تابعونا على الفيسبوك

Disqus

جريمة تبيض الأموال و أثارها على اقتصاديات الدول النامية "الجزائر أنموذج"

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
جريمة تبيض الأموال و أثارها على اقتصاديات الدول النامية "الجزائر أنموذج"





يوسفي محمد  - 
باحث في صف الدكتوراه
عضو مخبر القانون العقاري و البيئة
كلية الحقوق و العلوم السياسية- جامعة مستغانم- الجزائر
الملخص:
تعد جريمة تبييض الأموال من الجرائم الخطيرة ، التي تم تداولها مؤخرا في جل المؤتمرات و الندوات الدولية و كذا المحلية، حيث عمدت معظم التشريعات إلى تجريمها ومحاولة وضع إطار قانوني عام لها حتى يتسنى لها مكافحتها و الوقاية منها بشكل أكثر فعالية، وهذا بالنظر للآثار السلبية التي تشكلها على الاقتصاد العالمي بصفة عامة و اقتصاديات الدول النامية بصفة خاصة ، وباعتبارها مسألة قد أخذت بعدا عالميا بتصنيفها ضمن الجرائم العابرة للحدود ، فان الجزائر كانت من بين الدول التي سعت  للتصدي لهذه الجريمة  التي تعرقل نشاطها الاقتصادي ، من خلال إيجاد تدابير و إجراءات تساعد على وضع حد لهذه الجريمة على الصعيدين الخارجي و الداخلي.
Summary: The crime of money laundering crimes, which have been circulating recently in Gel conferences and seminars international, as well as local, where most of the legislation did criminalize and try to put a legal framework in them so that they can control and prevention is more effective, and that has held negative effects posed to the global economy in general and the economies of the developing countries in particular , and that the issue has become a global classified into cross-border crimes, the Algeria was among the countries that have sought to solve this crime, hindering economic activity, through the creation of measures and procedures help to put an end to this crime levels on the outside and inside.

مقدمة:
تسعي معظم دول العالم إلى تحقيق الاستقرار في التنمية الاقتصادية المستدامة خاصة الدول النامية منها إلا أن تحقيق مثل هذا المسعى تعترضه الكثير من الصعوبات و العراقيل التي تقف حجرة عثرة امام هذه الدول لتحقيق قفزة نوعية في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية،فالتطورات التي يعيشها المجتمع الدولي اليوم من أزمات متعددة منها الأمنية و المالية و السياسية كلها ساهمت في ظهور و تبلور نوع جديد من الجرائم التي تتسم بتنظيمها و اتساعها ليتعدى مداها حدود الدولة الواحدة  وهو ما يعرف بالجريمة المنظمة و التي اتخذت عدة أشكال و لعل جريمة تبييض الأموال من بين أهم أشكالها و أخطرها نظرا لازدواجية أبعادها  فهي تتخذ البعد الدولي كونها تتخطى حدود الدول و البعد الداخلي من خلال أشكال أخرى لها  كتهريب الضريبة و التجارة الغير المشروعة في الأسلحة وما شابهها و الاختلاس...، وهذا ينتج عنه تبعات على التجارة الدولية بصفة عامة و على اقتصاديات الدول النامية بصفة خاصة ، لما تسببه من  مساس بالاستقرار المالي و الاقتصادي لهذه الدول ابتداء من تحصيل هذه الأموال ثم توظيفها في البنوك  والمؤسسات المالية وكذلك في الاستثمار في مشاريع كبرى ، مما يؤدي إلى تعطيل الحركة الاقتصادية وعدم الاستقرار لحركة رؤوس الأموال لدى الدول.
فبعد أن أصبحت هذه الجريمة تشكل تهديدا حقيقيا لاقتصاديات الدول المتقدمة و النامية على حد سواء بدأت تظهر في الأفق مساعي حثيثة  و جهود من اجل مكافحة مثل هذه الجرائم من خلال اتخاذ تدابير وقائية وردعية كان على  رأسها سن  قوانين على المستوى الداخلي لتطويق الجريمة داخليا و تفعيل التعاون الدولي بعقد مؤتمرات و ندوات و إبرام اتفاقيات دولية و إقليمية و برتوكولات لمحاربة هذه الجرائم.
وتعتبر الجزائر من بين الدول التي أخذت موقفا داعما لمساعي مكافحة هذه الجريمة، لما لها من تبعات خطيرة على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و حتى السياسية  ، متخذة في ذلك مجموعة من الإجراءات التي تمكن من الوقاية و المكافحة في آن واحد من جهة على الصعيد الداخلي بإرساء ترسانة من النصوص القانونية للتصدي لأي أنشطة غير مشروعة تهدف إلى تبيض الأموال، وتكييف عمل بعض الهيئات لتتولى السهر على رقابة حركة رؤوس الأموال لاسيما المتعلقة بالبنوك و المؤسسات المالية ، أما على الصعيد الخارجي فتجلت مساعي الجزائر في الانضمام إلى العديد من الاتفاقيات و الإمضاء على البرتوكولات التي تنص على مكافحة كل أشكال الجريمة المنظمة لاسيما تبييض الأموال، ومما تقدم يتبادر لنا أن نطرح الإشكال التالي :ما مدى خطورة جريمة تبيض الأموال على اقتصاديات الدول  النامية ولاسيما الاقتصاد الوطني الجزائري ؟، وما هي الإجراءات المسطرة للتصدي لهذه الجريمة على الصعيدين الوطني و الدولي؟.
وعلية سوف نحاول أن نجيب على هذه الإشكالية من خلال ثلاثة محاور أساسية وهي:
المحور الأول: الإطار العام لجريمة تبييض الأموال.
المحور الثاني: أثار جريمة تبييض الأموال على الاقتصاد المحلي.
المحور الثالث: الإجراءات المسطرة لتصدي لجريمة تبييض الأموال على الصعيدين الوطني و الدولي.

المحور الأول: الإطار العام لجريمة تبييض الأموال.
تعتبر ظاهرة تبييض الأموال من الظواهر الحديثة نسبيا، التي تشكل تهديدا للاقتصاديات الدول لاسيما النامية منها باعتبارها تشكل بيئة ملائمة لتوسعها ، و حتى تتمكن من الحد من هذه الجريمة الخطيرة التي تنخر الاقتصاد، وجب البحث في مفهوم هذه الجريمة و أسبابها ثم مراحل التي تمر بها عملية غسيل الأموال لتأخذ طابع الشرعية و تضخ في الاقتصاد في شكل استثمارات و ما شبه ذلك.
أولا-تعريف جريمة تبييض الأموال و خصائصها:
1)-تعريف جريمة تبييض الأموال: لقد تعددت التعاريف التي تم وضعها لإعطاء مفهوم لظاهرة تبييض الأموال والملاحظ هنا انه لم يكن إجماع حول تعريف معين لها وفيما يلي أهم هذه التعاريف:
التعريف الأول: هي عملية اكتساب أموال بطريقة غير شرعية، وهي تشمل أموال الأنشطة الإجرامية و التي ترتبط عادة بتجارة المخدرات و الجريمة المنظمة و أنشطة السوق الموازية و غيرها من الجرائم،وتحويلها بعد ذلك إلى أموال ذات مصادر مشروعة[1].
التعريف الثاني: هي إخفاء حقيقة الأموال المستمدة من طريق غير مشروع، عن طريق القيام بتصديرها أو إيداعها في مصادر دول أخرى، أو نقل أو إيداعها أو توظيفها و استثمارها في أنشطة مشروعة، للإفلات بها من الضبط و المصادرة، و إظهارها كما لو كانت مستمدة من مصادر مشروعة، سواء كان الإيداع أو النقل أو التحويل أو التوظيف أو الاستثمار قد تم في دول متقدمة أو في دول نامية[2].
لقد تعددت التعريفات التي اجتهد  فقهاء القانون في وضعها وهذا لشرح جريمة تبييض الأموال و تقريب معناها إلى الأذهان و انقسمت التشريعات و الآراء الفقهية في تعريف تبييض الأموال إلى قسمين احدهما ضيق و الأخر واسع، حيث يقتصر التعريف الضيق:" لتبييض الأموال غير المشروعة الناتجة عن تجارة المخدرات و المؤثرات العقلية، ومن هذه التشريعات و الآراء الفقهية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية المنعقد في فينا في شهر ديسمبر من عام 1988".
أما التعريف الواسع:" لتبييض الأموال التي تشمل جميع الأموال القذرة الناتجة عن جميع الجرائم و الأعمال غير المشروعة وليس فقط الناتجة عن تجارة المخدرات و المؤثرات العقلية"، و من التشريعات و الآراء الفقهية التي اعتمدت التعريف الواسع لغسيل الأموال (القانون الجزائري)[3].
فقد نص المشرع الجزائري في القانون رقم 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 المتعلق بقانون العقوبات في نص المادة 389 مكرر منه ،و كذلك في نص القانون رقم 05/01 المؤرخ في 06/02/2005 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتها.
توجد العديد من المرادفات في اللغة العربية لتبييض الأموال مثل غسيل الأموال ، تطهير الأموال، تنظيف الأموال، تنقيح الأموال، كلها تؤدي إلى نفس المعنى، وبالترجمة الدقيقة للمصطلح للغة الانجليزية (Money Laundring) ،أي غسيل الأموال وهي الترجمة التي أخذت بها الأمم المتحدة في وثائقها[4].
ثانيا-أسباب و أساليب تبييض الأموال :
1)-الأسباب جريمة تبييض الأموال:إن لكل جريمة أسبابا و عوامل ساهمت في تبلورها وظهورها إلى الوجود و جريمة تبييض الأموال كذلك لها مجموعة من الأسباب التي دفعت بالأفراد للقيام بمثل هذه الأنشطة غير
المشروعة و هي تنقسم إلى نوعين أسباب مباشرة و أسباب غير مباشرة:
ü   الأسباب المباشرة: يمكن أن نذكر هذه الأسباب باختصار في ثلاثة نقاط أساسية وهي[5]:
أ)-البحث عن الأمان و اكتساب الشرعية خشية المطاردة القانونية.
ب)-وجود بعض الدول التي تشجع عمليات تبييض الأموال.
 ج)-عدم وجود العقوبات الرادعة.
ü   الأسباب الغير مباشرة: يمكن أن نذكر هذه الأسباب باختصار في ثلاثة نقاط أساسية وهي[6]:
أ)-الفقر و البطالة. ب)-الفساد الإداري و السياسي. ج)-الدوافع النفسية.
2)-مراحل و أساليب تبييض الأموال:توجد العديد من طرق التي يسلكها أصحاب الأموال غير مشروعة لتبييضها باستعمال أساليب مختلف من اجل إخفاء مصادر هذه الأموال وكذا الإفلات من الرقابة بالتضليل و التمويه وعليه سوف نحاول لتفصيل فيها بنوع من الاختصار لكل عنصركما يلي:
أ)- مرحلة تبييض الأموال: تتفق جميع عمليات تبييض الأموال في مرور المال القذر بثلاثة مراحل أساسية حتى يمكن أن يوظف في الحركة الاقتصادية بطريقة قانونية لا تدعو للشك وهذه المراحل هي:
- الإيداع: تعتبر أول مرحلة لتبييض الأموال وتعتبر تمهيدا تهدف إلى التخلص من الأموال المتحصل عليها من الأنشطة غير المشروعة من اجل تجنب لفت الانتباه وهذا بالبحث عن طرق مناسبة لإيداع هذه الأموال من خلال إيداعها في النظام المصرفي بصورة سريه و يتم توظيفها في مؤسسات مصرفية سواء داخل الدولة مصدر الأموال أو خارجها عن طريق فتح حسابات أو تزوير وثائق متعلقة بمصدر الأموال أو توظيفها في شراء العقارات و المعادن النفيسة أو استبدال العملات الأجنبية و تحويلها إلى الخارج مما يسنح لهم بتحرك هذه الأموال بكل سهولة وهذا تمهيدا لعملية التمويه، تعد هذه المرحلة اخطر مرحلة على أصحاب هذه الأموال فنسبة اكتشاف حقيقة هذه الأموال من طرف أجهزة الرقابة كبيرة جدا[7].
-التمويه:تعد ثاني مرحلة في عملية تبييض الأموال وتسمى أيضا ب "التجميع" وفيها يسعى أصحاب هذه الأموال إلى القيام بعملية الفصل بين الأموال المراد تنظيفها و مصادرها غير المشروعة[8]، وذلك بالقيام بمجموعة من العمليات المالية و التجارية و التحويلات المصرفية المعقدة و المتشابكة من اجل إخفاء و التضليل و طمس المعالم الحقيقية لمصادر هذه الأموال ومنع أجهزة الرقابة من معرفة حقيقة هذه الأموال وهذه المرحلة تعد ذات طابع دولي فهي تقع في عدة دول وذلك باستخدام أساليب متعددة ومعقدة.
في هذه المرحلة يمكن القول أنه نتيجة مرحلة الإيداع  يصبح من صعب اكتشاف مصادر هذه الأموال في المرحلة الثانية نظرا للممارسات المعقدة( نقل الأموال من خلال التحويلات المالية عن طريق البنوك الأجنبية ، الاستثمار في الخدمات المالية و المقامرة، توظيف الأوراق المالية عن طريق المؤسسات المالية و غيرها) التي يقوم بها أصحاب هذه الأموال القذرة لتضليل أجهزة الرقابة[9].
-الدمج: تعتبر أخر مرحلة من مراحل تبييض الأموال وهذا من خلال دمج الأموال و تدويرها في شكل مشاريع و استثمارات منتجة، مما لا يدع أي مجال للشك حول مشروعيتها، عن طريق ضخ هذه الأموال في الاقتصاد المحلي مرة أخر على أساس أنها أموال نظيفة و شرعية، في شكل مشاريع و استثمارات ،وبتمام هذه العملية تعود هذه الأموال إلى أيادي أصحابها الذين تكون لهم حرية التصرف فيها إما بتوظيفها في أعمال إجرامية جديدة أو إنفاقها و استهلاكها في حياة البذخ و الرفاهية أو بإنشاء استثمارات منتجة لتحقيق المزيد من الأرباح.إن في هذه المرحلة يكون الكشف عن مصدر هذه الأموال شبه مستحيل إلا أن أجهزة الدولة تتبع بعض الأساليب لمعرفة مصادر هذه الأموال عن طريق: التسرب و التجسس و البحث و التحري و المخبرين[10].
ب)- أساليب تبييض الأموال: تتنوع و تختلف الأساليب التي يسلكها أصحاب الأموال القذرة من اجل إعادة ضخها في النظام المصرفي بشكل طبيعي لا يلفت انتباه أجهزة الرقابة للدولة ونذكر أهمها و أكثرها شيوعا بين المبيضين للأموال:
1)- الشركات الوهمية:تسمى أيضا ب"شركات الدمى"،يكون عن طريق إنشاء أو شراء شركات قانونية تزاول نشاط معين ، لكن بدون هدف تجاري بل فقط من اجل تغطية الأموال غير المشروعة و إكسابها صفة الشرعية، إذا لا وجود لها في الواقع مما يستحيل على أجهزة الرقابة الوصول إلى الوثائق المؤسسة لها أو أصحابها، وهذه الطريقة تسهل عملية تبييض الأموال من خلال عدم ممارسة أي نشاط لهذه الشركات فعليا بالرغم من إنشائها، إذ يتم فتح حسابات مختلفة في الخارج و الداخل باسم الشركة حتى يسهل معه تحويل الأموال و ينتشر هذا النوع من الشركات في الدول التي تفتقر إلى نظام محكم للرقابة و تمتاز بالسرية للعمليات المصرفية، أو التي تكون فيها تسهيلات إنشاء مثل هذه الشركات لتغطية أنشطتها[11].
2)-بطاقة الائتمان:هي بطاقة مضغوطة يمنحها البنك للعميل والتي قد يشترك  العديد من البنوك أو بنك واحد في إصدارها على المستوى العالمي تحت رقابة المنظمة العالمية مثل" الماستر كارد" و يتم التعامل بها مع المؤسسة المالية المصدرة لها مثل بطاقة "American Express" حيث تمنح للعملاء بدل حمل النقود معهم، فيقوم غاسلو الأموال باستغلال مثل هذه البطاقات من خلال سحب المال المراد تنظيفه في صرفا آلية عبر العالم ، مما يدفع بالفرع الذي يتم سحب منه بطلب تحويل المال إليه من البنك المصدر لبطاقة الائتمان من حساب العميل الذي يكون بدوره قد تهرب من الإجراءات و القيود التي تفرض في عمليات تحويل الأموال، وهنا قد يستغلها البعض من المحتالين في تزوير بطاقات الائتمان    و كذلك استخدام أرقام العملاء من اجل سحب أموالهم مما يؤدي إلى حدوث تهديدات لعمل المصرفي[12].
3)-تهريب العملة:إن عملية تهريب العملة إلى الخارج من أسهل الطرق و أكثرها انتشارا و تداولا بين أصحاب الأموال القذرة إلا أن عملية نقلها تتعدد طرقها و وسائلها (جو، بر، بحر)، كما يتم نقلها عبر تحويل حسابات عبر البنوك  دون القدرة على التمييز بين الأموال المبيضة والنظيفة بعمليات تحويل معقدة  ،مما يتطلب الأمر محاربة الظاهرة بتشديد مراقبة جهاز الجمارك للحدود[13].
4)-إعادة الاقتراض:تتم هذه العملية بإيداع أموال غير مشروعة في بنك خارجي الذي تتوفر فيه بعض الميزات التي تسمح بإيداع هذه الأموال نتيجة عدم وجود رقابة على البنوك و عدم وجود ضرائب على الدخل وكذلك سهولة تأسيس أو شراء الشركات، ثم القيام بطلب قروض داخلية من قبل أصحاب تلك الأموال القذرة وهذا بضمان الأموال المودعة في البنك الخارجي لدولة أخرى وبالتالي يستطع تبييض الأموال من خلال الحصول على أموال مشروعة في شكل قروض تمكنهم من شراء وعقد صفقات تجارية بصفة قانونية[14].
5)-التحويل الالكتروني للنقود:في ظل التطور الذي تعرفه التجارة و المبادلات الدولية، أصبح من الضروري استحداث و اعتماد وسائل تواكب التطور الحاصل نظرا لعدم قدرة وسائل الدفع الحالية التي تعتبر وسائل تقليدية على المواكبة السريعة المطلوبة في معاملات التحويلات المالية الأمر الذي أدى إلى ظهور أنظمة جديدة تساعد على تحويل الأموال بسرعة ، غير أنها لم تخل من بعض الثغرات التي كانت محل استغلال من طرف مبيضي الأموال لتبييض الأموال من خلال نظامي التحويل الالكتروني نظام شيبس (CHIPS) الذي يعمل بنظام الدائن و المدين عن طريق نظام المقاصة يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية (مدينة النيورك)، ونظام سويفت (SWIFT) الذي يستخدم للتصريح بإجراء المعاملات المالية برقيا، أي استخدام نظام البنوك المراسلة لإتمام عملية التحويل، و يمكن استغلال هذه الوسيلة في عملية تبييض الأموال من خلال إضفاء الصفة الشرعية على الأموال بتحويلها إلى الخارج و تدويرها في دولة أخرى، مستغلين في ذلك السرية و الآلية التي يعمل بها النظامين[15].
6)-تقنيات أخرى:بالإضافة إلى هذه الأساليب توجد أساليب أخر نذكر منها: أندية المقامرة ، الخدمات المصرفية، الصفقات الوهمية ، تزوير الفواتير، سوق العقارات، شراء الأسهم و السندات في البورصة ...وغيرها، كلها طرق لضخ الأموال القذرة في النظام المالي للدولة.
إن لكل هذه الأساليب المنتهجة في عملية تبييض الأموال أثار خطيرة على اقتصاديات الدول المتقدمة   وكذا النامية و سوف نستعرض أهم الجوانب الاقتصادية التي تتأثر بهذه الظاهرة في المحور التالي.
المحور الثاني: أثار جريمة تبييض الأموال على الاقتصاد المحلي.
لقد أثبتت الدراسات المختلفة أن جريمة غسيل الأموال تنعكس على المجال الاقتصادي العالمي و المحلي على حد سواء،فأضحت بذلك خطرا يهدد اقتصاديات العديد من الدول لاسيما النامية منها نظرا لسهولة تدفق هذه الأموال فيها في غياب رقابة محكمة لهذه التدفقات وهشاشة نظامها القانوني و المالي.
وعليه يعتبر انتشار ظاهرة تبييض الأموال في الاقتصاد المحلي لأي دولة بلا شك خطرا يتهددها نظرا لما تخلفه من أثار سلبية على كافة المقومات الاقتصادية و المالية للدولة من ابرز هذه الآثار ما يلي:
1)-التأثير على الدخل القومي: بالرجوع إلى تعريف الدخل القومي بشكل مختصر على انه مجموعة من العوائد التي يحصل عليها أصحاب عناصر الإنتاج من الموطنين ، مقابل استخدام هذه العناصر في إنتاج السلع و الخدمات سواء داخل الدولة أو خارجها خلال فترة زمنية معينة تقدر بسنة واحدة، ومن هذا المنطلق فان عملية تبييض الأموال تخلق خلل في توزيع الدخل القومي وهذا من خلال تحصل فئة من الأفراد غير المنتجين على دخل غير مشروع و التي تأخذ على حساب الفئة المنتجة في المجتمع مما ينتج عنه زيادة الفجوة بين الأغنياء و الفقراء و يضاعف المشاكل الاجتماعية في الدولة و هو بالتالي يشكل تهديدا للمراكز
النسبية لمكتسبي الدخل وعليه توسع الفجوة بين الدخل القومي الرسمي و الدخل القومي الحقيقي[16].
2)-التأثير على الدخل المحلي و الاستثمار: توجد علاقة بين عمليات تبييض الأموال و مسالة الدخل المحلي وهي علاقة عكسية بحيث تؤثر بشكل سلبي فهي تهدد مصداقية الاقتصاديات و الأسواق المالية للدول ، وهذا كون زيادة تهريب الأموال إلى الخارج عندما تقترن بتحويلات النقدية و مصرفية من البنوك المحلية إلى الخارجية و هنا الوضع يصبح أسوء حيث تصبح المدخرات المحلية عاجزة عن الوفاء باحتياجاتها الاستثمارية و بالتالي تتسع الفجوة التمويلية مما يؤدي إلى انخفاض معدل الدخل المحلي ، وهذا يمس بالمدخرات التي يمكن أن تستغل في استثمارات منتجة تعود بالفائدة على اقتصاد الدولة[17].
3)-التأثير على سلامة الأسواق المالية العالمية: تأثر عملية تبييض الأموال على سلامة الأسواق العالمية و المحلية على حد سواء من خلال المساس بسمعة و مصداقية تلك الأسواق لتتحول إلى أسواق سيئة وذات مصداقية ضعيفة أو منعدمة نتيجة للآثار السلبية التي تخلفها كما تصبح مهددة للشفافية الدولية في أسواقها المالية على وجه الخصوص[18].
4)-التأثير في معدل التضخم: تأثر عمليات تبييض الأموال في تدفق أو زيادة السيول المالية في السوق المالية للدولة مما يشكل عدم تناسب مع الزيادة المسجلة في الحركة الإنتاجية للسلع و الخدمات هذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار و تدهور لدى الأفراد في القدرة الشرائية و بالتالي يؤدي إلى حدوث ضغوط تضخمات في الاقتصاد المحلي للدولة[19].
5)التأثير في سعر الصرف: إن تأثير تبييض الأموال على قيمة العملة الوطنية أمر سلبي ، وذلك نظرا للارتباط الوثيق بين هذه العملية و تهريب الأموال إلى الخارج وهذا نتيجة تهريب الأموال إلى خارج الدولة لإخفاء مصدرها الحقيقي مما يؤدي إلى تزايد في الطلب على العملات الأجنبية، ومن هنا تتأثر قيمة العملة الوطنية بانخفاض قيمتها أمام العملة الأجنبية في ظل توجه العالمي نحو تطبيق سياسات اقتصادية أكثر انفتاحا على الاقتصاد العالمي و بالتالي يعد استنزاف حقيقي للاحتياط النقدي من العملات الصعبة مما يدفع بالدولة إلى اتخاذ إجراءات لاحتواء الوضع كرفع سعر الفائدة على المدخرات المحلية من تحول العملات الأجنبية وهذا سيكون له انعكاسات سلبية في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، واكبر فضيحة هزة القطاع المصرفية في فضيحة بنك الخليفة[20].
6)التأثير في نمط الاستهلاك: تؤثر عملية تبييض الأموال من جهة أخر على نمط الإنفاق أو الاستهلاك وهذا بعدم ترشيده فبالرجوع إلى المصدر الحقيقي لهذه الأموال نجد أن أصحابها لم تتعب في تحصيلها و بالتالي لا تنتج عن جهد إنتاجي حقيقي وبالتالي ينعدم ترشيد الاستهلاك ويتم إنفاق هذه الأموال في أمور البذخ و التبذير مما اصطلح عليه بالاستهلاك البذخي و الاستهلاك المظهري و يزداد الإنفاق على المنتجات المستوردة وهذا يعود بأثر سلبي على فاتورة الاستيراد و بالتالي تسجيل عجز في الميزان التجاري و ميزان المدفوعات[21].
7)- التأثير على تطوير حركة الاستثمار الداخلي و الخارجي: إن تدفق مبالغ كبيرة ناتجة عن تبييض الأموال إلى اقتصاد دولة ما في سوقها المالي بطريقة مفاجئة و غير مدروسة من شانه ان يؤثر سلبا على جوى الاستثمار سواء على المستوى المحلي أو الخارجي ودون تركيز على تحقيق الأرباح ، إذ تصبح التنافسية بين المستثمر المحلي و الأجنبي غير متكافئة، مما تكون له تبعات أخرى كتأثير أسعار الصرف في حركة رؤوس الأموال وغيرها[22].
8)- التأثير على صياغة السياسات الاقتصادية للدول: لاشك أن عملية غسيل الأموال و ما يكتنفها من عمليات تمويه و تستر و تعتيم وسرية، سوف يجعل جزء هاما من المعطيات و المعلومات الضرورية التي تساعد في صياغة السياسيات الاقتصادية مجهولا بالنسبة لصناع تلك السياسات كما أن البيانات المتاحة لديهم لا تعبر عن حقيقة الموقف الاقتصادي لكون عمليات الغسيل تشوه الإحصائيات الاقتصادية ، وهذا الوضع سيؤدي إلى عدم استقرار في أسعار الفائدة و الصرف[23].
9)-التأثير على معدل البطالة: تنعكس عمليات تبييض الأموال على اليد العاملة فهي تسبب انتشار البطالة في كلتا الحالتين سواء بدخول الأموال غير الشرعية إلى الدولة أو الخروج منها ففي حالة دخول هذه الأموال فانه  لا يساعد في عملية امتصاص البطالة بل العكس كون أن أصحاب هذه الأموال لا يسعون إلى استثمارها في مشاريع إنتاجية لتحقيق قيمة مضافة ترتبط بالاستثمارات المنتجة، بل بغرض إضفاء الصفة الشرعية و بغية تحقيق الربح السريع مما يؤدي عدم وجود استثمارات تساعد على امتصاص البطالة ، أما في حالة خروج هذه الأموال عن طرق التهريب إلى الخارج فإنها كذلك تنعكس سلبا على تفاقم أزمة البطالة من خلال قلة الموارد المالية من اجل تسديد أجور العمال وكذلك توقف الاستثمارات نتيجة تحويل الأموال وهذا يدفع بالدولة إلى فرض ضرائب إضافية لتغطية النقص في المدخرات و يدفع بها أيضا إلى تسريح العمال وغلق المؤسسات[24] .
 بعد التعرف على أهم الآثار التي خلفتها جريمة تبييض الأموال على الاقتصاد المحلي للدولة من استنزاف للاقتصاد وتعطيل لمخططات التنمية الاقتصادية للدولة وهذه المجهودات التي كان يمكن أن تتاح لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية ، وتشويه سمعة الأسواق المالية مما ينعكس سلبا على الدخل القومي من جهة و التدني في قيمة العملة المحلية من جهة أخرى، كل هذه الآثار جعلت من الدول تسعي إلى مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة ، بتكثيف الجهود من اجل الوقاية و المكافحة من خلال الآليات والتدابير المتخذة.
المحور الثالث:الإجراءات التي سطرتها الجزائر لحماية الاقتصاد الوطني من جريمة تبييض الأموال.
بعد أن أدرك المجتمع الدولي للآثار الخطيرة و السلبية لجريمة تبييض الأموال على الاقتصاد العالمي ككل و على الدول النامية  بخصوص، فقد تكاثفت الجهود الدولية من اجل الحد من هذه الظاهرة حتى لا تلحق الأضرار بمصالح الاقتصادية للدول، مما جعل ضرورة مكافحة و الوقاية منها أمر حتمية للدول ببذل مجهود فردي على المستوى الداخلية أو بتعاون الدولي في مواجهة الظاهرة بإبرام اتفاقيات دولية لتصدي لها، وعليه سنحاول دراسة التدابير التي اتخذتها الجزائر على المستوى الدولي و الداخلي:
أولا-مساعي التعاون الدولي للمكافحة و الوقاية على الصعيد الدولي: 
سعت الجزائر إلى مكافحة هذه الظاهرة بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات و المعاهدات الدولية وإقليمية ثنائية الأطرف و متعددة الأطراف ومن ابرز هذه الاتفاقيات التي وقعت عليها الجزائر نذكر:
-اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروعة بالمخدرات و المؤثرات العقلية ف 19/12/1988 والذي كرسته الجزائر في المرسوم الرئاسي رقم 95/41 المؤرخ في 28/01/1995.
-اتفاقية الأمم المتحدة لقمع تمويل الإرهاب المعتمدة من طرف الجمعية العامة بتاريخ 15/11/2000.
-اتفاقية الأمم المتحدة الدائمة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية المعتمدة من طرف الجمعية
العامة للأمم المتحدة بتاريخ 15/11/2000 وفقا للمرسوم الرئاسي رقم 02/05 المؤرخ في 05/02/2002.
-اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بفينا، والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 2003 عم طريق المرسوم الرئاسي رقم 04/128 المؤرخ في 14/04/2004.
-مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا (MENA FATE) تتكون من 18 دولة منها الجزائر تأسست سنة 2004 اعمل هذه المنظمة على تطوير التعاون المرتبط بعمليات تبييض الأموال ذات الطابع الإقليمي[25].
-اتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية لعام 1994 تم توقيع عليها في تونس سنة 1994 تضمنت عدة مواد تنص على مكافحة تبييض الأموال وقد دخلت هذه الاتفاقية السريان في 30/06/1996.
-الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد 2000 جاءت هذه الاتفاقية على خلفية ما دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة 188/15/ ديسمبر 2000 من اجل منع و مكافحة الممارسات الفاسدة و هي تحويل الأموال بشكل غير مشروع و إعادتها إلى بلدنها الأصلية[26].
-المؤتمر الدولي الأول حول محاربة تبييض الأموال و تمويل الإرهاب بالقاهرة عقد سنة 2006 برعاية البنك العربي و بتنظيم مشترك من قبل اتحاد المصارف العربية ووزارة الخزينة الأمريكية و بالتعاون مع مجموعة الMENA FATE وجمعية المصرفيين العرب لمكافحة تبييض الأموال.
كل هذه المساعي التي تبذلها الجزائري على المستوى الدولي للوقاية و المكافحة لظاهرة تبييض الأموال تدعم على المستوى الوطني أو الداخلي بسن مجموعة من القوانين و استحداث هيئات للتصدي للظاهرة.
ثانيا-مساعي المكافحة و الوقاية على الصعيد الوطني:
بذلت الجزائر جهود جبارة لمنع انتشار هذه الظاهرة فالتزمت بالاتفاقيات و المعاهدات التي أبرمتها وعليه فقد سعت إلى سن مجموعة من القوانين لمكافحة و الوقاية من هذه الظاهرة التي أثرة سلبا على الاقتصاد الوطني و من أهم هذه القوانين نذكر:
-الأمر رقم 96/22 المعدل و المتمم بالأمر رقم 03/01 و المتعلق بقمع مخالفات التشريعات الخاصتين بالصرف و حركة رؤوس الأموال من والى الخارج[27] إذا تعاقب المادة 01 مكرر منه على جريمة الصرف[28].
-القانون رقم 04/15 المعدل و المتمم للأمر 66/156 المتضمن قانون العقوبات[29] حيث جاء فصل كامل يجرم تبييض الأموال و الفصل الثاني من القسم السادس المواد من 389 مكرر إلى 389 مكرر 7.
-القانون رقم 05/01 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب و مكافحتها[30] حتى نص المادة 36 منه تعرف تمويل الإرهاب و تبييض الأموال وحددت الأشخاص و أموال التي تخضع لهذا القانون.
-القانون رقم 06/22 المعدل و المتمم للأمر رقم 66/155 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية[31] إذا أدرجة مواد جديدة خصت بها جريمة تبييض الأموال من خلال توسع اختصاص ضبط الشرطة القضائية إلى كامل أرجاء الوطني في هذا النوع من الجرائم.
-الأمر رقم 06/05 المتعلق بمكافحة التهريب و المعدل و المتمم بالأمر رقم 06/09 و يهدف إلى وضع تدابير وقائية من خلال اتخاذ تدابير وقائية للحد من هذه الجريمة[32].
-الأمر رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته[33] و التي نصت على الوقاية و مكافحة كل أشكال الفساد و الوقاية منه في نص المادة 01 منه وهذا الأمر كان نتيجة التزام الجزائر باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 و التي صادقت عليها بتحفظ سنة 2004.
من خلال استعراض أهم القوانين التي سنها المشرع الجزائري لمكافحة الجريمة المنظمة بمختلف أنواعها  و جريمة تبييض الأموال على وجه الخصوص وكذا التصدي لهذه الظاهرة المهددة للاقتصاد الوطني.
2)- تفعيل العمل الرقابي للهيئات المكلفة بمكافحة تبييض الأموال:كان من بين التدابير التي اتخذتها البلاد سن قوانين و استحداث و تفعيل عمل هيئات من اجل مكافحة تبييض الأموال واهم هذه الهيئات:
أ)-خلية معالجة الاستعلام المالي(cellule de traitement du renseignement financier ):تم إنشاء هذه الخلية عقب أحداث 11/09/2001 بعد التوصيات التي خرج بها مجلس الأمن في 28/09/2001 بموجب المرسوم التنفيذي رقم 02/07 المؤرخ في 07/04/2002 والتي تم تنصبها فعليا في سنة 2004 و عددت مهامها في نص المادة 04 من هذا المرسوم و التي تتمحور أساسا حول الرقابة و تحقيق واستغلال المعلومات التي تتعلق بحركة رؤوس الأموال المشبوهة، وتساعد هذه الخلية 4 مصالح من اجل أداء المهام الموكلة إليها بكل فعالية وهي:
مصلحة التحقيقات و التحاليل ، المصلحة القانونية ،مصلحة الوثائق وقواعد المعطيات، مصلحة التعاون و التي تم إنشائها بموجب القرار المشترك الصادر في 28/05/2007 بطلب من وزير المالية والمدير العام للوظيفة العمومية[34].
  تمارس خلية الاستعلام المالي مهامها على ثلاثة مراحل رئيسية للتصدي لجريمة تبييض الأموال:
-مرحلة الإخطار بالشبهة: نص المرسوم التنفيذي رقم 06/05 المؤرخ في 09/01/2006 المتضمن شكل الإخطار بالشبهة و نموذجا عنه و محتواه ووصل الاستلام  الذي يعد محرك عمل الخلية فبدونه لا يمكن مباشرة المتابعة و التحقيق وذلك بإجراءات يجب أن يتبعها من يصرح بالشبهة حتى تستطيع الخلية اعتراض أي عملية مشبوهة بصفة تحفظية خلال 72 ساعة[35].
-مرحلة التحقيق:تباشر هذه المرحلة بعد تلقي تصريح الإخطار بالشبهة حيث يتم جمع المعلومات  ودراستها وذلك بالاستعانة بكل الوثائق و المعلومات الضرورية و كذلك  أي شخص يمكن أن يفيد سير التحقيق من اجل أن تصبح الشبهة يقينا لتستوجب المتابعة القضائية[36].
-مرحلة المتابعة القضائية: بعد  التحقق من صحة التصريح بالشبهة و تحويله من مجرد معلومات غير مؤكدة إلى معلومات مؤكدة يتم إحالته إلى مجلس الخلية لإحالته إلى القضاء من خلال إعداد تقرير من طرف ضباط الشرطة القضائية و تستكمل إجراءات المتابعة حتى يتم تحديد طبيعة الجريمة و إدراج ملف القضية ضمن اختصاص الأقطاب المتخصصة المنشاة حديثا( الجزائر،وهران، ورقلة ،قسنطينة)[37].
ب)-الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته:
جاءت هذه الهيئة لتجسيد مساعي الجزائر في محاربة ظاهرة تبييض الأموال التي عزمت عليها من خلال إبرام اتفاقيات دولية وكذلك سن قوانين ويعد القانون رقم 06/01 المؤرخ في 20/02/2006 و المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته من أهمها حيث يهدف  على وجه الخصوص إلى دعم التعاون الدولي    و الوقاية من الفساد و مكافحته و بالرجوع إلى مواد هذا القانون نجد أن المواد من 17 إلى 24 في الباب الثالث منه نجدها تعرف هذه الهيئة و تعدد مهامها و التي تتمحور أساسا حول التعاون و الوقاية ومكافحة كل أنواع الفساد  و الأنشطة غير المشروعة من خلال استغلال المعلومات والبحث و التعاون مع عدة جهات على رأسها القضائية.
وتقوم هذه الهيئة كل سنة بتقديم تقرير عن عملها لرئيس الجمهورية يتضمن الحصيلة السنوية لنشاط الهيئة مصحوبة بالتوصيات و الاقتراحات التي من شانها تحسين المكافحة و الوقاية و نظرا لأهميتها اصدر المرسوم الرئاسي رقم 06/413 المؤرخ في 22/11/2006 الذي يحدد تشكيلة هذه الهيئة  و تنظيمها و كيفية سيرها إذ احتوى 5 فصول تم من خلالها تفصيل تشكيلتها و عملها و تنظيمها و سيرها والأحكام المالية لهذه الهيئة[38].
في هذا الإطار اصدر الوزير الأول تعليمة تتعلق ب تفعيل مكافحة الفساد إذ حرص على تعزيز آليات مكافحة الفساد و دعمها بكل الوسائل التي من شانها مكافحة كل إهدار للمال و الممتلكات العمومية و الخاصة من خلال تطبيق إجراءات منها تعزيز مساعي الدولة بإحداث ديوان مركزي لقمع الفساد ، التعجيل بتجديد خلية معالجة الاستعلام المالي ، التعجيل بتنصيب الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته التي تم إنشائها في نوفمبر 2006، تنشيط دور كل من مجلس المحاسبة و المفتشية العامة للمالية[39].
الخاتمة:
باعتبار أن ظاهرة تبييض الأموال ظاهرة خطيرة تهدد اقتصاديات كل من الدول المتقدمة و النامية على حد سواء ، كان من الضرورة تجند الجميع للتصدي لها عن طريق التعاون الدولي للوقاية من أثارها السلبية على اقتصاديات الدول ومكافحتها دوليا و داخليا ،وفي هذا الإطار كانت الجزائر من الدول السباقة في الانضمام إلى الجهود الرامية للوقاية من هذه الجريمة و مكافحتها من خلال التوقيع على العديد من الاتفاقيات الدولية و الإقليمية ، ناهيك على الجهود المبذولة داخليا من خلال سن القوانين المجرمة لهذه الظاهرة و تفعيل دور الهيئات لمواجهة تهديدات هذه الجريمة ، رغم الصعوبات و العراقيل التي تحول في بعض الأحيان دون تحقيق هذه الأهداف المسطرة ،وعليه نخلص من خلال هذه الدراسة إلى بعض التوصيات التي نراها مهمة وهي كما يلي:
-حتمية تقليص حجم الاقتصاد الموازي الذي يعرف توسعا كبيرا في الجزائر، من خلال تشديد الرقابة و تكييف النظام الجبائي و كذا تسهيل عملية فتح السجلات التجارية، مما يساهم في تقليص حجم  عمليات تبييض الأموال الناتجة عن هذا المصدر.
-البدء في تطبيق إستراتجية عامة بتفعيل القوانين و السهر على تطبيقها ميدانيا بهدف مكافحة تبييض الأموال وكذا تنشيط الأجهزة المختصة في الوقاية منها مثل مجلس المحاسبة و البنك المركزي.
-  تسطير رقابة محكمة على عمليات  الصرف الأجنبي بغرض توفير قاعدة معلومات تمكن من معرفة حركة تنقل رؤوس الأموال
من و إلى الجزائر.
  و تبقى جهود الجزائر متواصلة في سبيل التصدي  لانتشار هذه الظاهرة من خلال تجريمها و معاقبة كل المتورطين فيها ، بالإضافة إلى تجنيد كل الوسائل و الهيئات من اجل العمل بالتعاون مع الهيئات الدولية الفاعلة من منظمات و جمعيات في مجال مكافحة تبييض الأموال لحماية اقتصاديات الدول النامية.

-قائمة المراجع:
-الكتب:
-olivier jerez , le blanchiment de l’argent, Revue banque édition, 2 édition ,Paris 2003.
-عبيدي الشافعي، الموسوعة الجنائية (قانون الوقاية من الفساد ومكافحته)، دار الهدى للطباعة والنشر، عين مليلة، الجزائر، 2008.
-محمد فتحي عبد، الإجرام المعاصر،أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1999.
- سمير خطاب، مكافحة غسيل الأموال ،منشاة المعارف، الإسكندرية، مصر، 2005.
-المذكرات:
-الشرنة سعيدة، ظاهرة غسيل الأموال و آليات مكافحتها- دراسة حالة الجزائر،مذكرة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر، 2008/2009.
- خوجة جمال، جريمة تبييض الأموال (دراسة مقارنة)،مذكرة ماجستير في القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان،2007/2008.
- دليلة ماركي، غسيل الأموال، أطروحة دكتوراه علوم، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر-
باتنة، 2007/2008.
- بن عيسى بن علية، جهود و آليات مكافحة ظاهرة غسيل الأموال في الجزائر، مذكرة ماجستير في علوم التسيير، كلية العلوم الاقتصادية و العلوم التجارية و علوم التسيير، جامعة الجزائر 3، 2009/2010.
- ذنايب آسية، الآليات الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، مذكرة ماجستير في القانون العام، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة الإخوة منتوري-قسنطينة، 2009/2010.
- تدريست كريمة، دور البنوك في مكافحة تبييض الأموال، أطروحة دكتوراه في العلوم، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة مولود معمري- تيزي وزو،2014.
-المقالات و المجلات العلمية:
- عبد الله غالم، جريمة غسيل الأموال من منظور اقتصادي و قانوني، مجلة المنتدى القانوني،جامعة بسكرة، العدد السادس.
-محمد محي الدين عوض، غسيل الأموال تاريخه و تطوره و أسباب الجريمة وطرق مكافحتها، مجلة البحوث القانونية و الاقتصادية، كلية الحقوق جامعة المنصورة ، العدد الخاص ، ابريل 1999.
 - احمد هادي سلمان، لهيب توما ميخا، الانعكاسات المترتبة على ظاهرة غسيل الأموال، مجلة الإدارة و الاقتصاد، العدد السابع و الستون/2007.
-النصوص القانونية:
-الأمر 01/03 المؤرخ في 19/02/2003 المتعلق بقمع مخالفات التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من والى الخارج ،الجريدة الرسمية، العدد 12، 2003.
-القانون 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 يعدل ويتمم الأمر 66/156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات.
-القانون 05/01 المؤرخ في 6/02/2005 المتعلقة بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب ومكافحته.
-القانون 06/122 المؤرخ في 04/12/2006 المعدل و المتمم للأمر 66/155 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية.
-الأمر 06/05 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب،و المعدل والمتمم بالأمر 06/09.
-القانون 06/01 المؤرخ في 20/02/2006 يتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، الجريدة الرسمية عدد 14 لسنة 2006.
- القانون 05/01 المؤرخ في 06/02/2005 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتها.
- التعليمة الرئاسية رقم 03 المؤرخة في 126 ذي الحجة عام 1430 الموافق 13 ديسمبر  2009.
-المواقع الالكنرونية:
-محمد عبد اللطيف فرج، عمليات غسيل الأموال، مجلة مركز بحوث الشرطة، العدد 13 يناير 1998.
- انظر الموقع: http://www.pogar.org/arabix/countries/anticorruption.asp?cid=14 sub
- عبد القادر فؤاد جمال، غسيل الأموال دراسة ، انظر الموقع : www.tashreat.com.




[1] -olivier jerez , le blanchiment de l’argent, Revue banque édition, 2 édition ,Paris 2003, p32.
[2] -محمد محي الدين عوض، غسيل الأموال تاريخه و تطوره و أسباب الجريمة وطرق مكافحتها، مجلة البحوث القانونية و الاقتصادية، كلية الحقوق جامعة المنصورة ، العدد الخاص بمناسبة البوبيل الفض للكلية، ابريل 1999، ص 182.
[3] - خوجة جمال، جريمة تبييض الأموال (دراسة مقارنة)،مذكرة ماجستير في القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة أبو بكر بلقايد، تلمسان،2007/2008، ص 14.
[4] - دليلة ماركي، غسيل الأموال، أطروحة دكتوراه علوم، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة الحاج لخضر-باتنة، 2007/2008،ص 8.
[5] - بن عيسى بن علية، جهود و آليات مكافحة ظاهرة غسيل الأموال في الجزائر، مذكرة ماجستير في علوم التسيير، كلية العلوم الاقتصادية و العلوم التجارية و علوم التسيير، جامعة الجزائر 3، 2009/2010، ص38.
[6] - بن عيسى بن علية، نفس المرجع ،ص 39.
[7] - تدريست كريمة، دور البنوك في مكافحة تبييض الأموال، أطروحة دكتوراه في العلوم، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة مولود معمري- تيزي وزو،2014،ص 81،82.
[8] - دليلة ماركي، المرجع السابق،ص 19.
[9] - عبد الله غالم، جريمة غسيل الأموال من منظور اقتصادي و قانوني، مجلة المنتدى القانوني،جامعة بسكرة، العدد السادس.،ص 296.
[10] - احمد هادي سلمان، لهيب توما ميخا، الانعكاسات المترتبة على ظاهرة غسيل الأموال، مجلة الإدارة و الاقتصاد، العدد السابع و الستون/2007،ص 216.
[11] - عبد الله غالم، المرجع السابق، ص 296.
[12] - احمد هادي سلمان، المرجع السابق،ص 217.
[13] - دليلة ماركي، المرجع السابق،ص 29.
[14] -محمد عبد اللطيف فرج، عمليات غسيل الأموال، مجلة مركز بحوث الشرطة، العدد 13 يناير 1998، ص 242.
[15] - تدريست كريمة،المرجع السابق، ص 109.
[16] - ذنايب آسية، الآليات الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، مذكرة ماجستير في القانون العام، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة الإخوة منتوري-قسنطينة، 2009/2010، ص 55.
[17] - احمد هادي سلمان، المرجع السابق،ص 224.
[18] -محمد فتحي عبد، الإجرام المعاصر،أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1999، ص 279.
[19] - خوجة جمال، المرجع السابق، ص 104.
[20] - تدريست كريمة،المرجع السابق،ص 39.
[21] - دليلة ماركي، المرجع السابق،ص 56،57.خوجة جمال، المرجع السابق، ص 105.
[22] - خوجة جمال، المرجع السابق، ص 105.
[23] - سمير خطاب، مكافحة غسيل الأموال ،منشاة المعارف، الإسكندرية، مصر، 2005، ص 122.
[24] - عبد الله غالم، المرجع السابق، ص 299.
[25] - انظر الموقع: http://www.pogar.org/arabix/countries/anticorruption.asp?cid=14 sub
[26] - عبد القادر فؤاد جمال، غسيل الأموال دراسة ، انظر الموقع : www.tashreat.com تاريخ الاطلاع:18/04/2016.
[27] -الأمر 01/03 المؤرخ في 19/02/2003 المتعلق بقمع مخالفات التشريع و التنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من والى الخارج ،الجريدة الرسمية، العدد 12، 2003.
[28] - بن عيسى بن علية، نفس المرجع ،ص 138.
[29] -القانون 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 يعدل ويتمم الأمر 66/156 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون العقوبات.
[30] -القانون 05/01 المؤرخ في 6/02/2005 المتعلقة بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب ومكافحته.
[31] -القانون 06/122 المؤرخ في 04/12/2006 المعدل و المتمم للأمر 66/155 المؤرخ في 08/06/1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزائية
[32] -الأمر 06/05 المؤرخ في 23/08/2005 المتعلق بمكافحة التهريب،و المعدل والمتمم بالأمر 06/09.
[33] -القانون 06/01 المؤرخ في 20/02/2006 يتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، الجريدة الرسمية عدد 14 لسنة 2006.
[34] -الشرنة سعيدة، ظاهرة غسيل الأموال و آليات مكافحتها- دراسة حالة الجزائر،مذكرة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر، 2008/2009، ص 126.
[35] - انظر المادة 19 من القانون 05/01 المؤرخ في 06/02/2005 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال و تمويل الإرهاب و مكافحتها.
[36] - تدريست كريمة،المرجع السابق ،ص 199.
[37] - بن عيسى بن علية، نفس المرجع ،ص149.
[38] - عبيدي الشافعي، الموسوعة الجنائية (قانون الوقاية من الفساد ومكافحته)، دار الهدى للطباعة والنشر، عين مليلة، الجزائر، 2008، ص 03.
[39] - التعليمة الرئاسية رقم 03 المؤرخة في 126 ذي الحجة عام 1430 الموافق 13 ديسمبر  2009.
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016