مدى استيعاب قانون حوادث الشغل والامراض
المهنية لوباء كوفيد 19
من اعداد
ذ/ محمد حاجي باحث في القانون الخاص
(باحث في صف الدكتوراه، محامي متمرن بهيئة
وجدة)
لم يكن المغرب بمنأى عن
التداعيات السلبية لفيروس "كوفيد 19" الذي انتشر في جل دول العالم، وفي
ظل التنامي المستمر لتأثيرات انتشار الفيروس على اقتصادات الدول، سارعت هذه
الاخيرة لاتخاذ عدة تدابير وإجراءات احترازية، بهدف احتواء هذه الجائحة.
وفي مقدمة التدابير الاحترازية
ذات الطابع الاجتماعي التي اتخذتها الدولة المغربية نجد حضر التجول للتخفيف من
الحركة وفرض الالتزام بوسائل الوقاية والتباعد الاجتماعي، وهو الامر الذي يسري على
المقولات كذلك، خصوصا انها تضم تجمع عدد كبير من الاجراء، مما يعني ان احتماية
الاصابة بهذا الفيروس قائمة وبحدة.
وتكمن اهمية دراسة هذا
الموضوع في حالة إذا أصيب أجير في مقاولة خاضعة لنطاق القانون رقم 18.12 المتعلق بحوادث الشغل والامراض المهنية بهذا
الوباء، فهل يمكن تكييفها على انها حادثة شغل، مع العلم ان هذا القانون قد حدد
معايير وشروط لاعتبار أي اصابة حادثة شغل، كما أنه حمل عبء الاثبات على المشغل وهو
امر في غاية المشقة بالنسبة لهذه الحالة، مما يطرح معه التساؤل حول مدى استيعاب
هذا القانون للاصابة بفيروس كوفيد 19، وهل تتوفر في هذا الاخير معايير وشروط حادثة
الشغل؟
معايير حادثة شغل في
القانون 18.12
عرف المشرع المغربي حادثة
الشغل ﻓﻲ المادة اﻟﺛﺎﻟثة ﻣن اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 18.12 المتعلق بحوادث الشغل والأمراض
المهنية بأنها " تعتبر حادثة شغل كل حادثة، كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر،
للمستفيد من أحكام هذا القانون، سواء كان أجيرا أو يعمل بأية صفة تبعية كانت وفي
أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين، وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند
القيام به، ولو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أو كانت ظروف الشغل قد تسببت
في مفعول هذه القوة أو زادت في خطورتها إلا إذا أثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد
العامة للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة..."، ومن خلال
هذا التعريف يمكن أن نستنج
بأن المشرع وضع معيارين لوصف الحادثة بأنها حادثة شغل وهما معيار الضرر ومعيار التبعية.
اولا: معيار الضرر
قبل دخول اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 18.12
المتعلق بحوادث الشغل والأمراض المهنية حيز النفاذ لم يكن ظهير1963 يشترط هذا
المعيار بصراحة إلا ان الفقه والقضاء اجمعا على اشتراط توفره الى جانب الفعل الضار
والعلاقة السببية بين الضرر والفعل الضار حتى يتم اعتبار الحادثة بأنها حادثة شغل،
واﻟﻘﺎﻧون رﻗم 18.12 لم يكتفي بالاعتماد على هذا المعيار بل افرد له تعريفا خاصا وذلك في الفقرة الثانية من المادة الثالثة
"بأنه كل اصابة جسدية او نفسية تسببت فيها حادثة الشغل وأسفرت عن عجز جزئي او
كلي مؤقت او دائم للمستفيد من أحكامه".
وبالتالي هل يمكن ان يستوعب
هذا المقتضى الاصابة بفيروس covid19، ما دام هذا الاخير يلزم الاجير المصاب
فراش المرض كما يمكن ان يقضي نحبه لا قدر الله، وخصوصا بالنسبة للعمال الذين قد
يتعرضون لعناصر كيميائية أو فيزيائية أو بيولوجية لدى مزاولتهم أنشطة العمل، أو
أولئك الذين قد يعانون من الأمراض التنفسية أو الجلدية، أو الاضطرابات العضلية
الهيكلية...
بالنسبة لهذا المعيار من
وجهة نظرنا فهو موجود في هذا الوباء الى حد الان، لكن بالنسبة لمنظمة الصحة
العالمية وكذا وزارة الصحة المغربية لم تكملا ابحاثهما عن هذا الوباء لكي يتم
تصنيفه إما في خانة الامراض المزمنة اذا كان سيخلف في المصابين بعض الاضرار، او في
خانة الامراض الموسمية اذا ثبت بأنه مجرد زكام عادي.
ثانيا:
معيار التبعية
ان اعتماد معيار التبعية في
القانون رقم 18.12 لاعتبار الحادثة التي يتعرض لها الاجير بأنها حادثة شغل الحادثة،
يجب ان يتعرض لها -الأجير- من جراء الشغل او عند القيام به او أي شخص يعمل باي صفة
كانت لحساب مشغل او عدة مشغلين.
وأهمية هذا المعيار تكمن في التمييز بين العقود التي تتشابه مع عقد
الشغل كعقد المقاولة الذي يتميز عنه بعنصر التبعية، وبتكريس المشرع لهذا المعيار
يكون قد تبنى إجتهادات محكمة النقض في هذا الشان والتي كانت تعتمد على عنصر
التبعية في القول بعدم استحقاق المقاول لأي تعويض عن الحادثة التي يتعرض لها
بمناسبة عمله.
شروط اعتبار الاصابة بفيروس
covid 19
حادثة شغل
الاصل
ان لاعتبار اي اصابة ﺣﺎدﺛﺔ ﺷﻐل، يجب ان تتوفر ﻓﯾﻬﺎ اﻟﺷروط
اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ:
اولا: أن ﺗﺣدث اﻹﺻﺎﺑﺔ ﺿررا
ﺑﺟﺳم اﻷﺟﯾر
ﻛﻲ ﺗﺗﺣﻘق ﺣﺎدﺛﺔ اﻟﺷﻐل
اﻟﻣوﺟﺑﺔ ﻟﻠﺗﻌوﯾض ﻻ ﺑد ﻣن وﻗوع ﻓﻌل ﺿﺎر ﻣس بجسم اﻷﺟﯾر ، والاصابة بفيروس covid
19 يتوفر فيها
هذا الشرط من وجهة نظرنا فكما سلف الذكر فهذا الفيروس يجعل المصاب به يتعرض لازمة
تنفسية، كما انه اذا كان لديه - الاجير- اي مرض سابق فستكون مضاعفات هذا المرض
اكبر .
ثانيا: أن ﺗﻘﻊ اﻟﺣﺎدﺛﺔ ﺑﺷﻛل
ﻣﻔﺎﺟﺊ
ﯾﺷﺗرط ﻓﻲ اﻹﺻﺎﺑﺔ ﻟﻛﻲ ﺗﻛﯾف
على أﻧﻬﺎ ﺣﺎدﺛﺔ ﺷﻐل أن ﺗﻘﻊ بشكل ﻣﻔﺎجئ وغير متوقع وهو الامر الذي يحصل مع فيروس covid
19 بحيث ينتقل
بسرعة ودون ان تكون اي اثار على المصاب خاصة في مرحلة حضانة الفيروس والتي يمكن ان
تمتد الى 14 يوما حسب علماء الاحياء.
واﻹﺻﺎﺑﺔ بهذا الفيروس وﻟو
ﻛﺎن أﺛرﻫﺎ اﻟﺿﺎر ﻟن ﯾظﻬر إﻻ ﺑﻌد ﻓﺗرة ﻣن اﻟزﻣن، فهي تعتبر حادثة مفاجئة.
ثالثا: أن ﯾﻘﻊ اﻟﺣﺎدث أﺛﻧﺎء
اﻟﺷﻐل أو ﺑﺳﺑﺑﻪ
ان إﺿﻔﺎء صبغة ﺣﺎدﺛﺔ اﻟﺷﻐل
على كل حادث توفر فيه الشرطين السابقين لا يمكن التسليم به الا اذا حصل في مكان العمل او بسببه وذﻟك ﺣﺳب ﻣﻘﺗﺿﯾﺎت
اﻟﻣﺎدة 3 ﻣن اﻟﻘﺎﻧون رﻗم 12.18.
ومفاد ذلك أﻧﻪ ﻟﻛﻲ ﺗﻌﺗﺑر
اﻟﺣﺎدﺛﺔ اﻟﺗﻲ ﻟﺣﻘت ﺑﺎﻷﺟﯾر ﺣﺎدﺛﺔ ﺷﻐل ﻻ ﯾﻛﻔﻲ أن ﯾﻛون اﻟﻔﻌل اﻟﺿﺎر اﻟﻣﺎس ﺑﺟﺳم اﻷﺟﯾر
ﻣﻔﺎﺟﺋﺎ ﺑل ﻻ ﺑد أن ﯾﻛون ﻛذﻟك ﻧﺎﺗﺟﺎ ﻋن أداء اﻟﺷﻐل أو ﺑﺳﺑﺑﻪ، وهو ما يستفاد من
مقتضيات اﻟﻣﺎدة اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻣن اﻟﻘﺎﻧون رقم 18.12.
ومكان العمل يمكن ان ﯾدﺧل
ﻓﻲ ﻧطﺎقه كل ﻣﻛﺎن ﯾﻧﺟز ﻓﯾﻪ اﻟﺷﻐل وﻣراﻓﻘﻪ وﻣﻠﺣﻘﺎﺗﻪ ﻛﻘﺎﻋﺎت ارﺗداء اﻟﻣﻼﺑس أوﺗﻧﺎول
اﻟطﻌﺎم أو أداء اﻟﺻﻼة أو ﻏﯾرﻫﺎ، وﯾﻌﺗﺑر من قبيل ﻣﻛﺎن العمل ﻛذﻟك ﻛل مكان ﯾﻧﺗﻘل
إﻟﯾﻪ اﻷﺟﯾر ﺑﺄﻣر ﻣن ﻣﺷﻐﻠﻪ ﻹﻧﺟﺎز ﻣﻬﻣﺔ ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺷﻐل، وهو ما نصت عليه المادة
الرابعة من القانون السالف الذكر.
اما زﻣﺎن اﻧﺟﺎز اﻟﺷﻐل فهو
الوقت الذي يقضيه الاجير في عمله ويدخل في نطاقه ﻓﺗرات الاستراحة وكذا الزمن الذي
يقضيه الاجير في التنقل من والى مقر عمله.
وهذا التفصيل في مكان وزمان
العمل له اهمية بالغة في تحديد مسألة اثبات إصابة
الأجير بفيروس covid
19 خلال
العمل.
ان عبء الاثبات من حيث الاصل يقع على عاتق المدعي، لكن القانون
المتعلق بحوادث الشغل والأمراض المهنية حمل المشغل هذا العبء، وهو امر ليس بيسير
فيما يخص اثبات ان الاصابة بهذا الوباء لم تكن داخل نطاق مكان العمل.
لكن من وجهة نظرنا نرى بأنه
في حالة تعدد المصابين داخل المقاولة فإنها تعتبر قرينة على ان الاجراء اصيبوا
داخل مكان العمل، ولكن يبقى على المشغل واجب اثبات انه وفر مستلزمات الوقاية، وكذا
انه قام بالاجراءات الاحترازية لتفادي الوباء.
اما في حالة اصابة اجير
واحد فقط فيصعب اثبات انه اصيب خارج مكان العمل، مما سيكون
معه للقضاء دور هام
وسلطة تقديرية واسعة
في تقدير ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق