علاقة تنافر أم تكامل بين مفهوم "الكارثة"
في النص الزجري وباقي النصوص القانونية
منعم سجورة
باحث في القانون
بدون سابق إنذار ضجت وسائل الإعلام
حول العالم بالفيروس القاتل كوفيد-19،ا لذي تفشى بين سائر البشر غير معترف بالحدود
الجغرافية أو السياسية ،آخذا على عاتقه اختبار كافة الأنظمة الصحية للدول وكذا ثقافاتها
الدينية والقومية، فهذا الوباء ألقى دروسه في أكثر من مجال مانحا حكمه للأجيال.
ولعل من شأن التغيرات الإقتصادية
والإجتماعية المباشرة التي من المتوقع أن يعرفها المجتمع بفعل هذا الوباء، أن تنعكس
على سلوكيات الأفراد، وبالتالي ارتفاع مستوى الجرائم عموما وجريمة السرقة خصوصا، فهذه
الظرفية الإستثنائية ستشكل لا محالة فرصة لضعاف النفوس من أجل استغلالها على نحو يخول
لهم سلب أموال الأشخاص بعيدا عن هاجس التراجع عن هذا الفعل الجرمي الشنيع طالما أن
السكينة والهدوء يعما كل أرجاء البلاد بفعل حالة الطوارئ المعلن عنها.
فالباحث القانوني اليوم يبحث عن خانة ليدخل فيها تصنيفا
لهذا الفيروس القاتل لما لذلك من تأثير مباشر على مجموعة من النصوص القانونية عموما
والزجرية خصوصا لتعلقها المباشر بحريات الأفراد داخل المجتمع فإلى أي حد استطاع المشرع
وضع توافق لمفهوم الكارثة بين النص الزجري وباقي النصوص الخاصة؟
-فيروس كورونا من خلال
الفصل 510من القانون الجنائي:
إن أهم ما يميز هذا الفصل هو
كونه يتطلب ظرفا مشددا واحدا، وذلك حتى يتم إعمال مقتضياته خلافا للفصل 509 من القانون
الجنائي والذي يتطلب ظرفين مشددين ولعل المرجح في ذلك هو مقدار العقوبة المخصصة لمرتكب
الفعل الجرمي، إذ نجد أن العقوبة المقررة من خلال الفصل المذكور هي من عشر إلى عشرين
سنة، أما العقوبة المقررة من خلال الفصل 510 فهي من خمس إلى عشر سنوات.
فمسألة الظروف المشددة تبقى
حاسمة في إعطاء التكييف الذي ينسجم مع المقتضيات الزجرية، إذ أنه حسب قرارات متعددة
ومتواترة لمحكمة النقض، فإن عدم التطرق للظروف المشددة بشكل مفصل وتبانها على نحو دقيق
يحرم محكمة النقض من بسط رقابتها، ويجعل بالتالي القرارات مشوبة بنقصان التعليل الموازي
لانعدامه.
ولعل من المسائل التي وجب الوقوف
عليها هو ظرف التشديد المتعلق "بالكارثة" الذي جاء به الفصل 510، وما مدى
إمكانية اعتبار فيروس كورونا المستجد كارثة؟
صنفت منظمة الصحة العالمية تفشي
فيروس كورونا بوصفه "جائحة" Pandémie،
و قد بررت
استخدامها لهذه المصطلح لسببين
رئيسيين: أولها يرجع لسرعة تفشي هذا الوباء وثانيها القلق الشديد إزاء القصور الذي
تنهجه بعض الدول على مستوى الإرادة السياسية للسيطرة على هذا الفيروس.
والجائحة تعني لغة بلية أو تهلكة
أو داهية، أما اصطلاحا فهي تعني المرض الذي يتحدى السيطرة، وهو ما يفسره انتشار هذا
الوباء دوليا وعدم انحصاره بدولة واحدة.
