حماية الإبداعات الإشهارية في ظل قانون الملكية الفكرية
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
حماية الإبداعات الإشهارية في ظل
قانون الملكية الفكرية
قانون الملكية الفكرية
صالح زمال
أستاذ مساعد ب
كلية
الحقوق والعلوم السياسية
جامعة الشيخ العربي التبسي
مقدمة:
"الأفكار الإشهارية؛ هل يمكن أن تكون محمية بغض النظر
عن الأشكال التي يتم التعبير عنها؟ هذا السؤال الذي يطرح نفسه مرارا وتكرارا كجزء من
النشاط الإبداعي من طرف الوكالات الإشهارية والدعائية، وكذا بمناسبة المنازعات التي
تثور بين المعلنين، خاصة إذا علمنا تعدد أطراف الإبداع الإشهاري[1].
القليل من الفقهاء
المختصين في ميدان
حماية الإبداع الإشهاري
من قدموا تعريف
للإبداع الإشهاري؛ حيث قدم أحد الأساتذة تعريف
للإبداع الإشهاري الذي عرف المصنف المتعلق بميدان
الإشهار "
رسالة تتمتع بخصائص حق المؤلف، وهو مكان التقاء الفن بالتسويق"[2]،
إذ يرتكز هذا الفقيه على المبادئ التقليدية المستاقاة من حقوق المؤلف لتعريف الإبداع،
وعلى أساس هذه المبادئ يستحق الحماية المقررة له كباقي المصنفات الأدبية والفنية.
إلا
أن الاعتماد على
المبادئ التقليدية لحق
المؤلف يقتضي التركيز
على الجانب الشكلي للعمل
الإبداعي، وبالتالي فإن هذا التعريف يصلح كتعريف
للمصنف الإشهاري المحمي
على أساس حق
المؤلف دون أن يعطي اعتبارا لأنماط أخرى
من الحماية، فلا
يمكن بأي حال
من الأحوال أن
يصلح هذا التعريف الإبداعات
الإشهارية على أساس
الملكية الصناعية .
إن إعطاء تعريف
للمصنف المتعلق بميدان
الإشهار يقتضي المرور
أولا على نمط
الحماية، فإن كان هذا المصنف
محمي على أساس
قانون العلامات فإن
المصنف يجب أن
يعرف على أساس الحق الذي
يمنحه هذا القانون
أو ذاك للعلامة
أو الرمز أو النموذج، كما
أن تعريف المصنف
المتعلق بميدان حقوق المؤلف، والمحمي
على أساس حق
المؤلف ينبغي أن
يعرف على أساس
أنه ذلك المصنف
الذي خرج من دائرة الأفكار إلى
عالم المحسوسات بأن
تجسد في شكل
مادي ملموس، ويتميز
بالأصالة لكي يكون
أهلا لاستحقاق الحماية.
بذلك
يمكن أن تكون الإبداعات الإشهارية موضوع حماية قانونية متعددة الجوانب، فهي بذلك تستفيد
من الحماية المقررة بموجب قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة ( المبحث الأول)،
إذا كانت تدخل في مجال الأعمال الفنية، كما قد تكون محمية بموجب قانون الملكية الصناعية
( المبحث الثاني)، إضافة إلى إمكانية تمتعها بحماية
وفق قواعد الأحكام العامة التي تحكم مجال الحقوق والالتزامات أو حتى بعض التشريعات
المتعلقة بمجال التجارة ذات الصلة بالملكية الفكرية (المبحث الثالث)، في
حال لم تستوف الشروط المفروضة عليها في مجال قانون الملكية الفكرية بمختلف فروعه.
المبحث الأول : حماية الإبداع الإشهاري بموجب
قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة
الإبداعات
الإشهارية تستفيد من الحماية المقررة لأي إبداع أو إنتاج فكري آخر في مجال حقوق المؤلف
والحقوق المجاورة، شريطة أن يكون ميلاد هذا الإبداع مقترنا بتوافر شرطي التعبير
الشكلي والأصالة "l'Originalité"، وبتوافر الشرطين يكون لمالك الحق في الإبداع
أن يستعمل حقه في منع أي مؤسسة من إعادة إنتاج أو تمثيل أعماله، ويمكن ذلك إذا ما أثبت
أولوية إبداعه في مواجهة الإبداع المخالف.
المطلب الأول : مبدأ عدم حماية الأفكار
الكثير من التشريعات الوضعية
لا تولي حماية للأفكار الإشهارية؛ إذ أن مجرد الأفكار المجردة في عالم الإبداع الفكري
عموما ليست محلا للحماية أو التملك وهو حماية للمصلحة العامة حتى لا يودي ذلك إلى عرقلة
تطور المجتمع من الناحية العلمية والإبداعية على حد سواء، كما أن القول بغير ذلك يؤدي
على صعوبات عملية في حماية الأفكار، وبالتالي الحماية مقررة لشكل الذي يحتوي الإبداع.
ولقد تبنى المشرع هذا المبدأ
كما تبنته معاهدة المنظمة العلمية للملكية الفكرية بشأن حقوق المؤلف[3]،
الذي نص عليه صراحة وفقا لنص المادة 7 من الأمر 03- 05[4]
والتي جاء فيها " لا تكفل الحماية
للأفكار والمفاهيم والمبادئ والمناهج والأساليب وإجراءات العمل وأنماطه المرتبطة بإبداع
المصنفات الفكرية بحد ذاتها إلا بالكيفية التي تدرج بها أو تهيكل أو ترتب في المصنف
المحمي وفي التعبير الشكلي المستقل عن وصفها أو تفسيرها أو توضيحها".
الفرع الأول : عدم حماية الأفكار والموضوعات وتقنيات العمل الإشهارية
هذا المبدأ البسيط في جوهره
قد يكون أكثر دقة وصعوبة في تطبيقه إذا تعلق الأمر بمجال الإشهار، مجال تكتسي الفكرة
الإشهارية المجردة في
حد ذاتها في
ميدان الإشهار أهمية
معتبرة وبالغة، ذلك أن تصميم إعلان تقتضي تدخل
العديد من العوامل، والفكرة التي تؤسس
الإعلان الإشهاري تبقى مهمة وأساسية، فالفكرة
هي النقطة المحورية
التي تتشكل حولها
مظاهر النشاط الإشهاري بل إن الفكرة الإشهارية يتوقف عليها
جزء كبير من الحملة الإشهارية.
الاجتهاد القضائي في هذه المسألة
كان في غاية الدقة والوضوح برفض كافة الطلبات بحيازة فكرة أو موضوع إشهاري خارج الحماية
المقررة للإبداعات المحددة، وهو ما تناولته القضية الشهيرة في هذا الصدد والتي وضحت
بصورة جلية حدود الحماية المقررة للمواضيع الإشهارية، بين شركات "
Potecter et gamble et Lever [5].
كما
أن المحاكم الفرنسية كانت دائما تشير إلى عدم قابلية الأفكار التي تنتمي على القطاع
العام، وهو ما توضحه أمثلة كتلك المتعقلة باستعمال بعض الشركات لرموز Zodiaque أو Valeur énergique بالنسبة
لبعض مصانع الحلويات[6].
الملاحظ إذا رغم أن الاجتهاد القضائي في مسألة مبدأ عدم
الأفكار الإشهارية شحيح في الجزائر، لكن بالنظر على الاجتهادات القضائية الفرنسية
يتبين أن قانون حق المؤلف يضمن الحماية فقط الإبداعات الإشهارية التي تصاغ في شكل
معين، وتكون بذلك قابلة للتملك وهي الأولى بالحماية شريطة أن تتمتع بالأصالة[7].
الفرع
الثاني: زمن بداية حماية الإبداع الإشهاري
إذا كانت الأفكار الإشهارية على قدر أهميتها في عالم الإشهار
مستبعدة من الحماية المقررة بموجب قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة، فإن المسألة
التي تبدو في غاية الدقة هي الزمن الذي تصبح فيه هذه الأفكار المجسدة ماديا مشمولة
بالحماية.
لقد طرحت مسالة تحديد الزمن الذي تبدأ فيه حماية المصنفات
المذكورة طبقا لنص المادة 04 من الأمر رقم 03-05، إذ تمر هذه الأخيرة في كثير من
أنواع المصنفات بما يسمى بالمسودات Roughs قبل التجسيد المادي النهائي للمصنف، والتي تعرف على أنها"
تخطيط مفصل للعناصر الأساسية التي تعطي الوجه التخطيطي للمصنف"[8].
المتأمل لنص المادة 03 من ذات الأمر يمكن أن يستنتج أن
المسودات حتى وان كانت لا تمثل الشكل النهائي للمصنف إلا أنها قد تدخل في نطاق
الحماية، وهو ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي الفرنسي حيث أقرت محكمة باريس بأحقية
مسودة الإبداع الإشهاري للحماية المقررة
بموجب قانون الملكية الفكرية الفرنسي، بمناسبة الإشهار ذو الطابع التصويري، إضافة
إلى القصة المصورة Story
Board في
مجال الأفلام الإشهارية Les films publicitaires [9].
المطلب الثاني : مبدأ الأصالة
الأصالة هي الشرط الثاني حتى
يمكن إضفاء الحماية على الإبداع الفكري عموما والإيداعات الإشهارية خصوصا، وقد عرفها
أحد الفقهاء بأنها " انطواء الإشهار على شيء من الابتكار حيث يستبين أن واضع
الإعلان قد أضفة عليه جزئا من شخصيته فالابتكار وفقا لهذا هو الأساس الذي تقوم عليه
الأشياء المادية"[10].
في حين قدم الفقيه CHRISTOPHE
BIGOT الخطوط العريضة لملامح
الأصالة بناء على الاجتهادات القضائية في هذه المسألة فأعطى مفهومين أحدهما سلبي يتمثل
في أن يكون المصنف الإشهاري مشكلا من عناصر تافهة ولا ضرورية تذكر بالمتنوج أو الخدمة
التي يشملها الإشهار، هذا يعني أنه فيما يتعلق بالشعارات يجب أن تكون مشكلة من تراكيب
لفظية تعين أو تذكر بأحد مميزات المنتوج ويجب أن تنتج عن إيحاءات مناسبة، أما الإيجابي
فهو إمكانية تقديرها بالجهد الفكري الذي يبرز شكلا أو موضوعا[11].
تثير مسالة الأصالة في الإبداع الإشهاري العديد من
الصعوبات نظرا لغياب المعايير التي تسمح بتقديرها لذا تبقى المسألة واقعة متروكة
لتقدير قاضي الموضوع، وهذا ما تفسره العديد من الأحكام القضائية في الاجتهاد
القضائي الفرنسي والتي جاءت مختلفة ومتباينة[12].
هذه
الصعوبات مرتبطة بغياب مفهوم موضوعي للأصالة خاصة في بعض المصنفات الإشهارية التي
تتسم بالاختصار والإيجاز كما هو الحال بالنسبة للعناوين والشعارات، الأمر الذي لا
يترك مجالا لتقدير البصمة الشخصية لصاحب الإبداع الإشهاري[13].
وقد رفضت محكمة
باريس في حكم
لها مؤرخ في
30 أفريل 1963 الحماية على
أساس حق المؤلف لأنه عبارة
عن مقولة شعبية
متداولة " الزواج ليس يانصيب" وأعطى الحكم
معياران لاعتبار أي
شعار أصيلا ، وهما
عبارة عن معيارين
لتقدير الجهد وهما الاستعارة
الغير المألوفة للفكرة
المعبر عنها والتفنن
في التركيب[14].
وفي قضية
أخرى وضع الاجتهاد
القضائي معيار آخر
يتمثل في العمل
الذهني الذي يبرز
جهدا فكريا حيث
أصدرت محكمة فرساي
في تقدير الأصالة
حكم لها صدر
سنة 1985 م حيث
أكدت أن
الفكرة الإشهارية إذا
كان غير مجسدة
في شكل شعار
مختصر لأن اختصاره
لا يترك مجالا للحماية على
عكس تجسيده، أو
التعبير عنه بتركيب
لفظية الذي هو
نتاج عمل ذهني
يبرز جهدا فكريا.
من خلال هذه
الأمثلة القضائية التي
سيقت من الاجتهاد
القضائي الفرنسي يتبين
بأن عدم
وجود معيار واضح لتقدير الأصالة يودي على نتائج وخيمة باستبعاد الحماية المقررة
بموجب قانون المؤلف عن بعض الامصنفات التي تعد أصيلة وحماية البعض الآخر رغم عدم
أصالته.
المبحث الثاني : الحماية المقررة بموجب قانون
الملكية الصناعية
الإبداع الإشهاري قد يكون من
جهة أخرى موضوع حماية، بموجب القسم الثاني من قانون الملكية الفكرية ألا وهو قانون
الحقوق الصناعية؛ وذلك عملا بأحكام قانون العلامات إذا تعلق الأمر بشعار يجسد الشركة
أو ما تقدمه من منتجات أو خدمات.
كما قد تكون الحماية مقررة بموجب قانون الرسوم
والنماذج الصناعية إذا تلعق الأمر بالرسم الصناعي أو مادة إشهارية حديثة.
المطلب الأول : قانون العلامات
الحماية المقررة بموجب نصوص
قانون العلامات تقتضي بداية إجراءا شكليا ألا وهو الإيداع، والذي يتم على مستوى المعهد
الوطني الجزائري للملكية الصناعية وهو ما نصت عليه المادة 5 من الأمر 03-06 "
يكتسب الحق في العلامة بتسجيلها لدى المصلحة المختصة "، وحتى يمكن تسجيل
العلامة وجب أن تكون العلامة متوفرة ومميزة، هذا الشرط يفترض أن لا تكون العلامة عامة
أو ضرورية أو وصفية طبقا لأحكام المادة 07 من الأمر 03-06.
المسألة المطروحة دائما هي إمكانية
حماية الشعارات les slogans
بموجب أحكام قانون العلامات، ذلك أنه في حالات قد يكون الشعار مكون
من كلمات وصفية أو حتى ضرورية لبيان المنتج، لذا يميز الفقه بين نوعين من الشعارات.
الفرع الأول: الشعارات التي تتألف من مصطلحات
أصلية
نجده هذا النمط في الغالب في
علامات السلع مرفوقة بألفاظ وصفية المطابقة في اغلب الأاحيان لعلامة المنتوج أو
الخدمة، في هذه الحالة القضاء يقر بصحة العلامة إلا انه لا يحمي سوى المصطلحات
الأصيلة، ومثال ذلك القضايا التي تعلقت بالشعار Tiouy, la cullote qui se jette"" والتي
لم تعتبر كتقليد لـ Peaudouce, la cullote qui se jette" "[15].
الفرع
الثاني : الشعار المؤلف من مصطلحات اللغة الشائعة
les slogans composés de termes du langage courant
في غالب الأحيان تكون مثل
هذه الشعارات وصفية، ولا تكون موضوع حماية إلا إذا كانت الكلمات المكونة له تكون
عبارة أصلية، وهو ما يجعل الحماية لمثل هذه الأخيرة ضعيفة، وبالتالي قد تستعمل ذات
المصطلحات من قبل المنافس دون أن يكون في وضعية غير قانونية، وهو ما يوضحه المثال
التالي " Sans parfum, la peau est muette" لا يعتبر تقيدا لشعار " Sans
radio, la vie serait muette" [16].
المطلب الثاني : قانون النماذج والرسوم
طبقا لنص المادة الثانية من
أمر رقم 66-86[17]
يكون لكل صاحب رسم أو نموذج الحق في استغلال
رسمه أو نموذجه وذلك ضمن الشروط المحددة.
وبالتالي يكون لصاحب الإبداع الإشهاري بموجب أحكام
قانون الرسوم والنماذج الصناعية حق استغلال أو بيع الرسم أو النموذج الإشهاري، بشرط
استكمال إجراء الإيداع لدى المصالح المختصة كما يقتضيه قانون العلامات، وللمودع استثمار
الحقوق الناتجة عن إيداع الرسم أو النموذج المحمي شريطة أن يتميز بالحداثة[18].
بصورة أبسط من تلك المتعلقة
بإيداع العلامات فإن تسجيل الرسم أو النموذج الصناعي يضمن حماية فعالة للإبداعات التصويرية
أو المرئية منذ بداية الحماية لمالك الحقوق ضد كل إعادة إنتاج أو استعمال غير مرخص
به وذلك بإقامة دعوى جزائية بموجب أحكام المادة 23 من ذات الأمر؛ إذ يشكل كل مس بحقوق
صاحب رسم أو نموذج جنحة التقليد المعاقب عليها بغرامة من 500 الى 15.000 د.ج.
وفي حالة العود إلى اقتراف الجنحة
أو إذا كان مرتكب الجنحة شخصاً كان اشتغل عند الطرف المضرر، يصدر الحكم ضد المتهم،
علاوة على ما ذكر، بعقوبة من شهر إلى ستة أشهر سجناً.
وتضاعف هذه العقوبات في حالة
المس بحقوق القطاع المسير ذاتياً وقطاع الدولة.
المبحث الثالث : الحماية المقررة بموجب القواعد
العامة
في معظم الأحيان قد يتميز الإبداع
الإشهاري بالأصالة، لكنه لا يكون موضوع إيداع كما يقتضيه قانون العلامات أو تسجيل كما
ينص عليه قانون الرسوم والنماذج، سبيلين يمكن للمؤسسة التي تكتشف مستعملين أو مقلدين
للإشهار أو استغلاله من طرف مبدعين آخرين دون ترخيص من قبلها، السبيل الأول هو إمكانية
رفع دعوى المنافسة غير المشروعة، وفي حين قد يكون من استغل أو استعمل الإشهار حسن النية،
ويتصور أن له أولوية الإبداع الإشهاري وبالتالي يجد صاحب الإبداع الإشهاري الحقيقي
إمكانية رفع دعواه على أساس نظرية الإثراء بلا سبب.
المطلب الأول: دعوى المنافسة غير المشروعة
ترتكز أساسا دعوى المنافسة غير
المشروعة على قواعد المسؤولية المدنية والتي يفترض فيها الخطأ والضرر والعلاقة السببية
بين الخطأ والضرر، طبقا لأحكام المادة 124 من القانون المدني[19]،
التي تنص على أن " كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه، ويسبب ضررا لللغير يلزم
من كان سببا في حدوثه بالتعويض".
الفرع الأول : الأساس القانوني لدعوى
المنافسة غير المشروعة
المعيار المعتمد من أجل استعمال
دعوى المنافسة غير المشروعة من قبل المؤسسة التي تعاني من تقليد إبداعاتها الإشهارية
هو خطر التشويش أو الارتباك le risque de confusion، إذ أن تشابه الإشهارات قد يكون مصدر ارتباك لدى المستهلك بين منتوجان
تنافسية مختلفة، هذا الخطر هو ما يشكل الخطأ المرتكب من قبل المؤسسة المقلدة أو المستعملة
للإبداع الإشهاري دون ترخيص، سواء كان مقصودا أ م لا، وسواء كان تحقق الضرر محققا أو مفترضا يمنح الحق في كل
الحالات دعوى قضائية لوقف إذاعة الإشهار، إضافة على أمكانية التعويض عن الضرر الذي
لحق بالمؤسسة صاحبة الإبداع الإشهاري أو المالكة له
كما تجد هذه الدعوى أساسا لها ضمن أحكام قانون الممارسات
التجارية 02 -04 [20]،
الذي ينص في مادته 27 في فقرتيها 2 و3 على أن " تعتبر ممارسات تجارية غير
نزيهة في مفهوم هذ القانون، لاسيما الممارسات التي يقوم بها العون الاقتصادي بما يأتي:
-
تقليد العلامات المميزة لعون
اقتصادي منافس أو تقليد منتوجاته أو خدماته أو الإشهار الذي يقوم به بقصد كسب
زبائن هذا العون إليه بزرع شكوك وأوهام في ذهن المستهلك
-
استغلال مهارة تقنية أو تجارية
مميزة دون ترخيص من صاحبها".
وقد
عبرت عن خطر التشويش أو الارتباك بـ زرع شكوك وأوهام في ذهن المستهلك، وقد تكون
هذه الممارسات محل غرامة مالية تصح إلى حدود 5.000.000 دج حسب جسامة الضرر الذي
أحدثته[21]،
إضافة على العقوبات المكملة التي يمكن للقاضي أن يوقعها بموجب الأحكام الواردة ضمن
الباب الرابع من الفصل الأول المتعلق بتصنيف المخالفات وتطبيق العقوبات.
وقد قدم الاجتهاد القضائي العديد من الأمثلة سواء تعلقت بالتسميات
titres، اللوحات الإشهارية
panneaux publicitaires أو الفهارس catalogues غير المحمية بموجب
قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة، أو الرسوم والنماذج الإشهارية.
الفرع
الثاني : مدى قبول دعوى المنافسة غير المشروعة
من جهة أخرى دعوى المنافسة غير المشروعة قد ترفض، إذا كان
التشابه بين الإشهارات لا يؤدي على ارتباك أو خلط بين المنتوجات أو الخدمات وهي ذات
الوضعية التي تكون فيها أوجه التشابه بين المنتوجات في حد ذاتها[22].
إذا من أجل وجود منافسة غير مشروعة وجب وجود تشابه محقق بين
عناصر تعسفية كافية دون المطالبة بوجود عنصر الأصالة، كما طبقت المحاكم الفرنسية ذات
المبادئ على الشعارات، دعوى المنافسة غير المشروعة تستلزم بذلك توافر شرط خطر الخلط
والارتباك، إضافة إلى أن مصطلحات الشعار وجب أن لا تكون ضرورية أو تصف نوعية المنتوج
أو الخدمة.
المشكلة قد تبدو أكثر صعوبة حال التقليد الجزئي، ليس بسبب
عدم قبول الدعوى إلا بصدد الأصالة المزيفة، لكن بسبب عدم إمكانية تقدير خطر الارتباك
ومثال ذلك قضية جبن البقرة الضاحكة حيث أثرت المحكمة أن استعمال الشعار "Le
rire est propre de l'homme, le sérieux, celui de la vache" يعتبر تقليدا
ومصدرا للخلط بينه وبين شعار الجبن المعروف الذي يملك شعار "Le
rire est le propre de l'homme, c'est aussi celui de la vache qui rit". بالمقابل يعتبر
شعار De
jour comme de nuit devant votre porte, appel Taxi" تقليدا يستحق
المتابعة القضائية لمستعمل شعار "Appelez Radio Taxi à votre porte,
jour et nuit, à votre service، وقد سبب القاضي حكمه أن الإشهار المستعمل من قبل المؤسسة المدعى عليها
إستعمل عبارات لا يمكن لأحد احتكار استعمالها أو الدعاء بملكيتها وهي : jour, nuit et porte[23].
مما تقدم يتضح فعالية دعوى المنافسة غير المشروعة في حماية
الإبداع الذي لا يتمتع بأصالة طبقا لقانون المؤلف.
المطلب الثاني : نظرية الإثراء بلا سبب
إن من بين مصادر الالتزام غير الإدارية التي نصت عليها
مختلف التشريعات الحديثة، الإثراء بلا سبب أو ما يعرف بالكسب غير المشروع أو الفعل
النافع، فكما أن الفعل الضار يستوجب التعويض إذا أّلحــق ضرر بالغير، كذلك الإثراء
بلا سبب.
ويقصد بالإثراء بلا سبب، أن كل من نال أو أثري من عمل
الغير أو من شيء له منفعة، ولو بحسن نية ودون سبب قانوني فإنه يلتزم بأن يرد لهذا
الغير قدر ما أثري به، وفي حدود ما لحقه من خسـارة.[24]
أوجب المشرع الجزائري في نص المادة 141 من القانون
المدني لكي يتحقق الإثراء بلا سبب، وينشأ عنه الحق في الدعوى لصالح المفتقر الذي
وقع الإثراء على حسـابه، للمطالبة بالتعويض، أن يحصل إثـراء أي أن تحصل زيادة في
الذمة المالية لشخص معين، مقابل افتقـار أو انتقاص في الذمـة الماليـة لشخص آخـر
وقـع الإثراء على حسابه، إلى جانب أن ينعدم السبب القانونـي لهذا الإثراء، والذي
يجعله مبررا كالعقد، أو حكم من أحكام القـانــون فيصبح بذلك الشخص الأول مدينـا
(مدعى عليه) والثاني دائنـا (مدعـي).
رغم إمكانية استعمال هذه الدعوى إلى أن الاجتهاد في هذه
المسألة نادر خاصة بعد قرار محكمة باريس في 5 مارس 1959 برفض دعوى صاحب الشعار "entrez
dans l'Arronde"[25]، إلى أن استعمال هذه العدوى يمكن
أن تلعب دورا همها، إذا ما تم تقليد إبداع إشهاري غير محمي بموجب القوانين الخاصة
لمؤسسة من طرف أخرى، دون أن يكون هناك علاقة منافسة تجارية بينهما.
خاتمة
للإشهار طبيعة مزدوجة فهو
إلى جانب كونه تقنية من تقنيات النشاط التجاري تهدف للترويج للمنتوج أو الخدمة،
فهو فن وإبداع، إضافة إلى أنه محل حماية متعددة الجوانب كما تقدم طبقا لقانون
الملكية الفكرية بشقيه قانون حقوق المؤلف من جهة وكذا قانون الملكية الصناعية من
جهة ثانية وعلى الخصوص قانون العلامات، الرسوم والنماذج.
في ظل مبدأ عدم حماية
الأفكار أو الموضوعات الإشهارية أو عدم استيفاء شروط الإيداع والتسجيل المذكورة في
القوانين الخاصة، يمكن استعمال دعوى المنافسة غير المشروعة إذا ما أخلت الوكالات الإشهارية
بالتزام النزاهة في الممارسات التجارية، وإذا كان هذا الإخلال يؤدي إلى شكوك وغموض
في ذهن المستهلين، والتي من خلالها يمكن المطالبة بالتعويض لمالك الإبداع الإشهاري،
كما لا يمكن إهمال الأحكام العامة في مجال الالتزامات الواردة في القانون المدني
والت يمكن أن تكون أساسا لحماية بعض الأفكار والإبداعات الإشهارية والمتعلقة أساسا
بأحكام الإثراء بلا سبب.
[1]
- وفي هذا الصدد هناك من الفقهاء من يعرف الإشهار على أنه "علاقة ثلاثية الأطراف بين الذي يرغب في استعمال النشاط الإشهاري من أجل الترويج لمنتجاته أو خدماته ، ووكالة الإشهار التي تتولى مهمة تخطيط ، وإخراج المنتوج الإشهاري ، والدعامة أو الأداة الإعلانية التي سوف يتم نشر بواسطتها بالرغم من أن أداة الإعلان لا تدخل ضمن سلسلة الإبداع بالمعنى الصارم للكلمة".
[2]
- دعاس كمال، حق المولف والإشهار، مذكرة لنيل شهادة الماجستير تخصص ملكية
فكرية، كلية الحقوق والعلوم الإدارية، جامعة الجزائر، 2004، ص: 23.
[3]
- معاهدة المنظمة العلمية للملكية الفكرية بشأن حق المؤلف كما تم اعتمادها في جنيف
في 20 ديسمبر 1996، تنص المادة الثانية " تشمل الحماية الممنوحة بموجب حق المؤلف
أوجه التعبير وليس الأفكار أو الإجراءات أو أساليب العمل أو المفاهيم الرياضيات في
حد ذاتها".
[4]
- الأمر 03-05 مؤرخ في 19 جمادى الأولى عام 1424 الموافق لـ 19 يوليو سنة 2003، يتعلق
بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ج.ر عدد 44، بتاريخ 23 يوليو 2003.
[5] -CORONE Franrois, La protection des créations
publicitaire, LEGICOM N°3,1994, p: 30.le fait de comparer la blancheur obtenue par un produit avec
des blancheurs obtenues avec d'autres produits constitue un argument
publicitaire et la conception ainci que le choix de cet argument relève du
domaine de l'idée: c'est au stade de la réalisation ( choix des mots et des
images qui mettront en forme l'argument de comparaison de blancheur ) que se
situe l'exploitation de l'idée"
[6] - CHOQUET.L;
MANT.J, Publicité et droits d'auteur, Univ d'Aix-Marseille 3, p: 4,
" les idées sont dans
le domaine public à la disposition de tout exploitant".
[10]
- عبد الفضيل أحمد محمد، الإعلان عن المنتجات والخدمات من الناحية القانونية،
دار الجلاء ، المنصورة مصر، 1991، ص: 121.
[17]
- الأمر 66-86 المؤرخ في 7 محرم عام 1386 الموافق لـ 28 أفريل سنة 1966 يتعلق
بالرسوم والنماذج، ج.ر عدد : 35 ، صادرة بتاريخ 03 ماي 1966، ص: 406.
تجدر الإشارة أن أحكام الأمر جاءت عقب الأمر رقم 66 – 48 المؤرخ في 5 ذي القعدة
عام 1385 الموافق 25 فبراير سنة 1966 بشأن انضمام الجمهورية الجزائرية الديمقراطية
الشعبية إلى اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية المؤرخة في 2 مارس سنة 1883.
[18]
- المادة الأولى فقرة 2 " إن الحماية الممنوحة بموجب هذا الأمر تشمل
الرسوم والنماذج الأصلية الجديدة دون غيرها.
ويعتبر رسماً جديداً
كل رسم أو نموذج لم يبتكر من قبل".
[19]
- الأمر 75-58 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق لـ 26 سبتمبر سنة 1975،
يتضمن القانون المدني، المعدل والمتمم بالقانون رقم 05 -10 المؤرخ في 20 يونيو
2005، ج.ر عدد 44، بتاريخ 26 يونيو 2005.
[20]
- القانون رقم 04-02 مؤرخ في 5 جمادى الأولى عام 1425 الموافق لـ 23 يونيو
سنة 2004، يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية، ج.ر عدد: 41، بتاريخ 27
يونيو 2004،
[21]
- القانون رقم 04- 02، المادة 38: " تعتبر ممارسات تجارية غير
نزيهة وممارسات تعاقدية تعسفية مخالفة لأحكام المواد 26 إلى 29 من القانون، ويعاقب
عليها بغرامة من 50000 دج إلى 5000000 دج"
[22] - CORONE
Franrois, op.cit, p: 35.
[23] - -
CORONE Franrois, op.cit, p: 35-36.
[24]
- علي علي
سليمان ، مصادر الغلتزام في القانون المدني الجزائري، الجزائر ، 1990، ص
[25]
- - CORONE Franrois, op.cit, p: 36.
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق