تكييف التزامات الموثق على ضوء القانون 32.09 ودورها في حماية حقوق الزبناء المتعاقدين
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تكييف التزامات الموثق على
ضوء
القانون
32.09
ودورها
في
حماية
حقوق
الزبناء
المتعاقدين
عبدالخالق الناجي
باحث بسلك الدكتوراه
القانون الخاص بكلية الحقوق بفاس
مقدمة
سعيا منه ومواكبة
التطورات الذي يشهدها المغرب في السنوات الأخيرة وفي جميع المجالات لاسيما المتعلقة منها بكافة المعاملات
المدنية والتجارية والعقارية بشكل خاص، عمل المشرع على تحديث منظومته القانونية سيرا
وهذا التطور الحاصل وما إخراج قانون التوثيق الجديد32.09 إلا لخير دليل على ذلك
خصوصا وللدور الذي أنيط بالموثق في حفظ حقوق المتعاقدين وضمان استقرار معاملاتهم، بفعل
الخدمة الجيدة والصبغة الرسمية التي يضفيها على تعاقداتهم وتوفيره عدالة وقائية
للعقد التوثيقي، هدفها تحقيق امن توثيقي تعاقدي للمتعاقدين وتوقي حدوث النزاع حول حقوقهم
حاضرا ومستقبلا أمام العدالة الرسمية، وتعزيز ثقة هؤلاء في العقد الرسمي وما يوفره
من ضمانات في تنمية تعاملاتهم بل وهدفا في تنمية الاستثمارات سواء منها الوطنية او
الأجنبية[1].
إن تحقيق الموثق
لهذه الأهداف من رسمية للعقود وإنشاء عقد فاعل يحقق أحسن النتائج، رهين بمدى احترام الموثق لالتزاماته المهنية
القانونية والعقدية عند تحريره للعقود وعلى طول مراحل إنشائه بدءا من تلقيها وأثناء
تحريرها وصولا إلى ما بعد تحريرها وإعطائها الصبغة الرسمية .
ومن المعلوم أن
الالتزامات المهنية للموثق والالتزام بصفة عامة في ميدان المعاملات هو تلك الرابطة
القانونية التي تجمع بين شخصين احدهما دائن والأخر مدين في إحداث اثر قانوني يرتب
على المدين تجاه الدائن التزاما بنقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عن
القيام بعمل، هذه الالتزامات التي عمل الفقه على تقسيمها إلى عدة أنواع لتبقى من أهم
تقسيماتها تلك المتعلقة بالالتزام بتحقيق نتيجة والذي يتمثل في التزام المدين
بتحقيق الغاية سواء بدل العناية اللازمة أو لم يبدلها مع إلزامه بأداء التعويض
مالم يثبت السبب الأجنبي الذي حال دون تحقيق النتيجة،أو الالتزام بوسيلة ويعني ذلك
الالتزام الذي يبدل فيه المدين كل جهده سواء تحققت النتيجة أم لا وذلك بحسب طبيعة
الجهد المتفق عليه أو الذي يستلزمه القانون أو بحسب طبيعة المعاملة،[2]وهو ما
ينطبق على عمل الموثق الذي تتعدد التزاماته العقدية القانونية والمهنية نتيجة
للخدمة التوثيقية التي يقدمها للزبناء وفي تهييئ عقد رسمي يحقق أحسن النتائج
لتعاملاتهم.
لكن برجوعنا إلى
التزامات الموثق نجد قانون التوثيق رقم 32.09، أناطه بعديد الالتزامات سواء قبل أو
أثناء أو بعد تحريره للاتفاقات، وعلى طول المراحل التي يمر منها العقد التوثيقي
تتعدد التزاماته فتكون أحيانا التزاماته مجرد وسيلة، وفي أحيان أخرى تكون
التزاماته تحقيق نتيجة للمتعاقدين،
التزامات تدور بين التزامه التعاقدي على اثر الخدمة التي يقدمها للأطراف وبين
التزاماته القانونية في توفير امن توثيقي لعقود الأطراف، والقول بالتداخل في
التزامات الموثق بين الوسيلة والنتيجة هو ما يطرح صعوبة تكييف التزاماته، هل تجمع
بين الالتزامين أم تقتصر على تحقيقه للنتيجة أم مجرد وسيلة لتحقيق نتيجة للعقد
التوثيقي؟.
إن الصعوبة في
تكييف الالتزامات المهنية للموثق تجاه العقد والأطراف المتعاقدة نتيجة تداخل
التزاماته هو ما يظهر أهمية الموضوع النظرية والعملية، إذ الأهمية الأولى تتجلى في
معرفة الأطراف لنوع التزاماته مما سيمكنهم من اتخاذ احتياطاتهم اللازمة عند وضع
معاملاتهم لديه، الشيء الذي سيمكن من معرفة مصدر التزاماته في كونها تنشا عن
التعاقد المبرم بينه وبين زبنائه، أو ترجع إلى التزاماته القانونية المهنية، كل
ذلك أدى إلى تضارب النصوص القانونية بخصوص هذه الالتزامات والصعوبة في تقرير أي
منها لدى المشرع المغربي وعديد التشريعات المقارنة لا سيما في الحالات التي تثار
فيها مسؤولية الموثق، أما عن الأهمية العملية فان الصعوبة في تكييف هذه الالتزامات
الناتجة عن تداخلها وتعدد الخدمات التي يقدمها الموثق للمتعاقدين تصعب من مأمورية
القاضي في تقرير مسؤولية الموثق وعلى أي أساس خاصة عندما يتعلق الأمر بعقود أجنبية
الشيء الذي أدى إلى تضارب الاجتهادات القضائية كنتيجة لتداخل التزاماته وصعوبة
تكييفها.
ويمكن القول أن
مسالة تكييف الالتزامات المهنية للموثق لقيت باهتمام عديد فقهاء ورجال القانون
وكذا المهنيين، نظرا للإشكالات التي كانت ولازالت تطرحها الشيء الذي كان مثار خلاف
فقهي فانعكس ذلك على العمل القضائي التي تضاربت أحكامه وقراراته في هذا الشأن
لاسيما في الحالات التي تثار فيها مسؤولية الموثق عن أخطاء ارتكبها أثناء تحريره
للعقود.
وبالتالي فالموثق
أنيطت به عديد الالتزامات وجملة من الإجراءات
التي تتداخل فيما بينها، وعلى طول المراحل التي يمر منها العقد التوثيقي
بدءا من تلقيه لها وأثناء تحريرها وصولا إلى
ما بعدها تحقيقا لأمن تعاقدي يرتبط أساسا بجودة الخدمات التوثيقية والرسمية التي
يضفيها على تعاملات المتعاقدين،والتي ما يعتبر منها التزاما منه بوسيلة ومنها ما ينحصر
في التزامه بتحقيق نتيجة الشيء الذي يطرح مسالة وصعوبة تكييفها.
انطلاقا من
الصعوبة في تكييف هذه الالتزامات والإشكالات التي تطرحها عند عرض النزاع على
القضاء، وصعوبته في مساءلة الموثق وعلى أساس أي التزام سيقرر ذلك، ولقلة الكتابات
القانونية التي تناولت الموضوع، كل ذلك دفعنا لدراسة النصوص القانونية مع محاولتنا
تحليلها وتمييز التزامات الموثق وذلك من خلال التصميم الآتي ذكره:
المبحث الاول: تكييف الالتزامات المهنية
للموثق كالتزام بوسيلة على ضوء ق 32.09 ودورها في حماية حقوق المتعاقدين.
المبحث الثاني: تكييف الالتزامات المهنية
للموثق كالتزام بتحقيق نتيجة على ضوء ق 32.09 ودورها في حماية حقوق الزبناء
المتعاقدين.
المبحث الاول: تكييف الالتزامات المهنية
للموثق كالتزام بوسيلة أو عناية على ضوء ق 32.09 ودورها في حماية حقوق المتعاقدين.
لقد حدد مشرع القانون 09-32 المنظم
لمهنة التوثيق مجموعة من الالتزامات المهنية الملقاة على عاتق الموثق لتبقى من
اهمها التزاماته ببدل عناية، وذلك باستخدامه لكل الوسائل المتاحة ومتسلحا في
ذلك بنصوصه القانونية وأخلاق مهنته، نحو
تهييئ عقد فاعل يضمن حقوق المتعاقدين وذلك قبل تحريره للعقود كالتزامه بتقديم
النصح والإرشاد للأطراف المتعاقدة "المطلب الاول"وقيامه بالتحريات
اللازمة للوقوف على الوضعية القانونية للعقار"المطلب الثاني".
المطلب الاول: التزام
الموثق القانوني بإسداء النصح للأطراف المتعاقدة قبل توثيقه العقود
إنه وفي مقدمة
الواجبات الأخلاقية التي تربط الموثق بزبنائه التزامه بتقديم النصيحة والإرشاد
للزبون ولطرفي العلاقة التعاقدية، بهدف مساعدتهم على تفادي الوقوع في المحضور وعن ما
يترتب من مسؤولية الموثق عند إخلاله بهذا الالتزام، الأمر الذي يجعله ملزم بضمان
فعالية العقد وبالتبعية ملزم بتقديم النصح تفاديا لتحرير عقد لاجدوى منه ولا
فعالية له، وهو ما جاء في احد قرارات القضاء الفرنسي فقضى بأنه يتعين على الموثق
بصفته محررا لعقد شراء عقار لغاية تشييد منزل للسكنى ورغم علم المشترين بان هذا
العقار غير معد للبناء بشهادة طبوغرافية، أن يوضح للمشترين نتائج هذه الوضعية، وأيضا
عدم فعالية هذا العقد[3].
فالملاحظ إذن أن
التزام الموثق بنصح الإطراف إنما هو التزام ببذل عناية حسب ما جاء في المادة 37 من قانون التوثيق.32.09، إلا أن هذا الالتزام لا يرمي إلى تحقيق غاية
معينة بل هو التزام ببذل الجهد للوصول إلى غرض سواء تحقق هذا الغرض أم لم يتحقق
بإعطاء الصبغة الرسمية للعقود فهو إذن التزام بعمل ولكن عمل لا يضمن نتيجة إذ
المهم فيه أن يبذل الموثق لتنفيذه مقدارا معينا من العناية.
فالأصل ان يكون
هذا المقدار هو العناية التي يبذلها
الموثق ويزيد هذا المقدار أو ينقص تبعا لما ينص عليه القانون أو يقضي به
الاتفاق، فمتى بذل الموثق العناية المطلوبة منه، يكون قد نفذ التزامه حتى ولو لم
يتحقق الالتزام ببذل عناية. والمقصود بالتزام الموثق بإسداء النصح للمتعاقدين هو
ان يقوم أثناء عملية التعاقد بإطلاعهم على مضمون العقد وآثاره وأن يبين لهم بوضوح
التزاماتهم وحقوقهم[4] فهذا النصح
ينطوي على مقدار من البيانات يجب أن يطلع الأطراف عليها على أن تكون مصحوبة ببيان
للاستنتاجات التي يمكن استخلاصها منها، كما يلتزم الموثق بإرشاد الأطراف في جميع
الأحوال دون النظر إلى معرفتهم أو خبرتهم القانونية فهو التزام مطلق يفرض على
الموثق نصح زبنائه مهما كانت درجة خبرتهم أو معرفتهم بالجوانب القانونية الخاصة
بالمعاملة ويظل مطلقا حتى في الحالات التي يستعين فيها الزبون بشخص آخر كموثق ثاني
أو محام كذلك يبقى الموثق ملزما بنصح زبونه في جميع المراحل التي تمر منها
المعاملة وعليه لا يمكن للموثق أن يدفع مسؤوليته بحجة أن الزبون يفترض فيه معرفة
المعلومة التي يلوم عدم تزويده بها[5]. في حالة
عدم القيام بهذه الأعمال يسأل عنها الموثق والقضاء المغربي[6] أكد بدوره
على هذه النقطة حينما عرضت علية قضية تتعلق بتفويت أسهم إحدى الشركات المجهولة
الاسم والواقع أن هذه الأسهم كانت قيد الرهن لدى احد البنوك، لكن الموثقة المشرفة
على عملية التوثيق لم تطلع الأطراف على وجود هذا الرهن على الأسهم المبيع وقد قضى
المجلس الأعلى في قراره رقم 587 في ملف مدني عدد 2482/01/07/2002 الصادر بتاريخ 23
فبراير 2005 بمسؤولية الموثقة لتقصيرها في واجب النصح والإرشاد بالشكل المطلوب
قانونا.
فوجود الموثق في
المعاملات العقارية سيزيد من الضمانات حيث سيكون الأطراف أمام من يزودهم بالنصائح
ويسهر على سلامة عمليتهم العقارية من الناحية القانونية،[7] حيث جاء في
قرار لمحكمة الابتدائية على انه تمت مؤاخذة موثقة بمراكش بتاريخ 11 فبراير 2010
بمخالفة الإخلال بالثقة التي يتعين على الموثق بعثها في صفوف النفوس وعدم تقديم
النصح والقيام بالإجراءات اللازمة لضمان حجية
العقد وبيع أملاك غير قابلة للتفويت وقد جاء في الحيثيات أن الموثقة تكون قد قامت
بإنجاز عقد بيع منصب على أملاك محبسة وغير قابلة للتفويت ،ولم ينبه الأطراف خاصة
المشتري الى مآل البيع في حالة تحقق شرط تسجيل مقرر التصفية بالمحافظة العقارية،
رغم أن المشتري منعش عقاري وعلى دراية تامة بمجال العقار فإنه لإدارية له ولما كان
يختص الموثق بتسلم الأموال موضوع التعاقد وفق ضوابط محددة قانونا، فإن المخالفات
المتعلقة بالأموال المودعة لديه تكون مجالا للمتابعات كالقرار الصادر عن محكمة
الاستئناف بالرباط بتاريخ 19 نونبر 2009 عدد 128 في الملف 114/2008 إذ جاء فيه أن
الموثق تجاوز المدة المحددة قانونا عند تسلمه للأموال موضوع البيع وعدم أدائها في
وقتها المحدد[8].
كما أن الالتزام
بوسيلة إما أن يتعلق بشيء أو بأداء عمل وقد حددت المادة 211 من القانون المدني
المصري ضروب الالتزام ببذل عناية حيث جاء فيها: "في الالتزام بعمل إذا كان
المطلوب من المدين هو أن يحافظ على الشيء أو أن يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة
في تنفيذ التزامه فإن المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية
ما يبذله الشخص العادي، ولو لم يتحقق الغرض المقصود منه، ما لم ينص القانون أو
الاتفاق على غير ذلك" أما التقنين المغربي فلا يوجد فيه مثل هذا النص ولم
يحدد الالتزامات ببذل التي هي من قبيل الالتزام بوسيلة لكنه أشار إلى هذا النوع من
الالتزامات في بعض العقود.
وهكذا فإذا كان
الالتزام ببذل عناية متعلقا بشيء فهو إما أن يكون الهدف منه المحافظة على هذا
الشيء أو يكون المقصود منه إدارته وهذا ما نص عليه المشرع في المادة 50 من ق32.09
فقد ورد فيها: "يجب على الموثق أن يحفظ تحت مسؤوليته أصول العقود والوثائق
الملحقة بها وصور الوثائق التي تثبت هوية الأطراف" أي أن ما يجب على الموثق اتخاذ
جميع الوسائل من اجل الحفاظ على هذه الوثائق من التلف والضياع، فما يطلب منه هو
بذل الجهد وفقا لأصول المهنة وتقاليدها مع اتخاذ الحيطة والعناية في القيام بالعمل
الواجب كما نص أيضا في المادة 24 من قانون 32.09 على انه "يلزم الموثق
بالمحافظة على السر المهني ما عدا إذا نص القانون على خلاف ذلك ويقع نفس الالتزام
على المتمرنين لديه وأجرائه"
يتضح من هذه
المادة أن الموثق ملزم بعدم إفشاء الأسرار الخاصة بزبنائه مع اتخاذ الوسائل
المؤدية إلى تحقيق نتيجة دون أن يلتزم بتحقيق هذه النتيجة.
ومن القوانين
العربية التي ألزمت الموثق بواجب إسداء النصح وتوجيه وإرشاد الأطراف[9] نجد
القانون الجزائري في مادته 12 حيث جاء فيه: "يجب على الموثق أن يتأكد من صحة
العقود الموثقة وان يقدم نصائحه إلى الأطراف قصد انسجام اتفاقاتهم مع القوانين
التي تسري عليها أو تضمن تنفيذها"[10]
وكذلك القانون العربي المصري حيث نصت الفقرة الأولى من الفصل 10 من قانون التوثيق
على ما يلي: "يجب على الموثق قبل توقيع ذوي الشأن على المحرر المراد توقيعه
أن يتلوا عليهم الصيغة الكاملة للمحرر ومرفقاته وأن يبين لهم الأثر المترتب عليه
دون أن يؤثر في إرادتهم ويوقع هو وأصحاب الشأن المحرر والمرفقات".
اذا ثبت هذا عن
التزام الموثق ببدله العناية اللازمة تقديم النصح والارشاد للزبناء، فانه يلتزم
اضافة لذلك تجاه الاطراف بالشفافية والصدق وعدم اخفاء الحقائق التي من شانها ان
تؤثر على العملية الموكولة اليه بان يقدم المساعدة للاطراف عند وجود صعوبة في التلقي بسبب اختلاف اللغات وتباين السنة
المتعاقدين وذلك بالاستعانة بترجمان مقبول لدى المحاكم او باي شخص يراه الموثق
اهلا للقيام بهذه المهمة[11].
المطلب الثاني: التزام الموثق القانوني بالتأكد من
الوضعية القانونية للعقار قبل توثيق العقود
من بين الالتزامات
القانونية الملقاة على عاتق الموثق التي تصنف في إطار الالتزام ببذل عناية التأكد
من الوضعية القانونية للعقار سواء أكان محفظا "اولا" أو غير محفظ
"ثانيا"، خاصة وان غالبية العقود التي يحررها الموثق ما تكون منصبة على
العقار باختلاف انواعه، هذا ما سنحاول ابرازه بالحديث عن تدخلات الموثق والتزاماته
بهذا الخصوص.
أولا: التأكد من وضعية العقار
المحفظ
يلتزم الموثق
بتحديد الوضعية القانونية للعقار المحفظ وذلك بالرجوع إلى رسومه العقارية ويدخل
هذا الالتزام في إطار الالتزام ببذل عناية، والذي يتوجب على الموثق تقديمه
للمتعاقدين ذلك أن هذا الالتزام يحمل الموثق في المعاملات العقارية بواجب التأكد
والتحري عن الوضعية القانونية للعقار والتيقن من انه غير مثقل بأي رهون أو
تكاليف.
فإذا تبين له بعد
الرجوع إلى الرسم العقاري أن وضعية العقار غير سليمة كأن يكون مرهونا فانه يجب
عليه أن يطلع الأطراف على ذلك.
وتجدر الإشارة إلى
انه في حالة وضع الموثق شرطا بعدم المسؤولية في العقد أو في عقد مستقل فإن القضاء
لا يعتد به ويبقى مسؤولا عن النتائج المترتبة عن عدم التأكد من الوضعية القانونية
للعقار من حيث التحملات[12].
وهذا ما سارت عليه
محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 12 ماي 1958، وكذلك عما إذا كان غير
مثقل بأي تكاليف أو ضرائب وهذا ما أكده القضاء بحيث جاء في أحد قراراته[13]،.... وحيث
إن الثابت من وثائقه ومستنداته أن الموثق المتابع لم يتأكد عند تلقي الإشهاد
بالبيع موضوع المتابعة من الوثائق والمستندات اللازمة في هذا الباب كالشهادة التي
تفيد أن المبيع غير مثقل بأي ضريبة وهو الإجراء الذي كان وراء تأخير حصول المشتري
على رسم الشراء إذا لم يحصل على المطلوب إلا بعد أدائه لواجبات التسجيل بتاريخ 6
يناير 2004 علما أن تلقي الإشهاد تم بتاريخ 30 ماي 2000..."
والموثق الذي يعلم
بوجود رهن على العقار، ورغم ذلك يترك البائع يتسلم الثمن دون أن يحذر المشتري من
الأثر الخطيرة لهذا التصرف المتمثلة في حق الدائنين المرتهنين من التنفيذ على
العقار، يكون في هذه الحالة قد ارتكب تقصيرا ولم يقم بواجب إسداء النصح إلى زبونه[14] وفي هذا
الصدد قضت المحكمة الابتدائية[15] بمراكش
بمؤاخذة الموثق المتابع من اجل مخالفة عدم قيامه بالإجراءات الخاصة لضمان حجية
العقد، وذلك بعدم إخبار البائع والمشتري بكون العقار موضوع البيع مثقل بحجز تحفظي
لفائدة صندوق الضمان العام رغم علمه بالحقيقة، فهنا أخل الموثق بالثقة التي يتعين
عليه بعثها في صفوف النفوس ومعاقبته بالتوثيق عن ممارسة مهنة التوثيق لمدة شهرين.
ومن خلال هذا
القرار يتضح أن الموثق قد اخل بالتزامه ببذل عناية المتمثل في عدم إخبار الأطراف
المتعاقدة بأن العقار موضوع المبيع مثقل برهون وتكاليف وعدم قيامه بالإجراءات
اللازمة المطلوبة قانونا ،ويفهم من هذا أن الموثق لم يبذل العناية اللازمة من اجل
التأكد والتحري عن الوضعية القانونية للعقار أي أن هناك إهمال وتقصير من جانبه في
اتخاذ التدابير الضرورية.
ثانيا: التأكد من وضعية العقار غير
المحفظ
يلتزم الموثق في
هذه الحالة بالتأكد من الوضعية القانونية للعقار غير المحفظ إذ يعتبر هذا من صميم
الالتزامات الملقاة على عاتقه التي تدخل في إطار الالتزام ببذل عناية بمعنى أن
الموثق يجب عليه بذل الجهد والقيام بالإجراءات اللازمة من أجل البحث والتحري عن
وضعية العقار في سبيل تحقيق هذه الغاية ولكن دون أن يعني هذا الالتزام بتحقيق
النتيجة المرغوبة.
كما يلزم الموثق
أيضا بتوجيه النصائح الكافية للأطراف في المجال الضريبي بأن يقرأ عليهم المقتضيات
القانونية المتعلقة بالكتمان وإخفاء الأصول وأن يبين لهم الغرامات المطبقة عن كل
تهرب ضريبي من أداء الواجبات المفروضة عليهم[16].
وكان هذا الالتزام مكرسا بمقتضى المواد 12 و 18 من مرسوم 24 دجنبر 1958 المتعلق
بالتسجيل والتمبر (الملغى) وأعادت التأكيد عليه المدونة العامة للضرائب في الفقرة
الخامسة من المادة 139 من المدونة التي جاء فيها: "يتعين على الموثقين
والموظفين الذين يزاولون مهام التوثيق والعدول والموثقين العبريين وكل شخص ساهم في
تحرير عقد خاضع للتسجيل أن يطلعوا الأطراف على أحكام المادة 186 وكذا المواد 187 و
208 و 217".
في الواقع يفرض
واجب النصح على الموثق مد الأطراف بجميع العناصر الضرورية التي تحقق غايتهم وهذه
العناصر قد تتخذ شكل معلومات قانونية عامة أو قد تتخذ معلومات خاصة مرتبطة بالمعاملة
موضوع التوثيق، ولكي يتمكن الموثق من التعرف على هذه المعلومات لابد من إنجاز
تحقيق حول كل العناصر التي قد تحول دون ترتيب التصرف للآثار التي ينشدها الأطراف،
من ذلك مثلا التزام الموثق بالتأكد من وضعية محل التصرف سواء كان عقار غير محفظ أو
أصلا تجاريا أو شركة فيجب أن يتأكد من خلوا المحل من أعباء قد يفاجأ بها
المتعاقدين فيما بعد[17].
فبالرجوع إلى
مقتضيات المادة 35 من قانون 32.09 المتعلق بمهنة التوثيق نجده يشير إلى أن الموثق
يتلقى جميع العقود التي يفرض القانون إعطاءها الصبغة الرسمية نلاحظ أن المشرع هنا
لم يفرق بين أن تكون تلك العقارات محفظة أو غير محفظة ،فعندما تكون العقارات غير
محفظة فالموثق يجد نفسه هنا أمام إشكالية كبيرة فهو ملزم بالتأكد من خلو العقار من
أي تحمل عقاري أو رهن لأن التزامه اتجاه الأطراف هو التزام بوسيلة يتجلى في التأكد
من سلامة العقار موضوع المعاملة من أي نزاع إلا أن هناك صعوبة التأكد نظرا لأن
العقار غير المحفظ لا يوجد له سجل إلا في المحكمة ومن الصعوبة بما كان التأكد من
التغييرات الطارئة عليه ولم تم التأكد من كينونته انطلاقا من السجل في المحكمة.
وبناء على هذا فقد
أجاز المشرع للموثق بصفة استثنائية بتلقي المعاملات التي يكون محلها عقارات غير
محفظة ،وقد ألزمه في هذه الحالة أن يشير إلى بعض البيانات المهمة التي تحدد هذا
العقار من حيث موقعه ونوعه ومساحته وحدوده وان يحلل الرسوم المقدمة إليه لكي يقف
على أصل الملكية[18]. ويدخل
هذا الالتزام في باب الالتزام ببذل عناية من أجل التأكد من سلامة العقار غير
المحفظ ذلك باتخاذه كافة الوسائل في أداء المهمة التي كلف بها عناية الرجل المتبصر
حي الضمير، وبذلك يكون مسؤول عن الأضرار التي تلحق الأطراف المتعاقدة نتيجة انتفاء
هذه العناية بحيث يتعين عليه أن يحاول توظيف إمكانياته القانونية والعلمية بهدف
تحقيق النتيجة المرجوة وإذا لم تتحقق هذه النتيجة بالرغم من ذلك فلا يتحمل أي
مسؤولية بشرط أن لا يثبت العمد أو التقصير أو الإهمال في حقه.
وعلى كل حال فإن
من يدعي الإخلال بهذا الالتزام فيجب عليه إثبات ادعائه أي إثبات التقصير وعدم بدل
العناية اللازمة من جانب الموثق فيجب عليه تقديم الدليل على نقص ما بذل الموثق من
عناية في تنفيذ التزامه عن درجة العناية التي يلتزم بها، ومن الواضح ان إثبات
التقصير في تنفيذ الالتزام بعناية أصعب من إثباته في الالتزام بنتيجة.
المبحث الثاني: تكييف الالتزامات المهنية
للموثق كالتزام بنتيجة على ضوء ق 32.09 ودورها في حماية حقوق الزبناء المعاقدين
فلإعطاء العقد
التوثيقي المحرر من طرف الموثق الصبغة الرسمية بمنظور الفصل 418 من ق ل ع، وكعقد
فاعل مرتب لأثاره ولأحسن النتائج في حفظ حقوق الزبناء المتعاقدين، وجب على الموثق
التقيد بالتزاماته المهنية وعلى طول المراحل التي يمر منها العقد التوثيقي، هذه
الالتزامات وفي إطار محاولتنا تكييفها يلاحظ على أن الموثق يقوم بعديد الإجراءات
كتقديمه النصح للزبناء والتأكد من الوضعية القانونية للعقار خاصة منه غير المحفظ
والتي تبقى التزامات منه بوسيلة، لكن في مقابل ذلك وضعت على كاهله التزامات أخرى أثناء
وبعد تحريره للاتفاقات كالتزامه بتوقيع المحرر واحترام عديد البيانات المتعلقة بالأطراف
والعقد،إضافة إلى التزامه القيام ببعض الإجراءات الشكلية بعد تحريره للعقد، والتي
تبقى كلها التزامات بتحقيق نتيجة للموثق تجاه اطراف العلاقة التعاقدية التي من
اجلها لجا المتعاقدان الى عرض عقودهم نظرا لجودة الخدمة التي يقدمها لهم الموثق
والرسمية التي تؤمن حقوقهم من الضياع ومن اي نزاع حولها [19]، وهو ما
سنتحدث عنه في النقطتين المواليتين .
المطلب الاول: التزامات
الموثق المهنية أثناء تحرير العقود
لا يكفي لصحة
الورقة الرسمية وإنتاج أثارها أن تقتصر على أهلية واختصاص الموثق محررها،بل الأمر
يتعدى ذلك الى التزامه بمراعات عديد الأوضاع القانونية سواء كانت متعلقة بالإطراف
المتعاقدة أو بالعقد التوثيقي لصيرورته عقدا منتجا لأثاره ولأحسن النتائج .
وتظهر الحكمة من
فرض المشرع لهذه الإجراءات على الموثق في ق 32.09،بهدف جعل عبارات العقد واضحة
ومعبرة عن حقيقة التصرف الذي يرغب الأطراف في تحقيقها وإنتاج أثارها من خلال
تعاقدهم [20]
اولا: التزام الموثق بمراعاة الأوضاع القانونية المتعلقة بالأطراف
المتعاقدين
ان الرابطة
القانونية والثقة التي ينبغي ان تميز علاقة الموثق باطراف العقد، علاقة تفرض على
لموثق ان يتدخل شخصيا ليتحقق من هوية المعنيين بالامر واهليتهم للتعاقد، وبهذا
الخصوص نجد المشرع ألزم الموثق خاصة في المادة 36 والفقرة الأولى من المادة 37 من
قانون التوثيق 32.09، باحترام مجموعة من البيانات الموضوعية أبان تحرير المحرر
التوثيقي حتى يكتسب حجته في إثبات الحقوق،وذلك بمراعاة مجموعة من البيانات
المتعلقة بأطراف العلاقة التعاقدية بهدف التأكد من هويتهم رفعا لأي التباس أو
تشابه في الأسماء، بدءا من ذكر أسماءهم وحالتهم المدنية ومحل إقامتهم وبطائقهم
الوطنية[21]، أو غيرها
مما يتعلق بالتعريف بهوياتهم وهو ما أشارت إليه الفقرة الأولى من المادة41 من
قانون 32.09.
وبخصوص البيان
المتعلق ببطاقة التعريف الوطنية للمتعاقدين فلقد اختلف الفقهاء في الجزاء المترتب
عن غيابها، فمن الفقه من ذهب إلى عدم بطلان المحرر الذي تنقصه احد هذه البيانات
وهما الفقيهان "أبرى ورو"،في حين ذهب الفقيهان "بلانيول
وريبير"إلى أن غياب هذا البيان وغيره لا يترتب عليها البطلان بل تعرض الموثق
لغرامة مالية بإغفاله لها،إلا انه بخصوص البيان المتعلق بغياب أسماء احد الأطراف
فان بعض الفقه سار في اتجاه بطلانه كمحرر رسمي،نظرا لأهمية هذا البيان الذي يعد أهم
بيان شكلي والذي رتب المشرع على إغفاله احتفاظ العقد بصفته كمحرر عرفي بحسب ما نص
عليه الفصل 423 من ق ل ع.
إذ في هذا الشأن
قضت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر بتاريخ 6 فبراير 1979" بان الموثق
ملزم قانونا بالتحقق من هوية الأطراف وأي إخلال بهذا الالتزام يجعله مسؤولا عن هذا
التقصير"[22].
والذي يؤكد توجه
هذا القرار انه كثيرة هي الأخطاء التي يقع فيها الموثق بخصوص البيان المتعلق بهوية أطراف العلاقة
التعاقدية،ذلك انه بإلقاء نظرة على التزامات العدول بخصوصها أنها عديدة هي الحالات
التي أدين فيها هؤلاء بتزويرهم لتوقيعات الزبناء وتحريفهم للحقيقة نتيجة عدم تأكدهم
من هوية الطرف المفوت واكتفيا بأوصاف له ع العلم انه صهر المفوت له وليس والده
الذي اسند له التفويت.
إلا انه تبقى من
الالتزامات الهامة وعلى الموثق مراعاتها ما يتعلق بتوقيعات الأطراف على المحرر،وفي
هذا الجانب وفي قضية عرضت على أنظار محكمة النقض الفرنسية تتلخص "في كون احد
الواهبين وقع المحرر في حين رفض الأخر التوقيع حيث اعتبرت غياب توقيع هذا الأخير
عيبا شكليا،وقضت ببطلان المحرر بطلانا مطلقا"[23]،ونفس
التوجه سار عليه المشرع المغربي في اعتبار العقد الذي تنقصه توقيعات احد الأطراف
باطل بطلانا مطلقا،وهو ما أكده القرار الاستئنافي الصادر عن استئنافية الرباط
بتاريخ 19/11/2009 تحت عدد 128 في الملف رقم 114/2008/3،والذي أذان الموثق من اجل
المخالفة لكونه اقدم على تحرير عقدي بيع بخصوص الشقتين رقم 9و10 وتسلم من المشتري أتعابه
ومصاريف التسجيل والتحفيظ بالنسبة للشقتين معا،قبل أن يتأكد من توقيع البائع على
العقد الخاص بالشقة رقم 10باقراره.
أما في حالة ما اذا كان احد الأطراف أميا نص
المشرع على ضرورة الإشهاد بذلك لحماية
هؤلاء من اي تدليس وهو ما نصت عليه المادة 427 من ق ل ع عند توقيعهم على العقود.
ومن الالتزامات الأخرى
الملقاة على عاتق الموثق أثناء تحريره للعقود ما يتعلق بإثباته لأسماء الشهود إن
وجدوا سواء كانوا شهود تعريف أو توقيع،وذلك بهدف
ضمان إثبات هوية الأطراف والتي اشترط فيهم المشرع مجموعة من الشروط،من
بلوغهم ومتمتعين بحقوقهم لا تربطهم أية علاقة بأحد أطراف العلاقة التعاقدية،يعرفون
التوقيع،إضافة إلى حضورهم مجلس قراءة العقد من طرف الموثق على الأطراف، إذ يمكن
القول ببطلان العقد في حالة غياب شهود العقد كما ذهب إلى ذلك بعض الفقه[24].
وفي الأخير يمكن
القول على أن البيان المتعلق بهوية الأطراف يبقى أهم التزام وجب على الموثق التأكد
منه،وذلك لخطورة الآثار المترتبة عن إغفالها والتي قد تصل إلى حد بطلان العقد أو
احتفاظه فقط بصفته كمحرر عرفي،وفي هذا الإطار صدر قرار عن محكمة الاستئناف بالرباط
بتاريخ 29/04/2010 تحت عدد43في الملف رقم124/2009/3،والذي أدان الموثق من اجل
مخالفة عدم التأكد من مالك الشقة قبل إبرام عقد البيع.
تبقى هذه أهم
الالتزامات الملقاة على عاتق الموثق الواجب عليه مراعاته اتجاه زبنائه
المتعاقدين،فماذا إذن عن التزاماته بخصوص العقد التوثيقي .
ثانيا: التزام
الموثق بمراعاة الأوضاع القانونية المتعلقة بالعقد التوثيقي
الى جانب
الالتزامات الواجب على الموثق مراعاتها بخصوص أطراف العلاقة التعاقدية أثناء
تحريره للعقد،هناك التزامات أخرى تتعلق بضرورة مراعاته لمجموعة من الاجراءات
الشكلية المتعلقة بالعقد والتي بدونها لا ينهض ذلك العقد كحجة في إثبات
الحقوق،كتلك المتعلقة بقراءة الموثق العقد على الاطراف وتفسيره وتوضيح شروطه
الخاصة وما يمكن ان يشكل غموضا في اذهان المعنيين مع تسليمهم نسخا من المحرر او
العقد، وهو الامر نفسه فيما يتعلق بتاريخ
ومكان إنشاء المحرر ومختلف المقتضيات المتعلقة بكتابة المحررات بخلوها من أي نقص أو
بياض أو ثغرات،وكذا مختلف الإحالات والتشطيبات التي يضمنها الموثق في العقد،هذا بالإضافة
إلى توقيعه للمحرر التوثيقي كل ذلك هو ما سنتحدث عنها في النقط الآتي ذكرها.
·
بخصوص التزامات الموثق بتاريخ إنشاء المحرر التوثيقي
يعتبر هذا البيان
من الأهمية بما كان لذلك فعلى الموثق الالتزام بتضمينه في العقد، اذ رتب المشرع
على إغفاله سواء في الظهير الملغى لسنة 1925 وقانون التوثيق الجديد32.09،احتفاظ
المحرر فقط بصفته كمحرر عرفي إذا ما تضمن توقيعات الأطراف، وباطلا إذا لم يتضمن
هذه التوقيعات، وذلك بحسب المقتضيات المنصوص عليها في الفصل 423 من ق ل ع.
ولأهمية تاريخ إنشاء
المحرر فقد استلزم المشرع وجوبا ذكره بالسنة واليوم والشهر بل من الفقه من اوجب ذكر حتى الساعة التي تم فيها إنشاء المحرر،هذا
ويحظى تاريخ إنشاء المحرر بأهمية كبرى خصوصا إذا ما تعلق الأمر بعقود تجارية، وفضه
لعديد النزاعات ولعل هذا ما اوجب على الموثق ذكره بأرقامه وحروفه وسنته وشهره
ويومه وساعته،كما وتظهر أهميته في الحالة التي يقوم فيها الموكل بعزل وكيله اذ
يرجع الى تاريخ التصرفات المبرمة من طرف الوكيل،فإذا تمت قبل العزل كانت صحيحة أما
إذا تمت قبل قرار العزل وعلم الوكيل والأطراف به كانت هذه التصرفات باطلة،هذا بالإضافة
إلى أن تاريخ إنشاء المحرر يمكن من معرفة الحقيقة بالمحررات التي تم توثيقها من
طرف الموثق في حالة صدور قرار بعزله وتوقيفه مع علمه بذلك،إذ هنا يرجع إلى تاريخ إنشاء
المحرر للقول ببطلانه كمحرر رسمي لعدم أهلية الموثق الموقوف أو المعزول عند تحريره
للعقد[25].
·
التزام الموثق بمكان إنشاء المحرر التوثيقي
وتظهر أهميته في
تقريره لمصير المحرر التوثيقي أما بصحته أو بطلانه،هذا البيان الذي يتم من خلاله
مراقبة مدى التزام الموثق باختصاصه المكاني،ولذلك فان إغفال الموثق لهذا البيان
اعتبر بمثابة تزوير منه يعرضه للعقوبات المنصوص عليه في القانون الجنائي،إضافة إلى
صيرورة هذا العقد المحرر من طرفه كعقد عرفي مجرد من صفته الرسمية إذا ما تضمن
توقيعات الأطراف.
وبخصوص هذا البيان
الشكلي يمكن القول على انه كان مثار خلاف فقهي،حيث يرى "بلانيول
وريبير"ان عدم ذكر هذا البيان يترتب عليه بطلان العقد كمحرر رسمي،وهو ما سار
عليه المشرع المغربي ورتب على إغفاله احتفاظ العقد بحجة المحرر العرفي[26]،في حين
ذهب بعض الفقه إلى أن إغفال هذا البيان لا يترتب عليه بطلان المحرر التوثيقي.
·
التزام الموثق بمراعاة القواعد المتعلقة
بكتابة العقد وبتوقيعه
حرصا من المشرع
وتفاديا لكل عيب او لبس في محررات الموثقين،فرضت على الموثق جملة من الالتزامات
عند تحريره للعقود في نص واحد مع تجنبه ترك أي بياض أو فجوات عند كتابته للعقود
والتي قد تغير من مضمون العقد،وكذا ترقيم صفحاته والتأشير عليها عند تعدد صفحات
العقد الواحد،لكن يقع أن يكتشف الموثق وقوعه في بعض الأخطاء عند انتهاءه من تحرير
العقد وهنا المشرع مكنه من عدة آليات كالإحالات أو الإضافات لبعض الكلمات أو
التشطيب عليها لكن بمراعاة الضوابط القانونية التي حددها المشرع لذلك،وذلك بهدف
تامين سلامة المحرر من أي تحريف قد يلحق بمضمون العقد ويضر بحقوق زبنائه[27].
وبالرجوع إلى
الفقرة 2من المادة 41 من ق 32.09نجدها تنص"على انه يجب تصحيح الأخطاء و الإغفالات
بواسطة إحالات تدون إما في الهامش آو في أسفل الصفحة"من هنا يتضح أن أي إغفال
من الموثق لإجراء من الإجراءات أثناء تحريره للعقد واكتشافه لها بعد تحرير العقد،أجاز
له المشرع تدوينها في الهامش او في أخر الصفحة ودون إقحامها في المتن حفاظا على
محتوى العقد،وعدم صيرورته باطلا بالنسبة لأطراف العلاقة التعاقدية.
وهو ما كان يأخذ
به القانون المدني الفرنسي الذي اعتبر أن أي إضافة في متن المحرر تعتبر باطلة،بل بإضافتها
في الهامش أو في آخر المحرر مع تصديق وتوقيع الموثق عليها مع توقيعات الأطراف،وان أي
إغفال فيها يجعل من المحرر محتفظا فقط بصفته العرفية،وهو ما قال به كذلك الفقيه
"بودان، وعبد الرزاق السنهوري"هذا الأخير الذي قال"يجب ان تكون
الورقة مكتوبة بخط واضح غير مشتملة على إضافة او تحشي راو كشط وذلك لإبعاد كل شبهة
في المحرر،وإذا اقتضى الأمر إضافة أو حذفا فيجب ذكر ذلك في آخر المحرر موقعا عليه
من ذوي الشأن والموثق".
إلا انه من
الفقهاء من اختلف بخصوص هذه الإضافة فيما إذا كانت تتعلق ببيانات جوهرية أو
ببيانات ليست بجوهرية،حيث منهم من قال على انه إذا وردت الإضافة على بيان جوهري
كما لو تعلق الأمر بتاريخ المحرر فان ذلك سيؤدي إلى بطلان هذا المحرر بكامله،أما إذا
وردت على بيان غير جوهري فان البطلان يقتصر على هذا البيان ودون المساس بصحة
المحرر.
لتبقى الحكمة من
حظر أي إضافة في صلب المحرر نفسه في إبعاد أي شبهة في صحة المحرر ومنع أي محاولة
للتلاعب أو التزوير فيه سواء كان ذلك من الأطراف أو من الموثق[28].
لكن قد يحصل أن
يقع الموثق في سهو فيضيف بعض الكلمات التي لا صلة لها بموضوع العقد فتغير من
مضمونه، فيعمد إلى شطبها وحذفها وذلك بمراعاة مجموعة من الشكليات بوضعه لخط على
الكلمة المراد حذفها مع تركها ظاهرة للوقوف على عددها،ووضعه لبيان بعدد الكلمات
المشطوبة في آخر المحرر مع توقيعه عليها وباقي المتعاقدين.
لتبقى في الأخير
الكلمة للقاضي بسلطته التقديرية للتأكد من مدى احترام الموثق للمقتضيات القانونية
بخصوص هذه البيانات والأمر نفسه بالنسبة للإحالات التي يقوم بها الموثق في المحرر
فهي أيضا تخضع لتقدير قضاء الموضوع وبموجب الفصل 462 من ق ل ع،على أن يقوم بإعطاء
التفسير المناسب لتقديره[29]،وهو ما
سار عليه المجلس الأعلى في إحدى قراراته (محكمة النقض حاليا)والتي جاء
فيها"ان قضاة الموضوع لهم الحق في تفحص الرسوم المدلى بها واعتبار صحتها شكلا
وموضوعا قبل ان يعملوا بها ولو لم يقع أي طعن من لدن المحتج بها وان ذلك داخل في
سلطتهم التقديرية التي لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى".
لتبقى في الأخير الإشارة
إلى أهم التزام للموثق والذي بدونه لا وجود للعقد الرسمي بمفهوم الفصل 418 من ق ل
ع والمادة 35 من ق 32.09،ويتمثل في التزامه المهني بتوقيع العقد والذي يعد أهم
بيان شكلي،ذلك انه يأتي كأخر حلقة لميلاد الوثيقة الرسمية بعد توقيع العقد من الأطراف وشهودهم وقراءة بنوده عليهم .
ويعتبر هذا
التوقيع بمثابة شهادة على أن المحرر تم بطريقة قانونية بدءا من تلقيه إلى حين
توقيعه وكأخر شخص يضع توقيعه على المحرر بحسب الفقرة 1 و2من ق 32.09، وهو ما قال به بعض الفقهاء وبمخالفة ذلك أصبحنا أمام تزوير معنوي من طرفه،لأنه إن
قام بذلك يكون قد شهد على توقيعات لم تتم بعد،وفي قضية عرضت على أنظار محكمة النقض
الفرنسية "تتعلق بهبة تمت بين زوج لزوجته ولما حررها الموثق وقعت الزوجة في
حين خرج الزوج لحظة وعاد بعدها ليعلن عن تراجعه،وكان الموثق في هذه الأثناء قد وقع
المحرر،حيث قضت محكمة النقض الفرنسية ببطلان عقد الهبة ومن بين ما اعتمدت عليه في
تعليل قرارها أن الموثق ينبغي أن يكون أخر من يوقع المحرر،وهذا البطلان لا يمكن
تفاديه حتى ولو وقع الواهب المحرر لاحقا".
وبالرجوع إلى
المشرع المغربي يلاحظ على انه لم يحدد الوقت الذي يتم فيه توقيع المحرر من طرف
الموثق،خاصة وانه قد تطرأ للموثق حادثة الوفاة او ما شابه ذلك اذ في هذه الحالة
وخوفا على ضياع مصالح الأطراف المتعاقدة يأمر رئيس المحكمة الابتدائية الموجود
بدائرتها الموثق بناء طلب المتعاقدين بتذييل العقد بتوقيع موثق أخر بحضورهم وقراءة
العقد عليهم من جديد.
غير أن محكمة
النقض الفرنسية سارت على خلاف ذلك في قضية عرضت عليها تتلخص وقائعها في كون احد
الموثقين حرر عقدا وقع عليه الطرفان ،لكن الموثق لم يبادر إلى توقيعه فورا فتوفي
احد الطرفين ،فهل يحق للموثق أن يوقع بعد ذلك العقد ام لا؟
قضت هذه المحكمة بأنه
ليس من الضروري أن يتم توقيع الموثق فور توقيع الطرفين، إذ يحق للموثق وضع توقيعه
حتى ولو توفي احد الأطراف الموقعين على العقد[30].
وتجدر الإشارة إلى
أن المشرع المغربي في قانون التوثيق الجديد استلزم بالإضافة إلى توقيع الموثق أن
يضع طابعه على المحرر،بهدف ضمان حجية العقد التوثيقي غير انه إذا لم يتضمن توقيعات
الأطراف أصبح باطلا بطلانا مطلقا لا تبقى له حتى قيمة المحرر العرفي،ونفس الشيء إذا
أهمل الموثق توقيعه فان المحرر تبقى له فقط قيمة المحرر العرفي استنادا للمقتضيات
المنصوص عليها في الفصل 423 من ق ل ع.
ويمكن القول على أن
هذه الالتزامات الواجب على الموثق مراعاتها أثناء تحريره للعقد،تبقى كلها التزامات
له بنتيجة في إضفاءه الرسمية وتهييئه لعقد فاعل يرتب أحسن النتائج،إضافة إلى
التزاماته الأخرى كقيامه ببعض الإجراءات الشكلية [31]والتي
سنتحدث عنها في باقي النقط الموالية .
واهم ما يمكن قوله
بخصوص التزامات الموثق أن الغالب عليها أنها تبقى التزامات بتحقيق نتيجة للأطراف
والعقد التوثيقي،وهو الأمر الذي سار عليه التشريع الفرنسي في اعتبار التزامات
الموثق أن الأصل فيها وبل وتقتصر على
تحقيق النتيجة،نفس الشيء سار على منواله المشرع المغربي وهو ما أكده قراره الصادر
عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) والذي جاء فيه "لما كان التزام العدل
هو الإشهاد على الاتفاقات الجارية بين أطرافها المتعاقدين،فان التزام الموثق يتعدى
هذا الالتزام إلى الالتزام بتحقيق النتيجة المتوخاة من العقد،وهو ما نص عليه
المجلس الأعلى في قرار له بتاريخ 20/07/2006 تحت عدد 21114،والذي جاء فيه ان
الموثق يلتزم بحفظ حقوق الأطراف المتعاقدة واتخاده الإجراءات اللازمة لنقل
الملكية".
وبالتالي يمكن
القول بهذا الخصوص على ان الموثق اناط به المشرع في قانون التوثيق 32.09، جملة من
الالتزامات هدفها تقديم خدمة وعقد رسمي
يضمن الحقوق لزبنائه المتعاقدين، وهي النتيجة التي يهدف الاطراف الوصول
اليها عند عرض تعاملاتهم على انظار الموثق وثقتهم الاكيدة تحقيق هذه الغايات في
ضمان حقوقهم وصولا لما قد نسميه امنا توثيقيا يكون منطلقا لتحقيق امن تعاقدي
لتعاملات الاطراف.
المطلب الثاني:
التزامات الموثق بعد تحرير العقود
إن مهمة الموثق لا
تنتهي بكتابة المحررات وتوقيعها، بل يلزم في حالات محددة بالقيام ببعض الواجبات
الإضافية حتى تنتج بعض التصرفات اثارها كاملة في تهييئ عقد فاعل ذو جودة يكرس
حماية لحقوق الزبناء المتعاقدين وضمان
امنهم التعاقدي .
تتكون هذه
الالتزامات من عمليات يقوم بها الموثق بعد كتابة المحرر وهي تسجيل التصرف لدى
إدارة التسجيل وتقييده لدى المحافظة العقارية، وكذا الحفاظ على أصول الوثائق والسر
المهني .
أولا: التزام
الموثق بتسجيل العقد لدى ادارة التسجيل وتقييده لدى المحافظة العقارية
·
التزام الموثق بتسجيل العقود لدى ادارة
التسجيل
جاء في المادة 47
من القانون رقم 09-32 المنظم لمهنة التوثيق انه:" يجب على الموثق ان يقدم
نسخا من المحررات والعقود بعد الاشهاد بمطابقتها للاصل من طرفه، لمكتب التسجيل
المختص لاستيفاء إجراء التسجيل وأداء الواجب في الأجل المحدد قانونا...".
كذلك أشارت المادة
137 من المدونة العامة للضرائب الى ان على الموثقين ان يضمنوا العقود البيانات
والتصاريح التقديرية اللازمة لتصفية واجبات التسجيل.
ان مقتضى هاتين
المادتين يؤكد ان الموثق ملزم بتسجيل العقود التي يقوم بتحريرها وان يؤدي رسوم
التسجيل والتمبر ومعها الرسوم التوثيقية داخل الأجل المحدد قانونا.
وبالتالي فالتزام
الموثق في هذه الحالة رهين بتحقيق نتيجة وهي تسجيل المحررات بادارة التسجيل، والا
كان محل مساءلة وفي هذا الصدد صدر حكم ابتدائي عن المحكمة الابتدائية بثمارة بتاريخ
16/10/2009 والذي جاء فيه: حيث ان المحكمة بعد استقرائها لوثائق الملف تبين لها ان
البيع النهائي للملك ذو الرسم العقاري عدد 7658 تم بتاريخ 23/03/2006 بعد ان توصل
الموثق بجميع المبالغ لأداء الضرائب، والتي اقر بتوصله بها، غير انه لم يقم بأداء
الضرائب المتعلقة بالملك المذكور إلا في تاريخ لاحق لتاريخ البيع، كما هو ثابت من الإبراء
الضريبي المدلى به في الملف.
وحيث ان الموثق
تسلم المبالغ التالية من المشتكي لأداء الضرائب وهي تمثل وديعة مؤتمن عليها لحساب
الغير، وظلت بحوزته دون قيامه بالمهمة المنوطة به، مما تكون معه المخالفة المتابع
من اجلها ثابتة في حقه، ويتعين التصريح بإدانته من اجلها[32]".
·
التزام الموثق بتقييد العقود لدى المحافظة
العقارية
يشكل التقييد احد
الشكليات الضرورية التي فرضتها التشريعات المقارنة من اجل حماية الملكية العقارية،
حيث يمنح التقييد حجية للتصرفات ويمكنها من إنتاج اثارها كاملة، لذلك قرر المشرع
في المادة 65 من القانون 07-14 المتعلق بالتحفيظ العقاري، ضرورة تقييد جميع
التصرفات التي يكون من شانها تأسيس او نقل او تغيير او إنهاء حق عيني.
بالنظر لهذه
الأهمية ألزم المشرع الموثق بتقييد العقود في السجلات العقارية، وهذا ما يتضح من
خلال المادة 47 من القانون رقم 09-32 المنظم لمهنة التوثيق حيث تنص"...وانجاز
الإجراءات الضرورية للتقييد في السجلات العقارية وغيرها لضمان فعاليتها ويقوم
بإجراء النشر والتبليغ عند الاقتضاء".
كذلك فهذا
الالتزام الملقى على عاتق الموثق يتوقف على تحقيق نتيجة، وهي تقييد العقد بالسجلات
العقارية.
وقد أكد القضاء
المغربي التزام الموثق بواجب الإشهار، ففي إحدى القضايا التي عرضت أمام المجلس الأعلى
( محكمة النقض حاليا) اعتبر المجلس الموثق مسئولا عن قيامه بالإجراءات الخاصة
بتسجيل حوالة أصل تجاري حيث جاء في تعليل المجلس الأعلى"... الباعث على
الاشهاد بواسطة موثق هو ضمان تحقيق نتيجة من المعاملة المشهود بها وذلك بحفظ حقوق
المتعاقد القانونية وكل ما يترتب عن ذلك من نتائج، وهو باعث مشروع لحماية حقوقه
يوجب اتخاذ الموثق جميع الإجراءات الضامنة لنقل ملكية الأصل التجاري وحوالة الحق
بشأنه..."[33]، فإجراءات
الشهر المتعلقة بالأصول التجارية لا تختلف عن تلك المتعلقة بالأصول العقارية سواء
في جوهرها او في أثارها، وهذا يجعلنا نؤكد الطبيعة القانونية لإلزامية الموثق بشهر
التصرفات سواء التجارية او المدنية، ويتأكد هذا الاستنتاج كذلك بقرار اخر صادر عن
محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 25/11/2005 أكدت فيه التزام الموثق بتقييد
البيع الذي قام بتوثيقه[34].
ثانيا: التزام الموثق بالمحافظة على أصول
الوثائق وكتمان السر المهني
·
الالتزام بالمحافظة على أصول الوثائق
يعتبر الالتزام
بحفظ أصول المحررات الرسمية من اهم الالتزامات الملقاة على عاتق الموثق الذي يمنع
عليه تسليمها للأطراف، وهذا بخلاف المحررات العرفية التي تبقى أصولها بحوزة أصحابها
وتكون عرضة للضياع.
وقد نصت كثير من
التشريعات المنظمة للتوثيق في العديد من البلدان على هذا الالتزام، وبذلك فعل
المشرع المغربي عندما نص في المادة 50 من القانون رقم 09/32 على انه" يجب على
الموثق ان يحفظ تحت مسؤوليته اصول العقود والوثائق الملحقة بها، وصور الوثائق التي
تثبت هوية الاطراف".
ويمكن تكييف هذا
الالتزام الملقى على عاتق الموثق كالتزام بتحقيق نتيجة، وهي الحفاظ على اصول
الوثائق وعدم تسليمها للاطراف الشيء الذي يولد في نفوس المتعاقدين الاطمئنان على
أصولهم.
غير انه لما كانت
الضرورة تتطلب أحيانا نقل احد الأصول للإدلاء بها أمام المحكمة، فقد وضع المشرع
المغربي لهذه الحالة إجراءات ينبغي تطبيقها للحفاظ على الأصول من الضياع، وهذا ما
نصت عليه المادة 52 من القانون رقم 09-32، حيث منعت على الموثق تسليم أصل العقد
المحفوظ إليه إلا بمقتضى مقرر قضائي.
ولهذا فإذا صدر
حكم يقضي بإحضار أصل من الأصول، فان الموثق ملزم بان يحرر نسخة ( نظير ) منه يضع
عليها توقيعه، ثم يشار فيها إلى مطابقتها لأصلها من طرف رئيس المحكمة الابتدائية
التي يمارس الموثق مهنته بدائرة نفوذها، وتحل محل الأصل إلى حين رده إلى مكتب
الموثق[35].
وتجدر الشارة إلى أن
الحق في منح النظائر والنسخ لا يملكه إلا الموثق صاحب المكتب ا والى من ينوب عنه ا
والى الموثق المسير للمكتب[36].
·
التزام الموثق بكتمان السر المهني
إن الموثق العصري
بصفته ناصحا للأطراف ملزم بالحفاظ على سرية ما يبوحون له به من معلومات أثناء
تعاقداتهم، ويجد هذا الالتزام الملقى على عاتق الموثق أساسه في المادة 24 من
القانون رقم 09-32، التي جاء فيها"يلزم الموثق بالمحافظة على السر المهني، ما
عدا إذا نص القانون على خلاف ذلك، ويقع نفس الالتزام على المتمرنين لديه وإجرائه"،
فضلا عن ان صيغة اليمين القانونية المضمنة في نص المادة 13 من نفس القانون ألزمت
الموثق بالحفاظ على السر المهني.
فالتزام الموثق في
هذه الحالة هو التزام بتحقيق نتيجة، والتي تتحلى في كتمان السر المهني، وإلا تحمل
عقوبة إفشاء السر المهني التي نص عليها الفصل 446 من القانون الجنائي.
والملاحظ أن هذا
الفصل لم يورد الأشخاص الملزمين بكتمان السر المهني على سبيل الحصر وإنما على سبيل
المثال فقط، لأنه بعد أن أشار بأنه يلحق بهؤلاء" كل شخص يعتبر من الأمناء على
الأسرار بحكم مهنته او وظيفته الدائمة او المؤقتة" ويدخل الموثق ضمن هؤلاء الأمناء
الذين تقصدهم هذه المقتضيات.
ولا بأس أن نشير إلى
أن هناك بعض الحالات المستثناة من واجب كتمان السر المهني:
ــ الحالة المنصوص
عليها في الفصل 378 من القانون الجنائي والمتعلقة بالشخص الذي يكون بحوزته دليل
براءة محبوس احتياطيا او مقدم للمحاكمة من اجل جنحة او جناية، فإذا كان بحوزة
الموثق مثل هذا الدليل وجب عليه تقديمه ولا مجال لاحتجاجه بموجبات حفظ السر
المهني.
ــ الحالة المنصوص
عليها في الفصل 430 من القانون الجنائي والمتعلقة بالشخص الذي يمتنع عمدا عن
التدخل المباشر لمنع وقوع جناية او جنحة تمس السلامة البدنية للأشخاص رغم قدرته
على ذلك دون تعريض نفسه او غيره للخطر.
ــ حالة أداء
الشهادة أمام المحكمة حيث قررت المادة 334 من قانون المسطرة المدنية إمكانية
الاستماع للأشخاص الملزمين بكتمان السر المهني وفق شروط خاصة[37].
هذا وتجدر الإشارة
إلى أن الأمر لا يقتصر وفقط على هذه الالتزامات بل إن الموثق يقوم بمسك الودائع
المالية للمتعاقدين والمحافظة عليها مهما كانت طبيعة هذه الودائع[38].
وبالتالي يمكن
القول وبخصوص مختلف التزامات الموثق على أن المشرع أناطه بعديد الالتزامات بهدف
حماية حقوق الزبناء المتعاقدين وتحقيق أمنهم التعاقدي، وهي التزامات الغالب فيها أنها
التزامات بنتيجة[39] على وذلك
من خلال الخدمة التي يقدمها والعقد الرسمي الذي يوفره للمتعاقدين ولعقودهم.
خاتمة
انطلاقا من المقتضيات
المنصوص عليها في بعض القوانين ونخص بالذكر الفصول 418 و 430 وكذا الفصل 489 من ق ل ع، والمادة 4 من مدونة الحقوق العينية وعديد
القوانين العقارية، والفصل 35 من ق 32.09 والعديد من فصول هذا القانون، ومن خلال دراستنا للالتزامات المهنية العقدية
والقانونية الملقاة على عاتق الموثق وارتباطا بهذه المقتضيات المنصوص عليها في
الفصول السابقة، وفي مدى تكييف هذه الالتزامات تماشيا ودور الموثق الوقائي الرسمي
الثبوتي للحقوق وللعقد التوثيقي المحرر من طرفه، يمكن القول على أن الموثق مناط
بعديد الالتزامات وعلى طول المراحل التي يمر منها العقد التوثيقي بدءا من تلقيه
لها إلى حين منحها الصبغة الرسمية، والتي تتداخل فيما بينها الشيء الذي يصعب من مأمورية
تكييفها، إلا أن المشرع المغربي نص بصريح العبارة ومن خلال بعض قراراته الصادرة عن
المجلس الأعلى"محكمة النقض حاليا" خاصة القرار الصادر في 2006 عدد
21114، على ان التزامات الموثق تبقى التزامات بتحقيق نتيجة سيرا وتوجه القانون
الفرنسي الذي اعتبر كل ما يقوم به الموثق من تحرير وتسجيل وتقييد للعقد التزامات
منه بتحقيق نتيجة للعقد التوثيقي ولتعاملات زبنائه.
لذلك لا يسعنا
القول إلا بكون الغالب والأصل في التزامات الموثق تبقى التزامات بتحقيق نتيجة، وما
يؤكد هذه النتيجة هو ذلك الهدف الذي يلجأ من خلاله المتعاقدين الى عرض تعاقداتهم
على مكتب الموثق والذي يبقى مأملهم الوحيد في صون حقوقهم وتحقيق الامن التعاقدي
لمعاملاتهم، ليس فقط بصبغته الرسمية بل بتهييء عقد فاعل يحقق للأطراف أحسن
النتائج، والتي تبقى كلها إشارات واضحة تلخص مدى النتيجة التي يود الأطراف الحصول
عليها بتوثيق عقودهم لدى الموثق وليست مجرد وسيلة ، وبعبارة أخرى يمكن القول على
ان الموثق بالتزاماته يبقى كوسيلة وأداة لتحقيق نتيجة للأطراف المتعاقدة ولعقودها
.
وبالتالي يمكننا
القول ومن خلال دراستنا للالتزامات المتعددة التي أناطها المشرع في القانون 32.09
بالموثق والتوجه الذي سار نحوه المشرع في تكريس الكتابة والرسمية في غالبية العقود
وعلى اختلاف أنواعها المدنية والتجارية والعقارية...، وفي عديد القوانين متجاوزا
في ذلك مبدأ سلطان الإرادة، والتي حاولنا قدر الإمكان تكييفها والتي يبقى الغالب
عليها أنها التزامات تتمثل في تحقيق نتيجة للعقد التوثيقي المحرر من طرفه، من خلال
جودة الخدمات والرسمية التي يوفرها لعقود زبنائه، وفي محاولة منه تكريس امن توثيقي
الغاية منه تحصين حقوق المتعاقدين والحفاظ عليها من الضياع ومن أي نزاع قد يثار
بخصوصها أمام العدالة الرسمية، وصولا لما قد نسميه أمنا تعاقديا وقائي لحقوق
المتعاقدين، الذي يبقى الغاية الأساس من وضع هذه الالتزامات على عاتق الموثق
وتجنبا لأي انزلاق أو خطا قد يقع فيه أثناء تحريره للعقود وعرض خدماته على الزبناء
ومن ثم إثارة مسؤوليته بهذا الخصوص، والتي يظهر من خلالها على انه باحترام الموثق
لالتزاماته سيكون بعيد كل البعد عن إمكانية إثارة أية مسؤولية في جانبه تجاه
العقود المحررة من طرفه.
لائحة المصادر
والمراجع:
الكتب:
مأمون الكزبري، نظرية
الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي،ج 1 مصادر الالتزامات،مطابع
القلم،ط 2 سنة 1972.
محمد الربيعي،
الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم، مطبعة الوراقة الوطنية الطبعة
الأولى: 2008
عبد المجيد بوكير،التوثيق العصري المغربي،
مكتبة دار السلام، الطبعة الثانية 2010
لبنى الوزاني، المسؤولية التأديبية على ضوء
العمل القضائي مطبعة دار السلام الرباط، ط 1: 2011
الرسائل
والأطروحات:
محمد الكامل، المسؤولية المدنية للموثقين في
التقنين المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القضاء والتوثيق، بجامعة القرويين،
كلية الشريعة، فاس، السنة الجامعية، 1430 هـ- 2009م
محمد الربيعي، المعاملات العقارية بين ظاهرة
انتشار المحررات العرفية وضمانات المحررات الرسمية أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في
القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة الحسن الثاني
بالدار لبيضاء السنة الجامعية: 1990-1991
كريم أيت عيسى،
أساس المسؤولية المدنية للموثقين، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية،
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط السنة الجامعية 2009-2010
المجلات
والقرارات:
المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية،
سلسلة مواضيع الساعة، العدد 69، الطبعة الاولى 2010.
محمد الربيعي،
التزام الموثق بإرشاد الزبون ونصحه، مقال منشور بمجلة الأملاك العقارية، العدد
الثاني سنة 2007
مجلة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مجلة
قانونية وقضائية متخصصة تصدر مرتين في السنة، العدد الثاني، 2012
مجلة المحاكم المغربية عدد 104 بتاريخ شتنبر / اكتوبر 2006،
المراجع باللغة
الفرنسية:
Moreau Philippe :
l’authenticité nationale obligatoire pour la sécurité des transmissions
immobilières- thèse 1941 Paris
القوانين:
-قانون الإلتزامات
والعقود
-القانون المنظم
لمهنة التوثيق32.09.
-القانون الجنائي
المغربي.
-قانون المسطرة
المدنية.
-قانون 14.07
المتعلق بالتحفيظ العقاري.
-المدونة العامة
للضرائب.
-قانون التوثيق
الجزائري.
-قانون التوثيق
المصري.
[4]- محمد الربيعي، التزام
الموثق بإرشاد الزبون ونصحه، مقال منشور بمجلة الأملاك العقارية، العدد الثاني سنة
2007، ص: 80.
[5]- كريم أيت عيسى، أساس
المسؤولية المدنية للموثقين، رسالة لنيل دبلوم الماستر في العلوم القانونية، كلية
العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، الرباط السنة الجامعية 2009-2010 ص:
34.
[6]- يتعلق الأمر بالقرار
عدد 587 الصادر بغرفتين: الغرفة الإدارية والغرفة المدنية بتاريخ 23 فبراير 2005
الملف المدني عدد 2482/1/1/2002، منشور في مجموعة قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو
جميع الغرف إعداد ادريس المحجوب، ج 4، طبعة 1 ص: 85.
[7]- محمد الربيعي،
الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات الصادرة عنهم، مطبعة الوراقة الوطنية الطبعة
الأولى: 2008 ص: 69.
[8]- مجلة محكمة الاستئناف
بالدار البيضاء، مجلة قانونية وقضائية متخصصة تصدر مرتين في السنة، العدد الثاني،
2012، ص:50.
[9]- محمد الكامل،
المسؤولية المدنية للموثقين في التقنين المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في
القضاء والتوثيق، بجامعة القرويين، كلية الشريعة، فاس، السنة الجامعية، 1430 هـ-
2009م ص121
[10]- القانون رقم 06-02
يتضمن تنظيم مهنة الموثق بالجمهورية الجزائرية.
[12]- محمد الربيعي،
المعاملات العقارية بين ظاهرة انتشار المحررات العرفية وضمانات المحررات الرسمية
أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية جامعة الحسن الثاني بالدار لبيضاء السنة الجامعية: 1990-1991 ص: 263.
[13]- قرار صادر عن محكمة
الاستئناف بفاس، الصادر بتاريخ 8 دجنبر 2004 في الملف رقم 1405-04-3 غير منشور.
[14]- محمد الربيعي،
الأحكام الخاصة بالموثقين والمحررات، الصادرة عنهم، م.س ص: 79.
[15]- حكم صادر عن المحكمة
الابتدائية بمراكش رقم 16 الصادر بتاريخ 15 أكتوبر 2009 في الملف عدد 1517/1/09
أشارت إليه لبنى الوزاني، المسؤولية التأديبية على ضوء العمل القضائي مطبعة دار
السلام الرباط، ط 1: 2011 ص: 17.
[16]-
Moreau
Philippe : l’authenticité nationale obligatoire pour la sécurité des
transmissions immobilières- thèse 1941 Paris, p : 85.
[17]- كريم آيت عيسى، أساس
المسؤولية المدنية للموثقين، م.س ص: 37-38.
ــ قرار المجلس الاعلى عدد 2144 في الملف المدني عدد 423 01/05/2004
الصادر بتاريخ 20/07/2005 ،منشور بمجلة المحاكم المغربية[33]
عدد 100
بتاريخ يناير/ فبراير 2006، ص:162.
ــ قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء المؤرخ في 25/11/2005 منشور
بمجلة المحاكم المغربية عدد 104 بتاريخ شتنبر / اكتوبر 2006،[34]
ص:95.
-المجلس الاعلى قرار عدد2144بتاريخ 20/07/2005
في الملف عدد2004/05/01/423،" نية المتعاقدين في اللجوء الى الموثق تنصرف الى
تحرير عقد تام صحيح وقابل للتنفذ والتزامه إزاءهم بهذا العمل هو التزام بتحقيق
غاية تستوجب اتخاذ الحيطة في تنفيذه"، منشور بقضاء المجلس الأعلى عدد 66 ص
96، وبجلة المعيار عدد 35 ص 149، ومجلة المحامي عدد 51 ص: 160.[39]
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق