تابعونا على الفيسبوك

Disqus

الترجيح بين الأدلة في إثبات الحالة الصحية لأطراف العلاقة التعاقدية - دراسة على ضوء العمل القضائي المغربي-

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الترجيح بين الأدلة
في إثبات الحالة الصحية لأطراف العلاقة التعاقدية
- دراسة على ضوء العمل القضائي المغربي-


من إعداد الباحث كمال منهوش
خريج ماستر الأسرة والتوثيق
عدل موثق متمرن

مقدمة:
  إن الحياة الإجتماعية والإقتصادية تزداد تطورا يوما بعد يوم، وهذا يعني أن العلاقات بين أفراد المجتمع تزداد تشعبا وتعقيدا، وكلما ازدادت هذه العلاقات اتساعا وتداخلا، زادت إمكانية اصطدام مصالح الأفراد.
   ولاشك أن الفقه والقانون يرصدان باستمرار هذا التطور والتغيير، إذ أنهما حريصان أشد الحرص على عدم وقوع هذا الإصطدام، ومع كل ذلك فقد يحدث أن يتعدى البعض على حقوق البعض الآخر ظلما وعدوانا بدون وجه حق، لهذا كان على من يدعي حقا أن يثبته، ومن بين الوسائل التي تثبت بها الحقوق نجد الكتابة.
  وإذا كان نظام الإثبات الجنائي المغربي يتميز بوحدة مصدره وبعدم تقييد وسائله[1]،فإن نظام الإثبات المدني يتميز على العكس من ذلك بازدواجية مصادره من جهة أولى، إذ تطبق إلى جانب القواعد المنصوص عليها في ظهير الإلتزامات والعقود[2]وقانون المسطرة المدنية [3]قواعد أخرى مستمدة من مصنفات الفقه الإسلامي، كما يتميز من جهة ثانية في شقه التشريعي بحصر الأدلة التي يجوز استخدامها للإثبات أمام القضاء.
  إن مذهب الإثبات المختلط الذي يأخذ به القانون المغربي في المسائل المدنية لا يتعارض مع تقييد وسائل الإثبات، لذلك فقد حصر المشرع الأدلة التي يجوز استخدامها للإثبات أمام القضاء، ومقتضى هذا أن الخصم لا يسعه أن يثبت ادعاءه إلا بالدليل الذي يحدده القانون، كما أن القاضي يتعين عليه ألا يبني حكمه إلا على أدلة يقررها القانون[4]،والمتمثلة أساسا في الكتابة وشهادة الشهود والقرائن والإقرار واليمين والمعاينة والخبرة[5].
  هذا، وتعتبر الشهادة الطبية أو التقرير الطبي أحد أوجه الخبرة المعتبرة إحدى وسائل الإثبات في التقنين المغربي، وهي حسب بعض الفقه عبارة عن": محرر مكتوب يشهد بمقتضاه طبيب بأنه أجرى معاينة ذات طابع طبي أو أنجز عملا طبيا"[6]،وحسب البعض الآخر يرى فيها ذلك": الإشهاد الصادر عن طبيب بكل المعاينات الإيجابية والسلبية التي تخص الشخص المفحوص، والتي من شأنها التأثير بصفة مباشرة أو غير مباشرة على المصالح العامة أو الخاصة لهذا الشخص." [7]
  ومن هذا المنطلق، فقد يجد  القضاء  المغربي  نفسه  يوميا أمام شواهد طبية مختلفة يطلب منه إبداء موقفه من قيمتها الإثباتية للبت في الدعاوى المعروضة عليه؛ بحيث يكون من الواجب عليه إبداء موقفه من حجية الشهادة الطبية في إثبات الحالة الصحية لأحد المتعاقدين.
  وبالطبع فإن الحديث عن القيمة الإثباتية للشهادة الطبية يحيل بالضرورة على موقف القضاء منها، وهو موقف يطرح أ كثر من تساؤل خصوصا متى تعلق الأمر بالتعارض بين الشهادة الطبية والشهادة"بالأتمية" أو "بالأكملية" الواردة في محررات العدول والموثقين[8] المعتبرة حسب فقه التوثيق كناية عن الطوع والرشد وصحة العقل والجسم؛ أي أن التعاقد الذي وقع الإشهاد به صدر عن المتعاقدين وهم في كامل قواهم العقلية والجسمية،وهم متمتعون بالأهلية اللازمة لذلك مع كونهم مختارين غير مكرهين[9].
  وعليه، إذا كانت الشهادة الطبية الصادرة عن أطباء القطاع العام لا تثير إشكالا، ما دامت تعتبر ورقة رسمية صادرة عن موظف عام في إطار اختصاصه، وبالتالي تستمد قوتها الإثباتية من هذه الصفة[10]، فإن الإشكال يثار بالنسبة للشهادة الطبية الصادرة عن أطباء القطاع الخاص، فهي من جهة أولى لا تدخل في إطار شهادة الشهود لأنه لا يتم الإستماع إلى منشئها أمام القضاء وفق الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية[11]، وهي من جهة ثانية لا تعتبر خبرة قضائية لأنه لا يتم إجراؤها بناء على أمر من القاضي الذي يعين الخبير ويحدد مهمته وأجل إنجازها ويقدر أجرته[12]، كما أنها لا تعتبر خبرة اتفاقية لأنها لا تنجز بناء على إتفاق  مسبق بين الخصوم الذين يعتبر الخبير بمثابة وكيل عنهم، وإنما تنجز بمبادرة خاصة من طالبها[13].
   لذلك فإن قبول الشهادة الطبية الصادرة عن أطباء القطاع الخاص كوسيلة للإثبات أمام القضاء المدني، لا يمكن أن يكون إلا بوصفها محرر مكتوب استنادا إلى الفصل 417 من القانون المغربي للإلتزامات والعقود الذي ينص على أن ":الدليل الكتابي ينتج من ورقة رسمية أو عرفية. ويمكن أن ينتج من كل كتابة أخرى".
   وعليه، غالبا ما يثير الإشهاد بالأتمية من طرف العدلين ضمن الرسم المحرر إشكالا يتعلق بمدى جواز إثبات عكس ما تم الإشهاد به بوسيلة أخرى من وسائل الإثبات المقررة قانونا، باعتبار أن الأمر يتعلق بواقعة مادية، أم أنه يلزم الطعن بالزور لأن الأمر يتعلق بوثيقة رسمية، وتزداد حدة الإشكالية حينما يتعارض الإشهاد المذكور مع ما تثبته الشهادة الطبية أو التقرير الطبي في الموضوع من كون الطرف المشهود بأتميته بالرسم العدلي كان مريضا أثناء إبرامه العقد، ففي مثل هذه الحالات يطرح إشكال أيهما يتعين على القضاء المعروض عليه النزاع ترجيحه، هل الإشهاد العدلي بالأتمية التي تفيد الصحة والطوع والعقل، أم المعاينة الطبية الصادرة عن ذوي الإختصاص التي تؤكد عكس ذلك؟
   إن الإجابة عن هذا الإشكال يعتبر فراغا تشريعيا، خلف نقاشا فقهيا واسعا أسال الكثير من المداد بين مؤيد ومعارض لهذا أو ذاك من إحدى الحجتين السالفتي الذكر، وهو ما أرخى بظلاله على الإجتهاد القضائي المغربي الذي لم يستقر على رأي واحد بل عرف تذبذبا في الآراء .
   ولسبر أغوار هذا الموضوع ، يقتضي منا الأمر إسدال الستار حول موقف القضاء المغربي من حجية الشهادة الطبية في إثبات الحالة الصحية لأحد الطرفين المتعاقد أو هما معا، وذلك من خلال محاولتنا عرض مختلف مذاهب وتوجهات  العمل القضائي المغربي بخصوص مسألة الترجيح بين الشهادة الطبية والشهادة العدلية بالأتمية في حالة التعارض والتنازع (المطلب الأول)، قبل أن نركن إلى مناقشتها ومحاولة إعمال الترجيح بين هذه المذاهب والتوجهات القضائية (المطلب الثاني).
   وذلك من خلال تقسيم الموضوع على النحو الأتي:
المطلب الأول  : عرض موقف القضاء المغربي من إشكالية التعارض بين الشهادة الطبية بالمرض والشهادة العدلية بالأتمية في إثبات الحالة الصحية للمتعاقد.
الفقرة الأولى : الإتجاه المانح الحجية المطلقة للشهادة العدلية بالأتمية في إثبات الحالة الصحية للمتعاقد.
الفقرة الثانية : الإتجاه المقيد لحجية الشهادة العدلية بأتمية المتعاقد على حساب الشهادات الطبية بمرضه.
المطلب الثاني  : نحو ترجيح موقف الإجتهاد القضائي المغربي من إشكالية التعارض بين الشهادة الطبية والشهادة العدلية في إثبات الحالة الصحية للمتعاقدين.
الفقرة الأولى : مدى مطابقة ترجيح الشهادة الطبية بالمرض على شهادة العدلين بالأتمية لأحكام الفقه المالكي.   
الفقرة الثانية : مدى مخالفة ترجيح الشهادة العدلية بالأتمية على الشهادة الطبية بالمرض لمقتضيات قانون الإلزامات والعقود المغربي 
المطلب الأول : عرض موقف القضاء المغربي من إشكالية الترجيح بين الشهادة الطبية والشهادة العدلية بالأتميةفي إثباتالحالة الصحية للمتعاقد.
  يعتبر  المرض  مسألة  واقع   يمكن  إثباتها  بكافة وسائل الإثبات[14]،  كما  تعتبر خطورته وتأثيره على الإرادة  مسألة  تقنية  تتطلب  رأي  شخص  متخصص في  الاستشفاء ومعرفة  الداء  وأثره على تصرفات  المريض.
  لذلك يكون طبيعيا  أن لا يتردد  القضاء  المغربي في الاعتماد على الشهادات  الطبية  لإثبـات الحالـة الصحيـة للمتعاقد الذي لم  يشهد  العدلان  بأتميته[15]، دون  أن  يتخلى  هذا  القضاء  بالطبع  عن سلطته في  مراقبة  مدى  توافر المرض المشهود به على الشروط المتطلبة لترتيب آثاره[16].
   لكن الإشكال قد يثار في الحالة التي تتعارض فيها الشهادة الطبية بالمرض مع شهادة العدلين بالأتمية للتدليل على صحة أطراف العقد، ففي هذه الحالة هل يلزم القاضي بالأخذ بما تضمنته الوثيقة العدلية وعدم الإلتفات إلى الشهادة الطبية ؟أم يلزم بأن يبني حكمه على ماورد في الشهادة الطبية ؟
  إن الشهادة العدلية بالأتمية التي يتم تضمينها من طرف العدول الموثقون في الوثائق العدلية باعتبارها محررات رسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور في حالة تعارضها مع الشهادة الطبية التي تثبت مرض أحد المتعاقدين، أدت إلى ظهور اتجاهين قضائيين متضاربين في العمل القضائي المغربي، ذلك أنه في الوقت الذي ذهب فيه اتجاه أول إلى  منح أتمية المتعاقد المشهود بها من لدن العدلين حجية مطلقة، واعتبارها حجة قاطعة على صحته لا يمكن إثبات عكسها(الفقرة الأولى).
ذهب اتجاه ثان إلى التخفيف من حدة حجية الشهادة العدلية بالأتمية في إثبات الحالة الصحية للمتعاقدين نحو التقييد منها لمصلحة الشهادة الطبية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الاتجاه المانح لشهادة العدلين بأتمية المتعاقد حجية مطلقة على حساب الشهادة الطبية بمرضه.
   لقد أ كد القضاء المغربي في أ كثر من مناسبة  على ترجيح الشهادة العدلية بالأتمية المضمنة في المحررالعدلي على الشهادة الطبية بالمرض في إثبات الحالة الصحية للمتعاقدين؛ حيث كان القضاء يذهب إلى اعتبار شهادة العدلين "بالأتمية" التي تعني بالنسبة إليه الطوع والرشد وصحة العقل والبدن[17]، حجة رسمية على أن المتعاقد لم يكن وقت الإشهاد مريضا، ولا يمكن إثبات عكسها بالشهادة الطبية[18].
  وفي هذا الصدد، جاء في  أحدقرارات محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 14 7 1998  ما يلي:"... إن الشهادة الطبية المتمسك بها من لدن المدعين المؤرخة في 25 10 1994 لا تكفي لوصف المرض الذي مات منه الهالك مخوفا واتصاله به لمدة لا تزيد عن سنة واحدة، سيما وأن عقد الهبة المطعون فيه يشهد أن هذا الواهب كان بأتمه جسما وطوعا وعقلا وقت إبرامه."[19]
 كما جاء في أحد حيثيات قرار محكمة الاستئناف بفاس الصادر بتاريخ 20 دجنبر 2000  ما يلي:".. إنه وخلافا لما أثاره المستأنفان، فإن والدهما المرحوم كان كامل الأهلية وتام الإدراك والتمييز، ولم يكن به أي عيب من عيوب الرضى بدليل التنصيص في عقد الشراء عدد وكذا رسم الصدقة عدد على أتميته ومن المعلوم أن الإشهاد عليه بالأتمية يضفي على تصرفاته أثناء التعاقد صبغة الشرعية، ولا ينال من هذه الأتمية ما أدلى به المستأنفان من شواهد طبية وعدلية تعضيدا لادعائهما".[20]
  واعتبارا للأدوار المنوطة بالعدول الموثقين في هذا الإطار، وتقديرا للمهام الهامة المرتبطة بوظيفة الإشهاد،فقد استمر الإجتهاد القضائي المغربي على نفس توجهاته المرجحة لحجية الإشهاد العدلي بالأتمية على حساب الشهادة الطبية؛بحيث جاء في  قرار للمجلس الأعلى {سابقا محكمة النقض حاليا} صادر بتاريخ 20 /7/ 1994 ما مفاده أن التنصيص في عقد البيع على الأتمية كاف لصحته، وذلك لما علل قراره بما يلي:"... إن التنصيص في العقد على أتمية المريض البائع يجعل البيع صحيحا".[21]
   وهو ما أكده نفس المجلس عندما ذهب في  قرار أخر صادر بتاريخ 20/9/2003 إلى التعليل بما يلي:"... لكن حيث إن محكمة القرار المطعون فيه في إطار سلطتها التقديرية لتقييم الحجج ثبت لديها من خلال وثائق الملف وفاة المتصدق بعد ثلاث سنوات من إبرام الصدقة، ومن خلال اطلاعها على الشواهد الطبية ونوع المرض المصاب به المتصدق وما تضمنه رسم الصدقة من الإشهاد عليه بالأتمية التي تفيد الصحة والطوع والعقل، فاستخلصت من ذلك كله عن صواب بأن ادعاء الطاعنين صدور الصدقة محل الطعن عن موروثهم في حالة مرض الموت غير ثابت في النازلة".[22]
  وهو نفس التوجه الذي مازال يؤكده هذا المجلس إلى غاية سنة 2005؛ إذ ذهب في أحد قراراته إلى ما يلي:".. إن المحكمة لما ناقشت وثائق الملف واستخلصت منه أن الهالك كان يتمتع بكامل قواه العقلية استنادا إلى ما شهد به العدلان من أتمية المتصدق أي الصحة والطوع، واستبعدت تبعا لذلك الشواهد الطبية التي استدلت بها الطالبتان لأنها لا تفيد أن المتصدق كان عند إبرام عقود الصدقة مختلا عقليا، تكون قد أسست قضائها على أسباب لها أصلها الثابت في الملف"[23].
   وفي قرار آخر إلى جاءفيأحدحيثياتهمايلي:"... إذا شهد العدلان بأتمية الواهب وثبت بعد إنجاز الهبة أنه سافر إلى خارج المغرب ومارس أشغاله بنفسه، فإن ادعاء وقوع الهبة في مرض الموت بناء على معاينة الملف الطبي للهالك من طرف طبيب  عام لا يعتبر لإثبات وقوع الهبة في مرض الموت، لأن المعتبر هو الأتمية أثناء العقد[24]."
   وتجدر الإشارة، إلى أن  هذا الموقف القضائي لطالما  تعرض للعديد من الإنتقادات اللاذعة من  طرف بعض الفقه المغربي، على اعتبار أنه لا يساير المنطق القانوني المجرد السليم  بسبب عدم اعتبار "الإشهاد بالأتمية" قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها، وعدم استساغته ترجيح عبارة جرت عادة العدول على ترديدها في كافة العقود على شهادة طبية صادرة عن ذوي الإختصاص،[25]ذلك أن العدلين المنتصبين للإشهاد إنما يشهدان على الحال الظاهر فقط[26]، ولعل هذا ما دفع العمل القضائي للإتجاه إلى مخالفة هذا التوجه القضائي الذي كان سائدا على العمل القضائي المغربي كما سنعرض لذلك.

الفقرة الثانية : الاتجاه المقيد لحجية الشهادة العدلية بالأتمية في إثبات الحالة الصحية للمتعاقد على حساب الشهادة الطبية بالمرض.
  في الوقت الذي كان فيه الإتجاه السائد في القضاء المغربي يذهب نحو ترجيح الشهادة العدلية بأتمية المتعاقد على حساب الشهادة الطبية التي تفيد مرضه،في المقابل ذهب اتجاه أخرإلى ترجيح كفة الشهادة الطبية بالمرض على الشهادة العدلية بالأتمية في إثبات صحة أطراف العقد؛ إذ  كانت محكمة الاستئناف بمراكش أكثر جرأة ودقة في هذا المجال، عندما عللت قرارهابما يلي:".. وحيث إن العبرة بالأتمية هو المعمول به قضاء ..
  وحيث إنه بالرجوع إلى الملف الطبي وخاصة الخبرة المنجزة من طرف الخبير المحلف نجد أنها تتضمن المراحل التي عانى فيها المريض من مرض السرطان ومحاولة علاجه بالعمليات الجراحية التي خضع لها والتي لم تفض سوى إلى تردي حالته الصحية العامة ووعيه فأصبح عاجزا عن القيام بأي إجراء إرادي في الأسابيع والأيام التي سبقت تاريخ وفاته.
  وحيث أصبح أمام المحكمة دليلان هما شهادة العدلين بالأتمية وشهادة أهل المعرفة والبصر في ميدان الطب مما يتعين معه إعمال قاعدة ترجيح الأدلة.
  وحيث إن العدلين عندما شهدا بالأتمية شهدا بها استنادا على الحالة الظاهرة لأنهما غير   مؤهلين بأن يشهدا بأن البائع كان صحيحا أو مريضا ولا أن يحددا ما إذا كانا مرضه منذرا بالموت أم لا وغير مؤهلين للوقوف على جميع أعراض المرض ومدى تأثيرها على إرادته التي اكتفى الشرع باعتبارها معيبة بمجرد التأكد طبيا من كون المرض مخوفا.
ولذلك فإن شهادة الطبيب تعد إثباتا للعكس لكونه صاحب الإختصاص والمعرفة بحالة المتعاقد، خاصة وأن هذا الإشهاد الطبي لم يوجه إليه أي طعن من طرف المستأنف عليه".[27]
  وفي نفس السياق، ذهبت الغرفة المدنية بالمجلس الأعلى {سابقا محكمة النقض حاليا} في قرارها المؤرخ  في 11 فبراير 1987، وهي ثبت في قضية تتعلق بالغبن بسبب الجهل حين استدل مدعيه بكونه كان خلال إبرام العقد تنتابه حالات مرضية تؤثر على قواه العقلية، لكن خصمه استدل عليه بعقد البيع المحرر في ورقة رسمية شهد فيها العدلان بأنه كان "بأتمه" وأيدته على ذلك محكمة الإستئناف بفاس بقولهامامفادهأنادعاء البائع بأنه كان وقت البيع تنتابه اضطرابات في قواه العقلية، وما استظهر به للتدليل على ذلك من شهادة طبية يدحضه ما وقع عليه من إشهاد بالبيع وهو بأتمه كما يستفاد ذلك من عبارة العقد الرسمي.
  حيث جاء في حيثيات قرار الغرفة المذكورة أعلاه ما يلي:"... حيث تبين أن الطاعن (البائع) أدلى بشهادة طبية من مستشفى الدولة وهي غير مطعون فيها بأي مطعن تثبت أنه كان وقت البيع يتلقى العلاج بالمستشفى عن اضطرابات عقلية إثر صدمة أحس بها كما تبين أنه كان وقت البيع تحت العلاج، فإن استبعاد القرار لما تضمنته الشهادة الطبية استنادا لما هو مذكور في عقد البيع من قوله "وهو بأتمه " مع أن العدول عندما يشهدون بالأتمية إنما يستندون إلى حالة المتعاقدين الظاهرة لهما ويتركون ما خفي منها إلى من له الإطلاع الكامل على أحوالهما دون أن يبرز بما فيه الكفاية الأسباب التي جعلته لا يعتبر تلك الشهادة يجعله معرضا للنقض".[28]
  ونلمس هذا الإتجاه أيضافي قرار لنفس المجلس صادر عن غرفة الأحوال الشخصية والميراث بتاريخ 7 أكتوبر 1997[29]، والذي اعتبر الصدقة منجزة في مرض الموت رغم أنها تمت بمقتضى رسم عدلي تضمن أن المتصدق كان وقت الإشهاد صحيح العقل والميز والإدراك وبأتمه، مسايرا بذلك موقف القاضي الابتدائي الذي ثبت له مرض الموت من الشواهد الطبية ومن القرائن ولكون المتصدق توفي بعد الصدقة بأقل من شهر.
  كما نلمسه في قرار آخر صادر عن الغرفة الشرعية بتاريخ 9 مارس 1999 في قضية تتعلق بزوج تصدق لزوجته بمنزل، فتقدم باقي ورثته بعد وفاته بمقال ضدها أمام المحكمة الابتدائية بأكادير يلتمسون بمقتضاه الحكم بإبطال رسم الصدقة لكونها صدرت من موروثهم في مرض الموت، وأدلو تأييدا لطلبهم بشهادة طبية، فأجابت المدعى عليها بأن المتصدق كان صحيح العقل وتام الميز والإدراك أثناء الصدقة وأن هذه الوثيقة تعتبر رسمية لا يمكن الطعن فيها إلا بالزور، فرفضت المحكمة الابتدائية الطلب، غير أن محكمة الاستئناف قضت بإبطال عقد الصدقة، وقد طعنت الزوجة في هذا القرار الاستئنافي بالنقض مؤكدة أنها واجهت دعوى الخصوم برسم الصدقة ولفيف العقل والتمييز المتضمنين للأتمية، وأن المحكمة لم تجب على دفعها رغم أنها وثائق رسمية.
  فأجاب المجلس الأعلى بأن :" المحكمة استندت في تعليل قرارها على شهادة عدلي الصدقة الذين عاينا المتصدق أثناء الإشهاد عليه وهو في حال مرض ألزمه الفراش وهو معه صحيح العقل تام التمييز والإدراك، وعلى اللفيف وعلى الشواهد الطبية التي أكدت أن الهالك كان يعاني من تكتلين كبيرين لورم على مستوى المتانة ولا وجود لأي علاج طبي له ولم تنف الطاعنة إصابة زوجها بمرض السرطان وانتهت في تعليلها إلى أنه لا يشترط لإبطال العقد الصادر من المريض مرض الموت أن يكون الشخص فاقد الوعي بل يكفي أن تكون إرادته معيبة بسبب المرض، وقد شاهدها عدلا الصدقة بمنزل المريض المرض الذي قطع الأطباء بعدم رجاء البرء منه مما يجعل المتصدق غير حر في إرادته ويستوجب إبطال التصرف الصادر منه، والذي مات بعده بأشهر يسيرة ،الأمر الذي كان معه القرار مرتكزا على أساس، ومعلل بما فيه الكفاية وما عابت به الوسيلة القرار غير جدير بالاعتبار".[30]
   وجاء في قرار آخر صادر عن محكمة النقض بتاريخ 3/12/2003 حينما ذهب إلى نقض القرار المطعون فيه واعتباره معيبا لأنه لم يولي أي اعتبار للشواهد الطبية المدلى بها في الملف؛ بحيث جاء في أحد حيثيات القرار المذكور ما نصه :".. أن المحكمة اعتمدت على ما شهد به العدلان في رسم الصدقة من أتمية المشهود عليه المتصدق للقول بصحة الصدقة دون مناقشة الشواهد الطبية المدلى بها في الملف .. التي تصف الحالة الصحية للمتصدق وقت إبرامه للصدقة محل النزاع  بإصابته بإضطرابات لها تأثيرات سلوكية على قدرته العقلية وقوة إدراكه وتصرفاته.. واكتفت بالقول أنه لم يبق مبرر لمناقشة ماذكر.. مع أنه كان عليها أن تناقش الشواهد الطبية والتقارير الطبية المذكورة وأثرها على عقد الصدقة محل النزاع ولما لم تفعل جاء قرارها ناقص التعليل المنزل منزلة انعدامه".[31]
   وهو نفس المنحى الذي زكته هذه المحكمة بتاريخ 22/1/2006  في قرار جاء في أحد حيثياته:"...حيث تبين صحة مانعاه السبب ذلك أن الموروث دخل المستشفى بمصلحة الانعاش .. في 29/09/1994 بسبب إصابته بوعكة دماغية، وغادرها في اليوم الموالي.. وأشهد بالاعتراف بالبيع في 28/10/1994 وتوفي بعد يومين في 30/10/1994، والمحكمة من جهة لما استبعدت الشهادة الطبية المذكورة بتعليل أنها لا تثبت إصابة الموروث بالخلل العقلي، في حين أن تصرفات فاقد الأهلية ليست وحدها الموجبة للبطلان، وأنه يكفي أن يثبت أن المريض قد أقدم على تصرفه تحت وطأة المرض الذي يغلب منه الوفاة وينتهي بها فعلا اتصالا منه.. فإن قرارها ناقص التعليل".[32]
  واستقر عليه قضاء محكمة النقض إلى غاية تاريخ7/9/2009 ؛حيث جاء في أحد  حيثيات قرارها ما يلي:"...لكن حيث إن المحكمة قدرت الوثائق المعروضة عليها من الطرفين لما لها من سلطة في تقدير الحجج، وثبت لها أن رسم الاعتراف المستدل به من طرف مورثة الطاعنين إذا كان يشهد بأتمية المعترف بالبيع فان مجال الشهادة ينحصر في ظاهر حال  المشهود عليه، ولا يمتد إلى الأمراض الباطنة التي لا يعلم بها إلا أهل الطب، وإذا هي استبعدته مرجحة الشهادة الطبية المدلى بها من طرف المطلوب المؤرخة في 1/11/1996 .. طالما أنها وجدت في أوراق الدعوى وعناصرها ما يكفي لاقتناعها بالرأي الذي انتهت إليه ويبقى ما أثير بدون أساس".[33]
  انطلاقا مما سبق، يلاحظ أن موقف الإجتهاد القضائي ذهب نحو التقيد من القوة الثبوتية للأتمية الواردة في المحرر العدلي، في المقابل أعطى للشهادة الطبية حجية كبيرة في إثبات الحالة الصحية للمتعاقد، وذلك على اعتبار أن الأتمية ليست واقعة مادية حدثت أمام العدول وشهدواها، وإنما هي مجرد استنتاج الحالة الظاهرة للمريض المتعاقد، خصوصا وأن مهمة القطع والحسم فيما إذا كان الطرف المتعاقد مريضا أم لا ليست من المهام التوثيقية، وإنما هي مهمة طبية يتعين إسنادها لطبيب مختص[34].
   وأمام هذا التضارب القضائي، وما ترتب عنه من اختلافات في أراء الفقه القانوني حول مسألة الترجيح بين القوة الثبوتية للرسم العدلي الدال على أتمية المتعاقد وبين القوة الثبوتية لما تضمنته تقارير الشهادة الطبية من مرضه، ولتفادي النتائج السلبية لهذا التضارب التي من شأنها أن تنعكس على السعي نحو تكريس الأمن القضائي المنشود اعتبارا  لإنعدام الأمن التوثيقي، فإننا نتساءل حول أي الموقفين يمكن ترجيحه باعتباره الأقرب إلى المنطق القانوني المجرد السليم؟

المطلب الثاني : نحو ترجيح موقف الإجتهاد القضائي المغربي من إشكالية التعارض بين الشهادة الطبية و الشهادة العدلية في إثبات الحالة الصحية للمتعاقدين.
  إذا كان موقف القضاء المغربي السائد هو اعتماد الشهادة الطبية في إثبات الحالة الصحية لأحد الأطراف المتعاقدة الذي لم يشهد العدلان بأتميته أمر منطقي، باعتبار أن المرض واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع وسائل الإثبات[35]، فإن ما يستدعي المناقشة هو تردد هذا القضاء في اعتماد هذه الشهادة الطبية بالمرض في الحالة التي يشهد فيها العدلان بأتمية ذلك المتعاقد،  وذلك استنادا إلى كون الشهادة العدليةبالأتمية هي حجة رسمية  قاطعة لا يجوز إثبات عكسها.
  ذلك أنه في منح "الأتمية" المشهود بها من لدن العدول قوة إثباتية مطلقة لايمكن الطعن فيها إلا بالزور، يستدعي طرح بعض التساؤلات من قبيل : ما مدى مطابقة هذا التوجه من  مخالفتهلقواعدالفقهالمالكي (الفقرة الأولى) ولنصوصظهيرالالتزاماتوالعقود المغربي (الفقرة الثانية) المطبقين أمام المحاكم المغربية؟
   حتى يتسنى لنا وضع الأسس والمعايير التي تمكننا من إقامة الترجيح بين موقف الإجتهاد القضائي المتضارب في مسألة حجية الشهادة العدلية بالأتمية في إثبات الحالة الصحية لأحد المتعاقدين على حساب الشهادة الطبية التي قد تثبت العكس .
الفقرة الأولى:مدى مطابقة ترجيح شهادة العدلين "بالأتمية" على الشهادة الطبية بالمرض لقواعد الفقه المالكي؟
   إذا كان المجلس الأعلى {سابقا} قد دأب في معظم قراراته إلى منح "الأتمية" المشهود بها من لدن العدلين حجية مطلقة؛ بحيث جعل الإشهاد العدلي بها دليلا قاطعا على الأمور الثلاثة، الطوع والرشد وصحة العقل والبدن[36]، فإن التساؤل الذي يمكن طرحه بهذا الخصوص هو مدى مطابقة هذا التصور لأحكام الفقه المالكي؟ وبعبارة أخرى إلى أي حد يمكن اعتبار تغليب شهادة العدلين بأتمية المتعاقد على حساب شهادة أهل الإختصاص من الأطباء مطابقا لأحكام الفقه المالكي؟ وما حدود نطاق حجية الأتمية العدلية في إثبات الحالة الصحية للمتعاقدين؟
  إنه بالإطلاع على غالبية مواقف وأراء فقهاء المذهب المالكي، نلاحظ أنالإتجاه القائل بمنح الأتمية العدلية حجية مطلقة على حساب شهادة الطبيب الخبير فيه مخالفة  لقواعد  الفقه المالكي الجاري به العمل أمام المحاكم ، وسنحاول إبراز أوجه هذه المخالفة من ناحيتين اثنين على الشكل التالي:

فمن الناحية الأولى:
  يقتصر الإشهاد العدلي على المراد من الوثيقة العدلية كنكاح وبيع ورهن...،وما إلى ذلك مما تم إتفاق المتعاقدين على توثيقه في العقد، ولا يشمل ما ورد على سبيل الحكاية وما تتطلبه المباني والصيغ المعتادة في الوثيقة[37]، والمقصود بالحكاية كل ما يتم تدوينه دون العلم بحقيقته ومن دون تلقيه من المتعاقدين أو الشهود[38].
   وفي هذا المقام قال الشيخ ميارة الفاسي في شرحه:"اعلم أن مدار الوثيقة على ما تضمنه الإشهاد من تعمير ذمة أو عقد بيع أو وكالة أو نحو ذلك مما هو مقصود بالذات، وأما ما يذكر في الوثيقة من غير ذلك فلا يثبت بثبوت الوثيقة إلا إذا ضمن الشهود ( أي العدول) في الوثيقة معرفة ذلك فإن كان في الوثيقة خبر أو شهد عليهما بحال صحة وطوع وجواز (أو بأتمه أو بأكمله) وعرفهما أو عرف بهما فلا يثبت شيء من ذلك بثبوت الوثيقة، لأن الإشهاد إنما انصب للمقصود بالذات"[39] .
 ومن الناحية الثانية:
   فإن شهادة العدلين "بالأتمية" لا تنصرف إلى الأمراض الخفية غير الظاهرة، التي لا يرجع أمر النظر فيها إلا للأطباء بوصفهم أهل الخبرة والمعرفة بها،وفي ذلك يقول الفقيهان التاودي[40] والمواق[41]":..فإن كان مما لا يعلمه إلا أهل العلم به كالأمراض التي لا يعرف أسرارها إلا الأطباء فلا يقبل إلا قول أهل المعرفة بذلك"[42].
   وقال الشيخ خليل في باب الحجر من مختصره: ".. وعلى مريض حكم الطب بكثر الموت منه"،وقد شرح الفقيه الحطاب ذلك بقوله: "ويرجع إلى معرفة الطبيب بأن الهلاك به كثير"[43].
    وأضاف  الفقيه التسولي في شرحه لتحفة بن عاصم قائلا: "..ومراده بمرض الموت المرض المخوف الذي حكم أهل الطب بكثرة الموت منه وفهم مما مر أنه لا تقبل فيه إلا شهادة الأطباء العارفين بالمخوف ومن غيره ولا تقبل فيه شهادة غيرهم"[44].
   وإذا ثبت ماسبق، حق علينا القول أنه يتعين حصر نطاق "الأتمية"  التي يشهد بها العدول على الخصوص في الأمراض الظاهرة للعيان كالشلل والعمى ونحوهما، دون أن يمتد مفعولها ليشمل الأمراض الخفية؛ إذ كيف يتأتى للعدلين معرفة الأمراض التي تخفى أحيانا حتى على الأطباء بمجرد المعاينة البصرية السطحية للمريض واستفساره من خلال بعض الأسئلة التي تبدو بديهية، كأمراض الكبد الفيروسية وأمراض القلب والشرايين، وما إلى ذلك من الأمراض الخفية الموكول القول فيها للأطباء وحدهم من ذوي الاختصاص منهم[45].
  وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض في أحد حيثيات قراراتها إلى ما يلي:"...حقا حيث إن دعوى الطاعنين الرامية إلى إبطال البيع المؤرخ في :10/11/1988 مبنية على أن البائع كان عند إبرام البيع مريضا مرض الموت ... فإن المحكمة بدل أن تناقش مرض البائع في إطار المفهوم الفقهي المذكور لمرض الموت، اعتمادا على الشواهد الطبية واللفيف المشار إليهم بالوسيلة، بررت رفضها طلب الإبطال على أتمية البائع تأسيسا على أن البيع تم بمقتضى رسم شراء أمام عدلين  شهدا بتمام العقل والإدراك، وبأن البائع لم يكن مريضا وقت البيع الذي تم 16/10/1988، في حين أن أتمية البائع  مع ثبوتها لا تنفي مرض الموت، مما يجعل قرارها فاسد التعليل المبني على خرق القواعد الفقهية المحددة لشروط مرض الموت ومعرضا للنقض."[46]
الفقرة الثانية: مدى مخالفة ترجيح شهادة العدلين"بالأتمية" على الشهادة الطبية بالمرض لمقتضيات قانون الالتزامات والعقود المغربي؟
   يستند الإتجاه القضائي المرجح لشهادة العدلين "بالأتمية" على كون الرسم العدلي الذي يشهد فيه العدلان بأن المتعاقد كان وقت التعاقد بأتمه يعتبر ورقة رسمية، وبالتالي حجة قاطعة على أنه لم يكن مريضا وقت التعاقد لا يمكن إثبات عكسها، وذلك تطبيقا للفقرة الأولى من الفصل 419 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أن :"الورقة الرسمية حجة قاطعة، حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور".
  لكن إذا كان العقد المحرر من لدن عدلين يعتبر ورقة رسمية طبقا للفصل المذكور، فإن الذي يستفيد من هذه الصفة ليعتبر دليلا قاطعا لا يمكن إثبات عكسه إلا بالطعن فيه بالزور هو ما يثبته المحرر بناء على معرفته أو مشاهدته أو سماعه شخصيا، أما الأمور التي لا يستطيع المحرر وليس مطلوبا منه أن يتحقق منها شخصيا وقت تحرير العقد كحالة المتعاقدين الصحية، فلا تستفيد من هذه الصفة ويمكن إثبات ما يخالفها باعتبارها خارجة عن مهمته.[47]
  وبناء عليه، لا يمكن القول بأن شهادة العدلين بالأتمية تتمتع بالحجية المطلقة، لتعلقها بواقعة حدثت أمامهما أثناء قيامهما بمهمتها، فالواقع أن "الأتمية" ليست واقعة مادية حدثت أمام العدلين، وشاهداها، وإنما هي "استنتاج" من "الحالة الظاهرة للأطراف المتعاقدة".
  ومن المعلوم أن ما يستنتجه محرر الورقة الرسمية من الوقائع التي تعرض أمامه أثناء التحرير، لا يكتسب صفة البيانات الرسمية التي يضفي عليها القانون قوة إثباتية قاطعة، وإنما يخضع في تقييم قوته الإثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة التي تعتمد بالخصوص الوقائع التي اعتمدها المحرر في استنتاجه[48].
  وبالتالي أمكننا القول إن شهادة العدلين بالأتمية ما هي إلا رصد ظاهري للحالة الصحية للمريض المتعاقد،مما يفيد أنه قد يكون الواقع مخالفا لهذا الرصد والإستنتاجخصوصا وأن مهمة القطع والحسم بما إذا كان الشخص المتعاقد مريضا ليست مهمة توثيقية، وإنما هي مهمة طبية يتعين إسنادها للطبيب المختص[49].
   وبه نخلص إلى أن العدول والموثقين لا يعتبرون مؤهلين بأن يشهدوا بأن المتعاقد كان مريضا أو صحيحا إلا في حالة واحدة وهي استشارة طبيب أو أطباءمحلفين  للتأكد من الحالة الصحية لهذا المتعاقد.
   وفي هذه الحالة يتعين عليهم أن يعرفوا بهم طبقا للفصل 420 من قانون الإلتزامات والعقود الذي ينص على أن:" الورقة الرسمية حجة في الاتفاقات والشروط الواقعة بين المتعاقدين وفي الأسباب والمذكورة فيها وفي غير ذلك من الوقائع التي لها اتصال مباشر بجوهر العقد، وهي أيضا حجة في الأمور التي يثبت الموظف العمومي وقوعها إذا ذكر كيفية وصوله لمعرفتها، وكل ماعدا ذلك من البيانات لايكون له أثر."
   أما في غير هذه الحالة، فإن العدلين أو الموثق لا يستطيعون أن يقفوا على جميع أعراض المرض، لأن ذلك يعتبر من اختصاص أهل الخبرة أي الأطباء، أما إشهادهم بأن المتعاقد كان بأتمه فهو استنتاج منهم فقط في ضوء الحالة الظاهرة للمتعاقد، ولذلك يظل قابلا لإثبات العكس وخاصة بشهادة الأطباء[50].
   كما أن الشهادة بأتمية المشهود عليه تشكل  في نظر بعض الفقه ضربا من بنود الروتين التي نقف عليها في جميع الرسوم العدلية للبيوع والتي غالبا ما ينقلها العدول من كتب الوثائق من غير أن يعرف معظمهم مدلول ما يسطر في آخر الرسوم من عبارة: ".. عرفا قدره شهد به عليهما بأتمه وعرفهما"، والأصل في بنود الروتين ألا يعتد بها[51].
لكل هذه الإعتبارات، فإنه في اعتبار شهادة العدلين بالأتمية حجة مطلقة يعد تطبيق خاطئ للفقرة الأولى من الفصل  419 قانون الإلتزامات والعقود المغربي، ومخالفة صريحة للفصل 420 من نفس القانون الذي لا يجعل الورقة الرسمية حجة في الأمور التي يثبت الموظف العمومي وقوعها إلا إذا ذكر كيفية وصوله لمعرفتها.

خاتمـــــــة:
  وبهذا يتضح لنا أن الأتمية العدلية لا يمكن أخذها على إطلاقها في إثبات صحة المتعاقد، وذلك لسبب بسيط هو افتقاد السادة العدول والموثقين في تكوينهم للمؤهلات العلمية التي تؤهلهم للوقوف على الحالة الصحية للمتعاقد،وتحديد نوعية المرض المصاب به ودرجة خطورته، وإن كان يبدو أن هذا الرأي يكاد يجهز على حجية المحرر الرسمي التوثيقي، إلا أنه من منظورنا يبقى الرأي الراجح والأقرب إلى الصواب والمنطق القانوني السليم، الذي ينادي بإعطاء الأولوية للشهادة الطبية الكفيلة وحدها بحفظ الحق كلما كنا أمام إثبات الحالة الصحية للمتعاقد خاصة أمام حالة المريض مرض الموت.
  ومن تم نرى أنه أن الأوان على القضاء المغربي أن يحصر نطاق شهادة عدلين بأتمية المتعاقد فيما يخص الأمراض الظاهرة كالعمى والشلل...إلخ، وإخضاع ما سواها من الأمراض الباطنية الخفية  إلى أهل الإختصاص من ذوي  الخبرة الطبية .
  ونحن برأينا هذا لا نتفق مع الرأي الفقهي والإتجاه القضائي الذي يذهب إلى القول بأن توظيف عبارة "الأتمية" أو" الأكملية" في الوثيقة العدلية هو مجرد عادة دأب عليها معشر السادة العدول والموثقون، لما فيه من تبخيس للمهام والأدوار التي يقوم بها هذا الجهاز التوثقي الذي يلعب دورا جوهريا في المنظومة التوثيقية ببلادنا من خلال إسهامه في تكريس مبدأ الأمن التعاقدي، كما أننا لا نتفق تمام الإتفاق مع الرأي القائل بمنح الأتمية العدلية في المحرر الرسمي الحجية المطلقة في إثبات الحالة الصحية للمتعاقدين، وإنما حسبنا في ذلك هو تحري موقفا وسطا نتوخى من خلاله  توحيد الإجتهاد القضائي المغربي بما يحفظ للوثيقة العدلية مركزها القانوني ضمن وسائل الإثبات الرسمية التي لايمكن الطعن فيها إلا بالزور هذا من جهة،  ومن جهة أخرى يضمن للشهادة الطبية قيمتها الثبوتية فيما يخرج عن إختصاصات العدول التوثيقية، إيمانا منا بمبدأ الإختصاص الوظيفي، ومن جهة ثالثة حفاظا على تكريس الأمنين التوثيقي والقضائي.
وفي الأخير، أتمنى أن يكون هذا العمل المتواضع بادرة طبية لضمان إستقرارالإجتهاد القضائي  على المنطق القانوني المجرد والسليم الذي يعطي للشهادات الطبية قوتها الإثباتية في المجال التقني والعلمي الخارج عن نطاق معرفة العدل المنتصب لتلقي الشهادات وتوثيقها.
 

المصادر الفقهية:
أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي، البهجة في شرح التحفة، ضبطـه وصححـــه محمد عبد القادر شاهين ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1998 ، الجزء الثاني.
أبو عبد الله محمد بن محمد التاودي،حلى المعاصم لفكر ابن عاصم، الجزء الثاني.
أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمان الرعيني المعروف بـالحطاب ، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ، مطبعة السعادة  ـ مصر ، الطبعة الأولى سنة 1329 هـ، الجزء الخامس.
أبي عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري الشهير بالمواق، التاج والإكليل لمختصر خليل، الجزء الخامس.
المراجع:
المراجع العامة :
إدريس العلوي العبدلاوي، وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي ،مطبعة النـجاح الجديدة ،طبعة 1410 هـ الموافق1990 م.
أورده عبد السلام حدوش، البيان والتحرير في التوليج والمحاباة والتصيير،مطبعة دار السلام الرباط،الطبعة 1999/2000.
مأمون الكزبري وادريس العلوي العبدلاوي، شرح المسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي، مطابع دار القلم، بيروت 1973، الجزء الثاني.
محمد شيلح، مرشد الحيران إلى الفهم المحمود بفك القيود عن نكث  أحكام البيع المنضود في القانون  المغربي للالتزامات والعقود، مطبعة أنفو برانت فاس ، الطبعة الأولى، 1998.
المراجع الخاصة:
إبراهيم بحماني، عقود التبرع في الفقه والقانون والقضاء، الطبعة الاولى، السنة 2012.
أحمد ادريوش، أثر المرض على عقد البيع ، تأملات حول تطبيق القضاء للفصلين 54 و479 من قانون الالتزامات والعقود ، سلسلة المعرفة القانونية 2 ، مطبعة الأمنية ـ الرباط ، الطبعة الأولى  1996.
أبي الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني، التدريب على تحرير الوثائق العدلية، مطبعة الأمنية الرباط،الطبعة الثانية،1475هـ/1995 م،الجزء الأول.
أحمد نشأت، رسالة الأثبات ، الطبعة السابعة، الجزء الأول، فقرة 148، ص 223.
سليمان أدخول، المركز القانوني للوثيقة العدلية  في نظام السجلات العقارية،دراسة على ضوء التوثيق العدلي والتشريع العقاري المغربي،دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط،الطبعة الأولى،2015.
عمر الأبيض،شرط الحوز في التبرعات،مطبعة الامنية الرباط،الطبعة الاولى،2011.
عبد السلام فيغو، التصرفات الصادرة عن المريض مرض الموت دراسة فقهية قانونية مقارنة، مطبعة الأمنية الرباط، الطبعة الثانية، السنة2010.
محمد الكشبور،بيع المريض مرض الموت قراءة في قرار المجلس الأعلى عدد3958 الصادر في 24 يونيو 1997، مطبعة النجاح  الجديدة،الطبعة الأولى،1422 ه/2002 م.
محمد برادة غزيول، الدليل العملي للعقار الغير المحفظ،منشورات جمعية المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الدراسات والأبحاث،العدد7،فبراير2007.
المجلات :
مجلة الإشعاع، العدد الحادي عشر ، السنة السابعة ، يناير 1995.
مجلة المحاكم المغربية ، عدد 71.
مجلة المحاكم المغربية،عدد 51، شتنبر أكتوبر 1987.
مجلة رسالة المحاماة، العدد 15 – أكتوبر 2000.
مجلة قضاء المجلس الأعلى ، عدد 55 ،يناير 2000.
مجلة قضاء المجلس الأعلىعدد 55، يناير 2000.
مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 49 50 يوليوز 1997.
مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 52 ،يوليوز 1998.
مجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد61،2000.
مجلة قضاء المجلس الاعلى،عدد 48،2000.
مجلة قضاء المجلس الأعلى،عدد61،يناير 2003.

المراجع باللغة الفرنسية:
Anne. Marie LARGUIER ,Certificats médicaux et secret professionnel , Thèse  lyon 1961 , LIBRAIRIE DALLOZ , PARIS , 1963 , par 34.
Jean . Marie AUBY ,Le droit de la santé,  presse universitaire de france , 1er édition , 1981.
القوانين :
قانون الإلتزامات والعقود المغربي.
قانون المسطرة المدنية المغربي.
القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة.




[1]- ينص الفصل 228 من قانون المسطرة الجنائية المغربي على أنه :"يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا الأحوال التي يقضى فيها القانون بخلاف ذلك ويحكم القاضي حسب اعتقاده الصميم".
وباستقراء وسائل الإثبات نجد أنها تشمل: الاعتراف والأوراق والمحررات والشهادة والخبرة والقرائن، ويزيد البعض المعاينة والتفتيش، وإن كان الواقع خلاف ذلك. انظر بهذا الخصوص: أحمد الخمليشي: شرح قانون المسطرة الجنائية، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، الطبعة الرابعة 1999. ج2، ص: 107 وما بعدها .
[2] -  كما عدل وتمم  بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.11.140 صادر في 16 من رمضان 1432 (17 أغسطس 2011)، الجريدة الرسمية عدد 5980 بتاريخ 23 شوال 1432 (22 سبتمبر 2011)، ص: 4678.
[3]-ظهيرشريف بمثابة قانون رقم 1.74.447، صادر بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرةالمدنية،الجريدةالرسمية عدد 3230 مكرر،بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)،ص: 2741.
[4]  - ادريس العلوي العبدلاوي:" وسائل الإثبات في التشريع المدني المغربي "،مطبعة النـجاح الجديدة ،طبعة 1410 هـ الموافق1990 م، ص:54.
[5]  - يتجه الرأي الغالب إلى أن الخبرة وسيلة إثبات تهدف إلى التعرف على وقائع مجهولة من خلال الواقع المعلوم، ويستند أنصار هذا الرأي في تأييد وجهة نظرهم إلى أن الخبرة وسيلة إثبات خاصة تنقل إلى حيز الدعوى دليلا ، ويتطلب هذا الإثبات معرفة ودراية لا تتوافر لدى عضو السلطة المختص نظرا إلى طبيعة ثقافته وخبراته العملية، كما قد يتطلب الأمر إجراء أبحاث خاصة أو تجارب عملية تستلزم وقتا لا يتسع له عمل القاضي أو المحقق. بينما ذهب بعض الفقهاء إلى أن الخبرة ليست وسيلة إثبات في حد ذاتها لأنها لا تهدف لإثبات وجود أو نفي واقعة أو حالة ما ولكنها  وسيلة لتقدير عنصر إثبات في الدعوى. انظر بهذا الخصوص: مأمون الكزبري وادريس العلوي العبدلاوي: شرح المسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي، مطابع دار القلم، بيروت 1973، الجزء الثاني، ص265 وما بعدها.
[6]-Jean . Marie AUBY :" Le droit de la santé,  presse universitaire de france , 1er édition , 1981 ; p : 110 .
[7]- Anne. Marie LARGUIER :" Certificats médicaux et secret professionnel ", Thèse  lyon1961 , LIBRAIRIE DALLOZ , PARIS , 1963 , par 34 , p : 31 .
[8] - كلما تعلق الأمر بالإشهاد على تصرف قانوني أوجب المشرع المغربي بموجب المادة 31 من القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة على العدلين تضمينها كون المشهود عليه يتمتع بالأهلية القانونية للتصرف في المشهود فيه، وهذا ما يطلق عليه في فقه التوثيق بالأتمية أو الأكملية ،وهكذا جاء في المادة المذكورة مايلي:"يتعين أن تشمل الشهادة على الهوية الكاملة للمشهود عليه، وحقه في التصرف في المشهود فيه، وكونه يتمتع بالأهلية القانونية لهذا التصرف."
[9]-أبي الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني:" التدريب على تحرير الوثائق العدلية"، وثيقة وشرح، علق عليه أحمد الغازي الحسيني، مطبعة الأمنية الرباط،الطبعة الثانية،1475هـ/1995 م،الجزء الأول،ص:16.
[10]- أنظر الفصل 418 من ق ل ع .
[11] - أنظر الفصول من 71 إلى 84 من ق م م.
[12] - ويعتبر الخبير في هذه الحالة ملزما باتباع الإجراءات المنصوص عليها في الفصول من 59 إلى 66 من ق.م.م، كما وقع تعديلها بمقتضى القانون رقم 85.00 الصادر بتنفيده في 29 رمضان 1421 ( 26 ديسمبر 2000) الظهير الشريف رقم 1.00.345 منشور بالجريدة الرسمية عدد 4866 23 شوال 1421 (18 يناير 2001)، ص 233 وما بعدها.
[13]- وحتى إذا ما حاولنا اعتبارها ورقة عرفية فإننا سنواجه عدة مشاكل قانونية: ذلك أنه يشترط في الورقة العرفية المعدة للإثبات أن تكون مكتوبة بيد الشخص الملتزم بها أو موقعة منه طبقا للفصل 426 من ق ل ع، في حين أن الشهادة الطبية تكون مكتوبة بيد الطبيب الذي ليس طرفا في النزاع. كما أنه يجب على من لا يريد الاعتراف بالورقة العرفية التي يحتج بها عليه أن ينكر صراحة خطه أو توقيعه ، في حيـن أن الخط والتوقيـع الواردين بالشهـادة غيـر منسوبين إليه أصلا، وإنما إلى الطبيب الذي أنشأها، فيكون من العبث مطالبته بإنكارهما.
[14]- أحمد ادريوش: "أثر المرض على عقد البيع" ، تأملات حول تطبيق القضاء للفصلين 54 و479 من ق.ل.ع ، سلسلة المعرفة القانونية 2 ، مطبعة الأمنية ـ الرباط ، الطبعة الأولى  1996 ، ص: 77.

[15]  - قرار محكمة الاستئناف بالرباط رقم 3709 بتاريخ 04 05 1999 في الملف العقاري 3053/1998، منشور بمجلة رسالة المحاماة، العدد 15 – أكتوبر 2000، ص 147 وما بعدها.
 جاء في حيثياته: "وحيث أن عقود الهبة المطعون فيها لم تتضمن إلى صحة الواهب ولم تفرغ في إشهاد رسمي.
وحيث ثبت من التقرير الطبيوالشواهد الطبية المرفقة بالملف أن الهالك ع.ب اشتد حاله تطلب عدة استشفاءات بسبب تشمع الكبد والرئة والقلب والسكري أثر على إرادته.
وحيث أن مرض تشمع الكبد الخطير المقترن بمرض القلب والسكري يعد مرضا مخوفا يغلب فيه الموت حسبما هو ثابت من الشواهد الطبية المرفقة بالملف".
[16] - انظر بهذا الخصوص:
-قرار محكمة الاستئناف بالرباط رقم 43 بتاريخ 25 01 2001 في الملف العقاري رقم 6415/2000/6 ،غير منشور. جاء فيه أن كل ما يستخلص من الملف الطبي هو :"بلوغ الهالك 86 سنة وإصابته باضطرابات ارتأى الطبيب المعالج معها صرف النظر عن إخضاعه للعملية الجراحية علاقة بالكسر الذي تعرض له وهي معطيات لا يمكن أن تعكس الحالة المرضية المولدة للخوف من قرب الأجل الذي من شأنه أن يطرح مع باقي الشروط قابلية التصرف للإبطال".
- وقرار للمجلس الأعلى بتاريخ 29 أكتوبر 1997  ، عدد 6742 في الملف المدني عدد 4725/93، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 55، يناير 2000، ص 432 وما بعدها. جاء في حيثياته:"وحيث إنه بما لقضاة الموضوع من سلطة تامة في تقدير قيمة الحجج المعروضة عليهم دون رقابة عليهم من طرف المجلس الأعلى، إذ لم ينع عليهم أي تحريف لها، وفي إطار هذه السلطة فإن قضاة النازلة بعدما تفحصوا الحجج المعروضة عليهم من الطرفين تأكد لهم من خلال الشهادتين غير المنازع في صحتهما، أن الهالك كان مصابا بمرض تشمع الكبد والنزيف الهضمي وهو مرض مخوف وقاتل ويعتبر مرض موت".
[17]  - قرار المجلس الأعلى عدد 3112 بتاريخ 12 يونيو 1995 في الملف المدني عدد 2059/94، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 49 50 يوليوز 1997، ص 27 وما بعدها. وقد تبنى قضاء الموضوع نفس المفهوم ، كما هو شأن القرار الاستئنافي عدد 107 الصادر عن محكمة الاستئناف بطنجة بتاريخ 2 4 1987 في الملف عدد 69/87/2. منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 51، شتنبر أكتوبر 1987، ص 67 وما بعدها.
[18] - قرار المجلس الأعلى عدد 809 الصادر بتاريخ 25 – 12 – 1982في الملف المدني 47497، منشور بمجموعة قرارات المجلس الأعلى في المادة المدنية، الجزء الثاني، ص: 25 وما بعدها، أورده عبد السلام حدوش، البيان والتحرير في التوليج والمحاباة والتصيير،مطبعة دار السلام الرباط،الطبعة 1999/2000،ص:17. جاء في حيثياته مايلي:" يعتبر الرسم العدلي الذي يشهد فيه العدلان "بأتمية" المشهود عليه حجة رسمية على أنه لم يكن وقت الإشهاد مريضا مرض الموت لايمكن إثبات عكسها."
[19]  - قرار رقم 5285 في الملف العقاري رقم 286/1994/7 (غير منشور).
[20]-قرار محكمة الاستئناف بفاس رقم 351، صدر بتاريخ 23 رمضان 1481 موافق 20 ـ12 ـ 2000 في الملف العقاري رقم 258/99. (غير منشور).
[21]-قرار المجلس الاعلى رقم 2567، صادر بتاريخ 20/7/1994،ملف مدني عدد 987/88،منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى،عدد 48،ص:67-70.
[22]-القرار رقم 380،ملف رقم 106/2/1-03،منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد61،ص:101، أورده عمر الأبيض:"شرط الحوز في التبرعات"،مطبعة الامنية الرباط،الطبعة الاولى،2011،ص:51.
[23]-القرار رقم 91،ملف شرعي عدد382/2/1/02،أورده عمر الأبيض،مرجع سابق،نفس صفحة المرجع أعلاه.
[24]-قرار محكمة النقض رقم475،الصادر بتاريخ:19/10/2005،ملف مدني عدد365/2/1/2004،أشار إليه ابراهيم بحماني:"عقود التبرع في الفقه والقانون والقضاء، الطبعة الاولى،2012،ص:195.
[25]- محمد الكشبور:" بيع المريض مرض الموت قراءة في قرار المجلس الأعلى عدد3958  الصادر في 24 يونيو 1997"، مطبعة النجاح  الجديدة، الطبعة الأولى،1422 ه/2002 م،ص:73. وهو نفس الطرج الذي تبناه الدكتور محمد شيلح : "مرشد الحيران إلى الفهم المحمود بفك القيود عن نكث  أحكام البيع المنضود في القانون  المغربي للالتزامات والعقود"، مطبعة أنفو برانت فاس ، الطبعة الأولى، 1998، فقرة 315، ص 201.
[26] -في حين يرى البعض الأخر أن اعتبار توظيف عبارة "بأتمه" في الوثيقة العدلية مجرد عادة يعمل العدول على تردديها في كافة العقود فيه تبخيس واستخفاف بمهام العدول الموثقون، وبالأدوار التي يقومون بها قبل الإشهاد وتوثيق المعاملات، على اعتبار أن للسادة العدول تقنيات وأدوات في هذا المجال مهمة تقوم على أساس التحري اللازم عبر توجيه أسئلة مباشرة ودقيقة للمتعاقدين وانتظار أجوبتهم، وأحيانا يقومون بطرح أسئلة تبدو غريبة في نظر المتعاقدين نظرا لبداهتها، ولكنها تكون عن قصد، وتندرج في أبجديات التحري اللازم بحثا عن أهلية وأتمية المتعاقدين.
وبناء على نتائج  هذا التحري يقرر العدول إما توثيق المعاملة إذا تبين لهم أن أطراف العقد بأتمهم وفي حالة صحة وطوع ورشد، وإما رفض الإشهاد والإمتناع عن إدراجه في مذكرة الحفظ إذا تبين العكس. أنظر سليمان أدخول:" المركز القانوني للوثيقة العدلية  في نظام السجلات العقارية"،دراسة على ضوء التوثيق العدلي والتشريع العقاري المغربي،دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع الرباط،الطبعة الأولى،2015،ص:48-49.
[27]  - قرار محكمة الاستئناف بمراكش عدد 122 في الملف العقاري رقم 2761 بتاريخ 04 02 1997. منشور بمجلة المحامي ، عدد 34 ، ص 212 وما بعدها.
[28]  - قرار رقم 337، الصادر بتاريخ:11 فبراير 1987، في الملف المدني عدد 955/18، أورده الدكتور أحمد ادريوش: أثر المرض على عقد البيع،تأملات حول تطبيق القضاء للفصلين 54 و479 من قانون الالتزامات والعقود ، ،مرجع سابق، ص 83 وما بعدها.
[29]  - القرار عدد 620 في الملف العقاري عدد 5269/93. منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 52 ،يوليوز 1998، ص 120 وما بعدها.
[30]-القرار عدد 112/90، الملف الشرعي عدد 550/96، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ، عدد 55 ،يناير 2000 ، ص 127 وما بعدها. أشار إليه الأستاذ عبد السلام فيغو:"التصرفات الصادرة عن المريض مرض الموت دراسة فقهية قانونية مقارنة"،مطبعة الأمنية الرباط،الطبعة الثانية، السنة2010،ص:55.
[31] - قرار عدد 539،ملف شرعي رقم 333/12/98منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى،عدد61،يناير 2003،ص:139ومابعدها.أورده محمد برادة غزيول وأخرون:"الدليل العملي للعثار الغير المحفظ"،منشورات جمعية المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الدراسات والأبحاث،العدد7،فبراير2007،ص:81-82.
[32]-قرار محكمة النقض رقم117، الصادر بتاريخ 22/1/2006، في الملف الشرعي رقم20/2/1/2004 . أورده هشام كطابي:" تصرفات المريض مرض الموت في الفقه المالكي والقانون المغربي-البيع والهبة نموذجا-"،شهادة نيل الماستر، وحدة التكوين: أحكام العقار في الفقه المالكي والقانون المغربي، كلية الشريعة فاس،2015-2014 م/1435-1436 ه،ص:38-39.
[33]-قرار محكمة النقض رقم:488، الصادر بتاريخ 7/9/2009 ،ملف مدني عدد23/2/1/2008،منشور بمجلة قرارات محكمة النقض المتخصصة،السلسة 2، 2010،ج4،ص:91-93.
[34]-  عبد القادر العرعاري: "تعليق على قرار المجلس الأعلى عدد 2567 المؤرخ  في 20/7/94،مجلة قضاء المجلس الأعلى ، عدد 55 ، يناير 2000 ،فقرة10، ص448 ومايليها. أورده مجمد برادة غزيول وأخرون ، مرجع سابق،ص:83.
[35]- أنظر أحمد أدرويش، مرجع سابق،ص:77.
[36] - أنظر : قرار المجلس الأعلى عدد 3112 بتاريخ 12 يونيو1995 وقرار  نقس المجلس  عدد 809 الصادر بتاريخ 25 – 12 – 1982ف1995، ص :13 من هذا البحث.
[37]  - عبد السلام حادوش، مرجع سابق، ص 24.
[38]- أبو الشتاء  الحسين الغازي ، مرجع سلبق،ص:228.
[39]  - شرح ميارة للامية الزقاق في فصل ما جرى به العمل بفاس (مخطوط)، ذكره الأستاذ عبد السلام حادوش، مرجع سابق، ص 25.
[40]  - أبو عبد الله محمد بن محمد التاودي: "حلى المعاصم لفكر ابن عاصم"، الجزء الثاني، ص :165.
[41]  - أبي عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم العبدري الشهير بالمواق:" التاج والإكليل لمختصر خليل"، الجزء الخامس ، ص: 462.
[42]  - وهو نفس تعبير الفقيه ميارة في شرحه لتحفة بن عاصم، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص: 34.
[43]  - أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمان الرعيني المعروف بـ الحطاب :" مواهب الجليل لشرح مختصر خليل "، مطبعة السعادة  ـ مصر ، الطبعة الأولى سنة 1329 هـ، الجزء الخامس، ص 78.
[44]  -  أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي :" البهجة في شرح التحفة"، ضبطـه وصححـــه محمد عبد القادر شاهين ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الأولى 1998 ، الجزء الثاني، ص 394 وما بعدها.
[45]  - عبد السلام حادوش:"البيان والتحرير فـي التوليـج والمحابـاة والتصييـر"، مطبعـة  دار السلام ـ الرباط ، الطبعة الأولى 1999 – 2000 . ص 44.
[46]- قرار محكمة النقض رقم2309،الصادر بتاريخ:27/06/2007،ملف مدني رقم:3667/1/2/2005، أنظر هشام كطابي، م س،ص:50.
[47]  - أحمد نشأت: رسالة الأثبات ، الطبعة السابعة، الجزء الأول، فقرة 148، ص 223.
[48]  - الدكتور أحمد الخمليشي:" صلاحية النيابة العامة للطعن بالاستئناف في الميدان المدني"، الإحالة على المجلس الأعلى بسبب تجاوز القضاة سلطاتهم ، تعليق على القرار عدد 107 الصادر عن محكمة الاستئناف بطنجة بتاريخ 02/04/1987 ، مجلة المحاكم المغربية، عدد 51، شتنبر ـ أكتوبر 1987، ص 78، هامش 2.
[49]  - الدكتور عبد القادر العرعاري:" تعليق على قرار المجلس الأعلى عدد 2567 المؤرخ في 20/7/94"، مجلة قضاء المجلس الأعلى ، عدد 55 يناير 2000، فقرة 10 ، ص 448 وما بعدها.
[50]  - الدكتور أحمد ادريوش: أثر المرض على عقد البيع، مرجع سابق، فقرة 28، ص 82.
[51]  - ـأنظر:
- الدكتور محمد شيلح : "مرشد الحيران إلى الفهم المحمود بفك القيود عن نكث  أحكام البيع المنضود في القانون  المغربي للالتزامات والعقود"، مرجع سابق،ص 201.
- محمد الكشبور:"بيع المريض مرض الموت"، مرجع سابق، ص:73.

التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016