تابعونا على الفيسبوك

Disqus

دور الدفع الإلكتروني (البطاقة البنكية نموذجا) في الحد من انتشار فيروس كوفيد 19المستجد

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

دور الدفع الإلكتروني (البطاقة البنكية نموذجا) في الحد من انتشار فيروس كوفيد 19المستجد


امراني علوي حافظ
باحث في العلوم القانونية




مقدمة
مع تغير الزمن شهد العالم تطورا تقنيا مهما بفضل الوسائل التكنولوجية الحديثة التي ساهمت في تقريب المسافات بين الشعوب بحيث أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة وتعتبر البطاقة البنكية إحدى أبرز الوسائل الحديثة التي تم ابتكارها من أجل سداد الديون فهي تقوم مقام الأوراق النقدية بين البائع والمشتري ، وقد عمد المشرع المغربي إلى تنظيمها في المادة 6 من القانون 103.12 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها[1] وتتجلى أهمية الموضوع الذي بين أيدينا في إطار التصدي لفيروس كورونا الذي بدئ ظهوره في مدينة ووهان بالصين نهاية شهر شتنبر سنة 2019 وشمل مختلف دول العالم باستثناء فئة قليلة ، ومع كل هذه التداعيات توقفت عجلة الاقتصاد وتم فرض حالة الطوارئ الصحية مخافة من انتشار فيروس كوفيد19 بحيث عمدة مجموعة من الشركات التجارية العالمية إلى العمل بواسطة الدفع الالكتروني بدل الأوراق النقدية عند اقتناء الزبناء للمنتوجات الضرورية للعيش بعد هذا التمهيد نكون أمام طرح إشكالية محورية : إلى أي مدى ساهم الدفع الإلكتروني في الحد من انتشار جائحة كوفيد19 ؟
وللإجابة عن هذه الإشكالية محل الدراسة ارتأينا تقسيم الموضوع إلى فقرتين:

الفقرة الأولى: مفهوم الدفع الإلكتروني (البطاقة البنكية نموذجا)
الفقرة الثانية: دور الدفع الإلكتروني في كبح انتشار وباء كورونا

الفقرة الأولى: مفهوم الدفع الإلكتروني (البطاقة البنكية نموذجا)
يمكن تعريف البطاقة البنكية من الناحية القانونية على أنها وسيلة من وسائل الدفع الالكتروني تقوم مقام النقود وهي ورقة تتضمن أمرا أو التزاما بالوفاء غير قابل للرجوع فيه من طرف الزبون صاحب البطاقة إلى المؤسسة المصدرة لها قصد القيام بتحويل مبلغ معين من حسابه إلى حساب التاجر المنخرط في نظام البطاقة البنكية أو أنها تعهد بمقتضاه يقوم مصدر البطاقة بفتح اعتماد معين لمصلحة شخص أخر[2] ، وقد عرف بعض الفقه أيضا البطاقة البنكية بأنها تعهد بمقتضاه يقوم مصدر البطاقة البنكية بفتح اعتماد معين لمصلحة شخص أخر هو حامل البطاقة الذي يستطيع بواسطتها الوفاء بمشترياته لدى المحلات التجارية التي ترتبط مع مصدر البطاقة بعقد تتعهد فيه بقبولها الوفاء لمشتريات حاملي البطائق الصادرة من الطرف الأول على أن تتم التسوية النهائية بعد كل مدة محددة[3] .
 أما من الناحية التقنية فيمكن تعريف البطاقة الالكترونية بأنها بطاقة صغيرة من البلاستيك تحمل بيانات خاصة بصاحبها وبالمؤسسة المصدرة، بالإضافة إلى البيانات غير الظاهرة التي توجد في الشريط المغناطيسي وذاكرة اصطناعية تضم جميع المعطيات التي تسمح بإجراء عمليات الأداء للتجار المنخرطين في نظام البطاقة أو القيام بسحب الأوراق النقدية من الشبابيك الأوتوماتيكية التابعة للمؤسسات المصدرة للبطاقة[4] .
وتجدر الإشارة إلى أن مصدر البطاقة البنكية هو المركز العالمي للبطاقة وهو المنظمة أو المؤسسة العالميّة المسؤولة عن إصدار بطاقات الائتمان والموافقة على عضوية المصارف في كافة أنحاء العالم، من أجل المشاركة في إصدار بطاقات الائتمان، ومن أشهر المراكز العالميّة المسؤولة عن إصدار بطاقات الائتمان منظمة فيزا Visa ومنظّمة ماستر كاردMaster Card [5] .  

الفقرة الثانية: دور الدفع الإلكتروني في كبح انتشار وباء كورونا
ساهمت وسائل الدفع الإلكتروني " البطاقة البنكية  نموذجا " بشكل فعال في الحد من انتشار وباء كورونا المستجد كوفيد19 حيث جاءت لتقدم حلا سريعا للأشخاص الذين يقطنون في مناطق ينتشر فيها الفيروس ودالك على اعتبار أن الناس لن يضطروا إلى التعامل مع بعضهم البعض بالأوراق النقدية، التي قد تكون موبوءة بالفايروس، فمخاوف انتشار الأوراق النقدية الموبوءة جعلت البنوك الصينية[6] على سبيل المثال تشرع في تعقيمها من خلال استخدام الأشعة فوق البنفسجية أو درجات الحرارة المرتفعة ثم تخزينها لفترة معينة قبل تعميمها للحرص على عدم احتوائها على أي من مخلفات الفيروس فمعظم الفئات العمرية الكبيرة في السن التي يتعذر عليها الخروج  بسبب المرض كاستثناء في حالة الطوارئ يلجؤون إلى اقتناء حاجياتهم الضرورية ودفع ثمنها بطريقة الكرتونية عبر الأنترنيت عن طريق وضع  القن السري الموجود في البطاقة المصرفية أو البنكية لإنجاز معاملاتهم المالية دون الحاجة إلى الأوراق النقدية ودون الحاجة إلى التنقل لجلبها بل تتيح لهم هذه المواقع الالكترونية خاصية  التوصيل إلى العنوان المطلوب وشهدت شركة أمازون الأمريكية إقبالا كبيرا على شراء المنتوجات الضرورية  المعروضة للبيع في متجرها حيث أكدت ذلك صحيفة arabic.cnn[7] في مقال لها على أن  تفشي فيروس كورونا تسبب في زيادة كبيرة على شركة أمازون في عمليات التسوق عبر الإنترنت، ما أثر على إمكانية الشركة العملاقة لمواكبة الطلب، ودفعها لإضافة 100 ألف وظيفة جديدة بدوام كامل وجزئي في الولايات المتحدة الأمريكية .
 وتكمن أهمية الدفع الإلكتروني في كون أن الناس لن تضطر إلى مغادرة مقر سكناهم بل سيقومون بعمليات شراء كل ما يحتاجونه إلكترونيا مثل الخدمات التي توفرها البطاقة البنكية بايبال لتسهيل عمليات الدفع الإلكتروني، وقد عمدت أيضا بعض الأسواق التجارية في المغرب إلى العمل بالدفع الالكتروني عن طريق البطاقة البنكية بدل النقود للوقاية من انتقال فيروس كوفيد19 .

خاتمة
ختاما يمكن القول على أنه في ظل كل هذه الاكراهات والتداعيات التي يعرفها العالم بسبب فيروس كورونا ظهرت وسائل الدفع الالكتروني والتكنولوجيا بصفة عامة، للتخفيف والحد من الأخطار الصحية التي خلفها انتشار وباء كوفيد19 حيث شكلت البطاقة البنكية قنطرة عبور للبشرية جمعاء من أجل اقتناء حاجياتهم الأساسية عبر الأنترنيت دون مغادرة منزلهم وتعريض حياتهم لخطر فيروس كورونا المستجد.

لائحة المراجع
o     الكتب:
* محمد مومن: " أحكام وسائل الأداء والائتمان في القانون المغربي " ، المطبعة والوراقة الوطنية ، مراكش ، الطبعة الأولى ، سنة 2013 ، ص : 462 .

v  نصوص قانونية:
* ظهير شريف رقم 1.14.193 ، صادر في فاتح ربيع الأول 1436(24 ديسمبر 2014 ) بتنفيذ القانون رقم 103.12 الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6328 ، بتاريخ فاتح ربيع الأخر 1436(22 يناير 2015) ، والمتعلق  بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.

*  مواقع الكترونية:
* مقال منشور في الموقع الالكتروني: www. mawdoo3.com  ، حول أنواع بطاقات الائتمان ، تم الدخول يوم 19/04/2020 ، على الساعة : 00:46 .
* مقال حول الدفع الالكتروني في ظل وباء كوفيد 19 ، منشور في الموقع الالكتروني : www.skynewsarabia.com ، تم الدخول في 19/04/2020 على الساعة 01:20 .
*  مقال منشور في الموقع الالكتروني: www.arabic.cnn.com ، تم الدخول في 19/04/2020 ، على الساعة 15:22 .



[1] ظهير شريف رقم 1.14.193 ، صادر في فاتح ربيع الأول 1436(24 ديسمبر 2014 ) بتنفيذ القانون رقم 103.12 الصادر في الجريدة الرسمية عدد 6328 ، بتاريخ فاتح ربيع الأخر 1436(22 يناير 2015) ، والمتعلق  بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها.
[2] محمد الشافعي: " بطاقات الأداء والائتمان بالمغرب " ، المطبعة والوراقة الوطنية ، مراكش ، سنة 2002 ، ص : 18 ، أورده الأستاذ محمد مومن في كتابه أحكام وسائل الأداء والائتمان في القانون المغربي الصادر سنة 2013 ، في الصفحة : 461 .
[3] فايز نعيم رضوان: " بطاقات الوفاء " ، مكتبة الجلاء بالمنصورة ، سنة 1990 ، ص : 9 ، أورده الأستاذ محمد مومن في كتابه أحكام وسائل الأداء والائتمان في القانون المغربي الصادر سنة 2013 ، في الصفحة : 461 .

[4] محمد مومن : " أحكام وسائل الأداء والائتمان في القانون المغربي " ، المطبعة والوراقة الوطنية ، مراكش ، الطبعة الأولى ، سنة 2013 ، ص : 462 .
[5]  مقال منشور في الموقع الالكتروني: www. mawdoo3.com  ، حول أنواع بطاقات الائتمان ، تم الدخول يوم 19/04/2020 ، على الساعة : 00:46 .
[6]  مقال حول الدفع الالكتروني في ظل وباء كوفيد 19 ، منشور في الموقع الالكتروني : www.skynewsarabia.com ، تم الدخول في 19/04/2020 على الساعة 01:20 .
[7]  مقال منشور في الموقع الالكتروني: www.arabic.cnn.com ، تم الدخول في 19/04/2020 ، على الساعة 15:22 .
اقرأ المزيد

0 التعليقات:

لا مصلحة وطنية في اعتماد مشروع القانون 22.20

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

لا مصلحة وطنية في اعتماد مشروع القانون 22.20



علال البصرواي
دكتور في الحقوق

صادق مجلس الحكومة في اجتماعه المنعقد بتاريخ 19 مارس 2020 على مشروع القانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، وأحالته على لجنة تقنية لاعتماد بعض الملاحظات.
وهو المشروع الذي يضيق مساحات الحرية في فضاءات وسائل التواصل الاجتماعي
وبعد مرور ازيد من شهر تسربت مسودة المشروع إلى الرأي العام الذي فوجئ بمضمونه. وهو اليوم محط نقاش واسع.
وإذ نشارك بهذا الرأي، فإن الأمر لا يتعلق بدراسة فقهية لمضامين المشروع، فذلك سابق لأوانه ونتمنى ألا نصل إليه، وإنما يتعلق الأمر ببعض الملاحظات والاستنتاجات العامة.
وهكذا يمكن ملاحظة أن:
أولا: أن الحكومة تعاملت بتكتم شديد في التعاطي مع المشروع فلا هي نشرته على بوابتها، ولا هي طرحته للنقاش العام، ولا حتى استشارت بشأنه المؤسسات ذات الصلة (حسب ما هو معلوم لحد الآن)، وعندما تم تسريب المسودة، بغض النظر عمن قام بذلك ومصلحته فيه، سارع بعض الوزراء وبعض الفعاليات القريبة منهم إلى تقديم بعض التبريرات والتأويلات التي لن تزيد الامر إلى تعقيدا.
ثانيا: ان القراءة الأولية لمسودة المشروع بما فيه مذكرته التقديمية تبين أنه تضمن مقتضيات وتفاصيل كثيرة، وأنه تم الاشتغال عليه على مهل، وذلك على خلاف بعض القوانين التي صدرت في السنوات الاخيرة مشوبة بكثير من العيوب وخاصة على مستوى صياغتها الركيكة.
وإذا أضفنا إلى ذلك كونه طرح لمصادقة مجلس الحكومة بتاريخ 19 مارس 2020 أي في المراحل الاولى لحالة الطوارئ الصحية، فإنه يبدو أن هذا المشروع قد هيئ منذ مدة ولكن كان ينتظر الفرصة المناسبة لتمريره، وحصل الاعتقاد بأن زمن كورونا هو الزمن المناسب لذلك لاعتبارات كثيرة.
ثالثا: علاقة بمسألة الزمن لا يبدو من الناحية القانونية أن هناك حاجة ملحة اليوم بالذات تدعو لتقنين التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي حتى يتم التسريع بالمشروع في هذه الظروف التي لا يجتمع فيها البرلمان بشكل عادي (فقط رؤساء الفرق والمجموعات وعضوين من كل فريق). ليس هناك داع للاستعجال لأن المقتضيات القانونية الموجودة كافية في هذه اللحظة للتعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة نشر الأخبار الزائفة، والدليل على ذلك محاكمة عدد من الاشخاص وإدانتهم على ما ارتكبوه، فالفراغ غير موجود، وحتى إذا وجد فإن من مهام القضاء سد ذلك الفراغ بتفسير النصوص وتأويلها طبقا لقواعد التفسير ومع احترام عدد من المبادئ المعروفة ( احترام مبدأ الشرعية، عدم التوسع، عدم القياس...) وهو ما تم اعتماده فعلا في هذه المرحلة علما أن هناك مشاريع قوانين مهمة موضوعة على الرف منذ سنوات (قانون المسطرة المدنية، قانون الدفع بعدم الدستورية...)
إذن ما الداعي إلى التسريع بالمشروع؟
إن الزمن الذي نعيشه ليس فقط زمن وباء كرونا، بل هو أيضا زمن الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية، وبالتالي فهو زمن الحملات والحملات المضادة لضرب المصالح السياسية والاقتصادية، والتي تبين أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب فيها دورا كبيرا، وانها يمكن أن تعتمد في لحظة معينة لقلب الموازين، ولاشك أن قراءة التجارب السابقة جعلت بعض الاطراف تتحسب للأمر فلجأت، مع الاسف لتعديل القانون، لسد هذا الباب وتهييئ المرحلة المقبلة بهدوء.
إذن في ضوء هذه الملاحظات الاولية يمكن أن نستنتج:
- أن اعتماد هذا المشروع بما تضمنه من تضييق على الحريات ومحاولة تنزيل مقتضياته، هو معاكس تماما لمضامين دستور 2011 وخاصة بابه الثاني المتعلق بالحريات والحقوق الاساسية، إذ ينبغي تعديل القوانين الموجودة واصدار قوانين جديدة توسع مساحة الحرية لتطابق أو على الاقل تقارب المساحة التي خلقها دستور 2011، وليس العكس.
- إن اللجوء إلى التجريم والعقاب في مجال الحريات بل واللجوء إلى القانون ككل للتعاطي مع قضايا مجتمعية حساسة لا يزيد الأمر إلى تعقيدا. وإن الدول التي انخفضت فيها نسب الجريمة بشكل كبير واغلقت كثيرا من السجون لم تعتمد التجريم والعقاب بل اعتمدت أكثر على سياسات عمومية وقائية تعيد الاعتبار للثقافة ونشر القيم عبر آليات ومؤسسات في مقدمتها المدرسة، إن كل ذلك لا يتم إلا في الفضاء الواسع للحريات.
- إن القانون، وهو اسمى تعبير عن ارادة الأمة، يلجأ إليه في الأصل للرقي بسلوك الافراد والسمو بمكانة الأمة، ولتقنين الصراع، وليس لتصفية الحسابات أو تدبير مرحلة ما. ولذلك فإنه يوضع بقواعد عامة ومجردة وملزمة للجميع، يوضع للناس كافة وليس لمصلحة هذا الشخص أو هذه الفئة، ويوضع بتمهل وروية وليس على عجل. ويستحب أن يوضع في ظروف عادية. ولذلك تتجنب الدول وضع القوانين في حالات الطوارئ والاضطرابات، وحتى تنظيم هذه الحالات يكون قبل حصولها.
- لا توجد مصلحة وطنية في إخراج هذا المشروع في هذه الظرفية المتسمة بإجماع مهم بين مكونات الشعب ومؤسسات الدولة حول منهجية مواجهة الوباء الذي لم تستطع الصمود أمامه دول أخرى كثيرة وكبيرة، وان طرح المشروع قد يحرف الاهتمام ويخلق الفرقة ويصرف الناس عن متابعة الاهتمام بمواجهة الوباء. وإن طرحه قد يوحي بأن هناك من يريد استغلال الظرفية.
كما أنه قد يمس بمنسوب الاحترام الذي حظي به المغرب دوليا في منهجية تعاطيه مع وباء كرونا، أو في قضايا دولية اخرى بذل مجهودا كبيرا فيها.
- وإن كان من المثير في هذا المشروع ان مذكرته التقديمية نصت على أنه يأتي لملاءمة المغرب قوانينه الوطنية مع المعايير والترسانة الدولية !!-
إذن من خلال هذه الملاحظات وغيرها يبدو أنه لا مصلحة وطنية في اعتماد هذا المشروع لا في الآن ولا في المستقبل، وإن التعاطي مع ما يتداول في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة ما تعلق بحماية الحياة الخاصة والاخبار الزائفة يمكن تنظيمه لاحقا وفي الظروف المجتمعية العادية.

اقرأ المزيد

0 التعليقات:

الكمامة الواقية وإشكالية التكييف الجنائي دراسة تحليلية لمقتضيات زجرية بنصوص متفرقة

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الكمامة الواقية وإشكالية التكييف الجنائي
دراسة تحليلية لمقتضيات زجرية  بنصوص متفرقة



   *منعم سجورة

لا أحد ينكر اليوم أن الكمامة أضحت عنوانا ورمزا لوباء كوفيد-19، فارتداء الكمامة أضحى ضرورة ملحة لمنع تفشي عدوى فيروس كورونا المستجد خصوصا في ظل إجماع كافة الباحثين في المجال الطبي على قابلية انتقاله عن طريق الرذاذ  الناتج عن العطس أو السعال، لكن إذا كانت الدول قد دأبت على تأمين احتياجاتها  بسهولة عن طريق الإستيراد فإن الأمر مختلف اليوم، فالتفشي السريع لهذا الوباء الفتاك وارتفاع عدد  الإصابات أدى إلى نشوب صراعات وتطاحنات بين مجموعة من الدول الراغبة في توفير أكبر كمية من الأقنعة الواقية لمواطنيها ضاربة في سبيل تحقيق ذلك عرض الحائط كافة قواعد التعاون الدولي، والتي ما فتئت منظمة الصحة العالمية تدعو لضرورة الإلتزام بها مع وضع كافة الخلافات السياسية  الاقتصادية جانبا لغاية تحقيق الهدف المنشود والمتمثل في القضاء على هاته الجائحة، فالأكيد أن أزمة كورونا ستكون فرصة  للعديد من الدول من أجل مراجعة أوراقها بخصوص الإعتماد  الدائم على الأسواق الخارجية، فالتجربة أتبتث الآن أن الوحدة الأساسية في الإقتصاد العالمي تبقى  هي الدولة التي عليها أن تؤمّن ما تستطيع من احتياجات بالاعتماد على نفسها لأن الخارج غير مضمون.
وفي هذا السياق وتماشيا مع توصيات منظمة الصحة العالمية، فقد عمل المغرب وسعيا منه في الحد من انتشار هذا الفيروس  القاتل على فرض وضع الكمامات الواقية بالنسبة لجميع الأشخاص المسموح لهم بمغادرة منزلهم عند توافر أحد حالات الضرورة القصوى المحددة قانونا،  تحت طائلة توقيع عقوبة حبسية ومالية على كل مخالف لذلك.   
وعليه فإن إلزام الأشخاص  بارتداء الكمامة الواقية،  فرض على الدولة إعمال كافة الآليات والتدابير الكفيلة بتزويد السوق المحلية بكميات كافية تلبي الحاجيات الإستهلاكية للمواطنين ودون إهمال لطابع الجودة والسلامة اللذين من المفروض أن تتسم بهما هذه المادة التي أضحت لقريب حيوية وأساسية لضمان السير العادي للمجتمع، مع الأخذ بعين الإعتبار القدرة الشرائية للمواطنين من خلال تحديد سعر معقول للكمامة، كل هاته الأمور تجاوبت معها الحكومة بشكل سريع بدءا بإشراك جملة من الفاعلين  الإقتصاديين  بما في ذلك المقاولات الصغرى و المتوسطة من خلال إدماجهم ببرنامج "امتياز تكنولوجيا كوفيد-19"، والذي تشرف عليه وزارة الصناعة و التجارة والإقتصاد الأخضر الرقمي بغية رفع نسق تصنيع مختلف مستلزمات مواجهة هذه الجائحة بما في ذلك الكمامات الواقية، مع ضرورة مطابقة هذا المنتوج مع معايير المعهد المغربي للتقييس "إيمانور"، إذ صدر في هذا الإطار  قرار لوزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي تحث رقم 1060-20، والذي تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 8 أبريل 2020، والذي حدد مميزات الكمامة الواقية المصنوعة من الثوب غير المنسوج ذات الإستعمال غير الطبي  والمعلومات المتعلقة باستعمالها، وكذا التدابير التي تمكن من ضمان تعقبها وتقييم مطابقتها لمتطلبات السلامة المطبقة عليها، أما بخصوص السعر المتعلق بالكمامة فإنه صدر في هذا الإطار قرار لوزير الإقتصادية والمالية و إصلاح الإدارة رقم 1057.20 بتاريخ 6 أبريل 2020، والذي حدد سعر بيع الكمامة للعموم في 0.80 سنتيم للوحدة مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة، غير أن كل هذه المجهودات المبذولة من قبل الدولة تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة والرامية للحد من تفشي هذا الوباء القاتل قد تتلاشى في مهب الرياح، إذا افتقدت هذه النصوص القانونية المنظمة للكمامة الواقية لطابع الإلزام والذي يعد من أهم خصائص القاعدة القانونية.
وعليه فمسألة مقاربة الكمامة الواقية بالمقتضيات  الزجرية ليس بالأمر البسيط، ذلك أن ما يمكن أن نجزم فيه هو أن الكمامة الواقية لا يمكن أن تكون حبيسة التجريم و العقاب  من خلال نص واحد،  فالباحث  القانوني عموما والممارس خصوصا عند محاولته تكييف  بعض الأفعال المرتبطة بالكمامة الواقية فإنه سيجد نفسه يخوض في دراسة العديد من المقتضيات الزجرية، والتي جاءت في نصوص قانونية خاصة ومتفرقة، والتي من شأنها أن تجد محلا للتطبيق بخصوص الكمامة الواقية.
وأود أن أشير قبل الشروع في تحليل الموضوع أن دراستنا تقتصر على الكمامة الواقية، أي تلك الكمامة  المصنوعة من الثوب غير المنسوج ذات الإستعمال غير الطبي المستجيبة  لمعايير المواصفة المغربي NMST21.5.200، والتي عرفتها المادة الثانية من القرار رقم 1060.20، بكونها أداة مصنوعة من الثوب غير المنسوج، تغطي الفم و الأنف والذقن وتشكل حاجزا يمكن من الحد، قدر الإمكان، من الإنتقال المباشر للأمراض المعدية.
من هنا فإننا سنحاول التطرق لأهم المقتضيات الزجرية الواردة على الكمامة الواقية، والتي لها ارتباط وثيق بالمقتضيات الصادرة عن السلطات العمومية بمناسبة تنظيم أحكامها، وذلك من خلال بعض النصوص الخاصة والمتفرقة.      
-الكمامة و المرسومي  بقانون رقم 2.20.292 و2.20.293 :
تماشيا مع توصيات منظمة الصحة العالمية بشأن محاربة تفشي وباء كورونا المستجد  والمتعلقة أساسا بضرورة تكثيف إجراءات السلامة، والتي تفرض ضرورة ارتداء الكمامة الواقبة لحظة مغادرة المنازل، ففد كان لزاما على المغرب باعتباره عضوا فعالا في إعمال الإتفاقيات الدولية والتعهد بتنفيذ مقتضياتها من مبادئ وحقوق وواجبات، أن يجسد ذلك واقعيا من خلال نصوص قانونية لا تخلو من طابع الإلزام  ومحترمة لمبدأ الشرعية، باعتباره ضمانة أساسية في مسلسل تحقيق الأمن القانوني والقضائي.
وهكذا نجد أن الحكومة قد قررت من خلال بلاغ مشترك لوزارات الداخلية، والصحة، والاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، والصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي العمل بإجبارية الكمامة الواقية بالنسبة لجميع الأشخاص المسموح لهم بالتنقل خارج مقرات السكن في الحالات الاستثنائية المقررة سلفا، تحت طائلة تعريض المخالف للعقوبة الواردة بالمادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 2.20.292 والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والذي ينص على عقوبة "الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد.
كما أصدرت رئاسة النيابة العامة دورية بتاريخ 7 أبريل 2020 تشير إلى مقتضيات المرسوم بقانون رقم 2.20.292 و تؤكد بأن “عدم حمل الكمامة الواقية” من طرف الأشخاص المسموح لهم بمغادرة مساكنهم لأسباب خاصة، يشكل جنحة يعاقب عليها بمقتضى المادة الرابعة من المرسوم بقانون سالف الذكر، كما اعتبرت نفس الدورية بأن عدم وضع الكمامة الواقية يعتبر جنحة منفصلة عن جنحة خرق تدابير الحجر الصحي.
من هنا يمكننا طرح سؤال جوهري متعلق بماهية حدود احترام المشروعية والشرعية لقرار إجبارية ارتداء الكمامة الواقية؟ والذي سنحاول الإجابة عليه كالآتي: 
بخصوص مبدأ المشروعية:
من المعلوم فقها وقانونا أن هذا المبدأ يعد رهانا أساسيا لضمان سيادة القانون، إذ أن كافة الإجرءات والقوانين الصادرة عن السلطة التشريعية أوالتنفيذية لا يمكن أن تكون صحيحة ونافذة وملزمة في مواجهة المخاطبين بها، إلا إذا صدرت بناء على القوانين وطبقا له، بحيث إذا صدرت على غير هذا النحو  فإنها تكون غير مشروعة.
وبناء على هذا المعطى فإنه بالرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة الثالثة من المرسوم بقانون  رقم 2.20.293 والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، نجد أنه يخول للحكومة حق اتخاذ مراسيم أو مقررات تنظيمية أو إدارية بواسطة مناشير أو بلاغات من أجل التدخل الفوري و العاجل  للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية ببلادنا وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم.
وعليه فإن إجبارية الكمامة الواقية جاء بناء على توصية وزارة الصحة، والتي تفاعلت معها القطاعات الحكومية (وزارة الداخلية، وزارة الصحة، وزارة الإقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، وزارة الصناعة و الإستثمار  والتجارة والاقتصاد الرقمي)، بشكل إيجابي  من خلال ترجمة هذه التوصية في بلاغ رسمي، وذلك في احترام تام لمبدأ المشروعية.
بخصوص مبدأ الشرعية:
إذ نجد أن السلطات الحكومية  المعنية نصت من خلال بلاغها  على  وضع الكمامة معتبرة إياه  واجب و إجباري، بحيث كل مخالف لذلك يتعرض لعقوبة حبسية من شهر إلى ثلاثة أشهر و بغرامة تتراوح بين 300 و 1300 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين في إشارة للمقتضيات القانونية الواردة في المرسوم بقانون  رقم 2.20.292 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020، والمتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراءات الإعلان عنها ، وهو الشي الذي تم التأكيد عليه من خلال  دورية رئاسة النيابة العامة التي  سبق أن أشرنا لها.
فالثابت من خلال القراءة الأولية لمضمون كل من البلاغ الحكومي ودورية رئاسة النيابة العامة، أن أساس توقيع العقوبة على عدم ارتداء الكمامة الواقية يجد سنده بالمادة الرابعة من مرسوم بقانون 2.20.292 ، غير أنه بالإطلاع على المادة المذكورة قد يطرح تساؤلا بخصوص مدى قدرة هذه الأخيرة على استيعاب تجريم فعل لم يكن في الحسبان أثناء وضع مرسوم بقانون  2.20.292 ؟ إذ لا يمكن القول أن المادة الرابعة جاءت عامة، إذ لم تحدد تجريم عدم ارتداء الكمامة بشكل صريح،  وألا يشكل هذا تعارضا مع مبدأ النصية؟
نقول بخصوص التساؤل الأول أن المشرع لما وضع المرسوم بقانون 2.20.292   وضع بين نصب عينيه إمكانية تفاقم الحالة الوبائية ببلادنا، ولا خير دليل على ذلك هي مقتضيات المادة الثالثة من المرسوم بقانون السالف الذكر،  والتي أعطت  للحكومة تفويضا عاما باتخاذ كافة التدابير التي تتناسب مع الوضعية الراهنة بخصوص تفشي فيروس كورونا المستجد ، وما يؤكد هذا الطرح هي مقتضيات المادة الخامسة و التي سمحت للحكومة أيضا  باتخاذ أي إجراء ذا طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي بإمكانه الإسهام في التخفيف من الآثار السلبية لحالة الطوارئ الصحية.
وعليه فإن مسألة تجريم الكمامة فرضتها ظروف الحال وتم تأسيسها على أسس قانونية محترمة للمشروعية.
أما بخصوص التساؤل الثاني  فإننا نؤكد ونقول أن القاعدة الجنائية في صورتها المثلى تتضمن عنصري التجريم والعقاب، واللذين يرتبطا بعلاقة منطقية وزمنية، ذلك أن التجريم يستتبع منطقيا الجزاء كوسيلة لاحترام النصوص، غير أنه في بعض الأحيان فإن شقي القاعدة الجنائية قد لا يتواجدان في نفس الوقت فيطلق على هذه الحالة الفقه المصري تسمية {القاعدة الجنائية على بياض}، والتي يحدد فيها المشرع الجزاء دون تخصيص للجريمة، وهو ما ينطبق على المادة الرابعة من مرسوم بقانون 2.20.292،   إذ نجد أن المشرع حدد العقوبة دون تخصيص للفعل الجرمي المتعلق بعدم ارتداء الكمامة، بل جاء النص عاما من خلال عبارة {عدم التقيد بالأوامر والقرارات}،  غير أن هذه التقنية من التشريع الجنائي تبقى محمودة، إذ أنها تمكن من تعقب الأحداث والتطورات التي قد يعرفها المجتمع بسب متغير خطير كما هو الحال عليه  الوضع ببلادنا بسبب تفشي هذا الوباء،  الشيء الذي يجعل المادة الرابعة محترمة لمبدأ الشرعية بالرغم من  اختلاف النهج التشريعي المعتمد فيها ، كما أن مسألة اعتبار عدم ارتداء الكمامة جنحة منفصلة حسب دورية النيابة العامة فإنها تبقى مستندة على أسس سليمة، وسندنا في ذلك أن النص التجريمي المتعلق بخرق حالة الطوارئ جاء منفصلا عن النص  المجرم لعدم ارتداء الكمامة، إذ نجد أن المادة الثانية من المرسوم بقانون 2.20.293   تحدد التدابير المتخذة من قبل السلطات العمومية أثناء حالة الطوارئ،  والتي بمجرد خرقها يطبق الجزاء الوارد بالمادة الرابعة من المرسوم بقانون 2.20.292،   وهذا بخلاف جنحة عدم ارتداء الكمامة و التي يبقى النص التجريمي المتعلق بها قد جاء استنادا للبلاغ الحكومي.  
وقبل أن نختم في  هذا الإطار  نشير أن المادة الرابعة تضمنت تلاث أفعال مستقلة ومشكلة  للركن المادي إذ بتوافر أحدها تعتبر الجنحة قائمة وهم:
(عدم التقيد/ و العرقلة / و التحريض) كما وردت بتفس المادة عبارة "دون الإخلال بالمقتضيات الجنائية الأشد" الشيء يؤكد أن عدم الإمتثال لقرارات أو  أوامر  السلطات  العامة قد يعرض مرتكبها لعقوبات أشد، ومن هذا المنطلق سنعرج على نصوص قانونية جاءت بمقتضيات زجرية أشد بخصوص مخالفة قرارات السلطات العمومية بشأن تنظيم الكمامة الواقية.
٠الكمامة الواقية وقانون سلامة المنتوجات و الخدمات:
بالرجوع لمقتضيات المواد 4و5و7و8من قرار وزير الصناعة و التجارة والاقتصاد الأخضر الرقمي رقم 1060.20  الصادر ب 8 أبريل 2020  والمتعلق بالكمامات الواقية المصنوعة من الثوب غير المنسوج ذات الإستعمال غير الطبي.
فإننا نجد أن  المشرع قد نص على ضرورة الإلتزام  بمجموعة من  الضوابط  الرامية لحماية المستعمل باعتباره الحلقة الأساسية في مسلسل نجاح مشروع محاربة  فيروس كورونا المستجد، وذلك  من خلال عدم عرض المنتوج دون التأكد من استجابته لمتطلبات السلامة قبل عرضه في السوق، بدءا بالتأكد من كون أن الكمامة الواقية تم تصنيعها من مادة بولي بروبلين وتميزها بالخصائص التي تسمح باستعمالها في ظروف عادية، وذلك على النحو الذي تطلبته المادة الرابعة من القرار السالف الذكر. ومرورا بتتبع المنتوج لا سيما خلال مراحل  الإنتاج والتخزين والمناولة والتوضيب والنقل حسب ما جاءت به المادة الخامسة من القرار، ووصولا إلى تحديد طريقة العرض من خلال المادة السابعة، قبل أن يختم المشرع  من خلال المادة الثامنة من القرار بمنع العرض دون الحصول على شهادة المطابقة المسلمة من قبل المعهد المغربي للتقييس أو من قبل هيئة تناط بها هذه المهمة استنادا للمادة 20 من قانون سلامة المنتجات والخدمات، هذه الأخيرة التي اشترطت  أن تكون هذه الهيئة معتمدة من قبل الإدارة، وهو الأمر الذي جسدته فعليا اللجنة  الوطنية للشهادة بالمطابقة، التي تتشكل من وزارات الصحة، والداخلية، والصناعة، إضافة إلى المراكز التقنية والمهنية، والتي تقوم يإنجاز تقارير متعلقة بمدى مطابقة الكمامة للمواصفات المطلوبة.   
فالواضح إذن  من خلال هذه المواد الواردة بالقرار المذكور، أن نية المشرع انصرفت إلى الإحاطة بكافة المراحل التي تقطعها الكمامة وصولا للمستعمل محددا بذلك ضوابط ملزمة لا يجوز مخالفتها تحث طائلة توقيع الجزاء.
وعليه فإن العقوبة الواردة بالمادة الرابعة من المرسوم بقانون 2.20.292  لا يمكن تطبيقها  عند عدم احترام قواعد السلامة المتعلقة بعرض الكمامة مادام أن هناك مقتضيات جنائية أشد، وهي تلك الواردة بالفصل 51 من قانون حماية سلامة المنتوجات والخدمات والتي:(تعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين و بالغرامة من خمسين ألفا إلى مليون درهم أو إحدى هاتين العقوبتين:
- كل من يعرض في السوق منتوجات أو خدمات يعلم أنها غير مطابقة للإلتزام العام بالسلامة  المنصوص عليه في هذا القسم.
-يصنع أو يستورد أو يعرض في السوق منتوجا أو خدمة لا تتقيد بالشروط المحددة في نص تنظيمي أو في نظام خاص متخد تطبيقا للمادة 9 أعلاه...).
الكمامة وقانون حرية الأسعار والمنافسة:
كشفت الظرفية التي تمر منها بلادنا على العديد من  الممارسات والسلوكيات اللاأخلاقية الهادفة لزعزعة سوق الكمامات، خصوصا من خلال استغلال نقصها و حاجة المواطنين لها للوقاية من فيروس كورونا المستجد، وذلك من خلال شراء كميات وافرة  من الأقنعة الواقية وتخزينها بهدف القيام بمضاربات بخصوص سعرها، والذي تم تحديده  سلفا من قبل السلطات العمومية في 80 سنتيم كسعر أقصى، إذ صدر في هذا الإطار قرار لوزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة رقم 1057.20  الصادر في 6   أبريل 2020   والمتعلق باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أسعار الكمامات الواقية، والذي نصت مادته الأولى على مايلي: "تنظم لفترة مؤقتة تحدد في ستة أشهر   (06)أسعار البيع بالتقسيط للكمامات الواقية الغير منسوجة الموجهة للإستعمالات الغير طبية التي تستجيب لمعايير المواصفة المغربية NMST21.5.200،  كما نصت  مادته الثانية على مايلي "يحدد سعر البيع للعموم للكمامات المذكورة في المادة الأولى أعلاه في 0,80 سنتيم ".   
فالواضح باستقراء هذين النصين أن  المشرع حدد السعر الأقصى للكمامة الواقية، الشيء الذي يدل بما لا يطرح مجالا للشك أن مجال التجريم  ينصرف للبيع بثمن غير ذلك المحدد بموجب القرار سواء من خلال رفع السعر أو تخفيضه، إذ يرى في هذا الإطار العديد من الباحثين في المجال القانوني أن البيع بسعر أقل لا يعد فعلا مجرما ما دام أن المشرع حدد السعر الأقصى دون الأدنى مستدلين في ذلك بقاعدة عدم جواز التوسع في النص الجنائي، غير أنه في نظرنا فإن هذا الطرح يبقى محل نظر لاعتبارين قانونيين، الأول يتعلق بتحديد السعر بشكل دقيق من قبل المشرع، والثاني يتعلق برغبة المشرع من خلال هذا التحديد  في حفظ السير العادي للسوق.
فإذا كان العديد يرى أن العقوبة المزمع تطبيقها على كل من خالف مقتضيات هذا القرار المتعلق بتحديد سعر الكمامة تبقى تلك المنصوص عليها بالمادة الرابعة من مرسوم بقانون 2.20.293،  فإنه من وجهة نظرنا أنه لا مجال لتطبيقها في ظل وجود نصوص تتضمن مقتضيات جنائية أشد، وهنا نتحدث عن المادة 76   من قانون حرية الأسعار والمنافسة والتي جاء فيها مايلي:  "يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين و بغرامة من  عشرة آلاف درهم 10.000 إلى خمسمائة ألف درهم 500.000   درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من افتعل أو حاول افتعال رفع أو تخفيض سعر سلع أو خدمات أو سندات عامة أو خاصة، باستعمال أي وسيلة كانت لنشر معلومات كاذبة أو افتراءات بتقديم عروض بالسوق قصد الإخلال بسير الأسعار أو عروض مزايدة في الأسعار التي طلبها الباعة أو  بًاستخدام أي وسيلة أخرى من وسائل التدليس.    
عندما يتعلق رفع أو تخفيض الأسعار المفتعل بالمواد الغذائية أو الحبوب أو الدقيق أو المواد الطحينية أو المشروبات أو العقاقير الطبية أو الوقود أو السماد التجاري، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات و بغرامة لا يزيد مبلغها عن ثمانمائة ألف درهم 800.000 درهم.  
يمكن أن ترفع مدة الحبس إلى خمس سنوات و الغرامة إلى مليون درهم 1.000.000.  درهم إذا تعلقت المضاربة بمواد غدائية أو بضائع لا تدخل في الممارسة الإعتيادية للمخالف."  
فالثابت من خلال استقراء هذا النص أن المشرع عمل على تجريم كافة الأفعال التي يكون الهدف منها الإخلال بالسير العادي للسوق،  خصوصا في ظل تنظيم أسعار هذا الأخير بموجب القرار رقم 1057.20 ، فالواضح جليا أن هذه الأفعال لا يمكن أن تكون محلا للتجريم و المساءلة في ظل انتفاء القصد الجنائي الخاص و المتمثل في الإخلال بسير الأسعار أو عروض مزايدة الأسعار، كما يلاحظ أن المشرع لم يحدد الوسائل التي يمكن للفاعل الإستعانة بها من أجل تنفيذ فعله الإجرامي على سبيل الحصر، و إنما على سبيل المثال فاسحا بذلك المجال  أمام  ما يمكن أن تكشفه الأيام من تطورات تكنولوجية بخصوص آليات  التسويق.   
وكملاحظة بخصوص الفقرة الأخيرة من هذا النص فإن مسألة زعزعة السوق من خلال الرفع أو الخفض من الأسعار المحددة، قد يكون محل ارتكابها ممن  له صلاحية القيام بذلك من خلال سلوكه المساطر الجارية في هذا الإطار أو من خلال الممارسة الإعتيادية ولعل المشرع يقصد  بذلك مقتضيات المادة السادسة من مدونة التجارة، أما إن كان مرتكبها لا يمارس نشاط بيع بضائع لا تدخل في نطاق ممارسته الإعتيادية، فإنه يضحى أمام ظرف مشدد تصل معه العقوبة إلى خمس سنوات.  

الكمامة الواقية وقانون زجر الغش في البضائع:
إذا كان المستهلك في حاجة دائمة للحماية فإن حاجته إليها اليوم قد تعاظمت بفعل الحالة الوبائية التي تعرفها بلادنا، والتي تتطلب  تمكينه من منتوج  سليم محترم للخصائص الجوهرية المتعلقة بالمحتوى والتركيبة بعيدا عن الغش.
وعليه فإذا كانت الكمامة تعتبر من أبرز التدابير الإحترازية التي تلح الدولة على ضرورة التقيد بها من خلال ارتدائها  استنادا لتوصيات منظمة الصحة العالمية، فإن هذا الدور الوقائي للكمامة قد يضحى مهدورا في ظل عدم توفر هذه الأخيرة على المواصفات  والخصائص المتطلبة لا سواء من حيث المميزات التقنية أو الخصائص المميزة لها  بموجب قرار  وزير الصناعة و التجارة والإقتصاد الأخضر و الرقمي 1060.20 و القرار الملحق به.
وعليه فإن تطبيق المقتضيات الزجرية الواردة بقانون زجر الغش في البضائع  تجد لها سندا من حيث إمكانية تطبيقها  على مرتكب الغش في الخصائص الجوهرية للكمامة  مادامت تتضمن عقوبة جنائية أشد، إذ نصت المادة الرابعة على مايلي: " تطبق العقوبات المنصوص عليها في الفصل الأول على كل من خادع المتعاقد أو حاول خداعه :
-في ماهية البضائع و خصائصها الجوهرية و تركيبتها و محتواها من العناصر المفيدة؛....".
وبالرجوع للفصل الأول فإننا نجده قد نص على عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات و بغرامة من ألف ومائتي درهم إلى أربعة و عشرين ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.
غير  أن عدد من الباحثين والممارسين في المجال القانوني يرون عدم إمكانية تطبيق المقتضيات الزجرية الواردة بالمادة الرابعة  من قانون زجر الغش في البضائع اعتبارا  لكون أن الكمامة لا تعتبر بضاعة  بحسب ما ورد بالمادة الخامسة من القانون السالف الذكر  والتي جاء فيها:
" تطبق العقوبات المنصوص عليه في الفصل الأول على: 

1- كل من زيف مواد غدائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان أو مواد مستعملة للمداواة أو مشروبات أو منتجات فلاحية أو طبيعية معدة للبيع أو التوزيع؛ ......".
وعليه فالكمامة الواقية  لا تدخل ضمن هذه الزمرة وبالتالي لا يمكن  أن تكون محلا للغش بمفهوم قانون زجر الغش في البضائع.
لكن من وجهة نطرنا أن هذا الطرح مجانب للصواب لاعتبارين أساسيين، أولهما أن المشرع لم يحدد مفهوم البضاعة بشكل دقيق  و الثاني أن  الأفعال المشكلة للجريمة  الواردة بالمادة الرابعة من قانون زجر الغش تبقى مستقلة عن  تلك الواردة بالمادة الخامسة.
وعليه فإن الكمامة يمكن أن تكون محلا لتطبيق العقوبة الواردة بالمادة الرابعة من قانون زجر الغش في البضائع.
وختاما نود أن نقول  أننا حاولنا من خلال هذا المقال أن نتطرق  لأهم الجرائم التي يمكن أن تصادف تطبيق قرارات السلطة العمومية بخصوص الكمامة الواقية  والتي تتصل  بها بشكل وثيق،  بيد أن هذا لا ينفي عنا القول بأن الكمامة الواقية يمكن أن تكون محلا لتطبيق العديد من المقتضيات الزجرية  المتعلقة ببعض الجرائم الواردة بالقسم الجنائي الخاص كجريمتي النصب و التزوير مثلا، أو بعض  المقتضيات الزجرية الواردة ببعض النصوص الخاصة  الأخرى كمدونة الجمارك مثلا، فمسألة التكييف لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجرد من الوقائع باعتبارها ملاذها الأخير.   
* باحث في العلوم القانونية
 

اقرأ المزيد

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016