تطور النظام القانوني لتدابير
النظام
الداخلي
الميلود بوطريكي
أستاذ القانون العام بالكلية
المتعددة التخصصات بالناضور
جامعة محمد الاول بوجدة
مقدمة:
تدابير النظام الداخلي هي
مجموعة من التدابير التي تهدف إلى تفسير التشريعات او التنظيمات القائمة او
التذكير بالقواعد الموجودة وكيفية تطبيقها. ، وهي تضم القرارات ذات الأهمية القليلة التي يرفض القاضي الإداري
مراقبتها باعتبارها لا تضر بالمدارين. فالأمر يتعلق إذن بتدابير متخذة داخل مرفق
عام وتهدف إلى تنظيمه و تسهيل و تحسين عمله. ومن أبرز تطبيقاتها نذكر التعليمات
الرئاسية و المذكرات و الدوريات و المناشير و التوجيهات.
عرفت تدابير نظام الداخلي تطورا تاريخيا مهما
إذ قلص القاضي الإداري من خلال اجتهاداته في السنوات الأخيرة كثيرا المجالات التي كان يمكن اتخاذها فيها في
هذه السنوات الأخيرة ، فأخضع بالتالي لرقابته تصرفات كان يعتبرها في السابق غير
خاضعة لمراقبته باعتبارها تدخل في إطار النظام الداخلي.
فما هي حاليا حقيقة النظام
القانوني لتدابير النظام الداخلي؟
للحديث عن تدابير النظام الداخلي سنتطرق في المطلب الاول لأنواع تدابير النظام
الداخلي ثم نتطرق في المطلب الثاني لتطور نظامها القانوني.
المطلب الأول: انواع
تدابير النظام الداخلي
تتخذ
تدابير النظام الداخلي في الممارسة عدة تسميات كالدوريات و المذكرات و التوجيهات و
التعليمات المصلحية "و "الرسائل" والمناشير، كما انه غالبا ما تستعمل من طرف السلطات الإدارية دون
أدنى اهتمام بما تعنيه. وفي حالة النزاع ، يقوم القاضي بإعادة تكييف هذه الوثائق
المختلفة مع مصطلحاته الخاصة به.
فما
هي انواع هذه التدابير؟
الفرع الأول: الدوريات أو المذكرات او المناشير Les circulaires
الدوريات هي تعليمات و شروحات يوجهها الرؤساء
الإداريون إلى الموظفين الخاضعين لسلطتهم توضح لهم طريقة تفسير و تطبيق القواعد
التشريعية و التنظيمية. إذ
يمكن لكل رئيس مصلحة أن يعد دورية و لكن غالبا ما يقوم بذلك الوزراء و تسمى
أيضا منشورات او تعليمات أو مذكرات. و تهدف الدورية إلى التعليق على القانون لجعله
مفهوما للموظفين العموميين و هي طريقة تبين كيفية استعمال القرار mode
d'emploi de l'arrêt. و غالبا ما يستند الموظف العمومي على
الدورية دون أن يكون قد اطلع على القانون الذي يوجد خلفها.
تتميز الدورية بطابعها التفسيري، فهي لا تنشئ
قاعدة قانونية، و مع ذلك يمكن لبعض الدوريات أن تضع قواعد قانونية إما بشكل غير
إرادي، فيفسر الرئيس الإداري القانون تفسيرا خاطئا ويضيف قواعد جديدة، و إما بشكل
إرادي فيخفي رئيس المصلحة قواعد جديدة يريد فرضها تحت غطاء الدورية، و لذلك فهي لم
تعد تفسيرية بل أصبحت تنظيمية، و قد لا تكون كل الدورية كذلك، فقط سطر أو فقرة. في
هذه الحالة و عندما تصبح الدورية تنظيمية، فإنها تصبح قرارا إداريا يمكن الطعن فيه
بالإلغاء، و يفحص القاضي الإداري ما إذا كان صاحب الدورية يتوفر على سلطة تنظيمية
و ما إذا تم احترام شروط صحة القرار التنظيمي.
ولذلك يجب التمييز بين نوعين من الدوريات: دوريات تفسيرية و دوريات
تنظيمية.
الفقرة الأولى: الدوريات التفسيرية
وهي الدوريات التي تهدف إلى توضيح النصوص
التشريعية و التنظيمية و تفسيرها ، فهي لا تنشئ قواعد جديدة ، بل تكتفي بتفسير
القواعد الموجودة .
فالدورية التفسيرية إذن هي تصرف
غير آمر ذو محتوى عام وضح بواسطته سلطة إدارية للموظفين التابعين لها معنى بعض
المقتضيات القانونية. وهي لا تعتبر قرارات إدارية لأنها لا تؤدي إلى أي تعديل في النظام القانوني القائم.
فمثلا الدورية التي تحدد أصناف القرارات الخاضعة للتعليل ليس لها طابعا تنظيميا.
فالدوريات
التفسيرية إذن هي:
- وثيقة
ذات استعمال داخلي تتعلق بالعلاقات بين سلطة عليا و الموظفين التابعين لها. فمثلا
غالبا ما يوجه رئيس الحكومة أ وزيرا ما
دوريات للولاة والعمال.
- نص يكتفي بتفسير وتوضيح نصوص أخرى : قوانين او مراسيم بل وحتى قرارات . فالدورية
التفسيرية ليس لها إذن إلا وظيفة تفسيرية دون أن تضيف شيئا كيفما كان للنصوص التي
تهدف إلى ضمان حسن تطبيقها.
مثال:
تم نشر قانون(أ) متعلق بالوظيفة
العمومية و يتضمن قواعد (ب) و (ج)، و تبدو هذه القواعد غير واضحة، أصدر الوزير
دورية يوضح فيها أن (ب) تعني س1 و (ج) تعني س2. فحسب الوزير، فإن (د) دورية
تفسيرية. غير أن الكلمة الأخيرة تعود للقاضي. فإذا كان هناك طعن، و اعتبر القاضي
أن معنى (ب) و (ج) تعني على التوالي س1 و س2، فإن القاضي سيحتفظ بأن الدورية (د)
هي دورية تفسيرية.
الفقرة الثانية: الدوريات
التنظيمية
وهي تصرفات ذات محتوى عام موجهة من طرف رؤساء
المصالح للموظفين الموجودين تحت سلطتهم تنشئ حقوقا و تؤدي إلى تعديل النظام القانوني القائم أي انها تضيف شيئا ما إلى القانون أو بصفة عامة
إلى النظام القانوني بفرض شروط جديدة على المدارين، أو على العكس بإعطائهم ضمانات
جديدة، مما ينتج آثارا حقيقية على المراكز القانونية للمواطنين مثلها مثل النصوص
القانونية التنظيمية.
ففي الحياة الإدارية نادرا ما
تكتفي الدورية كيفما كانت السلطة التي أصدرتها بالتفسير والتوضيح ولكنها تضيف
قواعد جديدة غالبا ما تنص على شروط إضافية غير منصوص عليها في النصوص التي تفسرها .
وهو ما ينتج عنه تغير في طبيعة التصرف فتتحول الدورية من تصرف غير تنفيذي إلى قرار
إداري حقيقي مادام انها تتضمن قواعد جديدة وتصبح الدورية تنظيمية.
كما يوجد صنف خاص من الدوريات يمكن تكييفها بانها ذات طبيعة
مزدوجة ، لأنها تعتبر تنظيمية في جزء منها وتفسيرية في جزء آخر. وهو ما يعني أنه
من الناحية العملية أن نفس الدورية يمكن ان تكون ذات طبيعة قانونية مزدوجة،
تنظيمية من جهة لأنها تتضمن مقتضيات تؤدي إلى تعديل النظام القانوني القائم ،
وتفسيرية من جهة اخرى لأنها تتضمن مقتضيات لا تؤدي إلى تعديل النظام القانوني
القائم.
الفرع الثاني:
التوجيهات والتدابير الأخرى للنظام الداخلي
إلى جانب الدوريات او المذكرات او المناشير
الوزارية توجد انواع اخرى من تدابير النظام الداخلي كالتوجيهات والتعليمات
المصلحية تدابير التنظيم الداخلي للمرافق العامة و الاقتراحات و الآراء.
الفقرة الأولى: التوجيهات les directives
هي تصرفات إدارية ذات محتوى عام موجهة من طرف رؤساء المصالح
للموظفين التابعين لهم ب بهدف تسهيل وعقلنة عملهم . تحدد فيها الإدارة في المجالات
التي تتوفر فيها على سلطة تقديرية ، لنفسها أو الموظفين التابعين لها خطا للسلوك أو اتجاها فقهيا أو توجيهات تسترشد به في
القرارات الفردية التي تتخذها و ذلك لتسهيل مهمتها و تجنب المواقف المتناقضة.
وتسمح مثل هذه التصرفات لرؤساء
المصالح وخاصة الوزراء بتوجيه الموظفين
الخاضعين لسلطتهم لدراسة مختلف الملفات
لتجنب التمييز والتعسف.
فعلى غرار الدوريات إذن تعتبر التوجيهات تصرفات ذات محتوى عام موجهة
من طرف رؤساء المصالح للموظفين الموجودين
تحت سلطتهم، غير أن موضوعها يختلف عن موضوع الدوريات ، فهي لا توضح للموظفين
الطريقة التي يجب اتخاذ القرار بها و لكن توضح لهم القرارات التي يجب اتخاذها تطبيقا
للتنظيم الجاري به العمل.
مثال :
لمنح أو رفض منح رخص الاحتلال المؤقت للدومين
العام لإقامة الأكشاك أو مصطبات المقاهي على الطريق العام، يتوفر رئيس المجلس
الجماعي على اختصاص تقديري ، إذ لا يفرض لا القانون و لا التنظيم على رئيس المجلس
الجماعي معايير محددة لمنح أو رفض منح هذه الرخص. أصدر رئيس المجلس الجماعي
توجيهات موجهة للمصالح الإدارية موضوعها
هو تحديد المعايير التي يجب الأخذ بها في منح أو رفض منح رخص الاحتلال المؤقت
للدومين العام. والهدف هو محاربة التعسف و
التمييز و عقلنة العمل الإداري و تجنب التناقض
و اعتماد خط للسلوك و طريقته الخاصة في التسيير.
الفقرة الثانية: التدابير الاخرى للنظام الداخلي
يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من التدابير التي يعترف لها الاجتهاد القضائي
خارج الدوريات و التوجيهات بطابع تدابير التنظيم الداخلي:
أ - التعليمات المصلحية:
أي الأوامر الرئاسية التي تعطيها السلطات الإدارية للموظفين التابعين لها.
ب- تدابير التنظيم الداخلي للمرافق العامة:
كمنع حمل بعض الشارات أو لبس بعض الملابس في المؤسسات التعليمية. . ومن الأمثلة
على ذلك أيضا : تعيين طالب في فوج للأعمال التوجيهية، تحديد استعمال الزمن الخاص
بالأساتذة ، وتقدم الأوساط العسكرية و السجنية أمثلة كثيرة.
ج- الاقتراحات و الآراء:
و تهدف إلى تحضير القرارات الآتية، و يطلب
الرأي من السلطة التي ستتخذ القرار ، في حين أن الاقتراح يعتبر تلقائيا. و حسب
الحالات يمكن لمحتوى الآراء أو الاقتراحات أن يكون إلزاميا أو غير إلزامي، مطابقا
أم غير مطابق.
المطلب الثاني: النظام القانوني لتدابير النظام الداخلي
لا تضيف تدابير النظام الداخلي جديدا إلى القانون، فهي مجرد تفسير للمقتضيات
القانونية وكيفية تنفيذها، وبالتالي لا يمكن قبول دعوى الإلغاء ضدها لأنها لا
قرارات إدارية، أما إذا تضمنت هذه
التدابير قواعد جديدة بالإضافة إلى ما هو مقرر في القوانين والمراسيم التطبيقية،
فإنها تصبح قرارات إدارية قابلة للطعن فيها بالإلغاء أمام القضاء الإداري، هذا
الأخير يجب عليه أن يفحص كل تدبير من حيث ما
إذا كان ينشئ شيئا جديدا في عالم القانون، وما إذا كان يمس بالأوضاع والمراكز
القانونية للأشخاص ام لا؟ وعلى ضوء ذلك فقط يمكن اعتبار هذا التدبير قابلا للطعن
بالإلغاء أم لا.
الفرع الاول: النظام
القانوني للدوريات
يرتكز النظام القانوني للدوريات على التمييز بين
الدوريات التفسيرية والدوريات التنظيمية.
الفقرة الأولى: الدوريات التفسيرية
بالنسبة للدوريات التفسيرية، فإن القواعد
المطبقة عليها تعتبر جد بسيطة، فالمبدأ هو أن هذا النوع من الدوريات موجه للموظفين
فقط ولا يمكن أن يكون المواطنون معنيون بها.
ويترتب على ذلك أن الدوريات التفسيرية لا يمكن
الغاؤها او إثارتها أو الاحتجاج بها.
1 - لا يمكن الطعن في الدوريات التفسيرية
بدعوى الإلغاء من أجل التجاوز في استعمال السلطة، لأنها لا تنشئ
قواعد جديدة و لا تلحق ضررا بأحد بل تكتفي بتفسير القوانين والمراسيم او تذكر بها ولذلك فهي لا تعتبر قرارات إدارية
، وبالتالي فإن كل طعن ضدها سيرفضه القاضي.
2- لا يمكن
إثارة الدوريات التفسيرية أمام القاضي الاداري، فالمواطنون لا يمكنهم اكتساب أي حق
من دورية تفسيرية و لا يمكنهم الارتكاز عليها للمطالبة بإلغاء قرار إداري اتخذ في
تجاهل تام للمقتضيات التي تتضمنها بل يجب
أن يرتكزوا مباشرة على النص الذي تفسره
الدورية.
مثال :
اتخذ موظف من وزارة الوظيفة
العمومية قرارا (ج) دون الاهتمام بدورية (أ). لا يمكن لمدار أن يطلب من القاضي
إلغاء قرار (ج) بإثارة دورية(أ)، فلا يمكن أن يطلب إلغاء قرار(ج) لأنه لم يحترم
دورية(أ)،فالطاعن يجب أن يستند على النص المفسر الذي هو في هذه الحالة
قانون(ب)..فيجب إذن أن يطلب من القاضي إلغاء قرار(ج) لأنه لم يحترم قانون (ب).
3- واخيرا وفي إطار العلاقة بين
الإدارة والمواطن ، فإن الدوريات التفسيرية
ليس لها أي وجود قانوني ولذلك لا يمكن للسلطة الإدارية أن تستند على دورية
تفسيرية لاتخاذ قرار إداري ما بل يجب أن
تستند على النص الذي تفسره الدورية. وإذا قامت بذلك فإن القاضي الإداري يعتبر
القرار قرارا غير مشروع مشوب بعيب مخالفة القانون.
مثال :
أصدر وزير الوظيفة العمومية
دورية(أ) لتفسير قانون(ب) وبعد ذلك اتخذ موظف من هذه الوزارة قرارا(ت) موجها لمدار
(ث).لا يمكن للموظف أن يبرر هذا القرار(ت) بالارتكاز على الدورية التفسيرية(أ)،
وإذا قام بذلك ، فإن القرار(ت) سيكون غير قانوني مشوب بعيب مخالفة القانون ، فالموظف
يجب أن يؤسس قراره(ت) على قانون(ب) الذي تفسره دورية(أ).
الفقرة الثانية: الدوريات
التنظيمية
تخضع الدوريات التنظيمية لنظام قانوني مغاير
للنظام القانوني الذي تخضع له الدوريات التفسيرية، فالدوريات التنظيمية يمكن الطعن
فيها عن طريق دعوى الإلغاء أمام القاضي الإداري لأنها تتضمن مقتضيات تعدل النظام
القانوني القائم .
و لكن متى يمكن الطعن في الدورية
بدعوى الإلغاء؟
يمكن الطعن في الدورية بدعوى
الإلغاء عندما تكون ضارة أي عندما يكون من شأنها المساس بحقوق وواجبات المدارين. و
لكن متى تكون الدورية ضارة؟ تكون الدورية كذلك عندما يكون لها طابع آمر، فكيف نعرف
أن دورية ما لها طابع آمر؟ تكتسي الدورية طابعا آمرا عندما يسعى صاحبها إلى فرض
محتواها على الموجهة إليهم و لا يكتفي بتوجيه مجرد توصيات إليهم . فالدورية الآمرة
إذن هي الدورية التي تكون تعليماتها إلزامية للموجهة إليهم.
وهي الحلول التي نجدها في الاجتهاد القضائي الإداري المغربي ففي
قضية ازولاي اعتبر المجلس الأعلى ان
المنشور الذي يغير الطبيعة القانونية وحده له الطابع التنظيمي. وبالتالي يمكن
الطعن فيه بدعوى الإلغاء.
فعلى خلاف الدوريات التفسيرية
تكتسي الدوريات التنظيمية طابع آمرا و
مضرا و هو ما يؤدي إلى قبول دعوى الإلغاء الموجهة ضدها.
إلا أن قبول الطعن بالإلغاء لا
يكون متوقفا على التمييز بين دورية تنظيمية ودورية غير تنظيمية وانما بمدى ارتباطه
بالمشروعية الادارية وما إذا كانت الدورية تلحق ضرارا ام لا . ووحدها الدوريات التي تلحق ضررا وتترك أثرا قانونيا على وضعية
المواطنين هي التي تقبل الطعن بالإلغاء. فيبحث
القاضي الإداري ما إذا كانت الدورية لها طابع امر وتنفيذي وما إذا كانت تلحق ضرارا
وتعدل النظام القانوني القائم وتنشيئ قواعد جديدة.
ولإلغاء الدوريات التنظيمية غالبا ما يثير القاضي الإداري عدم
اختصاص صاحبها، خاصة بالنسبة للدوريات الوزارية ذلك لان الوزراء لا يتوفرون على
سلطة تنظيمية عامة.
ومع ذلك ، فإن هذا النوع من التصرفات الإدارية
لم يتوقف عن التطور، ذلك ان العديد من الوزراء لا يترددون في تمرير مقتضيات ذات
طابع تنظيمي في دورية او منشور لا يمكن ان تكون إلا تفسيرية.
إن هذه الممارسة بالإضافة إلى عدم شرعيتها،
فإنها تزيد من ضعف المواطن في علاقته امام الإدارة.
الفرع الثاني: التوجيهات
يعتبر النظام القانوني للتوجيهات نظاما مزدوجا ، يتأرجح بين الدورية
التفسيرية والدوريات التنظيمية .فكيف ذلك؟
الفقرة الأولى: خضوع
التوجيهات للنظام القانوني للدوريات التفسيرية
1-لا يمكن الطعن في التوجيهات مباشرة عن
طريق الإلغاء أمام قاضي تجاوز السلطة مادام أنها لا تعدل الوضعية القانونية
للمعنيين بالأمر و لا تضر بهم. فعلى خلاف
القرارات التنظيمية، لا يمكن الطعن عن طريق دعوى الإلغاء في التوجيهات، يمكن أن
نطلب من القاضي إلغاء قرار تنظيمي و ليس إحدى التوجيهات. فالتوجيهات لا تعتبر
قرارات إدارية، بل تسمح فقط باتخاذ قرارات إدارية، التوجيهات لا تأمر، بل توجه و
توضح اتجاها ما. و مع ذلك يجب القيام
بالتمييز بين التوجيهات التنظيمية والتوجيهات التفسيرية، كما هو الشأن بالنسبة
للدوريات، إذ أنه إلى جانب التوجيهات التي تقوم هنا بتحليل نظامها القانوني يمكن
أن توجد بل و قد توجد توجيهات ذات طبيعة تنظيمية، دون أن تحمل اسم لوائح، وهذه
الأخيرة تقبل الطعن عن طريق دعوى الإلغاء.
2
كما هو الشأن بالنسبة للدوريات
التفسيرية لا تعتبر التوجيهات قرارات إدارية
ولا تلحق ضررا إلا انها تختلف عن الدوريات التفسيرية لأنه يمكن الاحتجاج بها
في مواجهة المواطنين ، إذ يمكن للإدارة الاستناد عليها لاتخاذ قرارات إدارية، وفي
حالة النزاع يمكن للإدارة دائما التمسك
بمطابقة القرار المنازع فيه مع التوجيهات التي وضعتها ، كما يمكن للمواطنين الاحتجاج بها في مواجهة الإدارة ، إذ يمكنهم الارتكاز على إحدى التوجيهات للمنازعة في الاستثناءات غير المبررة او
المطالبة بتطبيق استثناء ما.
3-واخيرا يمكن للتوجيهات ان تكون
مشوبة بعدم الشرعية إلا انه لا يمكن تقدير عدم شرعيتها إلا عن طريق الاستثناء
بمناسبة طعن موجه ضد القرارات التي اتخذت تطبيقا لها.
الفقرة الثانية: التوجيهات لا تعتبر قرارات تنظيمية
على خلاف القرارات التنظيمية التي تفرض على
السلطة المكلفة بتنفيذها تطبيق المقتضيات التي تتضمنها ، فإن التوجيهات تسمح بحرية
التقدير فهي لا تقيد السلطة الإدارية التي
وضعتها وليس لها طابع آمر، إذ يمكن للإدارة ان تلجأ إلى دراسة كل حالة فردية حالة
بحالة ، ويمكنها قانونيا ان تخالف التوجيهات لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة او بسبب
ظروف جد خاصة متعلقة بالقضية.
فالتوجيهات لا تقصي إذن إمكانية
مخالفتها من طرف الإدارة و إذا اكتست التوجيهات طابعا ملزما للسلطة الإدارية، فإنها
ستعتبر قرارات تنظيمية.
- مثال
:
لعقلنة الاحتلال الخاص للطريق العام أصدر رئيس
المجلس الجماعي توجيهات توضح للموظفين الجماعيين المعايير التي يجب الأخذ بها لمنح
أو رفض منح الرخص. طلب المواطن(أ) رخصة، و لمنحه هذه الرخصة أو رفضها سيرجع هؤلاء
الموظفين إلى المعايير التي جاءت في توجيهات رئيس المجلس الجماعي، و حسب ما إذا
كان هذا المواطن يتوفر على هذه المعايير أم لا ستمنح له الرخصة أو سيتم رفضها، غير
أنه يمكن للموظفين إبعاد هذه المعايير لأن المصلحة العامة تقتضي ذلك أو لأن
التوجيهات غير مشروعة أو نظرا لخصوصية وضعية المواطن المعني بالأمر.
إن الوضعية القانونية للتوجيهات هي وضعية مزدوجة إذ تتموقع بين الدورية
التفسيرية و اللائحة (القرار التنظيمي) فالتوجيهات هي أكثر من الدوريات لأنها تشير
إلى معايير القرار غير المنصوص عليها في نصوص القانون، و هي أقل من اللائحة على اعتبار أنها يمكن مخالفتها في حالتين
اثنتين:
• إما بسبب
ظروف جد خاصة متعلقة بالقضية.
• و
إما بسبب اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة.
و تستدعي هذه الحلول الاعتراف لصالح المدارين
بمبدأ النشر الإلزامي للتوجيهات عندما تتضمن تفسيرا للقانون أو وصفا للمساطر
الإدارية.
خاتمة:
إن تدابير النظام الداخلي تعنبر ضرورية لأنها
تسمح بتنظيم جيد للموظفين وتحسين جودة القرارات الإدارية ومواجهة تنوع المشاكل
التي قد تطرح. إلا أنها في الواقع تقوي العلاقة التسلسلية المفروضة على المرؤوس،
فباسم الانسجام وعقلنة العمل الاداري يمكن أن تؤدي إلى أحيانا إلى قتل روح
المبادرة لدى الموظف الذي يستند في الغالب
على المنشور أو المذكرة دون ان يكون قد اطلع على القانون الذي يوجد خلفها وهو ما
يحوله إلى منفذ للتعليمات الرئاسية. كما ان غموض نظامها القانوني وتغيره من حالة
إلى أخرى يؤدي إلى اضعاف المواطن في علاقته مع الإدارة.
[2]-Koubi (g.) Les circulaires administratives, Economica, 2003p.391
.
-Gaudmet
(Y.), Remarques à propos des circulaires administratives, Mel .Stassinopoulos
P. 561.
0 التعليقات:
إرسال تعليق