موقف القانون المغربي من تشغيل المركبة بغاز البوتان
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
موقف القانون المغربي من تشغيل
المركبة بغاز البوتان
بقلم الاستاذ:
سعيد بواطاس
انتشرت في السنوات الأخيرة تصرفات أبدع
وابتكر فيها مستغلوا المركبات، حيث اهتدت فئة لا بأس بها وخاصة ممتهنوا النقل
السري وغيرهم من الأشخاص الذين ذاقوا مرارة غلاء أسعار المحروقات إلى الاستعاضة لتشغيل
مركباتهم بغاز البوتان بدل البنزين أو الكازوال الذي صمم المحرك للاشتغال به. وهو
ما يجعلنا نتساءل عن مدى تنظيم مدونة السير على الطرق ومراسيمها التطبيقية لهذا
التصرف خاصة وأن هذه الترسانة القانونية تنعت بذاك الغريب عن واقع الملزمين به
والمستورد من مجتمعات متقدمة عن مجتمعنا المغربي بينها وبيننا أزمنة من السبق في
كل الميادين سواء في ميدان الوعي أو غيره من الميادين ؟ وماهي الآثار القانونية
التي تترتب على هذا الفعل؟
واستنارة للرأي العام إيمانا منا بضرورة نشر
المعرفة القانونية لابد من الإجابة على هذه الإشكالية وسبر أغوار القوانين المشار
إليها وغيرها من القوانين ذات الصلة لإيجاد جواب مقنع لها، وفي سبيل ذلك يتحتم
علينا أولا البحث عن تكييف قانوني لهذا التصرف يكف الأشخاص عن التساؤل حول موقف القانون
منه، ثم تحديد الآثار القانونية التي تنجم عنه كالآتي:
أولا: التكييف القانوني لفعل تشغيل المركبة
بغاز البوتان
لا مراء أن مدونة السير على الطرق ومراسيمها
التطبيقية جاءت لترسيخ القواعد المنظمة للسير مقرنة إياها بجزاءات زجرية مختلفة،
مما يجعلها من زمرة القوانين الجنائية التي تخضع في تطبيقها إلى مبادئ أساسية
بديهية معلومة لدى كل من وطئت قدماه مدرجات كلية الحقوق، من قبيل مبدأ الشرعية أو
ما يعرف بمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، الذي يقيدنا في تطبيق أي
مقتضى زجري على أي تصرف إنساني مهما كانت خطورته. وهو المبدأ ذاته الذي لابد من
مراعاته لتطبيق الترسانة القانونية المنظمة للسير على مشغلي مركباتهم بغاز البوتان
.
بالرجوع إلى مدونة السير على الطرق نجدها قد
أفردت للجنح المتعلقة بالمركبة فرعا خاصا في الباب الثاني من القسم الثاني من
الكتاب الثاني المعنون بالعقوبات والمسطرة ونظمتها في المواد من 156 إلى المادة
166 كما نجد مرسوما تطبيقيا خاصا بالمركبات وهو المرسوم رقم 2.10.421 الصادر
بتطبيق أحكام القانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق بشأن المركبات (
مؤرخ في 29 شتنبر 2010، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 5878، وتاريخ 30 شتنبر 2010،
الصفحة 4453 ) وهي المقتضيات القانونية التي نأمل أن تسعفنا في إيجاد تكييف قانوني
لهذا الفعل.
إن القراءة المتأنية للمقتضيات المذكورة تبعث
على إمكانية إضفاء تكييف مقنع على هذا الفعل، خاصة إذا علمنا أنه يمس بالخصائص
التقنية للمركبة باعتباره يحدث تغييرا ملموسا يطال واحدة من الخصائص التي تتضمنها
المذكرة الوصفية للمركبة أو شهادة تسجيلها، ويعتبر من التغييرات التي نصت عليها
المادة 97 من المرسوم أعلاه بقولها: "...تغيير خصائص مصدر الطاقة ونقل الحركة؛
..." والتي توجب المادة 51 من مدونة السير على الطرق إخضاع المركبة التي كانت
محلا لها إلى مصادقة جديدة، يتولى القيام بها المركز الوطني لإجراء الاختبارات
والتصديق، أو مركز المراقبة التقنية المرخص له من قبل وزير التجهيز والنقل.
هذا، ولما كان من اللازم إعادة إخضاع المركبة
التي تم تغيير خصائص تشغيلها باستبدال وقودها الأصلي بغاز البوتان إلى مصادقة
جديدة، فإنه بالرجوع إلى المقتضيات المنظمة للجنح المتعلقة بالمركبة في مدونة
السير على الطرق وخاصة المادة 157 منها، نجدها تفرض جزاء زجريا على كل مالك مركبة
رفض أو أهمل إخضاع مركبته التي أدخل تغييرا على خصائصها التقنية للمصادقة من جديد،
وهو ما يبرر الجزم بأن تشغيل المركبة بغاز البوتان يوقع صاحبها في جريمة معاقب
عليها قانونا، خاصة إذا علمنا أنه من الصعب بل من المستحيل الحصول على شهادة من
المراكز المذكورة تبيح لمالك المركبة استعمال مركبته على حالتها الجديدة.
غير أن التدقيق في المقتضيات القانونية يحتم
علينا التنبيه إلى أن المشرع لم يجرم فعل تغيير الخصائص التقنية للمركبة بتشغيلها
بغاز البوتان كفعل مستقل في حد ذاته، وإنما جرم فعل رفض أو إهمال إخضاع المركبة
للمصادقة بعد هذا التغيير، وهو ما يجعلنا نلاحظ على متابعات بعض النيابات العامة
أنها تكون معيبة بهذا الخصوص حينما تتابع المتهم بجنحة تغيير الخصائص التقنية
للعربة طبقا للمادة 157 من مدونة السير على الطرق، فتقع بذلك في خرق مبدأ لا جريمة
ولا عقوبة إلا بنص، وتدفع بمحكمة الموضوع إلى استعمال ما لها من سلطة إعادة
التكييف بإعادة تكييف الفعل حتى يكون مطابقا لما جرمه النص القانوني المذكور.
وبالتالي تبقى المتابعة الصائبة في نظرنا هي: متابعة
"فلان" من أجل جنحة رفض إخضاع مركبته التي أدخل تغييرا على خصائصها التقنية
للمصادقة من جديد طبقا للمواد 51 و 157 من مدونة السير على الطرق. أو متابعة
"فلان" من أجل جنحة إهمال إخضاع مركبته التي أدخل تغييرا على خصائصها التقنية
للمصادقة من جديد طبقا للمواد 51 و157 من مدونة السير على الطرق. مع ذكر المادتين (51
و 157 من مدونة السير على الطرق) معا باعتبار الأولى أساسا للثانية بتحديدها للفعل
الواجب إتيانه من طرف مالك المركبة، والثانية معاقبة عن رفض أو إهمال فعل ما توجبه
الأولى.
ويجدر التأكيد على أن متابعة النيابة العامة
للمتهم أو إدانته من طرف المحكمة من أجل جنحة رفض أو إهمال إخضاع مركبته التي أدخل
تغييرا على خصائصها التقنية للمصادقة من جديد طبقا للمواد 51 و 157 من مدونة السير
على الطرق، بالرغم من أنه لم يثبت في حقه إلا فعل تغيير الخصائص التقنية لمركبته
بتشغيلها بغاز البوتان، ــ والذي قلنا سلفا أن المشرع لم يجرمه صراحة في حد ذاته
ــ ، لا يفقد المتابعة أو الحكم الصادر بشأنها أساسهما الواقعي بعدم ثبوت رفض
المتهم أو إهماله إخضاع مركبته التي غير من وقودها للمصادقة من جديد، وذلك بعلة أن
عنصري الرفض أو الإهمال مفترضين في المتهم مادام أنه لم يبادر إلى إخضاع مركبته للمصادقة
من جديد بعد تغيير خصائصها التقنية، باعتبارها من الواجبات المفروضة عليه بمقتضى
القانون ( المادة 51 من مدونة السير على الطرق) الذي لا يسوغ لأحد أن يعتذر بجهله
طبقا للفصل 2 من مجموعة القانون الجنائي، وبالتالي فلا مجال للمجادلة بعدم ثبوت
إنذار المتهم من طرف أي جهة مختصة بضرورة إخضاع مركبته للمصادقة من جديد حتى يثبت
الرفض أو الإهمال في حقه من تاريخ هذا الإنذار.
وعليه لا يسعنا إلا القول بأن تشغيل المركبات
بغاز البوتان يعتبر عنصرا من العناصر التكوينية لجريمة جنحية معاقب عليها قانونا،
وفعلا تترتب عليه العديد من الآثار القانونية.
ثانيا: الآثار
القانونية لفعل تشغيل المركبة بغاز البوتان
سلمنا سلفا أن تشغيل المركبة بغاز البوتان
يعد عنصرا من عناصر فعل جرمي معاقب عليه قانونا، فكان من البديهي أن يرتب عليه
المشرع أثارا قانونية معينة، وهي الآثار التي سنحاول التعريج عليها من خلال
تصنيفها إلى أثار زجرية وأخرى مدنية كالأتي:
1- الآثار الزجرية
إن أول الآثار الزجرية التي يصطدم بها مشغل
المركبة بغاز البوتان حتى قبل وصول قضيته إلى القضاء هو إمكانية وضعه تحت الحراسة
النظرية لمدة لا تتجاوز 48 ساعة من طرف ضابط الشرطة القضائية من غير حاجة إلى إدخال
القضاء إلا فيما يتعلق بالإشعار البعدي للنيابة العامة بإجراء الوضع تحت الحراسة
النظرية، اعتبارا لكون الأمر يتعلق بحالة التلبس بجنحة طبقا للمادة 66 من قانون
المسطرة الجنائية.
وعند إحالة المتهم على القضاء ومحاكمته نجد المادة
157 من مدونة السير على الطرق ترتب على من وقع في جريمة رفض أو إهمال إخضاع مركبته
التي غير من خصائصها التقنية ــ كما في حالة تشغيلها بغاز البوتان ــ للمصادقة من
جديد عقوبة ميزت فيها بين ما إذا كان مالك المركبة المخالف شخصا طبيعيا أو كان
شخصا معنويا.
وهكذا، فإذا كان المخالف شخصا طبيعيا كانت
العقوبة في الحالة العادية بغرامة من خمسة ألاف (5.000) درهم إلى ثلاثين ألف (30.000)
درهم، أما في حالة العود التي تتحقق بصدور حكم حائز لقوة الشيء المحكوم به بخصوص
هذه الجنحة وارتكاب المتهم نفس الفعل قبل مضي خمس سنوات من تمام تنفيذ أو تقادم
العقوبة الصادر بها الحكم الأول، فإن العقوبة تكون بغرامة من عشرة ألاف (10.000)
درهم إلى ستين ألف (60.000) درهم، والحبس من ثلاثة (3) أشهر إلى سنة أو بإحدى
هاتين العقوبتين فقط .
أما إذا كان المتهم شخصا معنويا كأن تكون
المركبة في ملكية شركة معينة، فإن العقوبة تكون بغرامة من عشرين ألف (20.000) درهم
إلى خمسين ألف (50.000) درهم عن كل مركبة ثبت أنها كانت محلا لارتكاب الجنحة
المذكورة، وفي حالة العود ترفع الغرامة ليصل حدها الأدنى إلى أربعين ألف (40.000)
درهم حدها الأقصى إلى مائة ألف (100.000) درهم. وذلك دون الإخلال بالعقوبات التي
يمكن الحكم بها على مسيري الشخص المعنوي المخالف.
وسواء كان الشخص المخالف شخصا طبيعيا أو كان شخصا
معنويا فإن للقاضي بما له من سلطة تقديرية في تطبيق العقوبات الإضافية أن يحكم
بمصادرة المركبة التي تم تشغيلها بغاز البوتان لفائدة الدولة.
هذا، وإن المركبة التي تم تغيير خصائصها التقنية
توقف عن السير والجولان من تاريخ العلم بكونها موضوع المخالفة ويتم إيداعها
بالمحجز ولا يسمح بإعادة استخدامها إلا بعد جعلها مطابقة لأحكام مدونة السير على
الطرق والنصوص الصادرة لتطبيقها إما بإخضاعها إلى المصادقة وهو أمر مستبعد، أو
إرجاعها إلى الحالة التي كانت عليها بتطويع محركها ليكون قابلا للاشتغال بالوقود
الذي صمم للاشتغال به.
2- الآثار المدنية
تظهر الآثار المدنية لتشغيل المركبة بغاز
البوتان بحدة أكبر على مستوى تأمين المركبة محل المخالفة، وحسبنا أن نمثل ببعضها
حتى نلفت الانتباه إلى خطورة الإقدام على مثل هذا الفعل.
بداية
فلا أحد يجادل في أن غاز البوتان من أكثر المواد قابلية للانفجار والاشتعال في كل
وقت وحين، مقارنة مع المحروقات الأخرى التي تشتغل بها المحركات، مما يجعل الخطر
الذي يؤمنه المؤمن ــ خطر الحريق خاصة ــ في الوقت الذي كانت فيه المركبة تشتغل
بوقودها الأصلي يتفاقم بفعل المؤمن له الذي يشغل مركبته بغاز البوتان، فيكون بذلك
قد أتى فعلا مغيرا لظروف التأمين بجعله المركبة محل الخطر في وضعية جديدة لو كانت
موجودة وقت إبرام العقد لما تعاقد معه المؤمن أصلا أو لو قام به مقابل قسط أعلى.
وفي ظل هذا الوضع الذي تفاقم فيه الخطر، يصبح
من حق المؤمن أن يشعر المؤمن له الذي غير من ظروف التأمين بفسخ عقد التأمين معه،
بمجرد أن يصل إلى علمه خبر تشغيل المركبة بغير وقودها المعتاد، مادام صاحب المركبة
لم يصرح مسبقا للمؤمن بأنه يعتزم تشغيل مركبته بغاز البوتان كما تفرض ذلك عليه
المادة 24 من مدونة التأمينات (القانون رقم 17.99 وتاريخ 03 أكتوبر 2002) حتى
يتسنى للمؤمن ممارسة حقه في الخيار بين فسخ العقد أو اقتراح نسبة جديدة للقسط.
وبالرغم من أهمية وخطورة هذا الأثر القانوني
على علاقة صاحب المركبة والمؤمن، فإن الأثر القانوني الذي يبقى في نظرنا أكثر
خطورة هو بطلان عقد التأمين الذي ترتبه المادة 30 من مدونة التأمينات والذي ينطبق
على حالة التعاقد مع المؤمن بشأن عربة تم تغيير خصائصها التقنية بتشغيلها بغاز
البوتان قبل إبرام عقد التأمين دون إطلاعه على ذلك، حيث يصبح المؤمن له حينها في حكم
طالب التأمين الذي يكتم على المؤمن ظرفا من شأنه أن يغير في نظر المؤمن موضوع
الخطر أو يزيد من أهميته، فيكون صاحب المركبة حال وقوع الحادث محل التأمين ملزما
بتحمل التعويضات التي كان من المفروض أن تؤدى له لو صرح بحالة مركبته بدقة، أو على
الأقل سيتحمل قسط منها بتخفيضها تناسبيا بين نسبة الأقساط المؤداة ونسبة الأقساط
التي كان من المفروض أن تؤدى لو صرح بالأخطار كاملة في حالة عدم ثبوت سوء نيته في
إغفال التصريح بأن المركبة يتم تشغيلها بغاز البوتان طبقا للمادة 31 من مدونة
التأمينات، وإن كنا نميل إلى القول بأن سوء نية صاحب المركبة في هذه الحالة مفترض
مادامت الوثائق التي يدلي بها للمؤمن تثبت نوع وقود المركبة المراد تأمينها، علاوة
على أن هذا الأخير يكون معلوما عند الكافة، فيكون بالتالي من المفروض التصريح بكل
تغيير بشأنه، وأي تقصير في ذلك ينم عن سوء نية المؤمن له، ويجب أن يعامل بالتالي
بنقيض قصده بحرمانه من كل تعويض.
خاتمة:
نافلة القول أن هذه السطور كانت محاولة
للتوعية بعدم قانونية تشغيل المركبات بغاز البوتان، وبأهم الآثار التي القانونية
السلبية التي تنجم عن مثل هذا الفعل الذي يبدو بسيطا في ظاهره لكنه خطير في جوهره،
سواء على الشخص الذي يقع به في فعل مجرم قانونا، أو على المجتمع بالمس أولا
بالاقتصاد الوطني الذي تفوت عليه مداخيل مهمة، وبالبيئة ثانيا لما قد تفرزه هذه
المركبات من غازات سامة أكثر خطورة من ما تفرزه المركبات الأخرى التي تشتغل
بوقودها الأصلي.
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق