مجانية الرسم القضائي في قضايا الطلاق والتطليق بين الغموض في النص والحاجة في دفع المشقة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
مجانية الرسم القضائي في قضايا الطلاق والتطليق بين الغموض في النص والحاجة في دفع المشقة
بوبكر امزياني
باحث في العلوم القانونية
حاصل على ماستر الأسرة في القانون المغربي والقانون المقارن بجامعة ابن زهر
عدل موثق متمرن
مقدمة
يقصد بالرسم في ميدان الأعمال، المقابل الذي يأخذه أعوان الدولة عن المبيعات أو عن الأشياء التي تدخل إلى السوق، قصد عرضها للبيع، وهو ما يصطلح عليه بالمكس (جمع مكوس)[1]، وفي الميدان القضائي هو المقابل الذي يتم تسديده من قبل المتقاضين لفائدة صندوق المحكمة نظير الاستفادة من خدمة المرفق القضائي.
فالمحكمة لا تباشر ولايتها إلا عند تقديم طلب لها لأن الخصومة لا تبدأ أمام المحكمة إلا بالمطالبة القضائية التي يعتبر مفتاحها تقييد الدعوى بمقتضى مقال افتتاحي مؤدى عنه الا ما تم استثناؤه بمقتضى قوانين خاصة، كالقانون رقم 38.07 للسنة المالية 2008 الذي بموجبه تم اعفاء المطلقات والمهجورات من اداء الرسم القضائي .
لكن بالرغم من استثناء هذا الصنف من النساء من اداء الرسم القضائي بمقتضى القانون المشار إليه أعلاه الا انه يبقى المقصود بالمطلقات والمهجورات يكتنفه الغموض لان المشرع لم يفصل جيدا في صنف المطلقات والمهجورات ولم يحدد المقصود بالمطلقات والمهجورات ، هل هن النساء اللواتي هاجرهن ازواجهن بحيث لا يقطن الزوج مع زوجته تحت سقف واحد؟ أم هن النساء اللواتي هاجرهن ازواجهن في فراش الزوجية بحيث يقطن الزوج مع زوجته تحت سقف واحد؟ أم هن النساء اللواتي غاب عنهن ازواجهن لمدة طويلة؟ أم هن النساء اللواتي امسك الازواج عنهن النفقة ؟
الافتقار للأجوبة القانونية لهذه الاسئلة ادى بدوره بالمحاكم الى الاجتهاد في تفسير عبارة المطلقات المهجورات، فنجد بعض الاحكام يتم فيها اعفاء الزوجات اللواتي يتقدمن بطلب التطليق للغيبة فقط دون الطلبات الاخرى، بينما بعض المحاكم تعفي النساء اللواتي يتقدمن بطلبات التطليق لعدم الانفاق دون الطلبات الاخرى.
وللحديث أكثر عن هذا الموضوع ارتأينا أولا تقسيمه إلى مطلبين على الشكل التالي :
المطلب الأول : ماهية الرسم القضائي
الرسم القضائي له أهمية كبيرة في جميع مراحل التقاضي، وفي مختلف القضايا فهو واجب الأداء عن كل إجراء قضائي، أو غير قضائي يتم استيفاؤه لفائدة الخزينة كما هو منظم في هذا الملحق[2]، وعليه فإن كل شخص يقيم دعوى أمام المحاكم، أو يطلب تحرير عقد غير العقود التي يحررها الموثقون، أو القيام بإجراء قضائي، أو بتسليم نسخة أو ترجمة، أو يلجأ بوجه عام إلى كتابة الضبط بإحدى المحاكم من أجل الاستفادة من خدماتها، يجب أن يؤدي رسما يدعى الرسم القضائي[3].
ويتميز الرسم القضائي بما يلي:
v ضرورة الأداء المسبق له
v وعدم قابليته للاسترداد
كما أن فرض الرسم القضائي يكمن من ورائه رد الدعاوى الكيدية، والإسهام ولو رمزيا من قبل الأشخاص في نفقات التقاضي خاصة إذا علمنا أن الرسوم المدفوعة لا تمثل إلا جزءا بسيطا إذا ما قورنت مع ما تتحمل الدولة من نفقات لتسيير وتمويل وزارة كوزارة العدل والحريات[4].
ويختلف الرسم القضائي عن المصاريف القضائية في أن هذه الأخيرة أشمل من الأولى، ويتحملها الطرف الخاسر للدعوى سواء كان من الخواص أم إدارة عمومية،[5] ثم إن الرسوم القضائية تشكل جزء من المصاريف القضائية، وهو ما أكده المجلس الأعلى في أحد قراراته حيث ذهب فيه إلى أنه: ...يقصد بمصاريف الدعوى التي يتحملها من خسرها، مقابل الرسوم القضائية وأتعاب الخبير والترجمان وتقع تصنيفها طبقا للفصل 125 من ق م م ..."[6].
وعلى هذا الأساس، فإن الوصف القانوني الذي تعتمده المحاكم الوطنية عندما لا يتم أداء الرسوم القضائية أو عدم تكملتها هو عدم قبول الدعوى شكلا، وهو الوصف الذي قضت به المحكمة الابتدائية بالناضور بتاريخ 13/06/2004 بخصوص الدعوى المقابلة بالرجوع إلى بيت الزوجية التي تقدم بها الزوج حيث جاء فيه: "... إن هذه الدعوى لم تؤد عنها الرسوم القضائية لذا يتعين التصريح بعدم قبولها شكلا..."[7].
غير أن الرسوم القضائية إن كان الأصل فيها هو الأداء طبقا للفصل الأول[8] من الملحق المنظم للمصاريف القضائية في القضايا المدنية والتجارية والإدارية لدى محاكم الاستئناف وغيرها من محاكم المملكة، فإن الاستثناء هو الإعفاء من أداء هذه الرسوم القضائية في بعض القضايا المتعلقة بالنزاعات الأسرية حسب الفصل الثاني[9] من الملحق المنظم للمصاريف القضائية.
من خلال استقرائنا للفصول الواردة في الملحق المنظم للمصاريف القضائية نجد أن الفصل الثاني منه استثنى مجموعة من القضايا ذات الارتباط بالأسرة من أداء الرسوم القضائية، وهذا راجع إلى الخصوصية التي تتميز بها النزاعات الأسرية إذ لابد من مراعاة ظروف فئة من المواطنين الذين فرضت عليهم الظروف أحيانا اللجوء إلى القضاء، للحصول على حق ضائع، أو دفع ظلم جائر، وإعفاؤهم من أداء الصوائر القضائية يسهل عليهم سرعة ولوج باب القضاء من أجل استيفاء حقوقهم المشروعة .
ومن بين القضايا المعفاة من أداء الرسموم القضائية ذات الارتباط بموضوعنا تلك الواردة في الفقرة (م) من الفصل الثاني من الملحق وهي:
v الطلبات المتعلقة بالنفقة
v الطلبات التي يتقدمن بها النساء المطلقات أو المهجورات.
فلكي تستفيد المطلقة أو المهجورة لابد أن يتوفر فيها شرطان أساسيان:
v أن تكون من النساء المطلقات أو المهجورات.
v أن تكون الدعوى المراد الفصل فيها لها علاقة بقضايا الأحوال الشخصية.
لكن غالبا ما يثير هذا البند إشكالا قانونيا حول المقصود بالنساء المطلقات، هل هن المطلقات طلاقا رجعيا؟ أم المطلقات طلاقا بائنا؟ وهل يشمل ذلك النساء اللواتي يتقدمن لأول مرة بطلب الطلاق أو التطليق؟ أم أن الأمر يقتصر فقط على الطلبات التي يتقدمن بها بعد صدور حكم الطلاق أو التطليق ؟
تم ما المقصود بالنساء المهجورات؟[10] وهل هن اللواتي يتقدمن بالطلبات في إطار المادة 112 من م.أ التي تتحدث عن الإيلاء والهجر؟ أم أن الأمر يمتد إلى باقي الحالات الأخرى كالحالة المنصوص عليها في المادة 102 التي تتحدث عن إمكانية التطليق لعدم الإنفاق، والمادة 104 التي تتحدث عن التطليق للغيبة؟
بل إن جميع الحالات المشار إليها أعلاه لا يمكن أن تكتسب فيها المرأة صفة المهجورة إلا بعد صدور الحكم بالتطليق من قبل المحكمة، وأداء الرسم القضائي من قبل هذا الصنف من النساء، ونفس الشيء ينطبق على حالات الغيبة وعدم الإنفاق[11].
وأمام هذا الغموض الذي لم نجد له تفسيرا لا في الملحق المنظم للمصاريف القضائية، ولا الدوريات الوزارية ذات الصلة، فإن الصنف الأول من النساء صنف النساء المطلقات حسب بنود مدونة الأسرة يمكن أن يتمثل في النساء اللواتي قد رفعن الدعاوى المرتبطة بالحضانة أجرة وسكنا، والدعاوى المتعلقة بتحديد ومراجعة المستحقات المترتبة عن الطلاق، أما الصنف الثاني المتعلق بالنساء المهجورات فيمكن أن يشمل مجال الإعفاء النساء اللوائي غاب عنهن أزواجهن لمدة سنة كأقل تقدير.
أما الحالات الأخرى المتعلقة بعدم الإنفاق فتوجه القضاء فيه هو الازدواجية بين الأداء والإعفاء من الرسوم القضائية، بالرغم من أن الملحق أدخل دعاوى النفقة في تعداد القضايا المشمولة بالإعفاء، إلا أن ذلك لا ينتبه له في بعض الاحكام القضائية كما هو الشأن لحكم صادر عن ابتدائية انزكان الذي جاء فيه: "...بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدمت به المدعية بواسطة نائبها إلى كتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 30/06/2016 والمؤدى عنه الرسوم القضائية والذي تعرض فيه أنها متزوجة بالمدعى عليها غير أنه أهملها وتركها دون الإنفاق عليها مما أحدث بها ضررا بليغا، وأن الإخلال بواجب الإنفاق والمعاشرة هو إخلال بالمقتضيات الواردة في المادة 99 من مدونة الأسرة... لهذا تلتمس الحكم بتطليقها من المدعى عليه لعدم الإنفاق".[12]
وفي حكم آخر للمحكمة نفسها ذهبت فيه إلى إعفاء الزوجة من أداء الرسم القضائي، حيث جاء في حيثياته: "... بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدمت به المدعية بواسطة نائبها لدى كتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 10/03/2015 والمعفى من الرسوم القضائية والذي تعرض فيه أنها متزوجة من المدعى عليه وأنه أمسك عن الإنفاق عليها منذ تاريخ 01/09/2003 وتلتمس الحكم عليه بأدائه لها نفقتها..."[13]
من خلال هذين الحكمين يتضح حجم التضارب الذي خلفه الغموض الذي يكتنف الفصل الثاني من الملحق الذي حدتنا عن النساء المطلقات والمهجورات على مستوى الممارسة القضائية، إذ إن موظفي كتابة الضبط غالبا ما يجدون صعوبة في فهم مقصود هذا المقتضى، لهذا يلجؤون إلى الاجتهاد الشخصي لتفسير غموض هذا النص كل حسب اجتهاده، مما أدى إلى نوع من الازدواجية بين الإعفاء والأداء للرسم القضائي على هذا النوع من القضايا.
وتفاديا لهذه الازدواجية وهذا التضارب، لابد من المشرع المغربي التدخل لفك هذا الغموض وتحديد المقصود بفئة النساء المهجورات بشكل واضح لا لبس فيه، وتوحيد الإجراءات والمساطر المعمول بها أمام مختلف المحاكم في هذا الأمر، دون أن تنفرد جهة للعمل بتطبيق النصوص القانونية حسب تأويلها الخاص به.
أما بالنسبة للأزواج، فإن دعاوى الطلاق أو التطليق التي يتقدمون بها أمام القضاء غير مشمولة بالإعفاء من الرسوم وفق مقتضيات الملحق المنظم لهذه الرسوم، ومن شواهد ذلك ما ورد في حيثيات حكم المحكمة الابتدائية بسطات حيث جاء فيه: ... بناء على الطلب الذي تقدم به المدعي إلى كتابة الضبط بتاريخ 13/11/2006 والمؤدى عنه الرسوم القضائية يلتمس من خلاله تطليقه للشقاق من زوجته...[14].
وفي حكم آخر يشار فيه إلى أن الزوج قد أدى فعلا الرسم القضائي على الطلب الذي رفعه أمام المحكمة الابتدائية بكلميم، حيث جاء في هذا الحكم: ...بناء على طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق المقدم من طرف الزوج إلى كتابة ضبط المحكمة المؤدى عنه الرسم القضائي..."[15].
انطلاقا من القانون المنظم للرسوم القضائية وانطلاقا من ظاهر هذه الاحكام يمكن القول إن توجه محاكم المملكة في قضية فرض أداء الرسم القضائي على الأزواج يتجه نحو عدم إعفائهم من الأداء طبقا لمقتضيات الملحق المنظم للرسوم القضائية، وهذا إن كان يدل على شيء فإنما يدل على مبدإ الملاءة التي هي مفترضة في الأزواج قبل، وبعد تكوين الأسرة.
[1] - محمد أوراغ ، مدونة الأسرة والرسوم القضائية بين الإعفاء وإلزامية الأداء، مقال منشور بمجلة القضاء المدني، عدد7/ 2013، ص 102
[2] - انظر الفصل 1 من الملحق 1 من مدونة التسجيل والتنبر، تحت عنوان: أحكام تطبق على المصاريف القضائية في القضايا المدنية والتجارية والإدارية وعلى الإجراءات القضائية وغير القضائية والعقود التي يحررها الموثقون، الصادر بشأنه الظهير الشريف رقم 1.84.54 في 17 ابريل 1984، بمثابة قانون المالية لسنة 1984، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3730 مكرر بتاريخ 27 ابريل 1984، ص 520، كما غير وتمم بمجموعة من القوانين كان آخرها قانون المالية رقم 38.07 للسنة المالية 2008 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.211، بتاريخ 27 دجنبر 2007، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5591 في 31 دجنبر 2007 ص 4605 .
[3] - انظر الفقرة 1 من الفصل 5 من الملحق المنظم للمصاريف القضائية.
[4] - نورة غزلان شنوي، التنظيم القضائي للمملكة دراسة من صميم الإصلاح الشامل للقضاء المغربي، مطبعة الورود انزكان،طبعة 2013، ص 310 وما يليها.
[5] - جاء في الفصل 124 من قانون المسطرة المدنية:
" يحكم بالمصاريف على كل طرف خسر الدعوى سواء كان من الخواص أو إدارة عمومية
يجوز الحكم بحسب ظروف القضية بتقسيم المصاريف بين الأطراف كلا أو بعض."
[6] - قرار المجلس الأعلى، بتاريخ24/ 02/82، تحت عدد115، ملف عدد 86673، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 30، ص 46 وما يليها.
[7] - حكم المحكمة الابتدائية بالناضور، بتاريخ 13/ 06 2004، رقم 790، الملف الشرعي عدد 662/04، منشور لدى محمد أوراغ ، مدونة الأسرة والرسوم القضائية بين الإعفاء وإلزامية الأداء، مرجع سابق، ص 103 .
[8] - ينص هذا الفصل على أنه :
"تستوفى لفائدة الخزينة عن كل إجراء قضائي مهما كان نوعه و كل إجراء غير قضائي الرسوم المنصوص عليها في هذا الملحق".
[9] - استثناء من الأحكام الواردة في الفصل الأول من الملحق تتمتع بالإعفاء من الرسوم القضائية:
ك) الطلبات المتعلقة بالنفقة
م) جميع الدعاوي المرتبطة بقضايا الأحوال الشخصية التي تقدمها النساء
المطلقات أو المهجورات.
م) جميع الدعاوي المرتبطة بقضايا الأحوال الشخصية التي تقدمها النساء
المطلقات أو المهجورات.
[10] - محمد بفقير، قضايا الأسرة والرسوم القضائية، منشورات دراسات قضائية، الجزء الخامس.ص 50 – 51
[11] - محمد أوراغ، مدونة الأسرة والرسوم القضائية بين الإعفاء وإلزامية الأداء، م. س، ص 108.
[12] - حكم ابتدائية انزكان ملف عدد 856/16 رقم 1269 بتاريخ 14/11/2016، غير منشور.
[13] - حكم ابتدائية انزكان ملف رقم 738/15 عدد 826 بتاريخ 20/06/2016، غير منشور.
[14] - حكم المحكمة الابتدائية بسطات عدد 682/06/40 بتاريخ 22/02/2007، منشور بمجلة قضاء الأسرة العدد الرابع والخامس، فبراير 2009، ص 249 وما يليها.
[15] - حكم المحكمة الابتدائية بكلميم عدد 151 ملف 138/2017 بتاريخ 27/03/2017، غير منشور
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق