التزامات الناقل البحري بعد تمام الرحلة البحرية وفقا لعقد النقل البحري للبضائع
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
التزامات الناقل
البحري بعد تمام الرحلة البحرية
وفقا لعقد النقل
البحري للبضائع
أ/ أعراب كميلة
أستاذة مؤقتة بجامعة
مولود معمري، تيزي وزو، الجزائر.
وباحثة دكتوراه كلية
الحقوق بوخالفة، تيزي وزو.
مقدمة:
يعتبر النقل البحري للبضائع من
أهم صور الاستغلال التجاري للبيئة البحرية، ويعد نقل البضائع بصفة عامة عصب حركة
تداول الثروات، فيعد نقل البضائع بحرا من أحد أنواع النقل وأهمها لكونه يؤدي وظيفة
اقتصادية حيوية سواء على المستوى الوطني للدول أو على المستوى الدولي، كما أنه
يسهل عملية تبادل السلع بين بقاع العالم وتدعيم حركة التجارة الدولية وضمان
استمراريتها وازدهارها، حيث يعتبر النقل البحري الأداة الأساسية في تنفيذ عقود
البيع الدولية بالنظر لما تتمتع به السفينة التي هي أداة النقل البحري ووسيلته
المثلى.
ترتبط عملية النقل البحري
للبضائع نظرا لما لها من أهمية باعتبارها وسيلة مادية بتصرف قانوني المتمثل في عقد
النقل البحري للبضائع، الذي يلتزم الناقل بنقل البضائع بحرا (إذ لديه عدة التزامات
وهي التزامات قبل بدء الرحلة البحرية، والتزامات أثناء الرحلة البحرية والتزامات
بعد الرحلة البحرية) لفائدة شخص آخر المتمثل في الشاحن من ميناء لآخر لقاء أجر
معين.
لذا نتساءل: فيما تتمثل التزامات الناقل البحري بعد تمام الرحلة
البحرية وفقا لعقد النقل البحري للبضائع في كل من القانون الجزائري والاتفاقيات
الدولية؟
تمثل التزامات الناقل البحري
للبضائع بعد تمام الرحلة البحرية آخر الالتزامات الناشئة عن عقد النقل البحري
للبضائع، فيقوم الناقل البحري في هذه المرحلة بعملية تفريغ البضائع (أولا)،
ثم تسليمها لصاحب الحق فيها (ثانيا).
أولا: تفريغ البضائع:
يلتزم الناقل البحري بعد وصول البضائع إلى ميناء التفريغ
بتفريغ البضائع، لذا نقوم بدراسة هذا الالتزام في كل من القانون البحري الجزائري
والاتفاقيات الدولية.
1- التزام الناقل
البحري بتفريغ البضائع في القانون البحري الجزائري
يلتزم الناقل البحري بعد وصول السفينة إلى ميناء التفريغ
بتفريغ البضائع، ويقصد بها تلك العملية المادية التي تتضمن إنزال البضائع من
السفينة ووضعها على رصيف الميناء أو على الصنادل التي تحملها إلى رصيف الميناء متى
كانت السفينة تقف بعيدا عن الرصيف[1].
لم يعرف التقنين البحري الجزائري عملية تفريغ البضائع،
إلا أنه نص في المادة 780 منه على ما يلي:
» بعد وصول السفينة إلى مكان الوصول المتفق عليه يبدأ الناقل بعمليات فك
وإنزال البضائع بنفس العناية حسب ما جاء في نص المادة 607 أعلاه، المتعلقة بتحميل
البضائع
ومع مراعاة أعراف ميناء التفريغ«[2].
يفهم من هذا النص أن بعد وصول السفينة إلى ميناء
التفريغ يبدأ الناقل بعملية فك وإنزال
البضاعة بنفس الإجراءات المادية والقانونية التي عرفها في البداية من شحن ورص، في
حين عرف القضاء الفرنسي تفريغ البضائع بأنها ذلك العمل المادي الذي يتمثل في إخراج
البضائع من السفينة ووضعها على رصيف الميناء أو تفريغها في الصنادل التي تقوم
بنقلها إلى رصيف الميناء متى كانت بعيدة عنه[3].
ميز المشرع الجزائري في نص المادة 780 ت.ب.ج بين عمليتين
المتمثلتين في عملية فك البضائع وعملية إنزالها.
عملية فك البضائع:
يقع على عاتق الناقل البحري عند الوصول إلى ميناء
التفريغ الالتزام بعملية فك البضائع وإخراجها من العنابر، وتندرج عملية
فك البضائع ضمن عمليات النقل البحري، ذلك أنه لا يتسنى تفريغ البضائع قبل فكها
وإخراجها من العنابر، وتعتبر هذه العملية التي تحصل في ميناء التفريغ مقابلة
لعملية رص وتستيف البضائع في عنابر السفينة في ميناء الشحن[4].
عملية
إنزال البضائع (عملية تفريغ البضائع):
يقصد
بعملية تفريغ البضائع إنزالها من سياج السفينة إلى الرصيف في ميناء الوصول، أو إلى
الصنادل التي تحملها إلى الرصيف، وتعد عملية التفريغ العملية المقابلة لعملية
الشحن التي تحصل في ميناء القيام، ويتم بذات الأوضاع التي يتم بها الشحن لكن
بطريقة عكسية[5].
تتطلب
عملية تفريغ البضائع من الناقل البحري المحافظة عليها عند القيام بذلك، ومنع
تعرضها لأي تلف أو هلاك وإلا كان مسؤولا أمام الشاحن أو المرسل إليه عن كل ضرر
يصيب البضاعة أثناء هذه العملية[6].
يقع
على عاتق الناقل البحري مهمة تفريغ البضائع، إلا أنه عادة ما يعهد به إلى مقاول
متخصص والمتمثل في مقاول الشحن والتفريغ التي تتعدد خدماته اتجاه الناقل وتمثل
أهمية كبرى، إذ مهما توفرت للناقل من إمكانيات ووسائل للقيام بعمليات التفريغ فإنه
ليس في إمكانه الاستغناء عن خدمات هيئات متخصصة ومستقرة بالموانئ ومتوفرة على كل
الوسائل للتفريغ، إذ كلما قامت بهذه العملية وفرت تفريغا جيدا وفي زمن وجيز[7].
يكون
مقاول الشحن والتفريغ تابعا وتحت مسؤولية الناقل البحري عند قيامه بعملية تفريغ
البضائع، إذ أنه يتولى هذه العملية نيابة عنه، فيكون الناقل البحري مسؤولا عن
الأضرار الحاصلة للبضائع أثناء تولي مقاول الشحن والتفريغ لهذه العملية تجاه
الشاحن أو المرسل إليه، وهذا ما ذهب إليه اجتهاد المحكمة العليا في قرارها رقم
89457 في قضية ت.ن (كات) ضد ش مستوى أسك لايتزلتيد باليابان، حيث اعتبرت فيه
الناقل البحري مسؤول عن عملية التفريغ، وأن قرار إعفائه من المسؤولية يؤدي إلى
الطعن بالنقض، إذ أن إحتكار مؤسسة الميناء لعملية التفريغ لا يعفي الناقل من
المسؤولية اللاحقة بالبضاعة لأن هذه الأخيرة تكون تحت تصرفه أثناء التفريغ[8].
2- التزام الناقل
البحري بتفريغ البضائع في الاتفاقيات الدولية
جعلت اتفاقية بروكسل حول توحيد بعض قواعد سندات الشحن
لسنة 1924 عملية التفريغ من الالتزامات الرئيسية التي تقع على عاتق الناقل البحري،
والتي يجب أن يقوم بها بعناية ودقة، إلا أنه يجب أن يكون معلوما أن الاتفاقية لم
تقصد أن يقوم الناقل بالعملية المادية الفعلية للتفريغ، وإنما للناقل الحرية في أن
يحدد اتفاقا أو بالتنظيم مع سلطات الميناء كافة المسائل المتعلقة باستخدام رافعات
الرصيف، ومن الذي سيتولى فعلا عمليات تفريغ البضائع[9]، إلا أن المسؤولية عن هلاك
البضائع أو تلفها خلال عملية تفريغ البضائع تقع دائما على عاتق الناقل البحري.
يجب الإشارة إلى أنه وفقا لاتفاقية بروكسل حول توحيد بعض
قواعد سندات الشحن لسنة 1924 تنتهي تطبيق أحكام هذه الاتفاقية بانتهاء عملية
التفريغ طبقا لما هو مقرر في المادة الأولى البند ه منها والتي تنظم المرحلة من
الشحن إلى التفريغ في عقد النقل البحري[10].
أما في ظل قواعد هامبورغ لسنة 1978، فقد تتم عملية تفريغ
البضائع تحت مسؤولية الناقل البحري، وهو ما يفهم من نص المواد 4 و5 الفقرة الأولى
والمادة 23 الفقرة الأولى منها، حيث جعلت مسؤولية الناقل البحري عن البضائع تشمل
المدة التي تكون فيها البضائع في عهدة الناقل في ميناء الشحن وأثناء النقل وفي
ميناء التفريغ، كما يسأل عن هلاك البضاعة أو تلفها أو التأخير في تسليمها إذا وقع
الحادث الذي تسبب في الهلاك أو التلف أو التأخير أثناء وجود البضائع في عهدته، إذ
لا يمكنه التنصل من هذه المسؤولية[11].
تكون عملية تفريغ البضائع في ظل
قواعد روتردام لسنة 2009 على عاتق الناقل البحري، وهو ما قضت به المادة 13 الفقرة
الأولى من قواعدها، إلا أنه سمحت في الفقرة الثانية من نفس المادة أن يتفق الناقل
والشاحن على أن يتولى الشاحن أو المرسل إليه عملية
تفريغ البضائع بشرط أن يشار إلى ذلك الاتفاق في
تفاصيل عقد النقل البحري[12].
رغم التزام الناقل البحري أصلا بعمليات تفريغ البضائع
إلا أنه عادة ما تتضمن سندات الشحن شرط يقضي بقيام المرسل إليه بعملية التفريغ
بموجب ما يسمى « شرط التسليم تحت تحت الروافع»، وهذا الشرط يؤدي إلى أن يكون تسليم
البضائع على ظهر السفينة بدلا من أن يكون على الرصيف، ومعنى ذلك أن يكون على
المرسل إليه تفريغ بضاعته وإنزالها من السفينة بعد إخطاره من الناقل البحري بوصوله
لكي يتقدم للقيام بالعملية[13].
عادة ما لا يتقدم المرسل إليه لتفريغ البضائع في الموعد
المحدد لذلك، ولتفادي الناقل هذا الوضع غالبا ما يضيف في سند الشحن إضافة إلى شرط
التسليم تحت الروافع شرطا آخر هو « شرط التفريغ التلقائي»، ومؤداه أنه إذا تأخر
المرسل إليه في استلام البضائع قام الربان
بصفته وكيلا عن الشاحن والمرسل إليه بالتعاقد مع مقاول لتفريغها لحساب المرسل إليه
وتحت مسؤوليته، بحيث تنتهي مسؤولية الربان من وقت تلقي البضائع من طرف المقاول[14]، وبالتالي إعفائه من
المسؤولية عن هلاك أو تلف البضائع.
لا يجوز إعفاء الناقل البحري في ظل اتفاقية بروكسل حول
توحيد بعض قواعد سندات الشحن لسنة 1924 بموجب شرط « التسليم تحت الروافع» و« شرط
التفريغ التلقائي» من المسؤولية، إذ أن القيام بعمليات الشحن والتفريغ من
الالتزامات الرئيسية المفروضة على الناقل ويتحمل مخاطرها، إلا أنه يجوز الاتفاق
على أن تكون نفقات عملية الشحن والتفريغ على عاتق الشاحن أو المرسل إليه[15].
كما تعتبر قواعد هامبورغ « شرط التسليم تحت الروافع» و«
شرط التفريغ التلقائي» باطلا ولاغيا، ذلك أن عملية التفريغ في ظل الاتفاقية تشكل
التزاما على عاتق الناقل لا يجوز نقل عبئه على الغير (المرسل إليه مثلا) لأنها من
النظام العام.
يلتزم الناقل البحري بالإضافة إلى تفريغ البضائع أن يكون
هذا التفريغ في الميعاد المتفق عليه أو المحدد بسند الشحن، أما إذا لم يحدد ميعاد
التفريغ في سند الشحن فيتعين في هذه الحالة أن يكون التفريغ في المدة التي يحددها
العرف، إلا أن المشرع الجزائري لم يحدد مدة لتفريغ البضائع، وإنما يفهم من نص
المادة 781 الفقرة الأولى من ت.ب.ج التي تؤكد على أن يتم التفريغ في مدة معقولة، و
يمكن اعتبارها المدة التي لا تلحق بالناقل أو الشاحن ضررا مع أخذ بعين الاعتبار
طبيعة البضائع وكميتها عند حساب هذه المدة[16].
يمكن القول في الأخير أن عملية تفريغ البضائع تعتبر
واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات، كما يثبت المقدار المفرغ بكل دليل[17].
ثانيا: التزام الناقل البحري بتسليم البضائع
يلتزم الناقل البحري بعد تفريغ
البضائع تسليمها إلى صاحب الحق فيها، فتسليم البضائع هي العملية الأخيرة في تنفيذ
عقد النقل البحري[18]،
وهو ما نص عليـــــــــــه المشــــــــــــــــــــــرع
الجزائري
في المادة 739 الفقرة الأولى من ت.ب.ج[19].
1-تعريف عملية تسليم البضائع
عرف المشرع الجزائري الالتزام بتسليم البضائع في المادة
739 الفقرة الثانية من ت.ب.ج كما يلي:
» التسليم هو تصرف قانوني يلتزم الناقل بموجبه بتسليم البضائع المنقولة إلى
المرسل إليه أو ممثله القانوني مع إبداء قبوله لها ما لم ينص على خلاف ذلك في
وثيقة الشحن«.
تعتبر عملية تسليم البضائع حسب المادة السابقة، على خلاف
عملية التفريغ المادية، عملية قانونية هامة، فبالتسليم ينتهي تنفيذ عقد النقل
البحري، فتنتقل مسؤولية المحافظة على البضائع إلى المرسل إليه[20]، لذلك تتلخص عملية تسليم
البضائع في وضعها فعلا تحت تصرف المرسل إليه أو صاحب الحق في استلامها في ميناء
الوصول[21].
يتكون التسليم القانوني الذي ينتهي به عقد النقل البحري
للبضائع من ثلاث عمليات المتمثلة في:
- وضع البضائع في
حيازة المرسل إليه.
- تحقق المرسل إليه من
البضائع بفحصها والتحقق منها ومقدارها وحالتها ومطابقتها لسند الشحن.
- استلام الناقل سند
الشحن أي استرداده من حامله[22].
عرف الأستاذ روني روديير بدوره عملية تسليم البضائع
لصاحب الحق فيها بأنها تلك العملية القانونية التي بواسطتها ينهي الناقل البحري
التزامه بتسليم البضائع موضوع عقد النقل البحري للبضائع إلى المرسل إليه أو ممثله
القانوني الذي يقبل البضائع[23]، كما عرفه الأستاذ جورج
ريبر بأنه التصرف الأخير في عقد النقل البحري، حيث يضع حدا للالتزام الملقى على
عاتق الناقل والمتمثل في وصول البضائع سليمة إلى ميناء الوصول ووضعها تحت تصرف
المرسل إليه[24].
يفهم من كل هذا أن عملية تسليم البضائع تنقسم إلى فعلين
ضرورين، الأول قانوني والثاني مادي[25]، فالفعل الأول هو اعتبار
التسليم واقعة قانونية تنتهي بها فترة العقد التي تظل قائمة ويظل الناقل خلالها
ضامنا لسلامة البضائع، والفعل المادي للتسليم يتمثل في نقل حيازة البضائع من
الناقل إلى صاحب الحق فيها[26].
2-مكان وميعاد تسليم البضائع
تحدث لحظة تسليم البضائع من طرف الناقل البحري لصاحب
الحق فيها في المكان المتفق عليه، هذا ما جاء في نص المادة 782 ت.ب.ج، كما يفهم من
نفس المادة أن هذا المكان هو مكان وصول السفينة وبالتالي هو ميناء التفريغ أو
الوصول، غير أنه قد يحدث أن لا تصل السفينة إلى الميناء المتفق عليه وبالتالي لا
يتم التسليم ويمكن القول حينها أن الناقل قد أخل بالتزامه بتحقيق نتيجة[27].
قد يقع للناقل البحري حادث فجائي يمنعه من تفريغ البضائع
وبالتالي تسليمها في ميناء الوصول لصاحب الحق فيها، لذلك أجاز المشرع الجزائري
للناقل إنزالها في أقرب ميناء أو إرجاعها إلى ميناء الشحن مع تحمله المصاريف
الناتجة عن ذلك، وهذا بموجب نص المادة 781 ت.ب.ج[28].
بالإضافة إلى تسليم البضائع من طرف الناقل البحري لصاحب
الحق فيها في المكان المتفق عليه، إلا أنه يجب على الناقل البحري تسليمها في
الميعاد المحدد لذلك، فيكتسي ميعاد تسليم البضائع لصاحب الحق فيها أهمية بالغة، إذ
على أساسه يتم تحديد الوقت الذي يجب أن يتقدم فيه المرسل إليه لتسلم البضائع، كما
تقوم على أساسه مسؤوليته عن التأخير، ومن خلاله أيضا يبدأ حساب أجل إبداء التحفظات
من صاحب الحق في البضائع وحساب مواعيد التقادم، أي ميعاد انقضاء الدعاوى الناشئة
عن عقد النقل البحري للبضائع، ويكون ميعاد التسليم في حالتين:
حالة اتفاق الأطراف على ميعاد تسليم البضائع:
يلتزم الناقل البحري في هذه الحالة بتسليم البضائع لصاحب
الحق فيها في الموعد المحدد لذلك طبقا لإرادة الأطراف التي تكون صريحة أو ضمنية،
فقد يكون الاتفاق صريحا إذا ذكر ميعاد التسليم في سند الشحن رغم أنه ليس إلزاميا،
كما قد يكون هذا الاتفاق ضمنيا، وذلك في حالة ما إذا كانت السفينة تعمل على خط
ملاحي منتظم حددت له مواعيد الإبحار والوصول، وبالتالي يحدد ميعاد التسليم باليوم
المقرر لوصول السفينة إلى ميناء التفريغ[29].
حالة عدم اتفاق الأطراف على ميعاد تسليم البضائع:
فإذا لم يتفق الطرفان أي الناقل البحري والشاحن على
ميعاد تسليم البضائع لصاحب الحق فيها وهو الفرض الغالب والذي يتعرض فيه الناقل إلى
إشكاليات في التسليم، لذا تحرص سندات الشحن على أن تكون مواعيد الإبحار والوصول
مواعيد تقريبية لا يترتب على تجاوز الناقل البحري لها أية مسؤولية، غير أن هذا لا
يعني أن الناقل البحري حر في تجاوزها بل أنه يظل ملزم بإنجاز النقل في فترة
معقولة، وأن يسلم البضائع لصاحب الحق فيها في الميعاد المعقول الذي يسلم فيه
الناقل العادي البضائع في الظروف المماثلة[30].
يعتبر الناقل البحري متأخرا في تسليم البضائع لصاحب الحق
فيها إذا لم يسلمها في الميعاد المتفق عليه، وعند عدم الاتفاق على ميعاد معين
فيلتزم الناقل البحري بتسليمها بالميعاد التي يسلمها فيها الناقل العادي في الظروف
المماثلة، فالضابط هنا مادي ، فالعبرة بظروف النقل وليس ظروف الناقل الشخصية[31].
أما عن إخطار المرسل إليه بوصول البضائع إلى ميناء
التفريغ، فالتقنين البحري الجزائري لم ينص على مثل هذا الالتزام، كون الالتزام
بإخطار المرسل إليه لا يمكن أن ينتج أثره إلا في حالة سند الشحن الإسمي غير القابل
للتداول، أما إذا صدر سند الشحن لأمر أو لحامله فلن يتمكن الناقل من إخطار المرسل
إليه، لأنه لا يعلم لمن يوجه إليه هذا الإخطار وبالتالي لا يكون الناقل مدين بهذا
الالتزام[32].
3- تسليم البضائع لصاحب
الحق فيها
يلتزم الناقل البحري بتسليم البضائع عند وصولها إلى
ميناء التفريغ إلى صاحب الحق فيها، وصاحب الحق في تسلم البضائع هو الحامل الشرعي
لسند الشحن أو من ينوب عنه، وهذا ما نصت عليه المادة 782 ت.ب.ج[33]، لذا يجب التمييز بين ما
إذا كان سند الشحن باسم شخص معين أو لأمر أو لحامله.
فإذا كان سند الشحن باسم شخص معين، وجب على الربان في
هذه الحالة تسليم البضائع إلى الشخص الذي ذكر اسمه في السند أو الشخص الذي انتقل
إليه سند الشحن بمقتضى إجراءات حوالة الحق، مما يقتضي وجوب تحقق الربان من شخصية
من يطالب بالبضائع عند الوصول.
وقد يكون سند الشحن إذنيا أي لأمر، ففي هذه الحالة لا
يجوز للربان تسليم البضائع إلا للمظهر إليه الأخير وفقا للتظهير الثابت على ظهر
السند.
أما في الأخير إذا كان السند لحامله، ففي هذه الحالة وجب
على الربان تسليم البضائع لأي شخص يتقدم ومعه سند الشحن عند الوصول[34].
يحصل في بعض الحالات عند تسليم البضائع من طرف الناقل
البحري لصاحب الحق فيها أن يتقدم أكثر من شخص لتسلمها، لذلك فصل المشرع الجزائري
في الأمر بموجب نص المادة 785 ت.ب.ج التي تنص على ما يلي:
« إذا تقدم عدة أشخاص يحملون وثيقة الشحن للمطالبة
بالبضائع، لا يجوز للناقل تسليمها لأي منهم ولكن يجب عليه أن يودع البضاعة على
حساب المرسل إليه القانوني في مكان أمين وأن يخبر بذلك المطالبين بها والشاحن فورا».
يتطلب تسليم البضائع للمرسل إليه إجراءات طويلة يستلزمها
التحقق من البضائع والمناقشة في حالتها مما يرهق المرسل إليه، لذلك قد يعمد هذا
الأخير إلى تعيين وكيل عنه[35] ويعتبر ممثله القانوني في
تسلم البضائع وينوب عنه يدعى « أمين الحمولة»، كما جرت العادة في حالة تعدد المرسل
إليهم أن ينوب عنهم أمين الحمولة في تسلم البضائع من الناقل ويتولى توزيعها عليهم
بعد ذلك[36]، فيعتبر أمين الحمولة بهذه
الحالة النائب القانوني للمرسل إليه في تسلم البضائع.
جرت العادة في الموانئ الجزائرية أن يسلم الناقل البضائع
لمؤسسة الميناء التي تتواجد على مستوى ميناء الجزائر والتي تلعب دور المرسل إليه[37]، إلا أن المحكمة العليا
رفضت ذلك ولم تعتبره تسليما قانونيا للمرسل إليه حيث قضت في قرارها رقم 112383 في
قضية شركة كات ضد أوبديار ألمانيا أنه:
« من المستقر عليه قضاء أن التسليم بالمعنى القانوني يتم
عندما يعرض الناقل أو ممثله البضائع للمرسل إليه، ويحصل قبول من طرفه.
ولما تبين في قضية الحال أن قضاة المجلس أخلطوا بين
التسليم والتفريغ، إذ جاء في قرارهم أن عمليات التفريغ من اختصاص مؤسسة الميناء
متناسين أن ذلك لا يعني الإعفاء الكلي أو الجزئي لمسؤولية الناقل إلى حين تسليم
البضاعة إلى المرسل إليه تسليما قانونيا، فإنهم بذلك خرقوا القانون وعرضوا قضاءهم
للنقض»[38].
يجب على المرسل إليه عند تسلمه البضائع من الناقل البحري
أو من ينوب عنه أن يقدم لهذا الأخير نسخة من وثيقة الشحن، وبالتالي تفقد النسخ الأخرى
قيمتها وهو ما ورد في نص المادة 786 ت.ب.ج[39].
غير أن هناك حالات لا يتقدم فيها المرسل إليه لاستلام
البضائع، لذلك يودع الناقل البحري البضائع في مكان أمين بالمستودع وذلك على نفقة
المرسل إليه ويخبره فورا بذلك إن
كان معروفا، كما يخبر الشاحن بذلك حسب نص المادة
793 ت.ب.ج[40].
أما على المستوى الدولي، فتعتبر قواعد هامبورغ لسنة 1978
وفقا للمادة 4 الفقرة الثانية البند ب منها، أن مسؤولية الناقل البحري تنتهي
بتسليم البضائع للمرسل إليه وفقا للعقد أو القانون أو العرف المتبع، أو بتسليمها
إلى سلطة أو طرف ثالث آخر توجب القوانين واللوائح السارية في ميناء التفريغ تسليم
البضائع له[41].
حسب تقدير الأستاذ كمال حمدي، أن تسليم الناقل البضائع
لصاحب الحق فيها على النحو الذي تورده اتفاقية هامبورغ ينطوي على قدر من الغموض،
إذ يؤدي في بعض الأحوال إلى إبراء الناقل من المسؤولية دون أن يكون ثمة تسليم فعلي
للبضائع للمرسل إليه[42].
جعلت قواعد روتردام مسؤولية الناقل البحري تنتهي عند
تسليم البضائع لصاحب الحق
فيها،
وهذا ما نصت عليه المادة 12 من قواعدها، كما ألزمت المادة 13 من نفس القواعد
الناقل بتسليم البضائع لصاحب الحق فيها على نحو ملائم وبعناية[43].
تجدر الإشارة في الأخير أن تسليم البضائع على النحو
الوارد أعلاه حق للمستفيد من سند الشحن المحدد على النحو المتقدم، دون اعتبار لما
إذا كان مالكا للبضائع أو كانت ملكا لشخص آخر، لأن السند يمثل حيازة البضاعة وليست
ملكيتها، ومن يحوزه تكون له حيازة البضائع ولو كانت ملكياتها لشخص آخر[44].
خاتمة:
يجب على الناقل البحري وفقا لعقد النقل البحري للبضائع
أن يقوم بإيصال البضائع محل هذا العقد من ميناء القيام إلى ميناء الوصول سليمة
وذلك بالقيام بكل التزاماته بما فيها التزاماته بعد تمام الرحلة البحرية والمتمثلة
في تفريغ البضائع وتسليمها لصاحب الحق فيها.
إذ يلتزم الناقل البحري عند تفريغه للبضائع محل عقد
النقل البحري للبضائع بالمحافظة عليها، وتسليمها لصاحب الحق فيها كما تسلمها من
الشاحن في ميناء الشحن أي سليمة وفقا للثابت في سند الشحن، وإلا قامت مسؤوليته في
حالة هلاك أو تلف أو تأخر وصول البضائع إلى ميناء التفريغ.
قائمة المراجع:
أولا: باللغة العربية:
·
الكتب:
1-
أحمد
محمود حسني، النقل الدولي البحري للبضائع طبقا
لمعاهدة بروكسل لسندات الشحن 1924، كما عدلت ببروتوكول بروكسل لسنة 1968 مع
الإشارة إلى القوانين البحرية العربية ومعاهدة هامبورغ 1978، الطبعة الثانية،
منشأة المعارف، الاسكندرية ، 1989.
2-
عادل
علي المقدادي، القانون البحري، السفينة، أشخاص
الملاحة، النقل البحري، البيوع البحرية، الحوادث البحرية، التأمين البحري، الطبعة
الثانية، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1999.
3-
عباس
حلمي، القانون البحري، الطبعة الثانية، ديوان
المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1987.
4-
علي
البارودي، مبادئ القانون البحري، السفينة، ملكيتها
ونظامها القانوني الخاص، أشخاصها، الرحلة البحرية، منشأة المعارف، الإسكندرية،
1985.
5-
علي
جمال الدين عوض، القانون البحري، دار النهضة العربية، القاهرة، 1987.
6-
علي
جمال الدين عوض، النقل البحري للبضائع، معاونو الناقل
البحري، تأجير السفن والنقل البحري، مع شرح ونصوص اتفاقية هامبورغ، دار النهضة
العربية، القاهرة، 1992.
7-
كمال
حمدي، اتفاقية الأمم المتحدة للنقل البحري للبضائع
1978 (قواعد هامبورغ) النافذة في جمهورية مصر العربية اعتبارا من أول نوفمبر 1997،
نطاق تطبيق الاتفاقية وتفسيرها، مسؤولية الناقل، مسؤولية الشاحن، وثائق النقل،
المطالبات والدعاوى، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1998.
8-
كمال
حمدي، القانون البحري، السفينة، أشخاص الملاحة
البحرية، استغلال السفينة (إيجار السفينة، نقل البضائع والأشخاص، القطر، الإرشاد)،
منشأة المعارف، الإسكندرية، 1997.
9-
كمال
حمدي، عقد الشحن والتفريغ في النقل البحري
(الأحكام العامة لعقد الشحن والتفريغ، التعريف بالعقد، أطرافه، الالتزامات الناشئة
عن عقد الشحن والتفريغ، أسباب المسولية، الإعفاء منها، نطاقها، دعوى المسؤولية)،
الطبعة الثانية، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2002.
10-
محمد هاني دويدار، إشكالات تسليم البضائع في ظل قانون التجارة البحرية رقم
8 لسنة 1990، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، 1996.
11-
مصطفى
كمال طه، القانون البحري الجديد، مقدمة، السفينة،
أشخاص الملاحة البحرية، النقل البحري، الحوادث البحرية، التأمين البحري، دار
الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 1995.
12-
مصطفى
كمال طه، مبادئ القانون البحري، منشأة المعارف،
الإسكندرية، 1996.
·
الرسائل والمذكرات الجامعية:
1- أمين خلفي ، المسؤولية
المدنية للناقل البحري للبضائع، دراسة مقارنة بين التشريع الجزائري واتفاقية
هامبورغ 1978، مذكرة ماجستير في القانون، فرع قانون المسؤولية المهنية، كلية
الحقوق جامعة ملود معمري، تيزي وزو، 2009.
2-
حسن
عبد الله العنمى، النظام القانوني لعقد النقل البحري في
القانون اليمني دراسة مقارنة مع الاتفاقيات الدولية، رسالة دكتوراه في القانون،
كلية الحقوق، جامعة النيلين، جمهورية السودان، 2007.
3-
حياة
شتوان، عقد النقل البحري للبضائع، دراسة في إطار اتفاقية بروكسل لسنة 1924
والقانون البحري الجزائري، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في القانون، فرع قانون
الأعمال، كلية الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2006.
4-
خديجة
نبات، امسؤولية الناقل البحري للبضائع في ظل قواعد
روتردام –اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بعقود النقل الدولي للبضائع عن طريق
البحر كليا أو جزئيا- (دراسة مقارنة، فرع ماجستير في القانون، فرع عقود ومسؤولية،
كلية الحقوق جامعة أحمد بوقرة، بومرداس 2013.
5-
رشيد
الواحد،
مسؤولية الناقل البحري للبضائع، دراسة مقارنة، مذكرة لنيل شهادة ماجستير في
القانون، فرع قانون المسؤولية المهنية، كلية الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزي وزو،
2013.
·
المقالات:
1-
حسان
بوعروج، «مسؤولية الناقل البحري»، المجلة القضائية،
عدد خاص، د.و.أ.ت، الجزائر، 1999.
2-
فاطمة
مستري، »مهام
ومسؤوليات عامل الشحن والتفريغ في الموانئ«، المجلة القضائية، عدد خاص،
د.و.أ.ت، الجزائر، 1999.
·
النصوص
القانونية:
أ- الاتفاقيات الدولية:
1-
الاتفاقية
الدولية الخاصة بتوحيد بعض قواعد سندات الشحن ببروكسل لـ 25 أوت 1924.
3-
اتفاقية
الامم المتحدة للنقل البحري للبضائع، الموقعة بهامبورغ في 31 مارس 1978، المسماة
بقواعد هامبورغ.
4-
اتفاقية
الأمم المتحدة المتعلقة بعقود النقل الدولي للبضائع عن طريق البحر كليا أو جزئيا
لسنة 2009، المسماة بقواعد روتردام.
· القرارات القضائية:
1-
قرار
المحكمة العليا (الغرفة التجارية والبحرية)، بتاريخ 02 فيفري 1992، ملف رقم 89457،
نشرة القضاة، عدد 52، مديرية الدراسات القانونية والوثائق، وزارة العدل، 1997.
2-
قرار
المحكمة العليا (الغرفة التجارية والبحرية)، بتاريخ 01 جانفي 1994، ملف رقم
112383، المجلة القضائية ، عدد 3، 1994.
ثانيا:
باللغة الفرنسية:
Ouvrages :
- George RIPERT, Droit
maritime, 2éme édition, tome 2, librairie Arthur
ROUSSEAU, Paris, 1992.
- René RODIERE, Emanuel DU PONTAVICE, Droit
maritime, 12éme édition, Dalloz, Paris, 1997.
2-
تنص المادة 13 من قواعد روتردام لسنة 2009
على ما يلي: » 1-يقوم الناقل أثناء مدة مسؤوليته،
حسبما حددت في المادة 12، ورهنا بأحكام المادة 26، بتسليم البضائع ومناولتها
وتستيفها وحفظها والاعتناء بها وتفريغها وتسليمها على نحو ملائم وبعناية.
2-بصرف النظر عن الفقرة 1 من هذه المادة، ودون
مساس بسائر أحكام الفصل 4 وبالفصول 5 إلى 7، يجوز للناقل والشاحن أن يتفقا على أن يتولى
الشاحن أو الشاحن المستندي أو المرسل إليه تحميل البضائع أو مناولتها أو تستيفها
أو تفريغها، ويشار إلى ذلك الاتفاق في تفاصيل العقد «.
[23]- René
RODIERE, Emanuel DU PONTAVICE, Droit maritime, 12éme édition, Dalloz,
Paris, 1997, p 358.
[24]- George RIPERT, Droit maritime, 2éme édition, tome 2,
librairie Arthur ROUSSEAU, Paris, 1992, p 466.
4- تنص المادة 781 ت.ب.ج على ما
يلي : « إذا وقع حادث فجائي يمنع الناقل من إفراغ البضائع في ميناء الوصول في
مدة معقولة، يمكنه إنزال البضائع في أقرب ميناء أو إرجاع البضائع إلى ميناء
التحميل.
وتكون
مصاريف إرسالها ثانية على عاتق الناقل، إلا في الحالات التي يكون فيها الامتناع عن
إفراغ البضائع في مكان الوصول يكتسي طابع القوة القاهرة».
2-
تنص المادة 4 الفقرة الثانية البند ب من قواعد هامبورغ لسنة 1978 على ما يلي: « لأغراض
الفقرة 1 من هذه المادة، تعتبر البضائع في عهدة الناقل:
ب-
وحتى الوقت الذي يقوم فيه بتسليم البضائع وذلك:
-1بتسليمها
إلى المرسل إليه، أو
2-بوضعها تحت تصرف المرسل إليه وفقا للعقد أو القانون
أو العرف المتبع في التجارة المعنية بميناء التفريغ، وذلك في الحالات التي لا
يتسلم فيها المرسل إليه البضائع من الناقل، أو بتسليمها إلى طرف ثالث آخر توجب
القوانين أو اللوائح السارية في ميناء التفريغ بتسليم البضائع له».
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق