نظرية الاعتداء المادي في التشريع المغربي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
نظرية الاعتداء المادي في التشريع المغربي
زهير
العمراني
باحث بسلك
الماستر
وحدة القانون
والممارسة القضائية
مقدمـــــــــــــــــــــــــــــــــة:
كثيرا ما تحتاج السلطة العامة في إشرافها على سير المرافق العمومية في تنفيذها لمخططاتها التنموية لعقارات، و قد خص المشرع المغربي العقارات المملوكة للدولة-نظرا للدور الذي تلعبه- بنظام قانوني خاص، و السلطة في حصولها على ما تحتاجه في هذا الصدد، تلجأ عادة إما إلى إقتناء أو مقايضة لعقارات خاصة، و أحيانا قد يوصى لها أو يوهب لها ذلك، من أجل إكمال النقص الذي تواجهه بغية تحقيق الصالح العام،و تتصرف في هذه الحالة كشخص عادي[1].
و قد يستعصي عليها الحصول على ما تحتاجه بالطرق
القانونية السالفة الذكر،حتى لا يتعرض نشاطها عموما للشلل، و تتعرض برامجها للتعثر
أباح لهل المشرع و بصفة استثنائية أن تلجأ إلى نظام نزع الملكية، و أحيانا أخرى قد
تسقط في م يعرف بالإعتداء المادي على حقوق الخواص.
و هكذا فإن الإعتداء المادي الذي تمارسه الإدارة هو
إعتداء على القانون، في تصرف ينطوي على مخالفة صارخة لمبدأ المشروعية، سواء في ما
يخص العقارات أو ما يصطلح عليه (الغصب )، أو المساس بإحدى الحريات الفردية،
المكفولة بموجب الدستور و المواثيق الدولية.
و الإعتداء المادي في الأصل لم يكن سوى نظرية ابتدعها
القضاء الفرنسي،للإلتفاف على المنع القانوني القاضي بعدم جواز عرقلة عمل
الإدارة،من طرف القضاء، و مفهوم تلك النظرية،
أن الإدارة كلما أتت عملا ماديا عديم الصلة بالقانون، إلا و نزعت عن نفسها
الصبغة الإدارية مما يجب معه معاملتها و الخواص سواء بسواء.
و قد كان أول تطبيق لهذه النظرية في القضاء الفرنسي في
الحكم الشهير لقضية " لازير" سنة 1837 ،و بعدها توالت التطبيقات
القضائية لهذه النظرية ، حماية لحقوق الأفراد من تعسفات الإدارة و تجاوزها للحدود
المرسومة لها قانونا.
أما بخصوص المغرب فيرجع أصل نظرية الإعتداء المادي إلى
الاختصاصات التي كانت تبث فيها وزارة الشكايات قبل الحماية، ومنها فحص الشطط في
استعمال السلطة وكذا أعمال التعدي المرتكبة من طرف الولاة والعمال، واعتبر الأستاذ
لحسن سيمو أن القضاء المغربي كان يعرف نظرية الإعتداء المادي تحت اسم أعمال التعدي
المشار إليه ضمن اختصاصات وزارة الشكايات. وكان للقضاء حينها كامل الولاية في
إصدار أوامر للإدارة بالعمل أو بالامتناع عن القيام بعمل كالإخلاء والهدم والإزالة
والترميم وبالتالي سيتعامل معها بشكل آخر !!!!!
لقد عرف الفقه الفرنسي الإعتداء المادي بأنه كل عمل مادي تنفيذي غير مشروع، ماس بالملكية الخاصة أو بالحريات العامة أو بحقوق الأفراد والجماعات صادر عن سلطة إدارية، وبالتالي يصبح مجردا عن صفته الإدارية وتفتقد الإدارة بسببه كل الإمتيازات المعترف لها بها كسلطة عامة، فتنزل منزلة الأفراد العاديين ويخرج عملها هذا عن رقابة القضاء الإداري .[2]
وعرفه الفقه المغربي أمثال الدكتور أمال المشرفي على انه كل عمل لا صلة له مطلقا بتطبيق نص قانوني أو تنظيمي، أو حتى بإحدى الصلاحيات المسندة للإدارة. فهو العمل الذي لا يمكن اعتباره عملا ذي طبيعة إدارية يمكن إدراجه ضمن ممارسة السلطة الإدارية.[3] وعرفه الدكتور عبد الله حداد بأن الإدارة تعتبر مرتكبة لاعتداء مادي إذا ما ارتكبت خطأ جسيما أثناء قيامها بعمل مادي يتضمن إعتداءا على حرية مواطن أو على عقار مملوك لأحد الأفراد. وهكذا يشترط ليقام نظرية الإعتداء المادي توفر ثلاثة عناصر: أن يكون العمل الذي تقوم به الإدارة عملا ماديا "الأعمال المادية هي التي لا تستحدث بها الإدارة ولا تعدل ولا تلغى فيها أية أثر قانونية بل يقتصر دورها على إقرار أو إثبات ما سبق أن قررته القوانين أو قررته الإدارة بنفسها بقرارات سابقة"[4]، ثم أن يرتكب أثناء القيام بالعمل المادي خطأ جسيم، وأخيرا أن يقع الاعتداء على حرية فردية أو عقار مملوك لأحد الأفراد. [5]الاعتداء المادي إذا هو قيام الإدارة بعمل يخالف مبدأ المشروعية – لا يستند إلى نص قانوني أو تنظيمي – مخالفة جسيمة وصارخة، ومست بذالك إحدى حريات الأفراد أو الملكية الخاصة، وفي هذه الحالة تنزل الإدارة منزلة الأفراد، ويفقدها ذلك التصرف امتيازات السلطة، ويعتبر في الأخير معدوما لا أثر له.
كما عرفه الأستاذ الحسن الوزاني شاهدي على انه ارتكاب الإدارة لعدم مشروعية جسيمة، وظاهر أثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي يتضمن اعتداء على حق الملكية أو مساسا بالحريات العامة ويكو في حد ذاته منعدم الاتصال بتطبيق أي نص قانوني أو تنظيمي أو حتى بإحدى السلطات المخولة للإدارة .
لقد عرف الفقه الفرنسي الإعتداء المادي بأنه كل عمل مادي تنفيذي غير مشروع، ماس بالملكية الخاصة أو بالحريات العامة أو بحقوق الأفراد والجماعات صادر عن سلطة إدارية، وبالتالي يصبح مجردا عن صفته الإدارية وتفتقد الإدارة بسببه كل الإمتيازات المعترف لها بها كسلطة عامة، فتنزل منزلة الأفراد العاديين ويخرج عملها هذا عن رقابة القضاء الإداري .[2]
وعرفه الفقه المغربي أمثال الدكتور أمال المشرفي على انه كل عمل لا صلة له مطلقا بتطبيق نص قانوني أو تنظيمي، أو حتى بإحدى الصلاحيات المسندة للإدارة. فهو العمل الذي لا يمكن اعتباره عملا ذي طبيعة إدارية يمكن إدراجه ضمن ممارسة السلطة الإدارية.[3] وعرفه الدكتور عبد الله حداد بأن الإدارة تعتبر مرتكبة لاعتداء مادي إذا ما ارتكبت خطأ جسيما أثناء قيامها بعمل مادي يتضمن إعتداءا على حرية مواطن أو على عقار مملوك لأحد الأفراد. وهكذا يشترط ليقام نظرية الإعتداء المادي توفر ثلاثة عناصر: أن يكون العمل الذي تقوم به الإدارة عملا ماديا "الأعمال المادية هي التي لا تستحدث بها الإدارة ولا تعدل ولا تلغى فيها أية أثر قانونية بل يقتصر دورها على إقرار أو إثبات ما سبق أن قررته القوانين أو قررته الإدارة بنفسها بقرارات سابقة"[4]، ثم أن يرتكب أثناء القيام بالعمل المادي خطأ جسيم، وأخيرا أن يقع الاعتداء على حرية فردية أو عقار مملوك لأحد الأفراد. [5]الاعتداء المادي إذا هو قيام الإدارة بعمل يخالف مبدأ المشروعية – لا يستند إلى نص قانوني أو تنظيمي – مخالفة جسيمة وصارخة، ومست بذالك إحدى حريات الأفراد أو الملكية الخاصة، وفي هذه الحالة تنزل الإدارة منزلة الأفراد، ويفقدها ذلك التصرف امتيازات السلطة، ويعتبر في الأخير معدوما لا أثر له.
كما عرفه الأستاذ الحسن الوزاني شاهدي على انه ارتكاب الإدارة لعدم مشروعية جسيمة، وظاهر أثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي يتضمن اعتداء على حق الملكية أو مساسا بالحريات العامة ويكو في حد ذاته منعدم الاتصال بتطبيق أي نص قانوني أو تنظيمي أو حتى بإحدى السلطات المخولة للإدارة .
نفس الاتجاه ذهب إليه القضاء المغربي حين عرف الاعتداء
المادي بأنه عمل مادي غير مرتبط بنص تشريعي أو تنظيمي، وليست له أية صلة بالقرارات
الإدارية الصادرة عن السلطة الإدارية. قرار مجلس الأعلى عدد 74 بتاريخ 12-3-1992.[6] وأيضا في قراره الصادر بتاريخ 4-12-1958 في قضية
فبليكس ضد الدولة المغربية، حين اعتبر المجلس الأعلى الإعتداء المادي محققا في
الحالة التي تكون فيها الإدارة قد اتخذت تصرفا لا صلة له بأية صفة من الصفات
بالسلطات التي تستعملها الإدارة والتي خولت لها بمقتضى القوانين المعمول بها.[7]
وفي أمر استعجالي لرئيس المحكمة الإدارية بالرباط في قضية شركة ميديا تروست ضد
الحكومة المغربية، جاء فيه على أن الإعتداء المادي يتحقق عندما تأتي الإدارة بعمل
مادي تنفيذي سواء تعلق الأمر بتنفيذ قرار إداري أم لا، متى شاب هذا العمل خطأ
جسيم، أو أن يشتمل التنفيذ على عيب جسيم يخلع عن عمل الإدارة الصفة العامة ويحوله
إلى تصرف مادي وفي جميع الحالات يتعين أن تكون المخالفة القانونية بالغة الجسامة. [8]
ويتميز الإعتداء المادي عن غيره من الأعمال المادية الأخرى كالغصب والاستيلاء بالقوة والأعمال الإدارية المنعدمة، والأعمال الإدارية الباطلة "الخطأ البسيط" بكون الإعتداء المادي يتحد ويجتمع معها في انعدام المشروعية، لكنه يختلف عنها. فهو يختلف عن الغصب والاستيلاء بالقوة في كون هذين الأخيرين ينصبان على العقار فقط ويكفي في ذلك بالمخالفة البسيطة لعدم المشروعية في حين أن الاعتداء المادي يرد على العقار والمنقول أيضا كما أنه وكما سبق ذكره تكون مخالفة عدم المشروعية جسيمة وبالتالي فهو أوسع من الغصب والاستيلاء بالقوة،[9] كما يختلف عن الأعمال الإدارية المنعدمة التي تكون منعدمة أساسا بمجرد اتخاذها دون حاجة إلى تنفيذها أي أنها في حكم البطلان المطلق من ساعة صدورها، كما يختلف عن الأعمال الباطلة لكون هذه الأخيرة مشوبة فقط بعيب الخطأ البسيط. في حين يوصف الإعتداء المادي كما أسلف الذكر بأنه عمل مادي تنفيذي صادر عن سلطة إدارية دون غيرها وينطوي على خطأ جسيم وصارخ يتمثل في الإعتداء الواضح على ملكية خاصة أو حرية شخصية. [10]
والإعتداء المادي حسب الأستاذ الحسن سيمو لا يتحقق إلا بشرطين، الأول أن يكون هناك مساس خطير بالملكية الخاصة أو الحريات الأساسية، والثاني يستوجب أن يكون تصرف الإدارة مجردا من صفة النشاط الإداري، ويصعب ربطه بتنفيذ نص قانوني أو تنظيمي. و قد سبقت الإشارة إلى أن الإعتداء المادي , هو ارتكاب الإدارة لخطأ جسيم و ظاهر اأثناء قيامها بعمل مادي تنفيذي, يتضمن اعتداء على حرية فردية أو على مال مملوك لأحد الأفراد. من هنا يمكننا التساؤل عن العناصر التي يرتكز عليها الإعتداء المادي.؟؟
ويتميز الإعتداء المادي عن غيره من الأعمال المادية الأخرى كالغصب والاستيلاء بالقوة والأعمال الإدارية المنعدمة، والأعمال الإدارية الباطلة "الخطأ البسيط" بكون الإعتداء المادي يتحد ويجتمع معها في انعدام المشروعية، لكنه يختلف عنها. فهو يختلف عن الغصب والاستيلاء بالقوة في كون هذين الأخيرين ينصبان على العقار فقط ويكفي في ذلك بالمخالفة البسيطة لعدم المشروعية في حين أن الاعتداء المادي يرد على العقار والمنقول أيضا كما أنه وكما سبق ذكره تكون مخالفة عدم المشروعية جسيمة وبالتالي فهو أوسع من الغصب والاستيلاء بالقوة،[9] كما يختلف عن الأعمال الإدارية المنعدمة التي تكون منعدمة أساسا بمجرد اتخاذها دون حاجة إلى تنفيذها أي أنها في حكم البطلان المطلق من ساعة صدورها، كما يختلف عن الأعمال الباطلة لكون هذه الأخيرة مشوبة فقط بعيب الخطأ البسيط. في حين يوصف الإعتداء المادي كما أسلف الذكر بأنه عمل مادي تنفيذي صادر عن سلطة إدارية دون غيرها وينطوي على خطأ جسيم وصارخ يتمثل في الإعتداء الواضح على ملكية خاصة أو حرية شخصية. [10]
والإعتداء المادي حسب الأستاذ الحسن سيمو لا يتحقق إلا بشرطين، الأول أن يكون هناك مساس خطير بالملكية الخاصة أو الحريات الأساسية، والثاني يستوجب أن يكون تصرف الإدارة مجردا من صفة النشاط الإداري، ويصعب ربطه بتنفيذ نص قانوني أو تنظيمي. و قد سبقت الإشارة إلى أن الإعتداء المادي , هو ارتكاب الإدارة لخطأ جسيم و ظاهر اأثناء قيامها بعمل مادي تنفيذي, يتضمن اعتداء على حرية فردية أو على مال مملوك لأحد الأفراد. من هنا يمكننا التساؤل عن العناصر التي يرتكز عليها الإعتداء المادي.؟؟
فبالرجوع إلى أحكام محكمة التنازع الفرنسية التي أرست معالم نظرية الإعتداء
المادي , يتبين أن هذه العناصر تحددت في عنصرين و هما : أن يتعلق الأمر بوجود تصرف
إداري مشوب بعيب جسيم من عيوب المشروعية و أن يقع هذا الإعتداء على الملكية الخاصة
أو إحدى الحريات العامة.
فما هي إذن أهم شروط و تجليات الإعتداء المادي في القانون المغربي ؟؟؟
هذا ما سنحاول الإجابة عنهبنوع من التفصيل، و ذلك من خلال الحديث عن شروط
الإعتداء المادي كمطلب أول، ثم التطرق لتجلياته كمطلب ثاني.
المطلب الأول : شروط الإعتداء المادي
لتحقق الإعتداء المادي، لابد من وجود تصرف
قانوني أو عمل مادي صادر عن الإدارة ( أولا ) و أن يكون هذا العمل متسم بعيب جسيم
و واضح من عيوب عدم الشرعية ( ثانيا )
أولا : وجود
تصرف أو عمل صادر عن الإدارة
لعمل أو تصرف الإدارة عدة
تمظهرات لعل أبرزها :
أ- الإعتداء المادي الناتج عن
أعمال قانونية: و يقصد بها تلك القرارات التي لا تحتاج في تنفيذها إلى وسائل مادية
للتنفيذ[11]
. فإذا بلغت تلك القرارات حد الإنعدام , بمعنى شابها عيب جسيم و صارخ في عدم
شرعيتها , ففي هذه الحالة يتحقق الإعتداء المادي في تلك القرارات , ومثالها القرار
الصادر برفض منح جواز السفر أو القرار الصادر بمنع تمكين فرد من الدخول إلى مسكنه.
غير أنه لا يكفي أن يكون القرار معيبا بأحد عيوب الشرعية البسيطة(عيب الإختصاص-عيب
المحل-عيب السبب-عيب مخالفة القانون-عيب
الغاية) لكي ينشأ عنه اعتداء مادي ,بل إن محكمة التنازع الفرنسية حددت مقدار العيب
اللازم لتوافر الإعتداء المادي بأنه العيب الذي يصل إلى مخالفة القرار للقانون
بدرجة يتعذر معها القول بأنه يعتبر تطبيقا لقانون أو لائحة[12] و عليه فالقرار الباطل لا يعد مصدرا
للإعتداء المادي.
و ما تجدر الإشارة إليه أن
مجال القرار المعدوم واسع جدا,فليس من شأن كل قرار معدوم أن يرتب اعتداء مادي , بل
لابد أن يكون ماسا بإحدى الحقوق و الحريات ,كما أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل
يمكن للقرار المعدوم أن يشكل اعتداءا ماديا مستقلا عن إجراءات تنفيذه أم يشترط
دائما التنفيذ؟
اختلف الفقه بصدد هذه المسألة
إلى اتجاهات مختلفة. فذهب جانب أول إلى أن القرار المعدوم بذاته و مستقلا عن
تنفيذه يمكن أن يرتب وجود الإعتداء المادي, و ذهب جانب اخر إلى اشتراط وجود تنفيذ
يتمثل في أعمال مادية خارجية لوضع القرار المعدوم موضع التنفيذ لكي يوجد الإعتداء
المادي.وعكس هاذين الإتجاهين لاحظ الفقيه دولوبادير أنه " عمليا يرى القضاء
بأنه يكفي أن يكون هناك تهديد معين من أجل
تنفيذ قرار منعدم المشروعية لكي نصبح أمام اعتداء المادي"
أما القضاء سواء في المغرب أو
في فرنسا و مصر,فيجمع على أن القرار الإداري المتسم بعدم المشروعية الجسيمة يمكن
أن يؤدي-ودون حاجة إلى تنفيذه- إلى ترتيب وجود الإعتداء المادي.
إلا أن حالات الإعتداء المادي
المترتبة عن قرارات إدارية تبقى نادرة ,فيما أن أغلبيتها كثيرا ما تكون نتيجة
إجراءات التنفيذ نفسها.
ب- الإعتداء المادي الناتج عن أعمال مادية: إذا كان
الإعتداء المادي الناتج عن القرار النافذ المعدوم قليل و نادر في الحياة العملية,
فأن الإعتداء المادي الناشئ عن العمل المادي للإدارة هو الشائع و الكثير الحدوث في
التطبيق العملي, و يتخذ الإعتداء المادي ثلاث مظاهر أساسية:
- التنفيذ المادي بدون قرار
إداري سابق:و أهم تطبيقاته الإستيلاء على حقوق الأفراد, و مثالها العمل المادي
التنفيذي بنزع الملكية قبل إعلان المنفعة العامة.فقد أوضح القضاء أن استيلاء
الإدارة على أراضي الغير بدون اتباع إجراءات نزع الملكية و بدون اتخاذ أي إجراء
قانوني مسبق . فقد قضى المجلس الأعلى بأن "استيلاء ابإدارة على قطعة أرضية و
تحويلها إلى ساحة عمومية دون اتباع مسطرة نزع الملكية من قبيل الإعتداء المادي[13]
و إذا كان أغلب الفقه يعتبر
أن غياب السند القانوني كافي لوحده لقيام الإعتداء المادي ,فإن بعضهم يذهب إلى
اعتبار غياب هذا السند لا يكفي وحده لترتيب الإعتداء المادي على أساس أن الإدارة
تستطيع تصحيح الإعتداء المادي بإصدارها قرارا جديدا يصحح ما قام من اعتداء.[14]على
أملاك.
- تنفيذ مادي مستند إلى قرار
قضي ببطلانه: وصورته أن تقوم الإدارة بإصدار قرار إداري ثم تتخذ الأعمال المادية
لتطبيقه ,ويأتي القضاء الإداري فيحكم بإلغاء القرار و بطلانه.فما الوضع بالنسبة
للأعمال المادية التنفيذية التي سبق للإدارة أن اتخذتها قبل صدور قرار البطلان؟ هل
يمكن أن يترتب عنها وجود الإعتداء المادي؟
اختلف موقف القضاء الفرنسي في
هذا الشأن ,فذهبت محكمة النقض إلى أن التنفيذ المادي لقرار إداري قضي فيما بعد
ببطلانه يرتب إعتداء ماديا , و ذهبت محكمة التنازع إلى رأي مخالف و رأت أنه لا
يترتب اعتداء مادي شعلى الفعل المادي الذي قامت به الإدارة لتنفيذ قرارها قبل صدور
الحكم بالبطلان[15]
- التنفيذ المباشر غير
الشرعي: الأصل هو خضوع الإدارة في قيامها بنشاطها لمبدأ الشرعية.فإذا كان عملها
صارخا في مخالفته للقوانين و اللوائح,عد قرارها معدوما و تنفيذه إعتداءا ماديا.
ويضمن المشرع للإدارة امتياز
التنفيذ المباشر,بمقتضاه تستطيع بإرادتها المنفردة أن تصدر قرارات تكون نافذة قبل
الأفراد دون حاجة إلى تدخل القضاء.غير أن مخالفة
الإدارة للمبادئ و الشروط التي يقوم عليها التنفيذ المباشر , ينتج عنه
اعتداء مادي,لأن التنفيذ يصبح بدون سند من القانون.
ثانيا: إتسام
العمل بعيب جسيم و واضح من عيوب عدم الشرعية
يرجع الفضل إلى الفقيه
الفرنسي "لافريير" في تحديد مدى جسامة العيب الذي ينجم عنه الإعتداء
المادي و ذلك في تقريره كمفوض للحكومة إلى محكمة التنازع في قضية "لومونييه
كاريول"بتاريخ 5 ماي1877 عندما أوضح أن الفعل المرتكب من شخص عادي و مجرد من
كل سلطة ليس فقط قابلا للإلغاء,بل هو عمل منعدم,و إجراءات تنفيذه يمكن أن ينشأ
عنها في بعض الأحيان الإعتداء المادي.
و مع ذلك ظل موقف كل من
المحاكم القضائية الفرنسية و مجلس الدولة متباينا في تحديد معيار القرار
المعدوم,الذي يؤدي تنفيذه إلى وجود الإعتداء المادي حتى أصدرت محكمة التنازع حكمها
في قضية "شنايدر"[16]
ووضعت معيارا محددا لمقدار الجسامة المطلوبة للقول بوجود اعتداء مادي و مما ورد
بهذا الحكم ما يلي:"إنه إذا كانت حماية الملكية الفردية تدخل في اختصاص
المحاكم القضائية,فإن المهمة الملقاة على عاتق هذه المحاكم تتحدد بالحظر المفروض
عليها و هو عدم الخوض في شرعية القرارات الإدارية , إلا في حالة المخالفة الصارخة
للقانون بحيث لا يصدق على القرار نص قانون أو لائحة , فإنه يكون اعتداء ماديا تختص
المحاكم القضائية بنظره "
فلا يكفي أن يكون القرار
معيبا بعيب بسيط من عيوب القرار الإداري المتعارف عليها,و إنما من الضروري أن
يخالف القرار القانون مخالفة صارخة بحيث يكون من شان هذا العيب الجسيم أن لا يعد
القرار تطبيقا لنص من قانون أو لائحة.
و يناصر الفقه المغربي هذا
التفسير و يعتبر أن الإعتداء المادي ينشأ عند قيام الإدارة بنشاط مادي تنفيذي
يتضمن اعتداء على حق الملكية أو مساسا بحرية من الحريات العامة و يكون في حد ذاته
منعدم الإتصال بتطبيق أي نص قانوني او تنظيمي أو حتى بإحدى السلطات المخولة
للإدارة.
كما أن الإجتهاد القضائي
المغربي دأب على تبني هذه القاعدة,فقد حكمت المحكمة الإدارية بالرباط
بأنه"إذا خرجت الإدارة أثناء مباشرتها لوظائفها الإدارية عن الحدود المقررة
لها في القانون خروجا يشكل اعتداء صارخا و جسيما على مبدآ الشرعية فإن العمل
الإداري يفقد في هذه الحالة طبيعته الإدارية و تنقطع الصلة بينه و بيه القانون و
يصبح مجرد عمل مادي يشبه عمل الأفراد العاديين"[17].
صفوة القول ,إن الإعتداء
المادي يستلزم وجود اعتداء جسيم وواضح بحيث يكون صارخا في عدم شرعيته و عدم
قابليته لأن يكون تطبيقيا لنص قانوني أو لائحي أو أن يكون مظهرا لممارسة اختصاص
تملكه الإدارة.
المطلب
الثاني : تجليات الإعتداء المادي للإدارة بالمغرب
تتجلى مظاهر الاعتداء المادي
في مظهرين أساسيي، الأول يتمثل في الإعتداء على ملكية خاصة ( أولا )، ثم الإعتداء
على حريات الأفراد والتي حددها الباب الأول من الدستور ( ثانيا ).
أولا:
الإعتداء على الملكية الخاصة
ينص الفصل 35 من دستور 2011
على أنه "يضمن القانون حق الملكية
ويمكن الحد من نطاقها
وممارستها بموجب القانون إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية
للبلاد .ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها
القانون "
إلى أن الإدارة أحيانا تلجأ
إل احتلال عقار أو تضع يدها على منقول مملوك لأحد الأفراد دون إتباع الإجراءات
القانونية والمسطرية اللازمة لذلك تحت ذريعة الإستعجال أو تعقد وطول المساطر،
وبذلك يتجرد عملها هذا من أية صفة إدارية، وتنزل منزلة الفرد العادي.
فأمر استعجالي لرئيس المحكمة
الإدارية بوجدة بتاريخ 6 مارس 2007[18]
اعتبر" أن الإدارة بوضع يدها على عقار دون سلوك إجراءات مسطرة نزع اللكية
للمنفعة العامة أو مسطرة الإقتناء بالمراضاة يضفي على تصرفها صفة الإعتداء المادي
وبالتالي أمر بإيقاف الأشغال التي كانت الإدارة قد بدأتها فوق العقار."
والقضاء الإداري المغربي مليء بأمثلة أخرى ف هذا
الصدد، نذكر منها على سبيل المثال: إقدام الدولة على إقامة مدرسة على ملك الغير
الخاص دون موافقة أو إذن المالكين، حكم عدد 4 للمحكمة
الإدارية بأكادير بتاريخ 6 أكتوبر 1994 ف قضية
نسيم ورشيل بن يعيش ضد الدولة الغربية، أو مد قنوات صرف المياه بأرض الطاعن دون رضاه ودون اللجوء إلى مسطرة نزع
الملكية، حكم عدد 65 للمحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 23 فباير 1995 في قضية العناية بنداوي ومن معه ضد الجماعة
القروية لعين سبت، وكذا استيلاء جماعة حضارية على عقار المدعية واستعماله مستودعا
للسيارات والدراجات المحجوزة، حكم عدد 70 للمحكمة الإدارية بالدار البيضاء بتاريخ 21 مارس 2001 في قضية شركة الاتصال ومن معها ضد بلدية الدريسية , وكدا حيازة
المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء عقار ملوك للغير دون سلوك مسطرة نزع الملكية يعتد
اعتداء ماديا، حكم للمحكمة الدارية بالدار البيضاء بتاريخ 29
دجنبر 1999، كما أن هدم
عقار المدعي دون وجه حق هو صورة من صور الاعتداء المادي، حكم عدد 17 للمحكمة
الإدارية بوجدة بتاريخ 20 فبراير 2002 قضية ميمون القضاوي ضد عامل إقليم الناظور.[19]
كما قد يكون اعتداء الإدارة على ملكية منقولة وليس فقط
على ملكية عقارية، كأن تضع الإدارة يدها على بضائع أو أشياء أخرى منقولة دون
موافقة المالك ودون صدور قرار بالاستيلاء، وكأن تقوم ببيع المنقولات المملوكة
لتاجر دون إتباع الإجراءات الجوهرية للاستيلاء.
لكن هناك حالات يرفض فيها
القضاء تكييف تصرف الإدارة على أنه يشكل إعتداء مادي، فمثلا إذا كان هناك اتفاق
مبدئي بين الإدارة والمالك أو الترخيص من هذا الأخير للدولة بالإستيلاء على ملكه
والتصرف فيه بشتى أنواع التصرف، حيث ينتفي عنصر المساس بحق الملكية وتنعدم ظاهرة
الإعتداء المادي بالرغم من تحققها قانونيا، كذلك العمل المادي غير المشروع المرتكب في حالة الضرورة أو الظروف
الاستثنائية فإنه لن يرقى إلى اعتداء
مادي. فيحكم القاضي برفع الإعتداء وذلك بأمره بالإفراغ، أو بالتعويض عن الضرر
الحاصل أو هما معا، إلى انه في حالة قيام الإدارة بإنشاء مرافق فوق العقار الذي
نزعته، لن يمكن رفع هذا الاعتداء وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بل تكتفي
بالتعويض عن الضرر الحاصل، وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكم رقم
525 بتاريخ 26
ماي 2004 حيث جاء في إحدى حيثيات الحكم بأنه بالنظر لكون[20] " العقار موضوع الاعتداء الاداري قد شيد فوقه
مرفق عمومي فإن طلب الإفراغ يكون غير مبني على أي أساس لتعذر إرجاع الحالة إلى ما
كانت عليه قبل الاعتداء."
ثانيا:
الاعتداء على إحدى الحريات الفردية
لا تقتصر نظرية الاعتداء المادي على حق الملكية فقط،
بل تشمل أيضا المساس بأي حرية أساسية أخرى يضمنها الدستور، فنجد الباب الثاني من دستور 2011 يضمن مجموعة من الحقوق لكل المواطنين كحرية
التجول والاستقرار، وحرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع… بالإضافة إلى نصوص أخرى من هذا الدستور و التي تضمن لكل المواطنين
المغاربة مجموعة من الحقوق السياسية، إلى أن الاجتهاد القضائي الإداري المغربي
مازال خجولا نوعا ما في هذا المجال وإن كان هو الذي يحمي المواطنين من تعسف
السلطة، وإذا كان القضاء الإداري المغرب غزير بأحكام متعلقة بالاعتداء على الملكية
الخاصة، فإن العكس نجده في مجال الاعتداء على الحريات الفردية.
و أهم الأحكام الصادرة في هذا المجال تتعلق أساسا
بحرمة السكن وحرية الصحافة، فبخصوص الأول نذكر نازلة علي بوسفية، يتعلق الأمر هنا
بأمر استعجال صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 7
نونبر 1999 ضد المفتشية العامة للقوات المساعدة، وتتلخص وقائع هذه النازلة في أن علي بوسفية تعرض مسكنه للاقتحام من طرف الإدارة حيث قامت بترحيل أمتعته دون
سلوك المسطرة القضائية الواجبة الإتباع، فقدم هذا الأخير مقالا استعجاليا أمام
المحكمة الإدارية بالرباط لكونه لم يتلقى أي حكم قضائي بالإفراغ، وجاء في إحدى
حيثيات هذا الأمر "أن هذا العمل الذي قامت به الإدارة المدعى عليها يشكل
انتهاكا لحرمة المنزل المضمونة بالدستور الذي نص في فصله العاشر و الرابع و
العشرون في الدستور الجديد على أن المنزل لا تنتهك حرمته، وحيث أن الإدارة حينما
تعتدي بشكل صارخ على حق الملكية أو على حق من الحقوق الفردية أو الجماعية، فإن
قيامها بتنفيذ عملها الاداري هذا، يدخل في إطار الاعتداء الاداري، ونتيجة لذلك قضت
المحكمة بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل إقدام المدعى عليه على اقتحام
المنزل".[21]
[2] مجلة المحاكم المغربية ,عدد86 ,ص 190.
[3] أمال المشرفي :الإعتداء المادي للإدارة في العمل القضائي للمحاكم الإدارية
بين التطور والتراجع ,المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية , سلسة مواضيع
الساعة,عدد 47 سنة 2004,ص35
[4] مليكة الصروخ :القانون الإداري دراسة مقارنة ,الشركة المغربة للنشر,ط6
نونبر 2006,ص 507.
[5] عبد الله حداد : القضاء الإداري على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية
,منشورات عكاظ ,ط2, 1995 ,ص49
[6] أشار له : عبد الله حداد : القضاء الإداري
على ضوء القانون المحدث للمحاكم الإدارية,م.س ,ص49
[7] مجلة المحاكم المغربية ,عدد86 ,ص
190
[9] مصطفى كيرة :نظرية الإعتداء المادي في القانون الإداري ,دار النهضة
العربية،1964,ص115.
[10] لحسن سيمو :قضاء الإلغاء و الأعمال المادية الإدارية,مقال منشور بالمجلة
المغربية للإدارة المحلية و التنمية,العدد 1 ، 1995، ص41.
[17] حكم المحكمة الإدارية بالرباط عدد 96
بتاريخ 13أبريل 1995 ملف رقم 95\17 قضية
شركة بوغاز ش,م ضد الوزير الأول
[20] حكم منشور بجلة المحاكم الغربية عدد 107، ص .116
[21] أمر منشور
بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 31، مارس-أبريل 2000، ص157
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق