الحجية الثبوتية للمحاضر المنجزة في جرائم الأعمال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الحجية الثبوتية
للمحاضر المنجزة في جرائم الأعمال
سعد مكو
باحث في
قانون الأعمال.
تقديم :
كل ما
ينجز من أعمال وإجراءات في إطار البحث
التمهيدي، يتم تضمينه في محاضر، هذه المحاضر التي تبقى لها حجيتها القانونية على
مستوى توثيق كل ما يقوم به عناصر الضابطة القضائية أو أعوان الإدارة الذين خول لهم
القانون القيام بأعمال الشرطة القضائية، فالمحاضر التي يتم تحريرها في إطار البحث
التمهيدي لها قيمتها على مستوى إثبات وضبط الفعل الجرمي، وقد لوحظ على أن
هناك نصوص جنائية خاصة بمجال الأعمال
تتشدد في تحديد القيمة القانونية للمحاضر في جرائم الأعمال ، وذلك بالتقزيم من
السلطة التقديرية الممنوحة للقضاء وأهم هذه النصوص القانونية الخاصة المكونة
لجرائم الأعمال، نجد مدونة الجمارك التي أعطت قيمة كبيرة وواسعة للمحضر الجمركي،
خصوصا إذا تم تحريره من طرف أكثر من عون إذ في هذه الحالة لا يمكن الطعن فيه إلا
بالزور، بخلاف محاضر الشرطة القضائية والمحاضر المحررة في أحد مواضيع جرائم الأعمال ، حيث تبقى قابلة
لإثبات ما يخالفها بأي وسيلة من وسائل الإثبات. الأمر الذي يجعلنا
أمام نوعين من المحاضر ، محاضر لا يطعن فيها إلا بالزور( الفقرة الأولى) و
أخرى يوثق بمضمونـها(الفقرة الثانية).
الفقرة
الأولى : محاضر لا يطعن فيها إلا بالزور
نصت
المادة 292 من قانون المسطرة الجنائية على أنه : "إذا نص قانون خاص على أنه
لا يمكن الطعن في مضمون بعض المحاضر أو التقارير إلا بالزور، فلا يمكن تحت طائلة البطلان
إثبات عكسها بغير هذه الوسيلة".
ومن
النصوص الخاصة التي نظمت هذا النوع من المحاضر، نجد مدونة الجمارك والضرائب غير
المباشرة، الفصل 2421، وكذلك قانون الدرك الملكي
المادة 712.ومادام ما يعيننا هو مجال الأعمال، فإننا سنقتصر على مدونة الجمارك
والضرائب غير المباشرة.
إن مدونة
الجمارك قلبت عبء الإثبات عندما جعلت من الأفعال المضمنة بالمحاضر الجمركية قرينة
على ماورد فيها إلى أن يطعن فيها بالزور، وهذا لا شك فيه عبء كبير على المتهم ،
ويضرب في العمق قاعدة المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته. إن القاضي أمام المحاضر
الجمركية وقوتـها الثبوتية لا يمكنه استبعاد ما ورد فيها من بيانات مهما كانت
الأسباب ولو بدا له مصداقيتها محل شك، أو حتى الأمر بإجراء أي تحقيق بشأنـها
للتأكد من صحتها، ومراقبة مصداقيتها، فالسلطة التقديرية تتقيد أمام هذه المحاضر، وذلك بشكل يكاد يكون
كاملا، نظرا لقرينة الصحة التي منحت لها في قانون الجمارك، ومن هنا
فهي تعتبر أقوى المحاضر حجة في الإثبات الجنائي على الإطلاق، وأكبر قيد على
حرية الإثبات ومبدأ الاقتناع القضائي السائد في مجال الإثبات الجنائي.3
ومن
الإجتهادات القضائية التي سارت في هذا الإتجاه نجد مثلا : قرار للمجلس الأعلى –
محكمة النقض حاليا – أكد على أن حجية المحاضر المحررة من طرف أعوان إدارة
الجمارك موثوق بها فيما يخص الإثباتات
المضمنة فيها وذلك طبقا لما ينص عليه الفصل 242....4
ومن بين
التوجهات القضائية التي ذهبت كذلك في نفس
الإطار نجد :قرار محكمة
النقض، والذي ألزم محكمة الموضوع بعدم الخروج عن ما ضمن بمحاضر أعوان إدارة
الجمارك، هكذا جاء في حيثيات هذا القرار: وحيث لئن كان للمحكمة كامل الصلاحية في تقدير حقيقة
الوقائع ، وتقييم الأدلة المعروضة عليها انطلاقا من سلطتها التقديرية فإنه يتعين
عليها أن تتقيد في ذلك بالحدود التي رسمها القانون ، وعليه فإنـها عندما قضت
ببراءة المطلوب في النقض من جنحة حيازة سيارة دون سند صحيح وعدم الاختصاص في مطالب
إدارة الجمارك من غير تطبيق منها لمقتضيات الفصل 238 من مدونة الجمارك التي تفرض قيام المسؤولية
الجنائية لحائز البضاعة المرتكب الغش بشأنـها، وناقلها إلى أن يثبت إعفاؤه منها
بالطروق القانونية ، ومن غير اعتبار منها لمقتضيات الفصل 224 من نفس المدونة ،
التي تجعل القرائن في ميدان الجمارك وسيلة إثبات لا يمكن النيل منها إلا بالإثبات
الدقيق للقوة القاهرة ، سيما وأن المطلوب في النقض ضبط وبحوزته السيارة والأوراق
المزورة المتعلقة بـها عندما قضت بذلك ، تكون من جهة خرقت القانون ، ومن جهة أخرى
عللت قراراها تعليلا ناقصا وعرضته للنقض"5 .إذن فمن خلال ما ذكر
يتبدى بدون شك كيف أن المحضر الجمركي يتمتع بحصانة قانونية كبيرة ضد أي إجراء أو
محاولة للطعن فيه إلا بطريق وحيد وهو الطعن بالزور . بل إن حتى هذه المسطرة
الأخيرة معقدة وصعبة وصعوبتها تنبع من الشكليات المعقدة التي جاءت بها المادة 244
التي نصت على أنه : يلزم الضنين الذي يريد
الطعن بالتزوير في محضر ما أن يقدم التصريح بذلك شخصيا أو بواسطة وكيل يتوفر على
تفويض تشهد بصحته السلطة المحلية إلى كتابة الضبط لدى المحكمة المرفوعة إليها
القضية قبل الجلسة المعنية في
الإستدعاء.....".
هكذا
وطبقا لهذا الفصل فالمتهم عليه أن يبادر إلى تقديم التصريح بالطعن بالزور شخصيا
لدى المحكمة التي تنظر في قضيته، كما
يمكنه أن يقدم التصريح بواسطة وكيل على أن يكون لهذ الوكيل، وكالة في الموضوع
مصادق عليها من طرف الجهات المختصة.
إن مثل
هذا المقـتضى لا يطرح إشكالا، في حالة
وجود الشخص المتابع في حالة سراح ، أما إن كان في حالة إعتقال يصعب عليه شخصيا
القيام بـهذا التصريح لدى كاتب الضبط لدى الـمحكمة المعروضة عليها القضية ، وكان
من المستحسن أن يتم مد هذا الاختصاص ، ليشمل حتى كتابة الضبط لدى المؤسسة السجنية
حتى يتمكن المعتقل بالطعن بالزور في المحضر الجمركي لدى هذه الكتابة.
أما فيما
يخص مسألة الوكالة من أجل الطعن بالزور،
فإنه في
حالة الاعتقال يصعب إنجاز وكالة مصادق عليها من طرف السلطة المحلية لتواجد الظنين بالسجن، ولا يبقى لتحقيق ذلك سوى
حل واحد هو استصدار إذن من الجهة المعروض عليها الملف ، إما قاضي التحقيق في حالة
كون الملف مازال معروضا على قاضي التحقيق، أو هيئة الحكم التي تبت في الملف في
حالة وصول الملف إلى مرحلة المحاكمة.
هذا
الإذن يكون مضمونه السماح لعدلين بتلقي تصريح من المعتقل بالسجن من أجل تمكينه من تحديد من سيفوض له التصريح
بالطعن في المحضر الجمركي وأضافت المادة 244 من مدونة الجمارك : "وفي اليوم
المحدد للجلسة تسجل المحكمة التصريح وتحدد أجلا لمدة ثلاثة أيام على الأقل ،
وثمانية أيام على الأكثر يلزم الظنين خلاله
بأن يودع لدى كتابة الضبط، وسائل طعنه بالتزوير وأسماء وصفات ومساكن الشهود
الذي يريد ان تستمع إليهم المحكمة".
إن
القانون الجمركي يقلص حتى من السلطة التقديرية للقضاء في منح أجل جديد للظنين ودون
توجيه استدعاء جديد له بخصوص تصريحه بالطعن ، وطبعا مثل هذا التشدد فيه تغليب واضح
لمصلحة إدارة الجمارك على حساب الطنين رغم أنه هو الأولى بالحماية سواء مسطريا أو
موضوعيا لأن الأعوان محررو المحاضر هم أناس يمكن أن يخطئوا.6
كما أن
الكثير من التساؤلات تثار حول المادة 246 التي تنص على أنه : " عندما يحرر محضر ضد عدة أشخاص ويطعن فيه
بالتزوير أحدهم أو عدد منهم فقط ، يجوز الاعتماد على المحضر فيما يخص الأخرين ما
عدا إذا كان الفعل المطعون فيه غير قابل للتجزئة ومشتركا بين الأضناء
الأخرين".
يصعب في
هذه الحالة التمييز، كما أنه يصعب الثقة في محضر ثبت زورية جزء منه ، ولم يكتف
المشرع الجمركي بتعقيد مسطرة الطعن بالزور
في المحاضر الجمركية ، بل إن كل ظنين رفض طعنه بالتزوير يحكم القاضي عليه بغرامة
لفائدة الخزينة العامة تتراوح قدرها بين 500 و 1500 درهم7.
وبهذا
فإذا كان المحضر الجمركي المحرر من طرف عونين فأكثر، يكتسي حجية قانونية واسعة
تقيد السلطة التقديرية للمحكمة، وكيفية الطعن فيه تطرح إشكالات واقعية وقانونية.
فماذا عن
الحجية القانونية للمحاضر الموثوق بمضمونـها ؟ .
الفقرة
الثانية : المحاضر الموثوق بمضمونـها
هذا
النوع من المحاضر نصت عليه المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية وجاء فيها :
" المحاضر والتقارير التي يحررها
ضابط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات، يوثق بمضمونـها إلى
أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل الإثبات ".8
هكذا
فالمحاضر التي يوثق بمضمونـها إلى أن يثبت ما يخالفها حسب مفهوم قانون المسطرة
الجنائية ، إنما تستمد قوتـها الإثباتية مما قام به محرورها بأنفسهم وليس على ما
تضمنته من تصريحات تلقوها من غيرهم التي تحتمل الصدق والكذب، كما أن القوة
الثبوتية للمحضر تستمد من صدور التصريحات من أصحابـها وليس مدى صحة مضمون تلك
التصريحات ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإننا نجد أن هذا النوع من المحاضر لم يخص به المشرع ضباط الشرطة القضائية
فقط وإنما9 منح صلاحية تحريره كذلك لمجموعة من الجهات .
هكذا
مثلا فالمحضر المحرر من طرف مأموري الهيئة المغربية لسوق الرساميل ، يوثق
بمضمونـها إلى أن يثبت ما يخالفها، وذلك بأي وسيلة من وسائل الإثبات ، وهي القاعدة
التي أكدتـها المادة 37 من القانون المتعلق بالهيئة المغربية لسوق الرساميل في
فقرتـها السابعة عشر ، حيث جاء فيها : " يوثق بمضمون المحاضر إلى أن يثبت ما يخالفها بأي وسيلة من وسائل الإثبات".
نفـس
الشيء بـــالنسبـــة للمحاضر المحررة في إطار قانون المنافسة وحرية الأسعار ، حيث
نصت المادة 63 من نفس القانون : " تسلم نسخة من المحاضر إلى الأطراف المعنية ، ويعتد بـها إلى
أن يثبت ما يخالفها".
كما أن
الـمحاضر التي يحررها المحتسب والأعوان المكلفون بالتثبت من مخالفات الغش في البضائع لها نفس القيمة و
الهالة، وبـهذا نصت الفقرة الثانية من الفصل الخامس من قانون رقم 102-82،10
المتعلق باختصاصات المحتسب وأمناء الحرف على أنه لمحاضر المحتسب نفس قيمة الإثبات
المخولة للمحاضر التي يحررها الأعوان المكلفون بإثبات المخالفات للقوانين والأنظمة
المشار إليها في الفقرة الأولى."
انطلاقا
من كل القوانين السالفة الذكر ، فإنه يتضح أن هذه المحاضر لها قيمة قانونية محدودة على عكس المحضر الجمركي
المومأ إليه في الفقرة أعلاه ، ويمكن إثبات ما يخالفها بأي وسيلة من وسائل الإثبات
، حيث جاء في قرار للمجلس الأعلى عدد 306 لسنة 1963: " المحضر المستوفي
لما يشترطه القانون يقوم حجة لا يمكن دحضها إلا بقيام الدليل القاطع على مخالفتها
للواقع بواسطة حجة تماثلها في قوة الإثبات كشهادة شهود استمع إليهم بعد أدائهم
اليمين ، وكالإدلاء بمحاضر أخرى وتقارير خبراء
أو ما شابه ذلك من مستندات موثوق بصحتها قانونا، وعليه فمجرد الادعاءات
العارية من كل برهان لا يسوغ بحال أن تعتبر
حجة مضادة ".11
لائحة
الهوامش
1- الفصل 242 من مدونة الجمارك:
" إن المحاضر المحررة بشأن الجنحة أو المخالفة لأحكام هذه المدونة من طرف
عونين للإدارة أو أكثر يعتمد عليهما في الإثباتات المادية المضمنة في المحاضر إلى
أن يطعن في صحتها. كما أن الفصل 244 من مدونة الجمارك نصت على أنه " يلزم
للظنين الذي يريد الطعن بالزور في محضر ما
أن يقدم التصريح بذلك شخصيا، أو بواسطة وكيل يتوفر على وكالة تفويض تشهد بصحته السلطة المحلية ، إلى كتابة الضبط لدى
المحكمة المرفوع إليها القضية قبل الجلسة المعنية في الاستدعاء.
2-تكون المحاضر موطن ثقة لدى
المحاكم القضائية، إن لم يثبت خلاف ما تتضمنه من مخالفات أو بعض الجنح يعهد صريحا
لدرك بمشاهدتها إن لم يدع الزور فيما يتعلق بالجمارك ، والصيد البحري، وتعتبر
المحاضر مجرد معلومات في جميع الأحوال الأخرى وليس من الجائز أن تبطل المحاضر
بدعوى عيب في صيغتها .
3- إكرام أبطوي، " المحاضر
الجمركية وأثارها على مبدأ قرينة البراءة" مقال منشور على الموقع الإليكتروني
www.alJami3a.com/1267 تاريخ الإطلاع 2018-03-27 عل الساعة 15:35.
4 - قرارا تحت عدد 5320/4 بتاريخ 2-7-1997 في الملف الجنحي -1972/91، أشار إليه ، "هشام
الزربوخ" مرجع سابق، هامش، ص :264.
5- قرارا تحت عدد-2201/7 صادر
بتاريخ 9-28-2005 في الملف الجنحي عدد : 2005/148، أشار إليه هشام الزربوخ-م.س،
هامش ،ص: 260.
6- هشام
الزربوح .م.س.ص:263.
7-رشيد الحرتي ، " الدعوى
الجمركية بين المتابعة ومسطرة الصلح "، مقال منشور على الموقع الالكتروني htpp.www.maroc
droit.com/-a3069.htmil. تاريخ الإطلاع 29 مارس 2018 على الساعة
14.00
8 - لقد خص المشرع هذا النوع من المحاضر بالجنح
والمخالفات فقط، بينما جعل المحاضر المحررة، في إطار الجنايات مجرد معلومات ، وهو
ما يستفاد من مفهوم المادة 291 من ق.م.ج والتي نصت ، على أن لا يعتبر ما عذا ذلك
من المحاضر والتقارير إلا مجرد معلومات ،
وذلك راجع لامحالة لمبدّأ حرية الإثبات الذي يتمتع به دفاع المتهم ، والذي يمنحه
الحق في اللجوء إلى وسائل الإثبات القانونية.
9- فاطمة الديب ، م،س ،ص: 115.
10- منشور بالجريدة الرسمية عدد :
3636، بتاريخ 7 يوليوز 1982 ، ص: 837.
11- قرار اوردته ، فاطمة الجيب-
مرجع سابق ، هامش، ص ، 116.
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق