دور الصلح في حل النزاعات الشغل الفردية بين القواعد العامة ومدونة الشغل
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
دور الصلح في حل نزاعات الشغل الفردية
بين القواعد العامة ومدونة الشغل
كمال عبدلاوي
أندلسي معن
طالب باحث
بماستر الوسائل البديلة لفض النزاعات
بكلية العلوم
القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس
يلعب الصلح دورا مهما في حل العديد من النزاعات الناشئة أو
التي قد تنشأ بين الأطراف ، خاصة في مجال علاقات الشغل الفردية التي تثور بشأنها
العديد من النزاعات والتي قد تؤثر على المركز القانوني للأطراف ولاسيما الطرف
الضعيف في اطار هذه العلاقة (الأجير) ، وغالبا ما تنشأ هذه النزاعات بالاختلاف
الحاصل بين صاحب المقاولة و الأجراء على عدة مستويات نتاجا لتضارب المصالح
والأهداف المبتغاة من كل طرف بين مقاولات تهدف وتبتغي الحصول على الأرباح
والمداخيل وبين أجراء يهدفون الى حماية مصالحهم المكتسبة من تحسين ظروف العمل
والحق في الأجر والعطلة السنوية وغيرها.
وحفاظا على هذه المصالح وحمايتها
من الضياع بحيث غالبا ما تطرأ نزاعات بشأنها ونظرا لما قد تخلفه هدذه الأخيرة من أثار
سلبية على الاطراف و على السلم الاجتماعي ، اذ أن حماية مصالح الاجراء وضمان
استقرار المقاولة رهين بحل هذه النزاعات بطرق حبية ووسائل بديلة تحافظ قدر
المستطاع على العلاقات والمراكز القانونية وفضها في المراحل الأولى دون استفحالها
وتطورها واحالتها على القضاء الذي يعرف بدوره عدة مشاكل وصعوبات تجعله غير قادر
على حل جميع النزاعات المحالة عليه خصوصا في نزاعات الشغل الفردية التي يطغى عليها
طابع الخصوصية، وبهذا فالصلح يأتي ليتبوأ الصدارة ضمن قائمة الوسائل البديلة فيما
يخص حل هذا النوع من النزاعات ذات الطابع الاجتماعي الفردي .
ومن هنا يمكننا طرح الاشكاليات
التالية :
ماهي أهم الصور التي يتخدها الصلح
كاحدى أهم الطرق البديلة في حل نزاعات الشغل الفردية ؟ وماهي الاشكالات التي
يطرحها ؟ وهل بالفعل استطاع هذا البديل أن يكون في مستوى رهان المشرع المغربي ؟
أولا: صور الصلح في نزاعات الشغل الفردية
لقد عالج المشرع المغربي الصلح من
خلال قانون الالتزامات والعقود كقواعد عامة ،وكذا في ظل مدونة الشغل من اجل
المساهمة في حل قضايا الشغل وخصوصا نزاعات الشغل الفردية ، فكيف اذن تم التعامل مع الصلح من
خلاهما وهل يمكن تطبيق الصلح الوارد في ق.ل.ع على نزاعات الشغل الفردية :
1-
الصلح بين قانون الالتزامات والعقود ومدونة الشغل
على اعتبار أن الصلح مؤطرفي ظل
مقتضيات قانون الالتزامات والعقود من الفصول 1098 الى 1116 ، لذا قد يتم اللجوء
اليه من أجل تسوية نزاعات الشغل الفردية بحيث يستفاذ من حيثيات الفصل 1098 أن
الصلح هو عقد يبرم بين طرفين من أجل حل نزاع قائم أو يتوقيان قيامه وذلك عن طريق
التنازل المتبادل عن الادعاءات والحقوق ، فبهذا فالأجير و المشغل قد يلجأن الى هذه
الصورة من صور الصلح قصد تسوية النزاع القائم بينهما دون اللجوء الى القضاء .
لكن مايعاب على هذا الصلح هنا ، هو طغيان الطابع الليبرالي عليه بحيث أن
أغلب العقود تبرم بارادة الأطراف وبرضاهم لكن في ظل هذا النوع من العقود يكون من
الصعب نظرا لطبيعة العلاقة غير المتوازنة بين الطرفين والذي قد تنعكس سلبا على
وضعية أطراف العلاقة بين طرف قوي من الناحية الاقتصادية والاجتماعية (المشغل) وبين
طرف ضعيف من الناحيتين (الأجير) ، وبالتالي فاذا ما تم اللجوء الى هذا النوع من
أنواع الصلح وغالبا مايتم من قبل المشغل على حساب الأجير الذي يكون في وضع لايسمح
له بالتفاوض نظرا لمركزه القانوني الضعيف
.
لكن مع مجيء مدونة الشغل المغربية
قد حمل في طياته مقتضيات حمائية هادفة بالأساس الى تكريس الحماية اللازمة للطرف
الضعيف في اطارالعلاقة التعاقدية الشغلية ، وذلك عن طريق قطع الطريق أمام الصلح
الليبرالي ومنعه في نزاعات الشغل الفردية حماية لحقوق الأجير، وهذا بالتالي
مايستفاذ من خلال قراءة مقتضيات الفصل 73 من مدونة الشغل المغربية الذي جاء في
حيثياته " يعتبر باطلا كل صلح أو ابراء طبقا للفصل 1098 من قانون الالتزامات
والعقود يتنازل فيه الأجير عن أي أداء وجب لفائدته بفعل تنفيذ العقد أو بفعل
انهائه ، واعتبر أن الصلح المبرم في ظل قانون الالتزامات والعقود مجرد وثيقة بالمبالغ المبينة فيه ". كما نصت على ذلك
أيضا مقتضيات المادة 76 من المدونة ، هذه الأخيرة قد جاءت بهذف تكريس الطابع
الحمائي للأجير من خلال تنظيم الصلح وجعله وسيلة من الوسائل الحمائية للطرف الضعيف
في اطار هذه العلاقة من خلال تنظيم توصيل تصفية كل حساب عبر المواد 73-74-75-76،
كما خولت المدونة للاجير الذي يقدم هذا التوصيل للمشغل من اجل تصفية كل الادءات
اتجاهه امكانية التراجع عنه اذا ما تبين له انه لم يستوفي جميع مستحقاته وذلك بعد
ستين يوما من اعطائه للمشغل ومن تم من حقه رفع دعوى قضائية اتجاهه لكن مع ضرورة
تسبيب الاسباب الذي يعتمد عليها من خلال طلبه . ولكن رغم
ماجاءت به مدونة الشغل من حماية للاجير عن طريق توصيل تصفية الحساب هذا الاخير
الذي يقدمه الاجير للمشغل عند انتهاء عقد الشغل بينهما لتصفية الاداءات والمستحقات
واعتبار الصلح المبرم في ظل ق. ل .ع مجرد وثيقة بالمبالغ المبينة فيه ولكن لازال
هذا الاخير يبرم ما بين اطراف العلاقة ، وهذا ما أفرزه الواقع العملي من خلال عدة
أحكام وقرارت من بينها ، القرار الصادر عن المجلس الأعلى (الغرفة الاجتماعية
بتاريخ 6فبراير 1998 في الملف الاجتماعي عدد 98/9815 )
" وحيث أن انهاء عقد الشغل بصفة حبية وتصالحية بين الطرفين يضع حدا لأي
مطالبة سواء كانت قضائية أو غير قضائية ولأي حق أو ادعاء من طرف الأجير وذلك
تطبيقا للفصل 1105ومايليه من قانون الالتزامات والعقود وطبقا لماورد في عقد التصالح نفسه خاصة وأن
الأجير لم يتبين ما ادعاه من اكراه أو ضغظ وبالتالي فان واقعة الطرد التعسفي
منتفية في النازلة وتكون المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه قد خلصت الى أن الطرفين
اتفقا على فسخ عقد العمل وابرم صلحا في الموضوع مما كان معه معللا بما فيه الكفاية
في تبرير ماانتهى اليه ومطابقا للقانون والفصل 1098 من قانون الالتزامات والعقود
" . وهذا مايبين أنه لازال يبرم الصلح المدني بين أطراف العلاقة الشغلية بين
الأجير والمشغل مادام أن كل ماهو تعاقدي هو عادل تطبيقا للفصل 230 من قانون
الالتزامات والعقود .
2-
الصلح بواسطة
مفتش الشغل :
حسب المادة 532 من مدونة الشغل
التي تنص على أنه " تناط بالأعوان المكلفين بتفتيش الشغل من بين المهام التي
يقومون بها المهام التالية : اجراء محاولة التصالح في نزاعات الشغل الفردية ، كما
أكدت ونصت على ذلك المادة 41 من مدونة الشغل التي نصت على أن يمكن للأجير الذي فصل
من الشغل لسبب يعتبره تعسفيا اللجوء الى مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 532
من أجل الرجوع اما الى شغله أو حصوله على تعويض . بهذا نلاحظ أن المشرع المغربي
أعطى أو خول للأجير امكانية اللجوء الى هذه المسطرة الادارية من أجل ابرام صلح
بينه وبين مشغل في حالة وقوع نزاع بينهم وذلك دون اللجوء الى اجراءات التقاضي ومع
مايتطلب من ذلك من حضور جلسات وتنصيب محامي واستدعاء الشهود وانما سلوك مسطرة
الصلح التمهيدي أمام مفتش الشغل ، وذلك من اجل المطالبة بنفس الحقوق التي يمكن
المطالبة بها أمام المحكمة وكذا من ناحية لتخفيف العبء عن القضاء في اطار حل
نزاعات الشغل الفردية و لفض النزاع بطريق ودي وحبي من ناحية أخرى .
وفي حالة نجاح هذه المسطرة يحرر مفتش الشغل محضرا بذلك يوقعه طرفي النزاع
ويوقعه بالعطف معهما ، وهذا الصلح اما يتضمن رجوع الأجير الى عمله أو حصوله على
تعويض ولكن غالبا مايتم الحصول على تعويض عوض الرجوع الى العمل . وهذا المحضر الذي
يحرره مفتش الشغل يكون نهائيا وغير قابل للطعن بصريح المادة 41 ، الا أنه بالرجوع
الى مقتضيات المادة 532 من مدونة الشغل نجدها تعتبره هذا المحضر مجرد وثيقة
للابراء في حدود المبالغ المبينة فيه أي يتضح بأنه يمكن الطعن في المبالغ غير
المستحقة فيه ، وهذا مايفسر التناقض بين المادتين لذا كان على المشرع المغربي
التدخل قصد حسم هذا التضارب .
ومن بين الاشكالات الأخرى التي
تعترض هذه المسطرة أن غالبية مفتشي الشغل لايحبذون القيام بمهام المصالحة ،
لاعتبارهم أن مهامهم الرئيسية تندرج بالدرجة الأولى في المراقبة والتفتيش اضافة
الى التساهل الذي قد يبدونه في مراقبة الشغل و تطبيق القانون وهو تساهل قد يؤدي الى تمادي المشغلين في
الاضرار بحق الأجراء ومستحقاتهم اضافة الى أن مفتش الشغل لا يملك الوقت للقيام
بمهام المصالحة ولايتوفر لا على تقنية المصالح ولا الحوار ولا الوساطة لايجاد
الحلول المرضية التي تحافظ على الحقوق المكتسبة للاجراء . كذلك اضافة أن غالبية
الأجراء لايثقون فيهم وفي مهامهم .
ثانيا : الصلح القضائي في نزاعات الشغل الفردية
ان المشرع المغربي قد ألزم المحكمة
في حالة تقديم طلب او رفع دعوى بسبب نزاعات الشغل الفردية بضرورة اجراء محاولة
التصالح بين الأطراف المتنازعة وذلك حسب مانصت عليه المادة 277 من قانون المسطرة
المدنية على أنه " يحاول القاضي في بداية الجلسة التصالح بين الأطراف
.." وهذا مايفسر على ضرورة الحضور الشخصي للأطراف ، وبما أن هذه المسطرة
مسطرة الزامية ينبغي سلوكها قبل أي اجراء أخر تتخذه المحكمة والا كان حكمها معرضا
للبطلان ، الا أنه قد تبين من خلال العمل القضائي أن هذه المسطرة هي مجرد مسطرة
شكلية لايتم التعامل معها بالشكل المطلوب وانما يتم التعامل معها مجرد اجراء جوهري
يجب أن تتخذه المحكمة لكي لايتعرض حكمها للبطلان وهذا ما لايتلائم مع خصوصيات
نزاعات الشغل الفردية التي يجب ايجاد أجهزة خاصة لمعالجتها والنظر فيها عكس مانص
عليه المشرع من خلال المادة 270 من قانون المسطرة المدنية فيما يخص تشكيل
المستشارين المتساويين بين المشغلين والمأجورين أثناء البث في نزاعات الشغل
الفردية ، هذا الاجراء الذي لم يعرف النجاح ولم يحقق أي فعالية وعرف فشلا ذريعا .
اضافة الى أن هذه التشكيلة قد لاتتشكل لعدة
عوامل وأسباب مما يجب معه تجاوزها وخلق جهات وأجهزة خاصة مسؤولة تكون قادرة ومختصة
على حل مثل هذه النزاعات كما قامت بذلك بعض التشريعات المقارنة كفرنسا عن طريق
مجلس الخبراء هذا المجلس الذي يحاول التوفيق بين أطراف النزاع في غرفة المصالحة
بالمجلس ، وكذلك تونس التي رصدت دوائر الشغل الخاصة للنظر في مثل هذه النزاعات
وحلها قبل البث في الدعوى واصدار الحكم .
يتبين من خلال هذا ، أن المشرع المغربي لم
يقم كمثل التشريعات الأخرى برصد وخلق أجهزة خاصة للنظر في مثل هذه النزاعات وحلها ،
وانما اكتفى فقط بحل هذه النزاعات اما عن طريق القواعد العامة ( قانون الالتزامات
والعقود والمسطرة المدنية ) ومدونة الشغل ، وهذا مايفسر تشتت النصوص المنظمة للصلح
وليس جعلها في نصوص خاصة يمكن تطبيقها على هذه النزاعات والحفاظ على حقوق الأجراء
وحمايتها وتحقيق الطابع الحمائي لهم ، وكان حريا بالمشرع المغربي أن يخصص بابا
خاصا لمعالجة مثل هذه النزاعات كما فعل بذلك بخصوص نزاعات الشغل الجماعية الذي خصص
لها بابا كاملا في مدونة الشغل لمعالجتها وفضها.
المراجع المعتمدة :
-
رشيد رفقي : " الصلح والتصالح في المادة الاجتماعية
" ، دراسة تشريعية وفقهية وقضائية في ضوء مستجدات مدونة الشغل ، الطبعة
الأولى ، 1431هـ، 2010 .
-
عبداللطيف الخالفي : " الوسيط في علاقات الشغل
الفردية " ، الطبعة الأولى 2004.
-
ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11
رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على
نص قانون المسطرة المدنية.
-
ظهير شريف رقم 1.03.194 صادر في 14 من رجب 1424 (11 سبتمبر 2003)
بتنفيذ القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل .
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق