تابعونا على الفيسبوك

Disqus

التعليق على قراراجتماعي عدد 434 مؤرخ في 14/05/2002 ملف اجتماعي عدد 1183/5/1/2001 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ص 328

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
التعليق على قراراجتماعي عدد 434 مؤرخ في 14/05/2002 ملف اجتماعي عدد 1183/5/1/2001 منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ص 328



- حميد السموني
مــــــــــــــــــــاستر العلــــــــــــــوم القانونية


مــقـدمــة :
يتعرض القرار الاجتماعي الصادر عن الغرفة الاجتماعية عدد 434 المؤرخ في 14/5/2002 ملف اجتماعي عدد 1183/5/1/2001 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ص 328   (1)و ما بعدها ( محكمة النقض حاليا) لمدى تحقق حادثة شغل, يتبين ذلك من خلال وقائع القضية التي جاء فيها : أن ذوي حقوق الهالك "الصبارمحمد "تقدموا بمقال إلى المحكمة الابتدائية بوجدة عرضوا فيه بأن موروثهم توفي أثناء مزاولته عمله لدى مشغلته شركة الاتحاد للحافلات ملتمسين الحكم لهم بالإيراد المستحق مع إحلال شركة التأمين الضمان العام محل المشغلة في الأداء مع النفاذ المعجل. مما أدى الأمر إلى الحكم بعدم قبول الدعوى شكلا أمام المحكمة الابتدائية التي حملت الصائر رافعيها.
و تم استئناف الحكم أمام محكمة الاستئناف بوجدة التي بعد تمام الإجراءات    أصدرت قرارها بإلغاء الحكم المستأنف و بإرجاع الملف إلى المحكمة الابتدائية بوجدة   للبث فيه طبقا للقانون مع حفظ البث في الصائر. إذ اعتبرت وفاة الأجير التي لم يعرف سببها تعد حادثة شغل .
فتقدمت الشركة المؤمنة بطلب نقض قرار محكمة الاستئناف أمام المجلس الأعلى  (محكمة النقض حاليا) على أساس خرق مقتضيات القانون " الفصلين 3 و 35 من ظهير 6/2/6319 و فساد التعليل "  لكن المجلس الأعلى قضى برفض الطلب و بتحميل الطالبة الصائر ليظهر أن المشكل القانوني يتعلق بما إذا كانت وفاة الأجير بنوبة قلبية أثناء القيام بالعمل ،حادثة شغل أم أن الأمر خلاف ذك؟
    و في ذلك أهمية بالغة لمعرفة المعنى الدقيق لحادثة الشغل بالنظر إلى اختلاف المحاكم،ذلك أنه حسب محاكم الموضوع ،المحكمة الابتدائية لم تعتبر وفاة الأجير
  (1)عدد 434 المؤرخ في 14/5/2002 ملف اجتماعي عدد 1183/5/1/2001 المنشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى ص 328 

أثناء مزاولته عمله لدى مشغلته حادثة شغل أما في منظور محكمة الاستئناف و قضاء المجلس الأعلى فهي حادثة شغل.
       و يمكن حصرالنقط القانونية التي اثارها القرارفي:
-        إثبات العلاقة السببية في الحادثة و الضرر الحاصل للأجير و هي
-        إشكالية حصول الضرر دون وجود الحادث المسبب لها.
-        نقطة الموت المفاجئ أثناء العمل.
-        نقطة الوفاة المجهول سببها أثناء العمل تعتبر في حكم حادثة شغل
هل الوفاة هي سبب الحادثة أم أن الوفاة هي الحادثة لكن بدون سبب؟
افتراض السلامة الجسدية في الأجير أثناء العمل.                             

ليطرح السؤال التالي : أي من تلك الجهات تكون قد صادفت الصواب و التطبيق السليم للقانون؟ للإجابة عن ذك يتعين معالجة القرار وفق التقسيم التالي:

أولا :  تحديد حادثة الشغل المقصودة في القرار.
ثانيا : مدى انطباق الوفاة بنوبة قلبية أثناء القيام بالعمل على حادثة شغل.

أولا : تحديد حادثة الشغل المقصودة في القرار
يتطرق القرار الاجتماعي – موضوع التعليق- لحادثة شغل و التي نجد المحاكم  من خلال القرارات العديدة للاجتهاد القضائي المغربي تصفها  ((ما يصيب جسم الإنسان فجأة ,بفعل عنيف و بسبب خارجي)).)2(
و قد نص المشرع المغربي بالتحديد على حادثة الشغل في الفصل 3 من ظهير 6/2/1963 و المادة 3 من القانون رقم 18.12 الذي نسخ الظهير المذكور و البين  من هذا
(2)من بين هذه القرارات،قرارمحكمة استئناف الرباط بتاريخ28 نونبر 1940 مجموعة احكام هذه المحكمة CARالسنة 21،العدد 81الثلاثة اشهر الاولى لسنة 1941.
الفصل أنه تعتبر بمثابة حادثة للشغل ، الحادثة كيفما كان نوعها التي تصيب من جراء
الشغل او عند القيام به كل شخص سواء كان اجيرا او يعمل باي صفة كانت، يترتب عنها ضرر  للمستفيد من أحكام هذا القانون و خلصت محكمة الاستئناف أن أسباب الوفاة لم يكن بالإمكان تحديدها مع العلم أن أوراق الملف تفيد أن سبب الوفاة نوبة قلبية و هو ما لم     تشير إليه المحكمة المذكورة.
لقد حاول كل من ظهير 6/2/6319 و القانون 18.12 )3) توسيع الحماية التي يقرها لتشمل ضرر عدد من الفئات و يتجلى ذلك في توسيع قاعدة المستفدين من خلال الوقائع المشكلة لحادثة شغل حيث أن الفصل 3 من ظهير 6/2/6319 و المادة 3  من قانون 18.12 اعتبرت بمثابة  حادثة شغل كل حادثة تقع للأجير أثناء القيام بعمله أو بمناسبته حتى و لو كان السبب قوة قاهرة و هو ما يستفاد من مستندات الملف (حيث عرضوا فيه ذوي حقوق الهالك  أن موروثهم توفي أثناء مزاولته عمله لدى مشغلته و هو ما أكدته محكمة الاسثناف في قرارها الذي جاء فيه أن" الصبار محمد " موروث المطلوبين" توفي و هو يقوم  بعمله لفائدة مشغلته.
إلا أن المحكمة الابتدائية لم تعتبر الحادثة ،حادثة شغل و أصدرت الحكم بعدم قبول الدعوى،كما انها لم تعلل حكمها مما يوازي ذلك انعدامه.
و يلاحظ بهذا الخصوص أن المشرع تبنى الاجتهاد القضائي الوطني الذي سبق له أن اعتبر جميع الحوادث التي يتعرض لها الأجير أثناء العمل أو بمناسبته حادثة  شغل حتى و
)3)قانون رقم 12.18 يتعتق بالتعويض عن حوادث الشغل الذي نسخ القانون المتمثل في ظهير 25 يونيو 1927 المغير من حيث الشكل بموجب ظهير 6 فبراير 1963 .
 لو كان السبب فيها قوة قاهرة أو مخاصمة بين الأجراء أو حتى سكتة  قلبية أثناء العمل ،و هو الشيء الذي أكده المجلس الأعلى في قرار له سابق رقم 2065 صادر في 10 شتنبر 1990 ملف اجتماعي 1970/89 جاء فيه)4):
" و حيث انه من الثابت و مما لا جدال فيه أن الضحية سقط مغما عليه و هو يعمل عند مشغله فندق سفير حيث لفظ أنفاسه بعد نقله للمستشفى و من ثم فإن الحادثة تعتبر حادثة شغل و لو كانت ناتجة عن نزيف دموي أصيب بها الضحية قبل سقوطه على الأرض اللهم إلا إذا اثبت المؤاجر أنه عرضة سهلة للأمراض قبل إصابته".
فالمشرع حمل المشغل الأضرار التي تقع للأجير من جراء الحادثة بسبب الشغل.
وصفوة القول أن الوفاة بنوبة قلبية أثناء العمل التي تعرض لها القضاء المغربي أثارت نقاشات دقيقة، حسب ما تم توضيحه في القرار السابق فهل هو نفس التطبيق في هذا القرار موضوع التعليق ؟ للإجابة عن ذلك يتعين التعرض لمدى انطباق الوفاة بنوبة قلبية أثناء القيام بالعمل على حادثة شغل.

ثانيا:  مدى انطباق الوفاة بنوبة قلبية أثناء العمل على حادثة شغل.
لم تعتبر المحكمة الابتدائية الحادثة التي وقعت للهالك الصبار محمد حادثة شغل      لذلك أصدرت الحكم بعدم قبول الدعوى و تجدر الإشارة أن هذه المحكمة لم تعلل حكمها مما يوازي انعدامه، إلا أن محكمة الاستئناف ذهبت عكس ذلك معتبرة أن وفاة الهالك و هو يقوم بعمله لفائدة مشغلته حادثة شغل و لو أن أسباب الوفاة لم يكن بالإمكان تحديدها. و الملاحظ أنه كان على محكمة الاستئناف أن تأخذ بقرينة الإسناد كما تدل على ذلك القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى بهذا الخصوص ( هذه القرارات ) التي تجد سندها في المنحى الذي نحاه المشرع المغربي بظهير 6 فبراير1963 و بعده قانون 12.18 خصوصا مقتضيات المادة 3 و الفصل 3 من الظهير التي تنص على ما يلي : " تعتبر بمثابة حادثة
)4): قرارالمجلس الأعلى رقم 2065 صادر في 10 شتنبر 1990 ملف اجتماعي 1970/89 مجلة المجلس الاعلى.


 شغل الحادثة كيفما كان سببها التي تصيب من جراء الشغل   أو عند القيام به كل شخص سواء كان أجيرا أو يعمل بأية صفة كانت ... اللهم إذا برهن المؤاجر أو المؤمن على أن المصاب بالحادثة عرضة سهلة للأمراض".
ما يمكن أن نستنتجه انطلاقا من هذا النص التشريعي هو أن المشرع المغربي  و في سبيل تحديد مسؤولية المؤاجر( المشغل) قام بتحميله المسؤولية عن كل ضرر لحق الأجير من جراء حادثة نتجت عن الشغل ،بحيث يفترض مع كل ضرر لحق الأجير من جراء حادثة نتجت عن الشغل أنه يرجع مباشرة للحادثة و هذا ما يعبر عنه "بقرينة الإسناد" هذه الأخيرة لا تعتبر قاطعة ،بمعنى آخر لكي يتنصل المؤاجر ( المشغل) من المسؤولية عليه أن يقيم الدليل على عكس ذلك و في هذا الصدد قضى المجلس الأعلى بتاريخ 27يونيو 1961 ((بأن وفاة الأجير التي تحصل بسبب سكتة  قلبية أثناء الشغل يفترض أنها ناتجة عن حادثة شغل و لهدم هذه القرينة فإنه يجب على المؤاجر أو على مؤمنه أن يثبت مرضا سابقا للمصاب و أن يقيم الدليل على أن الأزمة القلبية لم يتسبب فيها الشغل )).5))
و هو ما قضى به المجلس الأعلى  في هذا القرار موضوع التعليق أنه "ما دامت النوبة القلبية التي تعرض لها الأجير خلال العمل لم يعرف سببها فان الوفاة الناتجة عنها تعتبر في حكم حادثة الشغل علما بأن المشغل أو المؤمن لم يثبت أي منهما بأن المصاب بالحادثة عرضة سهلة للأمراض طبقا للفصل 3 من ظهير 6/2/1963 ".

الشركة المؤمنة دفعت بكون الوفاة المفاجئة و لو داخل مقر العمل ليست بحادثة شغل و ذلك لأن الفصل 3 يشترط وجود حادثة تصيب الأجير أثناء قيامه بعمله حتى  يمكن القول بوجود حادثة شغل, أي أن تكون هناك علاقة سببية بين الحادثة و الضرر الحاصل للأجير و أنه تم خرق الفصل  35 من نفس الظهير الذي جاء فيه : " متى طالب المؤاجر أو مؤمنه أو القاضي بتشريح الجثة للكشف عن الحقيقة و رفض   ذوي حقوق المصاب إجراء تشريح فإنه يجب عليه إثبات العلاقة السببية بين الحادثة  و الوفاة" و هو ما لم يقع ،أي أنه لا
5)) اورده استاذنا الدكتور امال جلال في كتابه مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل و الامراض المهنية في التشريع المغربي ص.220.
 المؤاجر ولا مؤمنه أو القاضي بالمحكمة الابتدائية طالبوا بتشريح الجثة  و لا ذوي حقوق المصاب رفضوا ذك و حتى لو عارضوا إجراء هذا التشريح ،فهذا الرفض البسيط في نظرنا ،وكما اشارت الى ذلك بعض القرارات في حوادث مشابهة، ليس من شأنه أن يفقد ذوي حقوق المصاب حقهم في قرينة الإسناد ما دام أن الوفاة قد وقعت في المكان المباشر و الوقت العادي للعمل و أن على المؤاجر أن يقيم الدليل على وجود العكس .
و من تم يكون قرار محكمة النقض موضوع التعليق قد صادف الصواب فيما قضى به و كرس الاجتهاد المتواتر بخصوص اعتبار الوفاة المفاجئ داخل مقر العمل أو بسببه يعتبر حادثة شغل يستحق مهما ذوي الحقوق التعويضات المنصوص عليها في ظهير 6/2/1963 المطبق على الحالة التالية .

اقرأ المزيد

0 التعليقات:

شركة Uber وإشكالاتها القانونية

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

شركة Uber وإشكالاتها القانونية





عدنان بوشان
باحث في العلوم القانونية

  تعتبر شركةUber  شركة تجارية أمريكية الجنسية تم تأسيسها سنة 2009 بسان فرانسيسكو يقوم نشاطها على تطوير وتشغيل التطبيقات النقالة لربط الزبناء بالسائقين الذين يقومون بخدمات النقل، وقد عرفت تطورا سريعا إذ وصل عدد الدول التي تتوفر على فروع لهذه الشركة حوالي 60 دولة حيث تغطي إجمالي 300 مدينة بالعالم، وقد ثار نقاش قانوني وقضائي خاصة بالدول التي عرفت فتح فروع  لهذه الشركة، البعض منها عمد إلى منع أنشطة هذه الشركة لما تمثله من منافسة غير مشروعة لسائقي سيارات الأجرة، والبعض الآخر منها منع بعض أنواع الخدمات التي تقدمها هذه الشركة.
  وإن من بين أهم الإشكالات التي لاقت اهتمام رجال القانون من محامون وقضاة ما يتعلق بمشروعية الخدمات التي تقدمها وبخصوص النشاط الأساسي لهذه الشركة هل الأمر يتعلق بشركة للنقل أم هي شركة للتكنولوجية الرقمية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن علاقة هذه الشركة بسائقي السيارات قد أثير حولها نقاش هل الأمر يتعلق بعلاقة شغل يخضع من خلالها السائق لتوجيه وإشراف الشركة أم أن سائقي السيارات يتوفرون على قدر من الاستقلالية في أدائهم لعملهم وفي علاقتهم مع زبنائهم.
أولا: خدمة نقل الأشخاص بين التقييد الإداري والعمل التجاري
  يعتبر النقل من بين الأنشطة أو الأعمال التجارية التي جاءت ضمن مقتضيات المادة 6 من مدونة التجارة والتي من شأن الممارسة الاعتيادية والاحترافية لها اكتساب الصفة التجارية، كما يعتبر عقد النقل الذي يبرم بين الناقل و الشخص المستفيد من النقل عقد تجاري تناولته مدونة التجارة كذلك بالتنظيم بموجب المادة 443 وما بعدها مؤكدة من خلال ذلك على ضرورة مراعاة مقتضيات النصوص الخاصة في مادة النقل، وهو ما يفيد إمكانية اعتماد خدمة النقل كنشاط فردي أو منتظم في إطار شركة تجارية.
  بالرجوع إلى مقتضيات النصوص القانونية الخاصة بالنقل خاصة ما يتعلق بالقانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق نجد هذا الأخير قد عمل على تنظيم مسألة النقل المهني، والذي اشترطت من خلاله المادة 40 ضرورة التوفر على بطاقة سائق مهني كما حددت هذه المادة المركبات التي يجب أن يتوفر في سائقها هذا الشرط، هذه البطاقة التي تسلمها الإدارة بعد متابعة المعني بالأمر تكوينا تأهيليا أوليا.
  وكجزاء عن عدم احترام هذا المقتضى ما لم ينص القانون على جزاء أكثر قسوة، تعمل الإدارة على توقيف رخصة سياقة كل سائق يعمل على نقل البضائع أو النقل الجماعي للأشخاص دون التوفر على وثائق النقل التي تحددها الإدارة أو مخالفة الشروط المبينة في الوثائق المذكورة.
  يتضح إذا أن قطاع النقل هو من بين القطاعات الحساسة الذي لا يزال يخضع لتدخل الدولة وتنظيمها، وهو ما يفرض على أي شخص طبيعيا كان أو معنويا ضرورة الحصول على إذن إداري وإحراز كافة الشروط المفروضة من طرف السلطة الحكومية المختصة بذلك، من خلاله نتساءل عن مدى قانونية استخدام شركة Uber  لسائقي سيارات شخصية الاستعمال في عمليات نقل الأشخاص وهل تعتبر هذه الشركة شركة تجارية للنقل أم شركة إلكترونية خاصة بالتطبيق الرقمي لا غير؟.
  قبل أن تصل شركة Uber إلى المغرب سبق وأن مرت بتجارب في مجموعة من الدول والتي عرفت هي الأخرى نفس الإشكالات حيث سبق للبرلمان الفرنسي أن صوت بحظر تطبيق خدمة UberPOP وهي إحدى الخدمات التي تقدمها هذه الشركة إذ تعتمد فيها على سائقي سيارات شخصية الاستعمال، كما عملت محكمة الاستئناف بباريس على تغريم الشركة مبلغ 150 ألف يورو بدعوى العمل التجاري المضلل أو المخادع، وهو الحكم الذي  رفضت بشأنه محكمة النقض عريضة النقض الموجهة من طرف شركة Uber في قرار لها رقم 15-87770 بتاريخ 31 يناير 2017، وقد امتدت مناقشة هذه المسألة إلى دفع شركة Uber بعدم دستورية المادة L3124-13  من قانون النقل الفرنسي كان جواب المجلس الدستوري هو دستورية المادة L3124-13  وذلك بموجب القرار رقم 484-2015 بتاريخ 22 شتنبر 2015، من جهة أخرى فقد كان للقضاء الإيطالي هو الآخر قول في هذا الإشكال فعمل على حظر خدمات Uber بدعوى المنافسة غير المشروعة لسائقي سيارات الأجرة الإيطاليين، كما كان للسيد Maciej Szpunar وهو محام عام بمحكمة العدل الأوربية رأي في هذا النقاش حيث صرح بأن على شركة Uber أن تلتزم بنفس القواعد والشروط التي تقع على عاتق أصحاب سيارات الأجرة وأن Uber تقوم بخدمات للنقل وليس بخدمات رقمية كما تدعي هذه الشركة.
ثانيا: طبيعة العلاقة القانونية بين شركة Uber وسائقي السيارات
  طرح الإشكال كذلك بخصوص طبيعة العلاقة القانونية التي تربط شركة uber  بسائقي سيارات الأجرة هل يتعلق الأمر بعلاقة شغل أم لا، لقد كان للقضاء المقارن كلمة الفصل في هذا الإشكال حيث صرحت محكمة العمل بلندن في قرار لها بتاريخ 28 أكتوبر 2016 أن سائقي سيارات uber هم في الحقيقة في نظر القانون أجراء لهم الحق في الاستفادة من العطلة المدفوعة الأجر والحد الأدنى للأجر، وصرحت أن عقد الخدمة الذي يوقعه سائقوا uber هو في الحقيقة عقد شغل وذلك نظرا للأسباب التالية:
-        أن شركة uber تقوم بتنظيم امتحان للتشغيل
-         كما أن سائقي السيارات وبمجرد ارتباطهم بتطبيق uber يصبحون ملزمين بالقواعد التي يمليها عليها هذا التطبيق،
-        السائق لا يعرف اسم الزبون ولا وجهته قبل دخول السيارة وهو لا يقوم باختيار المسار الذي سيسلكه والذي يقوم تطبيق uber بتحديده،
-        إذا رفض السائق السير أكثر من ثلاث مرات يتم فصله عن النظام أو التطبيق لمدة 10 دقائق.
كما اعتبرت المحكمة أن uber تقدم خدمات النقل.
  وفي قرار لمحكمة النقض الفرنسية (cass.civ.2éme 7 juillet 2016)  اعتبرت من خلاله أن المتدربين المسجلين تحت نظام auto_entrepreneur  هم في الحقيقة أجراء نظرا لوجودهم في علاقة تبعية دائمة مع الشركة، ورفضت بذلك دفوع الشركة بكون سائقي السيارات يؤدون عملهم في استقلال تام عن الشركة وأن علاقتهم بالشركة هي علاقة مقاول.
  وبالولايات المتحدة الأمريكية  اعتبر مجلس العمل بكالفورنيا  في قرار له والذي صرح من خلاله أن سائقي uber هم في الحقيقة أجراء.


 


اقرأ المزيد

0 التعليقات:

قراءة في القانون 69.16 المتمم للمادة 4 من مدونة الحقوق العينية

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
قراءة في القانون 69.16 المتمم للمادة 4
من مدونة الحقوق العينية








زيــان أمـيـن
ماستر بكلية الحقوق ـ أكدال ـ

شكلت الوكالات العرفية نقطة سوداء داخل نظامنا العقاري، حيث يكفي المزور أو المترامي على ملك غيره أن ينشئ وكالة عرفية باسم المالك الحقيقي ويصحح إمضائها أمام السلطة المحلية (كإجراء روتيني) فيعمل على إبرام عقد تفويت لفائدته أو لفائدة المتواطئ معه ثم يقيده بالرسم العقاري فيضيع بذلك حق المالك الأصلي.
إن هذا الوضع المقلق يرجع أصله للأحكام القانونية غير الصارمة المنظمة لعقد الوكالة بقانوننا المدني، فهي وكما جاء بالفصل 879 من قانون الإلتزامات والعقود ــ عقد يكلف بمقتضاه شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه ... ــ وتكون إما عامة (تمنح للوكيل اليد المطلقة للتصرف في المصالح المالية لموكله) أو خاصة (تمنحه صلاحيات يحددها عقد الوكالة نفسه وتُفسر تفسيرا ضيقا وكل تجاوز لها لا يلزم الموكل إلا إذا أقره أو استفاد منه أو كان التجاوز يسيرا أو بشروط أفضل) والخطير في هذا التنظيم هو ما جاء به الفصل 887 ق.ل.ع الذي يسمح بأن تعطى الوكالة في شكل يخالف الشكل المتطلب لإجراء التصرف الذي يكون محلا لها، بمعنى أنه حتى في الحالة التي يعمد فيها نص خاص إلا اشتراط شكلية صارمة لإجراء تصرف معين (كالكتابة الرسمية) فإن الوكالة العرفية تكون كافية لتوكيل الغير لإجراء هذا التصرف، وقد حصل هذا الوضع تحديدا وقت دخول مقتضيات المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية حيز التنفيذ، والتي بالرغم من اشتراطها للكتابة الرسمية أو الثابتة التاريخ لإجراء أي تصرف يرمي إلى نقل حق الملكية أو إنشاء حق عيني آخر أو نقله أو تعديله أو إسقاطه، فإن أحكام الفصل 887 ق.ل.ع ظلت نافذة وظلت معها الوكالات العرفية كافية ومنتجة ولو كان محلها تصرفا من التصرفات المذكورة بالمادة الرابعة.
لقد أثير هذا الموضوع من طرف اللجنة المختلطة المحدثة بموجب الرسالة الملكية الصادرة في 30 دجنبر 2016 في شأن التصدي الفوري والحازم لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير ومواجهتها بخطة حازمة ومتكاملة، واقتُرح لذلك تعديل المادة 4 من مدونة الحقوق العينية بإدراج الوكالات ضمن التصرفات التي تشترط فيها الكتابة الرسمية أو ثابتة التاريخ، وقامت الحكومة بإعداد مشروع قانون سُجل بمكتب مجلس النواب بتاريخ 6 أكتوبر 2016 واقتُرح أثناء مناقشته إضافة فقرة يحدث بموجبها ــ سجل وطني لعقود التوكيل ــ إلا أنه سحب فيما بعد لعدم جدواه، وقد وقع التصويت على المشروع في جلسة عامة بتاريخ 1 غشت 2017 ونشر بالجريدة الرسمية عدد 6604 الصادرة بتاريخ 14 شتنبر 2017.
لقد طرحت بعض التساؤلات فور نشر هذا القانون خصوصا من طرف الممارسين حول مدى رجعية هذا القانون وحدود ذلك ومدى فقدان الوكالات العرفية المحررة قبل صدوره لقيمتها رغم أن التصرف المرتبط بها قد انعقد صحيحا تبعا لها، و بدورنا سنساهم في هذا النقاش من خلال بسط المعطيات القانونية التالية :
-         أولا : إن القانون 69.16 لم يتضمن أحكاما تتعلق بحدود تطبيقه من حيث الزمان، ما يعني تلقائيا و دون أدنى نقاش الرجوع في ذلك للمبادئ العامة؛
-         ثانيا : إن أحكام الفصل 887 ق.ل.ع قد نُسخت ضمنيا وجزئيا، حيث لن يبقى لها نصيب من التطبيق كلما تعلق الأمر بتصرف من التصرفات المذكورة في المادة 4 مع بقائها نافذة في غير ذلك من التصرفات؛
-         ثالثا : إن الأمر يرتبط بتاريخَي تحرير الوكالة وإبرام التصرف القانوني وليس بتاريخ تقييد التصرف بالرسم العقاري، بمعنى أن الوكالات العرفية التي نشأت صحيحة قبل 14 شتنبر 2017 وأبرم على أساسها التصرف الذي منحت من أجله دون أن يُسجَّل بالرسم العقاري تظل منتجة ولا يفقد التصرف المبنيُّ على أساسها قيمته ويجوز تقييدها بالرسم العقاري بعد التاريخ المذكور؛
-         رابعا : إن الوكالات التي نشأت صحيحة قبل 14 شتنبر 2017 ولم يبرم التصرف الذي مُنحت من أجله إلا بعد هذا التاريخ تفقد قيمتها ويفقد التصرف المبني على أساسها قيمته بالتبعية ولا يبقى من سبيل لتصحيحها إلا بإبرام وكالة جديدة تحترم الشكل القانوني وتجديد التصرف المبني عليها بدوره تم إدراج الكل بالرسم العقاري لينتج أثره؛
-         خامسا : لقد صدرت بتاريخ 21 شتنبر 2017 مذكرة للمحافظ العام تحت العدد 20 أقرت خلاف الاستنتاجين المذكورين وأكدت أن العبرة بتاريخ إبرام التصرف القانوني وليس بتاريخ تحرير الوكالة ودون التفاتها لتاريخ التقييد بالرسم العقاري كمعطى يخلق اللبس في ذهن الممارسين.
ونقول في ختام كل هذا أن السادة المحافظين لا يمكنهم أن يقيدوا تصرفا أبرم بناء على وكالة عرفية إلا إذا كان كلٌ من الوكالة العرفية والتصرف المبرم على أساسها قد أبرما قبل تاريخ 14 شتنبر 2017، ما يعني أن العبرة بتاريخ تحرير كل من الوكالة والتصرف القانوني معا، وليس بالتصرف القانوني فقط كما جاء خطأ بمذكرة المحافظ العام.



اقرأ المزيد

0 التعليقات:

القاضي الإداري يحكم ولا يدير "

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
القاضي الإداري يحكم ولا يدير 




من إعداد :
 الطالب الباحث المهدي تيم
خريج ماستر القضاء الإداري – (الفوج التاسع) – بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية سلا

لا قيمة لمبدأ المشروعية في الدولة ما لم يقترن بمبدأ آخر مضمونه احترام أحكام القضاء وضرورة تنفيذها، لأن الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء يتجلى بالأساس في تنفيذ الأحكام الإدارية ، لكون الحماية القضائية لا تنعقد إلا بتمام هذا التنفيذ فلا قيمة للقانون بدون تنفيذ، ولا قيمة لأحكام القضاء بدون تنفيذها، وهذا ما ينطبق على المقولة التاريخية الشهيرة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي راسل بها قاضيه أبي موسى الأشعري " ... ، لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ به "  .
وليس في القانون الإداري مسألة تفوق أهميتها كيفية إجبار الإدارة على الامتثال لسيادة القانون وخضوعها لمبدأ المشروعية مع احترام القرارات والأوامر والأحكام الصادرة عن القضاء الإداري .
فالأحكام الإدارية حينما تكتسب قوتها الإلزامية في مواجهة الإدارة، تصبح هذه الأخيرة ملزمة بالعمل على تنفيذها بسبب قوتها التنفيذية، خاصة أنه بدون تنفيذ تصير الأحكام عديمة الفعالية، لأن القاضي الإداري في هذه الحالة يصبح واقفا في منتصف الطريق ، فهو أشبه بمن قطع شجرة فاكتفى بقطع جذورها (عندما يصدر الحكم)، تاركا للرياح مهمة إسقاط الشجرة (من يسهر على تنفيذ الحكم ؟ ) .
وقد استند القضاء الإداري الفرنسي في تبنيه لمقولة " أن القاضي الإداري يحكم ولا يدير " ونحو تكريس "مبدأ حظر توجيه القاضي الإداري أوامر للإدارة " ، إلى عدة أسباب ؛
-                   السبب الأول ؛ أن هدف الإدارة هو تحقيق الصالح العام , لذا لا ينبغي القضاء التدخل في شؤونها لأن ذلك من شأنه إعادة تحقيق هذا الهدف .
-                   السبب الثاني ؛ أن مبدأ الفصل بين السلطات في المفهوم الفرنسي ، كان يهدف إلى عدم تدخل المحاكم العادية في الشؤون الإدارية ، وعلى هذا الأساس سار القضاء .
وعليه ليس للقاضي الإداري سلطة التعديل أو الحلول لأنه '' يقضي ولا يدير ''، وقد تواترت أحكام القضاء الإداري في دعوى الإلغاء أو في دعوى القضاء الكامل ؛ ففي دعوى الإلغاء  نجد أن أحكام مجلس الدولة الفرنسي استقرت على أنه لا يجوز للقاضي الإداري أن يتجاوز سلطته بتوجيه أوامر لجهة الإدارة بإصدار قرار إداري معين ، مثل منح ترخيص للمحكوم لصالحه ، أو إعادة موظف لعمله ، ويترتب على ذلك أنه ؛
1-               لا يجوز لقاضي الإلغاء رسم الخطوط العامة للإدارة ، لأنه ذلك يدخل من السلطات والصلاحيات المطلقة الممنوحة للإدارة .
2-               ليس لقاضي الإلغاء من الناحية القانونية إلا إلغاء القرارات الإدارية للتجاوز في استعمال السلطة لعدم مشروعيتها  ، دون أن يأمرها أو يوجهها للقيام بعمل معين .
3-               جرى العمل في قضاء مجلس الدولة الفرنسي ، على أنه لا يستطيع الاستعانة بوسيلة الغرامة التهديدية لإجبار الإدارة على القيام بعمل أو الامتناع عنه ، الشيء الذي جعل الاجتهاد القضائي الإداري يضع حدا لهذا المبدأ في بعض المنازعات ، نظرا لطبيعتها ودور القاضي الإداري فيها .
وكذلك الحال في دعاوى القضاء الكامل فإنه ليس للقاضي أن يأمر الإدارة بأداء الحق أو التعويض المحكوم به لفائدة صاحبه ، إلا أنه يبقى هو الضامن للمشروعية في حالة انتهاكها من قبل الإدارة وهذا ما يجب المعاقبة عليه لأن الإدارة ليست شخصا عاديا ، لذلك من المهم أن البحث عن تقنيات تضمن التطبيق الحقيقي والفعال لسمو الدستور وضمان سيادة القانون ، فالإدارة أثناء مواجهتها لحكم أو قرار قضائي يجب أن تحترم مبدأ سلطة (قوة) الأمر المقضي به ، وبالتالي أي حكم قضائي نهائي صادر في مواجهة الإدارة يجب أن ينفذ ضمانا لهيبة القاضي الإداري ، لذلك يسود في المجتمع الديمقراطي مبدأ سيادة القانون ، وتكون أولوياته الأساسية حماية القضاء للمواطن .
فسلطة القاضي الإداري في ممارسته للرقابة على أعمال الإدارة وحثها على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها ، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق التصرف القضائي الذي يرتكز بالأساس على تبيان القاضي الإداري صاحب الحق ومنحه إياه ، بمقتضى حكم قضائي ، ينبني على سلطة تقرير القاضي بالفصل في النزاع مع إضفاء الصبغة أو الطابع التنفيذي على هذا التقرير ، لأنه بدون تنفيذ لأحكام القضاء الإداري يفقد القضاء هيبته وتفقد الدولة مشروعيتها ، مما يبين لنا أن هذين العنصرين ( التقرير والتنفيذ ) لهما ارتباط وثيق ببعضهما البعض .
وإذا كان مبدأ الحظر المفروض على القاضي الإداري، يحتم عليه عدم جواز توجيهه أوامر للإدارة وإجبارها على القيام بعمل أو الامتناع عنه، سواء تعلق الأمر بدعوى الإلغاء أو بدعاوى القضاء الكامل-الشامل.
ففي دعوى الإلغاء يبقى قاضي الإلغاء رهين ومقتصر على حد الحكم في الدعوى، إما برفض طلب إلغاء القرار الإداري المتجاوز في استعمال السلطة لكونه صدر مشروعا وغير متسم بأحد عيوب المشروعية - الداخلية أو الخارجية -، وإما الحكم بإلغاء القرار الإداري إذا كان  مشوب بأحد عيوب الشرعية ، مما يبين لنا أن سلطة قاضي الإلغاء تنحصر في الإلغاء فقط دون ترتيب الآثار القانونية من خلال توجيه قاضي الإلغاء أوامر للإدارة .
بينما في دعوى القضاء الكامل نجد أن دوره يقتصر فقط في الحكم بالتعويض لفائدة (المدعى) الشخص المتضرر ، كما يحدد مدى مشروعية تصرف الإدارة ، ولا تبقى له أي سلطة في إلزام الجهة الإدارية في حكمه بأداء التعويض المحكوم به أو تحديد طريقة تنفيذ هذا الحكم عن طريق توجيه أوامر للإدارة .
وحيث أنه طبقا للمبدأ التقليدي الذي ساد منذ زمن طويل بفرنسا و مصر والجزائر، والذي يحظر على القاضي الإداري توجيه أوامر صريحة للإدارة ، لكون أن وظيفة ومهمة القاضي الإداري تقتصر في ممارسته لوظيفته القضائية وليس الإدارية والتي تتمثل في إنزال وتطبيق حكم القانون ، ولا يجوز له الخروج على نطاق اختصاصاته والاعتداء على اختصاص جهة إدارية ما ، لأن القاضي الإداري ليس رجل إدارة وليس رئيسا تسلسليا لها .
وفي نفس السياق لا بد من الإشارة على أن مبدأ الحظر نشأ من خلال الخلفية التاريخية التي شهدتها فرنسا والتي مهدت إلى إنشاء القضاء الإداري الفرنسي ، ففي فترة قبل قيام الثورة الفرنسية كانت فرنسا تتميز بنظام قضائي موحد ، على اعتبار أن المحاكم البرلمانية هي الجهة المخول لها البث  في المنازعات المتعلقة بنشاطات الإدارة ، إلا أن الأمر لم يظل طويلا حتى قامت الثورة الفرنسية سنة 1789 والتي أطاحت بالنظام القديم وأنشأت محاكم جديدة بدل المحاكم البرلمانية، نتيجة خوف رجال الثورة من تدخل القضاء في شؤون الإدارة ، وكان هدفهم الأسمى هو الحد وتقييد سلطات القاضي الإداري ومنعه من كل تدخل أو عرقلة لعمل الإدارة ، وهذا ما تم تكريسه بصدور مجموعة من النصوص التشريعية .
وهذا الاحتدام أدى إلى بروز فكرة ''الفصل بين الهيئات الإدارية والقضائية'' ، وحقيقة هذه الفكرة ما هو إلا نتيجة التفسير الثوري والخاطئ لمبدأ الفصل بين السلطات .
كما لا يفوتنا أن نبرز دور الفقه الإداري الفرنسي والمصري على الخصوص، حيث انقسم الفقهاء بين مؤيدين لمبدأ الحظر هذا المفروض على القاضي الإداري ومنهم (لافريير la ferrière– دولوبادرAndrés de laubadere – فيدييل Videl  – سليمان الطماوي ... ) ، و فقهاء معارضين لهذا المبدأ منهم (الأستاذ جيز jéze – ريني شابي يس Rêne chapus... ).
وقد أبان مجلس الدولة الفرنسي في بداياته عن رفضه الصريح بتوجيه القاضي الإداري أوامر للإدارة كاستخدام التهديد المالي اتجاه هذه الأخيرة ، حيث اعتبره اعتداء على جهة الإدارة ، فضلا عن ذلك فهو ينهج سياسة حذرة في تطبيقه لهذا المبدأ،  ويعلن أنه لا يختص بتوجيه أوامر للإدارة دون أن يسبغ أو يضفي أي قيمة قانونية أو دستورية.
بينما القضاء الإداري المصري والذي سار على نفس منوال القضاء الإداري الفرنسي إلا أنه اختلف من حيث إضفاء القيمة القانونية والدستورية على مبدأ الحظر ، وهذا ما اعتبر في الحقيقة حدا لسلطة الاجتهاد الإبداع الذي يتميز بها القاضي الإداري في توجيهه أوامر للإدارة من أجل إجبارها على تنفيذ الأحكام الإدارية أو ترتيب الآثار القانونية لحكمه القضائي ، الشيء الذي يجعل أحكامه مفروغة من قيمتها و غير فعالة لأنه لا قضاء بدون تنفيذ .
أما القضاء الإداري المغربي والجزائري فالأمر مغاير نوعا ما على اعتبار أن المشرع الجزائري كان ينهج نفس منوال القضاء الإداري الفرنسي والمصري إلا أنه تدخل بمقتضى نصوص صريحة وهذا ما جعل النظام الجزائري يتميز بطابع خاص مقارنة بباقي الأنظمة الأخرى ، بحيث أنه منح للقاضي الإداري سلاحا فعالا يسمح له ببلورة اجتهاده ويمكنه من توجيه أوامر صريحة للإدارة من خلال قانون الإجراءات المدنية والإدارية رقم 08-09 الصادر بتاريخ 25 يناير 2008 في مواده من 978 إلى 989 ، وقد حدد هذا القانون، أنه بإمكان القاضي الإداري توجيه أوامر لجهة الإدارة في مجموعة من الحالات الاستثنائية والتي سبق وأن رأيناها .
أما بالنسبة للمغرب ، فلم يظهر هذا المبدأ إلا بمجيء سلطات الحماية الفرنسية سنة 1912 ، لكون أن النظام المغربي كان قائما بالأساس على قواعد الشريعة الإسلامية جعل من السلطان النواة والمرجع الذي تستمد منه الإدارة وبالتالي إصدار القضاة لأي أحكام تدين الإدارة  المغربية يعني بشكل غير مباشر إدانة السلطان لأن هذا الأخير هو الإدارة نفسها ، إلا أنه ليس هناك أي أسانيد قانونية لهذا المبدأ في التشريع المغربي الذي لم ينص على قانون ينظم موضوع سلطة القاضي الإداري في توجيه أوامر للإدارة أو استخدام أسلوب التهديد المالي ضد الإدارة لإجبارها على تنفيذ الأحكام الإدارية ، إلا أن هناك كاستثناء بعض النصوص القانونية التي تحظر على القضاء عرقلة عمل الإدارة والتدخل في شؤونها ، وذلك من خلال صدور ظهير التنظيم القضائي لسنة 1913 انطلاقا من فصله 8 الذي يحظر على المحاكم ويحرمها من أي تدخل في شؤون الإدارة ومراقبتها ، إلى أن هذا الفصل تم تعديله بعد صدور قانون المسطرة المدنية سنة 1974 ، بمقتضى المادة 25 من قانون المسطرة المدنية ، والمواد التي جرمت تدخل السلطة الإدارية في مجال السلطة القضائية من 237 و 238 و 239 من القانون الجنائي المغربي .
وبالتالي يظل مبدأ الفصل بين السلطات القضائية والإدارية وجهان متلازمان فمن جهة يعني استقلال القاضي عن الإدارة ، ومن جهة ثانية ، تعني استقلال الإدارة عن القضاء .



اقرأ المزيد

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016