تابعونا على الفيسبوك

Disqus

آلية التوقيع الإلكتروني

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
آلية التوقيع الإلكتروني


فــــــؤاد بــــــرامي
باحث في العلوم القانونية
خريج ماستر العلوم الجنائية والأمنية –مراكش.

شهد العالم في العقود الأخيرة طفرة هائلة في مجال المعاملات، حيث ترتب عن ذلك إفراز أشكال جديدة من التعاملات ألا وهي التعاقد عبر الوسائط الإلكترونية الحديثة والتي تتم عن طريق سند أو محرر إلكتروني مذيل بالتوقيع الإلكتروني كذلك.
وفي ضل الانفتاح على السوق العالمية من خلال شبكة الانترنيت، عمل صناع القرار إلى اتخاذ إجراءات موازية بجانب ما هو قانوني بغيت تعزيز الأمن المعلوماتي، وتحقيق الأمن الاقتصادي وتحقيق مبدأ الثقة والأمان في المعاملات والمبادلات  التجارية.
إذ أنه بتطور وسائل الاتصال وظهور ما يسمى بالتجارة الالكترونية أصبحت الحاجة إلى تواقيع تتلاءم مع طبيعتها وهو ما فرض على المشرع الغربي وعلى غرار باقي التشريعات المقارنة التنصيص على هذا التوقيع والذي يصطلح بالتوقيع الالكتروني[1] من خلال قانون رقم53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، وتم الاهتمام بمؤسسة التوقيع الإلكتروني، حيث أحاطها المشرع بجملة من شروط الأمان، ووضع لها آلية آمنة لإنشائه[2] وتطرق لصوره.
إنطلاقا من هذا المنظور سنعالج هذا الموضوع وفق تصميم ثنائي، نتطرق في الفقرة الأولى لماهية التوقيع الإلكتروني ووظائفه. على أن نتطرق في الفقرة الثانية لوسائل وصور التوقيع الإلكتروني.
التوقيع الالكتروني كمصطلح جديد، نشأ نتيجة لاستخدام الحاسوب في المعاملات بين الأفراد والمؤسسات، وكذلك نتيجة لاستخدام التلكس والانترنت، مما يترتب عنه التبادل الالكتروني للبيانات والمعطيات.[3]
لقد بدت الحاجة ملحة إلى ضرورة إيجاد بديل الكتروني يحل بدل التوقيع الخطي اليدوي ويؤدي نفس وظائفه من حيث التوثيق والإثبات، فظهر التوقيع الالكتروني كتقنية يستطيع بها الأطراف المتعاملون بنظام  التبادل الالكتروني للبيانات و الرسائل الالكترونية توثيق معاملاتهم[4] والحفاظ عليها.
إن التوقيع الإلكتروني الآمن يعطي للأطراف المتعاقدة وخاصة المستهلك الأمان والاطمئنان، مما ينعكس إيجابا على المبادلات التجارية بالنظر إلى الحجية القانونية القوية التي يوفرها هذا التوقيع المستند إلى آلية لإنشائه، والمضمون بشهادة المصادقة الإلكترونية التي توضح صحته وسلامته وتؤكد حجيته القانونية[5].
سنتطرق في هذه النقطة لتعريف التوقيع الإلكتروني من خلال القوانين الوطنية، قبل ذلك سنلقي نظرة عليها من خلال الاتفاقيات الدولية.
1 – تعريف التوقيع الإلكتروني من خلال الاتفاقيات الدولية والإقليمية
حاولت مجموعة من المنظمات الدولية تقديم تعريف للتوقيع الإلكتروني سواء من خلال قوانين مرتبطة بالتجارة الإلكترونية، أو من خلال قوانين خاصة بالتوقيع الإلكتروني، وتعتبر منظمة الإتحاد الأوربي، ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة الدولية المعروفة بالأونسترال، أهم المنظمتين اللتين قدمتا تعريفا للتوقيع الإلكتروني، لكون معظم المنظمات التي حاولت تعريفه  قد تأثرت بتعريف الأونسترال.
*   قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية
وضعت منظمة الأونسترال اللبنات الأساسية لتعريف التوقيع الإلكتروني حيث أشارت في المادة (2/1) من قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية لسنة 2001[6]. بكونه عبارة عن بيانات في شكل إلكتروني مدرجة في رسالة بيانات أو مضافة إليها أو مرتبطة بها منطقيا، ويجوز أن تستخدم لأجل تعيين هوية الموقع بالنسبة إلى رسالة البيانات وبيان موافقة الموقع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات.
وبهذا يظهر من خلال هذا التعريف أن منظمة الأمم المتحدة للتجارة الدولية لم تقم بتحديد الطريقة التي يتم اعتمادها في التوقيع الإلكتروني، تاركة بذلك حرية اختيار الطريقة للفرد أو الدولة، ما دامت تلك الطريقة تسمح بتعيين هوية الموقع وبموافقته على المعلومات الواردة في الرسالة[7].
*   تعريف التوقيع الإلكتروني من خلال التوجيه الأوربي :
كغيرها من المنظمات قدمت منظمة الإتحاد الأوربي تعريفا للتوقيع الإلكتروني، إلا أنها عالجت وعرفت نوعين من التوقيع، وضعت لكل منها تعريفا محددا وهما ( التوقيـع الإلكتـرونـي - التوقيع الإلكتروني المعزز )[8].
رغم التقسيم الذي اعتمدته دول الاتحاد الأروبي في كونها تطرقت لنوعين من التوقيع الإلكتروني إلا أن هاذين التعريفين لم يخرجا عن باقي التعريفات الأخرى التي تناولت التوقيع الإلكتروني[9].
من خلال ما ذكر يمكن الإشارة إلى أن التوجيه الأوربي اعتبر بشكل عام التوقيع الإلكتروني عبارة عن معلومات على شكل إلكتروني متعلقة بمعلومات إلكترونية أخرى ومرتبطة بها ارتباطا وثيقا وتستخدم كأداة للتوثيق[10].
إلى جانب هذه التعاريف التي قدمت من طرف بعض المنظمات الدولية، نجد كذلك بعض التشريعات الدولية والعربية المقارنة قد أعطت تعريفا للتوقيع الإلكتروني.
ب – تعريف التوقيع الإلكتروني من خلال التشريعات الوطنية
غير بعيد عن مغزى التعاريف التي قدمتها بعض المنظمات الدولية للتوقيع الإلكتروني، ذهبت بعض التشريعات الدولية في السياق نفسه، وحاولت وضع تعريف شامل للتوقيع الإلكتروني سنتطرق لبعضها إتباعا.
*  على مستوى التشريع المصري
أصدر المشرع المصري قانونا خاصا بالتوقيع الإلكتروني، خصص المادة الأولى منه لتعريف بعض المصطلحات القانونية، من ضمنها التوقيع الإلكتروني والذي عرفه بكونه[11]، كل ما يوضع على محرر إلكتروني ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها، ويكون له طابع متفرد يسمح بتحديد شخص الموقع ويميزه عن غيره إذا، فهو عبارة عن مجموعة من الإجراءات التقنية التي تسمح بتحديد شخصية من صدرت عنه هذه الإجراءات، وتؤكد قبوله بمضمون التصرف الذي يصدر التوقيع بمناسبته[12].
*  على مستوى التشريع الفرنسي
قام المشرع الفرنسي إذا بالاعتراف بالتوقيع الإلكتروني من خلال إصداره للقانون رقم 230 سنة 2000 المؤرخ في 13 مارس 2000[13]، والذي تطرق فيه إلى التوقيع التقليدي والإلكتروني، مركزا على وظائف التوقيع المعروفة في المادة 1316/4 من القانون المدني الفرنسي بعد تعديلها[14].
وقد تبنى المشرع الفرنسي هذا التعريف ليكون تعريفا عاما للتوقيع، أما التوقيع الإلكتروني فقد عرفه المشرع في الفقرة الثانية [15]، من التعديل بأنه يجب أن يحدث باستخدام وثيقة مقبولة وموثوق بها لتحديد هوية  الموقع .
كذلك فقد عرف التوقيع الإلكتروني في الفقه الفرنسي بأنه "عبارة عن مجموعة من الأرقام التي تنجم عن عملية حسابية مفتوحة باستخدام الكود السري الخاص"[16]. عرفه البعض الآخر بأن: " التوقيع عنصر ضروري لإتمام التصرف القانوني، وهو يحدد من يحتج به عليه ويعبر عن رضى الأطراف بالالتزامات الناشئة عنه ... وإذا ما تعلق الأمر بالتوقيع الإلكتروني وجب استخدام طريقة موثوق بها لتمييز هوية صاحبه واتجاه إرادته للالتزام بالعمل القانوني المقصود[17].
والملاحظ أن المشرع الفرنسي تبنى توجيها خاصا، اعتمد فيه تعريف التوقيع العادي من خلال وظائفه، ثم عرف التوقيع الإلكتروني، وكأنما يريد أن يحدد وظائف التوقيع الإلكتروني انطلاقا من التوقيع العادي، إضافة لكونه لم يحدد الوسيلة التي من خلالها يتم اعتماد التوقيع الإلكتروني، إلا أنه اشترط أن تكون هذه الوسيلة موثوق بها لتحديد هوية الموقـع، وتضمن اتصال التوقيع بالعمل أو المستند المرتبط به.[18]
وتجد الإشارة انه بالرغم من أن أغلب التشريعات المقارنة [19]، قد عرفت التوقيع الالكتروني إلا أن المشرع المغربي في قانون 53.05، لم يعرفه صراحة، ولكن اكتفى بالمقابل بذكر مجموعة من الشروط ينبغي توافرها في هذا النوع من التوقيعات، ورتب عليه نتائج ذات أهمية، من حيث إنه يتيح التعرف على الشخص الموقع، ويعبر عن قبوله للالتزامات الناتجة عن الوثيقة الالكترونية، التي تغدوا رسمية إذا وضع التوقيع عليها أمام موظف عمومي له صلاحية التوثيق.
وما يلاحظ على المشرع المغربي أنه تحدث عن توقيع إلكتروني بسيط أو عادي وتوقيع إلكتروني مؤمن، هذا الأخير الذي عرفه في الفقرة الثانية من الفصل 3-417 من ظهير الالتزامات والعقود[20].
يتضح إذا من خلال كل التعاريف السابقة التي أعطيت للتوقيع الإلكتروني، أنه يوجد تقارب في التعريف الذي أعطته كل دولة على حدى، إضافة لكونه لا يوجد تعريف شامل للتوقيع الإلكتروني، ولعل ذلك مرده إلى التطور السريع الذي تعرفه وسائل الإتصال والذي سيؤدي بالتبعية إلى تطور التعاريف.
لكن ما يلاحظ على التوقيع الإلكتروني أنه يتميز بعدة خصائص، تميزه عن التوقيع العادي.
ورد في دليل تشريع قانون الأونسترال النمودجي بشأن التجارة الخارجية الالكترونية لعام 1996 في التعليق على المادة السابعة [21]منه، أن التوقيع الالكتروني يجب أن يقوم بالعديد من الوظائف كتعيين هوية الشخص المتعامل، بالإضافة إلى التأكد يقينا من مشاركة ذلك الشخص بالذات في فعل التوقيع وكذا الربط بين ذلك الشخص و مضمون المستند.
الجدير بالذكر أن التوقيع الالـكتروني يـقوم بالعديد من الوظائف القانونية، التي يمكن إجمالها في وظيفتين رئيسيتين هما: تحديد هوية الموقع ( الوظيفة الأولى) و إظهار موافقته الالتزام بمضمون ما وقع عليه ( الوظيفة الثانية).
*  الوظيفة الاولى : تحديد هوية الموقع
نرى أن تعريف التوقيع يتجه إلى لزوم أن يحقق هوية الشخص الموقع و ذلك مهما  كان شكله فيظهر ذلك في التوقيع التقليدي سواء ثم بالإمضاء أو الختم أو بصمة الأصبع حيث جاء في نصوص قانون البيانات الأردني أن من يحتج عليه بسند عادي و كان لا يريد الاعتراف به وجب أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو توقيع أو خاتم أو بصمة و إلا فهو حجة عليه، وهذه العبارة تشير بوضوح إلى أن طرق التوقيع يجب أن تحدد هوية الشخص الموقع و التي تعتبر من أهم وظائف التوقيع و ذلك لتحديدها هوية المتعاقدين، فالإمضاء الذي يستخدمه الشخص يكون معروفا له و محددا لشخصيته[22].
وعلى نفس النهج سار المشرع المغربي بتطرقه في الفصل 2-417 من ظهير الالتزامات والعقود على أن التوقيع الإلكتروني الضروري لإتمام وثيقة  قانونية  التعرف على الشخص الموقع ومدى تعبيره عن قبوله للالتزامات الناتجة عن الوثيقة المذكورة[23].
ومن هذا يمكن القول بان المشرع المغربي جعل من وظائف التوقيع الالكتروني وسيلة الإفصاح عن شخصية الموقع والتعرف عليه.
و لهذا الاعتبار اشترط الفصل 426 من ظهير الالتزامات والعقود[24] أن يكون التوقيع بيد الملتزم نفسه ولا يقوم الطابع أو الختم مقام التوقيع، ويعتبر وجوده كعدمه. وإجمالا يمكن القول أن تحديد هوية الموقع تعد شرطا لازما لصحة العقد الالكتروني و ذلك من خلال كون هذه المقتضيات ذات تقنية محضة والتي تحتاج إلى مجال تنظيمي ينظمها بهدف مواكبة التطورات في هذا المجال التي لم تستقر بعد على حالة نهائية.
*  الوظيفة الثانية: التعبير عن إرادة الموقع
يعد التوقيع بمثابة وسيلة للتعبير الكتابي عن الإرادة و لغة قانونية لترجمة حقيقية نفسية معناها نعم رضيت و أنا موافق. أما المجال الالكتروني، فانه لا مجال للرابطة المادية  بين التوقيع و شخصية صاحبه، حيث يجد المتعاقد نفسه ملتزما بمجرد نقره على لوحة المفاتيح أو الفأرة دون أي حركة شكلية تساعد على الاطمئنان لما سوف يقدم عليه كإعداد رسالة مسبقة للتحدير من قبيل " انتبه أنت على وشك توقيع وثيقة تلزمك قانونيا"[25]. ولهذه الغاية تطرق المشرع المغربي في الفقرة الأخيرة من الفصل 2-417 على انه عندما يكون التوقيع الكترونيا، يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها تضمن ارتباطه بالوثيقة المتصلة به[26].
وختاما لما سبق ذكره، يمكن القول بان مفهوم التوقيع الالكتروني هو مفهوم متشعب يصعب الإحاطة به من جميع الزوايا نظرا لتعدد التعاريف القانونية في معالجة إشكالية التوقيع الالكتروني.
هذا ما دفعنا إلى إلقاء ضوء على شروط وصور التوقيع الإلكتروني خلال الفقرة الثانية.
لقد بذل العلماء في مجال تكنولوجيا المعلومات محاولات جادة، من أجل ابتكار وسائل و طرق تتماشى مع التطورات التكنولوجية و المتطلبات القانونية للتوقيع لجعله يضاهي التوقيع العادي على الورق، و ترتب على ذلك ظهور صور للتوقيع الالكتروني بالإضافة الشروط اللازمة  للاعتداد به قانونا في الإثبات.
على خلاف الوسيلة التقليدية التي كانت تعتمد في إثبات وتوثيق المعاملات على التوقيع الخطي أو اليدوي. فإن هذا النوع لا يتماشى مع الطابع العصري للتوقيع الإلكتروني الذي يتم باستخدام وسائل وأجهزة إلكترونية متطورة.
ومن هذا المنطلق سنعالج شروط التوقيع الإلكتروني للتعاملات الإلكترونية (أولا)، على أن نتطرق لصوره (ثانيا).
كما سبقت الإشارة، فالمشرع المغربي لم يهتم بالمفاهيم، خاصة تلك التي لها طابع تقني محض، وبالتالي لم يعرف التوقيع الإلكتروني، لكنه في المقابل، عمل على إدراج الشروط الواجب توافرها فيه. ولكي يعتبر التوقيع الالكتروني المؤمن صحيحا يجب أن يستوفي الشروط الواردة في المادة 6 من القانون 53.05[27]، وهي كالتالي:
*  أن يكون خاصا بالموقع
*  أن ينشأ بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية
*  أن يضمن وجود ارتباط بالوثيقة المتصلة به، بكيفية تؤدي إلى كشف كل تغيير ألحق عليها
*  أن يوضع بواسطة آلية للتوقيع الإلكتروني، تكون صلاحيتها مثبتة بشهادة للمطابقة
*  أن يشار في الشهادة الإلكترونية المؤمنة إلى معطيات التحقق من التوقيع الإلكتروني المؤمن
وما يلاحظ على المشرع المغربي في هذا الصدد، أنه يهدف من خلال هذه الشروط إلى تأكيد على خصوصية التوقيع الإلكتروني، وفي نفس السياق تجدر الإشارة إلى أن تمييز شخصية صاحب التوقيع تدل على أن التوقيع الموجود على المحرر ينسب لشخص معين بالذات، فيجعل الورقة الموقعة تنسب إليه، وهذه الوظيفة يقوم بها التوقيع الكتابي في شكل علامة خطية وشخصية لصاحب التوقيع، وتعد الورقة التي تحمل التوقيع دليلا كتابيا كاملا يحتج به على من وقعها[28].
كما تجب الإشارة أن التوقيع الإلكتروني يجب أن ينشأ بوسائل يمكن للموقع الاحتفاظ بها تحت مراقبته الخاصة بصفة حصرية وهذا الشرط يستغرقه الشرط الأول الذي يكرس الخصوصية ونسبة التوقيع إلى صاحبه، بمعنى أن الوسائل التي أنشئ بها التوقيع يجب أن تبقى حصرية على صاحب التوقيع أي ألا يطلع الغير عليها. ولكن حينما يتم قرصنة واختراق هذه الوسائل وتصبح متاحة أمام الغير لدرجة وصول هذا الأخير إلى تقليد التوقيع الأصلي، ماهي الحلول المتاحة أمام صاحب التوقيع لمنع هذا التقليد وكذا الحيلولة دون استعمال توقيعه في غير محله[29].
وفي هذا الإطار تظهر أهمية تحديد هذا التوقيع من طرف شخص أخر يسمى هيئة الإقرار أو التي تقدم خدمة المصادقة[30]. من خلال الوساطة التي يلعبها بين المتعاقدين عن بعد والمتمثلة في فحص وضمان التحقق من مرسل الرسالة.
تجب الإشارة إلى أن التوقيع الإلكتروني، كالتوقيع التقليدي قد يظهر في عدة أشكال، فالتوقيع الالكتروني له أيضا عدة صور أو أشكال، تختلف باختلاف الوسائل المعتمدة لإنشائه، كما تختلف معها درجات الثقة والأمان.
كما سبقت الإشارة إلى أن صور التوقيع الإلكتروني تختلف فيما بينها من حيث درجة الثقة بها ومستوى تقدمه ونسبة ضمان الحماية لصاحبها بحسب الإجراءات المتبعة في إصدارها وتأمينها.
وبالرجوع إلى ما توصلت إليه تكنولوجيا المعلومات من تطورات في إنتاج التوقيعات الالكترونية فإننا نستطيع حتى الآن أن نحدد أنواع التوقيع الالكتروني على الشكل التالي:
*  التوقيع الكودي:
لعل التوقيع الكودي من الصور المعروفة لدى عموم النـاس، حيث لا يتطلب العمل بها خبرة أو عناء كبيرين، إذ يمكن لكل شخص استخدامها دون ما حاجة إلى توفره على جهاز حاسوب ودون ما حاجة كذلك إلى ربطه بشبكة الأنترنيت.
 ويتم توثيق التعاملات الإلكترونية في هذا التوقيع، باستخدام مجموعة من الأرقام أو الحروف أو كليهما، يختارها صاحب التوقيع لتحديد شخصيته، ولا تكون معلومة إلا منه فقط ومن يبلغه بها.
وغالبا ما يرتبط هذا التوقيع بالبطاقات البنكية، وينتشر العمل به في عمليات الدفع الالكترونية بصفة عامة .[31]
*  التوقيع البيومتري: (أو بالخواص الذاتية)
يقوم هذا التوقيع بالتحقق من شخصية المتعامل بالاعتماد على الخواص الفيزيائية والطبيعية والسلوكية للأفراد، والتوقيع يقوم على حقيقة علمية مفادها أن لكل فرد صفاته الجسدية التي تختلف من شخص لآخر، والتي تتميز بالثبات النسبي الذي يجعل لها قدرا كبيرا من الحجية في التوثيق والإثبات. وكمثال على هذه الصفات نجد، البصمة الشخصية ومسح العين البشرية والتعرف على الوجه البشري وخواص اليد البشرية والتحقق من نبرة الصوت .[32]
ويتم التحقق من شخصية المستخدم أو المتعامل مع هذه الطرق البيومترية، عن طريق أجهزة إدخال المعلومات إلى الحاسب الآلي، التي تقوم بالتقاط صورة دقيقة لأحد هذه الخواص، ويتم تخزينها بطريقة مشفرة في ذاكرة هذا الأخير، ليقوم بعد ذلك بمطابقة صفات المستخدم مع هذه الصفات المخزنة، ولا يسمح له بالتعامل أو الولوج إلا في حالة المطابقة .
هذه الخصائص الذاتية التي لا يمكنها أن تتطابق مع خصائص أي شخص آخر في مجالات متعددة كالدخول إلى الأماكن الخاصة التي لا يمكن ولوجها إلا من طرف الشخص المرخص له بذلك أو لفتح الخزائن الحالية أو للتعرف على مرتكبي الجرائم كما يمكن استخدام هذه الخصائص في التوقيع على التصرفات القانونية[33].
*  التوقيع الرقمي:
هو عبارة عن أرقام مطبوعة لمحتوى المعاملة التي يتم التوقيع عليها بالطريقة نفسها أي باستخدام الأرقام، وتتم الكتابة الرقمية للتوقيع ولمحتوى المعاملة عن طريق التشفير الذي يتم باستخدام مفاتيح سرية وطرق حسابية معقدة "اللوغاريتمات"، تتحول بواسطتها المعاملة من رسالة مقروءة ومفهومة، إلى رسالة رقمية غير مقروءة وغير مفهومة، ما لم يتم فك تشفيرها ممن يملك مفتاح ذلك التشفير. وهذا التشفير يتم باستخدام مفتاحين، أحدهما للتشفير ويسمى المفتاح الخاص، والثاني لفك التشفير، ويسمى المفتاح العام، لذلك اصطلح على تسمية هذا النظام بنظام المفتاح العام[34].

خاتمة :
    وإجمالا يمكننا القول أن التوقيع الإلكتروني، له ذات وظيفة التوقيع التقليدي، شرط أن تكون القواعد العامة للإثبات قادرة على استيعاب أحكام التوقيع الإلكتروني، لكن يبدو أن القواعد التقليدية العامة في الإثبات غير كافية.
هذا ما دفع المشرع إلى إصدار قوانين خاصة بالتوقيع الإلكتروني كما في تونس، فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بغيت حماية هذا النوع من التوقيعات نظرا لدوره الهام في مجال التجارة الإلكترونية، بالإضافة إلى قدرته في الحفاظ على سرية المعلومات والمعطيات. وحمايتها من الاختراق أو تعديل أو تحريف قد يطال محتواها.
كما يتعين اتخاذ المزيد من الإجراءات القانونية والتنظيمية، إلى جانب الحملات التوعوية والتحسيسية للمساهمة بشكل فعال في النهوض بالتجارة الإلكترونية بشكل عام، والانفتاح على التعاملات الرقمية بعيدا عن الصك المادي وذلك بهدف مواكبة التطور الرقمي الذي تشهده الدول المتقدمة في هذا الجانب.
من أجل وصول إلى هذا المبتغى لا بد من المشرع المغربي أن يضع ترسانة قانونية تتخذ شكل مدونة رقمية تضمن حقوق الموردين والمستهلكين. حتى يستطيع الجميع التعامل بالتوقيع الإلكتروني وهو على علم تام بالحماية القانونية المقررة له


[1] - محمد محروك، خصوصيات التوقيع الالكتروني وحجيته فى الإثبات، مقال منشور بموقع www.Marroc Droit.ma، تاريخ الزيارة 15/05/2018، على الساعة 15:00.
[2] - المصطفى طايل، أهمية التوقيع الإلكتروني الآمن في حماية المتعاقدين عبر الانترنيت، مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة، العدد الثالث، مايو 2016، ص3.
[3]-  محمد الخضراوي، مقال منشور على الرابط ، www.startimes.com، تاريخ الدخول 14/02/2018 ،الساعة 22:30
[4] - مبارك الحسناوي، التوقيع الإلكتروني، مقال منشور بموقع www.droitetentreprise.com، تاريخ الزيارة 15/05/2018، على الساعة 16:00.
[5] - خالد سعد زغلول، الحماية القانونية للتجارة الإلكترونية، مجلة الحقوق الكويتية، ملحق العدد 3، السنة 2005، ص 174.
[6] - تنص المادة (2/1) من قانون الأونسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية لسنة 2001 بأنه:
" بيانات في شكل إلكتروني مدرجة في رسالة بيانات أو مضافة إليها أو مرتبطة بها منطقيا، ويجوز أن تستخدم لتعيين هوية الموقع بالنسبة إلى رسالة البيانات وبيان موافقة الموقع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات".
[7] - غازي أبو عرابي و فياض القضاة، حجية التوقيع الإلكتروني، دراسة في التشريع الأردني، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، المجلد 20، العدد الأول، 2003، ص 169.
[8] - نصت المادة الثانية من التوجيه الأوربي على ما يلي :
"1- التوقيـع الإلكتـرونـي: "معلومات على شكل إلكتروني متعلقة بمعلومات إلكترونية أخرى ومرتبطة بها ارتباطا وثيقا ويستخدم أداة للتوثيق".
2- التوقيع الإلكتروني المعزز هو: "عبارة عن توقيع إلكتروني ويشترط فيه أن يكون: 
أ- مرتبط ارتباطا فريدا مع صاحب التوقيع.
ب- قادر على تحديد صاحب التوقيع والتعرف عليه باستخدامه.
ج- تم إيجاده باستخدام وسائل يضمن فيها صاحبه السرية التامة.
د- مرتبط مع المعلومات المضمنة في الرسالة حيث أنه يكشف أي تغيير في المعلومات
..."
[9] - علاء محمد نصيرات، حجية التوقيع الإلكتروني، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن،  الطبعة الأولى 2005، الصفحة 24.
[10] - Michel Vivant, le droit de l’Internet et de la société de l’information droit Européen, Belge et français, Ed Larcier, 2001, p 341
[11] - حيث نص قانون التوقيع الالكتروني رقم 15 لسنة 2004، في المادة 1/ج، على ما يلي:
" كل ما يوضع على محرر إلكتروني، ويتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو غيرها، ويكون له طابع منفرد يسمح بتحديد شخصية الموقع ويميزه عن غيره".
[12] - نبيل بوحميدي، الثورة التقنية ومسوغات التعديلات القانونية، التوقيع الإلكتروني نموذجا، مجلة محاكمة، العدد 4، الصفحة 175.
[13] - محمد أوزيان، مدى إمكانية استيعاب نصوص الإثبات في ظهير الالتزامات والعقود للتوقيع الالكتروني مجلة القضاء والقانون، العدد 155. سنة 2008، ص 47.
[14]- نصت المادة 1316/4 من القانون المدني الفرنسي على ما يلي:
"التوقيع الذي يحدد شخصية (هوية) من هو منسوب إليه والذي يفصح عن قبوله بمضمون المحرر الذي يرتبط به وبالالتزامات الواردة فيه".
[15] - حيث نصت على ما يلي:
"التوقيع الذي ينتج عن استخدام أية وسيلة مقبولة موثوق بها، لتحديد هوية الموقع وتكفل اتصال التوقيع بالعمل أو المستند المرتبط به"[
[16] - عبد الله مسفر الحيان و حسن عبد الله عباس، التوقيع الإلكتروني، دراسة نقدية لمشروع وزارة التجارة والصناعة الكويتية، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية، المجلد التاسع عشر، العدد الأول، يونيو 2003، الصفحة 14.
[17] - Alain BENSOUSSAN, informatique Télécom Internet, Ed français le febvre, juillet, 2001, France, p201-202.
[18] - محمد محروك، خصوصيات التوقيع الالكتروني وحجيته فى الإثبات، مقال منشور على موقع www.Marroc Droit.ma، تاريخ الزيارة 2018/05/15، على الساعة 23:45.
[19] - وهناك تشريعات أخرى عرفت التوقيع الإلكتروني، ومن بينها: التشريع اليمني في المادة الثانية من قانون أنظمة الدفع والعمليات المالية والمصرفية الإلكترونية.
وكذا التشريع الأردني من خلال قانون المعاملات الإلكترونية لسنة 2001،
وكذا التشريع الإماراتي من خلال قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية، رقم 2 لسنة 2002
[20] - حيت نصت  الفقرة الثانية من الفصل 3-417 من ظ.ل.ع على ما يلي:
 "يعتبر التوقيع الإلكتروني مؤمنا إذا تم إنشاؤه وكانت هوية الموقع مؤكدة وتمامية الوثيقة القانونية مضمونة، وفق النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها في هذا المجال".
[21] - تنص المادة السابعة من قانون الأونسترال النمودجي على ما يلي :
" تعيين هوية الشخص، و توفير ما يؤكد يقينا مشاركة ذلك الشخص بالذات في فعل التوقيع و الربط بين ذلك الشخص و مضمون المستند".
[22] - محمد محروق، م.س
[23] - حيث نص فصله 2-417 من ظ.ل.ع من الفقرة الأولى والتي جاء فيها :
" يتيح التوقيع الضروري لإتمام وثيقة  قانونية  التعرف على الشخص الموقع و يعبر عن قبوله للالتزامات الناتجة عن الوثيقة المذكورة
تصبح الوثيقة رسمية إذا وضع التوقيع المذكور عليها أمام موظف عمومي له صلاحية الثوتيق.
عندما يكون التوقيع الكترونيا، يتعين استعمال وسيلة تعريف موثوق بها تضمن ارتباطه بالوثيقة المتصلة به".
[24] - ينص الفصل 426 من ظ.ل.ع على ما يلي:
" يسوغ أن تكون الورقة العرفية مكتوبة بيد غير الشخص الملتزم بها بشرط أن تكون موقعة منه.
ويلزم أن يكون التوقيع بيد الملتزم نفسه وأن يرد أسفل الوثيقة ولا يقوم الطابع أو الختم مقام التوقيع، ويعتبر وجوده كعدمه.
وإذا تعلق الأمر بتوقيع إلكتروني وجب تضمينه في الوثيقة وفق الشروط المحددة في النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة في هذا المجال."
[25] - مبارك الحسناوي، م.س.
[26] - أنظر أعلاه  للإطلاع على الفصل 2-417 من ظ.ل.ع.
[27]- القانون رقم 05-53 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 129-07-1 بتاريخ 30 نوفمبر 2007، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 6 دجنبر 2007، ص3879.
[28] - ضياء علي أحمد نعمان، المسؤولية المدنية الناتجة عن الوفاء الإلكتروني بالبطائق البنكية، دراسة مقارنة، الجزء الثاني، ص 81.
[29]- مصطفى أيت الحاج، الحماية القانونية والتقنية للعقد الإلكتروني، رسالة لنيل دبلوم الماستر قانون الأعمال، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة القاضي عياض، مراكش، السنة 2011/2012، ص22.
[30]- ضياء علي أحمد نعمان، المسؤولية المدنية الناتجة عن الوفاء الإلكتروني بالبطائق البنكية، م.س، ص 82.
- سوف نتناول بالتفصيل هذه العملية من خلال المطلب الثاني المتعلق بالمصادقة الإلكترونية كآلية جديدة لتحقيق الأمن المعلوماتي.
[31]- ضياء نعمان، المصادقة الإلكترونية على ضوء قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، المجلة المغربية للدراسات القانونية و القضائية ، العدد1، أكتوبر 2009، ص124.
[32] - ضياء نعمان، المصادقة الإلكترونية على ضوء قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية ،م.س ،ص 125.
[33] - مبارك الحسناوي، م.س.
[34] - ضياء نعمان، المصادقة الإلكترونية على ضوء قانون التبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، م.س، ص 126

التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016