أما الكارثة فتعني لغة المصيبة أو الخراب، أما اصطلاحا فالمقصود بها ذلك
الإضطراب الخطير الذي يحدث خلال فترة قصيرة نسبيا متسببا في خسائر بشرية ومادية واقتصادية
واسعة النطاق، والتي تتجاوز قدرة المجتمع على التغلب عليها باستخدام موارده الخاصة،
والكارثة عموما تنقسم إلى نوعين فهي إما طبيعية مثل البراكين أو الزلازل أو من صنع
الإنسان نتيجة الإهمال والخطأ البشري، ويمكن أن نصنفها لكوارث تكنولوجية أو اجتماعية
أو بيئية.
وعليه فإنه بالرجوع للفصل
510 من القانون الجنائي نجد أن المشرع أعطى
أمثلة عن الكوراث التي تغير الوصف القانوني لفعل السرقة في حال ارتكابها في ظلها ،
ونذكر منها (أوقات الحريق/الإنفجار/الإنهدام/الفيضان/الغرق/الثورة/التمرد/أو أي كارثة
أخرى)، فالواضح من خلال القراءة البسيطة لهذا النص أنه يمكن الإجماع على أمرين أساسيين،
الأول هو أن الكوارث التي تحدث عنها المشرع
تنسجم وتتلائم مع التصنيف التقليدي للكوارث التي سبق أن تطرقنا لها (طبيعية/من صنع
الإنسان)، والثاني هو أن هذه الكوارث ساقها المشرع على سبيل المثال وليس الحصر، والملاحظ
أنه نادرا ما يعمد المشرع إلى فسح مجال للإجتهاد عند تطبيق النصوص الزجرية متمسكا بمبدأ
الشرعية الجنائية.
وبناء
على ما ذكر، فإن ما يمكننا قوله هو أن الآراء تضاربت بين مختلف الباحثين في المجال
القانوني والممارسين بخصوص ما إذا كان هذا الوباء يشكل كارثة، فانقسمت وجهات النظر
إلى اتجاهين اثنين:
فالإتجاه الأول يرى أن وباء
كوفيد-19 لا يعتبر كارثة وذلك للعلل التالية:
إذ يؤكد أصحاب هذا الرأي أن
القوانين تقرأ مجتمعة و منسجمة مع بعضها البعض ولا يمكن أن تكون محل تنافر، إذ بالرجوع
للمادة الثالثةمن القانون 110.14 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع
الكارثية و بتغيير و تتميم القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات.
نجدها تنص على ما يلي:
"مع
مراعاة أحكام المادة 6 أدناه، يعتبر واقعة كارثية كل حادث تنجم عنه أضرار مباشرة في
المغرب، يرجع السبب الحاسم فيه إلى فعل القوة غير العادية لعامل طبيعي أو إلى الفعل
العنيف للإنسان".
يشكل عامل القوة غير العادية
لعامل طبيعي واقعة كارثية إذا تبين توفره على المواصفات التالية:
-أن
تتوفر في وقوع الحادث المسبب له شرط الفجائية أو عدم إمكانية التوقع. وفي حالة إمكانية
توقع
الحادث يشترط أن لا تمكن التدابير
الاعتيادية المتخذة من تفادي هذا الحادث أو تعذر اتخاذ هذه التدابير.
- أن تشكل أثاره المدمرة
خطورة شديدة بالنسبة للعموم
يعتبر الفعل العنيف للإنسان
واقعة كارثية إذا كان :
-يشكل فعلا إرهابيا ؛
أو
-نتيجة مباشرة لوقوع فتن
أو اضطرابات شعبية عندما تشكل آثارها خطورة شديدة بالنسبة للعموم.
تعد في حكم الأضرار الناجمة
عن الواقعة الكارثية الأضرار المترتبة مباشرة على أعمال و تدابير
والإغاثة و الإنقاذ واستتباب
الأمن.
إذا كانت هذه الأعمال و التدابير
مرتبطة بهذه الواقعة" .
فمن خلال هذه المادة نجد أن
المشرع تطلب شروطا أساسية للقول بتحقق كارثة بمفهومها القانوني سواء كانت طبيعة أو
عائدة لفعل الإنسان.
فالواضح إذن من خلال القراءة المتأنية للمادة المذكورة،أن
وباء كوفيد لا يستجمع كافة الشروط
المتطلبة وفقا لهذا النص، ذلك أن تحقق شرط عدم التوقع يبقى نسبيا، نظرا لكون أن منذ
ظهور هذا الوباء لأول مرة في الصين بمدينة ووهان أواخر سنة 2019، كان من المرجح والمتوقع
تفشي هذا المرض بكافة دول العالم بما في ذلك المغرب في حالة عدم اتخاذ تدابير احترازية
صارمة، وهو ما أوضحته منظمة الصحة العالمية من خلال تحذيراتها المتوالية، ولعل خير
دليل على ذلك أن هذا الوباء لم يظهر بالمغرب إلا بتاريخ 2 مارس 2020، وإن كنا لا ننكر
المجهودات المبذولة من قبل الدولة من أجل محاربة تفشي هذا الوباء، الشيء الذي يجعل
شرطي عدم التوقع واستحالة الدفع محط نقاش.
وأضاف أنصار هذا الإتجاه أن
المادة السادسة من قانون 110.14 تشترط شكليات خاصة للإعلان
عن كارثة، إذ تتم من خلال قرار
إداري بعد استشارة لجنة تتبع الوقائع الكارثية المحددة بموجب المادة 9، وعليه فالدولة
وحدها من يملك سلطة الإعلان عن ذلك بموجب قرار إداري بعد استطلاع رأي لجنة تتبع الوقائع
الكارثية المحدثة بموجب المادة 6 من القانون المذكور، ونشر هذا القرار بالجريدة الرسمية
داخل أجل لا يتعدى ثلاثة أشهر من تاريخ وقوع الواقعة الكارثية مع إمكانية تقليص هذه
المدة بموجب نص تنظيمي.
وبناء على هذا المعطى الأساسي
فإنه في ظل غياب هذا الإعلان فلا يمكن القول أن وباء كوفيد -19 يشكل كارثة بالمعنى
الدقيق الوارد بالمادة السادسة، والتي تخول الحق في الاستفادة من التعويضات الممنوحة
من قبل صندوق التضامن ضد الوقائع الكارثية، ولعل هذا ما جعل الدولة تعمل على إحداث
صندوق خاص لمواجهة جائحة كوفيد -19.
بينما يرى أنصار الإتجاه الثاني
أن كل المبررات التي استند عليها الاتجاه الأول للقول بأن وباء كورونا المستجد لا يشكل "كارثة" يبقى
مردودا، وذلك للعلل التالية:
فالعبارات و المفاهيم الواردة
بالقانون الجنائي تختلف لحد كبير عن تلك الواردة
بالنصوص الخاصة، إذ أن المعايير والشروط المتطلبة
في واقعة أو صفة للقول بتحققها وفقا للنص الزجري تختلف عن تلك الواردة بباقي النصوص
القانونية، ومن ذلك مثلا صفة الموظف العمومي فهذا المفهوم يعرف تضاربا بين ذلك الوارد
بالفصل الثاني من ظهير 24 فبراير 1958 وذلك الوارد بالفصل 224 من القانون الجنائي،
فالغاية التي يهدف إليها المشرع إذن من خلال عبارة "أي كارثة أخرى" هي تعميم
تطبيق النص الجنائي على كل من سولت له نفسه استغلال الظروف التي تعرفها البلاد بشكل
عام وأفرادها بشكل خاص قصد ارتكاب فعل السرقة، فالخاصية التي ميزت الفصل 510 من القانون
الجنائي من خلال ورود عبارة (أي كارثة أخرى) لا ترتبط بمبدأ "عدم جواز التوسع
في النص الجنائي" لأن هذا الأخير يرتبط بمسألة صياغة النص الجنائي بدقة ووضوح
وذلك درءا لأي اختلاط قد يصيب المخاطب تحقيقا للأمن القانوني والقضائي على حد سواء
واحتراما لقاعدة شرعية التجريم والجزاء الجنائي، أما العبارة الواردة بالفصل المذكور
فهي ضمان لمسألة التوفيق بين خاصيتي الاستقرار والاستمرارية ذلك أن ذكر هذه الكوارث
على سبيل الحصر من شأنه أن يحول دون مواكبة النص الجنائي للواقع المستجد للجريمة وتطوراتها،
وبالتالي الحيلولة دون تحقيق الغاية المثلى للنص الجنائي والمتمثلة في تحقيق الأمن
المجتمعي من خلال خلق توازن بين مبدأ الشرعية وعدم ترك أي فرصة للإفلات من العقاب.
كما أكد أصحاب هذا الإتجاه أن
مجموعة من النصوص القانونية الصادرة بهدف مواجهة
تفشي هذا
الوباء والتي نذكر منها:
_مرسوم رقم 269.20.2 صادر
في 21 من رجب 1441 الموافق ل16 مارس 2020 بإحداث
حساب مرصد لأمور خصوصية يحمل
اسم(الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا ـ كوفيد – 19)
.
_مرسوم رقم 270.20.2 صادر
في 21 من رجب1441 الموافق ل 16 مارس 2020 يتعلق
بمساطر تنفيذ النفقات المنجزة
من لدن وزارة الصحة.
استندت
في مجملها على على مبدأ دستوري متعلق بالتضامن عند وقوع آفة أو "كارثة"،
إذ ينص
الفصل 40 من الدستور على مايلي:
(على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها،
التكاليف
التي
تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الآفات والكوارث الطبيعية
التي تصيب البلاد)، فالتدابير الإحترازية الرامية للحد من تفشي هذا الوباء الفتاك،
والتي لقت استحسانا وطنيا ودوليا بفضل التعليمات السامية لجلالة الملك نصره الله أخذت
بعين الاعتبار خطورة هذه الجائحة والأضرار التي تكبدها المغرب ومازال يتكبدها بشريا
واقتصاديا واجتماعيا والتي أقل ما يمكن القول عنها أنها ذات طابع كارثي.
ولعل ما يؤكد هذا الطرح على
حد قول أصحاب هذا الإتجاه هو قرار وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح
الإدارة رقم 20.986 صادر في
21 رجب 1441 الموافق ل 16 مارس 2020 باتخاذ تدابير مؤقتة ضد ارتفاع أسعار المطهرات
الكحولية، والذي صدر استنادا لمقتضيات المادة الرابعة من قانون 104.12 المتعلق بحرية
الأسعار والمنافسة والتي تنص على ما يلي:
(لا تحول أحكام المادتين2و
3 دون إمكانية قيام الإدارة، بعد استشارة مجلس المنافسة ، باتخاذ تدابير
مؤقتة
ضد ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار تعلله ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية
غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين، ولا يجوز أن تزيد مدة تطبيق التدابير المذكورة
على 6 أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة من قبل الإدارة.
فالملاحظ من خلال قانون حرية
الأسعار و المنافسة أنه إذا كان الأصل هو حرية الأسعار فإن هذا
المبدأ ترد عليه استثناءات بموجب
الحالات الواردة بالقانون، ( ظروف استثنائية -كارثة عامة- وضعية غير عادية)،وذلك بعد
استشارة مجلس المنافسة.
فالثابت من خلال رأي مجلس المنافسة
عدد 02/ر/2020 الصادر في 21من رجب 1441
(16مارس 2020) حول طلب رأي وزير الإقتصاد
والمالية و إصلاح الإدارة المتعلق بتنظيم أسعار
المطهرات
الكحولية و الكمامات الواقية و القاضي بالقبول أن تعليله قد استند على توافر الظروف
الاستثنائية المتعلقة بالكارثة، إذ جاء في حيثيات هذا الرأي الاستشاري ما يلي: ( وحيث
إن المشرع حدد بشكل حصري وليس على سبيل الإستدلال قائمة الأسباب التي من شأنها
إضفاء
طابع الشرعية للجوء إلى التدابير المؤقتة المنصوص عليها
في نفس المادة وهي (أ) ظروف
استثنائية،
(ب) كارثة عامة، (ت) و ضعية غير عادية بشكل واضح للسوق المعني.
وحيث إنه يمكن تعريف الظروف
الإستثنائية على أنها أحداث غير عادية و غير متوقعة من شأنها
المساس بالسوق، مما يستلزم التدخل
الفوري للسلطات العمومية قصد وضع حد لأي مسلسل تضخمي كخصاص في المواد أو ارتفاع فاحش
في أسعارها.
وحيث إنه يمكن تعريف الكارثة
العامة كأي حدث ذي أصل طبيعي أو إنساني يتسم بطابع الخطورة
القصوى الاستثنائية و الحدة
غير المتوقعة من شأنه أن يؤدي إلى خسائر فادحة.
وحيث بالنظر إلى السياق الدولي
و الوطني المرتبط بانتشار مرض كوفيد-19، والذي انتقل من صفة وباء إلى جائحة حسب وصف
منظمة الصحة العالمية بتاريخ 11 مارس 2020، وكذا الخسائر البشرية و المادية الوخيمة الناجمة عن هذه الجائحة، فإن
الشرط الثاني المذكور أعلاه قد تم استيفاؤه أيضا...).
فالواضح أن مجلس المنافسة استند
في تعليله على اعتبار كوفيد-19 كارثة وظرفا
استثنائيا، وهي أول مرة نجد فيها ورود هذه العبارة بالجريدة الرسمية، خلافا للتدابير و القوانين الصادرة في خضم هذه المرحلة
والرامية لمحاربة هذا الوباء التي استخدمت في الغالب عبارتي "جائحة" أو
"وباء"، الشيء الذي يدفع للقول أن جائحة كوفيد-19 لا تخرج عن مفهوم الكارثة
حسب هذا الاتجاه.
فمجمل القول أن هذين الاتجاهين
تضاربت وجهات نظرهما بخصوص الإشكال المطروح، غير أن هذا
الإختلاف يبقى محمودا طالما
أنه جعل من النصوص القانونية مرجعا أساسيا له، وإن كنت شخصيا أميل لأنصار الاتجاه الأول
الذين لا يدخلون وباء كوفيد-19 في زمرة الكوارث وذلك للاعتبارات التالية:
إذ أنه بالرجوع للفصل 510 من
القانون الجنائي فإننا نجد المشرع المغربي في تعداده للكوارث و إن
كان
على سبيل المثال فإنه لم يخرج عن النسق التقليدي (كارثة طبيعية، من صنع البشر) وهو
ما لا يمكن أن ينطبق على هذا الوباء طالما أن الكوارث الطبيعية لا يمكن دفعها، أي الحيلولة
دون وقوعها ولو وقعت لمرات متتالية ومتعددة كالزلازل والبراكين وهذا عكس جائحة كوفيد-19
والذي بمجرد التوصل للقاح فعال للقضاء عليه شأنه شان باقي الأوبئة التي اجتاحت العالم
سابقا، فإن مسألة دفعه ستضحى في خبر كان، كما أن القول بكون هذا الوباء يبقى كارثة
من صنع البشر فإنه طرح مردود جملة وتفصيلا طالما أن لم يثبت من خلال هيئات التحري الدولية
ضلوع أي دولة في تصنيع أو نشر كورونا المستجد.
وإذا كنا نجمع على أن الكارثة
تعتبر نوعا من أنواع القوة القاهرة بحسب الفصل
269من قانون
الالتزامات
و العقود و الذي جاء فيه: "القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه
كالظواهر الطبيعية والفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد، وغارات العدو وفعل
السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا، ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة
الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بدل كل العناية لدرئه
عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة
القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”.
فإننا
نجد أن العديد من الالتزامات التعاقدية لم تجعل من وباء كوفيد 19 "قوة قاهرة"
وبالتالي "كارثة" بحسب التعريف الوارد بقانون الالتزامات والعقود باعتباره
الشريعة العامة من أجل ترتيب الآثار القانونية الواردة بالنصوص المنظمة لهذه العقود.
ومن ذلك عقدي الشغل والقرض مثلا، فبالنسبة لعقد الشغل نجد أن المشرع
نظم حالات توقفه المؤقتة على سبيل الحصر من خلال الفصل 32 من مدونة الشغل ، ومن بين
هذه الأسباب نجد الإغلاق القانوني المؤقت للمقاولة
والذي ينسجم مع راهنية المرحلة التي تعانيها بلادنا بفعل تفشي وباء كورونا المستجد،
فاستنادا لهذا السبب فإن الإلتزامات الناشئة عن العلاقة الشغلية يضحى تنفيذها مستحيلا
اللهم إذا اتفقا أطراف العلاقة الشغلية على القيام بالعمل عن بعد إذا توافرت شروطه
طبقا للفصل 8 من مدونة الشغل، فالثابت فقها وقانونا أنه في حالة التوقف المؤقت لعقد
الشغل بسبب قوة قاهرة فإن طرفيه يتحللا من التزاماتهما، فتوقف عقد الشغل هو انقضاء
مؤقت للرابطة العقدية، فالواضح أن المشرع الاجتماعي رتب آثارا مباشرة في حالة توقف
عقد الشغل والتي أسلفنا ذكرها، لكن بتعقبنا للأحداث والمستجدات المرتبطة بهذه الجائحة،
سنجد أنه تم تشكيل لجنة اليقظة الاقتصادية والتي قررت منح تعويض شهري، بالإضافة إلى
الاستفادة من خدمات التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، واشترطت أن يكون
الأجراء موضوع الاستفادة من هذه التعويضات موضوع تصريح بالشرف من طرف المقاولات التي
تشغلها وأن يكون مصرحا بهم لدة صندوق الضمان الاجتماعي برسم شهر فبراير 2020.
فبناء
على هذه المعطيات الدقيقة فإن مفهوم الكارثة باعتباره قوة قاهرة يختلف من حيث الآثار
عن وباء كوفيد 19.
أما بخصوص عقد القرض فإننا نجد
أن المشرع المغربي من خلال الفصل 149 من قانون
31.08 المتعلق بحماية المستهلك أعطى للمقترض إمكانية التقدم بطلب لرئيس المحكمة
من أجل
طلب
توقيف أداء أقساط القرض، وذلك كلما طرأ ظرف قاهر بالرغم من تضمين شرط مخالف بعقد القرض
اعتبارا لكون النصوص الواردة بهذا القانون من النظام العام، فالثابت إذن أن عملية وقف
القرض تتم استنادا للإجراءات المسطرية السالفة الذكر في حالة ما إذا اعتبرنا فيروس
كورونا المستجد كارثة، غير أننا بالرجوع للتدابير المتخذة من قبل لجنة اليقظة الاقتصادية
وذلك باتفاق مع الجمعية المهنية للبنوك والرامية إلى وقف سداد المقترض لأقساط القرض
لمدة ثلاثة أشهر ومع اشتراط تنازل المقترض عن الحق في التراجع عن هذا العرض الشيء الذي
يتنافى مع حقوق المستهلك طبقا للفصلين 77 و85 من قانون حماية المستهلك.
وعليه يتضح أن الآثار الناتجة
عن التوقف المؤقت لعقد الشغل أو عقد القرض بفعل القوة القاهرة تختلف عن تلك الناشئة
بفعل كوفيد 19، وبالتالي فلا يمكن اعتبارها كارثة بالمفهوم القانوني.
وختاما نود أن نقول أن اختلاف
الرأي لا يفسد للود قضية فالاختلاف حقيقة إنسانية وحاجة ملحة لضمان تطور العلوم ونشأة
الحضارات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق