خصوصيات

دعوى الرجوع الصرفي

دعوى الرجوع الصرفي  


بقلم: جليل الباز
طالب باحث بماستر التقنيات البديلة لحل المنازعات
كلية الحقوق المحمدية.

      قد يحدث عند رفض وفاء الشيك بعد التقديم، على الرغم من قيام الحامل بإثبات هذه الواقعة عبر إقامته للاحتجاج وإعلام المدين الصرفي بذلك، أن لا يعمد هذا الأخير إلى الوفاء بقيمة الشيك تلقائيا، وذلك بغض النظر عن حق حامل الشيك في إجباره على الأداء بمقتضى المادة 301 من مدونة التجارة، التي يستطيع الحامل بمقتضاها إجراء حجز تحفظي في مواجهة الموقعين على الشيك أو حجز تنفيذي عند الاقتضاء[1].
       فهل من وسيلة حمائية يملكها الحامل في هذا الصدد، تجبر المدين الصرفي على الوفاء بقيمة الشيك لفائدته وتعوضه عن المصاريف التي تكلفها في سبيل إقامة الاحتجاج وتوجيه الاعلامات وحتى الفوائد المترتبة عن التأخير ؟
       بمراجعة المادتين 283 و 287 من مدونة التجارة، يتضح أن حامل الشيك غير الموفى يملك دعوى رجوع صرفية في مواجهة جميع الملتزمين بالشيك، بمعنى أنه يستطيع إجبار هؤلاء قضائيا للوصول إلى حقه في اقتضاء مقابل الشيك. وهنا تبرز الحماية القضائية لحامل الشيك غير الموفى والتي تتمحور حول الدعوى الصرفية التي يملكها لهذا الغرض، فإلى أي حد تكمن الفعالية في هذه الحماية القضائية الصرفية ؟
       الإجابة عما سبق تقتضي معالجة النقاط التالية:
      - ماهية دعوى الرجوع الصرفية، وذلك عبر بيان مفهومها وأساسها الصرفي (التضامن الصرفي) وموضوعها (فرع أول).
    -  الشروط الواجب مراعاتها من قبل الحامل عند لجوئه لهذه الدعوى الصرفية (فرع ثاني)، خصوصا وأن المشرع كما سيتم التطرق إلى ذلك في حينه، أخضع هذه الأخيرة لتقادم جد قصير، مما يحول دون مباشرتها من طرف حامل الشيك بعد انتهاء مدة هذا التقادم.
       يختلف المركز القانوني لحامل الشيك المرفوض أداءه، بحسب ما إذا كان الأمر يتعلق بحامل غير مهمل، حرص من اجل الحفاظ على حقوقه الناشئة عن الشيك على القيام بإجراءات التقديم والاحتجاج داخل الأجل القانوني، أو يتعلق بحامل مهمل لم يقم بهذه الإجراءات في اجلها المحدد، ذلك أنه إذا كان من حق الحامل بناء على المادة 283 من مدونة التجارة أن يرجع على المظهرين والساحب والملتزمين الآخرين، فإن هذا الحق يتعرض للسقوط في حالة عدم قيام الحامل بتقديم الشيك للوفاء وإقامة الاحتجاج داخل الأجل القانوني للتقديم[2].

المطلب الأول: مفهوم وموضوع دعوى الرجوع الصرفي

       إن بيان كلا من مفهوم دعوى الرجوع الصرفي وموضوعها، كمظهر من مظاهر الحماية القضائية الصرفية لحامل الشيك غير الموفى، يكتسي قدرا كبيرا من الأهمية، بسبب كون مفهوم الدعوى المذكورة، يحيل بالأساس إلى الحديث عن الصفة التجارية للشيك، في حين يحيل موضوعها إلى تحديد نطاق المطالب القضائية التي يجوز للحامل المطالبة بها ضد الملتزمين بالشيك.
          الفقرة الاولى: مفهوم دعوى الرجوع الصرفي
       تنص مقتضيات المادة 283 من مدونة التجارة على ما يلي:
     " يجوز لحامل الشيك أن يرجع على المظهرين و الساحب و الملتزمين الآخرين إذ ا قدمه في الأجل القانوني و لم يوف و اثبت الامتناع عن الوفاء باحتجاج"    
       كما تنص المادة 287 من نفس القانون على ما يلي:
      " يسأل جميع الملتزمين بمقتضى شيك على وجه التضامن نحو الحامل.
       يحق للحامل أن يوجه الدعوى ضد جميع هؤلاء الأشخاص فرادى أو جماعة دون أن يكون ملزما بإتباع الترتيب الذي صدر به التزامهم.
       يتمتع بالحق ذاته كل موقع لشيك و في مبلغه.
      لا تمنع الدعوى المقامة على أحد الملتزمين من إقامة الدعوى تجاه الآخرين و لو كانوا لاحقين لمن أقيمت عليه الدعوى أولا."
       وهكذا باستقراء مضمون المادتين أعلاه، وخصوصا المادة 287 يتضح أن المشرع كفله حامل الشيك غير الموفى بسبب انعدام المؤونة أو عدم كفايتها[3]  بحماية قضائية مناطها منحه لهذا الأخير إمكانية مقاضاة جميع الملتزمين بالشيك (الساحب والمظهرين و الضامنيين احتياطيا) فرادى أو جماعة دون أن يكون ملزما باحترام الترتيب الذي صدر به التزامهم.
        وبالتالي فإن مفهوم دعوى الرجوع الصرفية ينصب على حماية حامل الشيك غير الموفى بعد التقديم من عوارض الأداء بسبب انعدام المؤونة أو عدم كفايتها.
        وأهم ما يميز هذه الدعوى، أنها صرفية مصدرها القانون التجاري وبالضبط قواعد قانون الصرف [4]، وهي بذلك تختلف عن دعوى ملكية المؤونة التي تحكمها قواعد الالتزام العادي، بمعنى أن الحامل في هذه الدعوى الأخيرة لا يستطيع الرجوع على أي أحد من الموقعين على الشيك فرادى أو جماعة دون التزام منه بالترتيب الذي جاء به توقيعهم، كما هو الحال في دعوى الرجوع الصرفي التي يحكمها أساسا التضامن الصرفي القائم بين جميع الموقعين على الشيك.
       ذلك أن التضامن في الالتزام العادي، لا ينشأ في مفهوم قانون الالتزامات والعقود إلا إذا كان مقررا في العقد أو بمقتضى القانون أو كان النتيجة الحتمية لطبيعة المعاملة[5].
       علاوة على أنه إذا كان المبدأ في الشيك أن التظهير يطهر الدفوع الشخصية المستمدة من العلاقات السابقة على إنشائه وإصداره وتداوله، إلا إذا كان الحامل يقصد الإضرار بالمدين[6]، فعلى العكس من ذلك يجوز للمدين في إطار قواعد الالتزام العادي أن يتمسك في مواجهة المحال له بكل الدفوع التي يمكنه التمسك بها في مواجهة المحيل، شريطة أن يكون أساسها قائما عند حصول الحوالة أو عند تبليغها[7].
       كما أنه إذا كان المحيل في الحوالة لا يضمن يسار المدين إلا إذا كان قد أحال دينا على شخص كان معسرا عند إبرام الحوالة[8]، فإنه طبقا لقواعد قانون الصرف فإن جميع الملتزمين بالشيك ينشأ بينهم تضامن صرفي(ضمان الوفاء) لفائدة حامل الشيك بمجرد توقيعهم على الشيك، خصوصا منهم الساحب الذي يعتبر ضمانه للوفاء من النظام العام لا يمكنه التنازل عنه.
       وتختص بالنظر في دعوى الرجوع الصرفية المحاكم التجارية المحدثة بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.97.65 الصادر في 4 شوال 12 فبراير 1997 القاضي بتنفيذ القانون رقم 95-53 والتي تنص في مادتها الخامسة على ما يلي:
       "تختص المحاكم التجارية بالنظر في:
      3-"الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية  "  
        والأوراق التجارية كما هو معلوم منظمة بمقتضى الكتاب الثالث من القسم الثالث مدونة
التجارة [9] التي ينظم بمقتضى المواد من 159 إلى غاية 328 منها، كلا من الكمبيالة والسند لأمر والشيك.
       وبالتالي فإنه مع إسناد الاختصاص النوعي للنظر في الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية للمحكمة التجارية بمفهوم المادة الخامسة أعلاه[10] ، يكون المشرع قد أفقد الخلاف القائم بشأن الصفة التجارية للشيك قيمته[11]، بين من يرى " بكون الشيك يعتبر عملا مدنيا في الأصل، بحيث أنه لا يأخذ الوصف التجاري إلا في إطار نظرية الأعمال التجارية بالتبعية، أي أن الشيك متى كان صادرا من طرف تاجر لأغراضه التجارية اعتبر عملا تجاريا، أما إذا كان صادرا لأغراض مدنية، فهو يظل محافظا على طابعه[12].
       وبين منتقد لموقف المشرع المغربي في المادة 9 من م ت [13] ، "الذي لم ينص على غرار الكمبيالة على رأسهم الفقيه أحمد شكري السباعي، بكون الشيك يعد عملا تجاريا شكليا سواء وقعه تاجر او غير تاجر، كان وفاء لدين تجاري أو لدين مدني، نشأ بمناسبة معاملة تجارية أو معاملة مدنية، سواء تعلق بالسحب أو التظهير أو القبول أو الضمان[14].
       طالما ان المحاكم التجارية ستكون مختصة بالنظر في الدعاوى المتعلقة بالشيك بغض النظر عن ما إذا كانت هذه الأخيرة ذات طابع مدني أو تجاري.
       وغني عن البيان أن نطاق تطبيق المادة 287 من م ت أعلاه، يتعلق بالشيك القابل للتداول عن طريق التظهير، أما الشيك الاسمي والمتضمن عبارة "ليس لأمر" فلا يكون لحامله أو المستفيد منه سوى رفع الدعوى الصرفية في مواجهة الساحب وحده.
       الفقرة الثانية: موضوع دعوى الرجوع الصرفي
       المقصود بموضوع دعوى الرجوع الصرفي هو نطاق المطالب التي يجوز لحامل الشيك غير الموفى بعد التقديم بصفته مدعيا، المطالبة بها في مواجهة الملتزم بالشيكاو جميع
 الملتزمين عند الاقتضاء  - بصفته مدعى عليهاو مدعى عليهم-.
       وهكذا نص المشرع في إطار تبيانه لنطاق الطلبات التي يجوز للحامل اعلاه الاستناد عليها في دعواه ضد الملتزم بالشيك، في المادة 288 من مدونة التجارة على ما يلي:
      " يجوز لحامل الشيك مطالبة من له حق الرجوع عليه:
-1 بمبلغ الشيك غير المؤدى؛
-2 بالفوائد المترتبة عنه ابتداء من يوم التقديم، محسوبة بالسعر القانوني 726 بالنسبة للشيكات
الصادرة بالمغرب و المستحقة الوفاء فيه، و يضاف لهذا السعر واحد في المائة بالنسبة للشيكات الأخرى؛
-3 مصاريف الاحتجاج و الإخطارات و غيرها من المصاريف."
       كما لم يفت المشرع في المادة 289 من مدونة التجارة، وهو يستحضر حالة الرجوع الصرفي بين الملتزمين في الشيك فيما بينهم بعد وفاء أحدهم لحامل الشيك، أن ينص على ما يلي:
    " يجوز لمن وفى الشيك أن يطالب ضامنيه:
-1 بالمبلغ الذي وفاه كاملا؛
-2 بفوائد المبلغ المذكور ابتداء من يوم دفعه إياه محسوبة بالسعر القانوني بالنسبة للشيكات الصادرة بالمغرب و المستحقة الوفاء فيه، ويضاف لهذا السعر واحد في المائة بالنسبة للشيكات الأخرى؛
-3 بالمصاريف التي تحملها."
       كما أنه طبقا للمادة 290 من مدونة التجارة يحق لكل ملتزم وقع ضده الرجوع أو كان معرضا له أن يطالب في مقابل الوفاء بتسليمه الشيك مع الاحتجاج ومخالصة بما وفاه، كما له في هذا الصدد أن يشطب تظهيره و التظهيرات اللاحقة، وذلك بغية إثبات إبراء ذمته المالية من أي التزام في مواجهة الحامل.
       وجدير بالإشارة، أن الساحب باعتباره المدين الأصلي في الشيك والملزم بتوفير المؤونة لدى البنك المسحوب عليه، فإن وفائه بمبلغ الشيك والفوائد المترتبة عنه منذ تاريخ التقديم، ومصاريف الاحتجاج و الإخطارات و غيرها من المصاريف الأخرى بمناسبة دعوى الرجوع الصرفية التي قد يرفعها عليه، إما حامل الشيك أو أحد الملتزمين بالشيك (المظهر)، يؤدي إلى انطفاء الدين الصرفي المجسد في الشيك. بحيث لا يحق له بعد تحقق الوفاء المذكور الرجوع من جديد (كما هو حال المظهر على مظهره السابق) على أي ملتزم صرفي آخر، لأنه بهذا الوفاء يكون ببساطة قد وفى بالتزامه في توفير المؤونة الضرورية لتغطية قيمة الشيك منذ إصداره لهذا الأخير.
       ويبقى مع ذلك للساحب طبقا للفقرة الثانية من المادة 241 من مدونة التجارة، حق الرجوع على البنك المسحوب عليه إذا أثبت أنه وفر لدى هذا الأخير منذ إصداره للشيك المؤونة المساوية لمبلغ الشيك والقابلة للتصرف، لكن هذا الأخير امتنع عن الوفاء بدون موجب قانوني[15].


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق