نظرة حول ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
نظرة حول ظاهرة العنف في
الملاعب الرياضية
محمد سركوح
باحث بسلك الماستر تخصص القضاء والتوثيق
بكلية الشريعة بأكادير.
مقــدمــة :
تعتبر ظاهرة العنف المرتكب
أثناء المباريات أو التظاهرات أو بمناسبتها من أخطر الظواهر التي أصبحت تهدد أمن
الأفراد و المؤسسات العامة منها والخاصة على حد السواء.
ورغم قدم الظاهرة وارتباطها
الوثيق بطبيعة النفس البشرية الميالة للفوز وعدم تقبل الهزيمة إلا أن الأمر أصبح
اليوم غير مقبول في ظل بروز ظواهر وسلوكيات غريبة تخرج عن إطار التنافس الشريف، بل
أصبح الأمر يتعدى حدود رقعة الملعب ويمتد ليصل المحاور والمناطق المجاورة من
الشوارع المؤدية للملعب ومباني ومساحات عامة وممتلكات خاصة كالسيارات والمحلات
التجارية وما ينتج عن ذلك من تخريب وسلب ونهب وإشعال للنيران والاعتداءات على
الأشخاص وما يصاحب ذلك من ضرب وجرح قد يصل حد القتل كما حصل في غير ما مرة.
ولعل هذا ما حدى بالمشرع
المغربي إلى إصدر قانون رقم 09,09 يتعلق
بتتميم مجموعة القانون الجنائي، إذ أضيفت فيه فصول جديدة هدفها محاربة أفعال العنف
ضد الأشخاص، وإلحاق خسائر بالتجهيزات الرياضية، ووسائل النقل، وممتلكات الغير
أثناء التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها.
إلى جانب هذه الترسانة
القانونية وأمام تنامي هذه الظاهرة الخطيرة وتزايد معدلاتها أصبحت مادة خصبة للبحث
والدراسة في الوقت المعاصر، إذ أن التعرف على الظاهرة يساعد على تحليلها وإمكانية
التنبؤ بها ومواجهتها وإيجاد الحلول الكفيلة بمحاربتها، فالقوانين وحدها لا تكفي
للقضاء على بعض الظواهر، إذ لابد أيضا من توسيع النقاش وتشجيع التآليف العلمية
وفتح النقاشات الجادة والمسؤولة وإشراك الجميع للحد من الظواهر السلبية التي تهدد
المجتمع.
ونحن إذ نحاول طرق باب هذا
الموضوع نجدنا ملزمين بطرح مجموعة من الأسئلة تساعدنا على الإلمام بالموضوع
والإحاطة بجميع جوانبه، وإن أول سؤال يصادفنا هو: ما معنى العنف الرياضي وما هي
أسبابه وصوره التي يتخذها ؟ وما مدى فعالية الأساليب المتخذة للحد من ظاهرة العنف
في الملاعب الرياضية؟
وستكون دراستنا لهذا الموضوع
إجابة على الأسئلة التي طرحناها في صلب هذا التقديم، وفقا لخطة مكونة من مبحثين
وخاتمة.
المبحث الأول :
ماهية العنف في الملاعب الرياضية، أسبابه:
يمثل العنف إحدى الممارسات غير المقبولة، وانتشاره في أي مجتمع وتحوله يومًا بعد يوم إلى أسلوب لتحقيق الأهداف، يعطل أحوال المجتمع، ويصرف المجتمع والدولة عن تحقيق الأهداف السامية؛ من تنمية قدرات البشر وصناعة مستقبل أفضل للأمة، ولذلك فإن صناعة التنمية لابد وأن ترتبط بصناعة أساليب للقضاء على العنف والحد من آثاره، ونحاول في هذا السياق التعرض للعنف في الملاعب الرياضية كأحد أشكال العنف التي بدأت تنتشر في المجتمعات العربية وغير العربية بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، فلقد أصبحت مباريات كرة القدم على سبيل المثال سببًا في إثارة العنف بين جماهير من المتعصبين، تدهورت لديها القيم السامية للرياضة والتي منها ما يعرف بالروح الرياضية، والتي تستوجب تقبل الهزيمة، والتطور الخطير المرتبط بالعنف في الملاعب الرياضية، يتمثل في أنه لم يعد يقتصر على حدود دولة واحدة أو بين أفراد المجتمع الواحد، بل أن هذا العنف بدأ يظهر بين جماهير رياضة ما في دولة ما، وجماهير دولة أخرى الأمر الذي يلقى بتداعيات على درجة كبيرة من الخطورة على مستقبل العلاقات السياسية بين الدول[1].
المطلب الأول: مفهوم العنف:
إن العنف باعتباره ظاهرة
مجتمعية بدأت تطفو على السطح وتطغى على جل النقاشات الإعلامية والحوارية المتخصصة
في الشأن الرياضي والأمني، أصبح يحتم ضرورة تناوله ووضع إطار نظري شامل يحيط به
بدءا بوضع تعريف دقيق بغية الوصول لأسبابه وصوره وآثاره.
الفرع الأول :
تعريف العنف لغة :
كلمة عُنف في اللغة العربية من جذر عَنف، وهو خرق الأمر وقلة الرفق به، وهو عنيف إذا لم يكون رفيقا في أمره، وفي الحديث الشريف* إن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف*[2].
اعتنف الأمر: أخذه بعنف وأتاه ولم يكن على علم ودراية به .
واعتنف الطعام والأرض: كرههما .
وطريق معتنف، غير قاصد ، وقد اعتنف اعتنافا إذا جار ولم يقصد .
و التعنيف: التعبير واللوم والتوبيخ والتقريع .
وهكذا تشير كلمة – عنف – في اللغة العربية إلى كل سلوك يتضمن معاني الشدة والقسوة والتوبيخ واللوم والتقريع .
وعلى هذا الأساس فإن العنف قد يكون فعليا أو قوليا[4].
الفرع الثاني :
تمييز العنف عن غيره من المصطلحات المشابهة :
أولا ـ تمييزه عن الشغب :
تعريف الشغب :
الشغب بسكون الغين هو تهييج
الشر والفتنة والخصام، ويستخدم في اللغة العربية العامية بفتح الغين[5]
وإذا ما حاولنا تمييز
المصطلحين عن بعضهما البعض نجد أن الشغب هو الصورة المادية الناتجة عن العنف الذي
يلجأ إليه المتظاهرون أو التهديد باستخدام العنف إذا كان هذا التهديد مصحوبا
بإمكانيات التنفيذ الفوري.
وهناك من يرى أن الشغب هو حالة
عنف مؤقت ومفاجئ يعتري بعض الجماعات أو الأفراد وتمثل إخلالا بالأمن وخروجا عن
النظام وتحد للسلطة أو لممثليها[6]:
ثانيا : تمييزه عن مصطلح
العصيان :
تعريف العصيان :
عرف القانون الجنائي المغربي
العصيان واعتبره جريمة وأدرجه في الباب الخامس في الجنايات والجنح ضد الأمن العام،
ففي الفصل 300 من الفرع الثاني نجد أن العصيان هو كل هجوم أو
مقاومة، بواسطة العنف أو الإيذاء ضد موظفي أو ممثلي السلطة العامة القائمين بتنفيذ
الأوامر أو القرارات الصادرة من تلك السلطة أو القائمين بتنفيذ القوانين أو النظم
أو أحكام القضاء أو قراراته أو الأوامر القضائية يعتبر عصيانا.
والتهديد بالعنف مماثلا للعنف
نفسه.
فيلاحظ من خلال التعريف أعلاه
أن العنف غير العصيان إنما هو وسيلة من وسائل العصيان يتبلور في صورة مادية إذا ما
اقترن بالهجوم أو المقاومة.
الفرع الثالث :
مفهوم العنف اصطلاحا :
هو كل فعل ظاهر أو مستتر، مباشر أو غير مباشر، مادي أو معنوي، موجه لإلحاق الأذى بالذات أو بأخر أو جماعة أو ملكية واحد منهم،وهذا الفعل مخالف للقانون ويعرض مرتكبيه للوقوع تحت طائلة القانون لتطبيق
العقوبة عليه[7].
ويعرف العنف أيضا بأنه ممارسة القوة البدنية لإنزال الأذى بالأشخاص أو الممتلكات، أو المعاملة التي تحدث ضررا جسمانيا أو التدخل في الحرية الشخصية.
إذا العنف هو سلوك غير سوي نظرا للقوة المستخدمة فيه، والتي تنشر المخاوف والأضرار وتترك أثرا مؤلما على الأفراد في النواحي الاجتماعية والاقتصادية التي يصعب علاجها في وقت قصير، ومن ثم فإنه يدمر أمن وأمان أفراد المجتمع، باعتباره سلوكا إجراميا يتسم بالوحشية نحو الأفراد والأشياء من خلال التخريب
. والضرب والقتل...الخ[8]
الفرع الرابع : مفهوم العنف في الملاعب
الرياضية :
بعد التعرف على مفهوم العنف بصفة عامة وتمييزه عن بعض
المصطلحات المشابهة آن لنا أن نعرف مصطلح العنف الرياضي باعتبار هذا الأخير ما هو
إلا نوع من أنواع العنف الكثيرة والمتعددة وإن كانت تختلف في الزمان والمكان
والظرفية.
ويمكن القول أن العنف الرياضي هو الأعمال العدوانية والتصرفات غير اللائقة ولا أخلاقية التي تعد خرقا للأنظمة والقوانين المدنية المعمول بها سواء وقعت هذه الأعمال داخل الملعب أو خارجه[9].
وهناك من عرفه بأنه: تلك الأقوال والكتابات والأفعال التي تسبق أو ترافق أو تتبع أو تنتج عن لقاء رياضي أو منافسة رياضية[10] إضافة إلى العنف المادي المعبر عنه بالأفعال المادية التي ترتكب في نفس الظروف وتستهدف المساس بسلامة الأشخاص والاعتداء على الممتلكات العمومية والخاصة، وإزعاج الراحة العمومية وعرقلة حركة المرور، وهو أيضا الاستخدام غير المشروع أو غير القانوني للقوة بمختلف أنواعها في المجال الرياضي، سواء صدر من اللاعبين أو المتفرجين أو غيرهم من الإداريين والمسئولين عن الرياضة.
المطلب الثاني : أسباب العنف داخل الملاعب الرياضية :
لقد
أصبحت العدوانية في الرياضة من الأمور الشائعة جدا فنحن نشاهد العنف والشغب في
مقاعد المتفرجين وعلى مقاعد البدلاء، كما أن السلوك العدواني منتشر في كثير من
الملاعب الرياضية، ومن أمثلة ذالك تعدي الجماهير على بعضها البعض، وأيضا تعدي
اللاعبين على المنافسين والمدربين، وفي بعض الأحيان التعدي على زملاء الفريق
والاشتباك مع الجماهير، كذالك قد يحدث السلوك العدواني من الجماهير ضد اللاعبين
والمدربين أو الحكام، كما نلاحظ أحداث الشغب التي تحدث عقب المباريات ويحدث في
بعضها استخدام الأسلحة، وبالتالي فإن دراسة ظاهرة العنف في الرياضة تشكل أهمية
بالغة، نظرا لأن الرياضة هي انعكاس للمجتمع ككل ولقد ازداد العنف في الملاعب
الرياضية بالمغرب وانعكس ذلك سلبا على الرياضة، في حين ينبغي أن تعتبر هذه الأخيرة
إحدى المجالات الهامة لكبح جماح العنف وتعديل السلوك وتهذيبه، ولكي نتعرف على
السلوك العدواني وعلاقته بالرياضة لابد من فهم طبيعة هذا السلوك وذلك من خلال تقصي
مسبباته والدوافع التي تجعل الإنسان يتجرد من سلوكه الإنساني العادي إلى سلوك
عدواني[11].
إن
البحث في مسببات العنف بصفة عامة والعنف داخل الملاعب الرياضية بصفة خاصة لا تكفي
للإحاطة به بضع وريقات إذ تتداخل فيه مجموعة من العوامل الخارجية المرتبطة أساسا
بالأوضاع الاقتصادية ومفرزاتها من أمور معيشية و بيئية وأيضا أوضاع سياسية و
اجتماعية أسرية ثم عوامل داخلية تعكس التأثر العميق بالعوامل الخارجية ترتبط أساسا
بالأوضاع النفسية خاصة عند شريحة القاصرين الذين يتم استغلالهم في تأجيج أحداث
الشغب لسهولة التأثير على عقولهم ويسر التلاعب بمشاعرهم.
ولما
كان الأمر كذلك فإننا سنكتفي بذكر بعض المسببات المرتبطة أساسا بالعنف داخل
الملاعب الرياضية أثناء سير المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها.
الفرع الأول : التعصب :
لم
يكن هذا المصطلح يتسم بالحدة التي هو عليها اليوم، فالتعصب في المجال الرياضي كان
محدودا لا يتعدى حدود حب الفريق، لكن اليوم وفي ظل ما يسمى ب [12]ULTRAS صار الأمر بغاية كبيرة من
الأهمية والخطورة في ذات الحين، فحب الفريق الذي كان مسيطرا إلى وقت قريب صار
متجاوزا ليبلغ مرحلة متقدمة تصل حد التطرف للفكرة أولا ومنها الموت في سبيل
الفصيل، ولن نتعرض في موضوعنا للبحث في مفهوم الألتراس أو تاريخ نشأتها، إذ كل ما
يهمنا منها هو التعصب الذي تفرزه.
والتعصب هو حكم مسبق مع أو ضد
فرد أو جماعة أو موضوع، وقد لا يقوم على أساس منطقي أو حقيقة علمية، ويجعل الإنسان
يرى أو يسمع ما يحب أن يراه ويسمعه ولا يرى ولا يسمع ما لا يحب رؤيته أو سماعه.
والتعصب في الملاعب الرياضية هو مرض الكراهية العمياء للمنافس وفي نفس الوقت هو
مرض الحب الأعمى للفريق المتعصب له، وهو حالة يتغلب فيها الانفعال على العقل حتى
أن الحقائق الدامغة تعجز عن زلالة ما يتمسك به المتعصب فردا أو جماعة.
والسمات النفسية للمتعصب توضح
أنه يميل للعدوان على الآخرين أو على الأشياء أو حتى على نفسه، ويتصف بجمود الفكر
وعدم المرونة ويتأثر بسهولة بأصحاب مراكز القرار ـ في مجال الإلتراس يسمون النواة
ـ أو بالإعلام وسشعر بالقلق إلا أنه قد يكبته ويسقطه على الجماعة التي يتعصب ضدها
كما نجده متطرفا سواء عند النصر أو الفوز وأيضا متكرفا في الحزن عند الفشل، كما
أنه دائم التبرير لأي هزائم[13].
الفرع الثاني :
الكتابات والرسومات :
تعتبر بعض الكتابات والرسومات
التي ترفعها الجماهير في وجه بعضها البعض من أهم مسببات العنف داخل الملاعب
الرياضية، ذلك أن لا أحد يمكن أن ينكر ما للكلمة من قوة في التأثير على الإنسان،
فاستفزاز الخصم عن طريق رفع رسالة بمضمون قدحي أو فيه تجريح أو انتقاص أو سخرية قد
يكون له عواقب وخيمة، وأيضا هناك استفزازات قد تتخذ شكل رسومات بتغيير رمز الفريق
أو تصوير اللاعبين على شكل نوع معين من الحيوانات أو استغلال وجه بعض اللاعبين
وإحلالها محل صور أخرى باستخدام برامج الحاسوب المتاحة والمخصصة لتصميم وتعديل
الصور، هذا بالإضافة صور أخرى من الاستفزاز لا يسع المجال لذكرها.
الفرع الثالث :
أسباب مختلفة للعنف في الملاعب الرياضية :
أولا : أخطاء الحكام :
إن من بين أسباب العنف في
الملاعب الرياضية أخطاء الحكام التي قد تصدر عنهم أثناء تحكيمهم للمباريات، وسواء
أكانت هذه الأخطاء مقصودة أو غير مقصودة فإن الجماهير تعتبرها دائما مبررا للعنف
خاصة إذا كانت أخطاءا جسيمة غيرت مجرى المباراة، أو تسببت في هزيمة أو انتصار أحد
الفرق.
ثانيا : استفزاز اللاعبين
للجماهير :
قد يصدر عن أحد اللاعبين أو
المسيرين أو المدربين حركات قد تستفز الجمهور وينتج عنها عنف، إذ كثيرا ما أشار
لاعب بحركة للجماهير أو عبر عن فرحه بتسجيل هدف بحركة مستفزة ينتج عنها أعمال عنف.
ثالثا : منع الجماهير من
التنقل مع الفريق أو من دخول الملعب :
قد تتخذ السلطة الأمنية قرار
بمنع جماهير إحدى الفرق من مرافقة فريقها لمدينة أو دولة ما، أو قد تمنع بعض
الجماهير من دخول الملعب لامتلاء هذا الأخير،كإجراءات احترازية منعا للصدام
والشغب، لكن مثل هذه القرارات كثيرا ما تقابل بالرفض وعدم القبول الذي قد يتجاوز
حدود المسموح به ليتحول لعنف تعبيرا عن الغضب وعدم الامتثال للقرار.
وهناك أيضا مسببات أخرى كثيرة
منها غلاء التذاكر أو نفاذها، منها إقصاء الفرق من التظاهرات وعدم تقبل الجماهير
للأمر، زد على ذلك التعبير عن السخط اتجاه بعض لاعبي الفرق أو المسيرين أو رفض بعض
الإجراءات الإدارية أو السياسية... وغير ذلك من الأمور التي تشعل نار الفتنة و
تؤجج فتيل العنف.
المطلب الثالث :
صور الشغب داخل الملاعب الرياضية :
للعنف في الملاعب الرياضية صورا عديدة تختلف باختلاف جسامة الأذى وخطورته ومكان ارتكابه، سواء تعلق الأمر قبل المنافسة الرياضية أو خلالها أو بعدها .
الفرع الأول: العنف بالأقوال:
هو الألفاظ والعبارات الجارحة التي يستخدمها الجمهور والأنصار وممارسي النشاط الرياضي- اللاعبين- ومؤطريه، سواء كانوا حكاما أو مدربين ورؤساء الأندية.
إضافة إلى الكتابات التي تتضمن التصريحات والشعارات التي ترفع بمناسبة المواعيد الرياضية، ولا يتوقف الأمر عند اعتبارها مساسا بسمعة الناديين، بل يتعدى ذلك إلى اعتبارها مساسا بالنظام والأمن العموميين.
الفرع الثاني: العنف بالكتابة :
يظهر استعمال الكتابة كأسلوب لممارسة العنف من خلال العبارات التي تتضمنها اللافتات التي ترفع بمناسبة المواعيد الرياضية والرسومات والعبارات التي تكتب على الجدران والإعلانات التي توزع على العامة أو تعلق بالمناسبة، بحيث تتضمن سبا أو قذفا.
الفرع الثالث: الاعتداء على الأشخاص والمؤسسات :
هو تلك الأفعال والسلوكيات المادية التي تشكل جرائم تستهدف المساس بسلامة الجسم أو المؤسسات، سواء باستخدام الأسلحة أو بدونها، إذ يكون ضحاياها من اللاعبين أو الحكام أو المسيرين أو الأنصار، وأيضا أبنية وأماكن عامة أو خاصة أو أملاك من سيارات
وأغراس... إلخ[14].
المبحث الثاني : طرق وأساليب لمواجهة العنف داخل الملاعب الرياضية :
بعدما
تطرقنا في المبحث السابق لتعريف العنف وتبيان ماهيته وتمييزه عن بعض المصطلحات
المشابهة وذكر بعض أسبابه والصور التي يتلبس بها، نجد أنه من الضروري التطرق في
هذا المبحث الثاني للطرق والوسائل التي اعتمدها المشرع المغربي للتصدي لهذه
الظاهرة والحد من تناميها وتفاقمها.
المطلب الأول : إصدار قانون الشغب :
لما
كان القانون هو سلطة الدولة في بسط سيطرتها و هيمنتها وسيادتها على الأفراد للحد من جنوح السلوك المغاير لما ينبغي أن يكون عليه الالتزام بالشرعية القانونية الدستورية، وأمام استفحال ظاهرة العنف
في الملاعب الرياضية تدخل المشرع وأصدر القانون رقم 09.09 بشأن محاربة الشغب
بالملاعب وخصص له 19 فصلا تمم بها الفصل 308 من مجموعة القانون الجنائي المغربي
تحت عنوان : في العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها
.
وبقراءة
سريعة لهذه الفصول التسعة عشر نجد أن المشرع المغربي حاول من خلال العقوبات التي
أقرها في هذا القانون الإحاطة بظاهرة العنف وقطع دابرها قبل وأثناء وبعد إجراء
المباريات أو التظاهرات الرياضية، وقد تضمن هذا القانون عقوبات حبسية أدناها شهر
وأقصاها خمس سنوات وغرامات مالية أقلها 1200 درهم و أقصاها 20000 درهم، على أن تضاعف هذه الغرامات إلى مبلغ يتراوح بين ضعف الغرامة
وخمسة أضعافها، إذا كان مرتكب الجريمة شخصا معنويا، وأيضا تضاعف العقوبات في حالة
العود بالنسبة لمرتكبي الجرائم المنصوص عليها في الفصول الإثنا عشر الأولى من
القانون والمرتبطة أساسا بأعمال العنف أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو
بمناسبتها وترتب عنها موت مع مراعاة العقوبة المقررة في الفصل 404 من القانون الجنائي، أو أفعال عنف ارتكب خلالها
ضرب أو جرح أو أي نوع آخر من أنواع العنف أو الإيذاء، أو أعمال عنف وقع خلالها
إلحاق أضرار مادية بأملاك عقارية أو منقولة مملوكة للغير، وتسري نفس العقوبات على
مرتكبي أعمال العنف المذكورة أعلاه في الطرق العمومية أو الساحات العمومية أو في
وسائل النقل الجماعي أو محطات نقل المسافرين أو غيرهما من الأماكن العمومية، سواء
ارتكبت قبل المباراة أو التظاهرة أو البث أو بعد ذلك أو بالتزامن معه، ولم يستثني
القانون المحرضين على التمييز العنصري أو على الكراهية أثناء المباريات أو
التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها بواسطة خطب أو صراخ أو نداءات أو شعارات أو
لافتات أو صور أو تماثيل أو منحوتات أو بأية وسيلة أخرى، ضد شخص أو عدة أشخاص بسبب
الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي أو القانون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو
الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء
أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين معين، كما لم
يستثنى من ارتكب قذفا أو سبا بواسطة إحدى الوسائل المشار إليها أعلاه، أو تفوه
بعبارات منافية للآداب والأخلاق العامة في حق شخص أو مجموعة أشخاص أو هيئة أو عدة
هيئات، هذا بالإضافة إلى تجريم إلقاء وبشكل عمدي أحجار أو مواد صلبة أو سائلة أو
قاذورات أو مواد حارقة أو أية أداة أو مادة أخرى من شأنها إلحاق ضرر بالغير أو
بالمنشآت، أو قام بأعمال عنف من شأنها الإخلال بسير مباراة أو تظاهرة رياضية، أو
منع أو عرقل إجراءها بأية وسيلة كانت، بالإضافة إلى ذلك يعاقب كل من عيب أو أتلف
بأية وسيلة كانت تجهيزات الملاعب أو المنشآت الرياضية، ولأن العنف لا يرتبط دائما
بالجمهور واللاعبين وإعمالا بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة نجد القانون الجديد
يعاقب المسؤولين عن تنظيم الأنشطة الرياضية الذين لم يتخذوا التدابير المنصوص
عليها في القانون أو في النصوص التنظيمية أو في أنظمة الهيئات الرياضية، المقررة
لمنع أعمال العنف أثناء المباريات والتظاهرات الرياضية إذا نتج عن ذلك أعمال عنف،
ويعاقب أيضا الأشخاص الموكول إليهم تنفيذ التدابير المشار إليها في الفقرة السابقة
إذا ترتب عن إهمالهم أو تهاونهم في القيام بها أعمال عنف، وبدهي أن حمل السلاح
بدون سبب مشروع أمر مجرم قانونيا خاصة إذا دخل أو حاول حامله الدخول إلى ملعب أو
مكان عمومي تجري به أو تبث فيه مباراة أو تظاهرة رياضية، ويضاف للسلاح بمفهوم
الفصل 303 ، ويضاف إليه كل شيء به أشعة
لازر أو مادة حارقة أو قابلة للاشتعال أو أية أداة أو مادة أخرى يمكن استعمالها في
ارتكاب العنف أو الإيذاء أو في تعييب أو إتلاف منشآت أو أداة تحظر حيازتها بمقتضى
القانون أو الأنظمة الرياضية، ولأن المخدرات بجميع أنواعها تعتبر سببا رئيسا في
تفشي ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية فقد تدخل المشرع بمعاقبة كل من دخل أو حاول
الدخول وهو في حالة سكر تحت تأثير مخدر أو مؤثرات عقلية أو يحمل مواد مسكرة أو
مؤثرات عقلية إلى ملعب أو قاعة للرياضة أو إلى أي مكان عمومي تجري به أو تبث فيه
مباراة أو تظاهرة رياضية، وأيضا تجريم الدخول للملعب باستعمال القوة أو التدليس
إلى ملعب أو قاعة للرياضة أو أي مكان تجري فيه مباراة أو تظاهرة رياضية، كما يعاقب
كل من دخل أو حاول الدخول إلى أرضية ملعب أو حلبة أو مضمار بدون سبب مشروع أثناء
جريان مباراة أو تظاهرة رياضية، ولأن القضاء هو الضامن الأساس لحسن تطبيق القانون
فقد منحت بعض فصول قانون الشغب المحكمة دورا فعالا في التدخل كلما ظهر لها موجب
للتدخل ومنه منحها الحق في الحكم بالمصادرة لفائدة الدولة الأدوات والأشياء التي
استعملت أو كانت ستستعمل في ارتكاب الجريمة التي تحصلت منها، وكذلك المنح وغيرها
من الفوائد التي كوفئ بها مرتكب الجريمة أو كانت معدة لمكافأته، كما يجوز للمحكمة
أن تأمر بنشر المقرر الصادر بالإدانة طبقا لأحكام الفصل 48 من القانون الجنائي أو بثه بمختلف الوسائل
السمعية البصرية أو بتعليقه، كما يجوز لها أن تأمر بحل الشخص المعنوي في حالة صدور
مقرر بإدانته من أجل إحدى الجرائم المنصوص عليها سابقا، كما تم منح القاضي سلطة
الحكم علاوة على العقوبات المنصوص عليها في قانون الشغب على الشخص المدان بالمنع
من حضور المباريات أو التظاهرات الرياضية لمدة لا يمكن أن تتجاوز سنتين مع إمكانية
شمول هذا التدبير بالنفاذ المعجل، مع تجويز المحكمة أيضا سلطة تحديد صورة هذا
المنع، إما بملازمة محل إقامته أو مكان آخر أو تكليفه بالتردد على مركز الأمن أو
السلطة المحلية وذلك خلال وقت إجراء المباريات أو التظاهرات الرياضية التي منع من
حضورها.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال
القول أنه وبصدور قانون الشغب أن الظاهرة تراجعت أو ستتراجع أو لاحت على الأقل بعض
بوادر تناقصها بل على العكس لازالت هذه الآفة تنهش جسم الرياضة المغربية وتحصد
أرواح الأبرياء وتخرب أملاك العامة والخاصة، لنتساءل عن السبب وراء عدم تفعيل هذا
القانون بالشكل المطلوب وأيضا السبب وراء عدم التزام المشاغبين للقانون، وأمام هذا
الوضع كان لزاما إعادة النظر في مسألة توعية الناس بالقوانين وتقريبها منهم
وتحسيسهم بعدم جواز ما يرتكبونه من أفعال وأن القانون يعاقب عليها، لهذا فإنه يمكن
القول أن القانون وحده لا يكفي للتصدي للظاهرة حيث يجب دعمه بوسائل وطرق أخرى
للتصدي لهذه المعظلة الخطيرة.
المطلب الثاني : تنظيم ندوات ولقاءات علمية وحملات تحسيسية وتوعوية :
الفرع الأول : الندوات واللقاءات العلمية :
إن
من أهم الطرق والأساليب التي يمكن أن تساعد إلى جانب الترسانة القانونية في القضاء
على ظاهرة العنف داخل الملاعب الرياضية هي تلكم الندوات واللقاء العلمية التي تنظم
بين الفينة والأخرى في مختلف المدن المغربية ومن جهات متعددة يجمعها هاجس القضاء
ومحاربة الشغب، ورغم اختلاف عناوين الندوات إلا أنها تشترك جميعها في مضمون واحد
هو تحليل الظاهرة و الكشف عن مسبباتها ووضع تصورات لمواجهتها.
الفرع الثاني : الحملات التحسيسية والتوعوية :
لمجابهة
أية ظاهرة مجتمعية لابد من التصدي لها بالتعرف على أسبابها ومنشئها، ولأن ظاهرة
العنف في الملاعب الرياضية متعددة الأسباب والدوافع كان لزاما تتبع هذه الأسباب
وتقصيها لفهم طبيعة هذه الظاهرة والتصدي لها، وإن أول مدخل من مداخل التصدي
للظاهرة هو الأسرة، وعندما نذكر الأسرة فنحن نتحدث عن مؤسسة قائمة الذات تتداخل في
تكوينها عوامل اقتصادية واجتماعية وبيئية والأقرب لتأدية هذا الدور على الوجه
الأكمل هي جمعيات المجتمع المدني لما لها من دور فعال في تحسيس وتوعية المجتمع، ثم
يأتي من بعدها الإعلام بجميع أنواعه الذي يتحمل بدوره المسؤولية الكاملة في تحسيس
المجتمع عبر برامج ولقاءات ومقالات و إشهارات، وإلى جانب هذين المؤسستين الكبيرتين
يبرز أيضا دور المدرسة التي يقضي بين أسوارها الشباب ساعات طوال للتحصيل العلمي
وطلب المعرفة، علم ومعرفة متى كانا خاليين من التأطير والتحسيس والتوعية وربط
العلم بالواقع المعاش وجعله في خدمة المجتمع ومحاربة الاختلالات المجتمعية كان
علما غير منتفع به لا يتجاوز صداه حدود القاعة التي يلقى فيها.
ثم
لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال دور المسجد باعتباره فضاءا تعليميا وإن تراجع
كثيرا هذا الدور اللهم تلك الدقائق المعدودة التي يلقي فيها الإمام خطبة الجمعة،
وغالبا ما تكون مواضيعها أبعد عن مثل هذه المواضيع، وأيضا قلة الدروس الوعظية
وتراجع دور الإرشاد الديني في تأطير المجتمع من ناحية رصد هموم ومشاكل الشباب
ومحاولة رصدها ومحاربتها بأسلوب من اللين والرفق يتلاءم وطبيعة الشباب، بعيدا عن
الفظاظة والاكتفاء بالتشنيع والتقبيح دون تقديم البدائل.
وإلى
جانب هذا كله لابد من دعم جمعيات أنصار ومحبي الفرق لتقوم بدورها على الوجه الأكمل
في التأطير والتوعية سواء قبل أو أثناء أو بعد إجراء المباريات.
خاتمة :
وفي
الختام يمكن القول أن العنف في الملاعب الرياضية فرض نفسه بشكل كبير، فالمتابع
للمجال الرياضي ببلادنا لا يحتاج لبذل جهد كبير ليلحظ مدى تفاقم هذه الظاهرة ومدى
خطورة آثارها وما تسببه من حوادث وانعكاسات على العباد والبلاد، فإن كانت أي بلاد
تتغنى بالأمن والأمان وتنشد الراحة والطمأنينة لمواطنيها وتوفر لهم ما يحتاجونه
لينعموا بعيش كريم، وتخلق لهم أجواء من السعادة عن طريق السعي لتوفير فضاءات
للترفيه منها الملاعب الرياضية أو عن طريق السعي لتنظيم تظاهرات رياضية عالمية فإن
كل ذلك يصير في مهب الريح إذا لم يتم توعية المجتمع وتحصينه من بعض الآفات التي قد
تعكر صفو الحياة ومنها نبذ التعصب والقضاء على المخدرات وربط العلم بالواقع المعاش
وتبني خطابات معتدلة قائمة على النصح والإرشاد المستمد روحه من هموم وقضايا العصر
وكل ذلك لتكوين نوع مناعة ضد كل ما يتهدد الجسم الوطني من أسباب التفرقة و العداوة
والبغضاء التي يعتبر العنف سببا ووسيلة من أسباب ووسائل انتشارها وتفاقمها.
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق