أي دور النيابة العامة في التقليص من أزمة السجون خلال فترة الطوارئ الصحية؟
أي دور النيابة
العامة في التقليص من أزمة السجون خلال فترة الطوارئ الصحية؟
عماد مسواد
باحث في العلوم القانونية
تعاني
السجون المغربية من عدة مشاكل لعل أبرزها الاكتظاظ الشديد الناجم عن ضيق طاقتها
الاستيعابية وانتشار الجريمة، ومع تفشي جائحة كوفيد 19 في جميع أرجاء المعمور،
بادرت بلادنا إلى إصدار المرسوم بقانون رقم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق
بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، ومع ذلك نشأ التخوف من تحول هذه الأمكنة الحساسة
إلى بؤر للعدوى، ولذلك تفضل ملكنا الهمام بتاريخ 05 أبريل 2020 بإسباغ عفوه على
الآلاف من السجناء، واتخذت معه المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج
مجموعة من الإجراءات الوقائية الهامة، ومن موقعها تضطلع النيابة العامة بالدور
الأساسي في حماية المواطنين بما فيهم السجناء من خطر الإصابة، ما يجعلنا نتساءل عن
الإجراءات التي يمكن لها تفعيلها بهذا الخصوص؟
لا
شك أن الاعتقال الاحتياطي يعد تدبيرا استثنائيا كما أكدت على ذلك المادة 159 من
قانون المسطرة الجنائية، إلا أنه ونظرا لما أملته الوضعية الوبائية الحالية فقد تقلصت
دائرته وأضحى استثناء من الاستثناء، إذ لم تَعُد تعتبر فيه لا حالة التلبس، ولا
خطورة الأفعال الجرمية وانعدام ضمانات الحضور إلا في حالات الضرورة القصوى، من
قبيل الاتجار في المخدرات والسرقات ونحوها... ومع ذلك وإذا كان اعتقال المتهم حتميا،
فإن للنيابة العامة أن تأمر بعرضه على طبيب لفحص حالته الصحية، قبل أن يحال على
المؤسسة السجنية التي تضعه هي الأخرى رهن الحجر الصحي لمدة كافية قبل أن يختلط
بباقي السجناء.
ومن جهة أخرى أكد قانون
المسطرة الجنائية في المادة 41 على بديل آخر للاعتقال ألا وهو الصلح بين الضحية
والمتهم في الجنح التي يعاقب عليها المشرع بسنتين حبسا أو أقل، أو بغرامة لا
يتجاوز حدها الأقصى 5.000 درهم، وهو آلية تنسجم كثيرا والظرفية الراهنة، غير أنه حبذا
لو وسع المشرع المغربي من فلك الجرائم التي يمكن إجراء الصلح فيها، ما سيؤثر
إيجابا على الطاقة الاستيعابية للسجون، وسيمكن من تحقيق أهداف السياسة الجنائية
المغربية والوفاء بالالتزامات الدولية في هذا الصدد.
ومسايرة
لنفس التدابير البديلة، وفي إطار بعض الجنح التي يمنح فيها المشرع مُهَلاً
للمتهمين، كجنحة الإمساك العمدي عن أداء النفقة لمستحقها أو فيما يتعلق بملفات
الإكراه البدني، وهي جميعها قضايا لا ريبة فيها من الاعتقال أو الإيداع، فلا شيء
يمنع النيابة العامة، من منح مهل إضافية لهؤلاء الأشخاص للوفاء بما تنوء به ذممهم
من أموال لفائدة دائنيهم، ما يجعلها نيابة عامة مواطنة و متفهمة لآثار حالة
الطوارئ المفروضة والتي قادت إلى توقف الأنشطة المدرة للدخل.
ومن
جملة هذه الإجراءات أيضا أنْ مَنَحَ المشرع المغربي للنيابة العامة بمقتضى المادة
74 من قانون المسطرة الجنائية مكنة متابعة المتهم في حالة سراح مقابل كفالة مالية
يضعها بصندوق المحكمة، ولا يخفى ما لهذه الوسيلة من الإيجابيات ما يقلص عدد
المعتقلين الاحتياطيين، وما يضمن حضور المتهم إلى جلسات محاكمته ويؤمِن أداءه للمصاريف
والتعويضات والغرامات.
وأخيرا
تعد آلية التجنيح من الوسائل العملية المهمة التي ابتكرها القضاء إذ تمكن محاكم
الاستئناف من إحالة المتهم وملف القضية برمته على محاكم أول درجة، نظرا لعدم
التناسب الجلي بين الفعل المرتكب والعقوبة المقررة له بمقتضى القانون الجنائي، كمن
يقوم ليلا بسرقة شيء زهيد القيمة.
والأكيد
أن عدم التناسب هذا، هو ما يمكن قضاة النيابة العامة بالمحاكم الابتدائية من متابعة
المتهم في حالة سراح، وبالتبعية التقليص من عدد المعتقلين في الظرفية الراهنة، رغم
أن الجريمة في أصلها عبارة عن جناية، ولا يسوغ من حيث المبدأ المتابعة فيها إلا في
حالة اعتقال طبقا لمقتضيات المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية.
وقد
منحت المادة 49 من مشروع قانون المسطرة الجنائية للوكيل العام للملك صلاحية إحالة
جناية من الجنايات على وكيل الملك باعتبارها جنحة فقط، كلما ظهر له أن الضرر
الناجم عنها كان محدودا أو قيمة الحق المعتدى عليه بسيطة، وكان القانون يسمح
بوصفها كذلك، ما يعد إيمانا من المشرع بأهمية آلية التجنيح القضائي في تبسيط
الإجراءات وتلافي طول المساطر أمام غرفة الجنايات وكذا في تقليص عدد المعتقلين
الاحتياطيين والتخفيف من حدة الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون.
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق