المحاكمة عن بعد
كإجراء مسهل للوقاية من انتشار وباء كورونا
محمد
زرفاوي
قاضي
بمحكمة الوادي بالجزائر
بعد أن
انتشر وباء كورونا العالم و مس كل الدول دون استثناء و أصبحت مواجهته صعبة ، فحتى
الدول المتطورة و التي تملك منظومة صحية متطورة وقفت عاجزة أمامه في ظل غياب لقاح
لدعم مناعة الإنسان لمواجهة هذا الوباء ، أصبح العالم كله يتكلم على الإجراءات
الوقائية العديدة الواجب اتخاذها تفاديا لانتشار وباء كورونا و أهمها التباعد ما جعل الجزائر وعلى غرار باقي
الدول توقف جميع الجلسات الناظرة في القضايا المعروضة على الجهات القضائية و
الإبقاء فقط على قضايا الموقوفين و قضايا المثول الفوري و القضايا الإستعجالية ، و
حفاظا على صحة نزلاء المؤسسات العقابية و تفاديا لانتشار العدوى في أوساطهم أصبح
لزاما تفادي إخراجهم للمحاكمة في قاعات الجلسات لتفادي انتقال العدوى أثناء نقلهم
من المؤسسات العقابية إلى المحاكم و المجالس و أصبح اللجوء لتقنية المحادثة
المرئية عن بعد هو الحل الأنسب خصوصا في هاته الظروف التي يمر بها العالم أجمع ،
ما يجعلنا وجوبا أن نتطرق للنظام القانوني للمحاكمة عن بعد في التشريع الجزائري.
أولا الأساس القانوني:
نظم
المشرع الجزائري أحكام المحاكمة عن بعد في القانون 15-03 المؤرخ في 11 ربيع الثاني
عام 1436 الموافق لـ 01 فبراير سنة 2015 المتعلق بعصرنة العدالة و بالتحديد في
الفصل الرابع منه تحت مسمى المحادثة المرئية عن بعد و الذي قسم إلى قسمين الأول
يتعلق بشروط الاستعمال و الثاني يتعلق بالإجراءات.
ثانيا : شروط
اللجوء لاستعمال المحادثة المرئية عن بعد :
نص
القانون 15-03 المتعلق بعصرنة العدالة في مادته الرابعة عشرة فقرتها الأولى على
" إذا استدعى بعد المسافة أو تطلب ذلك حسين سير العدالة ،يمكن استجواب و سماع
الأطراف عن طريق المحادثة عن بعد مع مراعاة احترام الحقوق المنصوص عليها في قانون
الإجراءات الجزائية ".
بقراءة
متأنية للفقرة الأولى من نص المادة نجدها تنص على ثلاث شروط واجبة التحقق لكي يتم
اللجوء للمحادثة المرئية عن بعد أو ما يعرف بالمحاكمة عن بعد.
1- بعد المسافة : و يقصد به لما يكون المتقاضي نزيلا بإحدى المؤسسات
العقابية التي تبعد عن مقر الجهة القضائية المعهود لها الفصل في ملفه فيجوز اعتماد
هاته التقنية لضمان محاكمة بطريقة سهلة ففي الجزائر قد يكون النزيل في مؤسسة
عقابية تبعد عن مقر الجهة القضائية بمئات الكيلومترات و تصل لأكثر من ألف كيلومتر
في العديد من المرات نظرا للمساحة الجغرافية الكبرى للجزائر و لتفادي إجراءات نقل
المحبوس التي تكلف توفير مركبات و حماية أمنية لمسافات طويلة و اتخاذ إجراءات إدارية عديدة للتمكن من نقله ما يجعل اللجوء
للمحاكمة عن بعد يذلل من صعوبات نقل المحبوس و يضمن محاكمته في شروط جيدة.
2- حسن سير العدالة : لا يعرف لهذا المبدأ تعريفا دقيقا جامعا مانعا له بل هو
مبدأ يفعل دوما حفاظا على الحقوق و صونا للحريات لأن عظمة رسالة القضاء تكمن في
حفاظه على الحقوق و صونه للحريات و عمله على استقرار الأوضاع و المعاملات و في
اعتقادي و في ظل الجائحة التي أصابت جل دول العالم و جعلت الجميع يرتكن للانعزال و
يجبر على التباعد و أجبرت الدول و حكوماتها على اتخاذ التدابير اللازمة حفاظا على
صحة الأفراد و من بين هاته التدابير توقيف العمل القضائي و الإبقاء على العمل
بالحد الأدنى ، و من ضمن القضايا التي بقيت المحاكم تنظر فيها هيا قضايا الموقوفين
مؤقتا و هذا بالنظر لحساسية قضاياهم و ارتباطها بآجال حبس محددة قانونا لا يجوز
خرقها تحت طائلة العقاب بجرم الحبس التعسفي ما يجعل الجهات القضائية ملزمة بالحفاظ
على صحة نزلاء المؤسسات العقابية مقابل ضمان لهم محاكمة عادلة تحترم فيها كل
الحقوق و لحسن سير الملف القضائي تلجأ جل الجهات القضائية في هذا الظرف إلى اللجوء
لهاته التقنية التي سهلت عمل الجهات القضائية و ضمنت محاكمة المحبوسين في ظروف
وقائية مناسبة.
3- احترام الحقوق المنصوص
عليها في قانون الإجراءات الجزائية : يعد هذا الشرط مهما جدا حفاظا على مبادئ المحاكمة
العادلة التي يجسدها قانون الإجراءات الجزائية فالجهة القضائية التي تعتمد على
تقنية المحادثة عن بعد ملزمة باحترام كل الحقوق المنصوص عليها في قانون الإجراءات
الجزائية و أهمها الحق في الدفاع و تسير الجلسة عن طريق تقنية المحادثة عن بعد
طبقا لما ورد في قانون الإجراءات الجزائية فسير الجلسة و ضمانات المتقاضين نفسها
دون تغيير.
ثالثا
إجراءات اللجوء لتقنية المحادثة المرئية عن بعد :
بالرجوع
للفقرة الثانية من المادة الرابعة عشر من قانون عصرنة نجدها تؤكد على وجوية سرية
الإرسال و أمانته و تفرض الفقرة الثالثة من نفس المادة أن يتم تسجيل التصريحات على
دعامة تضمن سلامتها و ترفق بملف الإجراءات.
كما ألزم
القانون أن يتم تدوين التصريحات التي تمت كاملة على محضر يوقع من طرف القاضي
المعهود له الفصل في الملف و أمين ضبط الجلسة ، بالإضافة إلى أن القانون اشترط في
مادة الجنح أن يتم هذا الإجراء بموافقة النيابة العامة و موافقة المعني بالأمر ،
أي أن الجهة الفاصلة في النزاع لها سلطة تقديرية في تقدير مدى توفر اللجوء لهذا
الإجراء و تقوم بعرضه على النيابة العامة و المعني بالأمر لتتم المحاكمة و في حالة
رفض ذلك تتم المحاكمة بالطريقة العادية.
و بالنظر
لما ورد من الشروط التي فرضها القانون و الإجراءات المفروض احترامها نرى أن هذا
الإجراء أصبح حتمي الوجود و واجب التفعيل خصوصا في ظل انتشار وباء كرونا خصوصا و
أنه إجراء تقني حديث لا يمس بحقوق الأطراف و لا بمبادئ العدالة و يسهل تكريس
الإجراءات الوقائية للحد من إنتشار وباء كرونا.
القاضي
زرفاوي محمد
محكمة
الوادي
06-مايو-
2020.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق