تابعونا على الفيسبوك

Disqus

تأثير القواعد الفقهية والقضائية على صياغة بنود القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تأثير القواعد الفقهية والقضائية على صياغة بنود
القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية،
-تقنين قواعد الترجيح والإثبات بين الحجج ومؤسستي الحيازة وأراضي الموات نموذجا -




الأستاذ: الحسن اولياس

باحث في العلوم  الإدارية و القانونية

         صدر بالجريدة الرسمية عدد 5998 بتاريخ 27ذي الحجة 1432، الموافق ل:24 نونبر2011، الظهير الشريف رقم 1.11.178 الصادر بتاريخ 25ذي الحجة 1432(22نونبر2011)، بتنفيذ القانون رقم 39.08، المتعلق بمدونة الحقوق العينية، هذا القانون الذي أصبح ساري المفعول بعد ستة أشهر من نشره بالجريدة الرسمية المذكورة، وفقا لما قضت به المادة الأخيرة منه (المادة334 من مدونة الحقوق العينية).
         هذا ويجب التذكير، بان إعداد مشروع القانون المذكور، تطلب فترة زمنية استغرقت أزيد من 10 سنوات، تم في بدايتها صياغة مسودة المشروع التي كانت موضوع تنقيحات وإضافات وملاحظات من قبل كافة القطاعات ذات الصلة، قبل إحالة ذلكم المشروع على مجلس النواب.
          فمن المعلوم، أن إصدار القانون المذكور جاء في السياق العام، لجمع وتوحيد القواعد المؤطرة للعقار بصورة عامة، بشكل يضمن الرجوع الى نص قانوني موحد من جهة عوض نصوص قانونية وقواعد فقهية متفرقة، وكذا تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية او ما يعبر عنه بالأمن العقاري من جهة ثانية، فتوحيد النصوص القانونية للعقار في إطار مدونة شاملة ومكتملة يسهل على المتعامل في العقار الاطلاع على تلكم النصوص، كما يسهل مأمورية القاضي في النزاعات المرتبطة بالعقار عموما على التطبيق السليم لها باعتبارها مرجعية موحدة.
إذ، قبل صدور القانون المتحدث عنه، لم يكن هناك مرجع قانوني خاص ينظم العقار الغير المحفظ بالمغرب، بل كان القضاء يرجع في البت في المنازعات المرتبطة بهذا الصنف من العقارات إلى القواعد الفقهية وخاصة الراجح والمشهور وما جرى به العمل في فقه الإمام مالك، وقد أدى الأمر كذلك إلى تضارب الأحكام والقرارات القضائية تبعا لتعدد وتشعب الآراء والمقتضيات الفقهية في هذا الإطار.
       هذا ومما تجر الإشارة إليه ، أن مدونة الحقوق العينية المغربية تضمنت كذلك في صياغتها، اغلب القواعد القانونية التي كان يؤطرها ظهير 02 يونيو1915، والذي كان يطبق على العقارات المحفظة فقط (أي مرحلة ما بعد تأسيس الرسم العقاري للعقار الغير المحفظ، وما يرد على العقار المحفظ من حقوق وتقييدات وتشطيبات... ليس الا)، وقد برر بذلك واضعوا مشروع المدونة بكون هذه القواعد هي قواعد موضوعية مستمدة من الأحكام الفقهية والأعراف المعمول بها إضافة لقواعد قانونية أكدها اجتهاد محكمة النقض في نوازل معينة، وبالتالي فهي تنظم الحق العيني سواء تعلق الأمر بعقار محفظ او غير محفظ.
     وتشمل مدونة الحقوق العينية 334 مادة، موزعة على فصل تمهيدي يتضمن الأحكام العامة (المواد من 1 إلى 13)، وكتاب أول يرتبط ويتحدث عن الحقوق العينية الأصلية (الفصول 14 إلى 221)، وكتاب ثاني يتناول أسباب كسب الملكية والقسمة العقارية (الفصول من 222 الى 334)، هذا الكتاب الأخير الذي شمل مادتين فريدتين، وهما:
الفصل 333 الذي ينص على ما يلي:" ينسخ هذا القانون الظهير الشريف الصادر في 19 رجب 1333(02 يونيو1915) الخاص بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة"
والمادة 334 المشار إليها آنفا، والتي تقضي بما يلي:" يسري العمل بهذا القانون، بعد ستة أشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية".
     ومن ميزات هذه المدونة انها نظمت لأول مرة، بعض الحقوق الواردة على العقار (حق العمري مثلا) إضافة لبعض أسباب اكتساب الملكية (أراضي الموات، والحريم التي هي ملك للدولة-الملك الخاص) ....
    وفي نطاق التأطير القانوني لما تنظمه مدونة الحقوق العينية، ورد بالمادة الأولى منها ما يلي،
" تسري مقتضيات هذا القانون على الملكية العقارية، والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار.
تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331(12 غشت1913)، بمثابة قانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد به نص في هذا القانون، فان لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي".
     وموضوع بحثنا هذا، سيتم التطرق فيه الى تأثير الترسانة الفقهية والقضائية على صياغة أحكام مدونة الحقوق العينية من خلال نماذج مؤسسات قانونية (الحيازة، تنظيم أراضي الموات، تأطير قواعد الإثبات والترجيح بين الحجج....)  وان كان الموضوع متشعبا ومتفرعا ويحتاج لأكثر من دراسة، غير انه سيتم التركيز فيه على الأهم.
     غير انه قبل التطرق لذلك، لابد من تناول بإيجاز، الإطار العام لصدور مدونة الحقوق العينية المغربية ومدى ارتباط صدورها بتكريس مبدأي الأمن القانوني والعدالة الاجتماعية، على ان يتم الانتقال الى مدى تأثر هذه الأخيرة فيما يرتبط بصياغة بنودها بقواعد الفقه الإسلامي والقواعد القانونية التي اقرتها محكمة النقض في فترات سابقة.
القسم الأول: الإطارالعام لصدور مدونة الحقوق العينية
المبحث الأول: السياق العام لصدور مدونة الحقوق العينية:
            بادئ ذي بدء، تنبغي الإشارة إلى أن مشروع مدونة الحقوق العينية، وقبل إخراج القانون في صيغته النهائية إلى حيز الوجود قصد التطبيق، سبق (أي المشروع) أن أحيل قصد الدراسة على لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين بتاريخ 27 يوليوز2011، وقد اندرج المشروع المذكور في إطار سياق تحديث المنظومة التشريعية بالمغرب بغية توحيد وتبسيط المفاهيم والمقتضيات القانونية المرتبطة بمجال العقار بصورة عامة، والحقوق العينية التي ترد عليه، سواء تعلق الأمر بالعقارات المحفظة أو الغير المحفظة.
       فمن المعلوم أن بلادنا، تشهد ازدواجية القاعدة القانونية المنظمة للعقار، ذلكم ان المعاملات العقارية والحقوق العينية في العقار الغير المحفظ تخضع في أحكامها لقواعد الفقه المالكي، وهي كلها قواعد مشتتة ان صح التعبير، او متفرقة في المراجع الفقهية وفي كتب النوازل، ويطرح التمسك بها اختلافا في العمل القضائي بين ما جرى عليه العمل في الجهات والمناطق، كما هو الأمر بالنسبة للعمل الفاسي او العمل السوسي على سبيل المثال، ومن الناحية المقابلة فان العقار المحفظ، وكل ما يتصل به من حقوق يخضع منذ سنة1915 الى مقتضيات المرسوم الملكي المحدد للتشريع المطبق على العقارات المحفظة.
   والحري بالذكر، انه بالرغم من كون الخزانة القانونية المغربية، تعج وتضم مؤلفات قانونية وفقهية تناولت العقار بصورة عامة، إلا أن مشكل تطبيق القواعد القانونية على المعاملات المدنية والعقارية ظل قائم الذات، وتظهر آثار ذلك على الخصوص في المنازعات المرتبطة بالعقار واختلاف العمل القضائي في تطبيق قواعد وأحكام موحدة عليها للأسباب السالف ذكرها أعلاه، ولما سيتم تبيانه أيضا من خلال ما سيأتي بعده.
وكما أشار الى ذلك الدكتور عادل حاميدي في مؤلفه: القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة العقارية والمدنية في ضوء مدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود والفقه الإسلامي، حيث أورد ما يلي: " فانه لا يماري أي باحث منصف في ان صعوبة الخوض في القضايا العقارية، لتشعب مواضيعها ودقة اشكالياتها، وازدواجية النصوص المطبقة بشأنها، فضلا عن أهمية العقار القيمية والرمزية في المخيال والعقل الجمعي المغربي، تجعل أي باحث يقلب نظره، ويجيل فكره قبل ان يسيل مداد قلمه....
......................................................................................................................
ان القواعد الفقهية في المادة العقارية والمدنية، هي ضوابط تحيط بكافة كليات وجزئيات الخصومة في هذه المادة، من حازها حاز غاية الكمال ونهاية الوصال، وامن عدم التيه في دروب دعواها المتشعبة، والتي يتطلب الفصل فيها اناة وصبرا، والماما بهذه القواعد الإجرائية منها والموضوعية............................"
     وبالتالي، فان الازدواجية المتحدث عنها، وما استتبعته من اختلاف في المفاهيم حول نفس الحقوق، طرح نوعا من الارتباك في تحديد المقصود من تلك المفاهيم وكذا في نمط التعامل معها، وهو الشيء الذي دفع بالمشرع الى أخذ المبادرة في التفكير في إقرار وحدة المفاهيم ووحدة القاعدة القانونية، وإخضاع الحقوق العينية وردت على عقارات محفظة او غير محفظة الى نفس القواعد القانونية، مع مراعاة استثناءات معينة.
    وفي هذا الإطار كذلك، أشار السيد محمد بوزبع(وزير العدل سابقا) في معرض التقديم لمؤلف امحمد برادة اغزيول، الدليل العملي للعقار الغير المحفظ، إذ ورد في كلمته التقديمية:" ...وبالرغم من وجود عدة قوانين تهم النظام العقاري في بلادنا، فإنها لم تعرف بعد قانونا موحدا متكاملا، يطبق على كل العقارات محفظة او غير محفظة، اذ ظلت المحاكم تطبق القواعد الفقهية المستمدة من الفقه المالكي على العقارات غير المحفظة، سواء تعلق الأمر بحق عيني عقاري او بمعاملة في هذا العقار، مما يتطلب من الممارسين بذل جهود مضنية للوقوف على القواعد الواجبة التطبيق بهذا الخصوص
      وهذا ما دفع بوزارة العدل الى اعداد مشروع قانون، يتعلق بمدونة الحقوق العينية، يهدف أساسا الى وضع أسس قانونية تطبق على الحقوق العينية الواردة على العقارات غير المحفظة، والمعاملات الجارية عليها، تمكن من اسهام العقارات غير المحفظة في مسار التنمية وتوظيفها الى جانب العقارات المحفظة في تشجيع الاستثمارات في مجال السكنى، والسياحة والصناعة، وتسهيل مهمة القضاء عند الفصل في المنازعات المرتبطة بالعقار......"  .
     وان كان هذا باختصار الإطار العام والقانوني لصدور مدونة الحقوق العينية، فإلى أي حد ساهمت بنود هذه المدونة في تحقيق النتيجة المرجوة، من امن قانوني وقضائي وعدالة اجتماعية، هذا ما سيتم التطرق إليه في المبحث الموالي:
المبحث الثاني: مدونة الحقوق العينية ومتطلبات الأمن القانوني
                لاشك أن وحدة القوانين المنظمة للعقار بصورة عامة، سيحقق الوضوح والاستقرار في المعاملات والمساواة في الأحكام التي تنظم الحق العيني، سواء كان محفضا او غير محفظ، دونما حاجة إلى البحث عن النصوص في المراجع الفقهية واللجوء في بعض الأحيان الى البحث في النوازل والقياس....- لكن دون أن يعني الأمر الاستغناء عن الفقه الإسلامي كمرجع من مراجع تنظيم المعاملات العقارية-
         فوحدة القانون المذكور، ستبعث على الاطمئنان، للتعامل في هذه العقارات، واختصار الجهد والوقت عند البت في النزاعات المرتبطة به، بل وتوحيد الاجتهادات القضائية الصادرة في الموضوع، بشكل يساهم في تفعيل دور الملكية العقارية في تحقيق الامن العقاري ومواكبة المسار التنموي.
          ولعل هذه الأهداف، هي أهم ما ارتكز عليه مناقشة مشروع مدونة الحقوق العينية، بمجلس المستشارين، والمتمثلة في:
- اشتراط رسمية العقود بالنسبة لبعض الحقوق العينية
-  توحيد قواعد الإثبات
- وضع نصوص تحكم جملة من الحقوق العرفية الإسلامية، كحق العمري، الزينة، الهواء، التعلية، والحبس، وتنظيم حالات الاشتراك ذات الطبيعة الخاصة، كحالة الحائط المشترك الفاصل بين ملكين متجاورين والطريق الخاص المشترك المستعمل من طرف ملاك العقارات المجاورة
- تنظيم أسباب كسب الحقوق العينية العقارية، التي لم تكن منظمة من قبل في نصوص قانونية، كإحياء الأراضي الموات والحريم والحيازة، والمغارسة
- تدوين الأحكام المتعلقة بالهبة والصدقة لتطبق على العقار المحفظ والغير المحفظ.
- وضع إطار نصي قانوني لتنظيم الحيازة وتحديد شروط صحتها ومدتها واستمرارها وانقطاعها وأثارها وحمايتها وإثباتها، وحالات عدم الاعتداد بها
- إعادة صياغة النصوص المتعلقة بالالتصاق والشفعة كسبب من أسباب التملك
- وضع قواعد جديدة تنظم القسمة
-تنظيم إمكانية انتقال بعض الحقوق العينية بالشفعة أو بالميراث او الوصية وإمكانية تفويتها او رهنها، وذلك ليمكن التعامل فيها أو رهنها....
-  وضع مقتضيات قانونية جديدة لتحفيز ذوي الحقوق العينية على إخضاعها لنظام التحفيظ العقاري، والاستفادة من الحماية التي يكفلها القانون.
      إن تنظيم مدونة الحقوق العينية لهذه الأمور بأكملها، بشكل يستشف منه تجاوز العديد من العقبات، في أفق تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والأمن القانوني بصورة عامة، إلا آن بعض نصوص تلكم المدونة خلقت العديد من الإشكالات على المستوى القانوني، ومن ذلكم على سبيل المثال:
- الإشكال المتعلق بالمادة4 من المدونة (التي تناولت إشكالاتها العديد من الكتابات في الموضوع).
- وجود تكرار غير مبرر في بعض الفصول (المادتان14 و19 من المدونة) المنظمتان لنفس الأحكام المرتبطة بقيود الملكية
-  تبني المدونة عند صياغتها للعديد من مقتضيات القانون المنسوخ
- عدم تبني العرف إلا في أحوال استثنائية، وكان من الأجدر اعتباره مصدرا ثالثا يتعين الأخذ به كما هو الحال بالنسبة للفقه الإسلامي وقانون الالتزامات والعقود.
  إلى غير ذلك من الإشكالات الأخرى...............
             وعموما، فان المدونة حسمت الأمر نوعا ما، في توحيد النصوص القانونية والفقهية المنظمة للعقار، واخدت بعين الاعتبار كافة الجوانب والإشكالات المرتبطة بالميدان، وبالتالي فان وحدة الترسانة القانونية المنظمة للمجال العقاري في نهاية المطاف، إنما تكرس دليل قوة الدولة وسيادتها، وهي عنوان درجة الانسجام المجتمعي.    
القسم الثاني: مدى تأثر مدونة الحقوق العينية بالقواعد الفقهية والقضائية ضمن صياغة بنودها القانونية:
المبحث الأول: تأثير قواعد الفقه الإسلامي على صياغة مدونة الحقوق العينية من خلال مؤسسة الحيازة و تنظيم قواعد الإثبات والترجيح بين الحجج
الفرع الأول:في الحيازة:
ا- الحيازة: التعريف والشروط    
        حسب الفصل3 من مدونة الحقوق العينية، فانه يترتب على الحيازة المستوفية لكافة شروطها اكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ، أو أي حق عيني أخر يرد عليه، إلى أن يثبت العكس. 
            غير ان الحديث عن الحيازة في إطار الفصل المذكور، لا ينبغي ان يؤخذ على عواهنه بصرف النظر عن مقتضيات أخرى متفرقة في المدونة، منها النصوص من 239 الى 263 من نفس القانون (الفصل الثالث المتعلق بالحيازة الاستحقاقية ومدتها وأثارها وإثباتها وحمايتها)، وخاصة الفصل 261 الذي أكد على انه لا تكتسب بالحيازة أملاك الدولة العامة والخاصة والأملاك المحبسة وأملاك الجماعات السلالية والجماعات المحلية والعقارات المحفظة، والأملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في هذا القانون. 
          وبالأخذ بعين الاعتبار، كل هذه المعطيات، فالحيازة هي السلطة الواقعية أو السيطرة الفعلية على شيء منقولا كان أو عقارا أو على حق عيني مترتب على شيء، شريطة ألا تكون الأعمال التي تنم عن هذه السلطة أو السيطرة من قبيل الأعمال التي يأتيها شخص على أنها مجرد رخصة من المباحات أو التي يتحملها الغير على سبيل التسامح.
          ويشترط لصحتها، مجموعة من الشروط، حددها الفقه الإسلامي وكذا مدونة الحقوق العينية في مادتها 240، فيما يلي:
           - وضع اليد على الملك: ومعناه وضع اليد على الشيء المحوز، والسيطرة الفعلية عليه، وقد وضح الفقيه القرافي في كتاب الفروق معنى وضع اليد، بانه عبارة عن " القرب والاتصال والبسط"، وقد ورد في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 15/07/1968:" ان كل ما سبقت يده الى شيء لا يخرج من يده الا بيقين وان واضع اليد غير مكلف بإثبات شيء اذ ان وضع اليد يعتبر حجة يجب ان يعارض بحجة أقوى"،
          - التصرف في الملك والنسبة: والمقصود به، مباشرة الحائز لمختلف أنواع التصرفات الشرعية في الملك، من استعمال واستغلال وتفويت، ومصدر ذلك في الفقه الإسلامي قول خليل: " وصحة الملك بالتصرف"، وفي هذا الإطار ورد في قرار لمحكمة النقض بتاريخ 21/03/1967: " ان التصرف عام لا ينحصر في الحرث والغرس بل يشملهما وغيرهما من الرعي والحفر وغير ذلك" 
       - النسبة: بحيث ينسب الحائز الملك لنفسه والناس كذلك، بان يقول الحائز ملكي أو ما شابهه مما يفصح عن نسبة الملك إليه، وهكذا جاء في قرار لمحكمة النقض عدد 1116 في الملف العقاري 2309/1/9/95: " أن من شروط إثبات الملك النسبة، كما جاء في العمل الفاسي أن التنصيص على ذكر النسبة في الوثيقة لازم سواء كانت علمية او استرعائية"
- عدم المنازعة: بمعنى ان الحيازة يجب ان تكون غير منازع فيها من قبل الغير طيلة المدة المقررة قانونا، بمعنى ان الحيازة يجب ان تكون هادئة طيلة المدة المقررة لا يتخللها نزاع، بشكل يكسب الملك للحائز، وهو ما أكدته محكمة النقض من خلال قراراتها، منها قرارها عدد 121 بتاريخ 14/1/2004، في الملف عدد 3447/1/2002، وقرارها عدد 3453 بتاريخ 24/10/2007 في الملف عدد 1376/1/1/2007.
      - استمرار مدة الحيازة: والمراد به المقدار الزمني المعول عليه فقها وقضاء على حوز الملك والتصرف فيه ، وهو على نوعين نوع يهم ما جهل أصل الملك فيه(مدة الحوز :10 اشهر)، ونوع آخر يكون فيه أصل الملك معروفا لشخص معين(مدة الحوز: 10 سنين او أكثر)، وقد طبق الاجتهاد القضائي هذا المقتضى في عدة قرارات، منها القرار عدد11 بتاريخ 26 اكتوبر1966، والقرار عدد 617 بتاريخ 13/02/2008 في الملف المدني عدد 4042/1/1/2006 وكذا القرار عدد 1065 بتاريخ 28/03/2007 في الملف عدد 142/1/1/2006، كما يجب التذكير كذلك أن المادة 244 من المدونة تطرقت لمسالة استمرار الحيازة من حائز لأخر، وهو ما تعرض له الفقهاء وأسموه بالتلفيق، أي أن الحيازة في الفقه الإسلامي تلفق بين الخلف والسلف.
- في حالة وفاة الحائز، يشترط بالإضافة الى ما سيق أعلاه، شرط عدم التفويت: ومعناه في الحالة التي يحرر فيها الشهود الرسم بالملك والحيازة لورثة شخص متوفى(حائز)، يجب ذكر شرط عدم التفويت من قبل الحائز المتوفى لان التفويت من قبله للملك معناه خروج العقار من يده وبالتالي تنتفي واقعة استمرار الحيازة.
           وعموما، فان صياغة المدونة لأحكام الحيازة، جمعت ما سبق ان تم تنظيمه في الفقه الإسلامي، فقد جاء في تحفة الحكام:
               والأجنبي ان يحز أصلا بحق...............عشر سنين فالتملك استحق
               وانقطعت حجة مدعيه ..................... مع الحضور عن خصام فيه
               إلا إذا اثبت حوزا بالكرا........................او ما يضاهيه فلن يعتبرا
                وورد في لامية الزقاق:
                يد نسبة طول كعشرة أشهر............وفعل بلا خصم بها الملك يجتلا
                وفي مختصر خليل:
" وصحة الملك بالتصرف، وعدم المنازع، وحوز طال: كعشرة أشهر."
ب  -من أسباب عدم الاعتداد بالحيازة:
        1 -استنادا أيضا للفصل 241، لا تقوم الحيازة أيضا إذا بنيت على عمل غير مشروع، ومن أمثلته الغصب او الإكراه، فالحيازة التي تمت على الغصب والإكراه لا يعتد بها، وقد طبقت محكمة النقض هذا المعطى من خلال عدة قرارات، منها:
     * القرار عدد 1860 بتاريخ 22/06/2005، في الملف عدد1067/1/1/2003، حين أكدت في قاعدة قانونية على ان إقامة منشئات على عقار قهرا لا ينفع الغاصب ولا تنفعه حيازته تبعا لذلك ولو طالت.
* القرار عدد 285 بتاريخ 25/01/2006، في الملف المدني عدد 1799/1/1/2003
* القرار عدد 2327 بتاريخ27/06/2007 في الملف المدني عدد 2993/1/1/2006.
2-كما انه من المعلوم فقها وقضاء ان من عرف وجه مدخله بغير ناقل شرعي للملكية، فحيازته لا تنفعه ولو طالت، وحسبنا في هذا المقام الاستشهاد بالقرارات التالية:
- قرار محكمة النقض عدد 1087 بتاريخ 21 مارس 2001 في الملف عدد 2565/1/1/2000 المنشور بكتاب قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ العقاري من سنة 1991 إلى سنة 2002 للأستاذ عبد العزيز توفيق، ص 136 إلى 138.
- قرار محكمة النقض عدد 1912 بتاريخ 09 ماي 2000 في الملف المدني عدد 1201/1/1/1999 المنشور بكتاب قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ العقاري من سنة 1991 إلى سنة 2002 للأستاذ عبد العزيز توفيق، ص 62 إلى 65.
وهذا الأمر هو ما تزكى من خلال المادة246 من مدونة الحقوق العينية التي تنص على أنه:" "لا تقوم الحيازة ولا يكون لها أثر إذا ثبت أن أصل مدخل الحائز غير ناقل للملكية، ولا يحق لواضع اليد أن يغير بنفسه لنفسه سبب وضع اليد على الملك محل ادعاء الحيازة ولا الأصل الذي تقوم عليه."
3-اذا انصبت الحيازة  على ملك من أملاك الدولة....  فطبقا للمادة261 من مدونة الحقوق العينية لا يكون للحيازة أي أثر إذا انصبت على ملك من أملاك الدولة العامة والخاصة وأملاك الجماعات المحلية إلى غير ذلك، ومن تطبيقات قرارات محكمة النقض في الموضوع قبل دخول مدونة الحقوق العينية حيز التطبيق ، نذكر:
- قرارها عدد2871 بتاريخ12/09/2007 الذي جاء فيه " ... حيث صح ما عابته الطاعنة على القرار ذلك أنه اعتبر أن " الحيازة المطلوبة مدة عشر سنين مكسبة له تملك ولو ثبت ملك من قبله بالنسبة للملك الخاص للدولة لأن الشهادة له بالحيازة المذكورة دون منازع تثبت الملك عملا بقول المتحف والأجنبي إن يحز أصلا بحق // عشر سنين فالتملك استحق "في حين أن القاعدة التي اعتمدها القرار لا تسري تجاه الدولة فيما إذا ثبت أصل الملك لها. الأمر الذي يكون معه القرار فاسد التعليل المنزل منزلة انعدامه مما عرضه بالتالي للنقض والإبطال."
- قرارها عدد 3004 بتاريخ 19/09/2007، في الملف المدني عدد4013/1/1/2006.
 - وقرارها عدد 4746بتاريخ 09/01/2010 في الملف المدني عدد3694/1/1/2009.
الفرع الثاني: في عقود التفويت المجردة من أصل الملك:
ان عقود الشراء المجردة من أصل الملك، أي التي لا تكون مقرونة بأصل تملك البائع للمشتري لا يعتد بها امام القضاء وتبقى في حكم الرسوم الغير المنتجة لأثارها القانونية، قد تم التنصيص على هذه القاعدة فقهيا ف نظم صاحب العمل الفاسي:
لا توجب الملك عقود الأشرية *** بل ترفع النزاع عند التسوية.
وهذا الأمر هو ما أكدته محكمة النقض في العديد من قراراتها منها:
- قرارها عدد121 بتاريخ14/01/2004 في الملف عدد3447/1/1/2002 ورد فيه:"... لكن ردا على الوسيلة. فإن ذلك الشراء مجرد بدوره عن أصل تملك البائع لان تنصيصه على تملك البائع للمبيع بالإرث من والده...لا يقوم مقام الملكية إذ هو مجرد حكاية من البائع فقط...".
- وقرارها عدد3328 بتاريخ 17/10/2007 في الملف عدد738/1/1/2006 الذي جاء فيه:"... لكن ردا على الوسيلة أعلاه فإن القرار المطعون فيه رد عقد الشراء والأحكام المدلى بها من طرف الطاعنين لكون حجيتها لا تتعدى أطرافها، وذلك حين علل عن صواب بأن المتعرض على مطلب التحفيظ هو المدعي الملزم بالإثبات أولا. وأن الحجج المدلى بها من طرف المستأنفين لإثبات عقد الشراء المضمن بعدد47 صحيفة39 لا يوجب ملكا للمشتري لكونه مجرد عن المدخل فهو حجة على طرفين عند تنازعهما...".
والمشرع أيضا سار في الاتجاه نفسه، مكرسا هذه القاعدة، وذلك في الفقرة الثانية من المادة 3 من القانون رقم 39-08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، التي جاء فيها: "لا تفيد عقود التفويت ملكية العقارات غير المحفظة إلا إذا استندت على أصل التملك وحاز المفوت له العقار حيازة متوفرة على الشروط القانونية".
الفرع الثالث:في تنظيمقواعد الاثبات و الترجيح بين الحجج :
إن الترجيح بين الحجج، يعتبر من أهم الوسائل التي يستعملها القاضي في الوصول الى الحقيقة واثبات الملك، لطرف دون الأخر، وبعبارة اصح فان المعرفة بأسباب الترجيح بين الحجج تشكل البوصلة التي يسترشد بها القاضي عند فصله في الحقوق وإدلاء كل طرف بحجة تنسب الحق إليه وفي غياب العلم بها يخبط القاضي خبط عشواء ويتأرجح بين حجة هذا وبينة ذاك ولا يمكن ان يعلم ما يقدم ولا ما يؤخر ويستعصى عليه أي من الحجتين هي الأولى بالتطبيق وأي منها توجب الإبعاد.
  ومن ثمة، جاءت الصياغة الحالية للفقرة3 من المادة الثالثة من مدونة الحقوق العينية، والتي سنتعرض لأهم أسباب الترجيح بين البينات فيها في حالة تعارضها وكان الجمع بينها غير ممكن، والتي تثار في غالبية المنازعات المتعلقة بالاستحقاق والتحفيظ العقاري، وبيان الأمر على النحو التالي:
* ذكر سبب الملك مقدم على عدم بيانه: فالبينة التي يتم فيها ذكر الملك، مرجحة على تلك التي لا يرد فيها ذلك.
*تقديم بينة الملك على الحوز: ترجح بينة الملك على الحوز، لقول خليل: " وملك على حوز"، لان الملكية أخص من الحيازة وأقوى منها، وهذه القاعدة طبقتها محكمة النقض من خلال عدة قرارات منها على سبيل المثال فقط، القرار عدد 466 بتاريخ25 مارس1986، في الملف الشرعي عدد 5304/85.
     * زيادة العدالة والعبرة ليست بالعدد: إذا وقع وكانت إحدى البينات المتعارضة المستوفية لشروطها الشكلية، تتضمن عدولا يشهد لهم بالمروءة والتقوى أكثر من عدول البينة المعارضة، فإن البينة أو الحجة الأولى ترجح على الثانية، اعتبارا إلى ما لعدولها من خاصية إضافية، تنتفي في عدول البينة الأخرى. وتبقى خاصية المروءة والتقوى، نسبية ويصعب الركون إليها في الوقت الحاضر، لصعوبة إيجاد شهود عدول، فما بالك بشهود عدول أكثر تقوى ومروءة. ولعل هذا من بين الأسباب التي دفعت بالمشرع إلى تنظيم خطة العدالة، وتكليف رجالها بتلقي الشهادات الاسترعائية، أو تدوين الشهادات الأصلية، بما علم به العدول أنفسهم، مع ما يعرفه هذا الميدان من مشاكل تتجسد بالأساس، في حجية شهادة اللفيف، التي تبقى خاضعة لتقدير المحكمة، بالنظر لخطورة آثار الأخذ بها في بعض المجالات، خاصة في ميدان العقار غير المحفظ. أما إذا كان الترجيح بين البينة المشتملة على شهادة العدول على قلتهم، وبين بينة مشتملة على شهادة العوام على كثرتهم، فإنه في جميع الحالات ترجح بينة شهادة العدول، مهما بلغ عدد شهود شهادة العوام.
   * تقديم بينة النقل على بينة الاستصحاب: ومثال ذلك انه إذا تضمنت الوثيقة شهادة شهودها بان عقارا هو في ملك شخص معين، لا يعلمون انه خرج عن ملكه إلى الآن، وتضمنت حجة أخرى شهادة شهودها بان المشهود له اشترى العقار المذكور منه، ترجح الوثيقة الثانية لأنها علمت ما لم تعلمه المستصحبة
   * تقديم بينة الاثبات على بينة النفي: اذا تعارضت حجتان أولاهما تشهد بالإثبات والثانية تشهد بالنفي، فان حجة الإثبات ترجح وتقدم على حجة النفي، فقد جاء في المعيار: " من اثبت شيئا ، أولى ممن نفاه، هذا الذي تقرر عليه مذهب مالك وأصحابه..."
    * تقديم بينة الاصالة على خلافها او ضدها: ومن امثلة ذلك، وجود بينتان متعاكستان في مضمونهما كبينة تشهد لشخص بالصحة وأخرى تشهد له بالمرض، فتقدم بينة الصحة على المرض، وفي هذا الإطار قال ابن عرفة:" وإذا شهدت بينة بانه تبرع في حالة صحة والأخرى في مرض مخوفه، قدمت بينة الصحة، ويكون التبرع نافذا ان حيز"
    * تقديم تعدد الشهادة على شهادة الواحد: فالبينة المتضمنة لتعداد الشهادة ترجح وتعتبر أولى في الاعمال والتطبيق على بينة شهادة الواحد.
    * تقديم البينة المؤرخة على البينة غير المؤرخة: فالبينة التي تتضمن تاريخ تحريرها تقدم على البينة المبهمة الغير المؤرخة أصلا.
  * تقديم البينة السابقة على البينة اللاحقة تاريخا: وهي المعبر عنها في التحفة، بما يلي:

وقدم التاريخ ترجيح قبل     ****     لا مع يد والعكس عن بعض نقل
    والمقصود هنا ليس تاريخ تحرير البينات، وإنما تاريخ الشيء المشهود به، والمراد بقدم التاريخ، ما يكشف عن طول مدة الحيازة. فإذا شهدت حجة بان حيازة صاحبها ترجع لعام 1988، وشهدت أخرى بان حيازة صاحبها ترجع لعام 1980، ترتب عن كون هذه الثانية، أقدم تاريخا، ورجحت اعتبارا لذلك بقدم التاريخ.
والترجيح بقدم التاريخ موضوع زلل، لان الكثيرين يظنون أن المراد بقدم التاريخ، هو التاريخ الأقدم بالنسبة للوثيقتين، فإذا أرخت إحدى البينتين في عام 1980، والثانية في عام 1985، اعتبرت الأولى هي الأقدم تاريخا، وهو خطأ شائع، لان المراد بقدم التاريخ، هو مدة الحيازة بالنسبة للوثيقتين، وليس تاريخ تحريرهما، ووضع اليد على المدعى فيه قرينة على الملكية تؤيد باليمين، ويستحق صاحبها مع يمينه، عملا بقول صاحب التحفة:
              واليد مع مجرد الدعوى وأن ***** تكافأت بينتان فاستبن.
ومن تطبيقات هذه القاعدة على صعيد، اجتهاد محكمة النقض نذكر:
- قرار محكمة النقض عدد 2897 بتاريخ 11 يوليوز2000، في الملف عدد 821/1/1/99، الذي جاء فيه:" يعتبر قدم تاريخ الملكية بمدة التصرف التي شهدت بها، لا من تاريخ تحريرها"
- -قرارها عدد 4934 بتاريخ 20دجنبر2000، في الملف عدد 540/1/1/98 الذي جاء فيه:" العبرة بقدم التاريخ هي المدة المشهود بها للحائز وليس تاريخ تحرير الشهادة...."
* تقديم بينة التفصيل على بينة الإجمال: ترجح البينة المفصلة على نظيرتها المجملة، إذا لم يوجد مرجح لإحدى البينتين على الأخرى، فان كانت الشهادتان فيما لا يعلم أصله يبقى الشيء بيد حائزه من المتداعين مع يمينه، وان كانت فيما عرف أصله ككونه بالإرث من فلان وأمام كل واحد منهما البينة انه وارث فلا يختص به الحائز.
المبحث الثاني- في تأطير مؤسسة الأراضي الموات:
الفرع الأول: في تعريف الأراضي الموات لغة واصطلاحا
ا- التعريف لغة:
الموات، مشتق من الموت، وهو عدم الحياة، واصله في اللغة ذهاب القوة من الشيء.
قال ابن منظور:" الموت في كلام العرب يطلق على السكون، فيقال ماتت الريح أي سكنت... وماتت النار موتا برد رمادها، فلم يبق من الجمر شيء"
وقال أيضا " والموتان من الأرض: ما لم يستخرج ولا اعتمر.... والموات أيضا الأرض التي لا مالك لها من الادميين ولا ينتفع بها أحد".
ب- التعريف اصطلاحا:
ان لفظة الأراضي الموات استعملت في الفقه الإسلامي بمعان وتعريفات متعددة ومتقاربة.
ففي الفقه الحنفي مثلا: الأرض الموات هي تلك الأرض التي تعذر حرثها وزراعتها، اما لانقطاع الماء عنها او لغلبته عليها، غير مملوكة وبعيدة عن العامر، وقيل: ما ليس بملك لأحد ولا هي من مرافق البلد، وكانت خارجة البلد سواء قريبة منه او بعيدة.
وعند المالكية: الموات هو كل ما لم يملكه أحد في الإسلام ولا عمر في الجاهلية عمارة ورثت في الإسلام، وقيل أيضا: الأرض المنفكة عن الاختصاص.
وفي الفقه الشافعي: كل ما لم يكن عامرا، ولا حريما لعامر، وقيل أيضا: الأرض التي لا مالك لها ولا ينتفع بها احد.
وعند الحنابلة: الأرض المنفكة عن الاختصاصات، وملك معصوم.
ومن ثمة، فإحياء الموات هو مباشرتها واستغلالها وتسييرها، بتأثير شيء فيها من إحاطة او زرع أو عمارة، وقد ورد هذا المعنى في القران الكريم، ومن ذلكم قوله عز وجل:" وءاية لهم في الأرض الميتة احييناها، وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون"، وقوله سبحانه عز وجل: " فانظروا الى ءاثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها، ان ذلك لمحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير" .
الفرع الثاني: تنظيم أراضي الموات بمدونة الحقوق العينية ومدى تأثرها بالفقه والاجتهاد القضائي

           بالرجوع الى نص المادة 222من مدونة الحقوق العينية نجد انها تنص على التالي:" الأراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة، ولا يجوز وضع اليد عليها الا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون".
            وتضيف المادة223 من نفس المدونة على ما يلي: " من احيا ارضا من الأراضي الموات، بإذن من السلطة المختصة، فله حق استغلالها"
           وتحدثت الفصول 224 إلى 226 من نفس المدونة عن حق استغلال هذه الأراضي ومن المختص بذلك.... الخ.
              كما أن المشرع المغربي كذلك، أشار أيضا وبكيفية غير مباشرة إلى الأراضي التي لا مالك لها او لم يتم التعرف على مالكيها في معرض تطرقه للتحفيظ الإجباري، وبالضبط في المادة51-7 التي ورد بها:" تحرر مطالب التحفيظ وتدرج تلقائيا في اسم الملك الخاص للدولة بالنسبة للقطع التي لم يتم التعرف على مالكيها أثناء أشغال البحث...."
               انطلاقا مما تقدم، نجد ان المشرع المغربي اعتبر أراضي الموات هي الأملاك التي لا مالك لها، وهي بالتالي ملك للدولة، وفي توجهه هذا فان المشرع المذكور اقتصر فقط على ايراد عبارة الأراضي (أي العقارات) التي لا مالك لها، ولم يستعمل عبارة الأموال الغير المملوكة لأي أحد، عكس بعض التشريعات الأخرى ومن ذلكم القانون الجزائري، اذ تم النص في المادة 773 من قانونه المدني على انه:" تعتبر ملكا من أملاك الدولة جميع الأموال الشاغرة التي ليس لها مالك، وكذلك أموال الأشخاص الذين يموتون من غير وارث او الذين تهمل تركتهم".
              ومهما يكن من أمر، فان مشروعية إحياء الأراضي الموات تأكدت قبل التقنين بالقران الكريم والسنة النبوية الشريفة، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله(ص):" من أعمر أرضا ليست لأحد، فهو أحق بها"، وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ص)، " من أحيا أرضا ميتة فهي له"، وعن ابن عباس رضوان الله عليه، قال: قال الرسول الأمين" موتان الأرض لله ولرسوله، فمن أحيا منها شيئا، فهي له".
   وبالتالي، فان حكمة الشارع الحكيم في دعوته العباد لإحياء الأرض، تتجلى في التعجيل لهم بثواب احياء الأرض وفي ذلك جزيل الثواب وعظيم الأجر، للفرد خاصة وللمجتمع عامة، إذ تمنح للفقراء والمعدومين فرصة اكتساب الرزق الحلال بشكل يساهم في حل وفض مشكلة الفقر المنتشرة في المجتمعات الإسلامية، كما أن من شان الإحياء المذكور المساهمة في توفير حاجات العباد من موارد زراعية والكل في اتجاه تحقيق الرخاء الاقتصادي وتوفير الثروة.
   هكذا، فقد ثبت إحياء الأراضي الموات، عند المالكية بغرسها أو جعلها صالحة للزراعة، وذلك بأحد الأمور التالية:
1-    زرع الأرض
2-    غرس الأشجار
3-    انشاء الأبنية
4-    شق مجرى وجدول للسقي
5-    كراب الأرض فقط (رواية عن الإمام ابي يوسف)، ومعنى الكراب هو قلب الأرض
6-    سقيها فقط (رواية عن الامام ابي يوسف كذلك)،
أما عند الشافعية، فان الإحياء المذكور، يتم بالطرق التالية:
1-    آن يجمع لها ترابا، يحيط بها ويميزها عن غيرها
2-    أن يسوق الماء اليها
3-    تسويتها بطم المنخفض منها واكتساح العالي ليمكن زراعتها وحرثها
وعند الحنابلة:
يكون الإحياء بان يقيم المحيي على الأرض حائطا منيعا، لقوله صلى الله عليه وسلم:" من أحاط حائطا على ارض فهي له"، فلان الحائط حاجز منيع، فكان إحياء.
وبخصوص تأثر المدونة بالاجتهاد القضائي في موضوع تملك الدولة للأراضي الموات، فيمكن القول أن محكمة النقض كانت سباقة للاعتراف بملكية الدولة للأراضي الموات من خلال قرار لها عدد 3395 بتاريخ 19/09/2000، في الملف عدد 651/1/1/2000، موضوعه نزاع تحفيظ قائم بين بعض الخواص والدولة (الملك الخاص)، ويهم عقارا كائنا بدائرة ابن احمد التابعة في ذلكم الوقت للمحافظة العقارية بالبيضاء، والذي جاء فيه:
".... وحيث يعيب الطاعنون-المستأنف عليهم-القرار في الوسيلة الأولى بخرق الفصلين 9 و369 من ق.م.م، ذلك انه لم يتقيد بالنقطة القانونية التي بت فيها المجلس الأعلى في قراره عدد549 أعلاه لم تتم الإشارة فيه إلى إحالة الملف على النيابة العامة ولا إلى أنها أدلت بشيء، وفي الوسيلة الثانية بانعدام التعليل، ذلك أن المتعرض لم يثبت بأية حجة مزاعمه ملكية جزء من العقار المتعرض عليه من طرفه. وان المعاينة إنما أسفرت على أن عقار المطلب شبيه بأرض المحروم الموالية له جهة القبلة، ولا يعقل انتزاع عقار من يد صاحبه بعلة انه شبيه بعقار أخر مجاور أو الاكتفاء بما صرح به أحد شاهديهم بما يعرفه، وهو ما لم يصرح إطلاقا بان الجزء المذكور ملك للدولة بل لم يصرح بهذا الشاهدان معا. وفي الوسيلة الثالثة بانعدام التعليل ذلك باعتباره" ان العقار المتعرض عليه ملك للدولة" دون حجة وأنهم " لا يتوفرون على أي ترخيص مسبق من الجهة المختصة" دون تكليفهم بذلك. وهو قلب لعبء الإثبات. إذ أن المتعرض هو المدعي الذي عليه الإثبات. وطالب التحفيظ المدعى عليه غير ملزم بالحجة.
لكن. ردا على الوسائل مجتمعة. فان القرار قد أشار في صفحته الثانية إلى " تقديم النيابة العامة لملتمسها الكتابي الرامي إلى تطبيق القانون". وانه بما للمحكمة المصدرة له من سلطة في تقييم الأدلة واستخلاص قضائها منها. حين علل بأنه" ثبت من المعاينة أن الجزء موضوع التعرض شبيه بأرض المحروم او ما يسمى بالمنطقة" مكراط" الموالي امتدادا لها والتي هي على ملك الدولة. وأفاد الشاهدان المستمع إليهما بعين المكان واللذان احضرا من طرف طالبي التحفيظ ان الجزء المذكور كان أرضا محروما" مكراط" يستغل كمرعى من قبل كافة سكان المنطقة إلى أن أقام عليه موروث طالبي التحفيظ سياجا من الحجر وقام باستصلاحه وضمه لأرضه. وان الحيازة لا تثبت الملك بالنسبة لعقارات الملك الخاص للدولة. مما كان معه تعرض هذه الأخيرة في محله"، فانه نتيجة لما ذكر كله يكون القرار معللا وغير خارق لمقتضيات الفصلين أعلاه. مما تبقى معه بقية علله الأخرى المنتقدة عللا زائدة يستقيم القضاء بدونها. والوسائل جميعها غير جديرة بالاعتبار."
         انطلاقا من هذا القرار، يتضح ان محكمة النقض أقرت بملكية الدولة للأراضي الموات في فترة سابقة بكثير لتاريخ صدور النص القانوني المؤطر لهذا الموضوع، ولعل الاتجاه محمود باعتباره اقر قاعدة قانونية مهمة يمكن الاستدلال بها في أي نزاع يمكن أن يثار بين  الدولة و الاغيار في شان مدى ادعاء تملك هذا النوع من العقارات خاصة في فترة غياب النص القانوني كما سلف الذكر، كما أن قيام الغير باستغلال هذا النوع من الأراضي او حيازتها باي وجه كان دون الحصول على ترخيص بذلك من لدن الجهات المختصة، يجعل ذلكم التصرف او الحيازة غير مجد باعتبار ان أملاك الدولة لا يحاز عليها، وهي نقطة قانونية أخرى أشار إليها القرار السالف الذكر في تعليلاته لمنطوقه ، وتزكت أيضا بقرارات أخرى صادرة في الموضوع قبل صدور الظهير الشريف رقم 1.11.178 الصادر بتاريخ 22 نونبر2011 بتنفيذ القانون رقم39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، بالجريدة الرسمية عدد5998 بتاريخ 24 نونبر2011، الذي اطر كذلك في المادة267 منه ،  قاعدة  كون عقارات  الدولة لا يحاز عليها متى ثبتت الملكية لها، وفق ما تم سياقه أعلاه.

خاتمة
لا شك أن الفقه الإسلامي، وكميزة في الموضوع كان سباقا إلى تنظيم معظم ما تطرقت إليه مدونة الحقوق العينية من مؤسسات قانونية والتي تناولنا بعضها كنماذج فقط،  وبالتالي يبقى مرجعا مهما ينبغي الرجوع إليه كلما اقتضى الأمر ذلك، ومعنى أن الفقه المذكور يحمل بين طياته العديد من الأمور التي يمكن إقرانها بالعدالة والأمن القضائي التي يتوخى واضعوا بنود مدونة الحقوق العينية تحقيقها ، ومن ثمة، فانه لا يختلف اثنان على مكانة الفقه الإسلامي كمرجع قانوني ينظم مختلف المعاملات ببلادنا عقارية كانت أو مالية أو أسرية ...الخ، وتأثير ترسانته جلية على جملة من بنود مدونة الحقوق العينية المغربية ، كما ان لاجتهاد محكمة النقض دور بارز في إرساء معالم الصياغة القانونية لجملة من أحكام تلكم المدونة كما يتضح من خلال الاجتهادات القضائية المتطرق إلى بعض منها ضمن موضوع هذه الدراسة
            غيران المعاملات العقارية دائما ما تتولد عنها إشكالات أخرى مرتبطة بالحياة العملية، ومن ثمة فكافة الجهات المعنية بالموضوع، مدعوة الى طرح مختلف الإشكالات المرتبطة بالعقار عموما باعتباره أداة للتنمية في البلاد والبحث عن حلول لها بشكل يساهم في بلوغ أهداف التنمية المذكورة،
تم بعون الله .
  المراجع المعتمدة:
* تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان حول مشروع قانون رقم 39.08 متعلق بمدونة الحقوق العينية
*مدونة الحقوق العينية بين ضرورة التوحيد واكراهات الخصوصية، ذ/ عبد الرزاق اصبيحي، الكاتب العام للمجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة بالمغرب.
* القواعد الفقهية وتطبيقاتها القضائية في المادة العقارية والمدنية، في ضوء مدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود والفقه الإسلامي: ذ/ عادل حاميدي، الطبعة الثانية 2015.
* الدليل العملي للعقار غير المحفظ، ذ/ امحمد برادة اغزيول، العدد2 فبراير2007.
* كتاب البهجة في شرح التحفة على الارجوزة المسماة بتحفة الحكام، لابن عاصم الاندلسي، الجزء الأول دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء المغرب
* مقال تحت عنوان: " تكريس مبدا الامن القانوني من خلال القانون رقم 39.08، المتعلق بمدونة الحقوق العينية": ذ/ محمد حمداوي، موثق عدلي، باحث في ميدان العقود والعقار.
* أسباب الترجيح بين الحجج، سلسلة المعرفة القانونية، مقال منشور بالموقع الالكترونيhttp://anibrass.blogspot.com/2014/11/blog-post_27.html.
* مكانة الامن القضائي من خلال ميثاق اصلاح منظومة العدالة، الطالبان حميد شرغوورشيد الشافعي، منشور بالموقع الالكتروني MAROCDROIT.
* قضاء المجلس الأعلى في التحفيظ العقاري من سنة 1991 إلى سنة 2002 للأستاذ عبد العزيز توفيق،
* مؤلف " ضوابط احياء الأراضي الموات.
* نوازل العقار" للأستاذ احمد بن عبد العزيز العميرة، دار الميمان للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 2011.
* التركة الشاغرة في القانون المغربي"، للأستاذ عبد السلام الشمانتي الهواري، الطبعة الاولى2013.
* المساطر الخاصة للتحفيظ العقاري، ذ/ احمد العطاوي، الجزء الأول، منشورات مجلة القضاء المدني
* لسان العرب، لابن منظور.
   * كتاب إحياء الأراضي الموات – ذ/ المظفر – طبعة 1972
   *مدونة الحقوق العينية
   * اجتهادات قضائية غير منشورة
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016