وظائف الوثائق المحاسبية والجزاءات المترتبة على مخالفتها
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
وظائف الوثائق المحاسبية
والجزاءات المترتبة على مخالفتها
انعيمي أحمد
باحث في القانون الخاص ( كلية الحقوق اكادير )
يتعين على كل تاجر سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا أن يمسك محاسبة منظمة
وذلك تنفيذا لأحكام الظهير الشريف رقم 138-92-1 الصادر في 30 جمادى الثانية 113
(25 دجنبر 1992) المتعلق بتنفيذ القانون رقم 9.88 في شان القواعد المحاسبية
الواجبة على التجار العمل بها، هذا القانون المعمول به حاليا والذي ألغى في مادته
25 مقتضيات الفصول 10-11-12-13 من مدونة القانون التجاري (12 غشت 1913) وتنصرف
بحكم القانون الإحالات إليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل إلى
الأحكام المقابلة لها في هذا القانون .
وفي إطار الحديث عن الالتزامات المحاسبية، فسنتطرق إلى زائف الوثائق
المحاسبية (المطلب الأول) وإلى الجزاءات المترتبة على مخالفة قواعدها (المطلب
الثاني).
المطلب الأول: وظائف الوثائق
المحاسبية.
تعد الوثائق المحاسبية بداية خير أداة لتسيير المقاولة حيث تمكن من معرفة
نتائجها وتطورها، وذاك من خلال إجراء مقارنة يوازن فيها بين إيراداته ونفقاته
لتحقيق مركزه المالي، أي إقامة الميزانية وحساب الأرباح، والخسائر، وعلى ضوء ما
يتوصل إليه من نتائج مقارنة مع موازنات متتالية أو بالتقريب مع موازنات لمقاولات
شبيهة، كما يستطيع أن يستند إلى هذه الوثائق لفض كثير من المشاكل والمنازعات
التجارية.[1]
كما تعتبر الوثائق المحاسبية خير وعاء لفرض ضريبة عادلة تفرض على قدر
المعاملات، أما إذا كان القانون الضريبي والقانون المحاسبي يفرضان اختيارات
محاسبية مختلفة، فيجب احترام بالأسبقية القانون المحاسبي ووضع رهن إشارة إدارة
الضرائب وثيقة توفيقية. وعلى الصعيد القانون تعد الوثائق المحاسبية بمثابة وسيلة
فعالة للإثبات أمام القضاء وخاصة إذا كانت المنازعة بين تاجرين وتعلقت بأعمالها
التجارية.
وقد أخذ المشرع المغربي بالفعل كباقي التشريعات المقارنة بحجية الوثائق
المحاسبية في الإثبات، وقد تكون هذه الحجية دليلا ما في بعض الأحيان لصاحبها أو
عليه، وقد تكون الوثائق في حالات أخرى حجة على صاحبها، ولا تكون حجة لفائدته، وقد
تكون أيضا هذه الوثائق في حالة أخيرة مجرد قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس بكافة
وسائل الإثبات، وبإمكان القاضي أن يذهب أبعد من ذلك فيقرر صرف النظر عن هذه
الوثائق المحاسبية ويطلب دليلا آخر وذلك تبعا لسلطته التقديرية في هذا المجال.
وإذا كانت القاعدة العامة في الإثبات أنه لا يسوغ للشخص أن يصنع دليلا
لنفسه ويحتج به ضد الغير، كما لا يجبر الشخص مبدئيا على تقديم دليل ضد نفسه لصالح
الغير، فإنه في القضايا التجارية يجوز الإثبات بواسطة الوثائق المحاسبية سواء كان
الإثبات لمصلحة التاجر الذي يمسكها أو ضده.
وفي هذا الإطار ينص الفصل 433 من ق.ل.ع المغربي على أنه "إذا تضمنت
دفاتر التاجر تقييد صادرا من الخصم الآخر أو اعترافا مكتوبا منه أو إذا طابقت
نظيرا موجودا في يد هذا الخصم الآخر، فإنها تكون دليلا تاما لصاحبها وعليه".
وجاءت الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 15.95 يتعلق بمدونة
التجارة في باب القواعد المحاسبية والمحافظة على المراسلات لتنص على أنه إذا كانت
تلك المحاسبة ممسوكة بانتظام فإنها تكون مقبولة أمام القضاء كوسيلة إثبات بين
التجار في الأعمال المرتبطة بتجارتهم"[2]
إلا أن ذلك مقرون بوجوب ان ترتب و تحفظ أصول المراسلات الواردة و نسخ
المراسلات الصادرة مدة عشر سنوات ابتداء من تاريخها( المادة 26 من مدونة التجارة) ،
كما أن أثر مسك الوثائق المحاسبية وانتظامها والاعتداء بقوتها الثبوتية، ليست له
أهمية كبيرة، وذلك من واجهتين:
الواجهة الأولى: إن هذا النوع من الإثبات في جزئه جوازي، وليس إلزامي
باعتبار أن الأخذ بما تضمنته الوثائق المحاسبية، يرجع للسلطة التقديرية للقاضي
أحيانا.
الواجهة الثانية: إن الإثبات حر في المسائل التجارية وغياب الوثائق
المحاسبية لا يشكل حاجزا قويا أمام التاجر من أجل إثبات ما يدعيه.[3]
هذا عن وظائف الوثائق المحاسبية ، لكن ماذا عن حالة عدم احترام قواعد هذه
الوثائق، وما الجزاءات، وهو ما يتسم توضيحه في (المطلب الثاني).
المطلب الثاني: الجزاءات
المترتبة على مخالفة قواعدها.
تغير الوضع نسبيا بعد صدور القوانين الجديدة المنظمة للشركات، ولو بصورة
غير مباشرة، وذلك بصدور عقوبات وجزاءات في مجموعة من القوانين وهذه الجزاءات على
الشكل التالي.
أولا: الجزاءات الجنائية.
ينص الفصل 357 من القانون الجنائي المغربي على ما يلي:
من ارتكب بإحدى الوسائل المشار إليها في الفصل 354، تزويرا في محرر تجاري
او بنكي، أو حاول ذلك، يعاقب بالحبس من
سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى عشرين ألف درهم.
حيث يمكن إعمال هذه الجريمة والعقوبة المقررة لها في حالة حصول تزوير في
الوثائق المحاسبية، باعتبارها محررات تجارية"[4]
وجاءت المادة 384 من القانون رقم 95-17 المتعلق بإصلاح شركات المساهمة
بالمغرب، لتعاقب بالحبيس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة من 100.000 إلى 1.000.000
درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين أعضاء أجهزة الإدارة أو التسيير أو التدبير لشركة
مساهمة:
* الذين وزعوا عن قصد على المساهمين أرباحا وهمية في غياب أي جرد أو
بالاعتماد على جرود تدليسية.
* الذين قاموا عن قصد أو في حالة عدم توزيع أرباح وبغية إخفاء وضع الشركة
الحقيقي، بنشر أو تسليم المساهمين قوائم تركيبية سنوية لا تعطي صورة صادقة للنتائج
المحققة برسم كل سنة مالية والوضعية المالية للشركة وذمتها المالية عند انتهاء تلك
الفترة..."[5]
كما نجد الأستاذ أحمد شكري السباعي هو الآخر يفصل في الجزاءات الجنائية،
وذلك بالتمييز بين عقوبات شركات المساهمة وباقي الشركات،
فبالنسبة لشركات المساهمة:
لقد وضع القانون الجديد رقم 17.95 عديدا من العقوبات الجنائية التي تطال
أعضاء أجهزة الإدارة أو التدبير أو التسيير لشركة مساهمة للإخلال بضوابط وقواعد
المحاسبة، وعدم مراعاة الإجراءات اللازم اتخاذها إزاء المساهمين أو الشركاء
وغيرهم.
بالنسبة لباقي الشركات:
وضع القانون رقم 5.96 عديدا من العقوبات لزجر المخالفات المحاسبية التي
يرتكبها المسيرون[6]
ونعزز كذلك القول بإضافة للأستاذ فؤاد معلال، بتوضيحه بأن المدونة الجديدة
نصت على مجموعة من الجزاءات توقع في حالة فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية
على التجار الفرادى وعلى مسيري الشركات الذين يثبت في حقهم مسك كل محاسبة وفق للقواعد
القانونية، وتتمثل هذه الجزاءات في إسقاط الأهلية التجارية عنهم (المادتان 712 و
713) وإدانتهم بجريمة التفالس (المادة 721) التي يعاقب عليها بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وبغرامة من 10.000 إلى 100.000 درهم أو
بإحدى هاتين العقوبتين فقط (المادة 72) ويمكن بالنسبة لمسيري الشركات زيادة على
ذلك فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية في حقهم شخصيا (المادة 706)
كما أن قانون الشركات الجديد نص على معاقبة المسيرين الذين لا يعدون
بالنسبة لكل سنة محاسبية الجرد والقوائم التركيبية بغرامة من 2000 إلى 10.000 درهم
(المادة 109) وبالنسبة لشركة المساهمة شدد
المشرع من هذه العقوبة على فجعل الغرامة من 40000إلى 400.000 درهم (المادة 386من القانون المنظم لشركة المساهمة)[7]
ثانيا: الجزاءات المقررة في القانون المدني.
يمكن تقرير المسؤولية المدنية المقررة في القانون العام أيضا إذا تسبب سوء
مسك الحسابات في ضرر للغير أو للشركاء، فهكذا يمكن للأغيار المنخدعين من التقديم
المفرط في التفاؤل بشأن وضعية المقاولة، أن يطالبوا بالتعويض عن الضرر الذي قد
يحصل لهم، ومثال ذلك المورد الذي يمنح ائتمانا على أساس جرد تدليس خاطئ.[8]
وإضافة لذلك نجد الأستاذ فؤاد معلال يذكر الجزاءات المدنية، حيث أنه حسب
المادة 19 فقرة ثانية من مدونة التجارة الجديدة فإنه إذا كانت تلك المحاسبة ممسوكة
بانتظام فإنها تكون مقبولة أمام القضاء كوسيلة إثبات بين التجار في الأعمال
المرتبطة بتجارتهم وهو ما يعني بالمفهوم
المخالف أنه إذا لم يتم احترام القواعد الشكلية المتعلقة بمسك المحاسبية فإنها لا
تعتبر منتظمة وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها في الإثبات أمام القضاء.
إضافة إلى ذلك إذا ترتب عن عدم مسك المحاسبة بصورة منتظمة إلحاق ضرر بالغير
أو بالشركاء قامت المسؤولية المدنية للمسؤول عن ذلك وفق القواعد العامة.[9]
ثالثا: الجزاءات المقررة في القانون التجاري.
لقد انفرد القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة بالمغرب بالتنصيص في
مادته 706 على انه "في حالة التسوية القضائية أو التصفية القضائية لشركة ما
يجب عل المحكمة أن تفتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية تجاه كل مسؤول
يمكن أن تثبت في حقه إحدى الوقائع التالي:
...........
5/ مسك محاسبة وهمية أو العمل على إخفاء وثائق محاسبية الشركة أو الامتناع
عن مسك كل محاسبة موافقة للقواعد القانونية.
...........
7/ المسك بكيفية وضاحة لمحاسبة غير كاملة أو غير صحيحة"
كما يرخص الفصل 711 من نفس القانون للمحكمة في حالات متشابهة لحالة الإفلاس
الشخصي أن تقضي بإجراء أخف، ويتمثل في منع التدبير أو التسيير آو الإدارة أو
المراقبة بصفة مباشرة أو غير مباشرة لكل مقاولة تجارية أو حرفية ولكل شركة تجارية
ذات نشاط اقتصادي.
ويترتب عن الحكم بسقوط التجارية الحرمان من ممارسة وظيفة عمومية انتخابية
تشمل عدم الأهلية لكل شخص طبيعي تم الحكم عليه بالتصفية القضائية (المادة 718 من
نفس القانون أعلاه)
كما يمكن اعتباره من قبيل الجزاء في هذا المجال حالة عدم تصديق الحسابات من
طرف مراقبي الحسابات وكذلك رفض الجمعيات العمومية التصديق على حسابات الشركة[10]
رابعا: الجزاءات المقررة في القانون الضريبي.
وتتمثل بالخصوص في رد المحاسبة من قبل إدارة الضرائب، إذا أثبتت
هذه الأخيرة عدم صحة و صدق المحاسبة, و يجوز لها ان تقوم فيما بعد بفحص جديد للحسابات
التي سبق فحصها من غير أن يترتب على الفحص الجديد، ولو تعلق الأمر بضرائب ورسوم
أخرى، تغيير أسس فرض الضريبة التي وقع إقرارها
عقب المراقبة الأولى.وفي هذا السياق تنص المادة 47 من القانون المنظم
للضريبة على الشركات بالمغرب على انه إذا لم تقدم الشركة الوثائق المحاسبية في
الآجال المشار إليها ,عوقبت الشركة بغرامة قدرها ألفا درهم، وإذا لم تدل الشركة
بما يبرر عدم تقديمها الوثائق المحاسبية تعرضت علاوة على ما ذكر، لتلجئة قدرها مائة درهم عن كل
يوم تأخير على ألا تتجاوز مجموعها ألف درهم.
وجاء أخيرا القانون المالي للسنة المالية 1996 /1997 في المادة 49 المكررة في باب الجزاءات الجنائية ليجرم التملص الضريبي ولينص على ما يلي:
"بصرف النظر عن الجزاءات الضريبية المنصوص عليها في هذا القانون،
يعاقب بغرامة 5.000 درهم 50.000 درهم. كل شخص ثبت في حقه استعمال إحدى الوسائل
التالية قصد الإفلات من إخضاعه إلى الضريبة أو التملص من دفعها آو الحصول على خصم
منها أو استرداد مبالغ بغير حق:
- ....
- تقديم تقييدات محاسبية مزيفة او صورية ,
-
....
- اخفاء او اتلاف وثائق الحسابات المطلوبة قانونيا,
-
....
- في حالة العود إلى المخالفة قبل مضي خمس سنوات على الحكم بالغرامة اكتسب قوة
الشيء المقضي به، يعاقب مرتكب المخالفة، زيادة على الغرامة المقررة أعلاه بالحبس
من شهر إلى ثلاثة أشهر..."[11]
كما أن الأستاذ أحمد شكري السباعي بين القانون الجديد ينص على هذا الجزاء
حيث يقول، سن القانون الجديد رقم 9.88 لسنة 1992 مؤيدا جديدا ضرائبيا حددت مضمونه
المادة 23 التي تمنح لإدارة الضرائب الحق في أن ترفض قبول المحاسبات التي لا تكون
ممسوكة وفق الأشكال المقررة في هذا القانون وفي الجداول الملحقة به[12]
[1]-
عز الدين بنستي ,المرجع السابق,
[2]-
عز الدين بنستي، مرجع سابق، ص: 242.
[3]-
عز الدين بنستي، مرجع سابق، ص: 442.
[4]-
عز الدين بنستي، مرجع سابق، ص: 244.
[5]- عز الدين بنستي، مرجع سابق، ص: 245.
[6]-
أحمد شكري, مرجع السابق ,ص342 :
[7]-
فؤاد معلال ,المرجع السابق,ص:150
[8]-
الدكتور عز الدين بنستي، مرجع سابق، ص: 246.
[9]-
فؤاد معلال، مرجع سابق، ص: 150.
[10]-عز الدين بنستي: مرجع سابق، ص: 245-246.
[11]-
عز الدين بن سبتي مرجع سابق، ص: 246-247.
[12]-
احمد شكري السباعي، مرجع سابق، ص: 345.
هام : هذا الموضوع ضمن تصنيفات المدونة
زووم العربية نشكرك للمتابعة . يمكنك نقل
الموضوع من المدونة لكن بشرط يجب ذكر المصدر و ذكر رابط الموضوع الاصلي قبل نقل أي موضوعالمرجوا زيارة صفحة
الخصوصية
نسخ الرابط | |
نسخ للمواقع |
0 التعليقات:
إرسال تعليق