النظام العالمي الجديد للإرهاب الدولي و سماته
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
النظام العالمي
الجديد للإرهاب الدولي و سماته
-
من إعداد: عبد الوهاب اهرموش
باحث
في القانون العام
خريج
كلية الحقوق بطنجة
مقدمة:
يشكل النظام العالمي الجديد للإرهاب الدولي، تحديات و
إشكالات كبرى أمام المجتمع الدولي برمته، بالنظر للتداعيات الأمنية و السياسية و الإقتصادية
التي يفرزها، فالعمليات التي طالت عددا من البلدان على إمتداد مناطق مختلفة من
العالم خلال العقود الثلاث الأخيرة و ما ترتب عن ذلك من مجازر دموية استهدفت
المدنيين في المنطقة العربية، و يمكن أن تتجاوز أحيانا مخاطر الحروب النظامية،
بالنظر لجسامتها و فجائيتها و إستهدافها لمنشآت إستراتيجية ومصالح حيوية و
لخسائرها البشرية الفادحة[1]...
فبعدما
كانت العمليات " الإرهابية" تتم وقف أساليب تقليدية وتخلف ضحايا وخسائر
محدودة في الفئات و المنشآت المستهدفة، أصبح النظام الدولي الجديد يستغل كل شأنه أن
يساعده في تنفيذ عملياته، وقد تأكد هذا الأمر مع أحداث 11 شتنبر 2011 و ما خلفه
ذلك من ضحايا و خسائر إقتصادية و مالية فادحة، نتج عنها غزو العراق و أفغانستان،
لتتباين الرؤى و المواقف إزاء هذه الظاهرة تبعا للخلفيات الإيديولوجية و الثقافية و
السياسية و الدينية، والأهم من ذلك الاقتصاد الدولي الجديد؟
ومن
ثم فإن الطابع الدولي الجديد لهذه العمليات تكتسبه من المرافق أو المصالح الدولية
المستهدفة بالعمل " الإرهابي" أو من تعدد الفضاءات التي يرتكب فيها
العمل، أو من تعدد و إختلاف جنسيات الضحايا المستهدفين بالعمل أو الضالعين فيه.
ومنه
فإن مصطلح الإرهاب الدولي[2]
الجديد يعبر عن حقبة جديدة في العلاقات الدولية لها سماتها و خصائصها المميزة و
التي بشر بها البعض على أنها نهاية التاريخ بينما يراها الأكثرية مجرد مرحلة من
مراحل تطور العلاقات الدولية التي مرت عبر تاريخها بالعديد من الدورات و النظم ستأتي،
وتنتهي كغيرها ليحل محلها نظام دولي جديد و مرحلة لاحقة من مراحل العلاقات بين
الدول في صراع داخلي و إقليمي بين أطراف الدول.
ويقصد
بالنظام العالمي الجديد مجموعة من الوحدات السياسية- سواء على مستوى الدولة أو ما
هو أصغر أو أكبر- لتصل إلى مرحلة الاعتماد المتبادل مما يجعل هذه الوحدات تعمل كأجزاء
متكاملة في نسق معين.
وبالتالي
فإن حجم التفاعلات التي تقوم بها الدول و المنظمات الدولية و العوامل عبر القومية
مثل حركات التحرر، و العوامل عبر القومية مثل الشركات المتعددة الجنسية و غيرها،
تضعنا أمام إشكال رئيسي جوهري: إلى أي حد ساهم النظام العالمي الجديد في الحد
من ظاهرة الإرهاب الدولي؟ وما هي سماته؟
ولذلك
سوف أحاول تسلط الضوء على هذا الموضوع المتواضع من خلال الحديث عن نشأة و تطور
النظام العالمي الجديد للإرهاب الدولي ( أولا)، في حين سنتطرق إلى سمات
النظام العالمي الجديد للإرهاب الدولي ( ثانيا).
- أولا: نشأة و تطور النظام العالمي
الجديد للإرهاب الدولي
ان نشأة و تطور النظام العالمي الجديد له
مقاربة أمنية منذ حكم جورج بوش الابن، أثناء وقوع أحداث 11 شتنير 2001، تبنت
الولايات المتحدة الأمريكية ما أعلن عنه جورج بوش الابن" الحرب العالمية على الإرهاب"
مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تسعى باستمرار إلى تحديد الدول من اجل مجابهة
من يخالف قيمها وحضارتها ولعل مقاربة صدام الحضارات كانت الشرارة الأولى من اجل
تعزيز التجنيد الدولي ضد الدول الإسلامية، و الحركات المتطرفة لا سيما القاعدة ومن
بعدها حركة داعش ( الدولة الإسلامية) ، دون ايلاء أي اهتمام للإرهاب الذي تمارسه
في جميع المجالات، كما ان الكيان الصهيوني مارس الإرهاب منذ سنة 1948 ضد العرب
بصفة عامة والفلسطينين بصفة خاصة، إلا ان الكيل بمكيالين هو السمة الغالية على
تحركات الولايات المتحدة الأمريكية فمثلا اصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2334
بتاريخ 23 دجنبر [3]2016،
والذي دعا إسرائيل إلى الوقف الفوري وعلى نحو كامل لجميع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي
الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية، ولكن بمجرد مجيء الرئيس الأمريكي "
الجديد" ترامب إلى السلطة، زادت إسرائيل عملياتها الاستيطانية ، فتتناقض
المصالح الدولية و اعتماد إسرائيل على نفوذها( اللوبي الصهيوني)في الولايات
المتحدة الأمريكية جعلها تتجاوز الشرعية الدولية[4]،
ويتعلق الأمر بالتصدي للإرهاب بالإرهاب، و اعتماد عالم جديد على فكرة المصالح و
لاشيء يفوق المصالح الحيوية لأمريكا عامة،على حد تعبير تشرشل" ليس هناك عدو
دائم ولا صديق دائم بل هناك مصالح دائمة"، وهذا ما سأحاول التطرق إليه عبر
عدة مراحل أساسية و هي على المنوال التالي:
1-
المرحلة الأولى: 1648-1914:
بدأت هذه المرحلة منذ معاهدة وستفاليا سنة
1648، والتي أنهت الحروب الدينية و أقامت النظام الدولي الحديث المبني على تعدد
الدول القومية و استقلالها، كما اخدت بفكرة توازن القوى كوسيلة لتحقيق السلام وأعطت
أهمية للبعثات الدبلوماسية، وتنتهي هذه المرحلة بنهاية الحرب العالمية الأولى.
وكانت قوة الدولة مرادفة لقوتها العسكرية،
وكانت أوروبا تمثل مركز الثقل في هذا النظام، أما الولايات المتحدة الأمريكية
فكانت على أطراف هذا النظام ولم يكن لها دور فعال نتيجة سياسة العزلة التي
اتبعتها، كانت الفكرة القومية هي الظاهرة الأساسية في النظام الدولي فهي أساس قيام
الدول و أساس الصراع بين المصالح القومية للدول، ولم تكن الظواهر الإيديولوجية الأخرى
قد ظهرت بعد مثل الصراع بين الرأسمالية و الاشتراكية وغيرها[5].
2-
المرحلة الثانية: 1914- 1945:
تبدأ هذه المرحلة من الحرب العالمية الأولى
وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد تميزت هذه المرحلة بزوال أربع إمبراطوريات،
كما اقتحمت أوروبا موجة جديدة من الجمهوريات، وتحول عدد كبير من الدول الأوروبية
لديكتاتوريات وشجع حق تقرير المصير على ظهور قوميات جديدة طالبت بالاستقلال، وظهرت
الولايات الولايات المتحدة كدولة ذات نفوذ.
وظهرت
اليابان وروسيا كدولتي عظميين، ومن اجل ذلك اتسمت هذه المرحلة بالأزمات التي أدت إلى
عدم التفاهم بين الدول ومن ثم نشوب الحرب العالمية الثانية.
3-
المرحلة الثالثة: 1945- 1989:
نشأت هذه المرحلة مع الحرب العالمية الثانية و
امتدت حتى عام 1989، و التي وصفت بأنها مرحلة ( الحرب الباردة)، واتسمت بالثنائية
القطبية حيث شهدت هذه المرحلة صعودا سريعا لقوتين كبيرتين متنافستين هما الاتحاد
السوفياتي و الولايات المتحدة الأمريكية، على " هيروشما ونجازاكي" في
شهر أغسطس عام 1945م إيذانا ببدء عصر تكون لأمريكا فيه اليد الأطول، سواء كان ذلك
على الصعيد العسكري أم السياسي أم الاقتصادي، إذ تم تدعيم الموقف العسكري بموقف
سياسي من خلال مبدأ ترومان المعلن في مارس عام 1947م، و اقتصاديا للبرنامج (
مارشال) للمساعدات المعلن في يونيو 1947م، و الذي ساعد في تدعيم الاقتصاد الأمريكي.
وخلال هذه المرحلة ظهرت الإيديولوجية[6] كإحدى
أهم الظواهر في المجتمع الدولي و اخذ الانقسام داخل النظام الدولي يأخذ طابع
الصراع الايديولوجي بين المعسكر الغربي الرأسمالي، وتبع ذلك ظهور عدد من الظواهر
مثل الحرب الباردة و التعايش السلمي و الوفاق الدولي وغيرها.
4-
المرحلة الرابعة: 1989- 2018:
تبدأ هذه المرحلة من نهاية الثمانينات و بداية
التسعينات، من القرن الماضي بانهيار الاتحاد السوفياتي وحتى المرحلة الآنية، ويطلق
عليها النظام العالمي الجديد و أخيرا العولمة، وتعود بدايات شيوع هذا المفهوم، حيث
ظهر لأول مرة عند إعلان الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب من على منصة قاعة
اجتماع الهيئة التشريعية لمجلس النواب الأمريكي في 17 يناير 1991 بداية ولم يستخدم نظام مثلا، ordre النظام العالمي الجديد و يلاحظ استخدام كلمة
وذلك لان في الكلمة الأولى نوع من القسر والتوجيه
و الأمر ما ليس في غيره. وفي أعقاب العمليات الإرهابية التي شهدتها باريس و
بروكسيل( 2015/2016)، و التي خلفت عددا كبيرا من القتلى و الجرحى، قامت السلطات
البلجيكية بتعزيز الإجراءات الأمنية على منشأتها النووية،حيث انتشرت قوات من الجيش
حولها[7].
و
بالموازاة مع استعداد الولايات المتحدة الأمريكية و كوريا الجنوبية للقيام
بمناورات عسكرية بحرية.. اصدر مجلس الأمن قراره رقم 2371 بموجب الفصل السابع من
الميثاق الاممي، بموافقة الدول الكبرى بما فيها الصين وروسيا، أعرب فيه عن بالغ
قلقه إزاء التجربتين النوويتين اللتين أجرتهما كوريا الشمالية بتاريخ 03 و 28
تموز/يوليو2017، كما دان هذا السلوك الذي اعتبره شكلا من إشكال تهديد السلم و الأمن
الدوليين، مبديا قلقه أيضا إزاء الصعوبات و الاكراهات التي يعانيها الساكنة داخل
هذا البلد جراء سعي النظام القائم إلى توظيف الإمكانات المالية و الاقتصادية
المتاحة في سبيل التسلح النووي على حساب متطلبات التنمية و الحاجات المتزايدة
للمواطنين.
- ثانيا: سمات النظام العالمي الجديد للإرهاب الدولي:
ان
السمة الأساسية هي هيمنة النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية
من الناحية السياسية و العسكرية والثقافية والاقتصادية، و انفرادها بقيادة العالم
و التصرف بصورة فردية دون حاجة للحلفاء بدلا القطبية الثنائية السابقة.
فأمريكا
قامت بدور المنظم للمجتمع الدولي، وراود
الكثيرين في العالم الأمل بانتهاء الحرب و الاتجاه بخطوات ثابتة نحو السلام
العالمي، ومنذ أحداث 11 سبتمبر ظهرت نوعية جديدة من الاستقطاب وحلت ثنائية جديدة
تتمثل في مواجهة بين الولايات المتحدة وقوى الإرهاب ودول وصفتها أمريكا بالدول
المارقة و التي تشكل ملاذا للإرهاب[8].
ومنه
فان سمات النظام العالمي الجديد للإرهاب الدولي تتمثل فيما يلي:
1-
الإرهاب النووي و سيادة مبدأ توازن الرعب النووي
ان تفكك الاتحاد السوفياتي في بداية
التسعينات من القرن الماضي، ودخول عدد من دويلاته السابقة في صراعات سياسية و أزمات
اقتصادية و اجتماعية، سادت مخاوف جدية من إمكانية سقوط جزء من أسلحة الدمار الشامل
التي كان يمتلكها الاتحاد المنهار في أيدي شبكات التهريب و الجماعات الإرهابية[9].
ومع
أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية، عندما تم
تحويل طائرات مدنية في الجو إلى ما يشبه صواريخ موجهة نحو أهداف إستراتيجية، لم
تستطع اقوي الجيوش و المخابرات الدولية الحيلولة دون وقوعها، وقد سبق لمجلس الأمن
في قراره 1540 لسنة 2004 ان عبر عن قلة الكبير إزاء التهديدات التي أصبح يطرحها الإرهاب،
وما يتصل بذلك من حيازة جهات غير تابعة للدول لأسلحة نووية و كيماوية و بيولوجية
ووسائل إيصالها، أو استحداث تلك الأسلحة و الوسائل، أو الاتجار بها أو استعمالها[10].
وتشير
الممارسة إلى أن الجماعات الإرهابية نجحت إلى حد بعيد في توظيف التكنولوجيا و
تقنيات الاتصال الحديثة على مستوى الترويج لأفكارها الهدامة و المتطرفة، و التواصل
والتنسيق مع أعضائها في مختلف مناطق العالم، وتنفيذ العمليات بدقة عالية و إلحاق الأذى
الكبير بالأشخاص و المنشآت المستهدفة، بل ان الكثير من التقارير الدولية تشير إلى
استخدام تنظيم " داعيش" الفعلي لأسلحة كيماوية داخل سوريا والعراق.
ويشكل
الإرهاب الدولي تجاوزا لكل الضوابط القانونية و الأخلاقية و الدينية...، فهو سلوك
يعكس تغييبا للعقل، وسعيا من مقترفيه إلى تحقيق الأهداف عبر كل السبل العنيفة و
المقيتة...، ويمكن للإرهاب النووي الصغيرة في استهداف مناطق ومنشآت محددة، وثانيها
يرتبط بالقيام بالعمليات إرهابية تستهدف مفاعلات و منشآت نووية عبر سيارات ملغمة أو
طائرات مشعة على سبيل قتل عدد كبير من الأشخاص[11].
وموضوع
الإرهاب النووي ودوره في مؤامرة النظام العالمي الجديد يعود بقوة على الساحة
الدولية إلى الواجهة الدولية في الفترة الآنية، بعدما تمكنت الجماعات الإرهابية من
تحقيق مجموعة من المكتسبات الميدانية من جهة، و التمدد داخل عدد من الدول المعروفة
بأوضاعها المأزومة كسوريا و العراق و اليمن و ليبيا...، أو في مناطق نائية معروفة
بهشاشتها الأمنية و الاجتماعية ، كما هي الحال بمنطقة الساحل الإفريقي، مما سمح
لها باستقطاب المجندين و تدريبهم ورسم الخطط، بعيدا عن أعين الرقابة الأمنية.
2-
إضمحلال دور القانون الدولي و إزدواجية المعايير
يشكل
اضمحلال القانون الدولي من الناحية العملية استمرارا للنظام القديم من حيث كونه إطارا
لحماية المصلحة و هو نظام يعتمد على القوة من اجل فرض المشروعية والقانون، كما
يعتمد على المشروعية و القانون من اجل ممارسة القوة، خاصة بعد ان مالت كفة التوازن
لفائدة الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر القوة و الذرائعية و المصلحة احد
المحددات الرئيسية لسياساتها الخارجية الدولية[12]،
ومجالات التحرك من قبل العمل من خلال النظام العالمي الجديد على أساس، المنظور
المشترك للأمم، وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، و التضامن لمواجهة
العدو، و الرقابة على الأسلحة، ما هي إلا خدع من اجل بسط الهيمنة على العالم[13].
بإيجاز
شديد، يدل تاريخ العلاقات الدولية على ان هذا المفهوم جاء متناغما مع فترات
تاريخية معينة، و لم يستطع ان يخرج عن نطاق الدعاية الأمريكية للانخراط في نظام
عالمي جديد يخدم مصالح الغرب باستمرار.
ويرى"
ماكس غونال"، ان النظام العالمي الجديد لا يمكن ان يرى النور و ان يكون
مستقرا إلا إذا ارتكز على القيم الأساسية الشمولية التي تقبلها كل المكونات
المختلفة للمجتمع الدولي، فشرعية النظام الدولي هي شرط أساسي من اجل ضمان
استدامته، و لا يمكن اكتساب هذه الشرعية بصورة نهائية، لكن يلاحظ أنها منسجمة مع
المنجزات المادية ( الفعلية) للقيم المرجعية الأساسية.
فالنظام
الدولي لا يكون مقبولا إلا إذا وجدت سياسات دولية و قيم مرجعية أساسية مواكبة له،
ومن أهم القيم الأساسية يذكر" غونال " التضامن ( مناهضة الفقر، و
اللامساواة في توزيع الثروات) و السلم ( مراقبة الاتجار في الأسلحة و تزايد أسلحة
الدمار الشامل، و استخدام آليات الأمن الجماعي و حقوق الإنسان والديمقراطية ( فعلى
الرغم من المحاولات المستدامة للحكومات من اجل تعزيز الدبلوماسية الوقائية و
المصلحة الوطنية، فأولوية حقوق الإنسان تظل ذات طابع أخلاقي)، و حماية البيئة (
فواجب حماية البيئة يستلزم تطوير نماذج جديدة من النمو و التنمية، و مرجعيات جديدة
من التضامن الكوني، و إنشاء مؤسسات دولية تهتم بالتدبير البيئي[14].
وان
تجاهل القانون الدولي العام، أو عن التناقض في تطبيق قواعده في غير منطقة من
العالم، يضعنا أمام عهد جديد يتم بالكونية بالنسبة لحقوق الإنسان، أو حفظ السلام، أو
حماية البيئة الطبيعية من الثلوث و التدبير...، حيث نجد ازدواجية في المعايير و
تجاوزات عديدة في مفهوم حقوق الإنسان، فحصار العراق على مدى سبع سنوات تسبب أضرارا
بالغة في أوساط الشعب العراقي، من وفيات الأطفال إلى التهديد البيولوجي لحياة
الملايين من المدنيين الذين هم ضحايا للنزاعات المسلحة اليوم في المنطقة العربية بذريعة
محاربة الإرهاب الدولي في حد ذاته، وهذا ما يجعلنا نطرح إشكالية الثورة
التكنولوجية الحديثة للتناغم في سياق دولي غير مطروحة باعتبار ان طبيعة العلاقات
الدولية هي علاقات فوضوية في أساسها ( النظرية الواقعية للعلاقات الدولية في
العالم العربي اليوم).
3-
الإرهاب و الثورة التكنولوجية
ساهمت
الثورة التكنولوجية في بلورة نظام عالمي جديد كما تحاول الولايات المتحدة صياغته،
فنهاية الثنائية القطبية التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أدت إلى
بزوغ عالم أحادي القطب، حيث " السلام الأمريكي" هو فحوى النظام و قلبه
النابض، وحيث ستتبلور العلاقات الدولية وفقا للرغبات الأمريكية.
وإذا
كان إسقاط القنابل الذرية على كل من هيروشيما ونكازاكي إيذانا بنهاية الحرب
العالمية الثانية، ومعها النظام متعدد الأقطاب، وبزوغ نظام ثنائي القطب، فقد كانت
حرب الخليج الثانية ضد العراق ايدانا بنهاية الثنائية القطبية وبزوغ نظام دولي
جديد، استخدمت فيه الأمم المتحدة لتدشين هذه الزعامة، وبذلك تكسب الولايات المتحدة
القبول العالمي لزعاماتها، لتحقيق مكاسبها و حماية مصالحها.
وهكذا
بدت الولايات المتحدة تتصرف كدركي للعالم، و أنها المسؤولة عن وضع الترتيبات
" للنظام الدولي الجديد "، وتزكي ذلك رغبتها في فرض قوانينها بالقوة في
كل بقاع العالم، و لتحقيق أهم أهدافها و المتمثلة في[15]:
+ أحكام تواجدها في منطقة الشرق الأوسط، مما سيمكنها من
الهيمنة على أبار البترول للتحكيم بأسعاره، وضمان انسيابه للدول الحليفة لها،
وبذلك تظل الدول المنافسة لها اقتصاديا تحت رحمتها، حتى و ان كانت حليفة لها (
اليابان و ألمانيا على الخصوص وكذلك الصين).
+ اللجوء إلى الأمم المتحدة، و الارتكاز على أحكام
القانون الدولي و مبدأ الأمن الجماعي، لتتمكن من استخدام إجراءات عسكرية تحت راية الأمم
المتحدة في حرب الخليج و الصومال، أو حصار اقتصادي كما في قضيته و في ذلك تأكيد
لمقولة بوش الأب " لا شيء يمكن ان يحل محل السلطة الأخلاقية للولايات المتحدة
الأمريكية...وهذه السلطة لا يمكن ان تكون فعالة بدون قوة"، ثم يضيق:"
نحن مستعدون ان نلجأ للقوة لندافع عن النظام الجديد الذي يرى النور بين دول
العالم"[16].
+ تحقيق عولمة[17]
للنموذج الاقتصادي الليبرالي ، والتأكيد على الدور الكبير للشركات متعددة
الجنسيات، التي أصبحت تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في اتخاذ القرارات الاقتصادية
الكبرى، وتحديد أولويات الاستثمار، فضلا عن تأثيرها في كافة عناصر التنمية
الاقتصادية.
ونتج
عن ذلك عولمة المشكلات و القضايا التي تواجهها الجموع البشرية مثل عامل الفقر و
التخلف و البطالة والتعصب الديني و الثالوث البيئي و الانفجاريات السكانية و غيرها
الكثير، حيث لم تعد تقتصر نتائج هذه المشكلات على دولة محددة أو مجموعة دول، و إنما
تعدى ذلك إلى دول أخرى بعيدة جغرافيا.
فالنظام
السياسي الدولي في مرحلة الثورة المعلوماتية يشكل نظاما غير متجانس، حيث تتجلى
مظاهر غير التجانس في حالة التباين الشديد بين وحدات النظام الدولي من حيث الحجم
والقوة رغم تمتعها نظريا بالسيادة و المساواة أمام القانون.
وهكذا،
فبدل الحديث عن نظام دولي جديد للإرهاب الدولي، يجب الحديث عن " فوضى"
عالمية جديدة، لأنه إذا كان النظام السابق غير عادل خاصة بالنسبة لشعوب أوروبا
الشرقية، التي دفعت حريتها ثمنا للسلام في القارة الأوروبية، فقد تم استبداله حاليا بفوضى عارمة، وبالتالي فإذا
كان النظام السابق قد انقض، فان النظام الجديد لم تتم بعد إقامته.
وان
مفهوم الثورة التكنولوجية أصبح مفهوما ثلاثي الأبعاد، اقتصادي ، سياسي، و عسكري،
في حين ان النظام القديم كان مبنيا على أساس الإيديولوجية و الذرة.
وفي
ظل تزايد تصاعد التوترات و الصراعات في العالم، فما هو الوضع الحالي لدول العالم
الثالث؟
4-
تزايد تصاعد التوترات و الصراعات في العالم الثالث
قد
يبدو استفزازيا التساؤل عن دور لدول العالم الثالث ليس في صياغة و بلورة معالم هذا
النظام، بل على الأقل في دورها داخله[18].
ومنه
فان تزايد التهديدات الإرهابية على الصعيد العالمي للمصالح الغربية والأمريكية
تحديدا، كما تزايدت التحديات البيئية التي تواجه العالم اليوم من حروب أهلية و إقليمية
لأسباب دينية أو عرفية أو اقتصادية مثل باكستان، الصومال، رواندا، بروندي، وحاليا
العراق و أفغانستان و اليمن و سوريا لطبيعية الحكم السلطوي، تم تنامي الهجرة نتيجة
للحروب و الكوارث الطبيعية وتزايد التوتر السياسي في المنطقة العربية[19].
كما
تزايدت حملات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بعد نهاية الحرب الباردة فقد
شنت حملة عسكرية شنيعة على العراق سنة 1991 أعقبها حصار اقتصادي سابق إلى غاية سنة
2003، لتعود الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى احتلال العراق دون موافقة المنتظم
الدولي، حيث أقحمت في سنة 1999 حلف شمال الأطلسي في حملتها العسكرية على
يوغوسلافيا، كما شنت غزوا عسكريا بغطاء أممي على أفغانستان في سنة 2001، وفي
الفترة الحالية يتخوف المجتمع الدولي من تداعيات التهديدات و الضغوط التي تشنها ضد
إيران وكوريا الشمالية و سوريا الآن.
فالتغيير
الجيو-سياسي في العالم ككل لم ولن يكون هدئا، بل سيكون دراميا لعدة اعتبارات،
أهمها، ان لا شيء سوف يحد من هيمنة النظام الجديد من جهة، و ان دول العالم الثالث
لم تستطع تشكيل وزن استراتيجي فاعل و حقيقي للحد من ظاهرة الإرهاب الدولي و
الإرهاب العالمي، الأمر الذي سيجعلها موضوعا في السياسة العالمية و ليس فاعلة
فيها.
خاتمة
وفي خضم الوضع الدولي العالمي الجديد، و
مراكمته التجارب السابقة منذ بداية الحرب على الإرهاب إلى اليوم يتضح للقارئ أن
قضية الإرهاب الدولي ليست إلى لعبة المنتظم الدولي الذي يفرز لنا الاقتصاد العالمي،
و الذي تشهده السياسة الدولية للحفاظ على مكانتها العظمى وكذا استهداف دول أخرى
التي هي أصلا في طريقها إلى النمو بذريعة الدرك الذي يضمن الأمن الرقمي و القومي
في حماية امن وسلامة الاستقرار للمدنين.
ووعيا
بجدية المخاطر التي أصبح يطرحها موضوع الإرهاب في المرحلة الآنية، و التي شهدت
واشنطن انعقاد القمة الرابعة للأمن النووي يومي 31 مارس و 1 ابريل من عام 2016،
خلصت في أشغالها إلى أهمية وضرورة تعزيز التنسيق و التعاون الدوليين في إطار من
الشراكة، للوقاية و المراقبة و الحد من المخاطر المختلفة التي يمكن ان يلحق بالمنشآت
النووية، سواء كانت بشرية أو طبيعية أو تقنية.
ليظل
أمر الإرهاب الدولي مجرد وراقة رابحة للنظام العالمي الجديد لكي يكون " حق
التدخل" جوهر مسؤولية الحماية، واستبدال الحديث عن حق النظام العالمي بالتدخل
ب " مسؤولية " المنتظم الدولي لضمان أم و استقرار الدول و شعوبها، لمنع
انتهاك حقوقهم بدلا من الحديث عن الدول وسيادتها، رغم ان القوة و القدرة هي سيدة
الموقف الدولي ورغم ان الميثاق أعطى للدول الخمس الدائمة العضوية لاتخاذ القرار،
خاصة و ان قرارات مجلس الأمن لا تخضع لرقابة سياسية أو قضائية.
و
بالتالي هذا الأمر يطرح إشكالا من طبيعة أخرى و هو المتمثل في الحصول على إجماع
دولي حول التدخل الدولي أمرا ذو الطبيعة المختلطة تجعل من إمكانيات البحث عن حلول أمرا
شاقا، وبحكم الواقع أصبحت الأطراف الدولية طرفا أساسيا في االارهاب الدولي.
وخلاصة
القول ان المتضرر الأكبر من ذلك هو الطرف المدني الذي يعاني من الانتهاكات من كل
طرف بصيغة الإجماع الدولي " الإرهاب الاقتصادي العالمي"، مثلا اغتيال
جمال خاجقشي كنوع من أنواع الجريمة الدولية التي نحن بدورنا جزء منها.
[1] - إدريس لكريني،" العلاقات
الدولية، مفاهيم أساسية وقضايا معاصرة"، نشر وتوزيع مكتبة المعرفة مراكش،
الطبعة الاولى 2018، ص 123.
[2] - عبد الوهاب اهرموش، "
مسؤولية الدولة للقضاء على الإرهاب"، مجلة منازعات الأعمال، العدد 32 ماي
2018. ص 1.
[3] - انظر القرار رقم 2334 بتاريخ 23
دجنبر 2016 الذي جاء فيه" تصويت 14 دولة لصالح القرار و امتناع الولايات
المتحدة الأمريكية في عهد باراك اوباما)
[6] - فرنسيس فوكوياما،" النظام
السياسي و الانحطاط السياسي، من الثورة الصناعية إلى عولمة الديمقراطية"،
ترجمة معين الإمام و مجاب الإمام، منتدى العلاقات العربية والدولية، الطبعة الأولى
2016 ص 543.
[7] - إدريس لكريني، " العلاقات
الدولية، مفاهيم أساسية و قضايا معاصرة"، مكتبة المعرفة، الطبعة الأولى 2018
ص 121.
[8] - انظر مكتب الأمم المتحدة المعني
بالمخدرات و الجريمة فينا،" دراسة حول تشريعات مكافحة الإرهاب في دول الخليج
العربية و اليمن"، نيويورك 2009 ص 1 و ما بعدها.
[12] - المختار مطيع، " محاولة في
تفسير طبيعة النظام الدولي الجديد و موقع العرب منه"، مجلة الوحدة ، العدد
90( الرباط: المجلس القومي للثقافة العربية مارس 1990)، ص 18.
[15] - محمد نشطاوي، " العلاقات
الدولية، مقترب في دراسة النظريات و الفاعلين وأنماط التفاعل"، الطبعة
الثالثة 1440ه/ 2018 ص 283.
[17] - يستخدم هذا المصطلح للتعبير عن
المراحل المتطورة للاقتصاد في مجال التبادل التجاري، وفي مجال الإنتاج، ونقل السلع
والخدمات و التكنولوجية الحديثة، وغيرها بهدف خلق سوق عالمية واحد تقوم على مبدأ
التحرير الاقتصادي وحرية التجارة ورفع القيود و الحواجز الجمركية.
[19] - حسن خلف موسى،" النظام
العالمي الجديد خصائصه و سماته"، المركز الديمقراطي العربي، 6 يونيو 2015.
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق