تابعونا على الفيسبوك

Disqus

حماية المستهلك في مجال الخدمات الصحية

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
حماية المستهلك في مجال الخدمات الصحية



زروقي خديجة
أستاذة مشاركة بكلية الحقوق والعلوم السياسية
جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم
متحصلة علا شهادة الماجستير قانون اعمال مقارن
سنة ثانية دكتوراه قانون الاعمال المقارن

مقدمــــة :


عمل المشرع الجزائري على غرار التشريعات الاخرى على حماية المستهلك فسعى جاهدا  الى توفير ترسانة قانونية تكفل هذه الحماية في المجال الخدماتي بصفة عامة والخدمات الصحية بصفة خاصة، كما فعل في القانون رقم 85-05 المؤرخ في 16 فبراير 1985 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها1 المعدل والمتمم بموجب القانون رقم 08-13 المؤرخ في فبراير 2008 2 الذي نصت احكامه على قواعد ومبادئ حماية صحة وسلامة وأمن المستهلك من خلال تلقيه للخدمات الصحية من قبل المؤسسات الإستشفائية عامة كانت أم خاصة عن طريق توفير كافة الوسائل المادية اللازمة من تجهيزات طبية وأدوية وتهيئة للأقسام العلاجية والفندقية زيادة على طاقم بشري متخصص ذو كفاءة علمية ومهنية عالية وفق القواعد والأصول الطبية والفنية التي جاءت بها مدونة أخلاقيات الطب  بموجب المرسوم التنفيذي رقم 92-276 المؤرخ في 06 ماي 1992 3.
       وبالنظر الى التطور والتقدم في العلوم الطبية والتنوع والتزايد الهائل للأدوية والمستحضرات الصيدلانية التي دخلت مجال التنافس التجاري والصناعي مما ادى الى تزايد وقوع الاخطاء الطبية التي أصبحت تعج بها المحاكم ووسائل الاعلام نتيجة الخطأ في العلاج أو في التشخيص أو في وصف الدواء، فأصبح لزاما على المشرع حماية الطرف الضعيف في هذه العلاقة الاستهلاكية فعمل على اصدار القانون رقم 09-03 المؤرخ في 25 فبراير 2009 والمتعلق بحماية المستهلك وقمع الغشحرصا على توفير أمن وسلامة المريض المستهلك بتوفير العلاج والوقاية، فما دور هذا القانون في حماية مستهلك الخدمة الصحية؟ وللإجابة على هذه الاشكالية قسمنا موضوع بحثنا الى مبحثين تناول المبحث الاول مظاهر حماية المستهلك في مجال الخدمات الصحية، اما المبحث الثاني تناول أجهزة الرقابة لحماية المستهلك في مجال الخدمات الصحية.
المبحث الأول: مظاهر حماية المستهلك في مجال الخدمات الصحية.
      تجسدت حماية المستهلك من خلال مجموعة الالتزامات الملقاة على ممتهني الصحة لضمان استفادة المستهلك من الخدمات بشكل يتناسب واحتياجاته وطبيعة مهنة الطب على حد سواء هذا من جهة، ومن جهة أخرى قيام مسؤولية المحترف على اخلاله بهذه الالتزامات ضمانا لجودة الخدمات الصحية المقدمة، فنتناول في هذا المبحث الالتزام بإعلام المريض والحصول على رضائه بالإضافة الى الالتزام بتقديم العلاج.
المطلب الاول: الالتزام بالإعلام والحصول على رضا المريض.
      الزم القانون رقم 09/03 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش الاعوان الاقتصاديين بإعلام وإحاطة المستهلك بكل البيانات والمعلومات المتعلقة بالمنتجات والخدمات عند عرضها للاستهلاك وذلك وفق المادة 17 منه، كما أورد هذا الالتزام في المادة الرابعة من القانون رقم 04-02 5 المتعلق بالممارسات التجارية والذي لم يتكلم على الخدمات أين اعتبرها من قبيل المنتوجات.
     ولما كان هذا الالتزام مظهر من مظاهر إن لم نقل أهمها لتوفير حماية فعالة للمستهلك نجده معمولا به بكثرة   في المجال الصحي وبخاصة في مجال الخدمات الصحية المقدمة لارتباطه بجسم الانسان  وما يعرفه هذا الاخير من تعقيدات وصعوبات لاهتمامه بالدرجة  الاولى بصحة وسلامة مستهلك الخدمة الطبية، فالقى   على الطبيب سواء كان عاما او متخصصا أو جراحا أو طبيب اسنان أو القائم بإجراء التحاليل الطبية التزام اعلام المريض المستهلك للخدمة الطبية والذي يمليه عليه العقد الطبيالذي يقتضي ضرورة احاطة المريض علما بكل المعلومات الاساسية والضرورية المتعلقة بنوعية التدخل الطبي وطبيعة العلاج المراد اخضاعه له 7، كما نصت على ذلك  المادة 43 من مدونة أخلاقيات الطب"  يجب على الطبيب أو جراح الأسنان أن يجتهد لإفادة مريضه بمعلومات واضحة و صادقة بشأن أسباب كل عمل طبي"
     بناءا على المعطيات العلمية والطبية القائمة يلتزم الطبيب بتبصير المريض بكل ما يتعلق بوضعيته الصحية عن طريق تمكينه من كل المعلومات المتعلقة بمرضه وعلاجه وضرورة اخباره بكل العواقب المحتملة  وبالمضاعفات او تفاقم المرض او حتى الفشل في العلاج  التي يحتمل أن تحدث من جراء التدخل الطبي حتى يكون  على دراية كافية بكل المعلومات ويستطيع التعبير عن رضاءه وأخذه القرار الذي يراه مناسبا عن علم ودراية بحالته9، وهذا الالتزام يملي على المتدخل  التزاما اخر يتمثل في ضرورة الاستعلام عن طريق متابعة كافة تطورات الميدان الطبي الحديث وتجديد معلومات10 وفق نص المادة 15 والتي جاء فيها " من حق الطبيب أو جراح الاسنان ومن واجبه أن يعتني بمعلوماته الطبية ويحسنها " من نفس المدونة11، كما يلتزم بضرورة اخطاره بكل ما يستلزمه العمل الطبي من مصاريف مالية من بداية العلاج الى نهايته وفق ما يمليه عليه العقد الطبي وهو ما اقرته قواعد حماية المستهلك الذي فرض على العون الاقتصادي  اعلام الزبون بأسعار وتعريفات السلع والخدمات في مرحلة سابقة على التعاقد من أجل فرض الشفافية وتمكين المستهلك بكل ما يتعلق بالمادة الاستهلاكية منتجا كانت ام خدمة12 ، كما اقرت المادة 17 في فقرتها الاولى من قانون حماية المستهلك وقمع الغش على أن يتم الاعلام بواسطة الوسم ووضع العلامات أو بأية وسيلة أخرى مناسبة وأن تطبيق هذه المادةيكون عن طريق التنظيم13.
كما نصت المادة 47 من مدونة اخلاقيات الطب على "يجب على الطبيب او جراح الاسنان ان يحرر وصفاته بكل وضوح وأن يحرص على تمكين المريض أو محيطه من فهم وصفاته فهما جيدا " بأن يسعى جاهدا من أجل ذلك والعمل على احترام قواعد الرعاية الصحية والوقاية من الامراض وأن يعمل     على تبصير وتنوير المريض ومن حوله بمسئوليتهم14، فهو بالإضافة الى التزام الاعلام على العلاج وطبيعته يلتزم كذلك بتقديم النصائح والإرشادات والمعلومات الكافية  عن أوضاعهم الصحية  والتي من شأنها مساعدتهم على الحفاظ على الصحة والوقاية من الامراض.
السؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو هل يعتبر الالتزام بإعلام المريض التزام ببذل عناية أم التزام بتحقيق نتيجة؟   إذا كان الاصل في التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية فان التزامه بإعلام المريض يعتبر والتزام بتحقيق نتيجة15 من حيث الوسيلة الواجب اتخاذها في ايصال المعلومات للمستهلك، ولابد ان تكون المعلومات التي تقدم من طرف الاعوان الاقتصاديين صادقة ونزيهة مما تحقق الشفافية والمصداقية في العمل الطبي، وهذا الالتزام يجد تبريره في ضرورة تبصير المريض واحاطته بمخاطر المرض والمضاعفات المحتملة وانه من الالتزامات المحددة والتي تنتهي الى نتيجة معينة16 ، وأقر المشرع الجزائري صراحة بان هذا الالتزام هو التزام بتحقيق نتيجة، وذلك من خلال النصوص القانونية سواء تلك المتعلقة بحماية الصحة وترقيتها او المتعلقة بمدونة اخلاقيات الطبي منها المادة 44 من مدونة اخلاقيات الطب17.
      إن الالتزام بإعلام المريض وحده لا يكفي لمباشرة المتابعة الطبية  فلا بد أن يقترن بالحصول على رضاه أي   بموفقته على تلقى العلاج  سواء كان صارحتا او ضمنيا بقبوله الوصفة وشراءه للدواء، وذلك بعد تبصيره وإعلامه بحالته الصحية لمساعدته على اتخاذ القرار المناسب، ويعتبر الحصول على موافقة المريض المتبصر او المستنير18 أساسا لشرعية التدخل الطبي والتي تنفي المسؤولية عن المشرف على العلاج من جهة، وحماية حرية المريض المستهلك    في الاختيار من جهة أخرى19.
       يشترك في الرضا ان يكون حرا واضحا بعيدا عن كل تأثير او ضغط، كما يشترط في بعض الاحيان الكتابة كما في حالة التبرع بالاعضاء، واستثناءا على  الزامية الرضا هناك حالات خاصة يستغنى فيها عنه مثل حالات التطعيم الاجباري والفحوص مثلا، ويجب على الطبيب أن يحترم إرادة هذا الشخص بعد إعلامه بنتائج إختباره. إذا كانت إرادة الشخص رفض أو قطع العلاج يجعل حياته في خطر، على الطبيب أن يقوم على إقناعه على الموافقة على العلاج الضروري.
المطلب الثاني: الالتزام بتقديم العلاج .
     يعتبر العمل في الميدان الطبي مهنة إنسانية ورسالة نبيلة هدفها خدمة المواطن والعمل على الحفاظ  على صحته وسلامته فهي محاطة بجملة من الالتزامات والواجبات الاخلاقية والإنسانية والمهنية التي تفرضها أصول المهنة فأي اخلال بها يشكل خطأ طبيا ذا طابع قانوني، والتي تلزم الطبيب بعدم الامتناع عن تقديم الخدمات اللازمة للمريض الذي يكون بحاجة اليها، فهذه المهنة تفرض عليه ان يكون في خدمة الفرد والصحة العمومية باحترام حياته وشخصه البشري20 بالعمل والسهر على الحفاظ على صحته البدنية والعقلية والتحقق من معاناته ضمن احترام كرامته الانسانية بعيدا عن أي تمييز عرقي او ديني، عن طريق اعلامه بكل ما يتعلق بحالته الصحية مع احترام قواعد الرعاية الصحية والوقاية من الأمراض21 .
     علاوة على المهمة الاساسية للطبيب والمتمثلة  في السعي والعمل على شفاء المريض بقدر من العناية والاهتمتام أوجب المشرع الجزائري على الطبيب اسعاف المريض الذي يواجه خطرا وشيكا ويعمل على تقديم العلاج الضروري له وفق ما قضت به المادة 09 من مدونة اخلاقيات الطب.
     عمل المشرع الجزائري على حماية المستهلك من كل رفض بيع سلعة أو تأدية خدمة دون مبرر شرعي بصريح نص المادة 15 من القانون رقم 04-02 فقرة 02 22 حيث تقيم هذه المادة قرينة مفادها أن كل سلعة معروضة للجمهور أو خدمة متوفرة تم رفض بيعها أو تقديمها دون مبرر  يعتبر فعلا مخلا بنزاهة الممارسات التجارية وحتى نكون بصدد رفض تقديم الخدمات الصحية ينبغي أن تكون هناك خدمة مستلزمة أو مطلوب تقديمها يقابله رفض غير مبرر من قبل مقدمها والمتمثل في الطبيب23 ، فيحضر على أي طبيب الامتناع على تقديم العلاج للمريض بدون مبرر شرعي  ومتى صدر منه الامتناع عن ذلك يعتبر مخلا بهذا الالتزام،  فمن هذا المنطلق وفي حالة امتناعه عن تقديم الخدمة الطبية للمريض هل يتم متابعته بموجب الجزاءات المقررة بموجب المادة 35 من القانون رقم 04-02 على اعتبار ان مستخدوا الصحة يعتبرون أعوان اقتصاديين  والمريض يعتبر مستهلك؟ أم يترك أمر متابعة الى قانون حماية الصحة وترقيتها والقانون المنضم لمهنة الطب؟
     ما دامت أحكام المادة 15فقرة 02 جاءت غامضة تفرض على كل شخص يقوم بتقديم خدمة، وأن الطبيب يعتبر من قبيل هذه الاشخاص فمتى امتنع عن تقديم الخدمة العلاجية رغم توفرها وأمام غياب مبرر شرعي لهذا الامتناع بالتالي يمكن متابعته بموجب احكام المادة 35 من نفس القانون، وبالرجوع الى النصوص المنظمة للقانون المتعلق بحماية الصحة وترقيتها نجدها تعاقب بموجب المادة 24236 الطبيب على عدم الامتثال لأوامر تسخيرة السلطة العمومية وفق مقتضيات المادة 422 مكرر03 من قانون العقوبات الملغاة25، ولم يبقى في خضم جرائم الامتناع التي يسأل عنها الطبيب في التشريع الجزائري جزائيا سوى جنحة عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر المنصوص والمعاقب عليها بموجب المادة 182 فقرة 02 26 مثلما فعل نظيره الفرنسي في المادة 223-6 الفقرة 02 من قانون العقوبات الفرنسي . 
من خلال استقراء احكام قانون حماية الصحة وترقيتها وقانون الممارسات التجارية نجد هذا الالتزام ذو طابع عام مفروض على كل شخص دون تمييز  وهذا ما نلمسه من حرفية نص المادة 182ف1 من قانون العقوبات والمادة 15  من القانون رقم 04-02 فعمومية  هذه المواد تجعل نصوصها تعاقب أي شخص يمتنع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر تأسيسا على مجرد العناية الواجب اتخاذها من طرف أي شخص بغض النظر عن قدراته الخاصة وصفاته المهنية من منطلق ان تقديم المساعدة هو نتيجة حتمية لواجب ادبي وأخلاقي يمليه الضمير الانساني، حيث قضت المحكمة العليا في هذا الشأن بأن " من المقرر قانون أنه يعاقب كل شخص امتنع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر كان بإمكانه تقديمها اليه بعمل مباشر منه او بطلب لإغاثة له، وذلك دون أن تكون هناك خطورة عليه او على الغير، وأنه يعاقب عن عدم تقديم المساعدة لشخص    في حالة خطر اذا كان مرتكبا عمديا وكليا عن تقديم المساعدة27، والمشرع الفرنسي هو الاخر فسح مجال عمومية النص للقضاء لتطبيقه في مجالات عديدة ومتنوعة، اذ لقيت مجالا خصبا للتطبيق بوجه خاص  في حالات امتناع الاطباء عن تلبية طلبات المساعدة التي تقتضي تدخلهم تدخلا عاجلا سيما بالنسبة للمرضى المعرضين لخطر على درجة من الجسامة  وهو ما عززته محكمة النقض الفرنسية عند قضائها بأن " كل من يمتنع بإرادته عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر، طالما كان بإمكانه ان يقدم تلك المساعدة شخصيا او بطلب النجدة ودون ان يعرض نفسه او أي شخص اخر للخطر يرتكب جنحة الامتناع عن تقديم العلاج او العون " وتضيف المحكمة في قرارها بأن محكمة النقض أصابت عندما أدانت الطبيب الذي لم يقدم العلاج لشخص كان في حالة خطر بعد أن تأكدت من اجتماع العناصر المادية والمعنوية لجنحة الامتناع عن تقديم العلاج28 .
من خلال ما تقدم يمكننا القول انه علا الرغم من كثرة القوانين التي ترمي الى الحفاظ على مصلحة الطرف الضعيف وحمايتها وتداخلها الذي نتج عنه  اختلال التوازن بين مصلحة المريض الذي يكون بحاجة الى العلاج  ومصلحة الطبيب لان جريمة الامتناع اصحت تشكل خطرا بالنسبة للطبيب ومساره المهني وعدم استقراره  لان المشرع منع رفض اداء الخدمات من قبل مقدمها ( الطبيب) بموجب القانون 04-02   وفي المقابل وأعطاه حق الامتناع  عن  تقديمها  متى توفر المبرر الشرعي لذلك وفق قانون حماية الصحة وترقيتها كما ان هذا الاخير  
أقر الجزاءات المقررة للجرائم الايجابية ذات السلوك الايجابي كالخطأ في التشخيص او في تقديم العلاج دون جرائم الامتناع فيما عدا المادة 236 منه وفيما عداها ترك لعموم المادة 182 من قانون العقوبات وعدم اقرارها للمسؤولية الجنائية للطبيب التي لم تحدد لا نوع الخطر الموجب للتدخل وتقديم المساعدة وكيفيتها.
 المبحث الثاني : أجهزة الرقابة لحماية المستهلك في مجال الخدمات الصحية .
        بالإضافة الى الاجهزة والآليات التي قررها قانون حماية المستهلك بهدف الحفاظ على المتنفع بالسلعة او الخدمة من كل غش وتدليس كجمعيات حماية المستهلكين ومراكز مراقبة الجودة وغيرها من الاجهزة المستحدثة لهذا الغرض فالمجال الصحي هو الاخر بالنظر الى حساسيته وتعقيدات معاملاته لاتصاله بصفة مباشرة ينطوي على عدة اجهزة لحماية صحة وسلامة المنتفع بالخدمة الصحية ذلك ضمانا لقيام الاطباء وجراحي الاسنان وغيرهم من العاملين في هذا المجال فقد فرض عليهم المشرع رقابة خاصة يقوم بها الطبيب المراقب و نقابة الاطباء (المطلب الاول) ومجالس اخلاقيات الطب(المطلب الثاني ) .
المطلب الأول: رقابة  الطبيب المراقب  ونقابة الاطباء.
       قد يمارس الطبيب او جراح الاسنان مهنته باعتباره طبيبا مراقبا وفق صريح نص المادة 90 من مدونة اخلاقيات الطب، حيث يجب ان يكون شديد الاحتراز في حديثه ويمتنع عن افشاء أي سر او الكشف عن المعلومات الواردة في ملف المريض اتجاه أي شخص خارج عن اطار المصلحة الطبية او الادلاء بأي رأي او تفسير ويتعين عليه تحري الموضوعية في تقاريره واستنتاجاته29، ويقوم الطبيب او جراح الاسنان على حد السواء بمهمة الرقابة على الاعمال الطبية بكل حرية واستقلالية عن الطبيب المعالج، وهذه المهمة تقضي بضرورة ان لا يكون الطبيب المراقب هو نفسه الطبيب المعالج، كما يلتزم بالامتناع عن اعطاء أي علاج اخر او تقدير العلاج المقدم، كما أن الطبيب المراقب لا ينبغي أن يتقاضى أي أتعاب من المريض المراقب وفق المادة 94 من نفس المدونة، وفي حالة حدوث اختلاف خلال الفحص مع الطبيب المعالج او جراح الاسنان المعالج بشأن التشخيص أن يخبره بذلك على انفراد ويمكنه ان يخطر  رئيس الفرع النظامي الجهوي المختص اذا ما واجهته صعوبات في ذلك30 وهو ما يقودنا الى التعرف على نوع اخر من الرقابة وهي رقابة نقابة الاطباء.
    تعتبر نقابة الاطباء نقابة مهنية والانضمام اليها يعتبر امر ضروري وإجباري فالطبيب لا يمكنه ممارسة مهنته إلا بعد الانخراط فيها، حيث تختص هذه النقابة بالتنظيم أي العمل على الزام الأطباء المنتمين اليها على احترام  الاداب المهنية الواردة في مدونة اخلاقيات الطب وتوعيتهم فيما يخص الاعمال الطبية التي تصدر عنهم، ولزوم الحرص وبذل العناية واليقظة اللازمين في مباشرة  نشاطهم المهني وما قد يندرج عن عدم مراعاة القوانين  والأصول العلمية المتصلة بهذه المهنة ،كما تعمل على توقيع العقاب على كل طبيب أخل بهذه الالتزامات
      فإذا كانت النقابة او المهنيين انفسهم هم من يضعون وينضمون قواعد اداب مهنة الطب وواجباتها فمن الاحرى ان تكون هذه الجهة هي من تسهر على احترام تلك القواعد وردع كل مخالف عن طريق العقوبات المقدرة في صلب القوانين، وهذه العقوبات في أغلبها تأديبية حيث نصت المادة 267 فقرة 01 من القانون رقم 90-17 على أن " دون الاخلال بالملاحقات المدنية والجزائية، كل تقصير في  الواجبات المحددة في هذا القانون وعدم الامتثال لآداب المهنة يعرض صاحبه لعقوبات تأديبة "31 كما تنص المادة 390 من نفس القانون " إن لم يتسبب الخطأ المهني في أي ضرر يكتفي بتطبيق العقوبات التأديبية" التي تتراوح بين الانذار والشطب لتصل الى حرمان المخالف من مزاولة المهنة بالشطب او غلق المؤسسة .
إن ممارسة الرقابة على الطبيب تقلل من شأن درجته العلمية بل وتوحي بعدم  قيمتها، كما تعمل هذه الرقابة على الاساءة لسمعة مهنة الطب وتعطيل مزاولتها وبالتالي تطورها وتقدهما فمن الاحرى العمل على خلق معايير  واليات تقاس بها اعمال ممتهني الصحة وتكون رقابتها اكثر فعالية وضمان
المطلب الثاني : رقابة مجالس اخلاقيات الطب.
     تم انشاء مجالس اخلاقيات الطب وطنية وجهوية بموجب المرسوم التنفيذي رقم 92-276 المتضمن مدونة اخلاقيات الطب حيث تتولى هذه المجالس مهمة التقاضي والرقابة، ويتجلى هذا الاخير في أن القضاء يعود على  المجلس الوطني او الجهوي حسب الاختصاص كلما تعلق الامر بمسؤولية عضو من أعضاء السلك الطبي وفق المادة 210 من المدونة، وهذا ما يؤكد مهمة الرقابة التي تتولى القيام بها هذه المجالس.
- المجلس الوطبي لاخلاقيات الطب: يكون مقره الجزائر العاصمة ، يوجد مجلس واحد على مستوى التراب الوطني يتكون من ثلاث فروع نظامية فرع نظامي خاص بالاطباء، فرع نظامي خاص بجراحي الاسنان وفرع نظامي خاص بالصيادلة، يقوم المجلس حسب المادة 166  من مدونة  اخلاقيات  الطب  بممارسة مهام السلطة التاديبية من خلال فروعه النظامية ، وهذا ما ذهبت اليه أيضا المادة 171 من نفس المدونة التي عالجت مهام هذه الفروع والتي تتلخص في جعل الاطباء يحترمون واعد اخلاقيات الطب ، وتتولى الدفاع عن شرف المهن الطبية وكرامتها واستقلالها وتعتبر المتحاور والمستشار الطبيعي للسلطات العمومية. 
- المجالس الجهوية لأخلاقيات الطب : أنشأ القانون الى جانب المجلس الوطني لأخلاقيات الطب مجالس جهوية و التي هي الاخرى تتكون من ثلاث فروع نظامية أين نصت المادة 17 من المدونة على المهام الموكلة اليها " يمارس الفرع النظامي الجهوي في حدود ناحيته الصلاحيات  المنصوص عليها في المادة 171 ويسهر على تنفيذ قرارات المجلس الجهوي و المجلس الوطني لمهنة الطب"  
     كما ان المجلس الوطني في حد ذاته قد يرجع الى المجلس الجهوي المختص اقليميا عند عدم احترام طبيب او جراح اسنان قواعد اخلاقيات الطب، او أي حكم من أحكام المدونة وفق ما نصت عليه الفقرة 03 من المادة 210 32، كما يمكن احالة أي طبيب او جراح اسنان امام الفرع النظامي الجهوي المختص عند ارتكابه اخطاء خلال ممارسته مهامه، ويعين الفرع النظامي الوطني الفرع النظامي الجهوي المختص اذا كانت الشكوى منصبة على عضو من اعضاء الفرع النظامي الجهوي وإذا كانت الشكوى منصبة على عضو من اعضاء اللجنة التأديبية الوطنية في حالة الطعن، يبعد هذا العضو  ولا يحضر  جلسات  لجنة التأديب  حسب ما نصت  عليه المادة 211 من المدونة.
 فهذا المجلس له سلطة الفصل في المنازعات التي تقوم بين المرضى والاطباء كذلك المنازعات التي تقوم بين الاطباء والادارة وهذا يعني أن المجالس الجهوية تمارس مهامها وسلطاتها التاديبية في الدرجة الاولى ليكون المجلس الوطني كدرجة ثانية
      كما استحدث القانون رقم 90-17 المعدل للقانون رقم 85-05 المجلس الوطني لأخلاقيات العلوم الطبية بموجب المادة 168 فقرة 02 التي جاء محتواها الذي يعمل على رقابة الاجهزة الطبية عن طريق توجيه وتقديم  الاراء والتوصيات حول عملية  انتزاع الانسجة والأعضاء وزراعتها والتجريب وكل المناهج العلاجية التي يفرضها تطور التقنيات الطبية والبحث العلمي مع السهر على احترام حياة الانسان وحماية سلامته البدنية وكرامته والأخذ بعين الاعتبار الوقت الملائم للعمل الطبي والقيمة العلمية لمشروع الاختبار والتجريب
      مثلما هو المر بالنسبة للأدوية تعد لجنة المدونة الوطنية بإعداد مدونة الأجهزة الطبية التقنية يصادق عليها الوزير المكلف بالصحة. ويمنع صنع أو توزيع أي جهاز طبي لا يدخل ضمن هذه المدونة. 
الخاتمـــــة
     كرس القانون الجزائري حق المواطن في العلاج وضمان سلامته الاستهلاكية فعمل على اتخاذ جميع الاحتياطات والتدابير اللازمة لتجنيب مستهلك الخدمات الصحية ما يمكن ان يلحقه من ضرر من خلال اقرار مجموعة من الضمانات والآليات لذلك زيادة على خلق اجهزة وميكانيزمات اوكلت لها مهمة مراقبة اعمال المهنيين قصد تفادي الوقوع في الخطأ وصولا الى فرض التزامات على ممتهن الطب الذي يجب عليه احترامها ورتب مسؤولية على مخالفتها، إلا ان هذه النصوص القانونية على كثرتها إلا انها عجزت عن توفير الحماية اللازمة للمريض مستهلك الخدمة الطبية فما نلمسه من الناحية الواقعية هو رداءة الخدمات الطبية الذي يقابله تملص الاطباء من المسؤولية خاصة الجزائية منها لصعوبة اثبات الخطأ الطبي من جهة و لتأمين هؤلاء الاطباء عن مسؤوليتهم المدنية امام شركات التأمين التي تضيع في وسطها حقوق الطرف الضعيف –المستهلك-

ومن هذا المنطلق فإنه يقع على السلطات المختصة قبل الاهتمام بالتجريم والعقاب وتقرير المسؤوليات خلق مناخ مناسب يسمح بممارسة مهنة الطب بشكل يحمي المريض المستهلك ويمكن الطبيب من ممارسة مهنته على أكمل هذا من وجه، و من جهة أخرى اقرار قواعد مضبوطة وصارمة للمسؤولية الجزائية  للأطباء  و العمل على انشاء مجلس اخلاقيات الطب لكل تخصص تجنبا لتداخل المهام وهو ما يجب السعي إليه في الوقت الراهن.
      
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 1 -  القانون رقم 85-05 المؤرخ في 26 جمادى الاول 1405 الموافق ل 16 فبراير 1985 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها، جريدة رسمية عدد 08 الصادرة في 17 فبراير 1985، معدل ومتمم.
2 - القانون رقم 08-13 مؤرخ في 17 رجب عام 1429 الموافق ل 20 يوليو 2008 يعدل ويتمم القانون رقم 85-05 المتعلق بحماية الصحة وترقيتها، جريدة رسمية عدد 44 الصادر بتاريخ 20 اوت 2008.
3 - المرسوم التنفيذي رقم 92-276 مؤرخ في 05 محرم 1413 الموافق ل 06 يوليو 1992 يتضمن مدونة أخلاقيات الطب، جريدة رسمية عدد 52 الصادرة في 08 يوليو 1992.
4 -  القانون رقم 09-03 المؤرخ في 29 صفر عام 1430 الموافق ل 25 فبراير 2009 يتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش جريدة رسمية عدد 15 الصادرة بتاريخ 08 مارس 2009.
5 - القانون رقم 04-02 المؤرخ في 23 يونيو 2004 يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية، جريدة رسمية عدد 41 الصادرة بتاريخ 27 يونيو 2004.
6 - عشوش كريم، العقد الطبي، دار هومة للنشر والطباعة والتوزيع، الجزائر، 2007 ص 135.
7 -المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين، الجزء الاول، المسؤولية الطبية، منشورات الحلبي الحقوقية لبنان 2004، ص 147.
8 - المادة 43 من مدونة أخلاقيات الطب.
9 - فرق القضاء الفرنسي في هذا المجال بين نوعين من الأمراض فإذا تعلق الامر بالأمراض التي تحتاج  الى جراحة تجميلية هنا يلتزم الطبيب بإعلامه حتى بالنتائج النادرة الحدوث طالما أن  تحققها يؤدي الى مخاطر جسيمة للمريض(انظر أحمد شوقي محمد عبد الرحمن ، مضمون الالتزام العقدي للمدين المحترف ، منشورات الحلبي الحقوقية ، ط 2 لبنان ، 2004 ، ص 65 - 69) أما الامراض ذات الخطورة خاصة يكتفي الطبيب بإعلام المريض بالنتائج المتوقعة لتدخله الطبي دون المخاطر المفترضة ذلك حفاظا على حالته النفسية من جهة ومن جهة أخرى لتفادي احتمال رفضه العلاج بصفة مطلقة ( انظر مأمون عبد الكريم ، رضا المريض بالأعمال الطبية والجراحية ، دراسة مقارنة ، دار المطبوعات الجامعية ، مصر 2006 ، ص 159). 
10 - عدنان ابراهيم، مسؤولية الطبيب المهنية في القانون الفرنسي، بحث علمي القي في المؤتمر العلمي السنوي لكلية الحقوق، جامعة بيروت منشور من طرف منشورات الحلبي الحقوقية، ط2 بيروت لبنان 2004، ص 148.
11 - المادة 15 من المرسوم التنفيذي رقم 92-276 " من حق الطبيب أو جراح الاسنان ومن واجبه أن يعتني بمعلوماته الطبية ويحسنها".
12 - محمد شريف ، قانون المنافسة والممارسات التجارية وفقا للأمر 03-03 والقانون 04-02، دار بغدادي للطباعة والنشر والتوزيع ، الجزائر ص 79.
13 - المادة 17 من قانون رقم 09-03 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش.
14 - المادة 48 من المرسوم التنفيذي رقم 92-276، سبق التعريف به.
15 - ماني عبد الحق، حق المستهلك في الإعلام، مذكرة ماجستير تخصص قانون الأعمال، دراسة مقارنة بين التشريع الجزائري والمصري ، 2008-2009 ، ص 110.
16 - جاسم علي الشامي، مسؤولية الطبيب والصيدلي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2004، ص41.
17 - المادة 44 من نفس المدونة  والتي جاء نصها كالتالي : " يخضع كل عمل طبي يكون فيه خطر جدي على المريض لموفقة المريض موافقة حرة ومتبصرة او لموافقة الاشخاص المخولين منه او من القانون، وعلى الطبيب او جراح الاسنان ان يقدم للعلاج الضروري اذا كان المريض في خطر او غير قادر على الادلاء بموافقته" وكذلك المادة 43  و 47 من نفس المدونة .
18 -  مأمون عبد الكريم، المرجع  السابق، ص 155.
19  CASS  12RE   CIV.7 octobre  1998, n° 1567P + B+R  et  1568 p. dalloz  1999 ; juris : 145.
20 - المادة 06 من المرسوم التنفيذي رقم 92-276، سبق التريف به.
21 - المادة 48 من المرسوم التنفيذي رقم 92-276، سبق التريف به.
22 - المادة 15 من القانون رقم 04-02 فقرة 02 " يمنع رفض بيع سلعة أو تأدية خدمة بدون مبرر شرعي، إذا كانت هذه السلعة معروضة للبيع او كانت الخدمة متوفرة " .
23 - لطروش أمينة، رفض البيع ورفض أداء الخدمات، دراسة مقارنة، مذكرة ماجستير قانون الاعمال المقارن ، كلية الحقوق جامعة وهران ، 2011-2012 ، ص 30.
24 - المادة 236 من القانون رقم 85-05 ، سبق التعريف به
25 - المادة 422 مكرر 3 من قانون العقوبات –ملغاة-
26 -  المادة 182 من قانون العقوبات الجزائري.
27 - الاجتهاد القضائي الصادر عن المحكمة العليا ، غرفة المخالفات والجنح ، ملف رقم 128892 بتاريخ 26-12  1995، المجلة القضائية للمحكمة العليا العدد 02 لسنة  1996، ص 182-184 ، قسم الوثائق للمحكمة العليا، الديوان الوطني للأشغال التربوية سنة 1998.
    384.  - Cass.crim : 04/02/1998.D.1990. s.p28 
29 - المادة 91 من المرسوم التنفيذي رقم 92-276، سبق التعريف به.
30 - المادة 92 من المرسوم التنفيذي رقم 92-276، سبق التعريف به.
31 -  المادة 267 من القانون رقم 90-17 المؤرخ في 09 محرم 1411 الموافق ل 31 يوليو 1990 يعدل ويتمم القانون رقم 85-05 المؤرخ في 16 فبراير 1985 والمتعلق بالصحة وترقيتها جريدة رسمية عدد 35 الصادرة بتاريخ 15 أوت 1990. 
32 -  المادة 210 من مدونة اخلاقيات الطب .
التصنيف :
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة الخصوصية
نسخ الرابط
نسخ للمواقع

0 التعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

المساهمات

المساهمات
contentieux des affaires ( ISSN ) 2508-9293 © 2014-2016