تنفيذ الأحكام القضائية ضد أشخاص القانون العام على ضوء مشروع قانون المسطرة المدنية
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تنفيذ الأحكام القضائية ضد أشخاص القانون العام على ضوء مشروع قانون
المسطرة المدنية
يوسف الحفناوي
طالب باحث بماستر التوثيق و المنازعات المدنية _سلا
لا يخفى أن تنفيذ الأحكام القضائية هو
الهدف المتوخى من اللجوء إلى القضاء، إذ لا ينفع التكلم بحق لا نفاذا له[1].
كما أن عدم التنفيذ أو التأخير يلحق ضررا جسيما بالمحكوم له، و يؤثر على مصداقية
الأحكام و على ثقة المواطنين في القضاء.
فإن ما
يتوخاه كل متقاض من دعواه ليس هو فقط صدور الحكم لمصلحته بل أيضا ترجمة منطوق هذا
الحكم على أرض الواقع و ذلك عن طريق تنفيذه و بدون أدنى تلكؤ أو تباطؤ سيان في ذلك
أن يكون خصم ذلك المتقاضي شخصا من أشخاص القانون الخاص أو شخصا من أشخاص القانون
العام[2].
فتحقيق
العدالة بين الفرد و الدولة علي اختلاف إيديولوجيتها و أنظمتها السياسية تشكل حلقة
اختلاف بين الفرد ودولته مما أدى إلى تضافر الجهود و تكاثفها في القضاء و التشريع
كل من جانبه و في حدود اختصاصاته سواء من خلال صياغة القوانين الوضعية، أو من خلال
الاجتهادات القضائية و الأهم هو تنفيذ هذه القوانين و الأحكام و القرارات الصادرة
ضمانا و صونا للحقوق و الحريات و تحقيقا لمبدأ المشروعية [3].
و مع ذلك
فإن ما يتوخاه المواطن من رفع دعواه لدى القضاء، ليس هو إغناء الاجتهاد القضائي و
المساهمة في إعطاء مادة للدارسين و المهتمين في هذا المجال، فالمواطن عندما يتوجه
إلى القضاء ، فإنه يسعى لاستصدار حكم لصالحه يحمي حقوقه المعتدى عليها من قبل
الإدارة و هذه الحماية تبقى نظرية . ما لم يجد القاضي الوسيلة لإجبار الإدارة على
تنفيذه في حالة امتناعها عن ذلك.
فمما لا شك
فيه أن فعالية الأحكام القضائية تكمن في أن تجد مجالا لتطبيقها في الواقع العملي،
إذ لا فائدة من صدور حكم قضائي يقتصر أثره على إنهاء حالة التجهيل حول الحق
المتنازع عليه دون أن يجد مجالا لتنفيذه ، و لا فائدة من أن يضمن القانون للأفراد
حق اللجوء إلى القضاء، ثم يتوقف إما حقيقة نابعة من مبدأ فصل السلط، و هي أن تنفيذ
الأحكام و القرارات القضائية يتوقف على خضوع الإدارة الاختياري و إقدامها طوعا على
الالتزام بمضمون هذه الأحكام. و لهذا كان لابد من البحث عن وسائل يستطيع بها
القاضي الإداري أن يحث على التنفيذ، وعند الضرورة أن يجبرها على ذلك عن طريق الضغط
و الإكراه[4]
.
فظاهرة عدم
تنفيذ الإدارة للأحكام الصادرة في مواجهتها ليست بإشكالية جديدة بل هي ظاهرة
معروفة منذ القدم، ولا أدل على ذلك من مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق
"جاكسون" سنة 1832 في حق القاضي "مارشال" رئيس المجلس الأعلى
للولايات المتحدة الذي قال " لقد
أصدر مارشال حكما لينفذه إن استطاع"[5].
و الحقيقة أن مشكل التنفيذ هو إحدى المشاكل في
عالم المحاكم و يدق هذا المشكل أكثر عندما تكون الإدارة طرفا في عملية التنفيذ
بصورة أو بأخرى، و السبب هو احتكار الإدارة لسلطة الإلزام بحكم فصل السلط .
فما من حكم بالضرورة حائز لقوة الشيء المقضي
به إلا و لزم تنفيذه و لو بالجبر و الإكراه احترما لتلك القوة و هذا ما يجعل
" مسؤولية التنفيذ كما يقول المغفور له الحسن الثاني بأنها أكبر المسؤوليات.
لان عدم تنفيذ أو التماطل فيه يضيف رحمه الله بأنه يجر المرء إلى تفكير أخر و هو
انحلال الدولة[6].
و قد شكل
إحداث المحاكم الإدارية[7]
حدثا بارزا و طفرة ايجابية في تاريخ القضاء العادي، و قد استطاعت هده المحاكم
إبراز الدور الايجابي المنتظر منها. و ذلك عن طريق ترسيخها لعدد من المبادئ و
ابتكارها لعدة قواعد قائمة على العدل و الإنصاف .
فقد تطور
مبدأ تنفيذ الأحكام إلى أن صار مبدأ دستوري كرسه الفصل 126 من الدستور الجديد
للمملكة بتنصيصه على " يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن
القضاء" باعتبار أن أحكام القضاء ما هي إلا تطبيق للقانون الواجب النفاذ حيال
الجميع.
فالمشرع
الدستوري لما وضع التوجهات الأساسية لتنفيذ الأحكام الإدارية ترك الباب مفتوحا من
اجل إخراج المنظومة التشريعية الملائمة لهذه التوجهات بغرض تعزيز استقلال القضاء و
رفع من فعاليته و صيانة حرمة أحكامه، مما يستند على صياغة واضحة لقواعد قانونية
تتميز بالسرعة و الشفافية و النجاعة تكريسا للمقاربة الدستورية لمبدأ إلزامية
تنفيذ الأحكام القضائية مع ما يترتب على ذلك من أثار قانونية. فما مدى توفق القضاء المغربي في تجاوز الصعوبات التي
تعترض تنفيذ المقررات القضائية الصادرة ضد أشخاص القانون العام؟
إن رصد الواقع العملي يبن أن تقاعس أشخاص
القانون العام عن تنفيذ أحكام القضاء شكل باستمرار مظهرا سلبيا يؤشر على عدم
التزام الإدارة بتنفيذ المقررات القضائية. غير أن القضاء المغربي جابه هذا الواقع
من خلال تفعيله للمقتضيات القانونية المناسبة لوضع حد لهذه الظاهرة. فما هي إذن
مظاهر هذه الظاهرة المتمثلة في امتناع أشخاص القانون العام عن تنفيذ المقررات
القضائية؟ و ما هو الدور الذي لعبه القضاء للمواجهة هذه الظاهرة؟
سنحاول
الإجابة على هذه التساؤلات و غيرها من خلال خطة البحث التالية
المحور الأول: إشكالية امتناع أشخاص القانون العام عن
تنفيذ الأحكام القضائية
المحور الثاني: دور القضاء في حل
إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية ضد الأشخاص
القانون العام.
المحور الأول: إشكالية امتناع أشخاص القانون العام عن
تنفيذ الأحكام القضائية
إن تنفيذ الأحكام القضائية يطرح عدة تساؤلات
حول ما إذا كان الهدف من اللجوء إلى القضاء هو استصدار أحكام قضائية وتنفيذها
فهناك تساؤلات عدة عن ملفات التي تبقى متراكمة دون تنفيذها نظرا لتقاعس الإدارات
عن تنفيذها، والمساعدة على ذلك.
المطلب
الأول: مبررات امتناع أشخاص القانون العام عن تنفيذ الأحكام القضائية
إن ما يتوخاه كل متقاضي من دعواه ليس هو فقط
صدور الحكم لمصلحته بل أيضا و بالأساس ترجمه منطوق هذا الحكم على أرض الواقع، بالرغم
من أن يكون ذلك المتقاضي شخصا من أشخاص القانون الخاص أو شخص من أشخاص القانون
العام.
وحقيقة الأمر أن مشكل التنفيذ هو من إحدى
المشاكل المشهورة في عالم المحاكم، ويدق هذا المشكل عندما يكون الإدارة طرفا في
عملية التنفيذ سواء لصالحها أو ضدها والسبب في كون الإدارة تمتنع عن تنفيذ
أحكامها، هو احتكارها لسلطة الإلزام فصل السلط، وكذا إلزامها على تسخير قوتها
للمساعدة على تنفيذ حكم يصدر فيما بين الخواص.
الفقرة
الأولى: غياب مسطرة قانونية خاصة بتنفيذ الأحكام الإدارية.
يلاحظ بداية أن قانون 41.90 المحدث للمحاكم
الإدارية ، لا ينص على مسطرة خاصة بتنفيذ الأحكام الإدارية مكتفيا بالإحالة على
قواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري لأحكام المدنية كما هي منصوص عليه في قانون
المسطرة المدنية.
فالتنفيذ الأحكام الإدارية طبقا للقانون السالف
الذكر لم يخص سوى بمادة واحدة وهي المادة 49 التي تنص على أنه يتم التنفيذ بواسطة
كتابة الضبط التي أصدرت الحكم[8]،
مع تنصيص المادة 7 من نفس القانون على تطبيق المحاكم الإدارية لمقتضيات قانون
المسطرة المدنية[9].
والمستخلص من هذا الأثر القانوني أن المحاكم
الإدارية لا تتوفر على مرجعة قانونية خاصة بها بشأن تنفيذ الأحكام الصادرة عنها التي يظل إطارها
القانوني القواعد العامة للتنفيذ الجبري لأحكام المنصوص عليها في قانون المسطرة
المدنية، رغم أن هذه القواعد لا تخاطب أشخاص القانون العام الذين يمارسون سلطات في
مواجهة حقوق وحريات الأفراد من قبل سلطات الضبط الإداري واتخاذ القرارات الإدارية
والتنفيذ المباشر والتنفيذ الجبري وامتيازات الإدارة العامة المتعاقدة في مواجهة
الطرف المتعاقد معها والسلطة الرئاسية التي تمارسها على العاملين في مختلف مرافقها
وأعمال السادة. مما يطرح إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية في ظل غياب مسطرة
خاصة بتنفيذ هذه الأحكام.
فأمام هذا الفراغ التشريعي الذي يعاني منه
القضاء الإداري المغربي والذي يزكى موقف الإدارة من امتناعها عن تنفيذ الأحكام
الصادرة ضدها، فكيف عالجت القوانين المقارنة الإشكالية امتناع الإدارة عن تنفيذ
الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها.
لقد أعطى المشرع المصري أهمية كبرى للأحكام
الإدارية[10]
من خلال جعل تنفيذها متعلق بالنظام العام، وكذا سلوكه مسطرة تجريم الامتناع عن
تنفيذ الأحكام القضائية، حيث نجد المشرع
المصري يعتبر مجرد امتناع موظف عن تنفيذ حكم قضائي يعتبر خروج سافر عن القوانين و
يعد في نظر المشرع المصري جريمة يعاقب عليها طبقا لمقتضيات قانون العقوبات المصري[11].
إلا أن تطبيق هذا الحل ليس دوما بالأمر الهين
إذ من الصعب في غالب الأحيان تحديد الموظف المسؤول حقيقة عن عدم تنفيذ لا سيما في وقتنا الراهن الذي وصلت
فيه الإدارة إلى درجة كبرى من التعقيدات وذلك بفعل الوظائف وتشابك المسؤوليات فيها[12].
أما المشرع الفرنسي فهو وجد العلاج لهذا
المعضلة من خلال عدة إجراءات تشريعية و قضائية، وتعود قصة صدور هذه القوانين إلى
عدة حالات امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، فقد حدث أن عمدة إحدى
المدن الفرنسية أصدر قرار معينا في حق موظف بتوقيفه عن العمل فحصل هذا الأخير على
حكم إلغاء القرار المذكور، فجدد العمدة
القرار ثانية بتوقيف الموظف فتم الطعن فيه وهكذا حتى وصل عدد القرارات
الملغاة عشرة خلال عام واحد الشيء الذي دفع الفقيه هوريو – اعتبار هذه مبادرة من
مجلس الدولة الفرنسي والإدارة المذكورة سيؤدي إلى إصدار كل قيمة للأحكام القضائية [13].
وهكذا فقد جعل المشرع الفرنسي كل نسخة
ممهورة بالصيغة التنفيذية سندا كافيا وحده في التنفيذ دون حاجة إلى أي أمر بالصرف
وذلك متى تأخرت الإدارة عن تنفيذ ذلك الحكم داخل الأجل المحدد. ففي مثل هذه الحالة
يكفي المستفيد من الحكم أن يدلي للمحاسب العمومي بنسخة تنفيذية من الحكم لكي يحصل
على ما حكم له به ذلك الحكم في مواجهته الإدارة.
وهو نفس الاتجاه الذي سلكه المشرع الجزائري
من خلال نص عام أتى به دستور1976 الذي ينص على ما يلي: "على كل أجهزة الدولة
المختصة لكي تقوم في كل وقت وفي كل مكان وفي كل الظروف بتنفيذ أحكام القضاء[14]،
فمن خلال هذا النص يتضح أنه يتضمن التزاما عاما بتنفيذ أحكام القضاء.أما الالتزام
الخاص الذي يهم الإدارة بخصوص الأحكام الإدارة في مواجهتها[15].
ويلاحظ بأن هذه الصيغة التنفيذية المقررة في
قانون الإجراءات المدنية الجزائرية تشابه لفظا ومعنى الصيغة التنفيذية التي تذيل
بها أحكام الإدارية الفرنسية[16].
أما
عندنا في المغرب فإن المشرع قد التزم الصمت في هذا الشأن حيث لم يحدد الوسائل التي
يمكن اللجوء إليها لحمل الإدارة على احترام تنفيذ أحكام التي تصدر ضدها، وقد دأب الاجتهاد القضائي المغربي في
عدة أحكام على اعتبار تجاهل الإدارة للأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به
والمختومة بصيغة الأمر بالتنفيذ ما عدا ظروف استثنائية بمثابة شطط في استعمال
السلطة يستوجب إلغاء قرار الإدارة الصادر برفض التنفيذ كما يستوجب تقرير تعويض
للمحكوم له عما أصابه من أضرار من جراء موقف الإدارة المتمثل في امتناعها عن
التنفيذ.
أما الفقه المغربي فنادى غالبيته بتقرير المسؤولية الشخصية للموظف الذي
ساهم في عرقلة التنفيذ[17]، وهو ما
كرسه العمل القضائي في عدة أوامر صادرة عن رؤساء المحاكم بحيث يعتبرون فيه أنه
بمجرد صدور حكم المصادقة يتحول الغير المحجوز لديه في مسطرة الحجز لدى الغير إلى
طرف محكوم عليه بالإحالة وبالتالي إلى مدين أصلي فاقد لصفة الغير طالما أنه يملك حق
الطعن بالتعرض أو الاستئناف في حكم المصادقة، وهذا ما يستشف من إحدى قرارات الغرفة
الإدارية بمحكمة النقض الذي
جاء فيه "صدور حكم بصحة الحجز لدى
الغير يصير معه الخازن الرئيسي مدينا أصليا، لا محجوز ليده غيرا في النزاع[18].
ومن هذا كله فإن مسألة عدم تنفيذ الإدارة
لأحكام القضاء من إحدى المشاكل الدائمة بالمحاكم وأن الجهود لا زالت متواصلة في
جميع أنحاء المعمور لإيجاد علاج فعال لهذه المشكلة المتجلية في عدم قدرة القاضي
على تحقيق النفاذ أحكامه.
ومن الحالات الأخرى التي سلك فيها القضاء
المغربي بتحمل الموظف المسؤولية الشخصية بسبب امتناعه عن تنفيذ حكم قضائي نهائي و
هذا ما ذهبت فيه المحكمة الابتدائية بطنجة والتي اعتبرت فيه أن رفض المحافظ تنفيذ
أمر استعجالي قضى برفع الرهن المقيد بالرسم العقاري في إطار ملف تنفيذي مصحوبا بشهادة
بعدم التعرض والاستئناف، يعد خطأ شخصيا يوجب تحميل المحافظ المسؤولية الشخصية
وأداء مبلغ التعويض من ذمته الخاصة[19].
وقد أيدت محكمة الاستئناف هذا الحكم حيث
اعتبرت أن رفض الموظف تنفيذ حكم قضائي جائز لقوة الشيء المقضي به يشكل تحقيرا
المقرر قضائي الصادر باسم جلالة الملك [20].
ويعتبر الدستور الجديد تتويجا للمسار الإصلاحي
المتصاعد الذي عرفته منظومة العدالة بالمملكة من خلال تأكيد النص الدستوري الوارد
في المادة 126 منه الذي تؤكد على كون الأحكام النهائية الجائزة لقوة الشيء المقضي
به ملزمة للجميع. وقد صدر تقرير للمجلس الأعلى للحسابات حول تقييم المنازعات
القضائية للدولة وخلص فيها إلى أن المعدل السنوي لعدد الدعاوي المرفوعة ضد الدولة
يناهز 30.000 قضية[21]،
و كشف التقرير أيضا أن كل من وزارة التربية الوطنية والتعمير والنقل والداخلية
تثقل خزينة الدولة بالأحكام القضائية، وهذا الجدول يبين تطور عدد الملفات موضوع
المنازعات القضائية حسب المديريات خلال
الفترة الممتدة ما بين سنة 2008 إلى سنة
2013[22].
السنة
|
2008
|
2009
|
2010
|
2011
|
2012
|
2013
|
الوكالة
القضائية
|
10993
|
12880
|
13756
|
11.642
|
11940
|
12812
|
إدارة
الجمارك
|
|
|
15456
|
13223
|
10415
|
|
مديرية العامة
للضرائب
|
|
|
22157
|
2997
|
2621
|
|
أملاك الدولة
|
|
250
|
368
|
321
|
1162
|
|
الخزينة العامة
للمملكة
|
|
|
|
44251
|
3266
|
|
الفقرة
الثانية: رفض الجهة المختصة تسخير القوة
العمومية لتنفيذ الأحكام القضائية.
لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن مختلف المحاكم
لا بد أن تكون أحكاما حائزة لقوة الشيء المقضي ومذيلة بالصيغة التنفيذية [23]،
الشيء الذي يجعل السلطات المختصة بالمبادرة بإجرائها وبالمعاونة على تنفيذه ولو
باستعمال القوة متى طلب منها المعاونة.
وتطبيقا لما جاء في دستور 2011 فإن السلطة
العامة ملزمة بالاستجابة إلى طلب استخدام القوة في التنفيذ استنادا إلى الصيغة
التنفيذية التي يتضمنها الحكم، فإن هي رفضت بالرغم من عدم وجود أية ظروف استثنائية
تبرر هذا الرفض اعتبر مسلكها هذا شططا في استعمال السلطة موجبا لإلغاء قرارها
القاضي بالرفض وموجبا أيضا لتعويض المتضرر من هذا الرفض وذلك طبقا ما استقر عليه
اجتهاد محكمة النقض حيث جاء في قرار صادر عن الغرفة الإدارية "أن تجاهل
السلطات الإدارية للأحكام النافدة والمذيلة بصيغة التنفيذية يشكل ما عدا في ظروف
الاستثنائية [24]
شططا في استعمال السلطة لخرقه قواعد الأساسية والإجراءات القضائية التي باحترامها
يحترم النظام العام .
ومن الملاحظ أن مفهوم الأمن العام لم يترسخ
بعد في جميع الجهات وقد فسره المجلس الأعلى - محكمة النقض حاليا- ، والذي استوحاه
من القضاء الفرنسي والذي يخص الأمن العام في مفهوم ضيق ويستبعد منه كل الاعتبارات
الاستثنائية وكذا كل ما له علاقة بالنظام العام الاجتماعي، وهذا علما بأن الفكر
القانوني قد انتهى هنا إلى إضفاء سببين أساسين على مدلول النظام العام:
-
أن يتخذ مظهرا ماديا وخارجيا.
-
أن يكون عاما أي متصفا بطابع التجريد والعمومية.
وقد ذهب جانب من الفقه المغربي بأن مفهوم
النظام العام يكون مرتبط بصناعة القاضي الذي يتعامل معه بنوع من المرونة من خلال
مجموعة من الصور الطعن الذي عرضت على القضاء استنادا للمساس بالنظام العام
والأخلاق الحميدة، والآداب العامة[25].
وهذا ما كرسته محكمة النقض في قرار صادر عنها بتاريخ 10/08/2011 تحت 2197 الذي جاء
فيه أن القضايا المتعلقة بالنظام العام هي التي لا يصح للأطراف الاتفاق على
مخالفتها ولها ارتباط مباشر بالمصلحة العامة[26].
وعلى
هذا الأساس فإن امتناع الإدارة عن تقديم المساعدة لتنفيذ حكم قضائي لا يكون
مستساغا إلا إذا ما تأكد لديها أن هذا التنفيذ من شأنه أن يؤدي إلى الإخلال بالأمن
العام.
وخلاصة
القول فتنفيذ الأحكام الإدارية هو الأهم بالنسبة لأي مستفيد من هذا الحكم وعليه
فيتعين على المحاكم أن تعمل على تحقيق هذا المبتغى وكذا التصدي لكافة الصعوبات
التي تعيق حسن سير عملية التنفيذ
المطلب
الثاني: الإكراهات التي تواجه تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة.
لا
تعتبر الأحكام الصادرة من القضاء عموما خاتمة المطاف في النزاع ، وإنما قد تعترض
الأحكام الكثير من الصعوبات والمشاكل.
وقد
تم رصد مجموعة من الإكراهات التي تعوق تنفيذ الأحكام القضائية وتتمثل في .صعوبات موضوعية
و أخرى بشرية .
الفقرة
الأولى: الإكراهات الموضوعية
القاعدة
أن يقوم جميع الأشخاص، ومنها الأشخاص القانون العام[27]
بتنفيذ القرارات القضائية الصادرة نهائيا وهو ما تؤكده المادة 126 من الدستور 2011
ذلك أن القانون أناط جهة الإدارة ذاتها مهمة تنفيذ الأحكام القضائية حيث تقتصر
مهمة القضاء على إصدار الأحكام دون أن تمتد إلى تنفيذه ومؤدى ذلك أن أمر تنفيذ هذه
الأحكام يضل بين الإدارة أن شاءت سارعت إلى إجراء التنفيذ وإن شاءت امتنعت عنه[28]
والصعوبات الموضوعية (الواقعية) في مجملها يكون مصدرها الإدارة أو قد لا تكون لها
يد في عرقلة تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية .
الملاحظ أنه غالبا ما يكون عدم التنفيذ ناتجا
عن موقف سلبي من قبل الإدارة بحيث تقوم الإدارة بالمناورة من أجل أثار الحكم أو قرار الحائز للقوة المقضي به
ضدها، وذلك من خلال خلق صعوبات واقعية أو مادية للتخلص من تنفيذ القرارات الصادرة
ضدها، وربما ذلك يرجع إلى استغلال الإدارة عجز بعض المتقاضين في المناطق البدوية
والفقيرة عن أداء مصاريف التنفيذ بالرغم من استفادتهم من المساعدة القضائية والتي
تحتسب من بداية الدعوى إلى نهايتها أي إلى تنفيذ الحكم واستفادة المتقاضى منها.
والمتفق عليه فقها[29]
وقضاء أن مخالفة الإدارة لحجة الشيء المقضي به تعد مخالفة للقانون يوجب مساءلة المسؤول
عن هذا العمل الغير المشروع والتي يخالف ومبادئ المشروعية التي تعتبر أهم دعائم
الدولة الحديثة وسعيا من المشرع المغربي بإصغاء الصيغة على جل قوانينه تم تأكيد
هذا المقتضى بموجب مشروع قانون المسطرة المدنية من خلال المواد 22/451 و 25/451 التي أقرت كلها مسؤولية المسؤول الإداري الممتنع عن
التنفيذ[30].
ويمكن تفسير هذا الامتناع بكون المسؤولين في
الإدارة يعتمدون أن لجوء الطاعن إلى المحاكم يعتبر تحديا لقرارهم وطعنا في شخصهم
ولذلك يمتنعون عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضد تصرفاتهم لإثبات مدى السلطة التي
يتمتعون بها.
فمن الصعوبات أيضا التي تعترض تنفيذ الأحكام
القضائية تتمحور في سلبية كثير من الأطراف كالبنوك والخزينة العامة والمحاسبين
العموميين إذ يستنكفون عن تقديم المساعدة وتسهيل عمليات التنفيذ في ما هو مودع
لديهم خصوصا في مسطرة الحجز التنفيذي لدى الغير، إذ غالبا ما تتذرع الإدارة بكون
التنفيذ الحكم سيخلف اضطرابا في النظام العام، بحيث لا يبقى أمام المحكوم له سوى
اللجوء إلى طلب التعويض دون إمكانية إرغام الإدارة وإكراهها على التنفيذ[31].
ومن الأسباب التي تعرقل تنفيذ الأحكام
الإدارية، نجد عدم إدراج بند يتعلق بتنفيذ الأحكام في ميزانية أشخاص القانون
العام، ففي حالة إصدار قرار يعزل موظف عمومي مثلا، فإن هذا القرار سيؤدي إلى فقدان
منصب مالي وعند إلغاء القرار بالعزل فإن الإدارة سوف تتذرع بفقدان ذلك المنصب،
وبضرورة انتظار حصولها على مناصب مالية جديدة، فهي هذه الحالة التي ترغب فيها
الدولة، بالتنفيذ لكن ليس لها الموارد الكافية تسمح لها بهذا التنفيذ، ولا يمكن
اعتبار الإدارة ممتنعة عن التنفيذ ولا البحث عن وسائل لإجبارها على التنفيذ، وهذا
ما اتجهت إليه المحكمة الإدارية بفاس من خلال منح الإدارة المحكوم عليها مهلة استرحاميه
من أجل تنفيذ ما حكم به عليها، إلا أنه مقارنة مع باقي التشريعات نجد المشرع
الجزائري اعتمد حلا مناسبا لهذه المشكلة ويتمثل في الأمر الصادر بتاريخ 17 يونيو
1975 المتعلق بإحداث مسطرة تنفيذ العقوبات المالية المحكوم بها على المؤسسات
العمومية بحيث يتم اقتطاع مبلغ العقوبة من حساب الخزينة رصدا للأمور الخاصة، على أن
تسترجع المبالغ المدفوعة في هذا الصدد من ميزانية الشخص العمومي المعسر[32].
وللإشارة فإن ما يزيد عن 100 ملف متعلق بالحجز
لدى الغير تم فتحه في مواجهة الخزينة العامة للمملكة بمبالغ وصلت 33.1380.836.11
درهم إضافة للمبالغ المحكوم بها، فوائد التأخير الناتجة عن التقاعس في التنفيذ [33].
الفقرة
الثانية: إكراهات البشرية واللوجيستيكية
ترتكز بالأساس هذه الصعوبات في نقص حاد لعدد
الأعوان التنفيذ والمفوضين القضائيين بكثرة من المحاكم المملكة، كما أشارت بعض
التقارير إلى الانخراط الضعيف لهؤلاء في تصفية ما بأيديهم من ملفات. إضافة إلى ضعف
وسائل العمل إن لم يكن انعدامها في بعض المحاكم خاصة منها التي تمتد بنفوذها
الترابي والمناطق الوعرة جغرافيا. ثم اعتماد تدبير ملفات التنفيذ في بعض المحاكم
إن لم نقل كلها على الوسائل اليدوية وعدم توظيف المعلوميات على هذا المستوى .
ومن الأسباب أيضا التي تعرقل تنفيذ الأحكام
القضائية تتمثل في صعوبة تدبير الإنابات القضائية فمن المعلوم القانون 90/41
المحدث للمحاكم الإدارية[34]
لا تنص على مسطرة خاصة بتنفيذ الأحكام الإدارية وهذا يقتضي الرجوع إلى القواعد
العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، لكن إذا رجعنا إلى مقتضيات الفصل
439 الذي ينص على أن "لكتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم أن تنيب عنها
كتابة الضبط للمحكمة التي يجب إن يقع التنفيذ في دائرتها القضائية، فإننا سنعيد
إمكانية توجيه إنابة قضائية إلى محكمة إدارية أخرى دون تنقل عون التنفيذ التابع
للمحكمة المصدرة للحكم في هذه الحالة لا تطرح أي إشكال. لكن ماذا لو كان التنفيذ
في مدينة لا توجد بها محكمة إدارية فهل تكون المحكمة الابتدائية هي صاحبة الاختصاص؟
فهنا تطرح الإشكالية خصوصا في طريقة تنفيذ الأحكام الإدارية التي هي بالطبع تختلف
عن طبيعة الأحكام العادية. وكذلك عندما تثار صعوبات في التنفيذ والتي تنظر فيها
وحسب ما استقر عليه الحل القضائي.[35]
إن المحكمة التي يجري التنفيذ فيها بدائرتها
فإن رئيسها هو المختص غالبا في نوعية الصعوبة، ولكن أمام هذه الإشكالية فإنه قد يستعصي
عليه البث في هذه الصعوبة لأن ذلك يقتضي منه إبداء وجهة نظره في منطوق الحكم
الإداري أو تعليله أو غير ذلك، والتي ربما
تكون مختلفة عن وجهة نظر المحكمة الابتدائية. المصدر للحكم وهذا فضلا عن كثرة
الملفات التنفيذ الموجودة بالمحكمة الابتدائية
والتي وإن أضيفت لها ملفات التنفيذ المتعلقة بالمحاكم الإدارية لا زادت
طينا بلا ،وربما ستطول تصفية الأحكام الإدارية التي تحتاج إلى تنفيذ سريعا وناجع[36].
ولقد سبق القول بأن القاضي الإداري لا يمكنه
أن يبقى مكتوف الأيدي أمام امتناع الإدارية عن تنفيذ الأحكام التي يصدرها مما جعله
مضطرا حتى يعطي لأحكامه الجدوى والفعالية إلى إعمال قواعد الاجتهاد التي يراها ضرورية
لتكريس المبادئ المطابقة بالطبع للقواعد العامة غير مختلف في قانونيتها . وهذا ما
سنتطرق إليه في المحور الثاني المتعلق بدور القضاء في إشكالية تنفيذ الأحكام
القضائية.
كما أن إشكالية التنفيذ القرارات القضائية
موضوع الطعن بالنقض قد تطفو إلى السطح بعد سكوت المشرع وعدم إجابته في مقتضيات
مشروع قانون المسطرة المدنية إلى هذه الإشكالية والتي غالبا ما تسببت بها الإدارة
في عدم تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها إلا بعد تقديم كفالته مشددة بذلك بظهير 14
يونيو 1944 المشرع بظهير شريف بمثابة قانون رقم 417-74-1 المؤرخ 1974/9/28 المتعلق
بقانون المسطرة المدنية والذي ألغي هذا القانون المتعلق ببيان تنفيذ القرارات
القضائية كما أنه وبالرجوع إلى الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية نجده ينص على
أن الطعن بالنقض لا يوقف التنفيذ أمام محكمة النقض إلا في مواد الأحوال الشخصية
والزور الفرعي والتحفيظ العقاري[37]
.
ويتضح
من خلال ما تم تناوله في هذا المحور أن هناك مجموعة من الصعوبات القانونية
والواقعية تسبب في عرقلة تنفيذ الأحكام الصادرة ضد أشخاص القانون العام. وقد رأينا
كيف تصدى لها المشرع من خلال مشروع قانون المسطرة المدنية ثم كيف استطاع القضاء أن
يتصدى لمشكلة تنفيذ لأحكام قضائية الصادرة ضد أشخاص القانون العام.
المحور الثاني: دور القضاء في حل
إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية ضد أشخاص
القانون العام.
لقد عزز القضاء
دوره في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية بناء على نظام وحدة القانون التي تقتضي تطبيق
قواعد قانون المسطرة المدنية على الدعوى الإدارية من خلال مقاربة جديدة تعتمد القواعد
المتعلقة بالتنفيذ الجبري المتعلقة في إجبار الإدارة على التنفيذ أو منها على
الخصوص الغرامة التهديدية والحجز على أموال الإدارة إضافة إلى التنفيذ التلقائي.
المطلب الأول: الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار أشخاص
القانون العام على تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتهم.
تعتبر
الغرامة التهديدية من أهم الوسائل التي اعتمدت عليها المحاكم من أجل إجبار الإدارة
على التنفيذ، فسنقوم في هذا المطلب بتحديد مفهومها، ثم نبحث عن السند الذي اعتمدته
المحاكم من أجل فرضها كما سنرى فعالية هذه الوسيلة في إلزام الإدارة على التنفيذ،
ثم ما مدى إمكانية تمديد هذه الوسيلة إلى المسؤول شخصيا عن عدم التنفيذ.
الفقرة الأولى: تعريف الغرامة التهديدية
تعد الغرامة
التهديدية وسيلة لإجبار المحكوم عليه للقيام بتنفيذ ما يقتضي تدخله شخصيا من
القيام بعمل أو امتناع عن عمل، والغرامة التهديدية لغة تعنى تلجئة مالية أو تهديد
أو غرامة إكراهية، ويراد بها الحكم على المدين بمبلغ معين بدفعه عن كل يوم يتأخر
فيه عن تنفيذ التزام بأن يعمل أو بأن لا يعمل[38]
.
ويعرفها Christophe Guettier بأنها "عقوبة مالية تبعية تحدد بصفة عامة عن كل يوم
تأخير يصدرها القاضي بقصد ضمان حسن تنفيذ حكمه أو حتى يقصد ضمان حسن تنفيذ أي
إجراء من إجراءات تحقيق[39].
وبعبارة أخرى فإن الغرامة التهديدية عبارة عن تنبيه
المحكوم عليه إلى الجزاءات المالية التي
سوف تعرض لها إن هو استمر في مقاومة تنفيذ الحكم الصادر ضده.
لابد من توفر الشروط التالية:
-
أن يكون التنفيذ من طرف المدين مازال ممكنا، وإن انتهى
محل الالتزام فلا محل لتحديد الغرامة التهديدية.
-
أن يمتنع المدين عن التنفيذ صراحة و إن عاق التنفيذ عائق
قانوني أو واقعي.
-
أن يكون موضوع الحكم يتعلق بأداء التزام بعمل من طرف
المنفذ عليه أو مخالفته التزام بالامتناع
عن العمل[40].
الفقرة الثانية: السند الذي اعتمده القضاء لفرض الغرامة
التهديدية.
فأمام
غياب نص تشريعي يجبر صراحة فرض غرامة تهديدية في مواجهة الإدارة، فقد اعتبر القضاء
الإداري أن المشرع لم يستثني الحكم بالغرامة التهديدية المرافق العامة التابعة
للدولة وأن القضاء يدخل في اختصاصه وصلاحيته اللجوء إلى الغرامة التهديدية لإجبار
المحكوم عليه على تنفيذ حكم صادر ضده وأن الأمر بالغرامة التهديدية لا يتعارض مع
المبادئ القانونية والفقهية، ولكن يكرس مبدأ حماية حقوق المحكوم له في مواجهته
تصرفات الإدارة[41].
فبالنسبة
للسند الذي اعتمد عليه القاضي الإداري من أجل تبرير فرض الغرامة التهديدية على
الإدارة، فيمكن إدراكه من خلال أول حكم تم
فرض الغرامة التهديدية على الإدارة والمعروف بحكم ورثة العشيري[42].
فبالرجوع إلى
قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب المادة 7 من قانون 41/90 المحدث للمحاكم
الإدارية نجدها تنص في الباب المتعلق بالقواعد العامة للتنفيذ من خلال الفصل 448
على أن الغرامة التهديدية كوسيلة من وسائل إجبار المحكوم عليه التنفيذ في غياب أي
نص قانوني يستثني الإدارة من هذه الوسيلة[43]،
وخصوص أن كلمة المنفذ عليه الواردة بالفصل المذكور جاءت عامة، مما يعني فرضها على أشخاص القانون العام.
وبالتالي فإن
القضاء الإداري المغربي اعتمد في فرض الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة، بناء
على مقتضيات المادة السابعة التي تحيل على
القانون المسطرة المدنية.
ففي هذا
الإطار ذهبت محكمة النقض في قرار عدد 590 بتاريخ 2009/11/19" يمكن بغرامة
تهديدية مواجهة الإدارة الممتنعة عن تنفيذ حكم قضى عليها بالقيام بعمل أو الامتناع
عن القيام به استنادا إلى الفصل 448 من ق.م.م والمادة 7 من قانون 41/90 المحدث
للمحاكم الإدارية للقواعد المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية[44]
، وكما تجدر الإشارة إلى أن رفض تنفيذ التزام يمكن أن يشكل أساسا لدعوى التعويض أو
يمكن لطالب التنفيذ أن يرفع هذه الدعوى في إطار القواعد العامة أمام المحكمة التي
أصدرت الحكم المطلوب تنفيذه[45]
.
و لقي هذا
التوجيه استحسانا من طرف بعض الفقه القانون الإداري الذي نوه بقرار المحكمة الإدارية
الذي كرست القاعدة التي تقول بإمكانية فرض الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة
الممتنعة عن التنفيذ حكم قضائي قضى بالالتزام بالقيام بعمل أو الامتناع عن القيام
بالعمل[46].
والملاحظ أن
المحاكم الإدارية لم تحتج إلى البحث عن وسيلة خارج إطار القانون لفرض الغرامة
التهديدية على الإدارة كما فعل المشرع الفرنسي الذي كرس هذه الوسيلة بموجب قانون الصادر 30/7/1963
لمحاولة تنفيذ الأحكام الإدارية بإنشاء قسم التقرير والدراسات ثم قانون رقم 855
الصادر في 30/07/1980، حيث منح المشرع بموجبه للقضاء سلطة فرض الغرامة التهديدية
على السلطات العامة لدفعها لتنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة في غير صالحها وفي
خطوة عزز المشرع دور القاضي بالسماح له بتوجيه أوامر إلى الإدارة لتنفيذ الحكم
الصادر ضدها[47].
وإذا كان
القضاء العادي الفرنسي قد اعترف لنفسه بحق الحكم بالغرامة التهديدية فإن مجلس
الدولة الفرنسي كان يرفض دائما تكريس هذه الوسيلة في المنازعات الإدارية[48].وقد
ذهب مجلس الدولة إلى أبعد من ذلك حين لم يعترف
بهذا الحق ضد الأفراد. غير أن هذا الموقف سرعان ما انتهى بسبب أن ثمة حالات تشكل
استثناء في الإدارة مجردة من أية وسيلة في مواجهة الأشخاص الخاصة وخصوص المتعاقدين
معها.[49]
الفقرة الثالثة: سلطة القاضي الإداري في توقيع الغرامة
التهديدية
إن سلطة
القاضي الإداري في توقيع الغرامة التهديدية واسعة
في مواجهة الأفراد حيث يحكم القاضي بتنفيذ العقد الإداري شريطة عدم إمكانية
الإدارة استخدام وسائل الإجبار المقرر لها عند التعاقد معها.
فما دام أنه
لا يوجد نص يمنع تحديد الغرامة التهديدية في منطوق الحكم والمستوحاة انطلاقا من
الفصل 448 ق.م.م الذي تحيل عليه المادة
السابعة من القانون المحدث للمحاكم الإدارية وتحسبا لأي امتناع الطرف المحكوم
عليه، فإن القيام القاضي بتحديد الغرامة التمهيدية في منطوق الحكم هو جائز. وهذا
هو المستجد الذي جاء به مشروع قانون المسطرة المدنية في المادة 451/24 التي خولت
لطالب التنفيذ أن يقدم طلبا لقاضي التنفيذ في حالة امتناع المنفذ عليه بتنفيذ
الحكم الصادر ضده بحيث يأمر القاضي بغرامة تهديدية في مواجهة شخص القانون العام المنفذ عليه أو المسؤول شخصيا عن
التنفيذ.
لذا ألزمت
المحكمة الإدارية بالرباط في قرار 2013/09/30، مكتب تنمية التعاون في شخص ممثلها
القانوني بتعويض قدره مائة وخمسون ألف درهم كتصفية لغرامة تهديدية المحكوم بمبالغ
الصائر، عن ما اعتبرته تعنتا في التنفيذ ما أضر لمصالح المتضرر، واعتبرت أن
الاستمرار في التعنت عن التنفيذ يتطلب تحرير محضر امتناع جديد[50].
ويتجه بعض الفقه
إلى أن هذه الإمكانية ليس من شأنها نقص ضمان تنفيذ الأحكام القضائية ولكن لها ميزة
أساسية أخرى تتمثل في كونها تضمن هذا التنفيذ بصورة قانونية[51].
فإذا كان
الجميع نوه بجرأة على شجاعة القاضي الإداري شأنه عندما قبل فرض الغرامة التهديدية
على الإدارة، كما تم التنويه بتوجه محكمة النقض – مجلس الأعلى سابقا- بسبب تأييده لفرض
الغرامة التهديدية المفروضة على الإدارة ليست دائما وسيلة فعالة، في إرغام الإدارة
على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها.
فالملاحظ أن
الاجتهاد القضائي مدعما بآراء الفقه[52]،
اعتمد حلوله لدفع الإدارة إلى التنفيذ في حالة تعنتها وامتناعها عن تنفيذ الأحكام
طواعية فعلاوة على الحكم على الإدارة بالتعويض و بغرامة تهديدية ضد الإدارة، بأن
الحديث ممكنا عن مسؤولية الموظف الممتنع عن التنفيذ، وإصدار الغرامة التهديدية
الشخصية في حقه، ففي سابقة من نوعها في
القضاء المغربي قضت المحكمة الإدارية بمكناس بالمسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن
تنفيذ حكم قضائي وفرض عليه شخصيا أداء غرامة تهديدية عن التأخير في التنفيذ،
وبالرغم من أهمية هذا الحكم إلا أن محكمة النقض لم تساير الاجتهاد التي تبنته محكمة
الإدارية بمكناس قرارها للمسؤولية المدنية للموظف الممتنع عن التنفيذ.
والملاحظ
أنه من خلال هذا الاتجاه الأخير من شأنه إفراغ الحكم الصادر في إطار دعوى الإلغاء
من محتواه بحيث تنعدم الحاجة إلى سلوك هذه الدعوى، ولكن برجوعنا إلى مشروع قانون المسطرة
المدنية نجد المشرع أيد موقف محكمة الإدارية بمكناس من خلال إقرار بفرض الغرامة
التهديدية عن المسؤول شخصيا عن التنفيذ[53].
وفي سياق نفسه صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط الأمر يقر فيه بأن الغرامة
التهديدية تعتبر وسيلة قانونية وزجرية لإجبار المحكوم عليه الممتنع عن تنفيذ قوة
الشيء المقضي به بدون مبرر على الرضوخ لقوة الشيء المقضي به متى كان التنفيذ ممكنا
وحائز قانونا ومتى كان الأمر يتعلق بالامتناع عن عمل أمر الامتناع عن القيام بعمل
به لصيقا بشخص المنفذ عليه ويلزم إدارته في تنفيذه، دونما إمكانية لإجباره على
التنفيذ عن طريق التنفيذ الجبري، وحيث لئن كان المشرع بقانون إحداث محاكم الإدارية
لم ينظم الغرامة التهديدية فإنه بالإحالة من خلال الفصل 7 من نفس القانون على
قواعد المسطرة المدنية قد أجاز هاته الإمكانية سواء في مواجهة أشخاص القانون العام
أو أشخاص القانون الخاص إلى اعتبار عمومية الفصل 448 من ق.م.م.
وحيث لذلك
فإن إصرار كل من الإدارة والمسؤول عن التنفيذ عن عدم التنفيذ استنادا لأسباب
الواردة بكل من محضر الامتناع عن التنفيذ وجواب الإدارة ينطوي على مخالفة لقوة
الشيء المقضي به وهو يعتبر خطأ من جهة في حق الإدارة لتهاونها في فرض الرقابة
والإشراف على الموظف المعني بالتنفيذ فضلا عن دعمها لموقفه ذاك، وخطأ شخصيا في حق
المسؤول عن التنفيذ لامتناعه غير مبرر عن التنفيذ[54].
فمن ثمة يمكن
القول بأنه بالرغم من أهمية الأحكام والقرارات القضائية والإدارية التي قضت
بالمسؤولية المدنية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ من خلال الحكم بالغرامة
التهديدية ضد الموظف المسؤول عن التنفيذ قصد إجباره على التنفيذ، فإن استقرار
الاجتهاد القضائي يقتضي إقراره بنص تشريعي يحسم الاختصاص المحكمة الإدارية النوعي
للبث في الدعاوي المسؤولية الشخصية وتطبيق الغرامة التهديدية ضد الموظف الممتنع عن
التنفيذ، تفاديا لحالات الدفع بعدم الاختصاص على أساس ان الخطأ الشخص يبقى من
اختصاص القضاء العادي، ومراعاة لحالة اجتماع الخطأين معا [55]
فمرد
إشكالية المسؤول الشخصي عن عدم التنفيذ كما أسلفنا سابقا هو عدم وجود نص تشريعي
يحد إجراءات تأديبية في حق الموظف الممتنع عن التنفيذ بالإضافة إلى المساءلة
الجنائية.
وذلك خلافا
لما هو معمول به في عدد من الدول التي اعتبرت الموظف العمومي عن التنفيذ جريمة يعاقب
عليها[56].
كما أن
الموظف في فرنسا يسأل تأديبيا أمام محكمة التأديبية المالية حين يصدر الأمر بدفع
مبلغ مالي قضي به حكم قضائي يلزم الإدارة ماليا بدفعه حيث يتعرض للجزاءات التي
يمكن أن تحكم بها هذه المحكمة[57].
المطلب الثاني: الحجز على الأموال الإدارة الممتنعة عن
التنفيذ
يعد الحجز من
صور التنفيذ الجبري للأحكام القضائية وبالتالي
انفرد هو الآخر بمرجعية الغرامة التهديدية ممثلة في قانون المسطرة المدنية المحال
عليها بمقتضى المادة 7 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
إن امتناع
الأفراد عن التنفيذ الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به ، فإنه يمكن
استخدام طرق التنفيذ الجبرية المنصوص عليها في الباب الثالث من ق.م.م من أجل إجبار
على التنفيذ. ومن هذه الوسائل نجد الحجز التحفظي والحجز التنفيذي، و الحجز ما
للمدين لدى الغير والحجز العقاري، فهل يمكن استعمال الحجز على أموال الإدارة من
أجل إجبارها على التنفيذ؟.
فقبل الإجابة
على التساؤل لا بد من تحديد المقصود بالأموال العمومية التي تكون في ملكية الأشخاص
القانون العام.
الأموال دولة العامة هي الوسيلة المادية التي
تستعين بها الجهات الإدارية على ممارسة نشاطها خدمة للصالح العام ومن المجمع عليه
فقها [58]
وقضاء[59]أن
المال العام للدولة هو كل ما تملك الدولة من عقار ومنقول أو أي شيء اعتباري يكون
مخصصا للنفع العام بالفعل أو بمقضي قانون[60].
ويشترط
في المال العام شرطان:
-
أن يكون مملوكا للدولة أو أي شخص اعتباري عام يمثل
المؤسسات و الهيئات الإدارية.
-
أن يكون هذا المال مخصصا للمنفعة العامة بالفعل أو
بمقتضى القانون، والتخصص بالفعل معنا، تخصيص المال لاستعمال الجمهور المباشر، أما
التخصيص بالقانون فهو أن ينص القانون على اعتبار مال معينا من الأموال العامة[61].
فإذا كانت القاعدة هي عدم جواز إيقاع
الحجز على أموال الدولة العمومية ،وذلك لأن المرافق العامة تحتاج في أدائها للمهام المنوطة بها إلى أموال العامة،
وبالتالي فتطبيقا لمبدأ عدم تعطيل المرفق العام وعرقلته لا يجوز التنفيذ على
الأموال الضرورية لسيره عن طريق الحجز، لكن هذا الحكم يقابله مبدأ آخر هو ضرورة
تنفيذ الأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به احتراما لمبدأ المشروعية
وسيادة القانون.
وقد أفرزت مختلف التطبيقات القضائية
الإدارية حرص القاضي الإداري على اعتماد وسيلة الحجز وفقا لشروط معينة من أجل
إجبار الإدارة، فجل المحاكم الإدارية بالمغرب تحيز الحجز على منقولات المرفق
العمومي إذا لم تكن تلك المنقولات لازمة لسير المرفق، أما إذا كان حجز ما يعطل
سيرة وانتفاع جمهور الناس بخدماته، فإنها توقفه وهذا هو التوجه الذي سلكته الغرفة
الإدارية بمحكمة النقض في قرار صدر عنها بحيث قضت "بأن المال المحجوز مرصود
أصلا لتسديد التعويضات المحكوم عليه[62].
وهو ما فتح الباب أمام جميع رؤساء المحاكم الإدارية في إصدار أوامر بهذا الخصوص.
وبهذا قضت المحكمة الإدارية بالرباط، في أمر
صادر عن رئيسها تحت رقم 2729 أموال المؤسسات العمومية والشبه العمومية المودعة لدى
المؤسسات المالية ترصد عادة لتسديد ديونها والتعويضات المحكوم بها وبالتالي يجوز
الحجز عليها لعدم وجود أي مقتضي قانونية يمنع صراحة إبقاء هذا الحجز[63].
فالمسطرة
الحجز لدى الغير إذن هي وسيلة من وسائل التنفيذ الجبري التي يمكن لكل دائن يتوفر على دين أو سند تنفيذي
استعمالها طبقا لشروط والمقتضيات الواردة بالفصل 488 وما يليه من قانون المسطرة
المدنية[64]
.
وقد تواترت الاجتهادات القضائية الإدارية
على هذا المسلك مؤكد على أنه إذا كان يجوز الحجز على الأموال العامة للدولة والأشخاص
الاعتبارية العامة باعتبار أن الحجز
والتنفيذ من شأنه أن يعرقل ويفصل الحجز على أموال الخاصة لأشخاص القانون العام ،
متى كان الحجز بحسب تقدير السلطة القضائية المقرر للحجز ليس من شأنه عرقلة سير
المرفق العمومي أو تعطيل خدمات الجمهور الناس به أو متى تم رصد الأموال التنفيذية
لسداد التعويضات المعنية بالأحكام ، حتى مع تعلق محل هذا الحجز بمال مودع لدى الخازن الرئيسي وهو التوجه الذي
سلكته الغرفة الإدارية بمحكمة النقض حيث قضت بأنه بصدور حكم بصيغة الحجز لدى الغير
يصير معه الخازن الرئيسي مدينا اصليا لا
محجوز لديه غيرا في النزاع.
هذا وقد لقى هذا الاتجاه الذي سارت عليه
المحاكم الإدارية اهتمام عدد من الفقهاء والأساتذة الباحثين والذي رغم اتفاقهم
المبني مع الاتجاه الذي سارت عليه المحاكم الإدارية إلا أنهم أبدو تحفظا من هذا
المسلك الذي قد يؤدي في نظرهم إلى إحداث أضرار جسيمة بالمستفيدين من المرافق
العامة[65].
في حين سلك اتجاه آخر على أن اتجاه الذي سلكته
المحاكم الإدارية هو النص على الحجز لدى
الغير بالنسبة للمبالغ المالية المملوكة للمؤسسات العمومية ذات الاستقلال المالي
وليس على الأموال والمنقولات المملوكة للدولة و الجماعات المحلية.[66]
وفي جميع الأحوال فإن القاضي لا يمكنه أن
يسلك أي اتجاه أو يكرس أي مبدأ إلا وبعد أن يقيم توازنا دقيقا بين مصلحة الأفراد
من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى.
و وعيا من المشرع عند إقراره مشروع قانون
مسطرة المدنية فقد تنبه إلى هذه المسألة وثم تطرق إليها من خلال المادة 26/451
الذي "جاء فيها إذا لم تسفر إجراءات التنفيذ أعلاه (الغرامة التهديدية) عن إي
نتيجة يجوز إجراء الحجز التنفيذي على الأموال والمنقولات والعقارات الخاصة لأشخاص
القانون العام خلافا للمقتضيات التشريعية المنصوص عليها في هذا الشأن ما لم ينتج
عنه عرقلة للسير العادي للمرقف العمومي ، وبهذا يكون المشرع خطى خطوة مهمة نحوى تكريس مبادئ الدولة الحديث المبنية على
الأسس الديمقراطية ومبدأ الشرعية الذي يجعل الجميع خاضع وملزما بالقرارات القضائية
و تدعيما للمبادئ الدستورية المقررة في الدستور2011 .
وإضافة إلى هذه الوسائل المقرر لإجبار الإدارة
على تنفيذ أحكام القضائية هناك وسيلة أخرى وتتجلى في التنفيذ التلقائي وهي وسيلة
لجأ إليها القضاء الإداري من أجل مواجهة
تعنت الإدارة.
فعندما يصل امتناع الإدارة عن تنفيذ الحكم
الصادر ضدها إلى حد الضرر المتفاقم الذي يلحق الغير وفي حالة التي لا يكون فيها
التنفيذ بالتوقف مباشرة على تدخل الإدارة ، سمحت المحاكم الإدارية بالمملكة
لمأموري التنفيذ بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار الإداري الملغى[67].
فهذا الاتجاه يبرهن مرة أخرى على أن القاضي
الإداري يريد بإجبار الإدارة بكافة الوسائل الممكنة والقانونية والمقنعة على تنفيذ
الأحكام القضائية وإعطائها المكانة والاحترام والقدسية التي تستحقها.
فامتناع
الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها يشكل بدون شك المشكل الكبير
والضخم الذي يعترض القضاء الإداري ، كما يقف حاجزا أمام ترسيخ أسس دولة القانون.
خاتمـة
:
بعدما قمنا باستعراض مختلف الصعوبات القانونية
والواقعية التي تعترض تنفيذ الأحكام القضائية، وقفنا على المجهود الذي يبدله
القضاء الإداري لتبديد هذه الصعوبات.
سنقوم بإبراز النتيجة التي توصلنا إليها، كما سنحاول
بدورنا اقتراح حل لهذه الإشكالية:
- إن النتيجة الأساسية التي توصلنا لها، هي أن تنفيذ الأحكام الإدارية تعترضها
صعوبات متعددة، كما أن القضاء وبالرغم من محاولاته العديدة والجريئة لم يتمكن من
التغلب النهائي على هذه المشكلة، ومع ذلك فإن القضاء الإداري ساهم بشكل كبير في
إبراز طبيعة المشاكل التي تعترض تنفيذ الأحكام الإدارية.
- ونشير إلى أن عدم قيام المشرع المغربي، بوضع مقتضيات خاصة بتنفيذ الأحكام
الإدارية، تعتبر مسألة إيجابية أكثر منها سلبية، لأن أي مقتضى قانوني يجب أن يكون
متناسبا مع البلد الذي يطبق فيه، فما بالك بمسألة تنفيذ الأحكام الإدارية، فمن
المؤكد أن الوسائل التي يمكن بها إجبار الإدارة في فرنسا أو مصر، لا يمكن اعتمادها
لإجبار الإدارة المغربية على تنفيذ الأحكام الإدارية، وبالتالي فإن مدة 22
سنة من الممارسة العملية، كفيلة بتحديد الوسائل المناسبة لضمان تنفيذ الأحكام
الإدارية.
فالتوجهات الدستورية النابعة من تقديس
القضاء و احترام أحكامه باعتبارها عنوان المشروعية و سيادة القانون تتطلب إحداث
مؤسسة قضاء التنفيذ مستقلة بذاتها و تختص دون غيرها بتنفيذ الأحكام وفق مسطرة
مبسطة و سريعة غير خاضعة للطعن في مقرراتها من الناحية المبدئية و يمكن فقط التظلم
منها لدى نفس المؤسسة مع تخصيص فصل مستقل لتنفيذ الأحكام الإدارية .
إضافة إلى تفعيل دور مؤسسة الوسيط التي عوضت
ديوان المظالم لمعالجة إشكالية امتناع الإدارة
عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها و تدخل هذه الأخيرة يجد سنده في المهام المنوطة
بصفة عامة و المتمثلة في تحقيق المصالحة بين الموطن و الإدارة و تفعيل المفهوم
الجديد للسلطة و تكريس مبدأ سيادة القانون و الإنصاف و القوة الإقتراحية لهذه
المؤسسة.
و انطلاقا مما سبق يتضح بأن مسألة تنفيذ الأحكام
الإدارية بالمغرب لا يمكن و الحال هذه إيجاد مخرج لها إلا بإرادة سياسية عليا
تتحرك لتعبر بوضوح و بتدابير فعالة و ملموسة تنم عن رغبتها في تجاوز هذه الإشكالية
بغية استكمال دولة الحق و القانون التي يشكل فيها القضاء الفعال دورا محوريا .
و عليه نأمل خيرا من القضاء الإداري المغربي
بأن يسير في اجتهاداته في مجال تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة بأن يعتبرها
سندات مالية تؤدى من الخزينة العامة و بدون سلوك المساطر الحالية أو إجراءات أخرى إذ
يكفي اعتبار الحكم النهائي و الحائز على قوة الشيء المقضي به ملزم للخازن العام و
يؤديه من الأموال العمومية المخصصة لذات الغرض . و هذا ما سيعطي دفعة قوية في
اتجاه استكمال بناء دولة الحق و القانون .
لائحة المراجع
الكتب
- مصطفى التراب
المختصر العلمي في القضاء والقانون الطبعة
الثانية 2013
- جواد أمهول: " الوجيز في المسطرة المدنية" الطبعة الأولى
سنة 2016 مطبعة الأمنية
- ملكية الصروخ "العمل الإداري"،
الطبعة الأولى 2012
المقالات
-
- أمينة جبران وأحمد البخاري. "تفاعل
القاضي الإداري مع المحيط السياسي والاجتماعي": مقال منشور في كتاب أصدرته
الجمعية المغربية للعلوم الإدارية تحت
عنوان "القضاء الإداري وآفاق شركة بابل للطباعة الرباط 1993
- بنسالم أوديجا: القاضي
وقانون الالتزامات واليود مقال منشور بمجلة مئوية قانون الالتزامات والعقود
1913-2013 الطبعة 2012 مطبعة comaprint
rabat
-محمد صقلي حسني، التوجيهات الدستورية في
مجال تنفيذ الأحكام الإدارية وآفاق تطبيقها
- صالح لمزوغي: المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ
- ميمون
الخراط " الحجز على الأموال العمومية لدى الخازن العام كوسيلة لتنفيذ الأحكام
الإدارية" منشورات مجلة الحقوق " أملاك الدولة " العدد 2 سنة 2013
-mohamed antari ,
publier à la remald ,n°23.
- نورة بوطاهر إشكالية تنفيذ الأحكام
الإدارية
التقارير و المناشير
-
تقرير صادر عن
المجلس الأعلى على الحسابات، نونبر 2015
-
منشور رقم 12/2015 الصادر عن رئيس الحكومة 9 غشت 2015 حول تنفيذ الأحكام
الصادرة ضد أشخاص القانون العام.
-
منشور حول التوجهات الملكية بخصوص تنفيذ الاحكام القضائية صادر عن وزير
العدل بتاريخ 21 /5/1982 تحت عدد 934
[1] هذا ما جاء في الرسالة المشهورة لعمر ابن الخطاب
رضي الله عنه الى موسى الأشعري عندما ولاه قاضيا. في نفس السياق ذهب الإمام
المارودي حينما أوجب محاربة الذين يتمردون على أحكام القاضي فجاء في حديثه "
فأما أهل العمل – يقصد بهم الخصوم – فالتنفيذ لازم في حقهم بإظهار الطاعة و إلزام
الحكم، فإن امتنعوا عن التزام لعذر أوضحوه، و إن كان لغير عذر أرهبوا ، فإن أقاموا
على امتناع حربوا عليه كما يحاربون على امتناعهم من الفروض . ( أدب القاضي
المارودي)
[2] يقصد
بأشخاص القانون العام و حسب مدلول المادة 21/451 من مشروع قانون المسطرة المدنية
" هي الدولة و إدارتها و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية.
[3] فتيحة هنيش " ضمانات تنفيذ الأحكام و
القرارات القضائية " رسالة لنيل شهادة الماستر في الحقوق تخصص القانون الإداري،
جامعة محمد خضير بسكرة. كلية الحقوق و العلوم السياسية، قسم الحقوق .سنة الجامعية
2013/2012 ص 4
[4] المصطفى التراب " إشكالية تنفيذ الأحكام
الإدارية" مقال منشور في كتاب المختصر العلمي في القضاء و القانون، الطبعة الثانية 2013 ص 252
[5] نوال بوطاهر " إشكالية تنفيذ الأحكام
الإدارية " مقال منشور بالموقع الالكتروني www .marocdroit.com
[6] منشور
حول التوجهات الملكية بخصوص تنفيذ الأحكام القضائية، صادر
عن وزير العدل ب 21 /5/1982 تحت عدد 934
[7] دخل القانون رقم 90/41 الصادر بتاريخ 10/09/1993
المحدث للمحاكم الإدارية حيز التطبيق في فاتح مارس 1994
[8] تنص المادة 49
من قانون المحدث للمحاكم الإدارية "يتم
التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم. ويمكن لمحكمة النقض
أن تعهد بتنفيذ قراراتها إلى محكمة إدارية".
[9] تنص المادة
7 من قانون المحدث للمحاكم الإدارية على أنه "تطبق
أمام المحاكم الإدارية القواعد المقررة في قانون المسطرة المدنية ما لم
ينص قانون على خلاف ذلك".
[10]- المشرع المصري حدد من خلال المادة 84 من القانون رقم 47 المتعلق بمجلس
الدولة ينص على شكلين مختلفين لأحكام الإدارية، حيث إن الأحكام الصادرة بإلغاء.القرارات
الإدارية تكون مذيلة بالصيغة التنفيذية التالية "على الوزراء ورؤساء المصالح
المختصين بتنفيذ الحكم وإجراء مقتضاه، أما الأحكام الأخرى فتكون نسختها التنفيذية
مذبلة بالصبغة التنفيذية التالية "على الجهة المنوط بها التنفيذ أن تبادر
إليه متى طلب منها وعلى سلطات المختصة أن تعين على إجراء ولو باستعمال القوة
-مرسوم صادر بتاريخ 28 يناير 1969 المتعلق بتنفيذ
الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية
[13] - مصطفى التراب- مرجع سابق ص 286.
[14] - المادة 171 من الدستور الجزائري الصادر سنة
1976.
[15] -تنص المادة 320 من قانون الإجراءات المدنية
الجزائرية أن كل حكم أو سند لا يكون قابلا للتنفيذ إلا إذا كان ممهورا بالصبغة
التنفيذية التالية: "الجمهورية تدعو
وتأمر وزير أو الوالي أن يقوموا بتنفيذ هذا القرار."
« la république demande et ordonne au ministre
ou préfet…. Eventuellement pour les tribunaux administratifs de …en ce qui le
concerne ,et à tous huissiers à ce requis en ce qui concerne les voies de
droit commun contre les parties privées de pouvoir a l’exécution de la présente
décision (ou la présent jugement)
[17] - أمينة جبران وأحمد البخاري. "تفاعل
القاضي الإداري مع المحيط السياسي والاجتماعي": مقال منشور في كتاب أصدرته
الجمعية المغربية للعلوم الإدارية تحت عنوان
"القضاء الإداري وآفاق شركة بابل للطباعة الرباط 1993 ص 89.
[18] - أمر رقم 3035 ملف عدد 2992/719/2015 صادر في
محكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 2015/12/22 أمر غير منشور.
- أمر رقم 2789 ملف عدد
2738/103/2015 صادر عن محكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 2015/12/01 أمر غير منشور
[23] - الصيغة التنفيذية هي"
أمر صادر من الدولة إلى الجهة المنوط بها التنفيذ بالمبادرة وبإجرائه وغلى السلطات
المختصة بالمعاونة على التنفيذ".
[24] - يقصد هنا المصلحة
العامة والأمن العام
[25] - بنسالم أوديجا:
القاضي وقانون الالتزامات واليود مثال منشور بمجلة مئوية قانون الالتزامات والعقود
1913-2013 الطبعة 2012 مطبعة comaprint
rabat ص 111.
[27] - يقصد بأشخاص
القانون العام هي "الدولة وإدارتها والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية
وهيئاتها" أنظر المادة 21/451 من مشروع القانون المسطرة المدنية.
[28] - فتيحة هنيش ضمانات
تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية رسالة لنيل شهادة الماستر جماعة محمد خفير كلية
القانون والعلوم السياسية- الجزائر الموسم الجامعي 2013/2012 ص 28.
[29] - حيث ذهب حسن السيد
بسيوني "أن جريمة الامتناع عن تنفيذ حكم هي جريمة ركنها المادي هو الامتناع
العمدي بحيث يكون من الصعب اكتشاف القصد العمدي في هذه الجريمة لمزيد راجع"
دور القضاء في المنازعة الإدارية دراسة تطبيقية مقارنة للنظم القضائية في مصر
وفرنسا والجزائر ص 448.
[30] - تنص المادة 22/451 من قشروع
قانون المسطرة المدنية " يكون الرؤساء الإداريون للمرافق العمومية المعينة،
كل في حدود اختصاصه مسؤولين عن التنفيذ حسب القوانين و الأنظمة الجاري بها
العمل" .
- تنص المادة 25/451 من نفس القانون "
يتعرض المسؤول الإداري عن التنفيذ في حالة الإخلال به للعقوبات التأديبية المنصوص
عليها في المقتضيات التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل بصرف النظر عن مسؤولية
الشخصية ".
[31] -فتيحة منيش مرجع
سابق ص 35.
[33] - تقرير صادر عن
المجلس الأعلى للحسابات حول تدبير
المنازعات القضائية للدولة – نونبر 2015 ص 46.
[34] ظهير شريف رقم 1.91.225 صادر في 22 من ربيع الأول 1414
(10 سبتمبر 1993) بتنفيذ القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه
محاكم إدارية
[35] - أمر رقم 2969 ملف
عدد 2909/2103/2015 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 2015/12/15 غير منشور
[36] - مصطفى التراب
المختصر العلمي في القضاء والقانون الطبعة
الثانية 2013 ص 261 .
[37] - تقرير صادر عن
المجلس الأعلى على الحسابات مرجع سابق ص 54.
[38] - مصطفى التراب مرجع
سابق ص 263.
[40] - المصطفى التراب:
إشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية مرجع سابق ص 269.
[41] - محمد صقلي حسني،
التوجيهات الدستورية في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية وآفاق تطبيقها، مقال منشور
بموقع adala.justice.gov.ma
[42] - حكم صادر المحكمة
الإدارية بالرباط رقم 134 بتاريخ 6 مارس1997. وقد تم
تأييد هذا الحكم من قبل الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى- محكمة النقض - حاليا، من
خلال قرارها رقم 1301، الصادر بتاريخ 25/9/1997
[43] - ينص الفصل
448 ق.م.م "إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف
إلزاما بالامتناع عن عمل، أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره، وأخبر الرئيس الذي يحكم
بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها. يمكن للمستفيد من الحكم أن يطلب علاوة
على ذلك التعويض من المحكمة التي أصدرته
[44] - قرار محكمة النقض
عدد 590 بتاريخ 2005/9/11 في عمل التقرير السنوي للمجلس الأعلى ص 198
[45] -جؤاد أمهول: "
الوجيز في المسطرة المدنية" الطبعة الأولى سنة 2016 مطبعة الأمنية ص 174.
[47] - فتيحة هنيش مرجع سابق ص 411
[48] - حكم في قضية بتاريخ 1930/27/01 حتى تقرر فيه" إذا
كان للقاضي تقرير حقوق التزامات الصرف المتبادلة، وتحديد التعويضات التي يكون لهم فيها فليس له أن يتدخل في إدارة المرفق العام
بإعطاء أوامر مقترنة بجزاء مالي سواء إلى الإدارة أو المتعاقد بنا.
[50] - قرار محكمة
الإدارية بالرباط عدد ملف 480/7112/13 بتاريخ 30/09/2013.
[51] -نورة بوطاهر مرجع
سابق
[52] - المصطفى التراب :
"اشكالية تنفيذ الأحكام الإدارية" مرجع سابق ص259 .
[54] - الأمر رقم 172 ملف عدد 7/118 بتاريخ 20/20/2007 منشور بمجلة
المحاكم الإدارية العدد الثالث ص 216.
[55] -صالح لمزوغي:
المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ مقال منشور بموقع وزارة العدل
والحريات adala.justice.gov.ma
[56] - فالمشرع المصري
جرم هذا الفعل بمقتضى المادة 123 من قانون العقوبات المصري.
[57] - المصطفى التراب
مرجع سابق ص 264.
[58] -المصطفى التراب
مرجع سابق ص 266.
[59] -أمر صادر عن رئيس
المحكمة الإدارية بالرباط رقم 3054 ملف رقم 2992/7103/2015 بتاريخ 22/12/2015 غير
منشور.
[61] - فإلى جانب أموال
الدولة العامة توجه أموال الدولة الخاصة و التي يقصد بها مجموع الأموال التي
تملكها الدولة وغيرها من الأشخاص العامة الاعتبارية ملكية خاصة وتخضع لأحكام
القانون الخاص، ولمزيد من الإصلاح يرجى الرجوع، ملكية الصروخ "العمل الإداري،
الطبعة الأولى 2012 ص 125 وما يليها.
[62] - قرار الغرفة
للإدارية بمحكمة النقض عدد 556 بتاريخ 22/05/1997 أورده محمد صقلي حسني مرجع سابق
ص7.
[63] - أمر صادر من
المحكمة الإدارية بالرباط رقم 278 ملف رقم 2738/7103/2015 بتاريخ 01/12/2015 غير
منشور.
[64] ينص الفصل 488 من قانون المسطرة المدنية " يمكن لكل دائن ذاتي أو اعتباري يتوفر على دين
ثابت إجراء حجز بين يدي الغير بإذن من القاضي على مبالغ ومستندات لمدينه والتعرض
على تسليمها له...."
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق