مآل عقود الشغل بعد تجاوز ازمة كورونا
مولاي حفيظ حفيضي
عضو نادي قضاة المغرب
تسارع البشرية
في كل ارجاء المعمور وباءا فتاكا قلب موازين الحياة الطبيعية وحير علماء الطب
والأوبئة، ولم يوجد له الى غاية كتابة هذه الاسطر أي دواء او لقاح يحد منه ليبقى
السبيل الوحيد لمواجهة تفشيه وسرعة انتشاره هو الالتزام بقواعد الحجر الصحي
المعلنة من قبل السلطات الحكومية لكل بلد.
وقد افادت
صحيفة foreige affaire أن الاقتصاد العالمي دخل في
حالة من الركود الشديد، وأن الانكماش سيكون مفاجئا وحادا بسبب تفشي فيروس كوفيذ 19،
متوقعة أن تكون الأثار مؤثرة لعقود قادمة.
وقد
أقدمت بلادنا على اتخاذ عدة تدابير احترازية
لمواجهة تفشي هدا الوباء بل أن
الجميع اعترف بالخطوات الرائدة التي اتخذتها
تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله و سدد
خطاه، ولعل أهمها اعلان حالة الطوارئ الصحية
بموجب مرسوم عدد 2.20.293 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 ،وتم احداث صندوق
خاص بتدبير هذه الجائحة تنفيذا للتعليمات الملكية السامية، وتم احداث لجنة اليقظة
الاقتصادية من اجل تتبع وتقييم وضعية
الاقتصاد الوطني ودراسة التدابير التي
يتعين اتخادها بهدف التخفيف من حدة الازمة ،كما تلتها قرارات وزارية
بتحديد القطاعات التي لا يعتبر المشغل فيها في وضعية صعبة
جراء تفشي كورونا و من هذه القرارات تلك المنشورة بالجريدة الرسمية عدد 6878 بتاريخ سادس رمضان 1441 الموافق لـ 30 ابريل 2020.
ومما لا
شك فيه ان هذه التدابير الاحترازية ستؤدي
الى انكماش كبير على مستوى المعاملات التجارية الخارجية والداخلية الوطنية
وستخلق ازمة اقتصادية سترخي بظلالها على المقاولات خاصة
الصغيرة والمتوسطة ،مما سيؤثر سلبا
على سوق الشغل من جراء الاغلاق
المفاجئ والاضطراري لمجموعة من
القطاعات سيليه حتما
تسريح اليد العاملة و انهاء عقود
الشغل ،الأمر الذي سيطرح عدة إشكالات
قانونية لما بعد تجاوز جائحة كوفيد وتأثيرها على استقرار علاقات الشغل، لذلك سنحاول التطرق الى بعض الإشكالات الخاصة
لمآل عقود الشغل بعد رفع حالة الطوارئ
وإعادة فتح المقاولات (المحور الأول)
تم نعرج بعد ذلك على تكييف الأثر
الناتجة عن انهاء عقود الشغل بسبب ازمة كورونا ( المحور الثاني).
المحور
الاول: مآل عقود الشغل بين توقف المقاولة ومغادرة الاجير.
أدت
جائحة كورونا الى اغلاق بعض المقاولات في حين تم السماح لمقاولات أخرى بالاستمرار
في ممارسة أنشطتها، مما يجعل الحكم على أثر هذه الجائحة على إنهاء عقود الشغل
مختلف من مقاولة مسموح لها بالاستمرار في العمل وأخرى ملزمة بالإغلاق، مما يعني ان
سبب انهاء عقود الشغل بعد تجاوز هذه الجائحة لن يخرج على سببين إثنين، إما بسبب
توقف عقد الشغل مؤقتا نتيجة الاغلاق (أولا) وإما بسبب مغادرة الأجير لعمله خوفا من
الإصابة بهذا الفيروس اللعين (ثانيا).
أولا
توقف عقود الشغل الناتج عن الإغلاق المؤقت المقاولة.
إذا كان للدائن
في القواعد العامة ان يتمسك بعدم
تنفيذ العقد للانسلاخ من التزاماته التعاقدية في حالة امتناع المدين عن تنفيذ ما بذمته
من التزامات طبقا للفصل 235 من
قانون الالتزامات والعقود ،فان هذه القاعدة ليست مطلقة في عقد الشغل [1] لما
له من خصوصيات على مستوى انجاز العمل وأداء الاجر كمحل لعقد الشغل ،حيث
يبقى التوقف عن تنفيذ الالتزامات المتبادلة بين طرفي عقد لشغل لمدة مؤقتة قد تطول وقد تقصر حسب
سبب التوقف ،وقد احسن المشرع المغربي فعلا
عندما بادر الى تحديد حالات توقف عقد الشغل في المادة 32 من مدونة الشغل، وهي حالات منها
ما يعزى الى الحالة الصحية للأجير كالمرض مهنيا كان او غير مهني او تعرضه لحادثة شغل او خلال فترة الولاد بالنسبة للأجيرة الحامل حيث يتوقف سريان عقد الشغل
بسبعة أسابيع قبل التاريخ المتوقع
للوضع المثبت بشهادة طبية وبسبعة أسابيع من بعد الوضع
بل قد تطول الى مدة عشرون أسبوعا بثمانية أسابيع قبل الوضع و أربعة
عشر اشهر أسبوعا بعد الوضع إدا ترتب عن
الحمل او النفاس مرض للأجيرة[2]،كما
يتوقف عقد الشغل بسبب مناسبات عائلية
كالولادة والختان والزواج
او بوفاة أحد أصول الأجير أو أحد أبنائه
او زوجته، او خلال فترة الاضراب المشروع[3] كما يتوقف
عقد الشغل خلال أداء اداء فترة المهام التمثيلية من قبل مندوبي الاجراء في حدود خمسة عشرة ساعة في الشهر[4]
وقد يكون التوقف بسبب مهام نيابية كما هو
حال الأجير البرلماني او مستشار جماعي ،ناهيك عن المشاركات الرياضية للقيام بالتداريب الرياضية بخصوص الأجراء المشاركين في اندية رياضية، أو قد يكون التوقف بسبب
المناداة على الأجير للخدمة العسكرية.
ومما لا
شك فيه أن جائحة كورونا ستكون لها أثار وخيمة على عقود الشغل مما يدفعنا الى
التساؤل عن مآل عقود الشغل خلال فترة الحجر الصحي هل ستؤدي هذه الجائحة الى توقف
عقد الشغل ام انها ستنهي العقد وتعفي أطراف العلاقة الشغلية من التزاماتها تجاه
الطرف الاخر باعتبارها قوة قاهرة.
تجدر
الإشارة بداية الى ان المشرع المغربي ميز
بين حالات توقف عقد الشغل وحددها في المادة 32 من المدونة في حين أورد في
المادة 33 القوة القاهرة والتي تخول لأطراف علاقات الشغل انهاء
العقد دون ان يترتب عن ذلك أي تعويض
للطرف الأخر، و نعتقد ان جائحة كورونا لا يمكن اعتبارها قوة قاهرة تخول للمقاولة
انهاء عقود الشغل وتسريح عمالها ،طالما ان هذه الجائحة لن تؤدي الى استحالة
تنفيذ عقد الشغل و استمرارية المقاولة في ممارسة أنشطتها من جهة وطالما أن السلطات
الحكومية ببلادنا قد حددت في اطار
التدابير الاحترازية المتخذة لمواجهة
فيروس كوفيد 19 القطاعات المعنية بالإغلاق لمدة
قد تطول او تقصر املا ان تعود الى
ممارسة نشاطها بشكل عادي بعد الانتصار على الفيروس اللعين، من جهة أخرى، وهو ما اكدته عليه المادة الثالثة من
القانون رقم 25.20 [5]
من أنه " تعتبر الفترة المنصوص عليها
في المادة الأولى أعلاه،( أي الفترة الممتدة من 15 ماري الى غاية 30 يونيو
2020) بالنسبة للعاملين المشار إليهم في
المادة المذكورة، في حكم فترة توقف مؤقت لعقد الشغل بالنسبة للأجراء وفق أحكام
المادة 32 من القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، وفترة توقف مؤقت لعقود التكوين
بالنسبة للمتدربين قصد التكوين من أجل
الإدماج وتظل بالتالي العلاقة التعاقدية مع مشغليهم قائمة، وتحتسب الفترة المذكورة
كمدد تأمين لتخويل الحق للأجراء المشار إليهم في الفقرة السابقة في التعويضات
المنصوص عليها في الظهير الشريق رقم 1.22.18
الصادر بتاريخ 15 جمادى الثانية 1392
الموافق ل ،22 يوليوز 1922 المتعلق بالضمان الاجتماعي و في القانون رقم
65.00 بمثابة مدونة التغطية الصحية
الأساسية، وتحول هده المدد إلى أيام باعتبار الشهر ستة وعشرين يوما.
مما يعني ان المقاولات غير المعنية بالإغلاق لا
يمكن اعتبار فيروس جائحة كورونا بخصوصها قوة قاهرة، و بالتالي أي فصل للأجير ناتج
عن ذلك سيعتبر فصلا تعسفيا كما سنبين ذلك
في المحور الثاني.
اما
بالنسبة للمقاولات التي تم توقيف انشطتها بسبب القرارات الحكومية كتلك المتعلقة
بالمقاهي وقاعات الألعاب الرياضية والحلاقة و دور السينما وانشطة النقل العمومي وغيرها،
فتعتبر تلك القرارات قوة قاهرة ( بفعل الأمير) لكنها لا يمكن ان ترتب انهاء علاقات الشغل وفسخ عقود الشغل وانما
يتوقف عقد الشغل خلال فترة الاغلاق
المحددة بموجب قرار المنع على
ان يستأنف العمل و يعود الاجير الى عمله بعد رفع
الحجر والمنع المفروض على هذه
الأنشطة وتعود الحياة الى وضعها الطبيعي.
وادا
كانت تلك المقاولات الغير المشمولة بوقف أنشطتها مجبرة
على الاستمرار في ممارسة أنشطتها
،الا انه قد تظهر بعض حالات الإصابة
بفيروس كوفيد 19 في محيطها كإصابة احد الاجراء فتكون المقاولة بإيقاف العقد
مع الاجير المصاب او المكتشف من حالات المختلطين ويتوقف العقد مؤقتا الى حين تماثل الاجير للشفاء او انتهاء مدة الحجر
الصحي المحدد من قبل وزارة الصحة على ان يعود الى عمله
بعدما يتبين خلوه من الفيروس او
بشفائه على ان تتخذ المقاولة كل تدابير حفظ الصحة والسلامة[6]،ويمكن
للمقاولة تجنبا لمخاطر
تفشي فيروس كورونا داخل محيطها التعجيل باستفادة الاجراء من عطلتهم السنوية المؤدى عنها
بعد استشارة مندوبي الاجراء والممثل النقابي عند وجودهم
وحصول توافق على ذلك[7].
ثانيا:
المغادرة بسبب جائحة كوفيد 19.
ان واقعة
المغادرة التلقائية غالبا ما تثار كدفع من قبل المشغل و يتمسك بها متى تغيب الاجير
عن عمله بدون مبرر او خارج الحالات المحددة قانونا والتي تمكن الاجير من التغيب
لمدد محددة تختلف من حالة لأخرى، ويقع على المشغل اثبات واقعة المغادرة التلقائية للأجير
طبقا للمادة 63 من مدونة الشغل وهي واقعة مادية يمكن اثباتها بكافة وسائل الاثبات
لتبقى شهادة الشهود والانذار بالرجوع الى العمل هما الوسيلتين الأكثر اعتماد في
الاثبات لبساطتها.
ومما لا
شكى فيه انه ستكون لجائحة كورونا
اثارا سلبية على علاقات الشغل الفردية
سواء خلال فترة الحجر الصحي او بعد رفعه ،حيث أنه قد تؤدي لامحالة الى
توقيف عقود الشغل او انهائها وما سيترتب عنه من فصل وتسريح لعدد من الأجراء،
كما قد تكون سببا لمغادرتهم او فرصة للمقاولة للتخلص من الأجراء الغير المرغوب فيهم،
وهي صور من الفصل عن العمل تفرزها الجائحة بعد
انتهائها و سيكون للقضاء كلمة للحسم
في تكييف صور انهاء عقود الشغل
الناتجة عنها واعطائها الوصف القانوني و ترتيب الأثر
القانونية عنها حماية لأطراف العلاقة
الشغل.
ان مغادرة
الاجير لعمله بخصوص المقاولات التي
لم تشملها القرارات السلطة الحكومية
بالإغلاق [8]
خوفا من إصابته بفيورس كوفيد 19 سيكون
في حكم المغادر تلقائيا لعمله ويحق لمشغله الاستغناء عنه و لا يمكن له بعد رفع الحجر الصحي التمسك بالفصل التعسفي طالما انه قد اختار مغادرة
عمله طوعا و في وقت
تكون فيه المقاولة في حاجة ماسة لأجرائها لتجاوز الاثار السلبية للجائحة،
ويكفي للمشغل في هذه الحالة اثبات مغادرة الاجير لعمله
خلال فترة الحجر الصحي بالرغم من
استمرار المقاولة في ممارسة أنشطتها
بواسطة شهادة الشهود دون حاجة الى توجيه
انذار للرجوع الى العمل طالما انه قد
يتعذر عليها ذلك بسبب ما تعرفه
المحاكم ومساعدي العدالة من التزام بالحجر ماعدا تلك القضايا
الاستعجالية والقضايا الجنحية
التلبسية وقد أكدت لجنة اليقضة
الاقتصادية على الحرمان من الاجر بالنسبة للأجير الذي ؽاغدر عمله دون أن
تكون المقاولة متوقفة كليا او جزئيا عن العمل، أما في حالة
مبادرة المقاولة خوفا من تفشي فيروس
كورونا داخل محيطها الى الاغلاق دون ان يشملها قرار السلطة الحكومية فإنها تظل
مسؤولة عن هذا الاغلاق و يحق
للأجير تقاضي أجرته طيلة مدة الاغلاق طالما انه
يظل مستعدا لأداء عمله و يضع نفسه
رهن إشارة مشغله ،وهو الموقف
الذي نص عليه المشرع المصري في المادة 41
من قانون العمل حيث نصت على انه:"
اذا حضر العامل الى مقر عمله
في الوقت المحدد ،وكدان مستعدا لمباشرة
عمله وحالت دون ذلك أسباب
ترجع الى صاحب العمل اعتبر كأنه
أدى العمل فعلا واستحق اجره كاملا ،اما إدا حضر وحالت بينه و بين مباشرة عمله أسباب
قهرية خارجة عن إرادة
صاحب العمل استحق نصف الاجر."
ويترتب
على اغلاق المقاولة وتسريح العمال من تلقاء نفسها فصلا تعسفيا إلا إدا اختارت
المقاولة الاستمرار في صرف أجور العمال بالرغم من توقفها عن العمل و يبقى طرح هذا
الاحتمال بعيدا ان لم يكن مستحيلا، وهو ما سيولد خلافات بين المقاولات وعمالها بعد
انتهاء فترة الحجر وحالة الطوارئ ورفع القيود عن الممارسة الاعتيادية لكل الأنشطة.
و قد
تكون مغادرة الاجير لعمله إضطرارية بسبب تفشي
مرض كورونا داخل المقاولة، وفي هذه
الحالة ستكون المقاولة ملزمة باتباع و إتخاد التدابير الاحترازية المعلن عنها من قبل وزارة الصحة
و يتعين عليها اغلاق المقاولة و يكون اغلاقها مشروعا ولا يحتاج الى ادن عامل العمالة او الإقليم ويتعين عليها التصريح بأجرائها المتوقفين عن العمل للاستفادة
من الدعم المخصص لهذه الفيئة والمحدد في مبلغ 2000 درهم يصرف من
قبل الصندوق المحدث
لمواجهة تدابير كورونا من خلال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن الفترة
الممتدة من 15 مارس الى غاية متم
شهر يونيو 2020.
هذا كل
ما يتعلق ببعض التصورات لمآل عقد الشغل بعد تجاوز جائحة كورونا ومحاولة تكييفه بين
حالات التوقف وحالات المغادرة، فماذا عن أثر الجائحة عن انهائه هذا ما سنحاول
التطرق اليه في الفرع الثاني:
المحور
الثاني أثر انتهاء عقد الشغل بين اغلاق المقاولة وفصل الاجراء:
مما لا
شكى فيه انه ستكون لجائحة كورونا اثار وخيمة
ليس فقط على مستوى المنظومة الصحية فحسب بل
ستتعداه لأكثر من ذلك لتصيب الحياة
الاقتصادية و الاجتماعية وما ستخلفه
من ركود اقتصادي واجتماعي ستؤدي حتما الى نشوب نزاعات اجتماعية بين الطبقة
الشغيلة وارباب العمل وهو نزاع
سيعرض على المحاكم بدون شك ،الامر الذي
يفرض على القضاة المكلفين بالبت في هذه القضايا
الالمام بكل هذه الظروف
والأثار السلبية لهذه الجائحة على عقود
الشغل وعلى المقاولة أيضا حتى
يتسنى لهم المساهمة في التخفيف من
تداعياتها ودلك من خلال إعطاء
التكييف القانوني الصحيح وترتيب الأثر القانونية على ذلك صونا للحقوق.
إن إنهاء
عقد الشغل بسبب مرض كورونا المستجد لن يخرج عن سببين أساسيين، الأول وقد يكون بسبب
اغلاق المقاولة (أولا) و الثاني بسبب فصل تعسفي غير مبرر تكون كورونا
ذريعة من ورائه (ثانيا).
أولا أثر
الفصل الناتج عن اغلاق المقاولة:
حدد المشرع المغربي حالات اغلاق المقاولة وجعل
أسبابها منها ما يرجع لأسباب تكنولوجية او هيكلية او ما يماثلها او لأسباب
اقتصادية، كما حدد المسطرة الواجب على المقاولة سلوكها قبل الاقدام على تسريح
الاجراء وحثها على استشارة مندوب الأجراء والممثلين النقابيين عند وجودهم وتمكينهم
من كل المعطيات والمعلومات الضرورية المتعلقة بموضوع الاغلاق ودلك وفق ما تنص عليه
المادة 66 من مدونة الشغل.
وإذا كان
الفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية متاح للمقاولة
بخصوص الأجراء الغير القادرين على مواكبة
التقنيات والوسائل التكنولوجية
الجديدة التي ادخلتها المقاولة على نمط أداء نشاطها
وكدا التقنيات الحديثة المدخلة
على طريقة ممارسة الأنشطة [9] فان الفصل لأسباب اقتصادية يتعلق
بالصعوبات المالية والاقتصادية التي تمر منها المقاولة و المرتبطة عموما بالسوق
و التسويق والعرض والطلب وتأثيرهم
على مردودية المقاولة، ويترتب عن مرور
المقاولة بهذه الصعوبات اغلاق
المقاولة و تسريح الأجراء، وقد يكون
الاغلاق كليا (فصل جماعي للأجراء) أو إغلاق جزئي
حيث ينحصر الفصل على عدد معين من الاجراء،
في حين تبقى اثر الفصل بالنسبة للأجراء
يختلف حسب ما اذا كانت المقاولة قد احترمت
الإجراءات المسطرية الواردة في
المادة 66 من المدونة حيث يستحق الأجراء تعويضا عن هذا الفصل يشمل
التعويض عن الاخطار و التعويض عن
الفصل طبقا للمادة 51 و 52 من المدونة، أما في حالة عدم احترام المقاولة لمسطرة الاغلاق فان الأجير يستفيد بالإضافة الى التعويضات المذكورة أعلاه
التعويض عن الضرر.[10]
وادا كانت الأسباب الاقتصاية والهيكلية والتكنولوجية تخول للمقاولة الاغلاق وتسريح العمال فهل ينهض مرض كورونا و تداعياته سببا اخر يمكن
للمقاولة بسببه اللجوء الى
مسطرة الاغلاق ؟
تجدر الإشارة أولا ان كورونا مرض ناتج عن فيروس كوفيد 19 لا علاقة له
بالمحيط الداخلي للمقاولة و لا
يسببه الاحتكاك و الممارسة اليومية لأنشطة
معينة مما يعني انه لا يمكن إدخاله في
زمرة الامراض المهنية حتى وان تم نقل العدوى
الى الاجراء داخل المقاولة
طالما ان جميع الأبحاث العلمية لم تثبت
اية علاقة بين هذا الفيروس و أنشطة معينة، في حين تظل
حالة اعتباره حادثة شغل واردة طالما في الحالة التي يقوم فيها اجير
مصاب بنقل العدوى الى رفاقه داخل المقاولة اذ في هذه الحالة تظل شروط حادثة شغل متوفرة
طالما ان الإصابة وقعت للأجير اثناء العمل وبمناسبته طبقا للمادة الثالثة من القانون المتعلق
بالتعويض عن حوادث الشغل التي تنص تعتبر حادثة شغل كل حادثة، كيفما
كان سببها يترتب عنها ضرر، للمستفيد من أحكام هذا القانون، سواء كان أجيرا أو يعمل
بأية صفة تبعية كانت وفي أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين، وذلك
بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به، ولو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة
أو كانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول هذه القوة أو زادت في خطورتها إلا إذا أثبت
المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في
وقوع الحادثة. ويقصد
بالضرر في مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت فيها حادثة الشغل
وأسفرت عن عجز جزئي أو كلي، مؤقت أو دائم، للمستفيد من أحكامه. [11] وما داما ان
المشرع اعتبر الحادثة التي يتعرض لها الاجير في الطريق بين منزله ومقر عمله حادثة
شغل فكان بالأحرى ان تعتبر المرض الذي
يصيب الاجير داخل المقاولة بعدوة من احد رفاقه المصابين حادثة شغل[12]
الا انه بالمقابل يمكن ادخال
مرض كوفيذ 19 في زمرة الأسباب الاقتصادية
لما له من تداعيات اقتصادية وخيمة على
المقاولات خاصة تلك المرتبطة أنشطتها بالتصدير والاستيراد بفعل اغلاق الحدود، نفس الشيء بالنسبة
للمقاولات التي شملتها قرارات السلطة الحكومية بالإغلاق
فهذه المقاولات تكون مضطرة الى
الاغلاق و تسريح عمالها مؤقتا طالما ان فترة الحجر واغلاق الحدود و المنع
يفعل السلطة ( بفعل الأمير كما يقال) هو أمر مؤقت ،وبالتالي سيكون تسريح الأجراء خلال هذه الفترة تسريح مؤقت ،وقد بادرت السلطة الحكومة بتخصيص مبلغ 2000.00 درهم لكل اجير منخرط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يؤدى
من الدعم المخصص لمواجهة جائحة كرونا من الصندوق الخاص المحدث
بتعليمات ملكية ،مما يعني انه بعد رفع الحجر الصحي
وحالة الطوارئ على بلادنا
ستعود الأمور الى طبيعتها ولا يمكن منع الأجراء من استئناف عملهم بدريعة
ان تسريحهم خلال فترة الحجر الصحي
كان قانونا، بل وقد يبادر بعض المشغلين الى
مباشرة مسطرة الفصل التأديبي
واستدعاء الاجير المتوقف عن
العمل للاستماع اليه على ان تغيبه عن العمل اكتر وتجاوز المدة المسموح بها يعتبر خطأ جسيما
يؤذي الى الفصل عن الشغل.
أما بالنسبة للمقاولات التي لم تشملها القرارات
الحكومية بالإغلاق فإنها تبقى ملزمة بالاستمرار في مزاولة نشاطها واستقبال أجرائها
ولا يمكن تسريحهم كليا او جزئيا مع العلم انه يمكن لهذه المقاولات التخفيض من
ساعات العمل و الإشتغال عن بعد وفي منازلهم وهذا العمل الأخير منظم في المادة
الثامنة من مدونة الشغل.
ثانيا
الفصل عن العمل بسبب كورونا:
قد يلجأ المشغل الى فصل الأجير أو عدة أجراء
لسبب او لعدة أسباب، وقد يكون الفصل مشروعا في حالة ارتكاب الاجير للخطأ الجسيم
وتم احترام مسطرة الفصل المنصوص عليها في المواد 62 و 63 و 64 من مدونة الشغل
ويبقى هذا الفصل في جميع الأحوال خاضعا لرقابة القضاء سواء من حيث جسامة الخطأ
الموجب للفصل او من حيث سلامة مسطرة الفصل، ودلك للحد و التصدي لأي تعسف من قبل
اطراف العلاقة الشغلية في إنهاء العقد.
والأكيد
ان تأثيرات مرض كورونا على عقد الشغل و اطرافه
ستمتد الى ما بعد بعد كورونا بعد الإعلان عن السيطرة عنها
،ومن تأثيراتها لجوء بعد المقاولات الى انهاء عقود الشغل و فصل الاجراء بسبب التدابير الاحترازية التي
تكون قد اتخدتها خلال فترة تفشي الفيروس
،وهو ما سيؤدي الى نزاعات عمالية داخل المقاولة قد تنتهي
بالفصل عن العمل لعدة أجراء
وهو ما يستوجب
اعطاء تكييف قانوني لهذا الفصل ودلك عن طريق
تحديد الحالات التي يعتبر الفصل
بسبب التدابير الاحترازية فصلا مشروعا
تم الحالات التي يعتبر فيها فصلا
تعسفيا يستحق عنه الأجير التعويض.
من بين
التدابير الاستثنائية التي قد تتخذها المقاولة
لمواجهة جائحة كورونا اتخاذ المشغل
قرار تجاوز مدة الشغل العادية [13] وتمديد مدة
الشغل العادية[14]،وهو
ما يحتم على الاجير الامتثال لمثل هذه القرارات
طالما انها لم تتجاوز الحد القانون المسموح به مقابل استفادته من أجرته
تعادل الأجرة المؤدى عن مدة الشغل
العادية ،مما يعني ان انهاء عقد بسبب
هذه التدابير لا يعتبر فصلا تعسفيا،كما قد تلجأ
المقاولة الى استدراك ساعات الشغل الضائعة بعد استشارة مدونب الاجراء والممثلين
النقابيين في حالة وجودهم شريطة عدم تجاوز
مدة الاستدراك المدة القانونية المحددة في المادة 189 من مدونة
الشغل نفس الامر بخصوص التقليص من
ساعات العمل متى
الاتفاق مع مندوب الاجراء و الممثل النقابي على الا يتجاوز التقليص
من ساعات العمل تجاوز الحد القانوني
المسموح به ودون المساس بالحد
القانوني للأجر ،على ان يؤدى هذا الأخير عن مدة الشغل الفعلية والا يقل
في جميع الحالات عن 50% من الاجر العادي[15]،هذا
يعني ان كل التدابير المتعلقة بمدة العمل والاجر
محددة قانونا و بالتالي لا
يجب استغلال جائحة كورونا لتجاوز الحد المسموح به سواء بخصوص مدة
العمل او استدراك أوقات العمل الضائعة او
توقيف الأجرة والمس بأجرتهم بالنسبة لأجراء المقاولات التي لم يشملها قرار الاغلاق
، كما انه للمشغل بخصوص بعض
المقاولات التي عرفت بسبب كورونا
ازديادا غير عادي في أنشطتها كتلك
المقاولات المصنعة للكمامات و المواد المعقمة من حقها أن
تفرض على أجرائها الإشتغال أيام الراحة الأسبوعية [16]كما
يمكنها ان تفرض عطل سنوية
سابقة على أوانها بعد الاتفاق مع
مندوب الاجراء و الممثل النقابي في حالة
وجوده شريطة حصول الاجير
على تعويض يساوي ما كان
سيتقاضاه لو بقي في عمله[17]،
على أنه يعتبر أي إنهاء لعقد
الشغل بسبب تجاوز هذه
التدابير أيا كانت دوافعها فصلا
تعسفيا يستحق عنه التعويض.
هذه اذن
بعض التدابير الاستثنائية التي يمكن للمقاولة اتخاذها لمواجهة تداعيات مرض كورونا
و التي يترتب عن عدم احترام شروطها الموضوعية و المسطرية فصلا تعسفيا مهما كانت الازمة الداعية الى
اتخادها.
خلاصة
القول ان هذه الآراء ستكون محل نقاش واسع وستثير كثيرا من الجدل الفقهي في وسط المهتمين
والباحثين والممارسين لقضايا نزاعات الشغل، وستنتج اتجاهات مختلفة مما سيثقل كاهل القضاء
المطالب بتوحيد الإتجاه والتطبيق السليم للنص القانوني، و لن يتأتى له ذلك الا من خلال
القراءة المتأنية لواقع النزاعات الناتجة عن جائحة كورونا والدراسة القبلية
للملفات المعروضة عليه.
[1] محمد سعيد بناني
علاقات الشغل الفردية الطبعة 1981 ص 525.
[2] - انظر المادة 154
من مدونة الشغل.
[3] محمد الشرقاني
مشروعية الاضراب
[4] انظر المادة 456 من مدونة الشغل
[5] القانون المتعلق
بسن تدابير استثنائية لفائدة المشغلين المنخرطين
بالصندوق الوطني للضمان
الاجتماعي و العاملين لديهم
المصرح بهم و المتضررين من تداعيات تفشي جائحة
فيروس كورونا "كوفيد 19"
الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.20.59 بتاريخ 29 شعبان 1441 الموافق ل، 23 ابريل 2020
المنشور بالجريدة الرسمية عدد 6877
بتاريخ ثالث رمضان 1441 الموافق لـ 27 ابريل 2020.
[6][6] انظر المادة من مدونة الشغل
[7] انظر المادة 245 من مدونة الشغل.
[8] حسب قرارا وزير
الصناعة والتجارة والاقتصاد الرقمي الصادر بتاريخ فان المقاولات التي لم يشملها
قرار الاغلاق هي:
[9] امينة رضوان
:حقوق الاجراء في نظام صعوبات المقاولة الطبعة 2017 ص 75.
[10] انظر المادة 70 من
مدونة الشغل
[11] قانون رقم 12-18 المتعلق بالتعويض عن حوادث
الشغل.
[12] تنص المادة الرابعة من القانون رقم 18-12 على: تعتبر كذلك بمثابة حادثة شغل الحادثة الواقعة للمستفيد من أحكام هذا
القانون في مسافة
الذهاب والاياب بين:
- محل الشغل ومحل إقامته الرئيسية أو
إقامة ثانوية تكتسي صبغة ثابتة أو أي محل
آخر يتوجه إليه بصفة اعتيادية؛
- محل الشغل والمحل الذي يتناول فيه
بصفة اعتيادية طعامه وبين هذا الاخير ومحل
إقامته.
وال تعتبر الحادثة بمثابة حادثة شغل
إذا انقطع أو انحرف الاجير أو المستخدم عن
مساره المعتاد لسبب ال تبرره الحاجيات
الاساسية للحياة العادية أو تلك المرتبطة بمزاولة
النشاط المهني للمصاب.
[13] انظر المادة 191 من مدونة الشغل.
[14] انظر المادة 192
من م ش
[15] انظر المادة 185
من م ش.
[16] انظر المادة 212 من م ش.
[17] انظر المادة 249
من م ش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق