ضعف الحماية القضائية للعامل المسرح تسريح تأديبي تعسفي في التشريع الجزائري .
اعداد
الاستاذ: نبهي محمد
كلية الحقوق بن عكنون ، جامعة الجزائر
مقدمة:
حاول تشريع العمل الجزائري الحالي الصادر بموجب قانون 90-11 المؤرخ في 21 أفريل[1] 1990 مواكبة للتطورات و التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفتها البلاد إضفاء مرونة على علاقات العمل من خلال إقرار حق صاحب العمل في اللجوء إلى إبرام عقود العمل المحددة المدة و العمل بالتوقيت الجزئي ، واحتلت الاتفاقات و الاتفاقيات الجماعية و التفاوض الجماعي مكانة هامة في تنظيم علاقة العمل ، كما كرس المشرع الجزائري حق صاحب العمل في إنهاء عقد العمل عن طريق تسريح العامل تأديبيا في حالة ارتكابه خطأ مهنيا جسيما من شأنه المساس و إلحاق ضرر أو التهديد بخطر قد يلحق بالسير الحسن و النظام أو الانضباط داخل مؤسسته حماية لمصالحه الاقتصادية ، وهو ما يظهر أيضا تأثر المشرع الجزائري بمبدأ سلطان الإرادة أو الحرية التعاقدية في تنظيمه لعلاقة العمل بين العامل و المستخدم سواء في بداية علاقة العمل و في نهايته على حد السواء دون أن يغفل عن سعيه إلى تحقيق المساواة و التوازن بين التيارين أو المصلحتين المتناقضتين لطرفي عقد العمل.
إذا كان المشرع الجزائري قد أعطى الحق لصاحب العمل في إنهاء عقد العمل غير محدد المدة بإرادته المنفردة ، فان ممارسة هذا الحق يجب أن تكون في حدود عدم إلحاق الضرر بالطرف الأخر أي العامل و إلا كان متعسفا في استعمال حقه، و بذلك أصبح الفسخ التعسفي لعقد العمل أحد تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق المعروفة في معظم التشريعات.
يحتل موضوع التسريح التأديبي التعسفي أهمية قصوى ، ذلك أن اغلب القضايا المعروضة على المحاكم ، في إطار منازعات العمل تتعلق به وهو ما يدل جليا على تفاقم و زيادة عدد العمال الذي طالهم و تطولهم هذه الظاهرة مما ينعكس عليهم سلبا و يهدد أمنهم و استقرارهم الوظيفي، حتى أصبح من الممكن تسمية غرفة البت في قضايا العمل أو القسم الاجتماعي كما سماه قانون الإجراءات المدنية و الإدارية بقسم التسريح التأديبي التعسفي.
تكمن أهمية هذا الموضوع في أن المشرع عمل على إيجاد تدابير و ضمانات حمائية تحول دون أن يصبح العامل عاطلا ، غير أن هذه الغاية تبقى نسبية، كما تعتبر حماية العامل المطرود تعسفيا من أهم وظائف القضاء الاجتماعي من خلال محاولة رقابة مدى تقيد صاحب العمل سواء بالضوابط أو القيود أو الشروط القانونية الشكلية و الموضوعية للتسريح التأديبي و ترتيب الجزاء القانوني على الفصل الذي يعد تعسفيا وفقا لتقديره إنصافا للعامل الأجير.
إن القضاء عند تعرضه لدعوى التسريح التأديبي التعسفي المخالف للموضوع يكون أمام حالتين تطبيقا للمادة
73 -4 المعدلة بموجب المادة 9 من الأمر
96-21[2]
المؤرخ في 9 جوان
1996 وهما حالة التصريح بإعادة إدماج العامل المسرح في منصب عمله وما يترتب له من حقوق مكتسبة(
التعويض العيني أو حالة الاتفاق بعدم الإدماج أي في حالة رفض أحد الطرفين لمقترح أو طلب الطرف الأخر بإعادة الإدماج و يترتب عن ذلك تحديد تعويض نقدي للعامل لجبر الضرر اللاحق به زيادة عن التعويضات أو الحقوق الأخرى المحتمل الحكم بها له التعويض النقدي أو المالي)، و هو ما يبين صراحة أن طبيعة تقنية أو آلية إعادة إدماج العامل بعد هذا التعديل أصبحت اختيارية و ليست إلزامية على عاتق صاحب العمل كما كانت في ظل التشريعات العمالية السابقة ذات التوجه الاشتراكي، رغم أن الأولوية هي للتعويض العيني أو للصلح القضائي المفضي لإرجاع العامل لمنصبه الأصلي[3]، لكن هذا التعديل إن دل على شيء إنما يدل على استجابة المشرع إلى نداءات المرونة و عدم تأبيد عقود العمل التي كان ينادي بها أصحاب العمل وقت صدور التعديل بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تعاني منها المؤسسات الاقتصادية العمومية و الخاصة الإفلاس، إعادة الهيكلة، دعوات للخوصصة، فهو تعديل في حقيقة الأمر يمس الاستقرار الوظيفي للعامل وبالمقابل فانه في مصلحة المستخدم ، ذلك أن هذا[4] الأخير كقاعدة هو ضد إعادة الإدماج و يفضل غالبا دفع تعويض نقدي عوضا عن الاحتفاظ بعامل غير مرغوب به ، خاصة في ظل الحد الأدنى للتعويض عن التسريح التعسفي ، فقلته و زهده و تقديره القليل من القضاة كما تبينه اغلب الأحكام القضائية غالبا ما يدفع المستخدم إلى تفضيل اللجوء إلى القضاء و دفع المبلغ المحكوم فيه دون الرضوخ إلى محاولة الصلح سواء الذي تجريه مكاتب المصالحة في إطار التسوية الودية الخارجية أو حتى الذي يحاول إجراءه القاضي أثناء سير الدعوى ، وحتى وإن قبل بالتسوية المفضية إلى إعادة الإدماج نجده بعد ذلك يتعنت في تنفيذ الحكم القضائي متحديا هذه المرة قرارات العدالة معتقدا خطأ منه أن هذه الحق مخول له أثناء سير الدعوى وحتى بعد صدور الحكم، في حين و كما يلاحظ من الناحية العملية أن أغلب الطلبات التي يتقدم بها العمال في حالة التسريح التأديبي التعسفي للمحاكم ترمي إلى الحكم بصفة أساسية إلى الرجوع إلى العمل مع الحكم بالأجر ابتداء من تاريخ الطرد إلى تاريخ الرجوع الفعلي إلى العمل خاصة في ظل أزمة البطالة المرتفعة في بلادنا و صعوبة إيجاد منصب عمل جديد إن لم نقل مستحيل فانه صعب جدا، وبصفة احتياطية واستثنائية فقط في حالة رفض صاحب العمل إرجاع العامل إلى عمله الحكم عليه بالتعويض النقدي دون الإخلال بالتعويضات المحتملة الأخرى التي من الممكن أن يتحصل عليها العامل في حالة ثبوت أو التأكد من أن تسريحه كان تعسفيا.
و عليه فان الدراسة هاته هي لتوضيح مرونة تقنية إعادة إدماج العامل المسرح تسريح تأديبي تعسفي و للتساؤل حول ما إذا كانت تمثل تراجعا عن الطابع أو الدور الحمائي لقانون العمل؟.
و عليه سوف نتناول في سبيل ذلك مفهوم التسريح التأديبي التعسفي، إثبات التسريح التأديبي التعسفي، ضعف الضمانة القضائية للعامل المسرح تعسفيا في ظل محدودية الجزاء الذي يفرض على صاحب العمل و هنا نحاول توضيح مرونة تقنية إعادة الإدماج، وأخيرا أختم مداخلتي بنتائج و توصيات ربما يؤخذ بها في أي تعديل أو إصدار لقانون عمل جديد الذي تأخر بالنظر إلى أن القانون الحالي أصبح لا يستجيب لا لتطلعات العمال و لا لتطلعات أصحاب العمل، من خلال اقتراح آليات للتوفيق بين المرونة و الحماية الاجتماعية للعمال يتم تضمينها في الإطار القانوني للعمل، وبعبارة أخرى محاولة إيجاد نوع من التنسيق و التكامل بين مختلف المبادئ و الأفكار الجديدة التي عرفها قانون العمل لاسيما مبدأ إزالة التنظيم من جهة و تكريس بل و تعزيز ما يعرف بالنظام العام الاجتماعي من جهة أخرى.
المبحث الأول-الحماية المقررة للعامل في مجال التسريح التأديبي التعسفي:
ليس كل تسريح تأديبي تعسفي، بل في كثير من الأحيان يكون صاحب العمل على يقين و تثبت بارتكاب العامل لخطأ مهني جسيم، بالتالي يفصله من منصب عمله بصفة قانونية و مشروعة أو مبررة.
لكن في الحالات التي يثبت فيها الطابع التعسفي للتسريح ، نجد أن المشرع حدد هذه الحالات بقرينة قانونية بسيطة ، إما من صاحب العمل و كذا من العامل أو القاضي بما له من سلطة تمحص أو تفحص و تقدير الأدلة لتكوين اقتناعه.
إن ممارسة القاضي الاجتماعي للرقابة على قرار التسريح التأديبي الصادر في حق العامل يؤدي حتما إلى تقرير مجموعة من الآثار أو الجزاءات أو العقوبات القانونية متى ثبت له تعسف المستخدم في اتخاذه(أثر التسريح المخالف للموضوع أي التسريح دون ارتكاب العامل لخطأ مهني جسيم أو دون سبب حقيقي و جدي كما سماه المشرع الفرنسي
المطلب الأول- مفهوم التسريح التأديبي التعسفي
: بالرجوع إلى المادتين 73 مكرر 1 و 73 مكرر 4 من قانون علاقات العمل السابق الذكر نلاحظ أن المشرع الجزائري لم يورد المقصود بالتسريح التأديبي التعسفي ، بل ترك هذه المهمة للفقه و القضاء .
وعليه فان تحديد مفهوم التسريح التأديبي التعسفي يستلزم تحديد حالاته أولا قبل بيان الطرف الذي يقع عليه سواء عبء إثبات الطابع التعسفي لقرار التسريح التأديبي أو عبء إثبات مشروعية و قانونية التسريح في الجهة المقابلة.
الفرع الأول- حالات التسريح التأديبي التعسفي: يمكن استخلاص حالات التسريح التأديبي التعسفي من خلال المادتين 73 مكرر 3 و 73 مكرر 4 ، واعتمادا على الاجتهاد القضائي.
الحالة الأولى: عدم مراعاة صاحب العمل ظروف ارتكاب العامل الخطأ :وفقا لما نصت عليه المادة 73 مكرر1 من قانون 90-11 السابق الذكر، [5]أي عدم مراعاة العامل لمعايير وصف أو تقدير أو تكييف الخطأ المهني الجسيم المؤدي إلى التسريح التأديبي سواء الموضوعية منها أو حتى الذاتية و الشخصية وفقا لمفهوم هذه المادة، و أحسن المشرع الجزائري بتبنية لهذه المعايير و الأسس التي أصبح في ظلها قرار التسريح التأديبي لا يتخذ بصفة آلية مباشرة بمجرد توفر الخطأ المهني الجسيم، والتي تعتبر في حقيقة الأمر ضمانة قانونية مهمة يستفيد منها للعامل و تقيه أو تجنبه تعسف المستخدم ، وقد قام الاجتهاد القضائي للمحكمة العليا بتجسيدها في الكثير من قراراته نذكر منها قرارها الصادر في[6] 13/2/ 2001 الذي أكدت فيه أنه في حالة الغياب المبرر بشهادة طبية مدفوعة لدى الضمان الاجتماعي الذي له الحق في المراقبة الطبية يعتبر الغياب مبررا و بالتالي قرار الطرد تعسفيا ، حيث وفقا لهذا الاجتهاد فان صاحب العمل ملزم بمراعاة الظروف التي دفعت العامل إلى الغياب قبل توقيع عقوبة التسريح عليه، كما جاء في حيثيات قرار أخر لها صادر[7] في 16/3/2005 انه .لا يعد خطأ مهنيا جسيما يستوجب التسريح ، الخطأ الجزائي الذي يرتكبه العامل خلال أوقات العمل أو بمناسبته دفاعا عن مصلحة المؤسسة، وعليه وفقا لهذا الاجتهاد مادام أن الخطأ الجسيم لم يرتكب بنية الإضرار بمصالح المؤسسة بل دفاعا عنها فانه لا يعد خطأ جسيما يستحق تسريح العامل.
الحالة الثانية:تسريح العامل الأجير في غياب النظام الداخلي للمؤسسة المستخدمة في حالة وجوب إعداده، و أيضا في حالة عدم النص على الخطأ المنسوب للعامل ضمن أحكامه، و هو ما يفهم أيضا من خلال المادة 73 مكرر 2، فكل تسريح في غياب هذه الوثيقة يعتبر تعسفيا و هو ما أكدته المحكمة العليا في قراراتها.
الحالة الثالثة:تسريح العامل الأجير خرقا للإجراءات التأديبية القانونية والاتفاقية الملزمة وهو ما يعد تسريحا تعسفيا كعدم سماع العامل أو تبليغه بقرار التسريح التأديبي الصادر في حقه، أو عدم السماح له بالاستعانة بشخص أخر للدفاع عنه.
الحالة الرابعة:عدم إثبات صاحب العمل ارتكاب العامل الخطأ المهني الجسيم، وهو ما أكده اجتهاد المحكمة العليا في هذا الصدد منها قرارها الصادر في[8] 17-1/2001 حيث مما جاء في حيثياته.عدم ثبوت ارتكاب العامل خطأ جسيما يجعل التسريح تعسفي و لو تم وفقا للإجراءات التأديبية.
الحالة الخامسة: تسريح العامل عند انتهاء مدة عقد العمل المبرم مخالفة للمادة 12 من قانون 90-11 السابق الذكر، أي مخالفة للحالات و الشروط القانونية لإبرام عقود العمل المحددة المدة.
الفرع الثاني-
عبء إثبات التسريح التأديبي التعسفي:
يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
-تحميل صاحب العمل عبء إثبات الخطأ المهني الجسيم: من خلال ترجيح و افتراض التعسف في كل تسريح تأديبي حماية لمصلحة العامل
: فعدم المساواة الواقعية بين طرفي علاقة العمل المترتبة عن عنصر التبعية ، دفعت المشرع الجزائري إلى إدخال تعديل قانوني لعبء الإثبات يخالف ما هو سائد في المادة المدنية أين يتحمل المدعي نتائج عدم كفاية أدلته أمام القاضي بالتالي أصبحت مهمة الإثبات في ظل المادة
73 مكرر 3 من قانون
90-11 ملقاة على عاتق صاحب العمل ، فهو مطالب بتقديم كل ما لديه من أدلة و وثائق أو وسائل إثبات وجود الخطأ المهني الجسيم أو السبب الحقيقي و الجدي للتسريح التأديبي للعامل سواء بصفة تلقائية أو بطلب من القاضي ، و هذا المسعى يتجاوب مع الواقع من حيث التخفيف على العامل لصعوبة الحصول على الأدلة التي يوجد أغلبيتها بحوزة صاحب العمل، إضافة إلى صعوبة الاستنجاد بزملاء العامل اعتبارا لحساسية موقفهم
.
-قابلية القرينة القانونية المتعلقة بترجيح التعسف لإثبات العكس: فافتراض التعسف في كل تسريح تأديبي للعامل هو قرينة قانونية بسيطة قابلة لإثبات العكس من قبل المستخدم.
-حرية إثبات الخطأ المهني الجسيم بكافة الطرق القانونية:
طالما أن المشرع الجزائري في قانون علاقات العمل لم يقيد صاحب العمل بوسائل إثبات معينة، فيمكنه إثباته مثلا من خلال محضر مجلس التأديب أو الاستعانة بشهادة أحد أعضاء المجلس، و هو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرار صادر لها في[1] 17/1/2001 حيث مما جاء في حيثياته
: حيث بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه تبين منه انه تطرق إلى جميع الإجراءات المتخذة من الطاعنة حول إحالة العامل على لجنة التأديب، وكيفية توجيه الخطأ و الظروف التي تم فيها الخطأ و ناقش هذه الإجراءات معتبرا الطرد تعسفيا لعدم تقديم المؤسسة السند القانوني الذي يثبت الأفعال المنسوبة للعامل.
-تقييد صاحب العمل بطرق إثبات معينة في بعض الحالات توسيعا للضمانات المقررة للعامل: إذا كان صاحب العمل يتمتع بحرية إثبات خطأ العامل طبقا للقواعد العامة في إثبات الوقائع المادية بكل الطرق، فانه يجد نفسه في بعض الأحيان مقيدا بطرق إثبات محددة ، و هي الحالة التي يتم فيها تسريح العامل بناء على خطأ جزائي يعاقب عليه التشريع الجزائي أي قانون العقوبات، حيث يجب عليه الإدلاء بنسخة من الحكم الجزائي النهائي الصادر بإدانة العامل على الأفعال التي تشكل جريمة في نظر القانون،والتي تشكل في نفس الوقت خطأ تأديبيا، و هو الموقف الذي وإن سكت عنه المشرع الجزائي في تشريعات العمل لكن المحكمة العليا أكدته في قراراتها نذكر منها حيثيات قراراها الصادر في
15-2-2000 الذي جاء فيه .حيث انه لا يسوغ لصاحب العمل اتخاذ إجراءات التسريح دون تعويض و لا إنذار على أساس ارتكاب العامل جرائم اختلاس وسوء تسيير إلا بمقتضى حكم جزائي نهائي، و لا يحق للجنة التأديب أن تحل محل الجهات القضائية.
-الدور الإيجابي للعامل في تأكيد الطابع التعسفي للتسريح رغم إعفاءه ابتداء من ذلك حماية له:
لم يضع المشرع العامل في موقف سلبي من الدعوى، خاصة إذا كان يملك من الأدلة ما من شانها إقناع قاضي الموضوع بتعسف المستخدم في قرار التسريح من حيث عدم موضوعية أو صحة أو وجود سبب التسريح، و هو الرأي الذي دعمته المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ
18-2-1998 حيث جاء في إحدى حيثياته:(..لكن و حيث أن الحكم المطعون فيه أسس قضائه على ما جاء في النظام الداخلي من وجوب تبليغ المؤسسة بكل غياب في ظرف
48 ساعة ، فان ادعاء الطاعن بأنه اخبر رئيسه المباشر يقع عليه عبء إثباته
...).
فيمكن للعامل تقديم وسال إثبات غير كافية أو ضعيفة على تعسف المستخدم أو ينفي بواسطتها ارتكابه الخطأ الجسيم، لا ترقى إلى مستوى إقناع القاضي إلا أن تلك الأدلة التي يقدمها يمكن أن تكون منطلقا للقاضي للأمر باتخاذ إجراءات التحقيق التي يراها ضرورية لاستكمال اقتناعه و الفصل في النزاع بشان تعسف المستخدم من عدمه.
-الدور الإيجابي للقاضي في إثبات التسريح التأديبي التعسفي: تبعا للصعوبات الواقعية التي يطرحها تقدير جسامة الخطأ المرتكب من العامل ، يتجاوز القاضي الدور المنوط بصاحب العمل في الإثبات متجاوزا بذلك النقاش الفقهي التقليدي حول قضية حياد القاضي في النزاع ، هل دوره ايجابي أو سلبي.
و عليه فان مقتضيات الحماية القانونية للعامل أصبحت تفرض على قاضي الموضوع التدخل في جميع حالات النزاع المعروضة عليه لاستجلاء الحقيقة ، بحيث يقوم في سبيل ذلك بكل الإجراءات المتاحة ، من فحص الوثائق المقدمة، الاستماع إلى الشهود، بل وإمكانية الانتقال إلى المعاينة ، وقد أكدت المحكمة العليا على أهمية و دور القاضي في تكييف الوقائع أي تكييف قرار صاحب العمل حيث مما جاء في أحد قراراتها الصادر[2] في
21/5/1984 حيث يعاب على القرار المطعون فيه عدم الجواب عن المقال لكونه رفض جميع الأوجه التي استظهرت بها الشركة ، بناء على سبب وحيد و هو انعدام التبرير والحال أن عدم تقديم التبرير لا يعفي المجلس من الجواب لتقديره حتى في الحالة التي يرفضها ، و اعتبرت في قرار أخر لها أن قاضي الموضوع ملزم بمناقشة الخطأ الوارد في قرار التسريح مناقشة قانونية و لا يجوز له تغييره أو استبداله بخطأ أخر.
المبحث الثاني
: ضعف أو عدم فعالية الضمانة القضائية للعامل المسرح تعسفيا في ظل محدودية الجزاء القانوني الذي يفرض على صاحب العمل ، مرونة تقنية إعادة إدماج العامل المسرح تعسفيا .
يملك القاضي الاجتماعي سلطة الرقابة على التسريح التأديبي ، حيث إضافة لقيامه برقابة مدى تقيد صاحب العمل بالإجراءات التأديبية الإلزامية السابق الإشارة إليها أي الشروط الشكلية للتسريح التأديبي، تنصب أيضا الرقابة القضائية على الشروط الموضوعية للتسريح التأديبي وهذه الأخيرة فقط هي التي ستشملها هذه الدراسة.
ينصرف التسريح التعسفي أو الإنهاء غير المشروع لعلاقة العمل في مجال التأديب كما ذكرنا سابقا إلى التسريح الذي يقوم به صاحب العمل في ظل انعدام خطأ مهني جسيم مرتكب من العامل.
رتب المشرع الجزائري بمقتضى المادة
73[3]
مكرر 4 من قانون
90-11 السابق الذكر مجموعة من الجزاءات على مخالفة صاحب العمل لضوابط أو قيود ممارسة السلطة التأديبية ، ما يهمنا ضمنها أثر التسريح المخالف للموضوع أي في حالة مخالفة صاحب العمل للضوابط أو الشروط الموضوعية للتسريح التأديبي.
المطلب الأول:
رقابة القضاء لموضوعية التسريح التأديبي للعامل
تنصب الرقابة القضائية في هذا الصدد على التناسب بين الخطأ المرتكب و الجزاء التأديبي، و هذه الرقابة تختلف بحسب إذا كانت الأخطاء الجسيمة مذكورة على سبيل الحصر أو على سبيل المثال ، و بحسب إذا ما راعى صاحب العمل عند تقديره مدى جسامة الخطأ المرتكب من العامل المعايير أو القيود الواجب احترامها و المنصوص عليها في المادة
73 مكرر 1 من قانون
90-11 السابق الذكر سواء الموضوعية منها و حتى الشخصية.
فالقاضي غير مقيد بالوصف أو التكييف الذي يعطيه المتعاقدين للخطأ ، بل يمارس رقابة على هذا التكييف ، فيتحقق من مراعاة المستخدم للشروط الموضوعية للتسريح التأديبي ، ثم يقدر مدى تناسب هذه العقوبة مع الخطأ التأديبي المرتكب من العامل ، ليتبين له في الأخير مدى تعسف صاحب العمل في إصداره لهذه العقوبة من عدمه و بمعنى أخر مدى تجاوز أو انحراف صاحب العمل في ممارسته لسلطته التأديبية.
كما أن الوقائع التي يقدمها صاحب العمل إن كانت تمثل في بعض الحالات سببا مبررا و موجزا للطرد من العمل ، إلا أنها لا تلزم القاضي و لا تمنعه من التحقق من شرعيتها ، و ينطلق أساس هذه السلطة من الالتزام القانوني الذي حمله المشرع لصاحب العمل من خلال المادة
73 مكرر 1 ، من حيث مراعاته عند تقدير جسامة الخطأ الظروف التي ارتكب فيها الخطأ و درجة خطورته ، و الأضرار اللاحقة بالمؤسسة ، و السيرة المهنية للعامل حتى تاريخ ارتكابه للخطأ الجسيم.
لهذا فان إقرار المحكمة العليا لمبدأ تقدير تناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب هدفه الحد من السلطة التقديرية لصاحب العمل ، مما يعتبر عنصر ضمان في المجال التأديبي ، و حماية للعامل من التسريح التعسفي ، إذ يظل قاضي الموضوع هو الضامن الأساسي لحقوق العامل خاصة في ظل[4] وجود المجلس التأديبي في حال إقرار تشكيله ووجوده في الهيئة المستخدمة ، فرقابة قاضي الموضوع إلى جانب وجود هذا المجلس التأديبي يدعو إلى حتمية إقامة التوازن بين طرفي علاقة العمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق