مسؤولية الآمرين بالصرف وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة "تقرير الحسيمة منارة المتوسط نموذجا " ج 1
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
مسؤولية الآمرين بالصرف وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة
"تقرير الحسيمة منارة المتوسط نموذجا "
ج 1
المصطفى قسماوي
طالب باحث بماستر التدبير الاداري للموارد
البشرية والمالية للإدارة كلية الحقوق سلا الجديدة
المقدمة:
لإدراك مدى نجاح الإطار القانوني العام في تنظيم العلاقة التي تربط بين الفاعلين في مجال تنفيذ الميزانية العامة للدولة، لابد من الاهتمام بعنصر المسؤولية الذي يقع على كل متدخل لتحويل بنود الميزانية إلى واقع ملموس، على أنه هو المحدد للخط الفاصل الذي يمنع تجاوزه وإلا وجب الزجر والعقاب، ذلك أن تنفيذ عمليات الميزانية والمالية العمومية يعد اختصاصا مسيجا بقواعد قانونية ومشكلا من إجراءات تقنية لا يمكن الخروج عنها أو خرقها من طرف الآمر بالصرف أو المراقب المالي أو المحاسب العمومي، على اعتبار أن ذلك يعرضهم للعقوبات القانونية المنصوص عليها بهذا الخصوص[1].
ولأن الاختصاص في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية يعود إلى المجلس الأعلى للحسابات، فهو يبادر إلى فتح ملفات التأديب من تلقاء نفسه عند اكتشافه للمخالفات بمناسبة البث في حسابات المحاسبين العموميين[2]، كما يمكن أن ترفع قضايا التأديب بناء على تقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة بالوثائق المثبتة من طرف الوكيل العام للملك ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، ورئيس الحكومة، ووزير المالية والوزراء فيما يخص الأفعال المنسوبة إلى الموظفين والأعوان المتصرفين في المال العام الموضوعين تحت سلطتهم[3].
فالمسؤولية التي يتحمل كل من الآمر بالصرف والمراقب وكذا المحاسب العمومي، هي الكفيلة بتقديم الإطار القانوني الذي تتحرك فيه انطلاقا من علاقتها مع القاعدة القانونية الزاجرة ومدى تأثيرها على أعمال التنفيذ والرقابة التي يضطلعون بمسؤولية إنجازها.
ومعلوم أن المسؤولية التأديبية أو المدنية أو الجنائية، تبقي قائمة بصرف النظر عن عقوبات المحاكم المالية ما عدا في حالة وجود قوة قاهرة أو استثناءات منصوص عليها في القانون[4].
وحسب المادة 2 من القانون رقم 61.99[5] يقصد بالآمر بالصرف ، الآمر بالصرف بحكم القانون والآمر بالصرف المعين والآمر بالصرف المنتدب والآمر المساعد بالصرف ونوابهم.
وما يهمنا في هذا الجانب هو الآمر بالصرف بحكم القانون أي الوزراء، بحيث يعتبر الوزراء بحكم القانون آمرين بالصرف فيما يتعلق بمداخيل ونفقات وزارتهم وميزانيات مصالح الدولة المسيرة بصورة مستقلة والحسابات الخصوصية الراجعة لهذه الوزارة [6]، غير انه يمكن إصدار مراسيم بتعيين مديرين عامين أو مديرين بصفة آمرين بالصرف إذا اقتضت حاجيات المصلحة ذلك.
وبالعودة إلى التجربة الفرنسية التي يستلهم منها نظام الرقابة ببلادنا، نجد أن إحداث مجلس التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، جاء بمقتضى قانون رقم 25 شتنبر 1948، استجابة لرغبة الرأي العام في محاسبة الآمرين بالصرف المكلفين بتدبير المال العام إلى جانب المحاسبين العموميين واحترام التشريع المالي[7].
ورغم التحيين الذي تعرض له مجلس التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية في فرنسا سنوات 1970-1980-1990، فإن الفكرة المتمثلة في اهتمامه بالمتصرفين في المال العام بقيت ثابتة ومستقرة، ولم تمتد إلى المراقبين الماليين اعتبارا لطبيعة تدخلهم في عمليات تنفيذ الميزانية.
أما في المغرب فقد شملت مسطرة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية جميع المتدخلين في عمليات تنفيذ الميزانية، ويتعلق الأمر بالآمر بالصرف والمراقب والمحاسب العمومي والأعوان والموظفون الذين يوجدون تحت إمرتهم أو يعملون لحسابهم، وقد حددت مدونة المحاكم المالية بالتدقيق المخالفات التي تستوجب الغرامة في حالة ارتكابها.
بل شددت مسؤولية المتصرفين في المال العام، ذلك أنه إذا ثبت للمجلس أن المخالفات المرتكبة قد تتسبب في خسارة لأحد الأجهزة الخاضعة لرقابته، قضى على المعنى بالأمر بإرجاع المبالغ المطابقة لفائدة هذا الجهاز من رأسمال وفوائد[8]، وبهذا الشكل يكون المشرع في محاولته للحفاظ على المال العام وإقرار نوع من العدالة والمساواة في المسؤولية اتجاه القائمين على تنفيذ عمليات الميزانية والمالية العمومية.
ونظرا لأهمية هذا الموضوع الذي دفعتنا مجموعة من المتغيرات المستقلة الى معالجته، والمتمثلة في اهمية الرقابة على المال العام، وكذلك النقاش الذي شهده الرأي العام عقب الإعفاءات التي تعرض لها الوزراء والتي كانت بمبادرة من الملك، هذا الى جانب الدور الاساسي الذي لعبته الحركات الاحتجاجية بإقليم الحسيمة، كل هذه المتغيرات دفعتنا للبحث عن متغير تابع ،ألا وهو مدى امكانية خضوع الامرين بالصرف بحكم القانون (الوزراء) الى المساءلة والمعاقبة واتخاذ الوسائل الزجرية في حقهم في حالة ارتكابهم لبعض المخالفات التي تمس بقدسية المال العام .
وهذا ما فرض علينا طرح الاشكال الاتي: الى أي حد يمكن الحديث عن أجرأة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في حق الآمرين بالصرف بحكم القانون ؟
هذا الاشكال تتفرع عنه اشكالات فرعية وهي كالتالي :
- ما هي صلاحيات الآمرين بالصرف بحكم القانون ووضعهم القانوني ؟
- ما المسؤوليات التي يخضع لها الامرين بالصرف بحكم القانون ؟
- الى اي حد ساهم مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة في الحفاظ على المال العام ؟
سنعالج هذه الاشكالات وفق منهج تحليلي قانوني، للوقوف على مختلف المعطيات الاساسية، وهو ما يدفعنا الى مقاربة الموضوع وفق مبحثين:
المبحث الاول: مسؤولية الآمرين بالصرف بحكم القانون ووضعهم القانوني:
المبحث الثاني: أجرأة مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة (تقرير برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة نموذجا):
المبحث الاول: مسؤولية الامرين بالصرف ووضعهم القانوني:
سنتطرق الى الوضع القانوني لأعضاء الحكومة (المطلب الاول) ومسؤوليتهم باعتبارهم آمرين بالصرف بحكم القانون ( المطلب الثاني).
المطلب الاول: الوضع القانوني لأعضاء الحكومة وصلاحياتهم:
لأعضاء الحكومة مجموعة من الصلاحيات (الفقرة الاولى) كما لهم وضع قانوني خاص بهم(الفقرة الثانية )
الفقرة الاولى: صلاحيات أعضاء الحكومة :
بناء على المادة التاسعة من القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير اشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها [9]، التي حاولت تحديد صلاحيات اعضاء الحكومة بصفة عامة، يمارس هؤلاء اختصاصاتهم في القطاعات الوزارية المكلفين بها، في حدود الصلاحيات المخولة لهم بموجب المراسيم المحددة لتلك الاختصاصات، والمتخذة من طرف رئيس الحكومة بعد تعيين اعضاء الحكومة من قبل الملك، وتحدد ايضا بمقتضاها مهام كل عضو من اعضائها واختصاصاته، والهياكل الادارية التي يتولى السلطة عليها، وذلك طبقا للمادة 4 من نفس القانون، التي عملت على تفعيل الفصل 93 من الدستور[10] ، كما يمارسون صلاحياتهم في حدود النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل[11].
وبهذه الصفة يعتبر اعضاء الحكومة بناء على الفقرة الثانية من المادة 9 مسؤولين عن تنفيذ السياسة الحكومية في القطاعات المكلفين بها في اطار التضامن الحكومي، تحت اشراف رئيس الحكومة، فهذا الاخير مسؤول عن السياسة العمومية.
وفي هذا الاطار ينبغي التذكير بالمكانة الدستورية المتميزة التي يحتلها رئيس الحكومة والتي خولها له دستور 2011، وبذلك ينبغي ان تعكسها صلاحياته التي تعتبر غير قابلة للتنقيص منها.
الى جانب صلاحية المشاركة في اشغال البرلمان بنص المادة 24 من نفس القانون.
والفصل 67 من الدستور نجده سمح للوزراء بحضور جلسات كلا المجلسين واجتماعات لجانهما ، واجاز لهم الاستعانة بمندوبين يعينونهم لهذا الغرض.
ويعتبر الوزير كذلك في قمة الهرم الرئاسي داخل وزارته، وبهذا يعتبر المسؤول المباشر عن تنفيذ السياسة الحكومية بالنسبة للقطاع الذي عين على رأسه[12].
ويمارس الوزير السلطة التنظيمية في حالتين، اما تحت مسؤولية رئيس الحكومة عبر تنفيذ القوانين والتوقيع بالعطف على المقررات التنظيمية لرئيس الحكومة وكذا عن طريق التفويض أو بصفة مستقلة عبر اتخاذ التدابير العامة لتنظيم مصالح وزارته، حيث يتمتع بسلطة تعيين الموظفين التابعين لوزارته مع احترام اختصاص رئيس الحكومة والملك في التعيين، كما للوزير سلطة التنظيم والتسيير والتقرير، والرقابة على جميع الهيئات والمؤسسات والمرافق التابعة له[13] .
وللوزير الصلاحية في أن يعقب على أي قرار يصدر عن مرؤوسيه سواء بالإلغاء او التعديل او السحب او استبدال غيره به او وقف تنفيذه، وذلك لأسباب يقدرها الوزير قد تتعلق بالمشروعية أو الملاءمة[14].
الفقرة الثانية: الوضع القانوني لأعضاء الحكومة:
انطلاقا من الفصل 94 من الدستور الذي ينص على أن اعضاء الحكومة مسؤولون جنائيا أمام محاكم المملكة ، عما يرتكبونه من جنايات وجنح ، أثناء ممارستهم لمهامهم، و الفقرة الاولى من المادة 27 من القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها[15] التي تنص على أنه " تحدد بقانون المسطرة المتعلقة بالمسؤولية الجنائية لأعضاء الحكومة أمام محاكم المملكة، عما يرتكبون من جنايات وجنح، أثناء ممارستهم لمهامهم" وبالتالي فقد احالت الى قانون عادي مسألة تحديد المسطرة التي يمكن بموجبها مساءلة أعضاء الحكومة جنائيا عما يرتكبونه من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم وهذه الاحالة تشكل تفعيل لمقتضيات الفصل 94 من الدستور [16]، الذي اعتبر أعضاء الحكومة مسؤولين جنائيا امام محاكم المملكة، عما يرتكبونه من جنايات وجنح أثناء ممارستهم لمهامهم، وأشار أيضا الى تحديد القانون للمسطرة المتعلقة بهذه المسؤولية[17].
كما ان نفس المادة نصت على تحديد كيفيات التصريح الكتابي بالممتلكات والاصول التي في حيازة أعضاء الحكومة، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمهم لمهامهم، وخلال ممارستها وعند انتهائها. الأمر الذي يبين بأن المادة المذكورة هي مجرد إعادة إنتاج لمقتضى دستوري.
بالإضافة الى ان المادة 28 من نفس القانون احالة على نص تنظيمي لتحديد الاجرة الشهرية والتعويضات والمنافع العينية الممنوحة لأعضاء الحكومة وعدد المستخدمين الذين يوضعون رهن اشارتهم .
و تضمنت المادة 29 مجموعة من القواعد التي تنظم الدواوين المتعلقة بأعضاء الحكومة، الى جانب تحديد المعاشات التي تصرف لأعضاء الحكومة بقانون ، وهو ما احالت اليه المادة 30.
الى جانب هذه المقتضيات الاساسية في تحديد الوضعية القانونية لا عضاء الحكومة، لا يؤهل حسب المادة 31 الاشخاص غير المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية ، وغير الحاصلين على شهادة إبرائية من المصالح الضريبية، وذلك من اجل تلافي تمكين اعضاء الحكومة من استغلال مناصبهم قصد التهرب من أداء الضرائب المفروضة عليهم او على الشركات التي كانوا يتولون تسييرها وامتلاكها[18].
وحددت كل من المواد 32 و 33 و 34 و35 الحالات التي تتنافى مع الوظيفة الحكومية ، وذلك لتفرغ أعضاء الحكومة للقيام بالمهام الموكلة إليهم[19].
يتعين على عضو الحكومة الذي يوجد في احدى حالات التنافي المنصوص عليها ، تسوية وضعيته داخل أجل لا يتعدى ستين (60) يوما من تاريخ تنصيب مجلس النواب للحكومة أو من تاريخ تعيين عضو لحكومة المعني ، حسب الحالة[20].
وطبقا لأحكام الفصلين 47 و87 من الدستور تستمر الحكومة المنتهية مهامها لأي سبب كان، في تصريف الأمور الجارية ، وذلك الى غاية تشكيل حكومة جديدة[21].
المطلب الثاني: مسؤولية أعضاء الحكومة باعتبارهم آمرين بالصرف:
يخضع الامرين بالصرف لمجموعة من المسؤوليات سواء التأديبية او الجنائية او السياسية الا ان هناك استثناءات من هذه المسؤولية لعدة اعتبارات وهذا ما سنتطرق له بشيء من التفصيل.
الفقرة الأولي : المسؤولية التأديبية للآمرين بالصرف :
تم تحديد المسؤولية التأديبية للآمرين بالصرف في مجال تنفيذ الميزانية العامة من خلال مقتضيات القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية، خاصة المادة 51 التي نصت صراحة علي ما يلي " يمارس المجلس مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية، والشؤون المالية بالنسبة لكل مسؤول أو موظف بأحد الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس، كل في حدود الاختصاصات المخولة له، والذي يرتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في المواد 54 و 55 و 56 بعده [22]، وقد نصت المادة 54 من نفس القانون على ما يلي :" مع مراعاة المادة 52 اعلاه ) أي مراعاة استثناء أعضاء الحكومة والبرلمان (يخضع للعقوبات المنصوص عليها في هذا الفصل كل أمر بالصرف أو آمر مساعد بالصرف أو مسؤول وكذا كل موظف أو عون يعمل تحت سلطتهم أو لحسابهم، إذا ارتكبوا أثناء مزاولة مهامهم إحدى المخالفات التالية :
- مخالفة قواعد الالتزام بالنفقات العمومية وتصفيها والأمر بصرفها .
- عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية .
- مخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصية بتدبير شؤون الموظفين والأعوان .
- مخالفة القواعد المتعلقة بإثبات الديون العمومية الذي قد يعهد به إليهم عملا بالنصوص التشريعية الجاري بها العمل.
- مخالفة قواعد تدبير ممتلكات الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس.
- إخفاء المستندات أو الإدلاء إلى المحاكم المالية بأوراق مزورة أو غير صحيحة.
- عدم الوفاء تجاهلا أو خرقا المقتضيات النصوص الضريبية الجاري بها العمل بالواجبات المترتبة عليها قصد تقديم امتياز بصفة غير قانونية لبعض الملزمين بالضريبة.
- حصول الشخص لنفس أو لغيره على منفعة غير مبررة نقدية أو عينية.
- إلحاق ضرر بجهاز عمومي يتحملون داخله مسؤوليات، وذلك بسبب الإخلال الخطير في المراقبة التي هم ملزمون بممارستها أو من خلال الإغفال أو التقصير المتكرر في القيام بمهامه الإشرافية [23]
وتجب الاشارة الى ما رأيناه سابقا بحيث أن اعضاء الحكومة والبرلمان مستثنون من الخضوع لهذه المسؤولية، وبالتالي فإن الوزراء أي الآمرين بالصرف بحكم القانون موضوع طرحنا غير خاضعين لهذه المسؤولية ومتمتعين من خصوصية تمكنهم من الافلات من المساءلة التأديبية.
الفقرة الثانية : المسؤولية الجنائية للآمرين بالصرف:
إن المسؤولية بمفهومها الجنائي هي التزام شخص بتحمل نتائج أفعاله المجرمة، ولكي يعتبر الشخص مسؤولا جنائيا عن أفعاله الجرمية يقتضي أن يكون أهلا لتحمل نتائج هذه الأفعال أي متمتعا بقوة الوعي و الإدراك وسليم الإرادة والتفكير، وأيضا ارتكاب هذا الشخص لخطأ جنائي، أي خرق قاعدة جنائية تتضمن تجريما لفعل وجزاء على فعلها.
وتجدر الإشارة إلى أنه باعتبار الآمر بالصرف موظفا عموميا، فإن مفهوم هذا الأخير أكثر اتساعا في القانون الجنائي، مما يمكن من معاقبة العديد من الأشخاص جنائيا في الحالات التي تقضي بذلك.
ويعتبر كل آمر بالصرف مسؤول بصفة شخصية طبقا للقوانين والانظمة المعمول بها عن :
- التقيد بقواعد الالتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها والامر بصرفها
- التقيد بالنصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية
- التقيد بالنصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين والاعوان
- تحصيل الديون العمومية ...
- .........[24]
غير ان احكام هذه المادة (المادة 4 من القانون رقم 99-61 المتعلق بتحديد مسؤولية الامرين بالصرف والمحاسبين العموميين والمراقبين ) لا تطبق في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية على أعضاء الحكومة وأعضاء البرلمان عندما يمارسون مهامهم بهذه الصفة، ولا يعتبرون موظفين عموميين.
ولا تطبق على أعضاء الحكومة في هذا الجانب سوى المقتضيات المنصوص عليها في المادة 27 من القانون التنظيمي رقم 065.13 السالف الذكر التي تنص على أن أعضاء الحكومة مسؤولون أمام محاكم المملكة، عما يرتكبون من جنايات وجنح، أثناء ممارستهم لمهامهم.
وبالتالي فالوزراء لا يسألون جنائيا عن ما يرتكبونه من مخالفات للأنظمة الجاري بها العمل في ما يتعلق بتنفيذ الميزانية وذلك بمنطوق المادة 4 أعلاه.
وتبعا لذلك فإننا سنحاول تناول المسؤولية الجنائية لباقي للآمرين بالصرف و العقوبات المترتبة عنها.
1- جريمة اختلاس المال العام :
تعرض القانون الجنائي المغربي [25] لجريمة اختلاس المال العام وجرائم أخرى، ففي الفصل 241 منه نص على ما يلي" يعاقب بالسجن من خمس الى عشرين سنة وبغرامة مالية من خمس الاف الى مائة الف درهم كل قاض أو موظف عمومي بدد أو احتجز بدون حق او اخفى أموالا عامة أو خاصة أو سندات تقوم مقامها أو حججا أو عقودا أو منقولات موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها."
واذا كانت الاشياء المبددة او لمختلسة او المحتجزة تقل قيمتها عن مائة الف درهم ، فان الجاني يعاقب بالحبس من سنتين الى خمس سنوات وبغرامة من الفين الى خمسين الف درهم.
2- جريمة الغدر :
حدد القانون الجنائي في فصله 243 جريمة الغدر في الحالات التالية: " كل قاض أو موظف عمومي طلب أو تلقى أو فرض أو امر بتحصيل ما، يعلم أنه غير مستحق أو أنه يتجاوز المستحق، سواء للإدارة العامة أو الأفراد الذين يحصل لحسابهم أو لنفسه خاصة"[26]
ويعاقب بالحبس من سنتين الى خمس سنوات وبغرامة من خمس الاف درهم الى مائة الف درهم . وتضاعف العقوبة اذا كان المبلغ يفوق مائة الف درهم.
وتجدر الإشارة إلى أن جريمة الغدر تختلف عن جريمة الرشوة من حيث أن الموظف المرتكب لجريمة الغدر يفرض ويطلب مبلغا ماليا على أساس أنه واجب مفروض قانونيا، في حين أن جريمة الرشوة تكون بفعل الطرفان وهم يعلمان مسبقا أنها غير مستحقة.
3- جريمة التزوير:
يعتبر العمل الذي قام به الموظف العمومي تزويرا أثناء أدائه لمهامه إذ قام بإحدى الوسائل المحددة في الفصل 352 من القانون الجنائي وهي كالتالي :
• وضع توقيعات مزورة.
• تغيير المحرر أو الكتابة أو التوقيع.
• وضع أشخاص موهومين أو استبدال أشخاص بآخرين.
• كتابة إضافية أو مقحمة في السجلات أو المحررات العمومية، بعد تمام تحريرها أو اختتامها.
وقد حدد الفصل 353 من نفس القانون مدة العقوبة كما يلي: " يعاقب بالسجن المؤبد كل واحد من رجال القضاء أو الموظفين العموميين أو الموثقين أو العدول، ارتكب بسوء نية أثناء تحريره ورقة متعلقة بوظيفته".
أما الفصل 354 فقد حدد مدة السجن من عشر إلى عشرين سنة في حالة ارتكاب تزوير في محرر رسمي أو عمومي.
ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات في حالة أداء تصريحات يعلم أنها مخالفة للحقيقة أمام المحكمة وذلك طبقا للفصل 355 من نفس القانون.
4- جريمة الرشوة :
الرشوة بمعناها العام هي اتفاق بين شخصين يعرض أحدهما على الآخر عملا أو فائدة ما ، لأداء عمل أو الامتناع عن القيام بعمل يدخل في وظيفة أو مأمورية.
وهي حسب الفصل 248 من القانون الجنائي، " من طلب أو قبل عرضا أو وعد أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من اجل :
1- القيام بعمل من أعمال وظيفته قاضيا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو الامتناع عن هذا العمل سواء كان مشروعا أو غير مشروع ...
2- إصدار قرار أو إيذاء رأي لمصلحة شخص أو ضده، وذلك بصفته حكما أو خبيرا عينته السلطة الإدارية أو القضائية أو اختاره الأطراف.
3- الانحياز لصالح احد الأطراف أو ضده، وذلك بصفته احد رجال القضاء أو المحلفين أو أحد أعضاء هيئة المحكمة.
4- إعطاء شهادة كاذبة...
5 - جريمة التواطؤ:
تكون جريمة التواطؤ في حالة حصول اتفاق بين موظفين للقيام بأعمال مخالفة للقانون قصد الحصول على أموال بطريقة غير شرعية .
وقد حدد الفصل 233 من القانون الجنائي نوعية عقوبة هذه الجريمة حيث جعل مدة السجن من شهر واحد إلى ستة أشهر وفي حالات أخرى شدد العقاب و ذلك بالسجن من خمس إلى عشر سنوات[27].
الفقرة الثالثة: المسؤولية السياسية للآمرين بالصرف الوزراء :
إذا كان الوزراء لا يتحملون المسؤولية المالية مثل المحاسبين العموميين، فإنهم يتحملون مسؤولية سياسية تبعا للأخطاء الممكن أن يرتكبونها أو تبعا لسوء تسييرهم للمال العام.
ويشكل مجموع الوزراء الجهاز الحكومي، وهو جهاز تنفيذي يعمل على تطبيق القانون على المواطنين مع خضوعه لذات القانون الذي يحمل مسؤوليته وفي مقدمته الدستور، فالمسؤولية إذن تعني تحمل الواجبات والقيام بعمل يحدده الدستور والقوانين فإذا لم يقم هذا الجهاز بواجباته يمكن للشعب أن يرفضه، ومن هنا يأتي سحب البرلمان ثقته من الحكومة ومن هنا يأتي أيضا حل البرلمان.
فالمسؤولية السياسة إذن هي السلطة التي تتحملها الحكومة عن جدارة بهدف تحقيق مصلحة الشعب، فكل عمل من طرف الحكومة يتعارض وتحقيق هذه المصلحة أو يتنافى ومقتضيات الدستور يعتبر إخلال بهذه المسؤولية، والمسؤولية السياسية نوعين:
- مسؤولية فردية ويتعلق الأمر هنا بالمسؤولية السياسية لوزير معين أو عدد من الوزراء دون مسؤولية الحكومة ككل، ويحدث هذا في المجالات التي ينفرد الوزير المسؤول باختصاصها والتي لا تتصل بالأمور التي تعد من قبيل السياسة العامة للحكومة، ويتمخض عن هذا النوع من المسؤولية أي الفردية، استقالة الوزير المعني أو الوزراء المعنيين مع بقاء الحكومة قائمة.
- وهناك المسؤولية التضامنية وفي إطارها يعتبر الوزير الأول المسؤول عن سياسة الحكومة، لذلك فإن المسؤولية التضامنية تنصب إما على أحد أعمال السياسة العامة الحكومية، وإما على شخص رئيس الحكومة ، وفي الحالتين إذا تمت المساءلة بسحب الثقة، فإن ذلك يمس الحكومة بأكملها التي تبادر بالاستقالة.
وإذا كان مجال المسؤولية الفردية منحصرا ومحدودا، فإن الأمر يختلف بالنسبة للمسؤولية التضامنية، لأن مجال الأولى يقتصر عما يصدر عن الوزير في إطار وزارته، أما فيما يخص تحديد ما يمكن اعتباره من قبيل السياسة العامة والتي تؤدي إلى المسؤولية التضامنية فيكتنفه الغموض وتحيط به الصعوبة، ولذلك ترك الأمر موكولا لترخيص الحكومة من ناحية وتقدير البرلمان من ناحية أخرى.
[1] - ظهير شريف رقم 1.02.25 صادر في 12 من محرم 1423 (3 أبريل 2002) بتنفيذ القانون رقم 61.99 المتعلق بتحديد مسؤولية الآمرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين ج. ر عدد 4999 بتاريخ (29 أبريل 2002)، ص: 1168.
[2] - ظهير شريف رقم 1.02.124 صادر في فاتح ربيع الأول 1423 (13 يونيو 2002) بتنفيذ القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، ج. ر عدد 5030 (15 غشت 2002)، ص: 2294.
[4] -الفقرة الثانية من المادة الاولى، 61.99 المتعلق بتحديد مسؤولية الامرين بالصرف والمراقبين والمحاسبين العموميين.
أشار اليه، إبراهيم عقاش ، الطبيعة القانونية لمسؤولية الآمرين بالصرف، مجلة مسالك، عدد 7-2007، ص: 67-74.
[6] - الفصل 64 من المرسوم الملكي رقم 330.66 الصادر بتاريخ 10 محرم 1387 (21 ابريل 1967) بسن نظام عام للمحاسبة العمومية، ج.ر عدد2843 بتاريخ 26 ابريل 1967، ص:810.
[7]- عيسى عيسى ، المراقبة الإدارية على تنفيذ الميزانية العامة بالمغرب، رسالة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، عين الشق، الدار البيضاء، السنة الجامعية 2004-2005، ص: 156.
[8]- الفقرة 3 من المادة 66 من القانون رقم 62.99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية، المرجع السابق.
[9] - ظهير شريف رقم1.15.33 صادر بتاريخ 28 جمادى الاولى 1436(19 مارس2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لاعضائها، ج.ر عدد 6348 بتاريخ 12 جمادى الثانية 1436 (2 ابريل 2015) ص: 3515.
[10] - ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر بتاريخ 27 شعبان 1432 (29 يوليوز 2011) بتنفيذ نص الدستور، ج. ر عدد 5964 مكرر، بتاريخ 30 يوليوز 2011، ص:3600.
[15] - ظهير شريف رقم1.15.33 صادر بتاريخ 28 جمادى الاولى 1436(19 مارس2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، ج.ر عدد 6348 بتاريخ 12 جمادى الثانية 1436 (2 ابريل 2015) ص: 3515
[17] - المقصود هنا مجموعة القانون الجنائي الفصول من 241 الى 262 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.59.413 بتاريخ 28 جمادى الثانية 1382(26 نونبر 1962)الجريدة الرسمية عدد 2640 مكرر، بتاريخ 12 محرم 1383 (5يونيو 1963) ص:1253.
[18] - تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حول مشروع القانون التنظيمي رقم 065.13،دورة أكتوبر 2014،السنة التشريعية الرابعة،2012.2015، الولاية التشريعية التاسعة 2011-2016، ص:66.
[24] - المادة 4 من القانون رقم 99-61 المتعلق بتحديد مسؤولية الامرين بالصرف والمحاسبين العموميين والمراقبين.
[25]أنظر الظهير الشريف رقم - 1.59.413 بشأن المصادقة على مجموعة القانون الجنائي منشور بالجريدة الرسمية .عدد 2640 مكرر ، بتاريخ 5 يونيو 1963 ، ص: 1253.
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق