومراكز الحداث للتأكد من شرعية الاعتقال
ومن تنفيذه وفقا للضوابط و الشروط التي يحددها القانون.
- ضمان
حقوق الدفاع و التمكين القانوني للمشتكين.
-
ترشيد الاعتقال الاحتياطي بعدم اللجوء إلى تدبير الاعتقال
إلا في الحالات التي تتوافر فيها الشروط القانونية لإيقاعه ومن خلال ما تفرضه ظروف
القضية وملابساتها وتجهيز ملفات المعتقلين الاحتياطيين بسرعة لتمكين القضاة من
البت فيها والحرص على تفعيل بدائل الاعتقال الاحتياطي مع التأكيد على الدور
الإيجابي للنيابة العامة في تفعيل العدالة التصالحية التي جعلها المشرع من أولويات
السياسة الجنائية كبديل لتحريك الدعوى العمومية في بعض القضايا لتخفيف العبء عن
المحاكم و بغية الحفاظ على الروابط العائلية.
2) تدبير
الحراسة النظرية يروم حماية مستعمل المخدرات من إيذاء نفسه أو إيذاء غيره:
يعتبر
الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية من أخطر الصلاحيات والسلطات التي خولها المشرع
لضباط الشرطة القضائية أثناء البحث في جريمة لتعلقها بحرية الإنسان وأمنه القانوني
ولذلك نظم المشرع هذا المقتضى وقيده بشروط خاصة ضمانا لإجراءات البحث في هذا
السياق نجد المادة 80 من قانون المسطرة الجنائية قد استوجبت لوضع المشتبه به تحت
الحراسة النظرية أن تكون الجريمة المرتكبة جناية أو جنحة يعاقب عليها
بالحبس.وبالرجوع إلى ظهير 21/05/1974 نجد أن جريمة استهلاك أو استعمال المخدرات
تعتبر جنحة يعاقب عليها المشرع بعقوبة حبسية حيث نص الفصل الثامن من ظهير 21/05/1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية
المدمنين على هذه المخدرات على أنه
" يعاقب
بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة يتراوح قدرها بين 500 و 5000 درهم أو بإحدى هاتين
العقوبتين فقط كل من استعمل بصفة غير مشروعة إحدى المواد أو النباتات المعتبرة
مخدرات."
هذا
وتجدر الإشارة أن الغاية من وضع مستعملي المخدرات تحت تدابير الحراسة النظرية هو
حمايته من إيذاء نفسه أو إيذاء غيره وفي هذا حماية لمستعمل المخدرات وفي هذا
السياق وفي إطار الممارسة العملية نجد بعض نواب وكيل الملك ينتقلون إلى مخافر
الضابطة القضائية لاستنطاق المعتقلين من مستعملي المخدرات من الذين تم إيقافهم
ويتم الإفراج عنهم فورا وتحدد لهم جلسة لمحاكمتهم وفي هذا ضمان لكرامة الأشخاص
الموضوعين تحت الحراسة النظرية لتفادي
الاكتظاظ الذي تعرفه بناية المحكمة الابتدائية وتفادي اختلاطهم مع باقي الأشخاص
المقدمين من أجل جرائم أكثر خطورة.
وفي
هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن محاكم الموضوع لا تعاقب الأشخاص المتابعين من
أجل جنحة حيازة واستهلاك المخدرات إلا بعقوبة حبسية موقوفة التنفيذ وغرامة مالية
بسيطة.
كما
تجدر الإشارة أن مستعملي المخدرات لا يتم إيداعهم بالسجن إلا إذا اقترن ذلك
بارتكاب جرائم أكثر خطورة مثل جرائم السرقات أو الاعتداءات بالسلاح الأبيض أو
جرائم القتل لما فيها من مساس بالنظام العام وبالسلامة الجسدية للأشخاص أو
بممتلكاتهم.
3)
تفعيل آلية علاج المدمن على المخدرات بدل آلية العقاب:
نص الفصل الثامن من ظهير 21/05/1974 على آلية لحماية مدمني
المخدرات وذلك بتكريس آلية العلاج بدل آلية العقاب والزجر حيث نص على أنه :
" يعاقب
بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة يتراوح قدرها بين 500 و 5000 درهم أو بإحدى هاتين
العقوبتين فقط كل من استعمل بصفة غير مشروعة إحدى المواد أو النباتات المعتبرة
مخدرات.
غير أن المتابعات الجنائية
لا تجري إذا وافق مرتكب الجريمة بعد فحص طبي بطلب من وكيل جلالة الملك على الخضوع
خلال المدة اللازمة لشفائه إلى علاجات القضاء على التسمم التي تقدم أما في مؤسسة
علاجية طبق الشروط المنصوص عليها في الفصل 80 من القانون الجنائي وإما في مصحة
خاصة تقبلها وزارة الصحة العمومية،ويجب في هاتين الحالتين أن يفحص الشخص المباشر
علاجه كل خمسة عشر يوما طبيب خبير يعينه وكيل جلالة الملك ويؤهل هذا الطبيب وحده
للبث في الشفاء.
ويصدر وزير العدل بعد
استشارة وزير الصحة العمومية قرارا تحدد فيه الشروط التي قد تمكن في بعض الحالات
الاستثنائية المتعلقة بالقاصرين على الخصوص من معالجتهم في وسط عائلي.
وتجرى المتابعة الجنائية
فيما يخص الأفعال المنصوص عليها في المقطع الأول بصرف النظر عن المتابعات الخاصة
بالجريمة الجديدة إذا عاد الشخص خلال أجل الثلاث سنوات الموالية لشفائه إلى ارتكاب
جنحة استعمال المخدرات أو ترويجها.
وإذا فتح بحث جاز لقاضي
التحقيق بعد استشارة وكيل جلالة الملك الأمر بإجراء علاج للمعنى بالأمر طبق الشروط
المقررة في المقطعين 2 و3 أعلاه، ويواصل عند الاقتضاء تنفيذ الوصفة المأمور فيها بالعلاج
المذكور بعد اختتام إجراءات البحث.
وإذا تملص الشخص المأمور
بعلاجه من تنفيذ هذا الإجراء طبقت عليه العقوبات المقررة في الفصل 320 من القانون
الجنائي.
وتطبق مقتضيات الفصل 80 من
القانون الجنائي فيما إذا أحيلت القضية على هيئة الحكم.
والسيد رئيس النيابة العامة
في منشوره رقم 01 المشار إليه أعلاه حث
كافة قضاة النيابة العامة على تفعيل بدائل الاعتقال الاحتياطي وعلى ضرورة تكريس الدور الإيجابي للنيابة العامة في تفعيل
العدالة التصالحية التي جعلها المشرع من أولويات السياسة الجنائية كبديل لتحريك
الدعوى العمومية في بعض القضايا لتخفيف العبء على المحاكم من جهة ومن جهة أخرى من
أجل الحفاظ على ترابط العلاقات الاجتماعية.
في
هذا الإطار تعتبر هذه الآلية العلاجية فرصة للمدمن لكي يسلك الطريق الصحيح الذي
يحفظ كرامته الإنسانية و يسهل عودته إلى المجتمع و إعادة إدماجه .
4)
ترشيد الإعتقال الإحتياطي في مجال جرائم استعمال المخدرات:
حث السيد رئيس النيابة العامة في إطار تنفيذ
السياسة الجنائية في مجال استعمال المخدرات كافة قضاة النيابة العامة بموجب العديد
من الدوريات على ضرورة ترشيد الاعتقال الاحتياطي وعدم اللجوء إلى تدبير الاعتقال
الاحتياطي إلا في الجرائم الخطيرة خاصة:
- منشور السيد رئيس النيابة العامة رقم: 01 الصادر سنة 2017
.
- دورية
السيد رئيس النيابة العامة رقم: 44 س/ر.ن.ع بتاريخ: 15/11/2018 حول ترشيد الاعتقال
الاحتياطي .
- دورية
السيد رئيس النيابة العامة رقم: 5 س/ر.ن.ع بتاريخ: 29/01/2019 حول تدابير الاعتقال
الاحتياطي.
وفي هذا الصدد تجدر الإشارة أن النيابات
العامة لا تلجأ إلى تدبير الاعتقال الاحتياطي في قضايا استعمال استهلاك المخدرات بتاتا في إطار الممارسة
العملية اليومية بحيث يتم إطلاق سراحهم فور تقديمهم أمام النيابة العامة ولا يتم
إيداعهم بالسجن إلا إذا اقترن استعمال المخدرات بأفعال أخرى أكثر خطورة مثل اقتران
استعمال المخدرات بأفعال السرقات بالعنف أو الاعتداءات بالأسلحة البيضاء أو جرائم
الاغتصاب أو هتك العرض أو القتل.
5) تعزيز
تدابير حماية بعض الفئات الخاصة من مستعملي المخدرات:
في إطار تعزيز حماية بعض الفئات الخاصة حث
السيد رئيس النيابة العامة بموجب المنشور رقم: 01 لسنة 2017 والدورية رقم:8 س
/ر.ن.ع بتاريخ:11/02/2019 على ضرورة توفير الحماية لبعض فئات المجتمع بالنظر
لاعتبارات محتفلة ولا سيما الهشاشة أو الضعف الجسدي أو بسبب تأثير الجريمة عليهم
مثل الضحايا و الأشخاص في وضعية إعاقة و أطفال الشوارع و في هذا الإطار يدخل طبعا
بعض الفئات الهشة من مدمني المخدرات الذين يتعرضون لبعض الاعتداءات أو أطفال
الشوارع أو في وضعية صعبة أو في وضعية هشاشة وفي هذا الإطار يستفيدون من خدمات
التكفل القضائي لخلايا التكفل بالنساء و الطفال ضحايا العنف أو ضحايا الإتجار
بالبشر كما يمكنهم الاستفادة من مقتضيات المادتين 510 و 511 من قانون المسطرة
الجنائية والتي تتيح لضحايا الجنايات أو الجنح لقاضي الأحداث أو المستشار المكلف
بالأحداث إما تلقائيا أو بناء على ملتمسات النيابة العامة إصدار أمر بإيداع الحدث
المجني عليه لدى شخص جدير بالثقة أو بمؤسسة خصوصية أو جمعية ذات نفع عام بمؤسسة
للعلاج.
كما يمكن للحدث مستعمل
المخدرات المتواجد في وضعية صعبة أن يستفيد من مقتضيات المادة 512 من قانون
المسطرة الجنائية إذا كانت سلامته ابدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية
معرضة للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف و ذلك بإيداعه
بمؤسسة للعلاج إلى حين بلوغه سن الشد القانوني.
6) تعزيز
مراقبة السجون للتأكد من تمتع السجناء و المعتقيلن بحقوقهم و تمكينهم من العلاج:
نص قانون المسطرة الجنائية وكذا قانون رقم
:98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية على مقتضيات خاصة بمراقبة السجون
ومنح صلاحيات لوكلاء الملك والوكلاء العامون للملك في مراقبة السجون وأوضاع
السجناء للتأكد من مدى تمتعهم بحقوقهم التي منحها لهم القانون ونص على ضرورة
القيام بزيارات دورية للمؤسسات السجنية ومراكز الأحداث وفي هذا الصدد لا بد من
الإشارة إلى أن قانون المؤسسات السجنية متع السجناء بحقهم في العلاج وفي هذا
الإطار تتمكن النيابة العامة في إطار مراقبتها للسجون من مراقبة مدى تمكين السجناء
مدمني المخدرات من مواصلة علاجهم من الإدمان عن طريق تمكينهم من الميتادون ( MÉTHADONE ) في إطار تنزيل سياسة
وزارة الصحة في هذا الإطار المتعلق بعلاج مدمني المخدرات.
7) تعزيز
مراقبة مستشفيات الأمراض النفسية و العقلية:
حث السيد رئيس النيابة العامة بموجب العديد
من الدوريات أهمها الدورية رقم:21 س /ر.ن.ع بتاريخ:14/05/2018 حول زيارة مؤسسات
معالجة الأمراض العقلية بضرورة تفعيل مقتضيات المادة 25 من ظهير 30 أبريل 1959
المتعلق بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها و حماية المرضى المصابين بها و ذلك
بالقيام بزيارات دورية و منتظمة للمؤسسات المذكورة مرة واحدة على الأقل كل ثلاثة
أشهر للتحقق من سلامة وصحة ظروف إيداع الأشخاص بمستشفيات الأمراض العقلية ومن
احترام الضمانات القانونية المقررة في هذا الإطار.
8) تفعيل
العدالة التصالحية في مجال جرائم استعمال أو استهلاك المخدرات:
حث منشور رقم: 01 الصادر عن السيد رئيس
النيابة العامة سنة 2017 جميع قضاة النيابة العامة على تفعيل العدالة التصالحية
كبديل لتحريك الدعوى العمومية تطبيقا للمادة 41 من قانون المسطرة الجنائية و التي
نصت على أنه:
" يمكن
للمتضرر أو المشتكى به قبل إقامة الدعوى العمومية وكلما تعلق الأمر بجريمة يعاقب
عليها بسنتين حبساً أو أقل أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى 5.000 درهم،أن يطلب من
وكيل الملك تضمين الصلح الحاصل بينهما في محضر.
في حالة موافقة وكيل الملك
وتراضي الطرفين على الصلح، يحرر وكيل الملك محضراً بحضورهما وحضور دفاعهما، ما لم
يتنازلا أو يتنازل أحدهما عن ذلك، ويتضمن هذا المحضر ما اتفق عليه الطرفان.
يتضمن المحضر كذلك إشعار
وكيل الملك للطرفين أو لدفاعهما بتاريخ جلسة غرفة المشورة، ويوقعه وكيل الملك
والطرفان.
يحيل وكيل الملك محضر الصلح
على رئيس المحكمة الابتدائية ليقوم هو أو من ينوب عنه بالتصديق عليه بحضور ممثل
النيابة العامة والطرفين أو دفاعهما بغرفة المشورة، بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي
طعن.
يتضمن
الأمر القضائي ما اتفق عليه الطرفان، وعند الاقتضاء ما يلي:
- أداء غرامة لا
تتجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانوناً؛
- تحديد أجل لتنفيذ
الصلح.
إذا لم يحضر المتضرر أمام
وكيل الملك، وتبين من وثائق الملف وجود تنازل مكتوب صادر عنه، أو في حالة عدم وجود
مشتك، يمكن لوكيل الملك أن يقترح على المشتكى به أو المشتبه فيه صلحاً يتمثل في
أداء نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة أو إصلاح الضرر الناتج عن أفعاله،
وفي حالة موافقته يحرر وكيل الملك محضراً يتضمن ما تم الاتفاق عليه وإشعار المعني
بالأمر أو دفاعه بتاريخ جلسة غرفة المشورة،ويوقع وكيل الملك والمعني بالأمر على
المحضر.
يحيل وكيل الملك المحضر على
رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه للتصديق عليه بحضور ممثل النيابة العامة
والمعني بالأمر أو دفاعه،بمقتضى أمر قضائي لا يقبل أي طعن.
توقف مسطرة الصلح والأمر
الذي يتخذه رئيس المحكمة أو من ينوب عنه، في الحالتين المشار إليهما في هذه المادة
إقامة الدعوى العمومية. ويمكن لوكيل الملك إقامتها في حالة عدم المصادقة على محضر
الصلح أو في حالة عدم تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها رئيس المحكمة أو من ينوب
عنه داخل الأجل المحدد أو إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية، ما لم تكن
هذه الأخيرة قد تقادمت.
يشعر رئيس المحكمة أو من
ينوب عنه وكيل الملك فوراً بالأمر الصادر عنه.
يتأكد
وكيل الملك من تنفيذ الالتزامات التي صادق عليها الرئيس."
وبالرجوع
إلى مقتضيات الفصل الثامن من ظهير 21/05/1974 المتعلق بزجر الإدمان على المخدرات
السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات على أنه " يعاقب بالحبس من شهرين
إلى سنة وبغرامة يتراوح قدرها بين 500 و 5000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط
كل من استعمل بصفة غير مشروعة إحدى المواد أو النباتات المعتبرة مخدرات". أي
أن جريمة استهلاك المخدرات تعتبر جنحة قابلة للصلح الجنائي طبقا للمادة 41 من
قانون المسطرة الجنائية ولذلك يمكن للشخص مستهلك المخدرات عند تقديمه أمام السيد
وكيل الملك أن يلتمس تطبيق هذه المقتضيات و تفادي تحريك الدعوى العمومية في حقه.
خـــــاتـــمــــــة:
كل هذه المؤشرات الإيجابية تؤكد أن السياسة
الجنائية الوطنية والممارسة العملية للنيابات العامة بمحاكم المملكة تتعامل بشكل
رحيم مع مستعملي المخدرات والمدنين عليها واعتبرت الشخص المدمن على المخدرات إنسان
مريض يتعين إيداعه بأحد المستشفيات
المتخصصة في محاربة الإدمان بدلاً من
توقيع العقوبة بناء على توصية من وزير الصحة.
وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة أن الممارسة
العملية كشفت أن المتعاطين للمخدرات لا يرغبون في المكوث بهذه المؤسسات العلاجية
وأنهم يواصلون استعمال المخدرات واستهلاكها
بعد الإفراج عنهم وعلاجهم فتضيع كل المحاولات التي تستهدف إصلاحهم.
ولذلك يمكن القول أن ظاهرة استهلاك المخدرات
والإدمان عليها هي ظاهرة عالمية يتعين لنجاح أية استراتيجية ناجعة لمكافحتها أن
ترتكز على الثالوث المتحكم فيها وهي :
1-الوقاية.
2-الملاحقة أي ملاحقة مروجي المخدرات.
3-الحماية أي حماية المدمنين عليها باعتبارهم
ضحايا هذه المؤثرات العقلية السامة.
ولذلك تبقى المقاربة الشمولية وتكاثف جهود
جميع المتدخلين الحكوميين ومنظمات المجتمع المدني و وسائل الإعلام في مجال التحسيس
والتوعية بمخاطر استعمال المخدرات هي المقاربة الكفيلة بمكافحة هذه الظاهرة والحد
منها أو على الأقل محاصرتها في نطاقها الضيق
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق