تابعونا على الفيسبوك

Disqus

الطبيعة القانونية لعناصر البيئة في القانون الدولي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الطبيعة القانونية لعناصر البيئة في القانون الدولي




من إعداد مناد فتيحة
طالبة دكتوراه في القانون الدولي و العلاقات السياسية الدولية
                                                             بجامعة الجيلالي اليابس – سيدي بلعباس-
الجزائر



المقدمة:
البيئة كلمة واسعة الاستخدام ، تستخدم في العديد من المجالات كالمجال الاقتصادي ، المجال الاجتماعي ، الثقافي ، السياسي و القانوني... و يختلف مفهومها من مجال إلى آخر تبعا لاختلاف نمط العلاقة بينها و بين مستخدميها، ففي المجال الاقتصادي نقول البيئة الاقتصادية و نعني بها " مجموعة النشاطات الزراعية و الصناعية و التجارية " ، و في المجال الاجتماعي نقول البيئة الاجتماعية و هي        " الاطار من العلاقات الذي يحدد استمرار حياة الجماعة التي ينظمها الإنسان ". ([1]) و نقول أيضا البيئة الثقافية و نعني بها " الكم الهائل من المفردات التي استحدثها الإنسان و أضافها إلى رصيده الثقافي كالعادات، التقاليد و القيم ". و كذلك البيئة السياسية و البيئة القانونية في المجال السياسي و القانوني ، فهي بوجه عام    " مجموعة النشاطات البشرية المتعلقة بهذه المجالات ".([2])
غير أن البيئة بمعناها الضيق تستعمل للدلالة على الوسط الطبيعي أو المحيط الذي يعيش فيه الإنسان و سائر الكائنات الحية الأخرى بكل ما يحتويه من عناصر طبيعية و اصطناعية. و قد تعددت التعاريف القانونية و  الفقهية بشأنها ، و مرد ذلك إلى طبيعة العناصر المكونة لها ، فهي تتميز بنوع من التعقيد إلى حد دفع بأحد فقهاء القانون إلى القول بأن " البيئة كلمة لا تعني شيئا لأنها كل شيء ". ([3])  غير أن هناك من يرى بأن هذا التعدد و الاختلاف لا يكمن في العناصر المكونة للبيئة ، و إنما في القيمة التي تكتسيها هذه العناصر و تأثيرها على مختلف المجالات .([4])
فما هو تعريف البيئة ؟ و ما هي أنواع العناصر المكونة لها ؟ و ما هي الطبيعة القانونية التي تكتسيها هذه العناصر وفقا لقواعد القانون الدولي ؟ 
I / تعريف البيئة :
لقد اختلفت وجهات نظر الفقهاء ،  رجال القانون ، الصحة ،  علماء الأحياء و الشريعة الإسلامية في تعريف البيئة. فمن الصعوبة بما كان إيجاد تعريف محدد و شامل لمفهوم البيئة لاشتماله على عدة مفاهيم لها علاقة وثيقة بمصطلح البيئة ، فهي قد تمثل لدى البعض إطار الحياة المعيشة ، و قد تعكس لدى البعض الآخر تصورات تدل على الأخطار كالأمراض ، الأوبئة و استغلال الغير العقلاني للموارد الطبيعية...      و هناك من يتبادر لذهنه أيضا أنها مختلف المجالات الطبيعية التي يتكون منها الوسط الطبيعي كالمجال البري ، المجال البحري أو المائي و المجال الجوَي أو أنها كل شيء له علاقة بالكائنات الحية. أو هي مختلف المعالم الحضرية التي أقامها الإنسان في عصره الحديث... و عليه يكون للبيئة مفهوم واسع من مفهوم الطبيعة. ([5]) و لإيضاح ذلك وجب التطرق للتعاريف المختلفة للبيئة:
أولا: تعريفها في اللغة العربية  
إن الأصل اللغوي لكلمة البيئة هو الفعل الماضي " بوَأ " بمعنى حل أو نزل و البيئة هي اسم لهذا الفعل، و يقال: بوَأ، تبوَيئا، و تبوئة، "بوَأ الشخص المكان " بمعنى أنزله فيه. و " بوَأ له المنزل " أي هيأه له و أعده. " بوَأ الرمح نحوه " أي سدده. و في المضارع يقال: تبوَأ، تبوَءا. و " تبوَأ المكان " أي أقام به و     " تبوَأ المنزلة " بمعنى وصلها. " تبوَأ الشيء " أي استلمه. " تبوَأ العرش " : اعتلاه و البيئة هي المحيط و الوسط الذي يعيش فيه الإنسان، الظواهر و العوامل المؤثرة في هذا الإنسان .([6])  و تدل أيضا على الحالة و الهيئة و المنزل. فيقال: " تبوَأ المكان و تبوَأ به " بمعنى اتخذه منزلا و أقام به .([7]) ومن التعاريف اللغوية للبيئة و المقترحة من قبل فقهاء القانون نجد تعريف الدكتور علي سعيدان " البيئة هي المنزل الذي يحتله الفرد و الموضع الذي يحيط به و الوسط الذي يعيش فيه ".([8])
و لا بأس أن نقترح من جانبنا تعريفا لغويا للبيئة فنقول : البيئة هي المنزل الذي يقيم فيه الإنسان و المكانة التي يحتلها بين سائر الكائنات الحية و الغير الحية المحيطة به ، و ذلك على اعتبار أن اللَه سبحانه و تعالى كرم بني آدم و ميزه عن سائر مخلوقاته الأخرى بالعقل فجعله بذلك في مكانة أعلى و أرقى.
أما في الشريعة الإسلامية نجد المعنى اللغوي لكلمة البيئة مجسدا في العديد من الآيات القرآنية و الأحاديث الشريفة ، و من ذلك قوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام " و كذلك مكنَا ليوسف في الأرض يتبوَأ منها حيث يشاء نصيَب برحمتَنا من نشَاء ولا نضيَع أجر المحسنين " ،([9]) أي ينزل من بلادها حيث يشاء. و في السنة النبوية المطهرة قول الرسول صلَى اللَه عليه و سلم " إن كذَبا علي ليس ككذب على أحد فمن كذب علي متعمدا فليتبوَأ مقعده من النَار ".  فقوله فليتبوَأ مقعده معناه : ينزل منزله من النَار، و باء بإثمه و بذنبه : احتمله و صار المذنب ، مأوى الذنب و يستبَاء أي يتخذ امرأته أهلا .([10])
و مما تقدم يتضح لنا أن اللغة العربية موثقة بالقرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة و قد برهنت لنا عروبة لفظ البيئة ، و إنَها ليست كما يعتقد البعض تعريبا لاسمها المتداول في الغرب                        " Environnement"([11])
ثانيا: تعريفها في اللغة الأجنبية
عرف المجلس الدولي للغة الفرنسية البيئة بأنها:  «  L’environnement est l’ensemble a un moment et des agent Physique, chimiques, biologiques et des facteurs spéciaux susceptibles d’avoir un effet direct ou indirect immédiat ou à terme, sur les êtres vivants et les activités humaines »([12])
و البيئة في اللغة الإنجليزية هي مستمدة من كلمة «  Écologie » و تعني بمفهوم آخر « Environnement » و تستعمل هذه الكلمة عادة للدلالة على " الظروف المحيطة و المؤثرة على النمو و التنمية "([13])، كما تستخدم أيضا للدلالة على مختلف العناصر الطبيعية المحيطة بالإنسان مثل الهواء ، الماء ، التربة و النبات... و كذلك للتعبير عن الوسط أو المحيط أو المكان الذي يحيط بالشخص و يؤثر في  مشاعره و أخلاقه و أفكاره .([14])
ثالثا: التعريف الإصطلاحي   
يعرف علم البيئة الحديث الإيكولوجي – Écologie- البيئة بأنها: " الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان بما يضم من الظاهرات الطبيعية و البشرية يتأثر بها و يؤثر فيها ". ([15]) و يقصد بها كذلك " الأحوال الفيزيائية و الكيميائية و الإحيائية للإقليم الذي يعيش فيه الكائن الحي ".([16])
رابعا: التعريف الفقهي
عرفت الحقبة الزمنية الممتدة من تاريخ انعقاد مؤتمر استكهولم حول البيئة و التنمية عام 1972 إلى تاريخ انعقاد مؤتمر جوهانسبورغ بشأن التنمية المستدامة عام 2002 بجنوب إفريقيا اجتهادات فقهية حاولت وضع تعريف للبيئة ، و بالرغم من أنه لم يكن هناك اتفاق بين الفقهاء على تحديد معنى البيئة بشكل دقيق إلا أن معظم التعريفات تشير إلى المعنى نفسه. و في هذا الصدد نجد تعريف الدكتور ماجد راغب الحلو " البيئة هي المحيط المادي الذي يعيش فيه الإنسان بما يشمل من ماء و هواء و فضاء و تربة و كائنات حية ، و منشآت أقامها الإنسان لإشباع حاجاته ".([17]) و من جانبه يعرفها الدكتور محمود صالح العادلى " هي الوسط الذي يحيط بالإنسان من مخلوقات اللَه أو من صنع الإنسان "([18]) و يعرفها الدكتور رياض صالح أبو العطا   " البيئة هي الوسط الطبيعي الذي يعيش فيه الإنسان و الكائنات الحية الأخرى، و يمارس فيها نشاطاته المختلفة ".([19])
خامسا: التعريف القانوني الدولي
في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية المنعقد بإستكهولم بالسويد في الفترة الممتدة ما بين 5 إلى 16 جوان 1972 تحت شعار " نحن لا نملك إلا كرة أرضية واحدة " ، و الذي حضره ممثلون من 144 دولة عرفوا البيئة في أول تعريف رسمي لها بأنها: " رصيد الموارد المادية و الاجتماعية المتاحة في وقت ما و في مكان ما لإشباع حاجات الإنسان و تطلعاته ".([20])  و بهذا يكون المؤتمر قد اختصرها في أنها: " كل شيء يحيط بالإنسان " « Environnement is every thing that surrouna man »  .([21]) فقد جاء استخدام مصطلح Environnement لأول مرة في هذا المؤتمر بدلا من مصطلح الوسط البشري Milieu Humain  الذي استخدم في مراحل الإعداد لهذا المؤتمر. و قد عرف مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية البيئة على أنها: " كل ما يحيط  بكائن ما سواء كان حيوانا أو نباتا ".([22]) الملاحظ على هذا التعريف أنه لا يختلف عن التعريف الذي جاء به مؤتمر استكهولم و هو أن البيئة هي كل شيء يحيط بالإنسان .
II / عناصر البيئة و طبيعتها القانونية
 يتضح من التعاريف السابقة أن البيئة مفهوم واسع يشمل العديد من العناصر فهي ليست فقط العناصر الطبيعية الحية – الإنسان و الحيوان و النبات – و الغير الحية – الماء، الهواء، الصخور و التربة- ، و إنما تشمل أيضا العناصر الاصطناعية التي يرجع الفضل في ايجادها للفكر الإنساني و ما لدى الإنسان من ملكات إبداعية كالسدود و المباني الحديثة.
و تقتضي مسألة تحديد الطبيعة القانونية لعناصر البيئة في مجال قواعد القانون الدولي، الالمام بمسألتين هما: الحق في بيئة نظيفة  و التراث المشترك للإنسانية.
1 / الحق في بيئة نظيفة في القانون الدولي:
 إن حق الإنسان في العيش في بيئة سليمة و صحية خالية من أي تلوث هو حق معترف به في مجال قواعد القانون الدولي، لا سيما في الوقت الراهن الذي يعرف فيه المجتمع الدولي ثورة علمية و تكنولوجية هائلة كانت السبب الرئيسي في التلوث البيئي و في جلب المخاطر للإنسان مما أصبح التدخل القانوني أمرا ضروريا لتجسيد هذا الحق و حمايته. فقد ظهر إلى الوجود و في مجال العلاقات الدولية فكرة تعرف باللاجئين البيئيين ، و هم الأشخاص الذين يخشون الكوارث الطبيعية مثل تحويلات الأرض الجذرية و تنفيذ السدود و أعمال الرَي و التلوث بالمواد و هم يشكلون الآن مجموعة من الأشخاص المعزولين في العالم ، و في تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة اليونيب ، جاء فيه بأن " اللاجئين البيئيين هم الأفراد الذين شردوا مؤقتا بسبب الحوادث الصناعية المفاجئة أو مصادر الخطر الطبيعية أو الأفراد الذين شردوا بشكل دائم بواسطة مشروعات التنمية الاقتصادية أو الذين اضطروا ليهاجروا بسبب التبديد المدمر للموارد الطبيعية"([23])، فمن حق هؤلاء  البحث عن  بيئة نظيفة في الدول الأخرى تضمن لهم حياة صحية و آمنة من الأخطار و الكوارث الطبيعية أو المفتعلة. و الحق في البيئة يشمل حق الإنسان و الشعوب و الدول و الجماعات بل و الكائنات الحية الأخرى في حماية الهواء و التربة و المياه  و العمليات البيئية الأساسية و الانتاجية المستديمة للأرض ، و الحماية ضد التلوث بواسطة المواد السامة. كما يتضمن الادارة الحكيمة للغابات و صيانتها ، و ذلك لضرورة هذه الغابات لاستمرار التوازن البيئي و النظام الايكولوجي. أي أنه يقتضي حماية جميع العناصر المكونة للبيئة .([24])
و يجد هذا الحق أساسه القانوني في نصوص تضمنتها اعلانات و مواثيق و قرارات عديدة ، إذ يعد اعلان استكهولم ( المعني بالبيئة البشرية التي دعت إليه الأمم المتحدة في عام 1972 ) الصادر بعنوان حق الشعوب في بيئة صحية نظيفة سليمة من أهم الإعلانات التي دعت إلى اسهام شعوب العالم و إرشادهم للمحافظة على البيئة البشرية و تعزيزها... إذ ورد في هذا الإعلان النص على أن: " للإنسان حق أساسي في الحرية و المساواة و ظروف عيش مناسبة و في بيئة ذات نوعية تتيح له حياة الكرامة و الرفاهية ، و هو يتحمل مسؤولية جليلة في حماية بيئته و تحسينها للجيل الحاضر و للأجيال المقبلة ". و صدر تقرير برنامج الأمم المتحدة لشؤون البيئة في دورته الثالثة المنعقدة في الفترة من 17 أفريل إلى 2 ماي 1975  الذي أوضح بأنه : " كان هناك إدراك عام بأن البيئة البشرية ذات طبيعة من شأن ما يصيبها يصيب الجميع مما يستوجب تبني منهج عالمي و تعاون دولي أو نقد يقومان على أساس فهم أكثر اكتمالا للعواقب المترتبة على أن الأمم المتحدة معتمدة بعضها على بعض ".([25])  كما نصت المادة 17 من اعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الاسلام الصادر عن منظمة المؤتمر الاسلامي عام 1990 على أنه " لكل انسان الحق في العيش في بيئة نظيفة من المفاسد و الأوبئة الأخلاقية... و على المجتمع و الدولة توفير هذ الحق ". أما فيما يتعلق بالمواثيق الدولية التي تضمنت نصوصا قانونية صريحة و ملزمة، نجد الميثاق الافريقي لحقوق الانسان و الشعوب الصادر عام 1981  المادة 24 منه نصت على أن: " لكل الشعوب الحق في بيئة مرضية و شاملة و ملائمة لتنميتها "  و كذا البروتوكول الإضافي الملحق بالاتفاقية الأمريكية لحقوق الانسان و الذي تم اقراره في سان سلفادور عام 1988 نصت المادة 11 الفقرة الأولى منه على أنه " لكل انسان الحق في أن يعيش في بيئة صحية و في الحصول على الخدمات العامة الأساسية ". أما الميثاق العربي لحقوق الإنسان الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في تونس عام 2004  فقد  تضمنت  المادة 38 منه أنه " لكل شخص  الحق  في  مستوى معيشي كافي له و لأسرته يوفر الرفاهية و العيش الكريم من غذاء و كساء و مسكن و خدمات و له الحق في بيئة سليمة ، و على الدول الأطراف اتخاذ التدابير اللازمة وفقا لإمكانياتها لإنفاذ هذه الحقوق".([26]) في حين نجد أن اعلانات و مواثيق دولية أخرى لم تأتي على ذكر الحق في البيئة بشكل صريح ، و غالبية هذه الاعلانات و المواثيق كانت سابقة في وضعها على بداية الاهتمام بالبيئة وحمايتها إلاَ أنها قد أشارت بصورة ضمنية إلى هذا الحق من خلال نصها على ضرورة حماية حق الانسان في الحياة كحق أساسي و ما يتفرع عنه من حقوق من بينها : ميثاق هيئة الأمم المتحدة ( في الفقرة السادسة من الديباجة و المادة 55 منه ) ، الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 ( المادة 25 الفقرة الأولى و المادة 28 ) ، العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية لسنة 1966 ( المادة 06 منه )، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الصادر في 16 ديسمبر 1966 ( المواد من 09 إلى المادة 12 ) ، اعلان الجمعية العامة حول التقدم و الانماء في المجال الاجتماعي لعام 1969 ( المادة 13 منه ) ، اعلان ريو بشأن البيئة و التنمية الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة و التنمية عام 1992  ( المبدأ الأول منه ).
يتضح من النصوص السالفة أن الحق في البيئة هو من الحقوق المشتركة لأن لكل انسان الحق في أن يختار لنفسه بيئة سليمة و صحية و متوازنة ، كما أنه لكل الدول و لجميع الشعوب بل و الجماعات الحق في حماية بيئتها من التلوث ، كما أنه حق لا يقتصر فقط على الأجيال الحالية بل يمتد ليشمل الأجيال القادمة.
و قد انتهت أعمال المؤتمر المشترك بين المعهد الدولي لحقوق الإنسان و معهد السياسة الأوروبية للبيئة في 19 و 20 يناير 1979 بمدينة ستراسبورغ في فرنسا إلى أن الحق في وجود بيئة غير ملوثة يعتبر من الآن فصاعدا حق من حقوق الانسان.([27]) و هناك من الفقهاء من يرى  بأن الحق في البيئة  يعتبر  من  مستجدات حقوق الانسان ظهر في السبعينيات من القرن العشرين ، إذ اهتمت الجهود الدولية في مسألة حقوق الانسان بداية بحقوق الفرد غير أن التطور الذي طرأ على المطالبة المستمرة بحقوق الإنسان تنوعت لتنتقل للمطالبة بالحقوق الانسانية القائمة و الذي تمثل في الجيل الثالث لحقوق الإنسان. ([28])

2 / عناصر البيئة تراث مشترك للإنسانية:
إن قواعد القانون الدولي تعتبر العناصر المكونة للبيئة حقا مشتركا للإنسانية ، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 ديسمبر 1970  القرار رقم 2749 / 25 الخاص بإعلان المبادئ التي تحكم قاع البحار و المحيطات و ما في باطنها فيما وراء حدود الاختصاص الوطني للدول ، و الذي جاء فيه على الخصوص :" تعلن الجمعية العامة أن قاع البحار و باطنه خارج الاختصاص الوطني بما في ذلك ثروات المنطقة هي ارث مشترك للإنسانية..."([29]) ، هو القرار الذي جسدته اتفاقية قانون البحار لسنة 1982 فيما بعد كما أن اتفاقية اليونسكو المتعلقة بحماية الثروة العالمية الطبيعية و التاريخية المبرمة في 16 نوفمبر 1976 نصت صراحة على أن الثروات الطبيعية و البيئية هي حق مشترك للإنسانية في الوقت الحاضر و يمتد للأجيال المقبلة ، و هي حسب المادة 02 من الاتفاقية تتضمن العناصر البيولوجية و المواقع و الآثار الطبيعية و التاريخية و كذلك العناصر التي لها قيمة جمالية عالمية و مختلف المناطق التي تعد مأوى للفصائل الحيوانية و النباتية و التي يرى البعض أن لها قيمة ذات طابع استثنائي و خاص. و نظرا لأهمية و طبيعة هذه العناصر فقد كرست اتفاقية اليونسكو الالتزام القانوني الذي يضمن تحديد قائمة هذه العناصر و تكريس الحماية و المحافظة عليها و على قيمتها و ضرورة نقلها إلى الأجيال اللاحقة. و نفس التكييف أيضا اعتمدته اتفاقية برن " BERNE " المنعقدة في 19 ديسمبر 1979 المتعلقة بحماية الحياة البرية و الوسط الطبيعي في أوروبا ، حيث جاء في ديباجة الاتفاقية أن الثروة الحيوانية و الانسانية تشكل ذمة مالية لها قيمة علمية و ثقافية و جمالية و ترفيهية و اقتصادية و هي تتطلب المحافظة عليها و نقلها للأجيال اللاحقة .([30])  و يترتب على اعتبار عناصر البيئة ذات القيمة و الأهمية العالمية حقا مشتركا للإنسانية آثار قانونية هي أنه لا يمكن لأي دولة أو أي شخص أن يمتلكها أو يمارس عليها حقوقا ذات سيادة أو على أي جزء منها([31]) ، و إنما يكون للمجتمع الدولي مصلحة مشتركة في استغلال الموارد الطبيعية لأغراض سلمية و يقع عليه في المقابل واجب الحفاظ عليها و حمايتها و نقلها إلى الأجيال القادمة.
الخاتمة:
نخلص في الأخير إلى أن البيئة قيمة من قيم المجتمع الإنساني و حق من حقوق الإنسان ، ومن ثم وجب أن تحظى بعناية تشريعية دولية و وطنية كفيلة بحمايتها و المحافظة عليها من أي تلوث أو تدهور قد يصيبها أو يصيب أحد عناصرها. حيث اتضح جليا في السنوات الأخيرة ، تدخل الإنسان السافر في الأنظمة البيئية محدثا اختلالا كبيرا في توازنها الطبيعي غير مدرك لما تجنيه يداه ، فقد فات الإنسان أنه عنصر مكمل لعناصر البيئة و بدون التعامل معها حسب قوانينها و أنظمتها فإن الضرر لن يطالها وحدها فحسب ، بل سوف ينعكس عليه لا محالة.
قائمة المراجع :
(أ) القرآن الكريم:
Ø     سورة يوسف، الآية 56، القرآن الكريم.
(ب) المؤلفات:
Ø     الدكتور أحمد أبو الوفا، القانون الدولي للبحار، دار النهضة العربية، طبعة 2006.

Ø     الدكتورة حميدة جميلة، النظام القانوني للضرر البيئي و آليات تعويضه، دار الخلدونية، طبعة 2011.
Ø     الدكتور راتب سلامة السعود، الإنسان و البيئة – دراسة في التربية البيئية - ، دار الثقافة، الطبعةالأولى 2010.
Ø     الدكتور رياض أبو العطا، حماية البيئة في ضوء القانون الدولي، دار الجامعة الجديدة، طبعة 2009.
Ø     الأستاذة صباح العشاوي، المسؤولية الدولية عن حماية البيئة، دار الخلدونية، الطبعة الأولى 2010.
Ø      الدكتور طارق ابراهيم الدسوقي عطية، الأمن البيئي النظام القانوني لحماية البيئة، دار الجامعة الجديدة، طبعة 2009.
Ø      الدكتور علي سعيدان، حماية البيئة من التلوث بالمواد الإشعاعية و الكيماوية في القانون الجزائري، دار الخلدونية، الطبعة الأولى 2008.
Ø      عبد القادر رزيق المخادمي، التلوث البيئي مخاطر الحاضر و تحديات المستقبل، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية 2006.
Ø      الدكتور ماجد راغب الحلو، قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة، دار الجامعة الجديدة، طبعة 2007.
Ø     الدكتور محمد بوسلطان، مبادئ القانون الدولي العام، الجزء الأول، دار الغرب للنشر، طبعة 2008.
Ø     محمد خالد جمال رستم، التنظيم القانوني للبيئة في العالم، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى 2006.
Ø     الدكتور محمود صالح العادلي، موسوعة حماية البيئة، الجزء الثالث الحماية الجنائية للبيئة، دار الفكر الجامعي، طبعة 2003.
Ø     الدكتور نبيل عبد الرحمن ناصر الدين، ضمانات حقوق الإنسان و حمايتها وفقا للقانون الدولي و التشريع الوطني، دار المطبوعات الجامعية، طبعة 2009.
(ج) المحاضرات:
Ø   الدكتور سعادي محمد، محاضرات في مقياس حقوق الإنسان، ألقيت بجامعة عبد الحميد بن باديس- مستغانم (ملحقة غليزان)، السنة الجامعية 2006-2007.
(د) القواميس:
Ø   علي بن هادية، بلحسن البليش، الجيلاني بن حاج يحي، القاموس الجديد للطلاب معجم عربي ألفبائي، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، الطبعة السابعة 1991.
Ø   محمد حمدي، مرشد الطلاب قاموس عربي عربي، دار ابن رشد، الطبعة الأولى 2003.
                














[1]- محمد خالد جمال رستم، التنظيم القانوني للبيئة في العالم، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى 2006 ، ص 771 .
[2]- الدكتور طارق ابراهيم الدسوقي عطية، الأمن البيئي النظام القانوني لحماية البيئة، دار الجامعة الجديدة، طبعة 2009 ، ص102.

[3]-  الأستاذة صباح العشاوي، المسؤولية الدولية عن حماية البيئة، دار الخلدونية، الطبعة الأولى 2010 ، ص 9 .
[4]-  الدكتورة حميدة جميلة، النظام القانوني للضرر البيئي و آليات تعويضه، دار الخلدونية، طبعة 2011، ص 22.
[5]- المرجع نفسه، ص 23.
[6]- محمد حمدي، مرشد الطلاب قاموس عربي عربي، دار ابن رشد، الطبعة الأولى 2003 ، ص 131 – 140 .

[7]-  علي بن هادية، بلحسن البليش، الجيلاني بن حاج يحي، القاموس الجديد للطلاب معجم عربي ألفبائي، المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، الطبعة السابعة 1991 ، ص 162 – 169 .
[8]- الدكتور علي سعيدان، حماية البيئة من التلوث بالمواد الإشعاعية و الكيماوية في القانون الجزائري، دار الخلدونية، الطبعة الأولى 2008 ، ص 5 .
[9]- سورة يوسف، الآية 56 ، القرآن الكريم.
[10]- تفسير هذا الحديث الشريف ورد في كتاب الأستاذة صباح العشاوي، المرجع السابق، ص 10 .
[11]- الدكتور راتب سلامة السعود، الإنسان و البيئة – دراسة في التربية البيئية - ، دار الثقافة، الطبعة الأولى 2010 ، ص20 .

[12]- الدكتور طارق إبراهيم الدسوقي عطية، المرجع السابق، ص104.  
[13]-  الدكتورة حميدة جميلة، المرجع السابق، ص25.
[14]- الأستاذة صباح العشاوي، المرجع السابق، ص11.
[15]-  المرجع نفسه، ص14.
[16]- الدكتورة حميدة جميلة، المرجع السابق، ص27.
[17]- الدكتور ماجد راغب الحلو، قانون حماية البيئة في ضوء الشريعة، دار الجامعة الجديدة، طبعة 2007، ص44.
[18]- الدكتور محمود صالح العادلي، موسوعة حماية البيئة، الجزء الثالث الحماية الجنائية للبيئة، دار الفكر الجامعي، طبعة 2003، ص13.
[19]- الدكتور رياض أبو العطا، حماية البيئة في ضوء القانون الدولي، دار الجامعة الجديدة، طبعة 2009، ص19.
[20]- عبد القادر رزيق المخادمي، التلوث البيئي مخاطر الحاضر و تحديات المستقبل، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية 2006، ص147.
[21]- الأستاذة صباح العشاوي، المرجع السابق، ص13.
[22]- الدكتور راتب سلامة السعود، المرجع السابق، ص12.
[23]- الدكتورة حميدة جميلة، المرجع السابق، ص42.
[24]- الدكتور رياض صالح أبو العطا، المرجع السابق، ص63.
[25]- الدكتور نبيل عبد الرحمن ناصر الدين، ضمانات حقوق الإنسان و حمايتها وفقا للقانون الدولي و التشريع الوطني، دار المطبوعات الجامعية، طبعة 2009، ص70-71.
[26]- الدكتور رياض صالح أبو العطا، المرجع السابق، ص78-79.
[27]- الدكتور طارق إبراهيم الدسوقي عطية، المرجع السابق، ص111.
[28]- الدكتور سعادي محمد، محاضرات في مقياس حقوق الإنسان، ألقيت بجامعة عبد الحميد بن باديس- مستغانم (ملحقة غليزان)، السنة الجامعية 2006-2007.
[29]- الدكتور محمد بوسلطان، مبادئ القانون الدولي العام، الجزء الأول، دار الغرب للنشر، طبعة 2008، ص180.
[30]- الدكتورة حميدة جميلة، المرجع السابق، ص44.
[31]- الدكتور أحمد أبو الوفا، القانون الدولي للبحار، دار النهضة العربية، طبعة 2006، ص359.

التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016