تابعونا على الفيسبوك

Disqus

الوساطة الاتفاقية : أي مقاربة لحماية المستهلك في القانون المغربي ؟

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
              الوساطة الاتفاقية : أي مقاربة لحماية                المستهلك في القانون المغربي ؟


سميرة خزرون
باحثة بماستر الوسائل البديلة لفض النزاعات
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس

لا مجال للشك خاصة في الوقت الراهن في أهمية العدالة البديلة في حل النزاعات على اختلاف مجالاتها وبمختلف آلياتها الأكثر ملاءمة لحل بعض أنواع النزاعات كبديل أنسب عن اللجوء للقضاء في ظل  الضمانات المتعددة التي تقدمها للأطراف المتنازعة من سرعة في حسم المنازعة وبساطة ومرونة وكذا تجاوز طول الاجراءات التي تطبع مسار الملفات المعروضة أمام أنظار القضاء.
فهي اذن تبقى أكثر مواءمة للنزاعات البسيطة والتي لا ضرورة لاثقال كاهل القضاء بعرضها عليه.
ومن بين المنازعات ذات الطبيعة الخاصة ، تلك الرابطة بين المستهلك والمهني والتي تقتضي السرعة في فضها ضرورة البحث عن آليات بديلة لتسويتها ، ومن بين هذه الآليات نجد الوساطة والتحكيم ، عبر اللجوء الى طرف ثالث محايد يسعى لمحاولة اقامة صلح  ـ حالة وساطة ـ أو التوصل الى اصدار حكم تحكيمي مرضي للأطراف ـ حالة التحكيم ـ.
ونسلط الضوء في هذا المقام على الوساطة كآلية لفض نزاعات الاستهلاك خاصة تلك المتسمة بالطابع الفردي، فما الاطار القانوني المنظم للوساطة في هذا النوع من النزاعات في التشريع المغربي؟وما مدى ملاءمة الوساطة الاتفاقية لقضايا الاستهلاك والتحديات المطروحة ؟
أولا:الاطار المنظم للوساطة في قضايا الاستهلاك
أـ الدور المسند  لجمعيات حماية المستهلك انطلاقا من القانون 31.08
كما أشرنا فاللجوء الى القضاء يتطلب وقتا طويلا لفض النزاع ما يحتم على المستهلك  الاتجاه لجمعيات حماية المستهلك ، لذلك فقد عمل المشرع المغربي على وضع اطار قانوني منظم لعمل هذه الجمعيات ، حيث نظم دورها في القسم السابع من القانون 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، اذ تنص المادة 152 منه على أنه :" تتولى جمعيات حماية المستهلك المؤسسة  والعاملة وفقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل المتعلقة بحق تأسيس الجمعيات ، الاعلام والدفاع والنهوض  بمصالح المستهلك وتعمل على احترام أحكام هذا القانون."

ب ـ المحتسب كوسيط في اطار القانون 02.82
الى جانب تأطير دور جمعيات حماية المستهلك  في حل نزاعات الاستهلاك في القانون 31.08،  فقد أشار القانون 02.82 الى دور المحتسب وأمناء الحرف ، حيث تنص المادة العاشرة منه على أنه:" يساعد الأمناء المحتسب في مزاولة مهامه ويتمتعون تحت إمرته ، كل منهم فيما يخص حرفته بسلطة توفيقية للعمل على أن تفضي على سبيل التراضي الخلافات والنزاعات الناشئة :
1ـ بين الحرفيين وتجار المنتجات المشار إليها في الفصل الأول أعلاه والمتدربين لديهم ومستخدميهم فيما يخص القضايا التي تهم علاقاتهم المهنية.
2ـ بين الحرفيين والتجار المذكورين وزبنائهم بشأن الانجازات أو المعاملات المتعلقة بالمنتجات أو الخدمات التي يراقبها المحتسب.
هذا ويجب أن يثبت التوفيق في محضر يحرره المحتسب ويوقعه بمعية الأطراف المعنية ، واذا صرح الأطراف المذكورين أو أحدهم بأنه لا يحسن التوقيع يشار الى ذلك في المحضر نفسه."
ونجد أن القانون المغربي أضفى  وفقا للمادة 11 من القانون 02.82 قوة التزام خاص على محضر التوفيق المحرر من طرف المحتسب .

والى جانب  تخويل المحتسب الاشراف على اتفاق التسوية الودية المبرم بين أمناء الحرف من جهة والمستهلك من جهة أخرى ، فموازاة مع ذلك للمستهلكين  عرض نزاعاتهم على جهة مختصة تقترح حلا معنيا لحل نزاعاتهم  وهو الاجراء الذي قد يكون أحيانا إجباريا قبل رفع أي دعوى قضائية ، اذ تنص المادة 111 من القانون31.08 على أنه:" في حالة عدم تسديد الأقساط الناتجة عن عقد القرض بفعل الفصل عن العمل أو عن حالة اجتماعية  غير متوقعة فإن اقامة الدعوى التي ترمي الى المطالبة بالأداء  لا يمكن أن تتم إلا بعد اجراء عملية الوساطة ، حيث أنه في هذه الحالة لا يحتسب أجل سقوط الحق  إلا بعد استنفاذ مسطرة الوساطة والتي يجب أن تبدأ خلال سنة من تاريخ التصريح بتوقف المقترض عن الأداء ، اضافة الى أنه لا يمكن تحميل المقترض فوائد التأخير الناتجة عن المسطرة."

ثانيا: مدى ملاءمة  الوساطة الاتفاقية  لمنازعات الاستهلاك والتحديات المطروحة
لاشك أن خصائص الوساطة الاتفاقية تتماشى وطبيعة نزاعات الاستهلاك خاصة الصغرى منها( من رضائية ، سرعة،....) ، وعلى هذا الأساس تتاح امكانية اعتماد وساطة اتفاقية  بناء على اتفاق الطرفين على اللجوء إليها عبر تضمين شرط الوساطة في العقد ، وتقتضي تدخل طرف ثالث يسمى الوسيط تختاره الأطراف المتعاقدة.
إلا أن الاشكال الذي يمكن أن يطرح هو في الحالة التي يعتبر فيها شرط الوساطة تعسفيا ، بمعنى عند ادراجه في عقد يكون فيه المستهلك في وضعية أقل من المهني بحيث لا يتمكن من الدفاع عن مصالحه أمام الوسيط كما يفعل المهني، وقد يتراجع المستهلك عن اللجوء للمحكمة اذا ما فشلت الوساطة لادراكه لطول الاجراءات أمام المحاكم ما يدفعه لقبول الحل المتوصل له من طرف الوسيط .
وعودة لقانون حماية المستهلك ، نجد بأن مثل هذه الشروط تعتبر تعسفية بصريح الفقرة 17 من المادة 18 والتي تنص على أنه يدخل ضمن الشروط التعسفية تلك التي يترتب عنها :" الغاء و عرقلة حق المستهلك في اقامة دعوى قضائية أو اللجوء إلى طرق الطعن ، وذلك للحد بوجه غير قانوني من وسائل الاثبات  المتوفرة لديه  وإلزامه بعبء الاثبات الذي يقع عادة على طرف آخر في العقد." ويعد هذا الشرط باطلا طبقا للمادة 19 من ذات القانون.
هذا وتخضع مسطرة الوساطة لقانون المسطرة المدنية ، حيث يتطلب عقد الوساطة تحت طائلة البطلان تحديدا كاملا لموضوع النزاع ، ويُنص فيه على تعيين الوسيط أو كيفية تعيينه ، كما يحرر اتفاق الوساطة كتابة في الاتفاق الأصلي أو في أي وثيقة تحيل عليه.
وفي حالة عدم توصله إلى صلح فيسلم وثيقة عدم الصلح للأطراف والتي يجب أن تحمل توقيعهم.

          يظهر اذن أن الرهان لتفعيل الوساطة في مجال نزاعات الاستهلاك يقتضي ومراعاة لخصوصية هذه النزاعات ذات الطابع غير المتكافئ بين المهني والمستهلك ضرورة التنصيص صراحة على كون الشرط الذي قد يمنح الاختصاص للوسيط لتسوية نزاعات الاستهلاك ويسلبه من القاضي يعد شرطا تعسفيا باطلا.
الى جانب النص على الزامية الوساطة بالنسبة لنزاعات الاستهلاك البسيطة ،و اشراك جمعيات حماية المستهلكين في مؤسسات الوساطة اعتبارا لكون هدفها الأساسي هو حماية المستهلكين.
وفي ظل الغاية الأساسية وهي تحقيق حماية للمستهلك ، فنشير إلى احداث آلية الوساطة البنكية كتقنية هادفة لتسوية النزاعات الناشئة بين الزبون ومؤسسته البنكية،  والتي تستمد مرجعيتها من القانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية،  وقد حدد المشرع  المسطرة الواجب اتباعها لسلوكها في  اطار المادة 19 من الميثاق البنكي المتعلق بالوساطة البنكية، وجدير بالذكر أن من أهم خصائص هذه المؤسسة الزامها الوسيط  بالبت في الملفات المعروضة أمامه  داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ توصله بالملف، إلا إذا طلب الأطراف تمديد هذا الأجل كتابة(المادة 24 من الميثاق)، كما انه وطبقا للمادة 22 من ميثاق الوساطة البنكية  فيترتب على اللجوء للوسيط ايقاف كل مسطرة قضائية ويتعين تبليغ المحكمة اذا كان النزاع المعروض عليها باللجوء إلى هذه المسطرة التي يتعين عليها التصريح بعدم قبول الدعوى لحين الانتهاء من مسطرة الوساطة. ويبقى العمل على التعريف أكثر  بهذه الآلية  ضرورة لابد منها  في ظل أهميتها في حل النزاع بين المستهلك والمؤسسة البنكية .


المراجع المعتمدة :

·       قانون 31.08 القاضي  بتحديد تدابير لحماية المستهلك الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.03 بتاريخ 14 ربيع الأول 1432(18 فبراير 2011).
·       القانون 08.05 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية  القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية والصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.169 في 19 من ذي القعدة  1428 (30 نوفمبر 2007).

·       القانون 02.82 المتعلق باختصاصات المحتسب وأمناء الحرف الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.82.70 بتاريخ 28 شعبان 1402(21 يونيو 1982).


لا
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016