خصوصيات

حضور المتهم و غيابه في مادة الإجراءات الجزائية

حضور المتهم و غيابه في مادة الإجراءات الجزائية



 

يسري السلطاني

مساعد وكيل الجمهورية

أستاذ بكلية العلوم القانونية بتونس

 

إنّ معرفة الحقيقة هي المدخل الطبيعي للعدالة ،الّتي يعدّ بلوغها هدفا أساسيّا للإجراءات الجزائيّة عموما و للإجراءات  المتبعة خلال مرحلة المحاكمة على وجه الخصوص ، نظرا لما لهذه المرحلة من أهميّة على مصير المتّهم وعلى حقّه في محاكمة عادلة. و الحقيقة الّتي نعنيها هي الحقيقة القضائيّة الّتي لا يَتَيَسَّرُ بلوغها إلاّ بالاستناد إلى جملة من القواعد الّتي ينبغي مبدئيّا إتّباعها أيّا كانت المحكمة المتعهدة بالقضيّة. فقد إقتضت القواعد الإجرائية السليمة أن تتم المحاكمة علنا وبشكل شفوي و في مواجهة جميع أطراف الدعوى بعد تمكينهم من الحضور. وإن كانت محاكمة المتّهم علنا وفي إطار مرافعات شفويّة تتيح له سبل الدّفاع عن نفسه، فإنّ ما يحقّق ذات الغاية هو إجراءها بصفة حضورية تكريسا لمبدأ المواجهة ، الذي يقتضي تمكين أطراف الدّعوى وخاصّة المتّهم من حضور جميع إجراءات المحاكمة و"إبداء آرائه وأقواله والإستماع في ذات  الوقت إلى أقوال الآخرين من خصوم وشهود وخبراء ومناقشتهم في ذلك، وهي ضرورة مستمدّة من أنّ التحقيق النّهائي يمثّل الفرصة الأخيرة أمامه لإقناع القاضي بعدالة موقفه".

وبما أنّ "المتّهم هو الشّخصيّة المحوريّة بإعتباره هو الذي سيحاكم من أجل التهمة المنسوبة إليه وهو الذي سيواجهها بالرّد على قلم الإدّعاء"، أصبحت القاعدة العامّة في التشريعات الإجرائيّة المعاصرة هي ضرورة إجراء المحاكمة في حضور المتهم . ذلك أن مبدأ الحضورية يحقق عدة مصالح في نفس الوقت، فهو يحقق مصلحة العدالة إذ هو يساعد القاضي على تكوين عقيدته على وجه صائب تجاه النزاع المعروض عليه ومن ثمّ الإهتداء إلى حكم عادل بشأنه. و الحضورية تحقق مصلحة المتهم أيضا لأنها تضمن له الحق في الدفاع عن نفسه و درئ الإتّهام الموجّه إليه. كما أن مجرد حضور المتهم أمام المحكمة يعد من الضمانات الهامة في تحقيق العدالة الجنائية و هي من الحقوق الاساسية المتفرعة عن حق الدفاع . فلئن كان حضور النيابة العمومية ضروريا لصحة تشكيل المحكمة و لصحة الاجراءات التي تتخذ أمامها إذ لا يجوز لأن تنعقد الجلسة في غيابها الامر ذاته بالنسبة للمتهم الذي يمثل حضوره حقا له و واجبا عليه الا أن الاخلال به يؤدي الى متابعة المحاكمة دون دفاعه عن نفسه.

و عملا بأحكام الفصل 141 من م.إ.ج يعتبر مبدا الحضورية من أهم مميزات حق الدفاع إذ أن المتهم ملزم بالحضور شخصيا بالجلسة لتقديم اوجه دفاعه كلما كانت الجريمة الواقع تتبعه من اجلها جناية أو جنحة تستوجب عقابا سالبا للحرية, وتجدر الإشارة انه لا يمكن الحديث عن واجب الحضور إذا لم يبلغ الاستدعاء لشخص المتهم إذ أن الأصل أن لا نحمل شخصا بشيء لا يعلم به أما بالنسبة للجنح التي لا تستوجب العقاب بالسجن وفي كل الصور التي وقعت فيها مطالبته مباشرة من القائم بالحق الشخصي فانه يمكن للمتهم أن ينيب عنه محاميا بحيث لا يمثل حضوره واجبا ولكن يبقى للمحكمة أن تأذن بحضوره شخصيا إذا رأت وجوب ذلك .وعلى هذا الأساس نلاحظ أن المشرع التونسي قد وضع استثناءا لمبدأ وجوب الحضور الشخصي للمظنون فيه عندما تكون العقوبة المستوجبة لا تتعدى الخطية المالية  ولكن يبقى للمحكمة إمكانية استبعاد هذا الاستثناء و تأذن بحضور المتهم ولو كان العقاب المستوجب ماليا.

 

و إذ لم يورد المشرع تعريفا صريحا لمفهوم الحضور صلب مجلة الإجراءات الجزائية إلا أنه تعرف الأشياء بأضدادها فلقد حدد المشرع مفهوم الغائب صلب أحكام الفصل 175 من المجلة المذكورة حيث جاء به أنه :" إذا بلغ التنبيه لشخص المتهم و لم يحضر في الأجل المعين فلا يتوقف الحاكم على حضوره و يصدر حكما يعتبر حضوريا و إذا استدعي المتهم بصفة قانونية و لم يحضر يحكم عليه غيابيا رغم عدم بلوغ الاستدعاء إليه شخصيا و الإعلام بالحكم الغيابي يتولاه كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم ..." فيتضح بذلك و أن الحضور هو مثول المتهم المستدعى أمام هيئة المحكمة لتقديم ما له من مؤيدات مدافعا عن نفسه متمتعا بمحاكمة عادلة.

أما الحضور لغة فهو حضر يحضر و حاضر , و الحضور هو الوجود . فيقال حكم حضوري وهو الحكم  الذي يصدره القاضي في وجود المتهم و عكسه غيابي.

و قد نظمت مجلة الإجراءات الجزائية كل هذه الشكليات , فالإجراءات الجزائية حينئذ هي "مجموع القواعد التي تهدف إلى تمحيص أدلة الاتهام و أدلة النفي و النظر في طلبات و دفوع الخصوم و الانتهاء بإصدار الحكم

 

و لا يطرح حضور المتهم أمام هيئة المحكمة أية إشكالا بل على العكس من ذلك فهو ييسر سير الجلسة و يساهم في تصحيح الإجراءات , و إنما تتمثل المعضلة الأساسية في غياب المتهم عن الجلسة المنعقدة لأجله سواء كان الغياب نتاج عدم بلوغ الاستدعاء إليه أو تحصنه بالفرار فيختل التوازن عندئذ بين السعي الى ضمان محاكمة عادلة مقابل حرمان المتهم من حق الدفاع كجزاء لغيابه .

و طالما كان حق الدفاع يقتضي تمكين المتهم من الرد على أدلّة الاتهام الموجهّة ضده، فذلك يستوجب حتما منحه الوسائل الكفيلة لتحقيق ذلك الهدف أي استدعاؤه للحضور بجلسة المحاكمة  على أن تكون الطريقة المتوخّاة من قبل المشرّع التونسي في الاستدعاء للحضور أمام المحكمة الجزائية ناجعة وتمكن من إعلام المتهم في الآجال ولوقت كاف يمكنه من إعداد وسائل دفاعه .

و تماهيا مع سير أطوار الدعوى العمومية فإن حضور المتهم ينطلق منذ الأبحاث الأولية أي منذ الإذن بفتح الأبحاث  التي يباشرها أعوان الضابطة العدلية بتعليمات من النيابة العمومية و التي يستدعى فيها  المظنون فيه الذي يشتبه في كونه مرتكب تلك الأعمال المجرمة بالطريقة الادارية و التي سيؤكدها أو ينفيها عند الحضور بقصد سماعه . و يحدث أن يتغيب المظنون فيه عن الحضور أمام باحث البداية لعدم علمه نتيجة تعذر بلوغ الاستدعاء اليه أو عن قصد في محاولة منه للتفصي  من التتبع الجزائي. و في الحالة الأخيرة جرى العمل على ادراج ذي الشبهة بالتفتيش بإذن شفوي من النيابة العمومية يتم بموجبه تحرير برقية تفتيش من طرف باحث البداية تدرج بالمنظومة الإعلامية لوزارة الداخلية قصد إلقاء القبض عليه و من ثمة تقديمه لمصدر التفتيش . ادراج المشتكى به في دفاتر البحث دون سند قانوني صريح يتعارض  و مبدأ " لا إجراء بدون نص" و في ذلك مس بمصلحته الشرعية . أما بخصوص حضور المتهم أمام النيابة العمومية فإن القانون التونسي لم يوجب ذلك فالأصل هو أن يبت ممثل النيابة العمومية في محضر البحث و المتهم في حالة سراح عملا بقاعدة أن الأصل في الأمور هي الحرية و سلبها هو الاستثناء. و تتمثل هذه الاستثناءات في حالة الاحتفاظ بالمظنون فيه أو تقديمه أو إلقاء القبض عليه بعد إدراجه بالتفتيش.

 و فيما يخص وضعية الاحتفاظ فقد نظمها المشرع صلب الفصل 13 مكرر و ما بعده من م.إ.ج حيث أوجب عرض المحتفظ به صحبة محضر البحث على وكيل الجمهورية اثر انتهاء مدة الاحتفاظ  الأولى و الذي يتوجب عليه سماعه حينا ثم يتخذ قراره في خصوصه إما بالتمديد في أجل الاحتفاظ بقرار معلل أو البت في محضر البحث من حيث الأصل, و قد رتب المشرع على الإخلال بهذا الإجراء جزاء البطلان صلب الفصل سالف الذكر و هو من قبيل البطلان النصي . و أما حالة التقديم فهي اجتهاد فقه قضائي يقتضي إعطاء النيابة العمومية لتعليمات للضابطة العدلية بإحضار المتهم أمامها  لسماعه و البت في محضر البحث. و هو ما يطرح اشكال في خصوص هذا الاجراء؟ و هل يجد له أساس صلب م.إ.ج أم لا ؟ . و أخيرا فأنه قد يقع ألقاء القبض على المظنون فيه المفتش عنه و في هذه الحالة يتم إحضاره و تقديمه للنيابة العمومية التي إما أن تبت في محضره أو أن تحيله فورا على الجهة القضائية المختصة ان سبق احالته بحالة فرار و لا يمكنها بناء على ذلك سماعه أو اتخاذ أي اجراء ضده لخروج الموضوع عن أنظارها حيث أصبحت طرفا في الدعوى العمومية .

     كما أن حضور المتهم أمام قاضي التحقيق له أهميته لتعلق ذلك بعدة إجراءات يتخذها هذا الأخير و من أبرزها عدم إمكانية إصدار بطاقة إيداع في غياب المتهم فيصبح بذلك متوقفا مبدئيا على حضوره و ليس له إلا إصدار بطاقة جلب طالما رفض الحضور من تلقاء نفسه . و إذا ما تعذر على قاضي التحقيق إحضاره فإنه لا يتوقف على ذلك و يواصل البحث في القضية و اصدار قرار ختم بحث فيها و المتهم بحالة فرار , إلا أنه لدائرة الاتهام أن تصدر بطاقة ايداع ضد المتهم و لو كان غائبا كما لها اصدار بطاقة جلب في حقه تأسيسا على أحكام الفصل 117 م.إ.ج , و هنا يطرح الاشكال القانوني في مجال انطباق هذا الفصل و مدى شموليته لكافة أطوار البحث التحقيقي أم اقتصاره على تعهد دائرة الاتهام من حيث الاصل؟

 وقد أوجب المشرّع التونسي استدعاء كل شخص وقع اتّهامهُ بأيّ اعتداء حصل منه على المجموعة قصد تمكينه من الدّفاع عن نفسه إذ لا يمكن محاكمة شخص دون استدعائه بالطرق القانونية. ولكي يكون الاستدعاء قانونيا فإنه وجب أن تتوفّر فيه عدة شروط  يترتّب عن الإخلال بها آثار على صحّة المحاكمة, و تجدر الإشارة إلى أن المشرع قد نظم صلب مجلة الإجراءات الجزائية "الاستدعاء" في القسم الأول من الباب الثاني الفصول من 134 إلى 140 من المجلة وقد اكتفى في ذلك بالتعرّض إلى الطريقة المتّبعة في تبليغ الاستدعاء دون تعريفه،  إلا أنه يقصد بالاستدعاء تلك الورقة التي يرسلها مقيم الدعوى على يد أحد المحضرين إما إلى الخصم المقامة عليه الدعوى أو إلى أحد الشهود فيكلّفه بالحضور أمام المحكمة، وهذا ما تسميه التشريعات العربية "ورقة التكليف بالحضور" التي تعرف عادة بأنها "الوسيلة التي تحقق للمتهم العلم القانوني باتّصال دعواه بالمحكمة المختصّة". أما المشرّع الفرنسي فيفرّق صلب الفصول من 550 إلى 565 من مجلة الإجراءات الجزائية بين إجرائين وهما الاستدعاء والاعلام. والإعلام يقصد به ذلك المحرّر الذي يدفع المحضر صورة منه إلى المطلوب إبلاغه أو إحاطة السلطة المختصة صاحب الشأن بمضمون قرار فالمشرّع الفرنسي إنما يخص الاستدعاء بالحضور أمام المحكمة المختصة أما الاعلام فإنه يخصّ القرارات والأحكام القضائية وهذا ما ذهب إليه المشرّع التونسي الذي يستعمل عبارة الاعلام إذا ما تعلّق الأمر باطلاع المظنون فيه والقائم بالحق الشخصي والنيابة العمومية على قرار قضائي ويلحق الاستدعاء بالحضور أمام المحكمة.

هذا وتوجد العديد من الصور التي يعتبر فيها المتهم قد أخلّ بواجب الحضور والتي من شأنها أن ترتّب آثارا قانونية مختلفة  قد تثير التساؤل حول مدى مساسها بحقّ المتّهم في محاكمة عادلة و يمكن أن يكون غياب المتّهم عن جلسة المحاكمة ناتجا عن عدم علمه بموعد الجلسة  أو أنه حصل له العلم ولم يرد الحضور بجلسة المحاكمة وهو ما يعبّر عنه بالغياب عن رغبة  كما يمكن أن يحصل عدم الحضور كنتيجة لقوة قاهرة حالت دون المتهم والحضور.

وسعيا منه لخلق توازن بين حسن سير العدالة وضمان حقوق المتّهم نص المشرّع صلب الفصل 141 م اج فقرة ثالثة. "(...) وإذا لم يحضر المظنون فيه بعد استدعائه قانونا أو لم يحضر نائبه في الصور المبينة بالفقرة الثانية أعلاه جاز للمحكمة أن لا تتوقف على ذلك لمباشرة المرافعة وأن تصدر عليه حكما غيابيا إذا لم يبلغه الاستدعاء شخصيا، أو حكما يعتبر حضوريا إذا بلغه الاستدعاء شخصيا...". وفي نفس هذا المعنى نصّ المشرّع الفرنسي صلب الفصل 412 م اج ف على أنه "إذا لم يسلّم الاستدعاء لشخص المتهم وإذا ما ثبت أن المتهم لم يحصل له العلم بالدعوى فإن الحكم الذي يصدر عند عدم حضوره يعتبر غيابيا.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نستنتج أن هذا النوع من الغياب يكون ناتجا عن عدم بلوغ الاستدعاء لشخص المتّهم أو عدم علمه اليقيني بهذا الاعلام وذلك لأن الاستدعاء لم يوجّه إليه إطلاقا أو لأنه وجّه إليه ولكن تنقصه البيانات الكافية التي من شأنها إحاطة المتهم علما بتاريخ وساعة ومكان الجلسة وبالتّالي فإنه من غير العدل تحميله بواجب لا يعلم به إذ أن الحكم الصادر ضد هو حكم غيابي له حق الاعتراض عليه.

أما غياب المتهم عن رغبة فقد جاء بالفصل 141 م اج فقرة ثانية "ويمكنه في الجنح التي لا تستوجب العقاب بالسّجن وفي كلّ الصور التي وقعت فيها مطالبة مباشرة من القائم بالحقّ الشخصي أن ينيب عنه محاميا، ويسوّغ دائما للمحكمة أن تأذن بحضوره شخصيا إذا رأت في ذلك فائدة" وبالتالي يكون الغياب عن رغبة في القانون التونسي مقيّدا بشرطين أساسيين هما:
 
أن يكون العقاب المستوجب عقابا ماليا

 إذا لم ترى المحكمة فائدة في حضور المتهم

وهذان الشرطان يختلفان اختلافا كليّا عما هو عليه الأمر في القانون الفرنسي، إذ أن المتأمل في الفصل 411 م ا ج ف يلاحظ أن فكرة رغبة المتّهم في الغياب مقيّدة بشروط تختلف عمّا هو عليه الأمر في القانون التونسي وهذه الشروط هي :

 .أن يكون الاعلام قد حصل للمتّهم وبصفة قانونية أن تكون الجريمة الواقع من أجلها التتّبع تستوجب عقوبة مالية أو سالبة للحرية تقلّ عن سنتين.

.أن يوجّه المتّهم إلى رئيس المحكمة طلبا صريحا يعرب فيه عن رغبته في عدم  الحضور وموافقة القاضي على هذا الطلب.  

وإذا ما أردنا توسيع مفهوم الغياب عن رغبة فإنه يمكن أن يشمل المتّهم "الفار" الذي يفرّ تفصيّا من العقاب. وفي هذه الصورة نصّ الفصل 142 م اج على ما يلي "إذا فرّ المتّهم تفصيّا من التتبع المجرى ضدّه فللمحكمة أن تصدر في شأنه بطاقة جلب أو بطاقة إيداع وأن تأذن زيادة على ذلك بوضع مكاسبه تحت الائتمان".

وتثار إشكالية حول مفهوم "المتّهم الفار" فهل تنسحب هذه العبارة على المتّهم الذي هرب بعد القبض عليه أم تطلق على الذي لم يتمّ القبض عليه بالمرّة ؟.

و أكد الفقيه  Dupla في شرحه للفصل 121 من قانون المرافعات الجنائية القديم  أنّ المتهم يعتبر في حالة فرار إذا لم يحضر يوم الجلسة بعد استدعائه بصورة قانونية وكانت المحكمة قد رأت فائدة في حضوره في الصورة التي يجيز له القانون فيها إنابة محام. ويبقى للقاضي في هذه الحالة إمّا أن يصدر ضدّه حكما غيابيا أو بطاقة جلب أو بطاقة إيداع بالسجن أو أن يضع مكاسبه تحت الائتمان بطلب من النيابة العمومية إذا استحال تنفيذ بطاقة الجلب .

ولكنّ المحاكم التونسية لا تعمل بهذه الاجراءات ضدّ المتهم إلا في الجرائم الخطيرة وكلّما تبيّن لها أنّ المتهم يروم التفصّي من العقاب والافلات من العدالة إيمانا منها بقاعدة قرينة البراءة. وهذه الأسباب هي التي دفعت بالمشرّع الفرنسي إلى منع استعمال القوة في إحضار المتهم .
و لا يعتبر هذا المنع مطلقا حيث يعتبر أنه يجوز للمحكمة إصدار بطاقة جلب ضدّ المتهّم الذي بلغه الاستدعاء شخصيا، إذ أنّ امتناعه عن الحضور أمام المحكمة يعتبر قرينة على رغبته في التفصّي من العقاب وامتناعا صريحا للمثول أمام المحكمة، واعتبر هذا الفقيه أنّ هذه الوسيلة لا تستعمل إلاّ إذا كان العقاب المستوجب يفوق السنتين سجنا .
قد يبلّغ الاستدعاء لشخص المتّهم فيعلم بموعد الجلسة ومكانها وبينما يكون مستعدا للحضور بجلسة المحاكمة يحلّ طارئ يحول دونه والحضور، ومثال ذلك حصول فيضانات أو مرض أقعده عن الحركة. فهل أن المحكمة تقضي في الدعوى دون الأخذ بعين الاعتبار العذر القهري الذي يتمسّك به نائب المتهم. و لقد نصّ الفصل 109 من مجلة الاجراءات الجزائية على أنه: " المحكمة لا تتوقف على عدم حضور المتّهم الذي بلغه الاستدعاء شخصيا وتصدر ضده حكما يعتبر حضوريا ما لم يثبت بواسطة محاميه أن غيابه عن الجلسة ناتج عن قوة قاهرة". وهذا النص يشبه إلى حد كبير ما نصّ عليه الفصل 410 م اج ف الذي جاء به أنّ "المتهم الواقع استدعاؤه بطريقة قانونية يجب أن يحضر ما لم يقدّم عذرا ممكن قبوله من طرف المحكمة المستدعى أمامها". وعلى هذا الأساس فإنّ المحكمة تكون ملزمة بالنظر في مدى جديّة العذر المحتجّ به وذلك حتى تكفل للمتّهم محاكمة عدالة، إذ من غير المنطقي إلزام المتّهم المريض بالحضور لإبداء أوجه دفاعه وهو عاجز عن الحضور ومتابعة ما يجري في الجلسة، وهذا ما حدى بالمشرّع الفرنسي إلى وضع حلّ خاص بالمريض الذي لا يستطيع الحضور أمام المحكمة والتي لها أن تأمر بقرار خاص ومسبب سماع المتّهم في منزله أو في السجن إن كان محبوسا وذلك عن طريق قاضي يعيّن للغرض ويحضر معه كاتب ويحرر محضرا باستجواب المتهم .

أما مجلة الاجراءات الجزائية فهي لم تورد حلاّ خاصا بغياب المتّهم لعذر قهري ولكن يمكن القول أنه في صورة ما إذا حضر نائب المتهم بجلسة المحاكمة وقدم ما يفيد أن موكّله لا يستطيع الحضور بجلسة المحاكمة لوجود قوّة قاهرة منعته عن الحضور، واقتنعت المحكمة بوجاهة هذا الدفع فإنها تكون ملزمة بإجابة طلب تأجيل النظر في الدعوى وهذا ما ذهبت إليه محكمة التعقيب التونسية حيث نصّت على أن "تقدير العذر الشرعي بما في ذلك الوثيقة الطبية لتبرير تخلّف المتهم راجع لاجتهاد محكمة الموضوع التي عليها في صورة عدم الأخذ بها أن تعلّل رأيها بما هو كاف وإلا كان حكمها ضعيف المستند ومستهدفا للنقض" لمخالفته لمصلحة المتهم الشرعية وذلك اعتمادا على الفصل 199 م ا ج الذي نصّ على "بطلان كل الأعمال والأحكام المنافية للنّصوص المتعلقة بالنظام العام أو للقواعد الإجرائية الأساسية أو لمصلحة المتّهم الشرعية". ".

هذه هي حالات الغياب التي لا يجب أن تكون حائلا دون إجراء محاكمة عادلة يضمن فيها للغائب حق الدفاع فغيابه لا يمكن بأي حال اعتباره قرينة على فراره ونيّته في التفصّي من العقاب وبالتالي التصريح بإدانته وتشديد العقاب عليه إذ لا يجب أن يشكلّ الحكم بالإدانة ردّ فعل قضائي تلقائي إزاء تخلّف المتّهم عن الحضور بجلسة المحاكمة ، كما لا يجب أن يكون الحكم بالإدانة عند غياب المتهم رد فعل قضائي عن هذا الغياب.

وما يلاحظ اليوم من جريان عمل لدى بعض القضاة في تسليط الحدّ الأقصى من العقوبة المستوجة على المتّهم الغائب، فيه مساس من حق المتهم في محاكمة عادلة، إذ قد يكون الاعتراض على هذا الحكم غير ممكن في بعض الأحيان كفوات أجل الاعتراض ورفضه شكلا بحيث يصبح الحكم الغيابي قابلا للتنفيذ ضدّ المتهم الذي لم يبد أوجه دفاعه للمحكمة. لذا فإنه من الأسلم التخلي عن هذا الاتجاه والعودة إلى ملف القضية والبحث وبصفة متوازية عن عناصر الإدانة وعناصر البراءة والموازنة بينها وإعمال الوجدان الخالص للقاضي ودون الأخذ بعين الاعتبار غياب المتهم كعنصر أساسي في الإدانة بل يجب أخذه من ضمن أحد العناصر المتوّفرة بملف القضية. وهذا ما ذهبت إليه بعض الأحكام الغيابية الصادرة عن المحاكم التونسية والتي أصدرت أحكاما بعدم سماع الدعوى وذلك بالنظر إلى ما يتوفر لديها في ملفّ القضية .

هذا و يعتبر الاعتراض وسيلة من وسائل الدّفاع التي وفرّها المشرّع للمتهم الذي لم يتمكّن من تبليغ صوته و تهدف إلى إعادة النظر في الدعوى أمام نفس  المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي وفي هذا يختلف الاعتراض عن الاستئناف الذي يعتبر طريق تغيير وإصلاح « voie de réformation » والذي قد يكون المتهم حاضرا بالجلسة في الطور الابتدائي ودافع عن نفسه لكنه يرى بأن المحكمة قد جانبت الصواب في حكمها فيطعن فيه لأسباب واقعية أو قانونية. وبالرغم من أنّ الاعتراض هو من حق كل من حكم عليه غيابيا فإنّ ممارسته تخضع إلى إجراءات دقيقة وجب اتباعها وإلا فقد المتهّم حقّه في الاعتراض على الحكم الغيابي. أما إذا مارس هذا الحق في الآجال وبالشروط المحدّدة قانونا فإنه يترتّب عن الاعتراض نتائج قانونية هامّة.

فمن خلال قراءة أحكام م اج التي تنظّم إجراءات الاعتراض على الحكم الغيابي نتبين أن المشرّع يميز بين عدة آجال للإعتراض، إذ يوجد أجلين قصيرين إذ يمنح المشرّع للمتهم المحكوم عليه غيابيّا القاطن بالتراب التونسي أجل عشرة أيام لتقديم اعتراضه، ويصبح هذا الأجل شهرا واحدا إذا كان المحكوم عليه يقطن بالخارج.

ويبتدئ سريان هذا الأجل من تاريخ الاعلام الموجّه للمحكوم عليه مقارنة بالأجل الطويل الذي منح للمتهم إلى حين سقوط العقاب بمرور الزمن, حيث أنه إذا لم يقع إعلام المتّهم بالحكم الغيابي أو إذا لم يتبين من أعمال التنفيذ أنّه حصل له العلم به فإنه يبقى له عشرون سنة في صورة ما إذا كان الحكم الصادر ضدّه من أجل جناية وخمسة أعوام بالنسبة للجنحة وعامين كاملين في صورة المخالفة لتقديم اعتراضه .

وأما المشرّع الفرنسي فقد اقتضى بالفصل 492 أن الاعتراض يبقى مقبولا بعد أجلي العشرة أيام والشهر مادام لم يسقط العقاب المحكوم به وطالما أن الاعلام بالحكم لم يقع للشخص نفسه ولم يحصل له العلم بالحكم الصادر ضدّه. وقد حدّد المشرّع التونسي بداية سقوط العقاب بمرور الزمن من يوم صيرورة العقاب المحكوم به باتّا وذلك بالنسبة للأحكام الحضورية. أمّا بالنسبة للأحكام الغيابية فإن هذا الأجل يسري من يوم الاعلام بالحكم لغير المحكوم عليه نفسه ما لم يتبيّن من أعمال تنفيذ الحكم أن المحكوم عليه حصل له العلم به. وهذا التأويل يمكن استنتاجه من خلال قراءة الفصلين 176 و349 م اج إذ يجب التفرقة بين صورة العقاب الذي أصبح باتا والحكم الغيابي المعلم به لغير المحكوم عليه نفسه. ففي الصورة الأولى يسقط العقاب من تاريخ صيرورة العقاب باتا بحيث يكون الحكم قد استوفى كل شكل من أشكال الطعن فيه وهي الأحكام التي اتصل بها القضاء بحيث يكون عقابها باتّا أي قابلا للتنفيذ .

أما الأحكام الغيابية فإن أجل سقوط العقاب فيها والذي يتّحد معه أجل الاعتراض فهي تبتدئ من تاريخ الاعلام بالحكم لغير المحكوم عليه أي، أنّ عنصر الاعلام قد حصل ولكن لغير المحكوم عليه غيابيّا وهي أحكام قد بتت في الأصل ولكن عقابها لا يعتبر باتّا لذلك أخضعها المشرّع لنظام خاص في بداية آجال سقوط العقاب فيها.

ومردّ هذا الاختلاف هو وكما سبق الإلماع إليه هو أن الحكم الغيابي هو حكم قد بتّ في الأصل وله حجية الأمر المقضي التي نص عليها الفصل 481 م اع الأحكام تصدر دائما صحيحة من حيث الشكل وعلى حق من ناحية الموضوع حتى يوضع حدّ للخصومة، وتلازم تلك الحجيّة الحكم إلى أن يقع الطعن فيه، فإن كان حكما غيابيا حتى يزول بإلغائه في المعارضة. وبالتالي فإنّ الحكم الغيابي وإن لم يقع الاعلام به يعدّ حكما قضائيا له حجية الأمر المقضي من يوم صدوره إلى أن يقع الطعن فيه بوسيلة طعن عادية. وهذا الطعن لا يكون مقبولا إلا إذا تم الاعلام بالحكم الغيابي، لأنّ الاعلام هو الذي يعطيه وجوده القانوني من حيث قابليّته للطعن والتنفيذ لذلك نصّ الفصل 349 م ا ج بأن بداية جريان أجل سقوط العقاب بالنسبة للحكم الغيابي هو من تاريخ الاعلام به. أما العقوبات المحكوم بها في المخالفات فهي تسقط بعد مضيّ عامين كاملين ويجري أجل السقوط من تاريخ صيرورة العقاب المحكوم به باتّا ويجري من يوم الاعلام بالحكم الغيابي إذا لم يقع ذلك الاعلام للمحكوم عليه نفسه ما لم يتبيّن من أعمال تنفيذ الحكم أن المحكوم عليه حصل له العلم به.

ورغم أن المشرع التونسي قد أتاح للمحكوم عليه غيابيا الاعتراض على الحكم الغيابي سواء في الاجلين القصيرين أو في الأجل الطويل فانه لم يحدد اجل الإعلام بذلك الحكم بل اقتصر على التنصيص بالفصل 175 م ا ج على أن " الإعلام بالحكم الغيابي يتولاه كاتب المحكمة التي أصدرت الحكم " . وبالتالي يبقى سريان آجال الاعتراض رهين مدى حرص الكاتب على توجيه الإعلام بالحكم الى الأعوان المكلفين بالتنفيذ ومن جهة أخرى رهين نشاط وحزم هؤلاء الأعوان في تبليغ الاعلامات وهو ما من شانه أن يجعل الحكم الغيابي معلقا إلى ما لا نهاية فيبقى المحكوم عليه مهددا بالقبض عليه طيلة تلك المدة الغير معلومة وهو ما يمس من حسن سير القضاء ومن حق الدفاع.

 و حيث ليس للمحكمة المتعهدة بالنظر في مطلب الاعتراض أن تقبله شكلا إذا لم يحضر المعترض لجلسة الاعتراض ولا يتسنى له الطعن في هذا الحكم إلا بطريق الاستئناف.وعند قبول الاعتراض شكلا يترتب أثران وقف التنفيذ وإلغاء الحكم المعترض عليه .

 

"الاعتراض يوقف التنفيذ " ومبدئيا لا ينسحب هذا الأثر إلا على الجنح إذ جاء في الفقرة الثانية من الفصل المذكور " وفي صورة الحكم لاجل جناية ينفذ العقاب الجزائي حالا بقطع النظر عن الاعتراض، لكن إذا كان العقاب المحكوم به هو الإعدام فان المعترض يسجن ولا ينفذ العقاب إلا بعد البت في الاعتراض " . الا أنه توجد استثناءات أخرى للأثر التوقيفي نصت عليها م ا ج وهي دفع الغرامة الوقتية المحكوم بها لفائدة القائم بالحق الشخصي وتنفيذ العقاب الجزائي والقاضي بالتنفيذ الوقتي .

وبناء عما سبق ذكره نستنتج إن تسجيل مطلب الاعتراض بكتابة المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي يوقف تنفيذه ضرورة انه لا زال قابلا للطعن وبالتالي فمآل الحكم المعترض عليه الإلغاء ومحاكمة المعترض من جديد ما دام الحكم الغيابي قابلا للطعن بالاعتراض كوسيلة طعن عادية فليس للمحكوم عليه أن يطعن بالتعقيب فيه باعتبار ذلك وسيلة طعن غير عادية وهو ما أكدته محكمة التعقيب بقولها انه لا يجوز الالتجاء للتعقيب كطريق طعن غير عادي إلا بعد استيفاء جميع طرق الطعن العادية التي بينها القانون ومن بينها الاعتراض على الحكم وقد نص قرار آخر في السياق نفسه على أن الحكم الغيابي الذي لم يقع الإعلام به يعتبر غير بات ولازال قابلا للطعن بالاعتراض.

غير انه يجب لفت النظر إلى انه بإمكان المحكوم عليه أن يطعن في الحكم الغيابي بالاستئناف إذا كان الحكم ابتدائيا وانقضى اجل الاعتراض أو تنازل الطاعن عن حقه صراحة في تسجيل اعتراضه وهنا فالمعترض يعد خسر درجة من درجات التقاضي وفقه القضاء مستقر عن هذا التخيير الممنوح للمعترض في ممارسة طرق الطعن التي يخولها له القانون فقد نصت محكمة التعقيب على أن الحكم الجناحي الصادر غيابيا خاضع للطعن فيه بوسيلة الاعتراض وهو قابل للمراجعة الكلية عند النظر فيه بهذه الوسيلة مادام الشان كذلك فانه لا يمكن أن يكون خاضعا للطعن بوسيلة الاستئناف إلا إذا تنازل المحكوم عليه صراحة عن استعمال حقه في الاعتراض  أو إذا فوت عنه الأجل القانوني المعين لرفعه والمحدد بعشرة أيام بداية من تاريخ إعلامه شخصيا أو لمدة سقوط العقاب إذا تم الإعلام لغير شخصه ما لم يتضح من أعمال التنفيذ انه على علم بالحكم الغيابي الصادر ضده حسب ما يقتضيه الفصلان 175 و 176 من قانون الاجراءات الجزائية .

 

 

و يلاحظ مما سبق بسطه أن موضوع حضور المتهم في مادة الإجراءات الجزائية يطرح عديد الإشكاليات القانونية كما يطرح صعوبات جمة على المستوى التطبيقي و التي تتجلى خاصة في حرمانه من حق الدفاع كجزاء لغيابه و المساس من مصلحته الشرعية انحيازا لحفظ حق المجموعة على حساب المتهم و توخي العمل التطبيقي لإجراءات غير منصوص عليها قانونا ابتدعها فقه القضاء و التي تستغلها النيابة العمومية رغم كونها طرفا في القضية, فضلا على حقوق المتهم في الطعن على الأحكام و القرارات الصادرة ضده التي تتخذ من الغياب ظرف تشديد في العقوبة و مجالا للتنكيل به عند إصدار القرارات القضائية.

و بناءا عليها بات لزاما البحث عن طرح جديد و التأسيس لإجراءات يقع من خلالها تجاوز ما ألم بمجلة الإجراءات الجزائية الحالية من نقائص في خصوص مسألة الحضور.    

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قائمة المراجع

 

المراجع بالعربية

مراجع عامة:

1. أحمد شوقي عمر أبو خطوة: الأحكام الجنائية الغيابية (دراسة تحليليّة مقارنة) دار النهضة العربية: القاهرة 1989.

2. أحمد فتحي سرور: الشرعية والإجراءات الجزائية، دار النهضة العربية القاهرة 1988.

3. حسن جميل حقوق الإنسان والقانون الجنائي مطبعة دار النشر للجامعات المصرية 1972.

4. عبد الحكم أحمد شرف: بحث في حجية الأحكام في الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية الطبعة الأولى مطبعة السّعادة القاهرة 1988.

5. علي عبد القادر القهوجي وفتوح عبد اللّه الشّاذلي: مبادىء قانون المحاكمات الجزائيّة اللّبناني، الدّار الجامعيّة.بيروت لبنان 1992.

6. فادي إلياس نمور: الحريات الشخصية وحقوق الإنسان في مواجهة علم الإجرام والملاحقة الجزائية، دراسة مقارنة الجزء الأول المنشورات الحقوقية صادر طبعة أولى 2000.

7. كامل السعيد: شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية نظرية الأحكام وطرق الطّعن فيها الطبعة الأولى مكتبة دار الثقافة للنّشر والتوزيع والدّار العلمية الدولية عمان 2001.

8. محمد علي سليمان: الحكم الجنائي دار المطبوعات الجامعية الإسكندرية 1993.

9. محمّد زكي أبو عامر، شائبة الخطأ في الحكم الجنائي: دار المطبوعات الجامعيّة الإسكندرية 1985.

11. معوّض عبد التواب: الأحكام والأوامر الجنائية، الإسكندرية 1988.

 

مراجع خاصة:

1. مصطفى صخري: طرق الطّعن في الأحكام الجزائيّة مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع. عمان الأردن 1998 .

2. محمّد أحمد عابدين: طرق الطعن في الأحكام المدنية والجنائية دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية 1984.

3. رمسيس بهنام: الإجراءات الجنائية تأصيلا وتحليلا: (الجزء الثاني) منشأة المعارف بالإسكندرية 1998.

4. محمّد عوض: قانون الإجراءات الجنائية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1990.

المذكرات:

1. سامي العكروت: الاستئناف في المادة الجزائية رسالة لنيل شهادة ختم الدروس المعمّقة في العلوم القانونية الأساسية كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس جامعة 7 نوفمبر قرطاج السنة الجامعية 2003 – 2004.

2. سفيان الخويني: مبدأ التقاضي على درجتين في المادّة الجنائية مذكّرة لنيل شهادة الدّراسات المعمّقة: في العلوم الجنائية كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، جامعة تونس المنار السّنة الجامعيّة 2000-2001.

3. سنية حميّد الحكم الغيابي وحماية حقوق المتقاضين: مذكرة لنيل شهادة الدّراسات المعمّقة في العلوم القانونية والأساسية، كلية العلوم القانونية والأساسية والاجتماعية بتونس، 1994 – 1995.

قائمة الملتقيات:

1- عبد الله الأحمدي: مقال القاضي وحرية المتهم: ملتقى القاضي الجزائي وحماية حقوق الإنسان دورة دراسية بالمعهد الأعلى للقضاء تونس 3 ديسمبر 1999.

2. محمد الحبيب الشريف: معطيات قانونية حول المحاكمة العادلة: إعمال ملتقى القاضي الجزائي وحماية حقوق الإنسان دورة دراسية بالمعهد الأعلى للقضاء تونس في 3 ديسمبر 1999. المعهد الأعلى للقضاء.

3. المختار الميساوي: مداخلة حول تبليغ الاستدعاء: ملتقى الحكم الغيابي تحت إشراف المعهد الأعلى للقضاء، قابس دورة 27 و28 ديسمبر 1990.

4. المنصف الكشو: مداخلة حول نسبيّة الحكم الغيابي والآثار المترتّبة على ذلك. ألقيت بمناسبة ملتقى حول الحكم الغيابي ملتقى قابس. دورة 27 و28 ديسمبر 1990.

المقالات:

1. الباشا البجار: خواطر حول الأحكام الغيابية وتأثيراتها على حسن سير القضاء وسلامة المجتمع. م ق ت 1992.

2. البشير زهرة الحكم الجزائي الغيابي والدعوى المدينة م  ق ت لسنة 1978 العدد 4.

3. عبد الله الهلالي: تعقيب الأحكام الغيابية، م ق ت جوان 1988 العدد 6.

4. محمّد الفيلالي: الأحكام التمهيدية وآثارها م .ق.ت ديسمبر 1983 العدد 10.              5. رضا خماخم: العدالة الجزائية في تونس، منشورات مركز الدراسات القانونية والقضائية، وزارة العدل، تونس 1997.

 

منشورات:

1.  قرارات الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب 1961 – 1992 مركز الدراسات القانونية والقضائية تونس 2006 (طبعة ثانية).

 

 

 

 

 

المراجع بالفرنسية:

Les ouvrages :

1. Boré j. La casation en matièire pénale, LGDJ 1985.

2. Dammak (Ab), juge pénal et le promotion de droit de l’homme, thèse Faculté de Tunis 2001, p.374.

3. Faustin Helie : traité de l’instruction criminelle Tome I 2956. 2 ed. Paris 1866-1867.8 vol.

4. Gaston, Stefani, Georges Levesseur et Bernard Bouloc: procédure Pénale Dalloz 17è édition 2000, P.801 et s.

5. Poncet (D) : le jugement par défaut devant les juridictions  pénales quelques considérations de droit comparés, Rev. SC. crim, 1979.

6. Pradel (J), l’audience en l’absence de l’accuse en droit français : Arch. Pd. Crim. 1980.

7. Rougier (R): droit romain de la procédure suivie contre les absents Loyon 1893. « Le défaut est une situation de fait contraire à la loi ».

8. Dupla Jean ,Procès de procédure pénale en droit Tunisien   (Commentaire du code promulgué par decret du 30/12/1921 ) Société Anonyme de l’imprimerie rapide  .                                                           

 

 


هل يمكن إنشاء الاصل التجاري على الملك العام للدولة و الأملاك الجماعية العامة؟

هل يمكن إنشاء الاصل التجاري على الملك العام للدولة و الأملاك الجماعية العامة؟



الاستاذ محمد الزكراوي

ذ/ باحث في الشؤون القانونية و الإدارية

 

مقدمة:

عرفت المادة 79 من مدونة التجارة الأصل التجاري بأنه "مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية، و "يشتمل الأصل التجاري وجوبا على زبناء و سمعة تجارية، و يشمل أيضا كل الأموال الأخرى الضرورية لاستغلال الأصل كالاسم التجاري و الشعار و الحق في الكراء، وارتباطا بموضوعنا، وحيث بالرجوع الى مقتضيات المادة 02 من قانون 49/16 نلاحظ أن المشرع استثنى مجموعة من العقود من نطاق تطبيق هذا الاخير، حيث نجد من بينها،

عقود كراء العقارات و المحلات التي تدخل في نطاق الملك العام للدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية.

من هذا المنطلق نتسأل حول مدى إمكانية إقامة الأصل التجاري على الملك العمومي للدولة من جهة، وعلى الملك الجماعي العام؟

خصوصا وأن الأمر يتعلق بعقارات تخضع لأنظمة قانونية خاصة، تستدعي إعمال النص الخاص، وتقديمه عن النص العام.

إشكالية سنحاول الإجابة عنها من خلال مقالنا هذا رفعا لكل لبس يحيط الموضوع.

 

المبحث الاول: الإطار القانوني لملك الدولة العام و الأملاك الجماعية العامة منظمة بنصوص خاصة:

 

المطلب الاول: الملك العام للدولة.

 

سن ظهير فاتح يوليو1914 قاعدة الملك العام بالمغرب من خلال ديباجته التي جاء فيها الاملاك التي لا يسوغ لاحد أن

ينفرد بتملكها ،كما هو جاري به العمل في باقي المماليك، لانها على الشياع بين الجميع بين الجميع، ومن شأن الحكومة أن تتكلف

بتدبير أمرها لأنها وكيلة العموم في ذلك »

فطبقا للفصل الأول من ظهير شريف بتاريخ 7 شعبان 2331، في شان الأملاك العمومية فإن الأملاك العمومية هي :

- شاطئ البحر الذي يمتد إلى الحد الاقصى من مد البحر عند ارتفاعه مع منطقة مساحتها ستة أمتار تقاس من الحد المذكور .

الخلجة والمراسي والموانئ وملحقاتها .

- المنارات والفنارات والعلامات التي توضع للإنذار بالخطر وكافة العمال المعدة لاضاءة و الانذار بالمخاطر في الشواطئ وملحقاتها

(نسخت الفقرات 1 ، 5 ، 6 ، 7 ، و1 بالمادة 423 من القانون رقم 15-41 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 154-95-1 بتاريخ

18ربيع األول 1416 موافق 16 غشت 1995)

- الطرق واألزقة والسبل والسكك الحديدية الخارجية والكهربائية والجسور وعلى العموم طرق المواصلة أيا كان نوعها التي يستخدمها العموم .

الاسالك التلغرافية والتلفونية والابنية الحديدية المعدة للتلغراف الالسلكي .

- كل الاستحكامات والتحصينات المتعلقة بالمواقع الحربية والمراكز العسكرية وتوابعها وعلى العموم كل الاراضي والاعمال

التي لا يمكن للافراد أن يمتلكوها لأنها مشاعة.

وفي العمل القضائي يعتبر ملكا عاما، كل ملك مخصص قانونا وفعليا من أجل منفعة عامة، حيث جاء في حيثيات الحكم عدد 833 بتاريخ 10/12/2002,صادر عن المحكمة الادارية بفاس : وحيث أن المقصود فقها و قضاء بالاموال

العامة سواء كانت للدولة أو للجماعات أو المؤسسات العمومية ,هي تلك الوسائل المادية التي تستعين بها الجهات

الادارية على ممارسة نشاطها خدمة للصالح العام، و يشترط لاعتبارها أموالا عامة أن تكون مخصصة للمنفعة العامة

بالفعل آو بمقتضى القانون، من جهة أخرى, والتخصيص بالفعل معناه رصد المال العام لاستعمال الجمهور مباشرة ,أما

التخصيص بالقانون فهو متى ينص القانون على اعتبار مال معين من الاموال العامة". وجاء في حكم المحكمة الادارية بوجدة ، بأمر استعجالي عدد77 /2001 بتاريخ 24/1/2002 "وحيث انه إذاكان المال العام هو ما تملكه الدولة و الاشخاص الاعتبارية العامة التابعة لها من عقارات و منقولات مخصصة بالفعل أو

بمقتضى القانون للنفع العام و خدمة المصلحة العامة و تسيير المرفق العام.

ومن خصائص الاملاك العمومية سواء التابعة للدولة أو الجماعات الترابية، انها غير قابلة للتفويت أو التملك، أو الحجز عليها ، كما أنا

الدعاوى المرتبطة بها لا تخضع لنظام التقادم. الا ان ذلك لا يمنع من الترخيص باستغلالها مؤقتا، اذا كان ذلك لا يضر بالمنفعة العامة،

كما يمكن وبموجب أحكام الفصل 5 من ظهير فاتح يوليوز 1914 اخراج بعض الأملاك العمومية من حيز التقييد، إذا ظهر أنها ليست ذات منفعة عامة، وذلك بناء على طلب وزير التجهيز والنقل وتعتبرعندئد ملكا خاصا الدولة.

 

المطلب الثاني: الأملاك الجماعية العامة.

 

كما اشرنا سابقا فقد سن ظهير فاتح يوليو 1914 قاعدة الملك العام بالمغرب من خلال ديباجته التي جاء فيها الاملاك العامة هي التي لا يسوغ لأحد أن

ينفرد بتملكها،كما هو جاري به العمل في باقي المماليك لانها على الشياع بين الجميع "وهو نفس الاتجاه الذي اخد به المشرع في

ظهير 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالاملاك المختصة بالبلديات حيث حدد الأملاك الجماعية العامة في الفصول 2 و3 و 4

وهكذا تدخل في عداد الاملاك العمومية البلدية جميع الاملاك التي خصصت بها صريحا ويمكن ان تشمل الاملاك العمومية

البلدية المشار اليها

- الازقة والطرق والارصفة والاجنة العمومية، وذلك ما يعتبر تابعا لما ذكر من الازقة والطرق. كبعض الاشغال والاثار البنائية

مثل التماثيل وما شاكلها وأيضا عيون الماء والتجهيزات المعدة لإلنارة.

- المياه المعدة للمدينة وكذلك القواديس والقنوات ومجاري المياه واألحواض المجتمعة فيها المياه لتوزيعها وغير ذلك من

التجهيزات التي تدخل في الاملاك العمومية في المغرب" طبقا للشروط الواردة في ظهير فاتح يونيو 1914.

- "المقابر ماعدا المقابر الاسالامية والاسرائيلية"،

أما من حيث خصائص الأملاك الجماعية العامة، فقد جاء في الفصل الثالث منح ظهير 1921 على ان الاملاك العمومية البلدية لا تفوت ولا تبطل حق ملكيتها بمرور الزمان، ولا الحجز عليها.

بالاضافة الى ان ظهير 28 يونيو 1954 بشأن الاملاك التي تملكها الفئات المزودة بجماعات إدارية قد حدد الاملاك العامة في

الفصل 3: بنصه على

جواز ية ان تضم أيضا الى الملك العمومي الاملاك التي ورد بيانها وذلك نظرا إما لتخصيصها بما يهم العموم او

لاستعمالها لتسيير شؤون المصالح العمومية المحلية التابعة للجماعات الادارية، ومن بين هذه الاملاك على الخصوص :

- المسالك والطرق والازقة والمساحات والبساتين او الحدائق العمومية والمحلات المجهزة بشؤون الانارة والبواليع

- المياه التي يشربها الناس او التي هي معدة إلرواء المواشي وكذا الاجهزة المعدة لذلك

- العقارات كالاسواق ومرافقها والفنادق والمجازر والآثار والحمامات المعدة لازالة الطفيليات المصابة بها البهائم.

وتستتنى من الأملاك العامة للدولة و الجماعات الترابية

كل الاملاك التي لا تدخل في

دائرة الاملاك العامة

حيث يسري على على الملك الخاص للدولة و الجماعات جميع الحقوق المرتبة على الملك الخاص كحق الملكية وحق الاستعمال و حق الاستغلال ... و يجوز التصرف في هذه الاملاك

وتترتب عنها جميع الحقوق المتصلة بحق الملكية كحق الاستعمال حيث تخضع مبدئيا للحجز و التقادم ...كما

- يمكن اقتناء الملك الخاص.

و يتم تدبير ملك الخاص (الدولة) من طرف وزارة المالية )مديريةاملاك الدولة.اما أملاك الجماعات الترابية فيتم تدميرها من طرف رؤساء الجماعات الترابية .

وعليه فالملك العام للدولة و الجماعات الترابية، يخضع أن لقواعد القانون العام، وتخلص بالنظر في المنازعات المتعلقة به لولاية المحاكم الإدارية.

و كما تشرت سلفا و طبقا للفصل 3 من ظهير 19 أكتوبر 1921 المتعلق بالاملاك البلدية وكذلك الفصل 8 من ظهير 28 يونيه 1954

المتعلق بأملاك الجماعات القروية، فإنه

- غير قابل للتفويت

- غير قابل للحجز عليها أو اكتسابها بالتقادم

- لا يجوز نزع ملكيتها تطبيقا لمقتضيات الفصل 4 من ظهير 6 ماي 1982 المتعلق بنزع الملكية لاجل المنفعة

العامة والاحتلال المؤقت"، و تمسك الجماعات الترابية سجلا تقوم بتضمينه جميع ممتلكاتها الخاصة وسجل اخر خاص بالاملاك العامة، ويتضمنان جميع المعطيات المتعلقة بكل عقار على حدة وعموما يشكل لوحة قيادة للممتلكات، ويخضع للمراقبة مرتين في السنة من طرف العامل،وذلك بموجب

مقتضيات المادة 101 من القانون التنظيمي المتعلق بالجهات، و

المادة 95 من القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والاقليم

و احكاك المادة 94 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات، هذا ويحظى الملك العام للدولة والجماعات بمجموعة من المقتضيات القانونية ، نورد منها على سبيل الاستثناء لا الحصر ما

نصت عليه المادة 80 من قانون التعمير، والتي جاء فيها، على أنه إذا أقيم بناء على ملك من الأملاك العامة جاز للسلطة المحلية بالرغم من القواعد الاجرائية المقررة في هذا الباب أن تقوم تلقائيا بهدمه على نفقة مرتكب المخالفة ودون الاخلال بتطبيق العقوبة المقررة على المخالفة المرتكبة، وكذلك ما جاء به

القانون الصادر في 6 ماي 1982 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة و الإحتلال المؤقت في المادة 4 منه بالقول «على انه لا يمكن نزع ملكية المساجد و الأضرحة و المقابر كما لا يمكن نزع ملكية العقارات التابعة للأملاك العمومية و الأبنية العسكرية، وكذلك

حماية الأماكن المعدة للعبادات (الفصل 223 من القانون الجنائي)بما فيها حماية المقابر وحرمة الموتى.(الفصول من 268إلى272) و حماية منقولات الملك العام (الفصل 596 من القانون الجنائي) الى جانب حماية تنفيذ الأشغال العمومية (الفصل 308 من القانون الجنائي) دونما ننسى كذلك الحماية المتعلقة بالطرق و المحافظة على الصحة العمومية(الفصل 609 ق ج ) وتلك الواردة كذلك بالمادة 12 من قانون رقم 9.96 المتمم للظهير الصادر في 30 نونبر 1918 المتعلق بالاحتلال المؤقت للملك العمومي

 

المبحث الثاني: هل يمكن ترتيب الأصل التجاري على ملك الدولة العام والأملاك الجماعية العامة؟

 

المطلب الاول: الملك العام للدولة و الاملاك الجماعية لايرتب عليها الأصل التجاري بقوة القانون.

 

تعتمد الدولة والجماعات الترابية في تدبير شؤونها على بنية عقارية تختلف طريقة استعمالها باختلاف نظامها القانوني، وتعكس ازدواجية الملك الذي لا يخلو أن يكون إما ملكا عاما أو ملكا خاصا، أما الملك العمومي العام فإنه يتضمن الأملاك المخصصة للاستعمال العام، ويخضع في تسييره لوزارة التجهيز ، وفي الجماعات الترابية لرؤساء الجماعات الترابية، وكما اسلفتا ذكره، فهذا النوع من الاملام غير قابل لأي تصرف أو تفويتا او حجر عليه ، كما لا يرتب عليها اي حق عيني او مدني، بما في ذلك اقامة اصول تجارية عليها ، او حق التولية، في حين أن

الملك الخاص هو ذلك الملك الذي لا يخصص في طبيعته للمنفعة العامة، وإنما يكون الغرض من تملكه مجرد استغلاله وهو محمي مبدئيا بالحماية القانونية للأملاك الخاصة، ويتكون الملك الخاص للدولة من مجموع الأملاك العقارية و كذا المنقولات العائدة ملكيتها للدولة، والجماعات الترابية، و التي لا تدخل ضمن الملك العمومي، و تنقسم إلى تلاتة انواع من الأملاك، يخضع كل واحد منهما لنظام قانوني مستقل و يتعلق الأمر بـ :

* ملك خاص خاضع في تدبيره لوزارة الاقتصاد والمالية (مديرية أملاك الدولة).

* ملك خاص غابوي خاضع في تدبيره للمندوبية السامية للمياه والغابات و محاربة التصحر.

* ملك خاص بالجماعات الترابية؟ ويخضع الملك الخاص للدولة من حيث المبدأ لقواعد قانون الالتزامات و العقود (القانون المدني)، لكونه قابل للتفويت و التصرف بشتى الطرق (بيع، كراء، معاوضة، تخصيص و غيره، وتماشيا مع هذا التنوع في الملك العام، وبالرجوع إلى ما أقره ظهير 24 ماي 1955 سابقا من استثناءات تقع خارج نطاق تطبيقه، نجد الفصل 40 منه ينص على أنه: “لا تطبق مقتضيات هذا الظهير على العقود المبرمة بشأن الأملاك أو الأماكن التابعة إلى الأملاك الخاصة بالدولة الشريفة أو بأشخاص آخرين أو بالجماعات العمومية إن كانت تلك الأملاك مخصصة لمصلحة عمومية أو كانت عقود كرائها يستثنيها استثناء صريحا لشؤون تجارية أو صناعية أو مهنية”. الأمر الذي يكون معه مجال تطبيق ظهير 24 ماي 1955 على عقارات الدولة والجماعات ينحصر في الأملاك التالية: 1- أملاك الدولة أو الجماعة التي لا تخصص للمصلحة العامة. 2- الأملاك التي يقع الاتفاق حين التعاقد على استغلالها لشؤون تجارية أو صناعية أو حرفية، ومن ثمة، فإن مجال إعمال الظهير ينحصر بالأساس في الأملاك الخاصة للدولة أو الجماعة، والتي تقوم على أساس معيار التسيير الخاص دون الأملاك العامة، والتي تنبني على أساس معيار المصلحة العامة وهو الاتجاه الذي أيدته محكمة الاستئناف بالرباط حين أكدت أنه: “يحق لقضاة الواقع أمام اتفاقية سميت باتفاقية كرائية مانحة لحق الانتفاع بجزء من الملك العام للدولة أو البلدية أن يعيدوا لهذه الاتفاقية خاصيتها القانونية، إن هذا الملك غير قابل للكراء حسب مقتضيات التشريع الجاري به العمل والتي تعطي للدولة أو البلدية وحدها حق منح رخص بالاحتلال بطريقة عارضة وقابلة للفسخ”. ومن جهة اخرى فقد حددت المادة الثانية من القانون الجديد رقم 49/16 المتعلق بكراء المحلات التجارية مجموعة من عقود الكراء التي تم استثناءها وعدم خضوعها لهذا القانون على سبيل الحصر في:

أ- عقود كراء العقارات أو المحلات التي تدخل في نطاق الملك العام للدولة أو في ملك الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية.

بصريح العبارة إذن فإن العقارات التي تدخل في نطاق الملك العام للدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية، لا يمكن أن تكون محل لعقود كراء تجارية أو حرفية أو صناعية ولا يترتب على هذه العقود تأسيس أصول تجارية كما لا يمكن الاستفادة من الحماية القانونية التي يكرسها القانون 49.16 وعليه فلا يجوز التمسك باكتساب الملكية التجارية بناء على عقود الكراء المنصبة على الملك العام للدولة أو الجماعات الترابية، ما عدا الاملاك

المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي التي تدخل في نطاق الملك الخاص للدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية، ما لم تكن مرصودة للمنفعة العامة.

فالأصل التجاري يكتسب بمقتضى المادة الأولى من قانون 49/16 على العقارات التي تخضع له،في حين أن الملك العام للدولة و الجماعات الترابية خارجة عن مجال تطبيقاته.

 

المطلب الثاني : تطبيقات العمل القضائي في تكريس مبدأ عدم جوازية ترتيب الأصل التجاري على الأملاك الجماعية العامة والملك العمومي للدولة.

 

قضت به محكمة الاستئناف بالرباط في أحد قراراتها الصادر بتاريخ 29 يونيه ) 1962 والذي جاء فيه ملازمة الحق في الكراء لصاحب الأصل التجاري على ملك جماعي إنما يقضي” أن يكون الكراء الذي يربط بينه وبين الجماعة عقدا عاديا لا يتضمن في ثناياه شروط غير مألوفة في القانون العادي تهدف إلى فرض واجبات المصلحة العمومية على المتعاقد”.

حددها المشرع على سبيل الحصر.

أ- عقود كراء العقارات أو المحلات التي تدخل في نطاق الملك العام للدولة أو في ملك الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية.

بصريح العبارة إذن فإن العقارات التي تدخل في نطاق الملك العام للدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية، لا يمكن أن تكون محل لعقود كراء تجارية أو حرفية أو صناعية ولا يترتب على هذه العقود تأسيس أصول تجارية كما لا يمكن الاستفادة من الحماية القانونية التي يكرسها القانون 49.16 وعليه فلا يجوز التمسك باكتساب الملكية التجارية بناء على عقود الكراء المنصبة على الملك العمومي للدولة، وفي هذا السياق جاء في

قرار للمجلس الأعلى عدد 196 بتاريخ 31 / 10 / 1985 بالملف الاداري عدد 8782. مايلي:

لما كان الطاعن ليست له صفة المكري وإنما مجرد مرخص له

بالاحتلال المؤقت للملك العام فإن دفعه باكتساب الحق التجاري لم يكن ليشكل دفعا جديا .."قرار المجلس الاعلى

فالاصل التجاري وباعتباره مال منقول يشمل جميع الاموال المنقولة التي يخصصها التاجر لممارسة نشاطه التجاري، ويتكون من مجموعة عناصر مادية ومعنوية متحدة فيما بينها لا يمكنه أن يشكل حقا لمستغلي الأملاك العامة،وهذا ما أقره قرار المجلس الأعلى عدد 196 بتاريخ 31 / 10 / 1985 بالملف الداري عدد 8782 حيث جاء فيه:

لما كان الطاعن ليست له صفة المكري وإنما مجرد مرخص له

بالاحتلال المؤقت للملك العام فإن دفعه باكتساب الحق التجاري لم يكن ليشكل دفعا جديا .."قرار المجلس الاعلى

وفي الاخير نود الإشارة إلى كون مستحقات الملك العمومي، لا تعتبر وجيبة كرائية بمفهوم القانون المنظم لعقود الكراء المدنية و التجارية ، بل نراها تشكل إثاوة كلما تعلقت بالملك العام للدولة، حيث قضت المحكمة الإدارية بالرباط في

حكما رقم 172 بتاريخ 2007/2/8 ملف رقم 24-07غ على أنه :

…”حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار الضمني الصادر عن وزير التجهيز برفض التشطيب على اسم زوج الطاعنة من رخصة استغلال الملك العام البحري، وبتحويلها بمفردها لتصبح المسؤولة عن أداء الإتاوة المطبقة حاليا مع ترتيب الأثار القانونية.

ومن جهة أخرى تشكل رسما جبائيا كلما تعلقت بملك جماعي عام حسب مقتضيات قانون 47/06 المنظم للمستحقات الجبائية المستخلصة لفائدة الجماعات ،مما لا يجعل من اكتساء طابع الوجيبةالكرائية،وبالتالي لا يمكن أن تخضع لمقتضيات التصرفات الواقعة على الأملاك الخاصة، وهذا ما ذهبت اليهاالمحكمة الادارية بالدار البيضاء بتاريخ 19 يناير 2004 بمناسبة إصدارها لحكم في الملف رقم 149/2003 غ بأنه " وحيث إن كانت "الأملاك الجماعية العامة " لا تقبل التصرفات المألوفة في القوانين الخاصة كالبيع والهبة والكراء والحجز والتقادم، فإنها قابلة للاستغلال الذي لا يتنافى مع تخصيصها للمنفعة العامة ..

وفي الاخير أود أن أشير انه كلما تعلق الأمر بالملك الخاص للجماعات آنذاك تطبق عليه مقتضيات القانون الخاص،وهذا ما جاء في

القرار عدد 846 بتاريخ 07/11/2007 في الملف رقم 03/06/6،

حيث مادام عقد الكراء المبرم بين الطرفين قد انصب على أحد الأملاك الخاصة للجماعة المكرية ولا يتعلق بشغل ملك جماعي حتى يمكن اعتباره عقدا إداريا، فإن العقد المذكور يندرج ضمن عقود الكراء العادية التي تطبق بشأنها قواعد القانون الخاص، فضلا عن أن النزاع ينصب حول مدى تنفيذ الجماعة المكرية لالتزاماتها الناتجة عن عقد الكراء خصوصا في مجال ضمان الاستحقاق المخول للمكتري المنصوص عليه في الفصلين 643و644 من ق.ل.ع، وبالتالي فإن الاختصاص لا ينعقد للمحكمة الإدارية للبت في النزاع.

وكلما تعلق الأمر بملك جماعي عام، إلا وتطبق عليه قواعد القانون العام، وهذا ما جاء في

القرار عدد 638 بتاريخ 26/09/2007 في الملف رقم 03/07/5

حيث ان عقد الاستغلال المؤقت لملك عمومي.. عقد إداري..

و بما أن العقد الرابط بين الطرفين يدخل في إطار العقود المتعلقة بالاستغلال المؤقت للأملاك العامة التي ينظمها ظهير 30/11/1918 ، فهو عقد إداري، وأن فسخ هذا العقد هو من القرارات المتصلة به.

إن القرارات الإدارية التي تستند إلى أحكام العقد الإداري، يكون الطعن فيها أمام القضاء الشامل وليس قضاء الإلغاء باعتبار أن هذا الأخير جزاء لمخالفة المشروعية، بينما الالتزامات المترتبة على العقود الإدارية هي التزامات شخصية، مما يكون معه طلب الإلغاء غير مقبول لوجود دعوى موازية