تعليق على قرار صادر عن محكمة النقض"مقبرة- طبيعتها –حبس بقوة القانون- ضرورة الإدلاء بحجة (لا)
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تعليق على قرار
صادر عن محكمة النقض
قرار عدد 4045 المؤرخ في 18/09/2012 في الملف المدني عدد
446/1/2011
"مقبرة-
طبيعتها –حبس بقوة القانون- ضرورة الإدلاء بحجة (لا)
زهير العمراني
باحث بسلك الماستر
وحدة القانون والممارسةالقضائية
كلية الحقوق السويسي الرباط
تكتسي الأحباس بصفتها مالا من الأموال التي تتداخل فيها
حقوق الله و حقوق العباد، صبغة دينية، و طابعا قدسيا و إرثا إسلاميا خالدا من جهة،
و من جهة أخرى تمثل ثروة وطنية هامة و ميزانية دائمة لمصارفها التي تصرف فيها كل
مواردها لضمان استمرار الأنشطة الدينية و الإجتماعية المختلفة[1]، و هي الان أمانة قي أعناق
الأجيال الحاضرة و المستقبلية، يتحمل الجميع مسؤولية حمايتها، كل من موقعه بما في
ذلك القضاء المغربي.
و القرار محل التعليق خير دليل على التدخل الدائم للقضاء
حفاظا على الاملاك الوقفية و حمايتها، متى تبين صحة وجودها، وهو قرار صادر عن
محكمة النقض بتاريخ 18 شتنبر 2012 عدد 4045 في الملف المدني عدد 2011/8/1/446،
الذي اعتمد على كون المقابر هي أحباس بطبيعتها،و لا تحتاج لأي حجة.
و تعود وقائع النازلة إلى تقديم مديرية الأملاك المخزنية
مطلب لتحفيظ الملك المسمى مدرسة صلاح الدين الأيوبي، بحي القشريين بمدينة وزان، و
الذي تعرض عليه السيد ناظر أوقاف وزان تعرض جزئي بعد تقديمه لمطلب تحفيظ مقابر
القشريين.و أيد السيد ناظر الأوقاف تعرضه بموجب لفيف حبسي بعدد 192 صحيفة 170
بتاريخ 11/02/2009 يشهد شهودهم بأنهم يعرفون كون المدرسة شيدت فوق مقابر لدفن
أموات المسلمين، في حين أكدت مديرية الأملاك المخزنية ملكيتها للمتنازع فيه بمحضر
استكشاف مخزني منبثق عن اجتماع اللجنة الإدارية المنعقد بتاريخ 23/05/2005 ، و
نسخة من تسجيل الملك بكناش المحتويات.و بعد إحالة ملفي المطلبين على المحكمة
الإبتدائية و إجراء معاينة، و بحث تعذر القيام به لعدم حضور الشهود، قضت بصحة
التعرض المقدم من طرف مدير الأملاك المخزنية، ضد مطلب التحفيظ المقدم من طرف ناظر
الأوقاف، استأنفه هذا الأخير، فأيدته محكمة الإستئناف، بعد ذلك قامت نظارة الأوقاف
بالطعن بالنقض في هذا القرار لخرقه قواعد الشريعة الإسلامية ، فصدر قرار لمحكمة
النقض قضى بنقض القرار المطعون فيه بحجة أن المقابر تعتبر من الأحباس العامة
بطبيعتها و لا تحتاج في إثباتها كملك حبسي لأي بينة شرعية.
و السؤال الذي يثور بناءا على هذا القرار هو إلى أي مدى
يمكن الأخذ بكون المقابر من الأملاك الحبسية العامة التي لا تحتاج لأي حجة و بالتالي
منع التصرف فيها ؟؟
و للإجابة على هذا الإشكال سنعمد إلى الوقوف على
الطبيعة القانونية للمقابر في التشريع
المغربي ( المحور الأول) قبل أن نعرج على مناقشة ما ذهبت إليه محكمة النقض (
المحور الثاني)
المحور الأول : طبيعة المقابر في التشريع المغربي
لما كان المنطق يقتضي يقتضي أن ما كان من عمل البر و
الإحسان لا يجبر أحد على القيام به و إن كان من مكارم الأخلاق، فإن الملاحظة التي
تفرض نفسها هي أن الشرع أو القانون متى كان مصدرا لتصرف أو واقعة قانونية، يكون
عليه أن يحدد الحالات التي يقوم فيها مصدرا لذلك التصرف أو الواقعة القانونية، لأن
ذلك يعتبر خروجا على الأصل الذي هو إرادة المتصرف[2]، و الإستثناء يجب أن يكون في
فرضياته.
و لتحديد طبيعة المقابر في التشريع المغربي يجب العودة
إلى ما قبل إصدار مدونة الأوقاف، إذ كان الإطار القانوني المنظم للوقف في المغرب
هو الفصل 75 من ظهير 19 رجب 1333 هجرية الموافق ل 2 يونيو 1915، الذي حل محله
قانون 39.08 ، يتمثل في القوانين و الظوابط الخاصة و العوائد الإسلامية التي تجري
عليها، بمعنى الأحكام و القواعد المنصوص عليها في الفقه المالكي، مع بعض
الإستثناءات من قبيل كراء الأملاك الحبسية، أو المعاوضة بها أو تصفية المعقب منها[3].
و دون الدخول في الإختلاف الفقهية بين المذاهب حول طبيعة
المقابر بين تلك ذات الطابع العام و بين ذات الطابع الخاص و تلك التي لا مالك لها،
فبالرجوع إلى أحكام الفقه المالكي فالراجح فيها أن الصفة الحبسية تثبت بمجرد
الدفن، لأن القبر حبس على صاحبه ما دام فيه، وفقا لما أكده فقهاء المالكية، و
يترتب على هذا الحكم منع الإنتفاع بالمقبرة و لو مرت عليها سنوات طويلة، إلا لمصلحة
ضرورية و بشروط تحفظ للميت حرمته[4].
أما الان فإن صدور مدونة الأوقاف الصادرة في 8 ربيع
الأول 1431 الموافق ل 2 فبراير 2010 و بكل ما تضمنته من مقتضيات قانونية،تصبح هي
المصدر الأساسي الذي سينظم الوقف ببلادنا، مع ملاحظة بسيطة فيما يخص المادة 169
التي تنص على " كل ما لم يرد بشأنه نص فيها يرجع فيها إلى أحكام المذهب
المالكي فقها واجتهادا لما يراعى فيه تحقيق مصلحة الوقف".
وبخصوص موضوع التعليق الذي هو المقابر فقد جاء في المادة
50 من المدونة الأمر، على أن جميع المساجد
والزوايا والأضرحة والمقابر الإسلامية ومضافاتها والأملاك الموقوف عليها تعتبر
وقفا عاما بقوة القانون على عامة المسلمين.
وبذلك تكون هذه المادة قد حسمت الأمر في الطبيعة
القانونية للمقابر في التشريع المغربي.
المحور الثاني: مناقشة ما ذهبت إليه محكمة النقض
انطلاقا مما تم تبيانه في المحور السابق، يتضح مما لا
يدع مجالا للشك أن المقابر هي حاجة اجتماعية لا عنى عنها، ولا يمكن إلغاؤها أو
التغاضي عنها تماما مثلما لا يمكن إلغاء الموت أو التغاضي عنه، بل وربما يمكن
التستر على التقصير في بعض الحاجات الإجتماعية أو المرافق الحيوية، لكن لا يمكن
التستر على أي تقصير في توفير المقابر[5].
وتأكيدا منا على الطابع الديني للأحباس بصفة عامة
والمقابر بصفة خاصة، وكذا الدور التي تلعبه ، نجد القضاء بدوره عمل ولا يزال على
حمايتها ومن ذلك ما جاء في قرار للمجلس الأعلى سابقا " محكمة النقض
حاليا" أن نزع الملكية لأجل توسعة مقبرة هو ما يعتبر في حد ذاته تحبيسا[6]، وفي قرار اخر جاء فيه أن
اللفيف الذي يشهد شهوده بمعرفتهم للملك حجة في إثبات الصبغة الحبسية للمتنازع فيه
ويرجح على رسم الشراء المجرد من أصل الملك[7]، و فيما يخص المقبرة و
وطبيعتها القانونية صدر قرار آخر عن محكمة الأستئناف بالجديدة جاء فيه " أن
القبر حبس على صاحبه ولا يمكن أن تكون المقبرة ملكية خاصة.
كل هذا يدل على أن القبور هي ملكية عامة وتبقى موقوفة
على أموات المسلمين بما يحفظ حرمتهم، والقرار محل التعليق كان في نظرنا مصادفا
للصواب وجاء حماية لمقابر المسلمين، وقد يسأل سائل عن مكانة هذه المقابر إن هي
تعارضت مع مصلحة عامة أخرى كما هو الشأن في هذا القرار، فإن الجواب على هذا
التساؤل يكمن في البحث عن القيمة الرمزية والدينية لهذه المقابر في ديننا الحنيف،
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البناء فوق المقابر، ففي صحيح مسلم من
حديث جابر رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يجصص القبر و أن يقعد
عليه و أن يبنى عليه[8]،
وهذا دليل على أن البناء على القبور محرم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدم
ما بني على القبور، وفي صحيح مسلم عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي
طالب: " أبعتك على ما بعتني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالا
إلا طمسته ولا قبرا مشرفا – أي مرتفعا- إلا سويته[9]."
وهذا يشمل تحريم كل مل يصدق عليه أنه بناء حتى ولو كان
مصلحة عامة كما هو الحال في الواقعة محل القرار بل حتى ولو كان هذا البناء مسجدا
للمسلمين فقد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لعنة
الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" فما بالك بمدرسة
عمومية.
وعليه يكون القرار جاء مصادفا للصواب من ناحيتين، الأولى
قانونية لكون المقابر هي أملاك حبسية بطبيعتها ولا تحتاج لدليل على ثبوتها،
والثانية شرعية لكون القرار حافظ على الصبغة الدينية لمقابر المسلمين، لذلك يستحق
التأييد.
[1] محمد
التاويل، مقال منشور بمجلة الأملاك الوقفية، سلسلة دراسات و أبحاث، الجزء الثاني
طبعة 2015 ص 13
[2] محمد
المهدي، تكوين عقد الوقف في ضوء مدونة الأوقاف، مقال منشور بمجلة الأملاك الوقفية،
الجزء الثاني عدد 2015 ص 94
[3] محمد المهدي، الوقف المغربي في ثوبه الجديد،
مقال منشور بمجلة القبس المغربية للدراسات القانونية و القضائية العدد 3 ص 78
[4] عبد الرزاق اصبيحي، تعليق على قرار محكمة النقض
الصادر بتاريخ 09 غشت 2011 ، في الملف المدني عدد 4922/1/1/2009 منشور بالمدونة
الإلكترونية www.sbihi.net
[5] عبد الرزاق اصبيحي، تعليق على قرار، مرجع سابق
[6] قرار عدد 3288 الصادر في 9 غشت 2011 في الملف
المدني عدد 4924/ 1/1/2009 المنشور في مجلة الأملاك الوقفية الجزء الثاني عدد 2015
ص 239.
[7] قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 10 يناير 2012
عدد 248 في الملف المدني عدد 1248/1/1/2010 منشور في مجلة الأملاك الوقفية مرجع
سايق ص 251.
[8] موقع الشيخ خالد المصلح ar .islamway.net تاريخ زيارة الموقع الساعة الخامسة زوالا من يوم
20 يناير 2016
[9] صحيح مسلم ، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية
القبر
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق